The Concept of Exclusion Free Insurance

ريتشارد هارتيغان*: النظر في مفهوم التأمين الخالي من الاستثناءات

ترجمة: مصباح كمال**

نشرت هذه المقالة في الاكتواري، مجلة أسبوعية يصدرها معهد وكلية الاكتواريين البريطانية

The Actuary

The Magazine of the Institute and Faculty of Actuaries

نشرت الترجمة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/12/ريتشارد-هارتيغان-النظر-في-مفهوم-التأمين-الخالي-من-الاستثناءات.pdf

تقديم

أقدمنا على ترجمة هذه المقالة لأنها تضم أفكارًا جديدة جريئة لم نطلع عليها سابقًا، عرضها الكاتب بسرعة، مختتمًا، بتواضع العالم، بإثارة سؤال: هل أن هذه الفكرة مكتملة؟  إن مجرد إثارة السؤال تشير إلى أن الكاتب يعرف الإشكاليات التي تنتظم وجود/عدم وجود الاستثناءات في وثائق التأمين، وهذه تحتاج إلى دراسات عديدة.  نعرف بأن وثائق التأمين قد تطورت، تاريخيًا، نحو التوسع في نطاق الحماية التأمينية للمؤمن لهم إما بإدخال تغطيات إضافية أن استبعاد استثناءات خاصة ببعض المخاطر والأموال المؤمن عليها.  ولعل خير مثال بهذا الشأن، هو تطوير التأمين على الممتلكات، فبدلًا من تسمية الأخطار المؤمن عليها كالحريق والانفجار والسرقة وعطب المكائن، على سبيل المثال، صار التأمين قائمًا على ما يُعرف بالتأمين من “كافة الأخطار”، وهي تسمية تحتاج إلى شرح كي لا يُساء فهمها من قبل المؤمن لهم.

نأمل أن نقوم في المستقبل بالكتابة عن موقع الاستثناءات في بعض وثائق التأمين.

بوليصة تأمين بدون استثناءات – مستحيل؟

لا أعتقد ذلك. شكَّلت هذه الفكرة واحدة من النقاط المركزية للعرض الذي قدمته إلى معهد الاكتواريين الأسترالي في أيار/مايو 2021، تحت عنوان “اقتراح كبير للمخاطر غير القابلة للتأمين”.

بصفتنا ممارسين في مجال عملنا، من السهل جدًا إهمال سبب وجود التأمين وإبقائه بعيدًا عن أذهاننا.  إن الأطراف الثلاثة (المؤمِن، شركة التأمين، الحكومة) لها مصلحة مشتركة في ضمان “الحصول على التأمين بشكل صحيح.” ‘getting insurance right’ فالتأمين هو زيت التشحيم للاقتصاد.  وللحكومة مصلحة قوية في تعزيز صناعة تأمين صحية وعادلة وتنافسية باعتبارها سياسة عامة “جيدة”. ‘good’ public policy

إن التأمين يسمح للمؤمن لهم بالعودة إلى وضعهم الطبيعي بعد تعرضهم لخسارة عرضية.  وينصبُّ اهتمام المؤمن لهم في المقام الأول على حماية ميزانيتهم العمومية.  أما كيف أو أي خسارة عرضية تؤثر على ميزانيتهم العمومية فإنها مسألة ليست مبعث اهتمام.  ففي حالة حدوث خسارة عرضية، يحتاج المؤمن له فورًا إلى: إصلاح ميزانيته العمومية.

إذا لم يستجب التأمين، فسيرى المؤمن له بطبيعة الحال أن التأمين [سلعة] رديئة القيمة.  هذا الموقف لا يخدم شركة التأمين ولا الحكومة.  فهذا الوضع يعني أن “الحصول على التأمين بشكل صحيح” ليس قائمًا.  يبدو هذا الأمر واضحًا، لكننا نرى أن العديد من شركات التأمين في المملكة المتحدة كانت تقاوم المطالبات (خاصة من الشركات الصغيرة) أثناء جائحة كوفيد-19 وهو ما جعلني أتوقف وأفكر.

لماذا هناك استثناءات في وثائق التأمين؟

قد تكون الاستثناءات هي من اختيار المؤمن له، من أجل توفير المال [تقليص كلفة شراء التأمين] – على سبيل المثال، قد يشتري المؤمن له بوليصة تأمين سفر تغطي العالم باستثناء الولايات المتحدة، بدلاً من أن يشمل غطاء التأمين العالم بأسره، أو يشتري التأمين الذي لا يغطي الرياضات الشتوية.  في كثير من الأحيان، على الرغم من ذلك، فإن الاستثناءات تهدف إلى حماية شركة التأمين من تعرضها لحادث خسارة جماعية collective event loss [خسائر عديدة ناشئة من حادث واحد] قد تتجاوز أقيامها قدرة ميزانيتها العمومية.

إن تصرف شركة التأمين مفهوم، لكنه لا يساعد الطرفين الآخرين: المؤمن له والحكومة.

كيف يمكننا حل وطأة هذا التوتر؟

تتمثل إحدى طرق المضي قدمًا في أن تقدم شركة التأمين للمؤمن له بوليصة تأمين بدون استثناءات.  المقايضة هنا هي أنه إذا كان حادث الخسارة الجماعية collective event loss كبيرًا بما يكفي، فسيُسمح لشركة التأمين قانونًا بدفع تعويض أقل من 100% من مطالبة المؤمن له.  يمكن تحقيق ذلك من خلال لغة متينة (وواضحة) في صياغة بوليصة التأمين، و/أو إصدار تشريع يدعم هذه المبادرة.

“يعرف” المؤمن له أنه في جميع ظروف الخسارة العارضة، فإن ميزانيته العمومية محمية.  في بعض الأحيان، في حالة حدوث خسارة جماعية كبيرة، تدفع شركة التأمين أقل من 100% من مطالبة المؤمن له (البديل، بالطبع، هو عدم تقديم تغطية على الإطلاق).  طالما أن الخسارة هي خسارة عرضية بشكل واضح، فلن يكون هناك خلافات مع شركة التأمين حول التغطية.

“طالما أن الخسارة كانت عرضية بشكل واضح، فلن يكون هناك خلافات حول التغطية.”

من وجهة نظر شركة التأمين، في حالة حدوث خسارة جماعية كبيرة، يُسمح لشركة التأمين قانونًا بدفع أقل من 100% من مطالبات المؤمن لهم.  هذا الأمر يُقوّي شركة التأمين من وجهة نظر احترازية prudential (وهو ما يقلل من الخطر الكارثي الذيلي[1] لحادث الخسارة الجماعية الكبيرة large collective event ‘catastrophe’ tail risk).  وهكذا يتم التخلص من المخاطر التي تشكلها “البجعات السوداء”[2] ‘black swans’ [المخاطر نادرة الوقوع]: تقوم شركة التأمين بدفع التعويض عن الخسائر، لكن مسؤوليتها تصبح محدودة.  بهذه الطريقة، يتم “رفع” مكانة التأمين ليصبح التأمين منتجًا ذا قيمة جيدة.  وهذه تعتبر سياسة عامة جيدة.

كيف ستعمل هذه الترتيبات في الممارسة؟

يمكن أن تعمل بأي عدد من الطرق.  تضمن العرض الذي قدمته بعنوان “اقتراح كبير للمخاطر غير القابلة للتأمين” واحدة من هذه الطرق: ربط سقف المسؤولية مباشرة بالميزانية العمومية لشركة التأمين.

هل أن هذه الفكرة مكتملة؟

كلا.  على سبيل المثال، هل سيكون الدعم التشريعي مطلوبًا، أم يمكن تنفيذ هذه الفكرة من خلال لغة بوليصة التأمين؟  هل يمكن أن يكون عدم اليقين بشأن مقدار الخسارة النهائية لحادث الخسارة الجماعية (التطور البطيء للمطالبات) عائقًا؟  هل توجد تحديات في تحديد سقوف المسؤوليات على أساس السنة التقويمية عندما تكون معظم بوالص التأمين غير متوافقة مع السنة التقويمية؟  هل يمكن لسقوف المسؤوليات لمختلف المخاطر ولمختلف شركات التأمين أن تشكل مصدرًا للتشويش بين المؤمن لهم المرتقبين؟

هذه كلها أسئلة جيدة، لكن البديل هو عدم عرض أي غطاء على الإطلاق.  يتم تحديد سقوف المسؤوليات بحيث يتم استخدامها بشكل غير متكرر نسبيًا.  إن المقايضة المعقولة هي وسيلة لتحقيق قيمة عامة أعلى.

* ريتشارد هارتيغان، خبير اكتواري في مجلس التقارير المالية Financial Reporting Council (FRC)[3]

** كاتب في قضايا التأمين


[1] المخاطر الذيلية أو مخاطر الذيل ترتبط بالأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة، أي أحداث غير متكررة (rare events).

[2] حدث لا يمكن التنبؤ به يتجاوز ما هو متوقع عادة من حدث ما ويحتمل أن يكون له عواقب وخيمة (كارثية).

للتعرف على مفهوم ‘black swans’ راجع: https://www.investopedia.com/terms/b/blackswan.asp

[3] للتعرف بالمجلس راجع:

https://www.google.com/url?esrc=s&q=&rct=j&sa=U&url=https://www.frc.org.uk/&ved=2ahUKEwi439L9m9r0AhXRgv0HHQaYDZYQFnoECAcQAg&usg=AOvVaw38jWAbVDjAm7TTHRdHxrwj

Covering Fund-investigating the origins of the concept

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

مصباح كمال

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/11/Misbah-Kamal-Funding-Cover-IEN-final.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/11/29/%d8%b1%d8%b5%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%87%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d9%87%d9%8a/

رصيد التغطية Covering Fund

يشير هذا المصطلح إلى المبالغ المخصصة في المحفظة التأمينية لمواجهة طلبات التعويض وتتكون من صافي أقساط التأمين غير المكتسبة وناتج الاستثمار مع الاحتياطي الاختياري المرصود لتلك المحفظة.[1]

بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، 2016

1-     رصيد التغطية في فكر بهاء بهيج شكري

1-1      رصيد التغطية في رسالة لبهاء بهيج شكري

أثار بهاء بهيج شكري في رسالة له إلى مصباح كمال بتاريخ 15 تشرين الثاني 2015 مسألة الأمانة الفكرية ارتباطًا باستخدامه لمصطلح رصيد التغطية لأول مرة في تاريخ الكتابات التأمينية العربية والأجنبية في سياق تقييمه لبديع السيفي كرجل تأمين وكاتب في قضايا التأمين.  فبعد استعراضه لظروف تأليف بديع السيفي لكتابه التأمين علمًا وعملًا (بغداد، الطبعة الأولى 1972) وكيف تمكّن السيفي من تأليف الكتاب وأنه لا يريد التعليق على هذا الأمر، كتب شكري الآتي:

غير أن ذلك لا يمنعني من التطرق إلى واقعة أزعجتني كثيرا، كي ألقي الضوء على طريقة السيد بديع في تأليف كتابه المذكور.  فقد كنت أول من وضع مصطلح (رصيد التغطية) Covering Fund من بين الخبراء الأجانب والعرب.  وشرحت عناصره ووظيفته في تحقيق توازن المحفظة التأمينية.  فنقل السيد بديع ما كتبته حول ذلك بالنص من كتابي “النظرية العامة في التأمين” دون أن يشير إلى المصدر.  وحيث أن كتاب النظرية العامة قد نفذت طبعته الأول بعد شهر من تاريخ صدوره ولم أعيد طبعه، فإن بعض الكتاب العرب نقلوا فكرة رصيد التغطية عن كتاب السيد بديع وأشاروا إلى أن مصدرها كتاب “التأمين علمًا وعملًا“.  كما أن شرح بعض المصطلحات التي وردت في قاموس تيسير التريكي نقلا عن كتاب السيد بديع كان بديع قد نقلها نصا من كتاب النظرية العامة للتأمين دون إشارة إلى المصدر.

يقول شكري في رسالته:

كنت أول من وضع مصطلح (رصيد التغطية) Covering Fund من بين الخبراء الأجانب والعرب.  وشرحت عناصره ووظيفته في تحقيق توازن المحفظة التأمينية.

ليس بإمكاننا التحقق من صحة هذا القول نظرًا لأن كتب التأمين العربية المتوفرة لدينا، وهي قليلة، لا يرد فيها ذكر لرصيد التغطية، لكننا نثق به لأن شكري، ومن خلال معرفتنا بكتاباته، لا يلقي الكلام على عواهنه.  ولمقاربة الموضوع استعنّا بالشبكة العنكبوتية للتعرف على حضور مصطلح “رصيد التغطية” وزرنا عددًا من الصفحات للبحث عنه لكننا لم نعثر عليه باستثناء إشارة تقترب قليلًا من المصطلح في موقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تونس.  وقد وردت كما يلي:

كم يساوي مبلغ التعويض؟

يساوي مبلغ التعويض، مجموع الاشتراكات الأجرية المستحقة، بعد تحيينها حسب معدل نسبة الفوائد الصافية لرصيد التأمين المتعلق بالتعويضات الطويلة الأمد.[2]

في كتاب مترجم ورد ما يقترب قليلًا من مصطلح رصيد التغطية ولكن دون تسميته:

ويتوقف نجاح عملية التأمين على اختيار قدر كاف من الأخطار المتشابهة للتأمين عليها مما يسمح بالحصول على خبرة بشأن متوسط الخسائر، ومن ثم يمكن قياس درجة احتمال وقوع الخطر وتقدير المال المطلوب به في ذلك الصندوق الخاص Common Fund or Pool لمقابلة الخسائر التي تنجم عن وقوع هذا الخطر.[3]

راجعنا بعض الكتب التأمينية باللغة الإنجليزية إلا اننا لم نعثر على مصطلح رصيد التغطية Covering Fund الذي أورده بهاء بهيج شكري وأعلن أنه هو أول من وضع هذا المصطلح.  لكننا لا نعدم أن نجد مفردة الرصيد/الصندوق Fund في معاجم التأمين الإنجليزية.  فعلى سبيل المثل: نقرأ التالي في أحد المعاجم:

صندوق

مخصص أو احتياطي.  إن لكل فئة من أعمال التأمين صندوق يعتمد على رصيد الأقساط ناقصًا المطالبات والمصروفات بعد الأخذ في الاعتبار أي تحويل إلى أو من حساب الربح والخسارة.  في التأمين على الحياة، غالبًا ما يعني ذلك مجمع من الأصول يُدار بشكل منفصل لأغراض إدارة الأصول والخصوم.  قد يتم فصل الصناديق قانونًا أو تعاقديًا مما قد يحدُّ من حرية الشركة في تحويل الأصول بين الصناديق.[4]

ونقرأ في أحد المواقع المتخصصة وتحت عنوان Funding Cover ما يلي:

يمكن استخدام أغطية التمويل funding covers لتوليد دخل استثماري.  فعندما تكتتب شركة التأمين بوثيقة تأمين جديدة، فإنها توافق على تعويض حامل الوثيقة عن الخسائر المغطاة بهذه الوثيقة.  وفي مقابل تحمل الشركة لهذا الخطر، يدفع المؤمن له قسطًا لشركة التأمين.  تستخدم حصيلة الأقساط لدفع المطالبات، وكذلك لتوليد دخل استثماري.  ويتعين على شركات التأمين الموازنة بين الآليات التي تستخدمها لإدارة تمويل المطالبات المستقبلية ورغبتها في توليد الأرباح من خلال استثمار الأقساط.[5]

إذا اعتبرنا رصيد التغطية، تجاوزًا،[6] معادلًا لمصطلح الاحتياطيات Reserves الشائع الاستعمال في الكتابات التأمينية فإن ذلك قد يفسر غياب رصيد التغطية Covering Fund في الكتابات الإنجليزية عن التأمين.  إذا كان هذا التفسير صحيحًا فإن ما قام به شكري هو إضفاء لمسة مكثفة على مفهوم الاحتياطيات، ودور إعادة التأمين في تصحيح الانحراف في التوقعات الإحصائية للأضرار لشركة التأمين، المعروف في أدبيات التأمين العربية والأجنبية.[7]  ولنا أن نضيف إلى ذلك أن ما قام به شكري هو التنظير الأولي، في مرحلة مبكرة، لإشكالية تعامل شركات التأمين مع التزاماتها التعاقدية والأسس الفنية التي تقوم عليها.  وجعل من رصيد التأمين عنوانًا ينتظم العمل التأميني ويضمن مطابقة الأصول مع الخصوم.  وقد استفاد السيفي منه مباشرة، ولكن دون الاعتراف بالدين الفكري لشكري، للتوسع في عرض العناصر الداخلة في إدارة رصيد التغطية.

للفائدة نعرض هنا بسرعة بعض الاحتياطيات فهي من الأدوات التي تستخدمها شركة التأمين في دعم رصيد التغطية.

الاحتياطيات الفنية (Technical Reserves)

تنفرد شركات التأمين وشركات إعادة التأمين باحتجاز مثل هذه الاحتياطيات التي تعتبر في حقيقتها مخصصات تقابلها التزامات ترتبت على شركة التأمين تجاه حملة الوثائق وعلى شركات إعادة التأمين تجاه شركات التأمين المسندة (Ceding Companies) وتعتبر حسابياً من حقوق حملة الوثائق في حسابات شركات التأمين ومن حقوق المُسندين في حسابات إعادة التأمين.  وهي على نوعين:

  1. (Unearned Premiums Reserve تخصص لمواجهة المسؤوليات التي تتحقق خلال فترات وثائق التأمين الممتدة خلال السنة التالية لسنة اصدارها.

2-       احتياطي التعويضات الموقوفة (Outstanding Claims Reserve).  وهذا الاحتياطي هو واحد من الاحتياطيات الفنية التي يجب ان تتضمنها الحسابات الختامية لشركات التأمين وإعادة التأمين وهو مخصص لإيفاء الشركة بالتزاماتها المترتبة على تعويضات تحققت وبُلّغَ عنها ولكنها لم تسدد خلال السنة أو السنوات المالية التي تحققت فيها وتدعى Reported But Not Settled (RBNS) ويتم احتساب هذا الاحتياطي بكامل المبالغ التقديرية للأضرار المتحققة.

وهناك نوع آخر من هذا الاحتياطي عن حوادث وقعت خلال السنة المالية ولكن لم يُبلَّغ عنها وتحتسب وفق التجارب والخبرات السابقة، ويدعى احتياطي حوادث وقعت ولم يبلغ عنها Incurred But Not Reported (IBNR)

مع العرض بأن الاحتياطيات الفنية أعلاه بنوعيها الزامية على شركات التأمين وإعادة التأمين.  ويتعين عليها الالتزام بها وبالتفاصيل المنصوص عليها في القانون المعني وإن لم تُعتمد بشكلها الصحيح في الحسابات الختامية يُعرّض الشركة الى المساءلة القانونية.  وهناك احتياطيات أخرى من بينها احتياطي الكوارث Catastrophe reserve.

1-2     رصيد التغطية في كتاب بهاء بهيج شكري: النظرية العامة في التأمين

لقد كتب بهاء بهيج شكري عن رصيد التغطية في المبحث الثاني (توزيع عبء الأخطار) من الفصل الثالث من كتابه النظرية العامة في التأمين كما يلي:

ويقصد برصيد التغطية مجموع المبالغ التي تحصل عليها هيئات التأمين كأقساط تأمين من المؤمن لهم وتكرسها لتغطية الأخطار التي يتحملها البعض منهم نتيجة لتحقق الخطر المؤمن منه.  ويلعب رصيد التغطية الدور الرئيسي في عملية توزيع أعباء الخطر إذ يتوقف نجاح هذه العملية على كفاءة الرصيد وطريقة تكوينه، فكلما كان رصيد التغطية متوازنا ومتعادلا مع حصيلة الأضرار بحيث يمكن لهيئة التأمين تغطيتها منه دون أن تضطر إلى اللجوء إلى رأس مالها وموجوداتها الخاصة كلما كان ذلك دليلا على نجاح عملية التوزيع.

إن هيئة التأمين باعتبارها وسيطا بين المؤمن لهم المتعاونين، ينبغي عليها أن تبني تقديراتها على أسس دقيقة لتتجنب التورط بتحمل تبعة الأخطار على عاتقها وعليها أن تبذل ما لديها من طاقات فنية لتحقق التوازن المطلوب بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار.  ويتوقف تحقيق هذا التوازن بوجه عام على عوامل ثلاث هي (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.[8]

هذه الفقرة تلخص الآلية التي تقوم عليها مؤسسة التأمين: إن المبالغ التي تحصل عليها هيئات التأمين كأقساط تأمين من المؤمن لهم تكرّسها لتغطية كلفة الأخطار (الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبعض منهم) باستخدام الطاقات الفنية المتوفرة لها (سلامة سياسة تسعير الأخطار والاكتتاب، وحماية إعادة التأمين لموازنة المحفظة التأمينية).

إذا أضفنا إلى ذلك أن مؤسسة التأمين الحديثة والمعايير والأدوات التي تعتمدها، وبعضها اكتوارية، للقبول بتأمين أخطار دون غيرها قابلة للتأمين تقوم على استخدام جملة اعتبارات متداخلة لضمان عدم تعريضها للإعسار أو الانهيار المالي، فإننا بذلك نقترب من رصيد التغطية حسب مفهوم شكري لها.  ومن بين ما تضمه هذه الاعتبارات:

وقد أوردنا هذه المعايير في ترجمة بحث تاريخي حول تأمين الأخطار[9] وقد نقلنا بعضها من كتاب باللغة الإنجليزية.[10]

إن تسعير الخطر التأميني صار يعتمد على استخدام البيانات الضخمة في صنع النماذج/الموديلات models لأغراض الاكتتاب ورسم سيناريوهات المستقبل إضافة إلى التحليل الاكتواري والاعتماد على دليل التسعير الجاهز (التعريفة) بالنسبة للأخطار النمطية، وكل ذلك مقترنًا بخبرة مكتتب التأمين وتوفر حماية إعادة التأمين والموارد المالية لدى شركة التأمين.

تقوم آلية التأمين التجاري على تحصيل أقساط التأمين من المؤمن لهم لقاء سلعة غير منظورة (وَعدٌ مُثبت في وثيقة التأمين) لا تُسلّم آنيًا لهم بل في وقت ما في المستقبل لمن يتعرض منهم لخسارة.  وبسبب هذا الترتيب نشأت الحاجة القانونية إلى إقرار شركات التأمين بتخصيص مبالغ مناسبة مقابل الالتزامات الائتمانية fiduciary لشركات التأمين (كونها مؤتمنة على أموال/أقساط التأمين المحصلة من جمهور المؤمن لهم).  وتسجل هذه الالتزامات كمطلوبات في بياناتها المالية.

نستنتج من هذا أن شركات التأمين لا تستطيع تسجيل الأقساط كدخل متحقق لها إلا مع انقضاء الوقت الذي يتم خلاله توفير حماية التأمين، وعندها تصبح الأقساط مكتسبة earned.  ولهذا يُلزم المُشرّع شركات التأمين تنظيم حساب تحت عنوان احتياطي أقساط التأمين غير المكتسبة unearned premium reserve، وهو الاحتياطي الذي يستفاد منه لتسديد المطالبات في المستقبل.  وهناك احتياطيات أخرى كاحتياطي الأخطار السارية، واحتياطي الخسائر المتحققة غير المُبلّغة لشركة التأمين (التأخر في الإبلاغ)، واحتياطي التعويضات الموقوفة، كما ذكرنا سابقًا.  إن مبدأ الاستحقاق accrual principle الذي تستخدمه شركات التأمين في إعداد الحسابات الختامية، يقضي أن أقساط التأمين المكتتبة خلال السنة لا ينظر إليها باعتبارها إيرادًا مكتسبًا.

إن معرفتي المحاسبية محدودة لا تسمح لي بالتعليق على استخدام المصطلحات المحاسبية.  ما أستطيع قوله هو أن مصطلحي “الاحتياطي” و “المسؤولية” في محاسبة التأمين والاصطلاح التأميني مترادفتان.  وقل مثل ذلك بالنسبة لـ “المخصصات الفنية” و “الاحتياطيات الفنية” كما يرد في المادة 1 من تعليمات ديوان التأمين رقم (2) لسنة 2006، تعليمات أسس احتساب المخصصات الفنية، أي أن “المخصصات” و “الاحتياطيات” مترادفتان.[11]

مكونات رصيد التغطية

في الصفحات 71-78، توسع شكري في شرح مكونات رصيد التغطية لتحقيق التوازن بين هذا الرصيد وحصيلة الخسائر والأضرار، وهي:

قسط التأمين (الذي يخضع لثلاث اعتبارات هي الخطر ويفرد له مثالين، ومبلغ التأمين، وفترة التأمين)،

انتقاء الأخطار (الذي يقتضي من شركة التأمين انتقاء تلك الأخطار التي تتميز بتجانسها وكثرتها)،

الانحرافات (بمعنى “تجاوز الأخطار المتحققة فعلا الحدود التي أمكن التوصل لها عن طريق العمليات الإحصائية بأن تكون أكثر عددا وحدة مما توقعته هيئة التأميم.”  وهو ما “يؤدي إلى الإخلال بالتوازن بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار.  وتتوقف درجة شدة الانحرافات على عاملين، هما عامل الكثرة وعامل القيمة.  فكلما كانت المخاطر المتجمعة كثيرة وكلما كان التفاوت بين قيمة هذه المخاطر ضئيلا كلما خفت شدة الانحرافات.”[12]

وقد نقل السيفي هذه المكونات دون الإشارة إلى مصدرها.

1-3     موقف بهاء بهيج شكري من معجم مصطلحات التأمين لتيسير تريكي

قائمة مراجع معجم تيسير التريكي تضم كتاب السيفي التأمين علمًا وعملًا إلا أن المعجم لا يضم مدخلًا عن رصيد التغطية Covering Fund أو Funding Cover ولكن يرد مدخل Fund بمعنى “مخصص، رصيد، صندوق: مبلغ من النقود مخصص لغرض معين.”  ويرد أيضًا مدخل Funding بمعنى “تخصيص: تخصيص جزء من أصول الشركة لغرض الإيفاء بالتزامات معينة.”[13]

يعني هذا أن معجم التريكي لم ينقل من كتاب السيفي حرفيًا أو ضمنيًا.

2-     رصيد التغطية عند بديع أحمد السيفي

2-1     مقاربة لرصيد التغطية من منطلق القانون المدني العراقي في كتاب بديع أحمد السيفي التأمين علمًا وعملًا

بعد عرضه للمادتين 988 و 989 من القانون المدني (وجوب تسديد التعويض بمقتضى عقد التأمين)، والمادة 986 (التزام المؤمن له بدفع قسط التأمين)، يستنتج بديع السيفي في كتابه التأمين علمًا وعملًا:

ان أساس رصيد التعويض اذن هو أقساط التأمين أولًا وأخيرًا، ولولا رصيد التغطية وفي الحقيقة لولا أقساط التأمين لما استطاع المؤمنون تأدية التعويضات إلى مستحقيها من المتعرضين للأضرار بسبب وقوع الأخطار المؤمن ضدها …

وإن لرصيد التغطية دوره الهام في عملية توزيع أعباء الخطر وحيث يتوقف نجاح هذه العملية على وجود التوازن بين هذا الرصيد وحصيلة الأضرار بحيث لا تلجأ الى مد يدها الى رأسمالها أو موجوداتها الخاصة …

إن وجود التوازن وتحقيقه بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار يتوقف على ثلاثة أركان (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.[14]

في الصفحات 35-37 من الكتاب يقدم السيفي شرحًا للعناصر الثلاثة جريًا وراء العرض المُكثف والمُتقن الذي قدمه شكري.

2-2     رصيد التغطية في كتاب بديع أحمد السيفي: الوسيع في التأمين وإعادة التأمين

كرس بديع السيفي فصلًا لموضوع رصيد التغطية في كتابه الوسيع في التأمين وإعادة التأمين (ص 263-298).  في الفقرة الأولى من هذا الفصل كتب ما يلي:

ويقصد برصيد التغطية حصيلة أقساط التأمين التي تستوفيها شركة التأمين من المؤمن لهم قيمًا لسلعة التأمين لتؤدي منها مبالغ التعويض أو مبالغ التأمين المستحقة عليها بوقوع الخطر المؤمن منه.[15]

وتحت العنوان الثانوي “رصيد التغطية وكيفية تحديد أسعار واقساط التأمين ووضع تعريفات التأمين” في هذا الفصل كتب التالي:

ان تحديد واعتماد أسعار واقساط التأمين ووضع تعريفاته والسياسة السعرية بشكل شامل تشكل اهم جانب في العملية التأمينية والعملية التسويقية ورواج التأمين.

والحق ان شركات التأمين انما هي مؤسسات تجارية خدمية، ينهض عملها أساسا على دور جوهره الوساطة بين المؤمن لهم المستهدفين للخطر والمساهمين جميعًا في تحمل تكلفته بما يدفعون لها من أقساط تأمين يعوض منها من تصيبه الاضرار منهم او يدفع منها لمن يقع له الحادث المشمول بالتغطية عند حصوله او حلول اجل العقد (أي في نهاية مدة التأمين).  فمعروف أن حوادث الحريق مثلًا وخسائرها وكذلك سائر الخسائر الأخرى ومهما كبرت ومهما خطرت فإنها تصيب البعض فقط وبالتأمين يشترك كثيرون من المعرضين لنفس الخطر ويساهمون بتعويض من أصابتهم الخسائر عن خسائرهم، وتلك المساهمة التي يشترك فيها أولئك جميعًا ومن ضمنهم الذين اصابتهم الخسائر تتم بطريقة دفع أقساط التأمين وبوساطة شركات التأمين التي تدير عمليات التأمين.[16]

وكتب تحت العنوان الثانوي “توازن رصيد التغطية مع حصيلة الأضرار والمبالغ المستحقة” الآتي:

ان توازن رصيد التغطية مع حصيلة الأضرار والمبالغ المستحقة يتحقق إذا ما اعتمدت الشركة الأسعار المناسبة وجمعت الأقساط اللازمة الكافية لدفع التعويضات عن الخسائر التي تصيب المؤمن لهم ولدفع مبالغ التأمين المشمولة بالتغطية ولتغطية النفقات الخاصة بعمليات التأمين من عمولات انتاج ومصاريف إدارية عامة وغيرها ولتكوين الاحتياطيات الحسابية Mathematical Reserves والاحتياطيات الفنية Technical Reserves وكذلك الاحتياطيات الكوارثية Catastrophic Reserves …[17]

2-3     بديع أحمد السيفي وفقر الأمانة الفكرية

من قراءتنا لما كتبه السيفي عن رصيد التغطية نستطيع القول إنه استوعب المفهوم المرتبط برصيد التغطية بعد تعرّفه عليه في كتاب النظرية العامة للتأمين لبهاء بهيج شكري الصادر سنة 1960، وعبَّر عنه بطريقته متوسعًا في عرض جوانب مختلفة له.  فهو لم يستخدم لغة شكري:

ويتوقف تحقيق هذا التوازن بوجه عام على عوامل ثلاث هي (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.

إلا مرة واحدة:

إن وجود التوازن وتحقيقه بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار يتوقف على ثلاثة أركان (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.

2-4     هل يبرر شيوع الأفكار سلوك السيفي؟

قد نجد تفسيرًا لعدم ذكر السيفي لمصدر المفهوم كونه معروفًا في الأدبيات التأمينية بشكل أو آخر فيما كتبه الاقتصادي الأمريكي ألن إﭺ وُلِيتْ في كتابه النظرية الاقتصادية للخطر والتأمين (1901):

من الضروري أن أشرح هنا قصوري في تقديم الاعتراف في جميع الحالات بفضل الآخرين للأفكار التي سبق نشرها من قبل.  ويعود السبب في هذا القصور في بعض الأحيان إلى حقيقة أن هذه الأفكار قد أصبحت ملكاً مشتركاً أصبح معها من المستحيل إرجاعها لكاتب معين.  وفي حالات أخرى فإن إغفال ذكر الأسماء يجد تفسيره في واقع أنه خلال القراءات الكثيرة عن موضوع التأمين غض النظر عن أهمية العديد من الأفكار في وقت القراءة.  وبعد التعرف على أهميتها وتصبح موضع تقدير لم يعد من الممكن دائما تتبع مصادر هذه الأفكار.[18]

لكن مصطلح رصيد التأمين لم يكن شائعًا عندما كتب السيفي كتابه الأول سنة 1972 وكتابه الثاني سنة 2006، كما حاولنا تبيانه سابقًا.

إن ما يُعيب منهج السيفي في كتابيه التأمين علمًا وعملًا والوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا هو عدم ذكره لمصدر مفهوم رصيد التغطية الذي لم يكن “ملكًا مشتركًا” أي أنه لم يكن في التداول العام، فمراجع الكتابين لا تضم كتاب شكري النظرية العامة للتأمين، وهو ما أشرنا إليه في مكان آخر.[19]  لم يأتِ عدم ذكر كتاب شكري سهوًا إذا أخذنا بعين الاعتبار المراجع الكثيرة التي ضمها كتاب الوسيع، وهو ما يؤكد على اطلاعه الواسع على أدبيات التأمين.  إن إهمال ذكر كتاب شكري يؤشر على فقر في الأمانة الفكرية.  ما الذي يخسره أي كاتب لو كشف عن مصادر أفكاره؟

7 تشرين الثاني 2021


[1] بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين: إنجليزي-عربي (عمان: دار الثقافة، 2016)، الجزء الأول، ص 388.

[2] https://www.cnss.ma/ar/content/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%A9

[3] و. أ. دنسديل، مبادئ التأمين، ترجمة: دكتور أحمد عبد العزيز الانصاري، مراجعة: دكتور يحيى عويس (القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1965)، ص 15

[4] C. Bennet, Dictionary of Insurance (London: FT Prentice Hall, 2nd Ed 2004, first published in 1992), p 138.

[5] https://www.investopedia.com/terms/f/funding-cover.asp

February 07, 2021

[6] ما نحاوله هنا، وربما نكون على خطأ، هو الاقتراب من تفسير لأطروحة بهاء بهيج شكري لريادته في ابتكار مصطلح رصيد التغطية وسبب غياب هذا المصطلح في الأدبيات التأمينية العربية والأجنبية.  نأمل من الزملاء المختصين البحث في الموضوع للوصول إلى رأي صحيح وأكثر صلابة.

[7] راجع على سبيل المثل:

John H. Magee, General Insurance (Chicago: Richard D Irwin, 3rd revised printing 1945.  First published in 1936), p 60-61.

G. W. de Wit, “Sources of Funds and Estimation of Reserves,” Ch 15 in Stephen Diacon, editor, A Guide to Insurance Management, (London: Macmillan, 1990), pp 245-265

[8] بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين (بغداد: مطبعة المعارف، 1960)، ص 70.

[9] جيفري كلارك، “وجهة نظر تاريخية عن التأمينية، “ترجمة: مصباح كمال، مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2010/06/historical-viewpoint-on-insurability.html

[10] Baruch Berliner, Limits of Insurability of Risks (Englewood Cliffs, N.J: Prentice-Hall, 1982).

[11] للمزيد من الشرح راجع: منعم الخفاجي، “الاحتياطيات في حسابات التأمين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/11/منعم-الخفاجي-الاحتياطيات-في-حسابات-التأمين.pdf

[12] شكري، مصدر سابق، ص 78.

[13] Tayseer H. Treky, A Dictionary of Insurance Terms, English-Arabic: A Dictionary of Insurance Terms, English-Arabic معجم مصطلحات التأمين (London: Witherby & Co, 1985), p 130.

[14] بديع أحمد السيفي، التأمين علمًا وعملًا (بغداد: د. ن.، 1972)، ص 34-35.

[15] بديع أحمد السيفي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا، الجزء الأول، (بغداد: د. ن.، 2006)، ص 263.

[16] السيفي، الوسيع، ص 268.

[17] السيفي، الوسيع، ص 271.

[18] Allan H. Willett, The Economic Theory of Risk and Insurance (Homewood, Illinois: Richard D Irwin, 1951), first published in 1901 by The Columbia University Press, page xi.

[19] في استذكار بديع أحمد السيفي (1926-2018)، إعداد وتحرير مصباح كمال، (مكتبة التأمين العراقي، 2019)، فصل “تمهيد ودعوة لبحث وتقييم نقدي،” ص 39.  فقد كتبنا الآتي: “من باب التقييم الأولي، يكفي أن نشير هنا إلى أن مراجع الوسيع، العربية والأجنبية غير مكتملة، فهي لا تذكر أول كتاب منهجي في مكتبة التأمين العراقية لبهاء بهيج شكري النظرية العامة للتأمين (بغداد: 1960) أو كتاب كاظم الشربتي التأمين: نظرية وتطبيق (بغداد: الطبعة الخامسة 1974)، أو كتاب جمال الحكيم التأمين البحري (القاهرة: 1955) وغيرها من المراجع.”

Value Proposition, Service Quality and Accounting Cost of Quality in Insurance

مصباح كمال

عرض القيمة، جودة الخدمة، ومحاسبة تكاليف الجودة في قطاع التأمين

عرض القيمة، جودة الخدمة، ومحاسبة تكاليف الجودة في قطاع التأمين

http://iraqieconomists.net/ar/2021/11/18/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d9%85%d8%a9%d8%8c-%d8%ac%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%af%d9%85%d8%a9%d8%8c-%d9%88%d9%85/

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/11/Misbah-Kamal-Cost-Accounting-Services-of-Insurers-quality-IEN.pdf

مقدمة

نشر الدكتور صباح قدوري سابقًا دراسات عن محاسبة تكاليف الموارد البشرية،[1] ونظام محاسبة التكاليف ووظائف الإدارة،[2] ومحاسبة تكاليف البيئة.[3]  ويأتي نشر دراسته الأخيرة “محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة تكاليف النوعية/الجودة، مثالًا”[4] في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 424-425، أيلول 2021 استكمالًا للدراسات السابقة.  وجميعها دراسات محاسبية صرفة.  وقد توقفت بعد قراءة دراسته الأخيرة عند موضوع أهمية الجودة/النوعية في الأسواق القائمة على المنافسة، وافترضت أن هذا الموضوع يمتد خارج القطاع الصناعي، الذي ركَّز عليه الدكتور قدوري، ليشمل قطاع الخدمات ومنه قطاع التأمين.  ولأن للدكتور قدوري اهتمام عام بقطاع التأمين وكانت لنا مناقشات في السابق حول السياسة الاستثمارية في شركات التأمين العراقية،[5] فقد تبادلت معه في شهر تشرين الثاني بعض الرسائل حول محاسبة تكاليف الجودة ومدى حضورها في شركات التأمين، استفدت منها في كتابة هذه الورقة.

لا يرد مصطلح محاسبة تكاليف الجودة/النوعية quality cost accounting في كتب التأمين التدريسية.  إلا أن هناك مصطلح آخر: عرض القيمة value proposition يجد له حضورًا في الكتابات التأمينية باللغة الإنجليزية وخاصة عند الحديث عن التسويق سأحاول الاستفادة منه للتقرب من موضوع الجودة، وسألجأ إلى اقتباسات طويلة لعرض بعض جوانب الموضوع كتعليق على دراسة الدكتور قدوري خول محاسبة تكاليف النوعية/الجودة.

عرض القيمة

التعريف بعرض القيمة value proposition

نقرأ في بعض الأدبيات ما يفيد أن

مسألة/عرض القيمة للنشاط التجاري للشركة هو أهم عنصر في الرسالة التسويقية الشاملة.  فعرض القيمة يخبر العملاء المرتقبين عن سبب وجوب التعامل مع الشركة بدلاً من شركات منافسة، ويجعل فوائد المنتجات أو الخدمات واضحة تمامًا للعملاء منذ البداية.[6]

ونقرأ أيضًا أن

العديد من الأنشطة التجارية إما تدفن مسألة القيمة في عبارات رنانة أو مبتذلة، وشعارات لا معنى لها، أو لا تكلّف نفسها عناء إبرازها على مواقعها وفي حملاتها التسويقية – أو أنها لا تعرف على الإطلاق ما هو عرض القيمة.[7]

ويرد في الموسوعة الحرة أن

عرض القيمة هو بيان يحدد الفوائد الواضحة والقابلة للقياس والتي يمكن إثباتها للمستهلكين عند شراء منتج أو خدمة معينة.  إن هذا البيان يجب أن يُقنع المستهلكين أن المنتج أو الخدمة أفضل من غيره في السوق.  يمكن أن يؤدي هذا العرض إلى ميزة تنافسية عندما يختار المستهلكون هذا المنتج أو الخدمة المعينة بدلًا من المنتج أو الخدمة المقدمة من منافسين آخرين لأنهم يدركون أين تكمن القيمة الأكبر.[8]

ونقرأ التعريف التالي في أحد المواقع المتخصصة:

يشير عرض القيمة إلى القيمة التي تَعِدُ الشركة بتقديمها للعملاء إذا اختاروا شراء منتجاتها.  عرض القيمة هو جزء من استراتيجية التسويق الشاملة للشركة.  يوفر عرض القيمة إعلانًا عن النوايا أو بيانًا يقدم العلامة التجارية للشركة للمستهلكين من خلال إخبارهم بما تمثله الشركة وكيف تعمل ولماذا تستحق أن تحصل عليهم كعملاء لها.[9]

أصل مصطلح عرض القيمة

ونقرأ التالي في الموسوعة الحرة أيضًا عن أصل مصطلح عرض القيمة:

تُنسب عبارة “عرض القيمة” (VP) إلى Michael Lanning و Edward Michaels، اللذان استخدما المصطلح لأول مرة في ورقة عام 1988 للموظفين لشركة الاستشارات McKinsey and co.  فقد عرَّف المؤلفان في الورقة، التي حملت عنوان “العمل التجاري هو نظام توصيل القيمة”، عرض القيمة على أنه “بيان واضح وبسيط للفوائد، الملموسة وغير الملموسة، التي ستقدمها الشركة، إلى جانب السعر التقريبي الذي تفرضه على كل شريحة من العملاء مقابل تلك الفوائد”.

إن الكتابات التأمينية التقليدية لا تذكر مصطلح القيمة، وبالتالي عرض القيمة، وأزعم أنه أدخل في هذه الكتابات في العقود القليلة الماضية بعد انتحالها من نظرية القيمة في الفكر الاقتصادي وتكييفها لتطوير مقترب لجوانب من النشاط التأميني لم تكن موضوعًا للبحث في الماضي.[10]  يكفي للتدليل على هذا الزعم تصفح فهرس أي كتاب تأميني باللغة الإنجليزية إذ لا تعثر فيه على مصطلح عرض القيمة.

إزاء حداثة مصطلح عرض القيمة فإن تاريخ محاسبة التكاليف يرجع إلى أزيد من قرنين، إذ يعتقد الباحثون:

أن محاسبة التكاليف قد تم تطويرها لأول مرة خلال الثورة الصناعية [في منتصف القرن الثامن عشر في بريطانيا وبعض الدول الأوروبية] عندما أجبرت اقتصاديات العرض والطلب في قطاع الصناعة الشركات المُصنّعة على البدء بتتبع نفقاتهم الثابتة والمتغيرة من أجل تحسين عمليات الإنتاج الخاصة بهم.  فقد وفَّرَت محاسبة التكاليف لشركات السكك الحديدية والصلب التحكُّم في التكاليف لتصبح أكثر كفاءة.  بحلول بداية القرن العشرين، أصبحت محاسبة التكاليف موضوعًا للدراسة على نطاق واسع في أدبيات إدارة الأعمال.[11]

المشترك في تعريف عرض القيمة

تجمع تعاريف مصطلح عرض القيمة على أنه وعد بالقيمة المحتملة التي تقدمها الشركة لعملائها، وهو ما ينطبق على شركات التأمين (التي تنفذ الوعد بتعويض المؤمن له عند تحقق الخطر المؤمن منه بعد إبرام عقد التأمين)، وهو الأساس، في الأسواق القائمة على التنافس، وراء اختيار العميل للشركة ومنتجاتها بفضل مزايا هذه المنتجات.

جودة الخدمة

تعريف جودة الخدمة

تُعرَّف جودة الخدمة على أنها:

أداة بحث متعددة الأبعاد مصممة لالتقاط توقعات المستهلكين وتصوراتهم للخدمة عبر خمسة أبعاد يُعتقد أنها تمثل جودة الخدمة.  إن جودة الخدمة مبنية على نموذج التوقعات-عدم التأكيد، والذي يعني، بعبارات بسيطة، أن جودة الخدمة تُفهم على أنها مدى تأكيد توقعات المستهلكين للجودة قبل الاستهلاك أو عدم تأكيدها من خلال تصوراتهم الفعلية لتجربة الخدمة.[12]

نموذج جودة الخدمة

في أواسط ثمانينيات القرن الماضي قام فريق من الباحثين في الولايات المتحدة بتطوير نموذج لقياس جودة الخدمة يضم خمسة أبعاد هي:

الموثوقية/المصداقية/الثبات Reliability – القدرة على أداء الخدمة الموعودة بشكل موثوق ودقيق.

التوكيد/الطمأنة Assurance – المعرفة المتوفرة لدى الموظفين وسلوكهم المجامل وقدرتهم على توصيل الثقة والاطمئنان للمستهلك.

الملموسية Tangibles – مظهر المرافق المادية والمعدات والأفراد ومواد الاتصال

التعاطف Empathy – توفير الرعاية والاهتمام الفردي بالعملاء.

الاستجابة Responsiveness – الاستعداد لمساعدة العملاء وتقديم خدمة سريعة.[13]

لم يسلم هذا النموذج من النقد إلا أنه يوفر مقتربًا جديدًا لقياس جودة الخدمة في قطاع الخدمات.  وهناك بعض الدراسات التطبيقية لهذا النموذج في مجال التأمين متوفرة في الشبكة العنقودية.

محاسبة تكاليف الجودة في شركات التأمين

في رسالة إلى الدكتور صباح قدوري ذكرتُ أن موضوع الجودة وتكاليفها ربما يمتد خارج القطاع الصناعي ليشمل قطاع الخدمات بضمنه قطاع الخدمات ومنه قطاع التأمين، وخاصة في أسواق التأمين المفتوحة (أي أن النشاط التأميني فيها ليس حكرًا على شركة واحدة). ذلك لأن شركات التأمين تتنافس مع بعضها لكسب العملاء بالاعتماد على أسعار التأمين (تخفيض أسعار/أقساط التأمين) إلى الحدود الدنيا المقبولة فنيًا (إي الأسعار التي لا تُعرّض الشركة إلى الإعسار المالي أو الانهيار).  كما أن شركات التأمين تتنافس مع بعضها لكسب العملاء بالاعتماد على جودة الخدمات التي تقدمها لجمهور المؤمن لهم.

هناك بعض العناصر التي تساهم في تشكيل جودة الخدمات التأمينية ومنها: الوضوح في صياغة نصوص التأمين، سرعة إصدار وثيقة التأمين، سرعة البت بالتعديلات التي قد يطلبها المؤمن له لوثيقة التأمين، سرعة البت في دراسة طلب التعويض وسرعة تسديد مبلغ التعويض.  وقد تضم الجودة أيضًا في مجالات محددة كالتأمين على الأخطار السيبرانية المراجعة الأمنية security review لأنظمة المعلومات الإلكترونية ووسائل حمايتها قبل او بعد الاكتتاب بهذه الأخطار.  وكالتأمين الهندسي، تقديم التوصيات، بعد الكشف الموقعي على مواقع المنشآت تحت الإنشاء أو قيد التشغيل، لتحسين الخطر/الأخطار المؤمنة منها risk improvement recommendations، أو تقديم المشورة مباشرة بعد وقوع ضرر أو خسارة بشأن اتخاذ المؤمن له إجراءات معينة للحد من تفاقم الضرر.[14]

إن معرفتي ناقصة فيما يخص لجوء شركات التأمين، شرقًا وغربًا، لمحاسبة تكاليف النوعية.  لذلك، طلبت من الدكتور صباح قدوري معالجة محاسبة تكاليف النوعية في قطاع الخدمات.  وقد كتب التعليق التالي في رسالة له بتاريخ 7 تشرين الثاني 2021:

ان معالجتي لموضوع محاسبة [الـ]تكاليف (المعضلية)، في المواضيع الثلاثة المذكورة، تنصب في كيفية تطبيق هذا النظام في الوحدات الاقتصادية الانتاجية والخدمية.  من حيث تبويب وتسجيل هذه التكاليف وفق المستندات من المنبع بشكل مستقل عن المحاسبة المالية، بهدف قياسها والرقابة عليها وانتاج البيانات لأغراض اتخاذ القرارات الداخلية والافصاح عنها للأغراض الخارجية.  [التأكيد من عندي، م ك]

يمكن تطبيق ذلك في كل فروع نشاط الاقتصاد الانتاجي او الخدمي.  وعادة يتم ذلك من قبل الباحثين وطلاب الماجستير وحتى الدكتوراه، لاختيار اية وحدة انتاجية او خدمية لهذا الغرض.  وتتطلب المسألة حصول الباحث على البيانات الضرورية للقيام بذلك من الوحدة المختارة.  ومن الوحدات الخدمية على سبيل المثال وليس الحصر: شركات التأمين، الطيران، المستشفيات، الجامعات، المكاتب الاستشارية او التدقيق وغيرها.

يشير الدكتور قدوري ضمنًا إلى الاختلاف بين محاسبة التكاليف والمحاسبة المالية.

فالمحاسبة المالية هي ما يُفصح عنها للأغراض الخارجية لبيان الوضع المالي والأداء للمستثمرين والدائنين، وتضم بنودها الإيرادات والنفقات والأصول والخصوم)، وهي تُصنّف التكلفة اعتمادًا على نوع المعاملة.

في محاسبة التكاليف تصنف التكاليف وفقًا لاحتياجات إدارة الشركة للمعلومات (لأغراض اتخاذ القرارات الداخلية، كما يقول الدكتور قدوري).  أي أن محاسبة التكاليف هي أداة داخلية توفر المعلومات للإدارة لأغراض “التخطيط والتنفيذ والرقابة،” ولا تخضع لمبادئ المحاسبة المقبولة عمومًا (Generally Accepted Accounting Principles-GAAP)، ومن ثمَّ فإن استخدام محاسبة التكاليف يختلف من شركة إلى أخرى.  ومع هذا فإن هناك فئات معينة من التكاليف تكاد أن تكون مشتركة بين الشركات كالتكاليف المباشرة، والتكاليف غير المباشرة، التكاليف الثابتة، والتكاليف التشغيلية.[15]

وكتب لاحقًا شارحًا ما يعنيه تطبيق محاسبة تكاليف النوعية/الجودة، أن معالجته

لموضوعات محاسبة [الـ]تكاليف (المعضلية)، تنصب على الجانب المحاسبي وتطبيقاتها في المنشأة الانتاجية والخدمية.  ان تطبيقها يستدعي تكلفة مرتفعة في إنشائها وتشغيلها، وجهدا كبيرا لتقديم خدمات أمثل للعملاء ولها أثرها على أرباح الشركة في المدى الطويل، مع توفير الكوادر المؤهلة، والامكانيات الفنية والادارية والمالية، واستخدام البرامج والموديلات الالكترونية في تطبيق نظام محاسبة التكاليف.

أن المقترحات الواردة في مداخلتكم بخصوص تحسين الجودة لعملاء شركات التأمين، كلها صحيحة وتنصب في عملية تطوير اداء هذه الشركات، والتكاليف الناتجة عن ذلك تتحملها هذه الشركات، (كنفقات) تظهر في سجلات حسابات الشركة، ممكن بفقرة خاصة (الجودة)، وإظهارها في التقارير المالية والإفصاح عنها بشكل احصائي، من دون حاجة الى قسم خاص بمحاسبة التكاليف.  لربما يطرح السؤال عن مدى إدراك هذه الشركات لأهمية تكاليف الجودة!؟

في ختام تعليقه كتب بأنه لا يرى “جدوى في تطبيق مثل هذا النظام في وحدات التأمين في العراق اليوم.”  وفي ظني أنه توصّل لهذا الاستنتاج بفضل معرفته بالوضع المتدني لقطاع التأمين العراقي.

تعد محاسبة التكاليف مفيدة لأنها يمكن أن تحدد أين تنفق الشركة أموالها، وكم تكسب من إيرادات، وما هي مصادر الهدر في موارد الشركة.  تهدف محاسبة التكاليف إلى إعداد التقارير والتحليل الذي يؤدي إلى تحسين ضوابط التكلفة الداخلية والكفاءة.  وعلى الرغم من أن الشركات لا تستطيع استخدام أرقام محاسبة التكاليف في بياناتها المالية أو للأغراض الضريبية، إلا أنها ضرورية للرقابة الداخلية.

معايير القيمة في التأمينات العامة: الموقف الرقابي

لا يضم قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 والتعليمات الصادرة من ديوان التأمين أية أحكام بشأن جودة المنتج التأميني، أو عرض قيمة المنتج، أو المعايير الخاصة بالخدمات المرتبطة بالمنتج، على سبيل المثل خدمات التعويض.

مثل هذه الأحكام جديدة على وظيفة الرقابة على النشاط التأميني.  مع تعاظم الاهتمام بحماية المستهلكين من سلوك الشركات نشأت الحاجة إلى ترجمة هذا الاهتمام في مجال التأمين إلى قواعد ملزمة.  فقد أقدمت هيئة الرقابة على التأمين في بريطانيا Financial Conduct Authority (FCA) على وضع أسس لضمان امتثال مجهزي خدمات التأمين [كشركات التأمين وشركات وساطة التأمين] لمعايير القيمة في مجال التأمينات العامة، وهي تنصب أساسًا على تلك التأمينات ذات الطابع الشخصي كالتأمين على السيارات والتأمين على المساكن.  فقد جاء في نشرة لها بتاريخ 10 تشرين الثاني 2021 حول معايير القيمة في التأمينات العامة:

لقد شخصنا القيمة الرديئة للمنتج في التأمينات العامة على أنها مجال للإضرار [بمصالح المؤمن لهم].  ولذلك أدخلنا قواعد للإبلاغ لمعالجة ذلك.  ويرجع سبب هذا الإضرار إلى عدم وجود منافسة فعّالة بين مجهزي منتجات التأمين والافتقار إلى معايير مشتركة للقيمة.

وعليه يتوجب على مجهزي هذه المنتجات:

  • الإبلاغ ببيانات عن معايير القيمة value measures بما في ذلك تكرار المطالبات بالتعويض [معدل التكرار خلال الفترة التي يغطيها الإبلاغ]، ومعدلات قبول المطالبات، ومتوسط مبالغ التعويضات المدفوعة، وشكاوى المطالبات كنسبة مئوية من المطالبات. و
  • التأكد من أن المنتجات تقدم قيمة عادلة للعملاء في السوق المستهدفة.[16]

تتطلب قواعد معايير القيمة من الشركات إبلاغ هيئة الرقابة بالبيانات الخاصة بالتأمينات العامة بغية نشرها.  ويذكر بيان الهيئة أنها تعمل على تقديم معايير إضافية للقيمة لحوكمة المنتجات لضمان أن منتجات الشركات تقدم قيمة عادلة للعملاء.

وتتوقع أن تؤدي معايير القيمة إلى تحسين شفافية السوق والمنافسة، فضلاً عن المساعدة في معالجة ضعف قيمة المنتج وتقليل مخاطر شراء أو بيع منتجات التأمينات العامة غير المناسبة.

وتوضح هيئة الرقابة أن القيمة تكمن في العلاقة بين السعر الذي يدفعه العميل وجودة المنتج.  غالبًا ما يكون تحديد سعر المنتج أمرًا سهلاً، ولكن في بعض الأحيان يكون تحديد الجودة أقل سهولة وهذا [عدم القدرة على تحديد الجودة] من شأنه أن يسهم في مخرجات هي لغير صالح العميل.[17]

من المعروف أن الامتثال للقواعد الرقابية ينطوي على تكلفة ويتطلب تثقيف العاملين لتجنيب الشركة من الوقوع في فخ خرق القواعد بسبب الجهل أو عدم المعرفة الكافية بها.  ولهذا فإن الشركات، ومنها شركات الوساطة والتأمين، تستخدم موظفًا وربما تؤسس قسمًا مختصًا لضمان الامتثال لقواعد الرقابة الداخلية ولقواعد الهيئات الرقابية على نشاطاتها.

لا نتوقع من ديوان التأمين ولوج هذا المجال قبل أن يقوم بإصلاح بيت التأمين العراقي وتخليصه من العوائق الفنية والقانونية المكبلة لتطوره.

الحاجة إلى البحث

حاولنا في هذه الورقة الاقتراب من موضوع محاسبة تكاليف الجودة كما عرضها الدكتور صباح قدوري، وعرض قيمة المنتج التأميني من قبل شركات التأمين التي يمكن أن تندرج تحت موديل جودة/نوعية الخدمة service quality model in insurance التي تقدمها الشركات.

إن عرض القيمة من قبل شركة التأمين لتسويق منتجاتها ليس كافيًا لوحده للنجاح في سوق قائم على التنافس ما لم يقترن بجودة الخدمة التي تقدمها، والتي يختبرها المؤمن له وقت إبرام عقد التأمين وإصدار وثيقة التأمين، وخدمة الوثيقة أثناء سريانها (كإدخال التعديلات على نص الوثيقة)، وتسوية المطالبة بالتعويض بسرعة (لإرجاع المؤمن له إلى الوضع الذي كان عليه قبل وقوع الحادث موضوع التعويض).  ولذلك، فإن عرض القيمة وجودة الخدمة ليسا مجرد مصطلحين على الورق بل تلخيصًا مكثفًا لعلة وجود الشركة وخاصة في سوق تنافسي.

يتضمن عرض القيمة وجودة الخدمة تكاليف في البحث عن العناصر المكونة لهما ومن ثم صياغتها ورسم الإجراءات/المعايير لتطبيقها.  وفي ظني أن محاسبة تكاليف الجودة تتولى الكشف عن مفردات التكاليف لتحقيق الكفاءة/الإنتاجية في عمل الشركة، أي الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة للشركة (موازنة المدخلات مع المخرجات).  ومن هذا المنظور (الكفاءة) فإن عرض القيمة وجودة الخدمة ومحاسبة تكاليف الجودة ليست مفاهيم مقصورة على أنظمة قائمة على التنافس، ويمكن استخدامها في غير هذه الأنظمة.

لكن الموضوع برمته، وهو جديد على قطاع التأمين العراقي، يحتاج إلى بحوث تجمع بين رسم استراتيجية التسويق، ومحاسبة تكاليف الجودة، وبناء موديل الخدمات، وتطوير الموقف الرقابي من جودة الخدمات ومعايير عرض القيمة على العملاء.

16 تشرين الثاني 2021


[1] صباح قدوري، “محاسبة التكاليف (المعضلية): محاسبة عوامل الإنتاج/الموارد البشرية، كمثال على ذلك،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2019/06/Sabah-Kadduri-The-issue-of-accounting-of-problematic-costs-1.pdf

[2] صباح قدوري، “نظام محاسبة التكاليف ووظائف الإدارة في وحدات إدارة الأعمال،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2015/10/17/%d8%af-%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%81-%d9%88%d9%88%d8%b8/

[3] صباح قدوري، “محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة حماية البيئة أنموذجًا،” الثقافة الجديدة، العدد 419-420، آذار 2021:

https://tareeqashaab-archives.com/index.php/2013-03-09-11-11-54/2615-419-420-2021

[4] جريدة طريق الشعب:

استخدم الدكتور صباح قدوري صفة (المعضلية) في دراسته “محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة تكاليف النوعية/الجودة.”  لا أدري إن كان استخدام هذا الوصف شائعًا في الأدبيات المحاسبية.  ربما أراد منها الإشارة إلى كون محاسبة التكاليف ذات طابع إشكالي عَصيّ مستغلق على الحل أو الحل السريع.

[5] أنظر خانة التعليقات على مقال صباح قدوري، “ملاحظات حول السياسة الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية في العراق بعد 2003،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2017/01/30/%d8%af-%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3/

[6] مترجم بتصرف:

https://www.wordstream.com/blog/ws/2016/04/27/value-proposition-examples

[7] مترجم بتصرف:

https://www.cuttles.io/startup-definitions/how-to-define-your-unique-value-proposition

[8] https://en.wikipedia.org/wiki/Value_proposition

[9] مترجم بتصرف من مقال في انسيكلوبيديا الاستثمار: https://www.investopedia.com/terms/v/valueproposition.asp

[10] في بعض الأدبيات يستخدم مفهوم القيمة كمعادل للربح، كما في كتاب جون هانكوك، بول هوبر، بابلو كوخ، اقتصاديات التأمين: تخليق القيمة للمساهمين في شركات التأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2015).

[11] https://www.investopedia.com/terms/v/valueproposition.asp

[12] مصدر سابق.

[13] https://en.wikipedia.org/wiki/SERVQUAL

[14] نقرأ في كتاب تأمين تدريسي إشارة إلى التنافس بين شركات التأمين على أساس الجودة Quality Competition

تجري منافسة الجودة على مستويين إذ تتنافس شركات التأمين من خلال تقديم أشكال موسعة من التغطية وخدمة السرعة في تسوية المطالبة بالتعويض.  في بعض أنواع التأمين، تشتمل مكونات الخدمة لمنتج التأمين على خدمات الفحص ومنع الخسائر التي تقدمها شركات التأمين.

Emmet J. Vaughan and Therese Vaughan, Fundamentals of Risk and Insurance (New York: John Wiley & Sons, eight ed., 1999), p 86.

[15] لمزيد من التفاصيل راجع: موقع جريدة المحاسبين:

https://almohasben.com/%D8%AA%D9%88%D8%B6%D9%8A%D8%AD-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%81.html

ويضم نقلًا مسهبًا بعنوان “توضيح محاسبة التكاليف،” من كتاب منير سالم، محاسبة التكاليف، دار النهضة العربية، 1999.

[16] https://www.fca.org.uk/firms/general-insurance-value-measures

[17] https://www.fca.org.uk/publication/policy/ps20-9.pdf

Notes on Two Books by Munem Al-Khafaji

ملاحظات سريعة على كتابين حول التأمين في العراق

د. صباح قدوري*

نشرت المقالة أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/11/Sabah-Kadduri-Review-of-Munem-Al-Khafajis-Book-1-IEN.pdf

منعم الخفاجي، نحو قطاع تأمين عراقي فعّال: تحديات وحلول، (مكتبة التأمين العراقي، 2021)، ويتضمن المحاور التالية: مقدمة المحرر، مقترحات حول تطوير قطاع التأمين، مراجعة نصوص وثائق التأمين، التأمين في العراق: الواقع والطموح، التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق، سبل النهوض بقطاع التأمين (عرض موجز)، نحو قطاع تأمين عراقي فعال ـ تحديات وحلول.

منعم الخفاجي، تحديث نماذج من نصوص وثائق التأمين: وثائق التأمين من الحريق وخسارة الأرباح والسرقة والسيارات وحياة المقترضين، (مكتبة التأمين العراقي، 2021)، ويتضمن المحاور التالية: إهداء، مقدمة، التأمين من الحريق، وِثائق التصريحات، تأمين الخسارة الأولى، تأمين الخسائر التبعية أو (خسارة الأرباح)، التأمين من السرقة، التأمين من كافة الأخطار، تأمين السيارات، التأمين على حياة المقترضين، وثيقة التأمين الجماعي على الحياة، المراجع.

استلمت مؤخرًا هذين الكتابين من الزميل مصباح كمال.  لست متخصصًا في موضوع التأمين لكنه ليس بعيدًا من اهتماماتي في مجال المحاسبة وخاصة محاسبة التكاليف.  وقد سبق أن ناقشت مقالة الزميل منعم الخفاجي “الربح الإجمالي بين المحاسبة والتأمين” مركزًا على الجانب المحاسبي.  بفضل هذه الخلفية بادرت إلى قراءة كتابي الخفاجي، وكتبت الملاحظات أدناه في رسالة للزميل مصباح كمال

[1]

اطلعت على الكتابين المرسلين ضمن رسالتكم الأخيرة، فوجدتهما بأنهما يحتويان على مواضيع مهمة بخصوص قطاع التأمين العراقي، منها: الخلفية التاريخية للتأمين في العراق، دور التأمين في النشاط الاقتصادي والاجتماعي في فترات زمنية مختلفة مع التركيز على فترة الاحتلال الانكلو/امريكي للعراق في عام 2003 وحتى الوقت الراهن.  وكذلك توصيف الوضع الحالي لقطاع التأمين، بشقيه الحكومي (شركات التأمين العامة) والخاص.  وقد نقدها المؤلف بإيجابياتها وسلبياتها، عبر مراحل تطورها، مع مساهمة جادة في تقديم حلول ومقترحات بناءة لتطوير وتفعيل دور هذا القطاع المهم ضمن الاقتصاد الوطني، ومساهمته النشطة في عملية التنمية الوطنية المستدامة، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية.

[2]

تناول المؤلف المواضيع المذكورة في الفقرة [1] أعلاه، بشكل منهجي ومهني ومعرفي، واتبع أسلوبًا وصفيًا وتحليليًا للمحاور الواردة فيها، واستخلص النتائج المرجوة من ذلك، وقدم حلولًا ومقترحات بناءة وموضوعية لمعالجة الإخفاقات المتراكمة في قطاع التأمين عبر الزمن، ولاسيما بعد الاحتلال، وهي إخفاقات ظلّت من دون حلول لها من قبل المسؤولين وأصحاب القرار في مختلف المستويات (ديوان التأمين، وزارة المالية، شركات التأمين ذاتها)، مما أضاف إلى تراجع دور قطاع التأمين في أداء مهمته بشكل طموح، أي المساهمة بقسط في عملية التنشيط الاقتصادي، والتنمية من خلال الاستثمار.

[3]

لقد تم التركيز على المحاور الواردة في هذين الكتابين على الجوانب المهنية والمعرفية والتنظيمية والقانونية، على حساب الجانب الاجتماعي، وتأهيل القوى البشرية، وجودة الخدمات للعملاء، ودور ثقافة العاملين في أداء مهام عملهم والمجتمع بشكل عام، وتكنلوجيا المعلومات، وكذلك دور الجامعات والمعاهد ذات الاختصاصات والعلاقة بموضوع التأمين، ومدى مساهمتها في عملية التطوير، وإيجاد آليات فعالة وضرورية لتصحيح مسار القطاع، ليكون فعالا في أداء مهامه بالشكل المطلوب.  هذه الملاحظة لا تقلل من قيمة ما عرضه لنا المؤلف في ثنايا كتاب نحو قطاع تأمين عراقي فعّال.  على سبيل المثل، مناقشته لدور التدريب المهني في النهوض بقطاع التأمين.

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هناك شحّة في الدراسات والمقالات في المجالات التي أتينا على ذكرها.  أقول هذا رغم أن الزميل مصباح كمال هو من بين الأغزر في عرض قضايا التأمين العراقي والتعامل معها من منظور نقدي.  لذلك، نتمنى من المختصين والمهتمين بالشأن التأميني المساهمة في اغناء هذه المواضيع، التي أرى انها مكملة لتلك التي تم معالجتها في الكتابين، والاستفادة منها في تطوير مختلف جوانب مؤسسة التأمين، وصولًا إلى تعزيز مكانة هذه المؤسسة ومساهمتها في التنمية الاقتصادية.

[4]

لن يفوتني هنا أن أقيم واثمن وأقدر عاليا مساهمة الزميل كمال وانتاجه الفكري الغزير في مجال التأمين.  كلما قرأت له مقالًا أو كتابًا في التأمين ازددت قناعة أن قطاع التأمين العراقي، رغم بؤسه الحالي، فإن وعد إسهامه في الاقتصاد ما زال موقوفًا.  إن كتاباته وكتابات زملائه ومن بينهم منعم الخفاجي ما هي إلا لبنات في رسم معالم لتطوير قطاع التأمين العراقي.  فلهم كل الشكر، رغم تقدم العمر بهم، على المتابعة والتنوير واجتراح الحلول. وهنا لن يفوتني أيضا بأن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان للزميل مصباح لقيامه بتحرير هذه المقالة المتواضعة.

5 تشرين الثاني 2021

* باحث أكاديمي وكاتب اقتصادي/علوم المحاسبة الدولية

Researching History of Women in Iraq’s Insurance Sector

البحث عن تاريخ عمل المرأة في قطاع التأمين العراقي في خمسينيات القرن العشرين: محاولة أولية

مصباح كمال

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/10/Misbah-Kamal-Women-in-Iraqi-Insurance-in-the-1950s-IEN.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/10/05/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d8%b9%d9%86-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d9%81/

أزعم أن قطاع التأمين العراقي كان سبّاقًا، قياسًا بشركات التأمين العربية، في توفير فرص لعمل النساء ليس فقط في أقسام الطابعة والاختزال والسكرتارية التقليدية، وهو الذي يرد في بال العديد عند الحديث عن دور المرأة في مجال العمل في شركات التأمين وغيرها من الشركات، وإنما في الأقسام الفنية.[1]  وقد حاولت جمع بعض المعلومات عن تاريخ عمل المرأة في قطاع التأمين العراقي وفي شركة التأمين الوطنية[2] بشكل خاص في خمسينيات القرن الماضي لتوثيق دور المرأة في المرحلة التأسيسية للشركة.

وقد تجمَّعت لدي بعض المعلومات الأولية التالية اعتمادًا على ما ذكرته لي باسمة البحراني[3] (عملت في شركة التأمين الوطنية في الفترة 1952-1955 وتركت العمل بعد زواجها من المرحوم حمدي التكمجي، 1929-2020). تذكر من زميلاتها في الشركة في أوائل الخمسينيات: آيتن الرحال، بثينة حمدي (خريجة كلية الإدارة والاقتصاد، تزوجت عبد الرحمن بهجت الذي كان يعمل في شركة التأمين الوطنية في قسم المحاسبة. تقيم الآن قي عمّان. في الفترة التي عملتُ فيها في التأمين الوطنية، 1968-1977، كانت بثينة حمدي مديرة الحسابات الأقدم)، فوزية قطان (أخت كريم القطان، مدير عام المصرف التجاري. توفيت قبل فترة قصيرة).

ذكرت لي أيضًا زميلة عملت معها في قسم الحريق في الشركة اسمها سمير أميس (الاسم غير كامل وغير دقيق)، وأخرى اسمها روز (الاسم غير كامل).

استفسرت من باسمة البحراني عن معرفتها بـ سعاد نايف برنوطي إلا أنها لم تعرفها؛ ربما لأن برنوطي التحقت بشركة التأمين الوطنية بعد 1955 أو أنها كانت تعمل في أحد فروع أو مكاتب شركة تأمين أجنبية في بغداد.

جاء في شهادة لمرزا مجيد مراد خان، وهو من المخضرمين في قطاع التأمين العراقي، أنه كان يعمل في أوائل الخمسينيات في شركة ملاحة بريطانية تقع مكاتبها في شارع السموأل قرب مقر غرفة تجارة بغداد القديم اسمها Strick and Ellerman وكان لها قسم للتأمين وفيه تعلم مبادئ التأمين.  وكتب التالي:

تمَّ ترقيتي عام 1956 إلى طاقم الموظفين staff في قسم النقل Shipping Department الذي كان يديره مدير يهودي اسمه شاؤول شكر.

كان قسم التأمين يديره شخص يهودي اسمه سليم عوبديا، أو بالحقيقة شالوم.  كان ذو أخلاق عالية تساعده موظفة يهودية تزوجها لاحقاً بالرغم من فارق العمر الكبير بينهما.[4]

وهذه هي الشهادة الوحيدة المتوفرة لدي عن عمل المرأة في مجال التأمين، في قسم التأمين في شركة ملاحة أجنبية، خارج شركة التأمين الوطنية.

كتبت لمنعم الخفاجي (24 آب 2021)، وهو أيضًا من المخضرمين، مستفسرًا منه إن كان له معلومات عن السيدات اللائي عملن في قطاع التأمين العراقي وفي شركة التأمين الوطنية بشكل خاص في الخمسينيات.  كتب معتذرًا لأنه التحق بالعمل التأميني في آب 1963 وليس له معلومات عن العاملات في حقبة خمسينات القرن الماضي وكتب:

ولكن أتذكر موظفة من حقبة الخمسينيات امتد عملها في شركة التأمين الوطنية إلى الستينيات وربما السبعينيات من القرن الماضي أسمها الآنسة ليلى نبهان واعتقد انها لبنانية استقرت في العراق، وأخرى أرمنية للأسف خانتني الذاكرة لا أتذكر أسمها ربما اسمها إليزابيث [بدروس].[5]

لقد ثبَّت بهاء بهيج شكري بعض المعلومات عن هؤلاء العاملات المتميزات في حوار معه إذ قال:

أثناء وجودي في قسم الإدارة، علمت أن الشركة تتكون من ثلاثة أقسام رئيسية هي: قسم التأمين البحري وقسم الحريق والحوادث وقسم ضمان الموظفين، وقسمين آخرين هما: قسم الطيران وقسم السكرتارية.  وكان هناك ثلاث سكرتيرات في هذا القسم هُنَّ: الآنسة سامية ساعور، خريجة كلية الملكة عالية قسم السكرتارية وتعمل سكرتيرة خاصة للمدير العام؛ والآنسة ليلى نبهان، خريجة نفس الكلية وتعمل ضابط ارتباط بين المدير العام وأقسام الشركة؛ والآنسة سعاد برنوطي، خريجة كلية الآداب فرع الأدب الإنجليزي، وتعمل ضابط ارتباط بين المدير العام ووسطاء إعادة التأمين.[6]

في كتابه بحوث في التأمين كتب بهاء بهيج شكري عن سعاد برنوطي وخصّها بالثناء على معرفتها الفنية، وكتب أن الآنسة سعاد برنوطي كانت من أوائل النساء اللواتي عملن في حقل التأمين.  كُنّ دقيقات في عملهن، متمكنات منه بكل اقتدار.  وفي هذا الصدد يذكر الأستاذ بهاء في هامش الصفحة (32) من كتابه اعلاه:

كان في الشركة [شركة التامين الوطنية] مكتب للسكرتارية، يعتبر مسؤولًا عن متابعة تنفيذ جميع الأمور التي تتعلق بقرارات مجلس إدارة الشركة.  وكانت تعمل فيه ثلاث موظفات على مستوى عال من الكفاءة والإلمام بالاتصالات الدولية اثنتان منهن خريجات كلية الملكة عالية والثالثة خريجة قسم الأدب الإنكليزي في كلية الآداب في جامعة بغداد.  وكن يجدن الانكليزية كتابة وقراءة وتحدثا إجادة تامة.  واثنتان منهم تجيدان الاختزال والتنظيم المكتبي.  وكان لدى هذا المكتب كتيب يتضمن قائمة بأسماء وعناوين شركات إعادة التأمين في العالم.

وعند مبادرته لتأسيس مركز دراسي في شركة التأمين الوطنية ساعدته سعاد برنوطي في تأسيس هذا المركز ثم أصبحت مديرة للقسم الفني في الشركة.

وخصَّ سعاد برنوطي بتعريف في هامش منفصل:

كانت إحدى الموظفات الثلاث في مكتب السكرتارية.  وهي خريجة كلية الآداب في جامعة بغداد فرع الأدب الإنجليزي.  تجيد اللغة الإنجليزية إجادة تامة.  وتتمتع بأخلاق عالية وشخصية قوية نافذة تفرض احترامها على كل من يتعامل معها.  وبعد انقلاب 8 شباط 1963 استقالت من الشركة وسافرت إلى الولايات المتحدة فحصلت على شهادة الدكتوراه.[7]  وهي الآن [2012] أستاذة في قسم الدراسات العليا في إحدى الجامعات الأردنية في عَمّان.  وقد كانت الدكتورة برنوطي ساعدي الأيمن، إذ أصبحت مديرة القسم الفني والقائمة بأعمال قسم إعادة التأمين بعد أن تم تجزئة مكتب السكرتارية إلى قسمين.  وقد كنت أتشاور معها في كل ما أريد القيام به قبل أن أقدم مذكرة به إلى المدير العام.[8]

ويذكر بهاء بهيج شكري في الحوار معه المناسبات التي كانت فيها سعاد برنوطي ساعده الأيمن وشريكته في اجتراح الأفكار.

فعند حديثه عن تعديل اتفاقيات إعادة التأمين لأنها كانت مجحفة بحق شركة التأمين الوطنية يأتي على ذكرها.  اقتبس مطولًا مما ذكره بهذا الشأن لأنه يلقي الضوء على جانب من تاريخ الشركة:

لقد عينت معاونا للمدير العام للشؤون الفنية فور عودتي من لندن، فكان اول عمل قررت القيام به هو العمل على تعديل اتفاقيات إعادة التأمين، إذ تبين لي خلال فترة تدريبي لدى سيتي بورنك [C T Bowring] كم كانت شركة التأمين الوطنية مظلومة بالاتفاقيات المبرمة بواسطة الوسطاء المذكورين.  وبالرغم من امتناني للاهتمام الذي لقيته من السادة سي تي بورنك خلال فترة تدريبي لديهم، إلا ان المصلحة الوطنية هي فوق المشاعر والاعتبارات الشخصية.

حاولت في البداية الاستعانة بالسيد بيرسي سكويرا، معاون مدير التأمين البحري، إلا انه نصحني ان أستعين بالآنسة سعاد برنوطي لأنها، كما قال، اكثر خبرة منه في موضوع إعادة التأمين، ولأنها هي صلة الوصل بين الشركة والسادة سي تي بورنك، ولم اكن اعرف سعاد برنوطي شخصيا، بل كل ما كنت اعرفه انها سكرتيرة في مكتب سكرتارية المدير العام، فاتصلت بها وأخبرتها بعزمي على إعادة النظر في علاقة الشركة بالسادة سي تي بورنك، وطلبت منها ان تعاوني بذلك، فأبدت كامل استعداها لمعاونتي في ذلك، فنجحنا في إبرام اتفاقيات جديدة مغطاة من أربع أسواق عالمية هي السوق السويسري والألماني والإنجليزي والسوفياتي، وكانت هذه هي بداية علاقتي العملية بالآنسة سعاد برنوطَي التي استمرت حتى يوم ٨ شباط ١٩٦٣.[9]

ويأتي على ذكرها في نفس الحوار مرة أخرى في سياق بدء اتفاقيات إعادة التأمين الجديدة حيث يقول:

بدأ العمل بذلك في نهاية سنة ١٩٥٨ إذ تم الاتصال بكل من الشركة السويسرية لإعادة التأمين والشركة الألمانية (ميونخ ري)، فأوفدت الشركة السويسرية السيد كاشان، وهو من خبراء إعادة التأمين البارزين، فاشتركنا أنا وسعاد برنوطي بالتفاوض معه بإشراف المرحوم عبد الوهاب الدباغ مدير عام الشركة، فكانت هذه المفاوضات مدرستي الثانية في إعادة التأمين بعد التدرب في سيتي بورنك.

كما يأتي على ذكر سعاد برنوطي عندما سأله المحاوران حول صحة ما قيل بأنه رُشح ليكون مديراً عاماً لشركة إعادة التأمين العراقية، وفيما إذا كان له أو لغيره دور في تأسيس هذه الشركة سنة 1960:

بعد تأسيس شركتين للتأمين من قبل القطاع الخاص سنة ١٩٥٩ هما شركة بغداد للتأمين وشركة التأمين العراقية تدارست أنا والآنسة سعاد برنوطي العمل على تطوير سوق التأمين العراقي، فاتفقنا على ثلاثة محاور هي: “١” تشريع قانون جديد لشركات ووكالات التأمين يتماشى مع ما حصل من تطور في سوق التأمين، و”٢” تطبيق التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، و”٣” تأسيس شركة عراقية لإعادة التأمين.  وقد وافق المدير العام لشركة التأمين الوطنية على الفكرة عند عرضها عليه ووافق مجلس إدارة الشركة ووزارة التجارة عليها.  فشرّع قانون جديد للشركات سنة ١٩٦٠ كما شرع قانون آخر في نفس السنة لتأسيس شركة إعادة التأمين العراقية وتأخر تشريع قانون التامين الإلزامي لأسباب لا مجال لذكرها هنا.[10]

وعندما سأله المحاوران إن كان للمرأة دور/أدوار مهمة في شركة التأمين الوطنية، كان جوابه:

بصورة عامة يمكنني القول بأن نسبة الكفاءة في الجنس الناعم أعلى منها في الجنس الخشن، ومن المتميزات، حسب التسلسل، الآنسة سعاد برنوطي والآنسة إيزابيل بدروس والآنسة سامية ساعور.  وقد أتيت على ذكرهن في ثنايا أجوبتي على أسئلة أخرى.[11]

تذكُرُ مي مظفر، الشاعرة والقاصّة، في شهادتها عن تجربتها في شركة إعادة التأمين العراقية الآتي:

التحقت بالعمل في شركة إعادة التأمين في الأول من تشرين الأول 1961 … في تلك المرحلة المبكرة كنا نتدرب مع خبيرة تأتينا من شركة التأمين الوطنية وهي الآنسة سعاد برنوطي، التي حصلت فيما بعد على بعثة حكومية ونالت الدكتوراه في مجال التأمين من أمريكا.[12]

سعاد برنوطي شخصية فذة في تاريخ التأمين العراقي، ارتبط عملها بالمرحلة التأسيسية لقطاع العراقي، وقدمت له العديد من الأفكار التي أسهمت في تطوير القطاع كما أشار بهاء بهيج شكري لها.  وهي، من بين أخريات، من مُخرجات نظام التعليم في العهد الملكي (1921-1958) الذي سيتعزز بعد ذلك وينتشر معه تعليم الإناث.  وقد أنصفها بهاء بهيج شكري وهو يؤرخ تجربته التأمينية والنشاط التأميني في العراق، وكنا، هو وأنا، نُمنّي أنفسنا تحقيق اتصال معها إلا أن جهودنا لم تنجح.  وقد حاول الاستفسار من ناشر كتبها والجامعة التي درَّست فيها في عمّان إلا أن جهوده لم تثمر عن معلومات ملموسة.  إن بهاء بهيج شكري شاهد على تاريخ التأمين في زمانه، وما يكتبه يستحق كل التقدير ويشكّل أساساً للمؤرخين للتوسع في بحث هذا التاريخ،[13] وله فضل تعريفنا بسعاد برنوطي.

لقد كان للمرأة دورها المهم في مختلف جوانب النشاط التأميني، وكان البعض منهن، على قلَّتهن، يحتلن مواقع متميزة في شركة التأمين الوطنية على وجه التخصيص وفيما بعد في شركات أخرى، أذكر منهن، مع حفظ الألقاب والاعتذار من اللاتي لا أعرفهن أو أتذكر أسماؤهن: سعاد نايف برنوطي، بثينة حمدي، هدى سلمان الصفواني، سهير حسين جميل وغيرهن.  ومما يؤسف له أن هذا الدور لم يخضع إلى الدراسة أو البحث الأكاديمي.

إن كان أرشيف شركة التأمين الوطنية محفوظًا فإنه سيكون المصدر الأساس لبحث تاريخ عمل المرأة في الشركة.  لعل أحد الباحثين من الشباب يتولى مثل هذا البحث وفي ذات الوقت ينير جانبًا من تاريخ التأمين العراقي في سياقه الاقتصادي الاجتماعي.

نتمنى ممن له معرفة بالمرحلة التأسيسية لقطاع التأمين العراقي تقويم المعلومات التي أوردناها في هذه الورقة وتنبيهنا على أي خطأ في التوثيق وإضافة ما لديهم من معلومات.

29 آب 2021


[1]إيمان عبد الله شياع، “النصف الآخر: دراسة أولية لدور المرأة في شركة التأمين الوطنية،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/02/03/%d8%a5%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b4%d9%8a%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9/

[2] تأسست شركة التأمين الوطنية سنة 1950 وبدأت مزاولة أعمالها سنة 1952.

[3] لقاء في لندن بتاريخ 21 آب 2021.  سأذكر جميع الأسماء مع حفظ الألقاب.

[4] ميرزا مراد مجيد خان، “أيامي الأولى في التأمين،” مرصد التأمين العراقي:

[5] منعم الخفاجي، رسالة شخصية بتاريخ 25 آب 2021.

[6] تيسير التريكي ومصباح كمال، ذاكرة التأمين العربي-حوارات، الجزء الأول، فصل الحوار مع بهاء بهيج شكري (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، ص 23-24.

هؤلاء السكرتيرات كن يجمعن بين المهارات اللغوية والمعرفة الفنية، ولذلك كنَّ يتمتعن بموقع متميز داخل تنظيم الشركة، كما يتبين من توصيف بهاء بهيج شكري هنا وفي أماكن أخرى من كتاباته.

[7] ولدت سعاد نايف برنوطي في 7 حزيران 1936.  عملت في أكثر من قسم في شركة التأمين الوطنية ومنها قسم إعادة التأمين.  غادرت العراق سنة 1963 وحصلت في وقت لاحق على شهادة دكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا، لوس انجليس.  ألفت العديد من الكتب، بعضها كتب منهجية معتمدة في بعض الجامعات العربية، ونشرت الدراسات في مجلات محكمة، وأشرفت على العديد من رسائل الدكتوراه في الجامعات الأردنية، ويرد ذكر بعض مؤلفاتها في أطاريح جامعية.  درّست في الجامعات الأردنية.  فيما يلي ثبت ببعض مؤلفاتها:

ادارة الموارد البشرية – إدارة الأفراد (2007)

الأعمال: الخصائص والوظائف الإدارية (2008)

إدارة الأعمال الصغيرة: أبعاد الريادة (2008)

الإدارة: أساسيات إدارة الأعمال (2009)

نشرت هذه المؤلفات في عمّان من قبل دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع، وقد أعيد نشر بعضها.

معظم هذه المعلومات مستمدة من الإنترنيت.

[8] بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين، ص 37.

[9] تيسير التريكي ومصباح كمال، ذاكرة التأمين العربي-حوارات، الجزء الأول، ص 28.

[10] تيسير التريكي ومصباح كمال، ذاكرة التأمين العربي-حوارات، ص 35.

[11] تيسير التريكي ومصباح كمال، ذاكرة التأمين العربي-حوارات، ص 31.

[12] مي مظفر، “شهادتي عن تجربتي في شركة إعادة التأمين العراقية،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2017/02/16/%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%b8%d9%81%d8%b1-%d8%b4%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%aa%d9%8a-%d8%b9%d9%86-%d8%aa%d8%ac%d8%b1%d8%a8%d8%aa%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a5%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9/

[13] رسالة من الكاتب لبهاء بهيج شكري أرسلت له في 3 آذار 2017.

Training and its Role in Developing Iraq’s Insurance Sector

دور التدريب في نهوض قطاع التأمين وتطويره

منعم الخفاجي

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين”

منعم الخفاجي* دور التدريب في نهوض قطاع التأمين وتطويره

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/10/Muneam-Al-Akhafaji-Training-Paper-submitted-to-the-insurance-conference-September-2021-Draft-3-IEN.pdf

ورقة مقدمة إلى مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق – تحديات الواقع وفرص المستقبل، 15-16 أيلول 2021 نيابة عن المنظمة الألمانية للتنمية والتعاون GIZ بعنوان “دور التدريب في نهوض قطاع التأمين وتطويره”

مقدمة

لضيق الوقت المخصص سأبدأ عرض الموضوع اعتبارا من بدء تراجع قطاع التأمين في العراق، هذا التراجع تلى الوضع المميز الذي وصل إليه هذا القطاع في سبعينيات القرن الماضي، خلال مسيرة امتدت من بداية الخمسينيات ولغاية بداية ثمانينيات القرن الماضي.

هذا التقدم وسيلته كانت التدريب المستمر الذي أعتمده القطاع بتنظيم الدورات التدريبية المُمَنهجة داخل العراق، واستقدام الخبراء الأجانب من دول أوربية متقدمة في العمل التأميني والاستفادة من خبراتهم، بالإضافة إلى ابتعاث عدد غير قليل من الموظفين للدراسة والتدريب في معاهد وشركات تأمين أوربية متقدمة.  أؤكد، ومن خلال خبرتي، أنه لا يمكن لقطاع التأمين النهوض والتقدم في غياب التدريب وتأهيل الكوادر.

من هنا تتضح اهمية التدريب المستمر في نهوض وتطور هذا المرفق الحيوي الذي يوفر:

– الحماية والإسناد للتنمية الاقتصادية بكل فروعها واستقرار الحياة الاجتماعية

– ويساهم إضافة إلى المساندة مساهمة مباشرة في التنمية الاقتصادية عن طريق استثمار الأموال المتوفرة لدى شركات التأمين وإعادة التأمين.

– ومهام أخرى عديدة ومهمة لا يتسع الوقت لذكرها.

محاور التدريب الرئيسية

مع ملاحظة أن التدريب والتأهيل يجب أن لا يقتصر على العمليات التأمينية (الاكتتاب، خدمة الوثائق، وتسوية التعويضات) بل يجب أن يشمل كل المحاور الرئيسية التي تستند اليها شركات التأمين وإعادة التأمين في تنفيذ نشاطها وبالأخص محوري التسويق والاستثمار إضافة إلى محور الاكتتاب (قبول الطلبات وإصدار وثائق التامين وخدمتها) وتسوية التعويضات.

بدء التراجع

بعد استمرار الحرب العراقية الإيرانية التي استنزفت موارد العراق المالية والبشرية بدأ قطاع التأمين كما بقية القطاعات بالتراجع بدءا من سنة 1983 وبلغ هذا التراجع ذروته بعد سنة 1990 بتأثير الحصار الظالم والمقاطعة اللئيمة المفروضين على شعب العراق.

هذه الحالة من تراجع قطاع التأمين استمرت بالرغم من تغيير النظام في سنة (2003) ولا زالت في الوقت الحاضر كما هي.  أما اسباب التراجع فهي تتوزع على أسباب عامة تشمل جميع القطاعات والأنشطة، وأخرى خاصة تتعلق بقطاع التأمين.  وفيما يلي نظرة مختصرة على بعض أهم اسباب هذا التراجع الخاصة بنشاط التأمين وعلى وضع القطاع حاليا وسبل النهوض به.

قطاع التأمين حاليا وسبل النهوض به وإصلاحه  

سوق التأمين العراقي حاليا في حالة من الركود والتراجع لأسباب عديدة منها:

1- تسجيل الشركات

إن دائرة تسجيل الشركات دأبت على تسجيل شركات التأمين دون توفر الحد الأدنى من متطلبات تأسيس شركة تأمين مساهمة.

الحل المقترح: إيقاف تسجيل شركات التأمين لحين وضع معايير سليمة تضمن ان شركة التأمين المطلوب تسجيلها تمتلك الكادر الرئيسي المؤهل لإدارة العملية التأمينية والكفاءة المالية للإيفاء بالتزاماتها تجاه حملة الوثائق (المؤمن لهم).

2- هيكلية القطاع

عدد شركات التأمين المجازة بالعمل في السوق العراقية، بالإضافة إلى الشركات الحكومية الثلاث، تجاوز الثلاثين أغلبيتها لا تمتلك الحد الأدنى من الخبرة اللازمة الضرورية لإدارة العملية التأمينية ولا الإمكانية المادية، وعدد كبير منها يدار من قبل شخص واحد لا علاقة له بالتأمين.  وبمجملها هي شركات صغيرة جدا لا تمتلك صفات شركة مساهمة، إذ لا وجود لمجالس الإدارة ولا الهيئات العامة لهذه الشركات إلا على الورق.

المقترح هو إعادة هيكلة قطاع التأمين كالآتي:

أ- الشركات الحكومية الثلاث تدمج مع بعضها لتكون شركة واحدة كبيرة علما أن هناك دراسة سابقة حول دمج الشركتين العراقية والوطنية تؤيد عملية دمجهما.

ب- اما بالنسبة لشركات القطاع الخاص فتعاد هيكلتها بحيث يقل عددها ويكبر حجمها عن طريق الدمج شبه القسري الذي يمكن أن يمارسه ديوان التأمين بفرض زيادة الحد الأدنى لرأسمال شركة التأمين، والشركة التي لا تلبي هذا الاجراء خلال فترة زمنية محددة تسحب اجازتها.

3- ديوان التأمين

ديوان التأمين حاليا لم ينفذ أغلب المهام الموكلة اليه بموجب المادة (6) من قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 وهي باختصار تتعلق بـ:

أ- رفع كفاءة الأداء لمنتسبي الشركات بما في ذلك تأسيس معهد لهذه الغاية.

ب- الرقابة بشكل عام وعلى الملاءة المالية للشركات بشكل خاص.

ج- نشر الوعي التأميني.

د- توثيق روابط التعاون مع منظمات الاشراف والرقابة على شركات التأمين العربية والعالمية.

ه- وغيرها من المهام التي لا يتسع الوقت للتطرق اليها.

هذا الخلل سببه عدم تنفيذ المادة (7) أولا- من قانون تنظيم أعمال التأمين التي تنص على وجوب تعيين رئيس للديوان بدرجة خاصة خلال (30) يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون الذي مر عليه (15) عاما تعاقب على إدارته خلال هذه الفترة أكثر من سبعة مدراء عامين وكالة إضافة إلى مهامهم الأصلية ولم يتوفر لأغلبهم لا الوقت ولا الخبرة.  

الحل المقترح هو أن يتم تفعيل عمل الديوان وتعيين رئيس له بدرجة خاصة تتوفر فيه مؤهلات تنفيذ واجباته ومهام الديوان التي نص عليها قانون التأمين.

4- قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005

صدر القانون على عجالة دون أي دراسة وتضمن موادًا مخيبة للآمال تم بموجبها فتح سوق التأمين العراقي على مصراعيه لشركات التأمين الأجنبية وحجب مادة أساسية لحماية السوق من تدخل شركات التأمين وهي وجوب إجراء التأمين على الأموال الموجودة في العراق والبضائع القادمة اليه والمسؤوليات التي قد تتحقق داخل العراق مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة لمزاولة الأعمال من قبل ديوان التأمين.

الحل المقترح أن يتم تعديل القانون رقم (10) لسنة 2005 بشكل سريع كما يلي:

أ- حذف الفقرة خامسا من المادة (13) نصها:

لا يجوز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا من قبل:

خامسا: مؤمن أو معيد تأمين آخر يعتبره رئيس الديوان مؤهلا وذو قدرة مالية بشرط أن يلتزم بأحكام هذا القانون.

ب- حذف الفقرة ثانيا من المادة (14) التي فتحت سوق العراق على مصراعيه.

ج- يضاف ما يلي إلى الفقرة ب- من ثانيا من المادة (7) “أو حاملا لشهادة متخصصة في التأمين صادرة من مؤسسة رصينة متخصصة في تعليم التأمين.

د- تضاف مادة جديدة إلى القانون تنص على عدم جواز إجراء التأمين على الأموال الموجودة في العراق والبضائع الواردة اليه أو المسؤوليات التي قد تتحقق في العراق إلا مع شركت التأمين المرخص لها العمل في العراق.

وفيما بعد يتم تعديل شامل للقانون أو تشريع قانون جديد بدلا منه.

التوصيات

1- يتوقف تسجيل شركات التأمين لحين اتمام إعادة هيكلة قطاع التأمين ووضع أسس ومعايير لشركات التأمين بحيث تكون مهيأة ماديا وعلميا لإدارة عملية التأمين بشكلها الصحيح.

2- الشروع بإعادة هيكلة قطاع التأمين.

3 – تعيين رئيس لديوان التأمين متفرغ، مؤهل للأشراف على تنفيذ كامل الواجبات التي نص عليها القانون.

4- تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بما يضمن مصلحة قطاع التأمين.

مع ملاحظة ان موضوع التدريب هذا مع أهميته في النهوض وتقدم قطاع التأمين ومواكبة ما يستجد عليه من تطور، إلا إنه لم يحظ بالأهمية المطلوبة، ولم يكتب عنه إلا القليل.  وفي هذا الصدد أود أن أُشير إلى المقالة المهمة التي تناول فيها الأستاذ مصباح كمال جوانب مهمة حول موضوع التدريب تحت عنوان “التدريب المهني بين الجمعية والديوان- ملاحظات أولية – نشرت في مدونة مرصد التأمين العراقي يمكن الاطلاع عليها عن طريق الرابط التالي.

منعم الخفاجي

خبير في قضايا التأمين

بغداد 16/9/2021

Critique of the Insurance Diwan

في نقد ديوان التأمين

آلاء سعيد عبد الحميد

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

آلاء سعيد عبد الحميد*: في نقد ديوان التأمين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/آلاء-سعيد-عبد-الحميد-في-نقد-ديوان-التأمين-محررة.pdf

نشر الزميل مصباح كمال مقالًا مهمًا بعنوان “رئاسة ديوان التأمين: نظرة على تضارب المصالح” هو الأول من نوعه في الاقتراب من بعض قضايا ديوان التأمين وإدارته منذ تأسيسه سنة 2005.  وهو يستحق منا الشكر والامتنان لتسليط الضوء على قضية التضارب، ودوامه على متابعة ودراسة معاناة قطاع التأمين في العراق ومحاولة تشخيص العلل منذ ظهور شركات التأمين الخاصة في العراق ولغايته.  ومن المؤسف أن ديوان التأمين لم يبذل جهودًا كافيًا لعلاج وتذليل العقبات بوجه شركات التأمين الخاصة.

ان مقال “رئاسة ديوان التأمين: نظرة على تضارب المصالح” هو موضوع في غاية الأهمية ولا يمكن تجاهله وبودي هنا أن أشير إلى إن إدارة ديوان التأمين، وفيما يخص شركات التأمين الخاصة، لم يتصرف بالحيادية والانصاف المطلوب تجاه هذه الشركات.  وقد بان ذلك وبشكل ملموس، وهو ما رصدناه، في عهد احمد عبد الجليل الساعدي (عندما كان رئيسًا للديوان بالوكالة، 2018-2019. 

ذكر الزميل مصباح كمال في مقاله أن أحمد عبد الجليل الساعدي “شغل في وقت واحد أربعة مناصب: مدير عام هيئة التقاعد ورئيس ديوان التأمين والضمان الاجتماعي وشركة الدواجن والعلف الحيواني، وكلها بالوكالة.  اعتقل في أيلول 2020 من قبل القوات الأمنية لصـدور أوامر قضائية بحقه من قبل هيئة النزاهة لضلوعه بعمليات فساد مالي في هيئة التقاعد.”  استكمالًا لهذه المعلومات أضيف أن حكما قضائيًا صدر بتاريخ 19 كانون الثاني 2021 بحبس الساعدي لمدة 6 سنوات بسبب فساد عقد التأمين الصحي التي أبرمها عندما كان المدير العام لهيئة التقاعد العامة.[1]

فقد حاول الساعدي، مثل آخرين، تحجيم دور القطاع الخاص في السوق من خلال:

–       تعميم الكتب على الجهات الرسمية المرتبطة بوزارة او غير المرتبطة بوزارة بعدم التعاقد مع شركات التأمين الاهلية إلا بعد الرجوع إلى ديوان التأمين وأخذ موافقته.  للعلم، من المفروض ان الشركات التي تُمنح الاجازة او التي قام الديوان بتجديد اجازتها فإن هذا يعني انها جاهزة للعمل ولا يجب أن تخضع للمساءلة إلا في حالة خرق أحكام القوانين المنظمة للنشاط التأميني.

–       عرقلة الاحالات التي تكون صادرة من جهات حكومية لإجراء التأمين مع شركات التأمين الاهلية وبشتى الطرق.

إن كل هذه الوسائل، وربما غيرها، تشكل في مجملها أمثلة على الفساد الإداري، وربما الفساد المالي، في ديوان التأمين، ولها آثارها الضارة على شركات التأمين الخاصة.  في حين أنه من المفترض أن تقف إدارة ديوان التأمين على مسافة واحدة من جميع شركات التأمين، العامة والخاصة، وخلاف ذلك فإنها تخرق أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.

إن ديوان التأمين، من رأيي، يمارس دوره كمراقب فقط دون ممارسة دوره الاخر الذي يتطلب قيامه، وبقوة القانون، بإسناد وتطوير قطاع التأمين والمحاولة للحيلولة دون بقاء هذا القطاع خاملاً مهمشاً.  فقد قصَّرَ الديوان في أداء هذا الدور الآخر وكما يقضي به قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.  فقد جاء في الأسباب الموجبة أن القانون شُرّع

“بهدف تنظيم قطاع التأمين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتأمين سوق مفتوح وشفاف وآمن مالياً وتعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الأشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني.”

إن الحديث يطول هي هذا المجال، لكني أثني على ما جاء في مقال الزميل مصباح كمال وما كتبه سابقًا عن العديد من القضايا الإشكالية لقطاع التأمين العراقي.  أتمنى على زملاء وزميلات المهنة مناقشة ما ينشره زميلنا مصباح كمال، والعمل فيما بينهم لعرض معاناة شركات التأمين الخاصة، وعدم اللجوء إلى ايــجاد حلول بشكل منفرد وشخصي.

وبودي في الختام أن أثير مسألة التقصير في الدعوة الى المؤتمرات والندوات التي تقام لمناقشة وضع قطاع التأمين وإيجاد الحلول والتطوير حيث يتم دعوة الشركات الحكومية فقط واهمال شركات التأمين الخاصة واعتبار الشركات الحكومية ممثلة لقطاع التأمين برمته.  وهذا يعكس نقصًا لدى الجهات الداعية للمؤتمرات والندوات في رؤية قطاع التأمين العراقي بكل مكوناته وليس من منظور شركات التأمين الحكومية.

آلاء سعيد عبد الحميد

المدير العام، شركة الخليج للتأمين

29 أيلول 2021

[1] موقع أخبار العراق:https://iraqnews.info/blog/%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%86-6-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%AD/

في نقد كلمة وزير المالية علي عبد الأمير علاوي

في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق، بغداد، 15-16 أيلول 2021

مصباح كمال

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Insurance-Conference-September-2021-Minister-of-Finance-Speech-IEN.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/09/29/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d9%83%d9%84%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84/

مقدمة

ألقى وزير المالية علي عبد الأمير علاوي كلمة قصيرة (540 كلمة) في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق ضمت عددًا من الأفكار التي تستحق المناقشة،[1] وقد أشرنا إلى بعضها بشكل عابر في مقال سابق.[2]  حسب علمنا لم تخضع هذه الكلمة إلى مناقشة في المجال العام.

قراءتنا لنص هذه الكلمة تشير إلى أن كاتبها ليس وزير المالية، ونفترض أنها كتبت من قبل شخص ملم بالتأمين.  ربما تكشف الأيام من هو كاتب هذه الكلمة.  لا يمكن لمؤلف كتاب احتلال العراق: ربح الحرب، وخسارة السلام (2009) وكتاب أزمة الحضارة الإسلامية (2011) أن يكون كاتب الكلمة.  فصياغة الكلمة وتماسك أفكارها ضعيفة وكان بالإمكان تحسينها من خلال تحرير النص لضمان اتساقه ودقته.  يكفي قراءة الفقرة الأولى للكشف عن هذا الضعف في الاتساق.  فيما يلي سنقدم ملاحظات سريعة على بعض الأفكار التي وردت في نص الكلمة.

في أهمية قطاع التأمين

في الفقرة الأولى من كلمته يؤكد الوزير على أهمية “قطاع التأمين في القطاعات الاقتصادية”، والمعني بذلك أهمية التأمين في الاقتصاد الوطني، وأنه “ركن مهم وأساسي” في ثلاث مجالات:

  1. التنمية الاقتصادية
  2. تطور القطاع الخاص
  3. تخفيف العبء الواقع على الدولة.

تُقدِمُ الكلمة هذه العناوين وكأنها من المسلمات وهي، في صيغتها المعروضة، ليست كذلك وكان من المناسب تقريبها لذهن المستمع من خلال إغناء محتواها.

لقد جاءت العناوين خاوية وبحاجة إلى قليل من التفصيل كالقول بالنسبة للتنمية الاقتصادية أن مساهمة قطاع التأمين يتم من خلال توظيف الفوائض المالية المتراكمة لدى شركات التأمين في استثمارات عينية وفي تمويل مشاريع قليلة المخاطر، وفي الحفاظ على استمرار الإنتاج المادي من خلال التعويض عن الخسائر والأضرار المادية التي تلحق بالمباني والمكائن والمعدات، وكذلك الخسارة المالية المترتبة على توقف العمل وهو ما يعرف بخسارة الأرباح.

ومن المفيد أن نقتبس لفائدة القراء ما كتبناه قبل ما يقرب من عشرين سنة حول أهمية التأمين تحت العناوين التالية:

  • المساهمة في الدورة الاقتصادية: تحويل الدخل بين مفردات الدخل القومي وما يترتب على ذلك من تنشيط لخدمات أخرى، وكذلك تشجيع المجازفة الاقتصادية (من خلال تعويض صاحبه عن ممتلكاته ومنتجاته المتضررة من جراء الحوادث غير المتوقعة، وتقديم القروض العقارية وغيرها ضمن عقود التأمين على الحياة).
  • توفير فرص للعمالة رغم محدوديتها في ظل الأوضاع القائمة.
  • تحويل كلفة الخطر: المساهمة في حماية الوضع المالي للأفراد والمؤسسات المؤمن عليها، والمساهمة في ديمومة الإنتاج، وحماية عناصر الثروة الوطنية (البشرية والمادية) ضد الكوارث الطبيعية وتلك التي تترتب على الفعل البشري خلال ممارسة الإنتاج.
  • تفادي النزاع بين الأفراد من خلال تحمل شركة التأمين للنتائج المالية للأضرار التي يتسبب به الفرد ضد فرد آخر أو مجموعة من الأفراد (مثال التأمين على السيارات والحريق.(
  • المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال تنشيط الادخار والاستثمار.  ولذلك يمكننا القول بأن شركات التأمين تعتبر أحد المصادر المهمة لرأس المال المالي، فحتى شركات التأمين التي لا تمارس التأمين على الحياة تلجأ إلى تكوين احتياطيات فنية واحتياطيات حرة للوفاء بالتزاماتها لتعويض حملة وثائق التأمين عند تحقق الضرر المؤمن ضده.  ومثل هذه الاحتياطيات صالحة للاستثمار وخاصة للآجال القصيرة.

هذه الوظائف تجد تعبيراً لها في قطاع التأمين في العراق بحدود لكنها لم تلق ما تستحقها من تحليل.  ويمكن القول إجمالاً إن المساهمة الاقتصادية لقطاع التأمين في عملية تمويل التراكم الاقتصادي ضعيفة.  ويعكس ذلك ضعف الكثافة التأمينية، الذي يؤشر بدوره على هشاشة دخول الأفراد مما يجعل الإقبال على شراء الحماية التأمينية ضعيفاً.  كما أن الدولة أغفلت أهمية جعل بعض فروع التأمين إلزامياً كتأمين المباني باعتبارها جزءاً من الثروة الوطنية كما هو الحال، على سبيل المثال، في سويسرة وألمانيا، أو ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة وتأمين الأعيان ضد خطر الحريق وغيره.  هذه الملاحظات بحاجة إلى دراسة لا تتأثر بالمطلب السياسي الذي يستدعي زيادة موارد الدولة دون الأخذ بنظر الاعتبار مستوى الدخل الفردي.[3]

وبالنسبة لأهمية قطاع التأمين في “تطور القطاع الخاص” فإنها مُضببة إذ كيف يمكن للمستمع العادي للكلمة أن يفهم العلاقة السببية بين قطاع التأمين وتطور القطاع الخاص.  من المعروف في الاقتصادات الرأسمالية في زماننا أن القطاع الخاص لا يُقدم على إقامة المشاريع الإنتاجية والخدمية وغيرها دون اللجوء ابتداءً إلى شراء الحماية التأمينية.  وبهذا المعنى فإن تطور القطاع الخاص مرتبط بتوفر الحماية المالية من قطاع التأمين.  وقد عبّر أحد رجال التأمين عن هذه الحقيقة بالقول إن التأمين هو الحمض النووي للرأسمالية.[4]

المشكلة في العراق أن القطاع الخاص لا يلجأ إلى التأمين دائمًا إلا في الحالات التي يكون فيه مقاولًا لمؤسسة حكومية تشترط في عقد الإنشاء إجراء التأمين ضد مخاطر معينة.

أما “التخفيف الواقع على الدولة” فهو الآخر مُبهم ما لم يكشف عن المستور وراء هذا العنوان خاصة وأن شركات التأمين لا تشكل عبئًا على ميزانية الدولة لا بل هي ترفد خزينة الدولة بموارد مالية متمثلة بالضرائب والرسوم، ولم يُعرف عن شركات التأمين العامة أنها لجأت إلى الدولة لتمويل خسائرها (وهي لم تحقق خسائر في تاريخها الذي يزيد على أكثر من نصف قرن).

من رأيي إن المراد من هذا العنوان هو تحويل تمويل بعض الخدمات العامة إلى شركات التأمين.  ويرد في البال هنا تحويل تمويل الخدمات الصحية التي توفرها الدولة لمواطنيها من خلال تسليعها وشراءها من القطاع الصحي الخاص من خلال وثائق التأمين الصحي.  والهدف هو حصر الخدمات الصحية بأنواعها بالحدود الدنيا، وهي الوصفة التي ارتبطت بإقحام الليبرالية الجديدة وأدواتها في إدارة الدولة وإبعادها من مجال النشاط الاقتصادي.  وقد أفصحت الفقرة النهائية في كلمة الوزير عن هذا التوجه:

وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال. [الاقتباس منقول حرفيًا بأخطائه من نص كلمة وزير المالية]

ولعل استبعاد دور الدولة يتخذ أيضًا شكل تخفيف العبء المالي على خزينة الدولة في مجال المعاشات التقاعدية بحيث تصبح هذه المعاشات موضوعًا لشراء السناهيات annuities من شركات متخصصة بالتقاعد ومن منتجات التأمين على الحياة.

مغالطات

من المغالطات في كلمة وزير المالية أن قطاع التأمين قد أخذ “بالظهور والعودة إلى الواجهة بعد أحداث 2003 …” فالقطاع لم يختفي “بسبب تعرض العراق إلى طروف [ظروف] الحروب والحضر [الحظر] الاقتصادي” ثم ظهر بعد ما يسميه الوزير “أحداث عام 2003” (وهو الذي ألَّف كتابًا عنوانه الأساسي احتلال العراق).

ربما لا يعرف الوزير أو كاتب نص كلمته أن قطاع التأمين استمر بالعمل بالحدود الدنيا المُتاحة خلال فترة الحصار الاقتصادي للعراق[5] (بدأ في آب 1990 واستمر لغاية أيار 2003 مع بقاء بعض القيود الخاصة بالتسليح والتصرف بموارد النفط).  كما أن هذه الفترة شهدت نهاية احتكار التأمين من قبل شركات التأمين العامة مع صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997.  وقد كتبنا الآتي عن هذا الموضوع قبل ما يقرب من عقدين:

شهد عام 1997 صدور قانونين ربما سيكون لهما الأثر الكبير في تغيير بنية سوق التأمين العراقي.  الأول هو قانون الشركات الخاصة لتشجيع رأس المال الوطني للاستثمار في شركات خاصة للتأمين وإعادة التأمين في العراق.  ويستفاد من المعلومات المتوفرة أن أعمال إعادة التأمين لهذه الشركات الخاصة ستنحصر في شركة إعادة التأمين العراقية.  والثاني هو قانون الشركات العامة الذي يهدف إلى “تنظيم العمل في الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والممولة ذاتياً والتي تمارس نشاطاً اقتصادياً، وبهدف توحيد القوانين المنظمة لنشاط هذه الوحدات من خلال تأسيس شركات عامة وطنية.”[6]  وتوجب المادة (10) من قانون الشركات الخاصة رقم 21 على الشركات التي تمارس التأمين وإعادة التأمين أن تكون شركات مساهمة.  كما صدرت عام 1999 تعليمات من وزير المالية تناولت إجراءات منح إجازة ممارسة أعمال التأمين وإعادة التأمين.  وتبع ذلك صدور قرار من الوزير لتنظيم العلاقة بين شركات التأمين، العامة منها والخاصة، وشركة إعادة التأمين العراقية.  “ويجيز القرار لشركة إعادة التأمين العراقية، التابع للقطاع العام، تقبل الأخطار التي يجري إسنادها إليها من قبل شركات التأمين الخاص.”[7]

من المغالطات الأخرى أن “الانفتاح على دول العالم المختلفة ومشاهدة التطور الكبير الحاصل في هذ القطاع الاثر في حث المسؤولين على تنشيط هذا القطاع وقد تم تشريع قانون تنظيم أعمال الناسين رقم 10 لسنة 2005.”

هذا العرض ينطوي على تشويه التاريخ الحقيقي لتشريع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي لم يلعب المسؤولين أي دور في تشريعه سوى إسراع رئيس الوزراء آنذاك، المُعين من قبل المحتل الأمريكي، بعد عودته من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، بتوقيعه لينشر في الوقائع العراقية.  ربما تناسى الوزير أو كاتب النص أن هذا القانون يُعرف بالأمر رقم 10، وهو من بين الأوامر التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر الثالث خلافًا لاتفاقيات جنيف التي تقضي بعدم تغيير ما هو قائم إلا إذا كان يشكل تهديدًا للمحتل.  لقد أهمل هذا القانون/الأمر قضايا أساسية وساهم في تهميش قطاع التأمين العراقي.  وقد فصّلنا كل ذلك في عدد من دراساتنا.[8]

تطوير قطاع التأمين

يشير وزير المالية في كلمته إلى رؤية ومنهجية وأهداف لإصلاح قطاع التأمين جريًا وراء ما جاء في الورقة البيضاء وكما يلي:

ان الرغبة في تطوير قطاع التأمين لابد من ان يصاحبها رؤية واضحة وعميقة لهذا تستند الى منهجية سليمة للإصلاح في هذا القطاع الاقتصادي المهم نبدأ اقع الحالي ومشاكله لنحدد الاهداف التي ترجو الوصول اليها من أخل وضع وات الاصلاح موضع التنفيد وهذا ما ثم انتهاجه في الورقة البيضاء التي اقرتها الحكومة العراقية بجزئيها الأول والثاني. [منقول حرفيًا من النص المنشور لكلمة وزير المالية]

صياغة هذه الفقرة توحي بأن ما جاء في الورقة البيضاء بجزئيها الأول والثاني صار من المسلمات وليس للقائمين على إدارة قطاع التأمين وتوجيهه (وزارة المالية من خلال ديوان التأمين) سوى ترجمة ما جاء في الورقة البيضاء.  إن هذا الموقف ينطوي على مصادرة على ما هو مطلوب فما جاء في الورقة البيضاء بشأن التأمين لم يخضع حتى الآن للمناقشة المفتوحة.[9]  ترى هل قامت جمعية التأمين العراقية، وهي تضم جميع شركات التأمين العامة والخاصة، بعقد لقاءات لمناقشة ما جاء في الورقة البيضاء بشأن قطاع التأمين؛ وهل للجمعية موقف يختلف من الموقف المعروض في الورقة البيضاء من قبل مستشاري وخبراء الحكومة؟

مصير شركات التأمين العامة

بيت القصيد في كلمة وزير المالية هو العمل على إلغاء وفي أحسن الحالات تحجيم دور شركات التأمين العامة.  هكذا نقرأ الفقرة ما قبل الأخيرة في الكلمة وننقلها حرفيًا:

وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال… إن اعتمادنا للخيار الثاني يحتم علينا العمل جاهدين على تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق افضل الممارسات الموجودة في العالم وبما يؤفر لمناخ تنظيمي للعمل يتسم بالوضوح والشفافية والمنافسة العادلة تقف فيه الدولة كمنظم لحقوق جميع الاطراف المتعاملة في التأمين.

ليس هذا بالموقف الجديد فقد طُرحت في مناسبات سابقة وبصيغ مختلفة ولكنها كلها تلتقي على حصر دور الدولة بتنظيم regulation النشاط الاقتصادي، من خلال المرتكزات التالية: تقليص القطاع العام، وإبعاد دور الدولة المباشر وغير المباشر في الاقتصاد الوطني، وما تسميه الورقة البيضاء بالدور الريعي للدولة في تقديم الخدمات العامة للمجتمع.  هذه المرتكزات مقتبسة من المشروع النيوليبرالي الذي دشنته حكومة مارغريت ثاتشر في بريطانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي.  ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 تحاول الحكومات العراقية بدعم من الدبابات الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية إلى بناء نظام اقتصادي رأسمالي في العراق لكنها لم تنجح تمامًا بسبب اعتبارها للحكم والإيراد النفطي مصدرًا للغنيمة وتهريب مليارات الدولارات وليس مصدرًا لتعزيز الاستقلال الذاتي للدولة وتمويل التنمية.  إن أصحاب أطروحة تقليص وتحجيم دور الدولة في الاقتصاد يتناسون أن الدولة، حتى في الغرب، ما يزال أكبر مستخدم للعمالة، على المستوى الوطني والمحلي، وممول للبحوث الأساسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا.  كما أن الدولة تظل الملجأ الأخير للأفراد والشركات في التعامل مع الكوارث والأوبئة، وتشترك مع شركات التأمين الخاصة لتعظيم نطاق التغطية التأمينية في مجالات قد لا تقرب منها الشركات الخاصة، الباحثة دومًا عن الربح، بسبب خطورتها كما هو الحال في الترتيبات الخاصة بتأمين أخطار الإرهاب والكوارث الطبيعية.

موقف آخر لوزير المالية من الاحتكار الحكومي للتأمين

قد ينطوي تقييمنا على قسوة لكن التفريط بذكاء الناس فيه قسوة مماثلة.  إذا تغاضينا عن كلمة وزير المالية في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين ورجعنا إلى بعض تصريحاته نكتشف أن له موقفًا مرناً:

أكد وزير المالية علي عبد الامير علاوي، توجه الوزارة للنهوض بواقع التأمين في العراق، والذي يعد من اولويات العمل المهمة وأحد مفاصل قطاع المال.

وقال علاوي في تصريح أوردته صحيفة “الصباح” الرسمية واطلعت عليه “الاقتصاد نيوز”، إن “قطاع التأمين الحكومي يمكن وصفه بالجيد، غير انه تم بناؤه على نوع من الاحتكار، ويتطلب بعض الاجراءات لتطوير مفاصل عمله“.

وأشار الى أن “قطاع التأمين الخاص يعاني قلة رأس المال لتغطية المخاطر التأمينية، لاسيما أن الوزارة تعمل على تشجيع شركات التأمين الخاصة التي أثبتت وجودها، وذلك للنهوض بواقع هذا المفصل المالي المهم“.

ولفت الى أننا “نعمل على تحريك قطاع التأمين في الجوانب الاستشارية.”[10] [الاستثمارية]

هذا الموقف المرن معروض بخطوط عريضة وهو بحاجة إلى أن يتبلور في سياسات وإجراءات محددة قد تعلن في المستقبل.

نلاحظ وصفه لقطاع التأمين الحكومي بالجيد ولكنه يكيّف هذا الوصف بالقول إن بناؤه تم “على نوع من الاحتكار.”  لم يكن التأمين قائمًا على الاحتكار دائمًا، ففي أول نشأته الذي اتخذ شكل تأسيس شركة التأمين الوطنية سنة 1950 كان يعمل في سوق تأميني مفتوح يضم عددًا من فروع ووكالات شركات التأمين الأجنبية إلى جانب شركة الرافدين للتأمين (تأسست سنة 1946 برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%).  بعد هذا التاريخ صار على التأمين الحكومي التنافس مع شركات تأمين خاصة جديدة، واستمر هذا الوضع لغاية تأميم شركات التأمين سنة 1964.  لذلك فإن عمر الاحتكار الحكومي لصناعة التأمين لا يتعدى 33 سنة (1964-1997).  في سنة 1997 صدر قانون الشركات رقم 21 الذي وضع الإطار القانوني لتأسيس الشركات الخاصة ومنها شركات التأمين.  (تأسست أول شركة تأمين خاصة، شركة دار السلام للتأمين، سنة 2000، تبع ذلك تأسيس شركات تأمين أخرى).

هناك ثلاث شركات حكومية في الوقت الحاضر هي: شركة التأمين الوطنية (تأسست سنة 1950)، شركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959)، شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960، وهي لا تتنافس مع شركات التأمين العامة والخاصة بل توفر حماية إعادة التأمين لها).

ربما ينصبُّ وصف وزير المالية للتأمين الحكومي بالاحتكار على شركة التأمين الوطنية الذي يقضي قانون تأسيسها رقم 56 النافذ في المادة 7 على الآتي:

على دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية أن تعهد حصرًا إلى الشركة بمعاملات التأمين التي تجريها.[11]

من مثالب الأمر رقم 10 أنه لم يجعل أحكامه هي السائدة paramount في حال تعارضها مع القوانين القائمة.  على أي حال فإن الالتزام بهذه المادة لم يكن تامًا بعد 2003، ففي وقت ما كانت الخطوط الجوية العراقية، على سبيل المثل، مؤمنة لدى شركة تأمين خاصة، وكان العديد من أخطار جولات التراخيص النفطية هي الأخرى مؤمنة مع شركات تأمين خاصة، وقل مثل ذلك بالنسبة للعديد من العقود الإنشائية للدولة، ناهيك عن تسرب أقساط التأمين إلى خارج العراق، دون مرورها من خلال شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة من قبل الديوان،[12] لأن بعض عقود الدولة لم تضم مواد خاصة بالتأمين مع شركات تأمين عراقية أو أنها تركت حرية شراء التأمين للمقاول الأجنبي أو أن موضوع التأمين لا يُشترط عليه عندما تكون العقود مبرمة بين شركات عامة.[13]

تُرى ماذا يخطط له وزير المالية بالقول إن الاحتكار الحكومي للتأمين “يتطلب بعض الاجراءات لتطوير مفاصل عمله”؟

مقابل الإدانة المبطنة للتأمين الحكومي يُصرّح وزير المالية أن

قطاع التأمين الخاص يعاني قلة رأس المال لتغطية المخاطر التأمينية، لاسيما أن الوزارة تعمل على تشجيع شركات التأمين الخاصة التي أثبتت وجودها، وذلك للنهوض بواقع هذا المفصل المالي المهم.

حقًا أن قطاع التأمين الخاص يعاني من قلة رأس المال فرأسمال بعضها هو دون الحد الأدنى المقرر بقوة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ومع ذلك فإن ديوان التأمين، الهيئة الرقابية، يغض النظر عن عدم الامتثال لمتطلبات القانون ويجيز استمرار هذه الشركات بالعمل.

ويميز الوزير، ضمنًا، بين نوعين من شركات التأمين الخاصة: شركات التأمين الخاصة التي أثبتت وجودها، وهي الشركات التي تشجعها الوزارة (تشجيعها على ماذا؟)؛ وشركات أخرى لم تثبت وجودها، أي أنها فاشلة ويجب وقفها عن العمل وتصفية أعمالها ما لم تلتزم بشروط مزاولة العمل وفقًا للقانون.  ترى هل عملت الوزارة على تشجيع شركات التأمين الخاصة للاندماج لتكوين شركات تأمين قوية في رأسمالها وكوادرها الفنية وقدراتها الاكتتابية؟

عندما يتوقف أصحاب الشأن والقرار في الوزارة، الذين يشكلون جمعية للإعجاب المشترك ويتداولون المناصب في شركة إعادة التأمين العراقية وديوان التأمين،[14] عندما يتوقفون من الاستخفاف بذكاء الغير قد تنشأ الفرصة للاهتمام الحقيقي بقضايا قطاع التأمين العراقي.  إن إدارة شركة تأمين عامة أو ديوان التأمين ليس تشريفًا بل تكليفًا يتطلب معرفة فنية وقانونية بالتأمين وقدرة قيادية وتفرغًا للإدارة.

25 أيلول 2021

ملحق

نص كلمة زير المالية في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق[15]

“لايخفى عليكم أهمية قطاع التامين في القطاعات الاقتصادية لدول العالم حيث يعتبر ركن مهم وأساسي في التنمية الاقتصادية وتطور القطاع الخاص وتخفيف العبء الواقع على الدولة وبالنظر لكون قطاع التامين العراقي أحد أقدم وأعرق قطاعات التامين في منطقتنا حيث نشأ في خمسينيات القرن الماضي وقد ساهم خبراء التامين العراقيين في بناء قطاعات التامين في دول المنطقة ولكن وللأسف الشديد وبسبب تعرض العراق إلى طروف الحروب والحضر الاقتصادي والتي اثرت بشكل كبير على هذا القطاع وتسببت بتراجعه بشكل مخيف وجعلت تأثيره في القطاع الاقتصادي يكاد لا يذكر”.

“لقد أخذ قطاع التامين بالظهور والعودة إلى الواجهة بعد أحداث عام 2003 حيث كان الانفتاح على دول العالم المختلفة ومشاهدة التطور الكبير الحاصل في هذ القطاع الاثر في حث المسؤولين على تنشيط هذا القطاع وقد تم تشريع قانون تنظيم أعمال الناسين رقم 10 لسنة 2005 وقد تأسس بموجبه ديوان التامين ليكون الجهة المسؤولة عن تنظيم ومراقبة وتطوير قطاع التامين في العراق رعم وجود بعض الملاحظات على هذا القانون الواجب تعديلها لمواكبة التطور في سوق التامين”.

“أن سوق التامين العراقي يتألف من شركات القطاع العام والخاص حيث ان عدد الشركات الممنوحة لها اجازة ممارسة أعمال الناسين من ديوان التامين في العراق مند بداية تأسيسه ولغاية الآن هي (41) شركة الا ان الشركات العاملة حاليا منها والمستوفية للشروط القانونية تبلغ (29) شركة موزعة كما يأتي :

1. شركات التامين العامة 3 شركات

2. شركات التامين الخاصة 24 شركة

3. فروع شركات التامين الاجنبية 2 فرع

4. شركات وساطة التامين 5 شركات

5. شركات وساطة اعادة التامين 2 شركة”.

“اما اقساط التأمين العام 2019 على سبيل المثال فقد بلغت حوالي 287 ملیار دینار وهذا يشير إلى مؤشر مهم جدا وهو أن معدل قسط التأمين لكل فرد عراقي يبلغ حوالي 630 ديدار شهريا لكل مواطن ، وهذا الرقم اذا ما قرناء بحجم الاقتصاد العراقي وحجم الشعب العراقي فهو رقم ضئيل جدا من جهة ويشير من جهة أخرى إلى الفرص المستقبلية الكامنة في السوق العراقي وهي فرص واعدة في المستقبل … ان الفرص الكامنة في السوق العراقي في المستقبل يكمن ناتجاهين الأول يتعلق بزيادة عدد المستفيدين من الخدمات التأمينية الحالية والاتجاه الثاني يكس في زيادة عدد الخدمات التأمية ولخصوصا فيما يتعلق بالمنتجات العديدة كمنتجات تأمين السيارات، والقروض والحياة والحريق والاعتمادات المستندية والأموال المنقولة وغير المنقولة وغيرها العديد من المنتجات التأمينية”.

“ان الرغبة في تطوير قطاع التأمين لابد من ان يصاحبها رؤية واضحة وعميقة لهذا تستند الى منهجية سليمة للإصلاح في هذا القطاع الاقتصادي المهم نبدأ اقع الحالي ومشاكله لنحدد الاهداف التي ترجو الوصول اليها من أخل وضع وات الاصلاح موضع التنفيد وهذا ما ثم انتهاجه في الورقة البيضاء التي اقرتها الحكومة العراقية بجزئيها الأول والثاني”.

“وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال… إن اعتمادنا للخيار الثاني يحتم علينا العمل جاهدين على تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق افضل الممارسات الموجودة في العالم وبما يؤفر لمناخ تنظيمي للعمل يتسم بالوضوح والشفافية والمنافسة العادلة تقف فيه الدولة كمنظم لحقوق جميع الاطراف المتعاملة في التأمين”.

“ان جميع ما ذكرنا اعلاه لايمكن له أن ينجح بدون وجود حملة اعلامية تثفيقية لمفاهيم التأمين وفوائده ودوره التكافلي بتوزيع المخاطر بما يعود بالفائدة المختلف قطاعات الاعمال ولما ينعكس بالايجاب على محمل الاقتصاد العراقي”.


[1] راجع نص الكلمة في نهاية المقال.

[2] مصباح كمال، “على هامش مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق، 15-16 أيلول 2021، بغداد،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Insurance-Conference-September-2021-IEN.pdf

[3] مصباح كمال، “التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة،” نشرت الدراسة في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي: دراسات مختارة (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)

[4] Joseph J. Plumeri, ‘The DNA of Capitalism’

http://www.leadersmag.com/issues/2012.4_oct/PDFs/LEADERS-Joseph-Plumeri-Willis-Group-Holdings.pdf

[5] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية، (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 137-154.

[6]           تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر العام الثالث والعشرين للاتحاد العام العربي للتأمين، المنعقد في أبو ظبي بتاريخ 28-30 آذار/مارس 2000، ص 2-3.  تعود فكرة تأسيس شركات تأمين جديدة إلى الثمانينات فحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن دراسة الوضع القانوني لتأسيس مثل هذه الشركات تولاه مستشار التأمين في وزارة المالية.  وكانت محصلة الدراسة، إن لم أكن خاطئاً، أن القوانين القائمة لا تحول دون تأسيس شركات تأمين أخرى إلى جانب شركات التأمين المملوكة للدولة.

[7] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق، ص 140.

[8] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

[9] راجع: مصباح كمال، “ملاحظات حول الورقة البيضاء،” البديل العراقي: http://ww.albadeeliraq.com/ar/node/3523

مصباح كمال، في نقد خطة إصلاح قطاع التأمين في الورقة البيضاء،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/11/03/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85/

مصباح كمال، “ملاحظات نقدية حول إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين والخدمات التأمينية في الورقة البيضاء،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/02/Misbah-Kamal-Insurance-in-White-Paper-Part-2-IEN.pdf

[10] الاقتصاد نيوز ـ بغداد:

https://economy-news.net/content.php?id=26301

أشكر د. بارق شبر على تزويدي برابط هذا الخبر.

[11] الوقائع العراقية، العدد 2861، 23 تموز 1950.

[12] يقتضي وقف تسرب الأقساط “تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها الديوان، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية prohibition of non-admitted insurance واعتبار مثل هذا النوع من التأمين باطلاً إلا في حالات محددة يجب النص عليها ودائماً دون إجحاف بمصالح شركات التأمين المسجلة في العراق والمجازة من قبل الديوان.” راجع: مصباح كمال، السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً، الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009، ص 80-91.  نشرت بعد ذلك في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/12/2009.html

أنظر أيضًا: مصباح كمال، “لماذا تحرم شركات التأمين العراقية من أقساط التأمين؟” مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2008/04/1032008-10-2009-20.html

[13] مصباح كمال، “شركة عامة لا تؤمن على عقودها، مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2016/03/a-state-owned-company-not-insuring-its.html

[14] مصباح كمال، رئاسة ديوان التأمين العراقي: نظرة على تضارب المصالح،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Diwan-conflict-of-interest-final-IEN.pdf

[15] نشر نص كلمة الوزير تحت عنوان “وزير المالية يشير الى اهمية قطاع التأمين: ركن أساسي في التنمية الاقتصادية موقع السومرية نيوز” بتاريخ 2021-09-15:

Iraq Insurance Sector REform, Baghdad, 15-16 September 2021

على هامش مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق، 15-16 أيلول 2021، بغداد

مصباح كمال

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Insurance-Conference-September-2021-IEN.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/09/22/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7/

https://misbahkamal.blogspot.com/2021/09/insurance-sector-reform-conference.html

تركز هذه الورقة على التغطية الإخبارية لمؤتمر إصلاح قطاع التأمين، والإشارة إلى ضعف هذه التغطية وخاصة من قبل مؤسسات توصف بأنها علمية.  كما تشير الورقة إلى موقف وزير المالية من إصلاح القطاع ولكن دون الدخول في قراءة نقدية لكلمته بأمل الرجوع إليها في المستقبل.

بتاريخ 29 نيسان 2021 نشر مركز التدريب المالي والمحاسبي خبرًا حول الاجتماع التنسيقي الأول استعدادا لإقامة ما سمي بالمؤتمر العلمي الدولي السنوي الأول الذي سيقيمه برعاية وزير المالية وبعنوان “إصلاح قطاع التأمين في العراق – تحديات الواقع وفرص المستقبل.”  وقتها نشرت تعليقًا نقديًا على هذا الخبر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.[1]

وقد انعقد هذا المؤتمر في جامعة النهرين يومي 15-16 أيلول 2021، وبالتعاون مع ديوان التأمين وشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية وكلية الادارة والاقتصاد – الجامعة المستنصرية وكلية اقتصاديات الاعمال – جامعة النهرين والمعهد العالي للدراسات المحاسبية والمالية – جامعة بغداد.

اعتمادًا على المعلومات المنشورة عن المؤتمر في مواقع بعض الصحف ومواقع الجهات المشاركة في المؤتمر ووكالات الأنباء، وهي لم تتميز بتغطية قائمة على معرفة كافية بمؤسسة التأمين، يبدو أن المؤتمر الذي توزع على أربعة محاور،[2] دون التعريف بهذه المحاور، افتقر إلى أوراق لها علاقة مباشرة بإصلاح قطاع التأمين العراقي.  فمن خلال البحث في المواقع استطعنا التعرف على عناوين بعض الأوراق المقدمة في المؤتمر.  فقد جاء في موقع جامعة النهرين ما يلي:

تضمن المؤتمر عدة بحوث منها دور انتقاء الاخطار في تحديد اسعار التأمين و واقع قطاع التأمين وضمان الودائع المصرفية في العراق وسبل تطوير[ه]، و معيار الابلاغ المالي رقم 17 عقود التأمين [و] تقليص فجوة المقارنة بين قطاع التأمين والقطاعات الأخرى، و العوامل المؤثرة في ربحية الشركات دراسة تطبيقية في شركات التأمين العامة في العراق.

وتطرق المؤتمر في جلسته الاولى الى التأمين الصحي التكميلي للضمان الصحي، و تحليل المخاطر التأمينية وأثرها في تعزيز التصنيف الائتماني لشركة التأمين، و عقد البيع عل[ى] اساس (C.I.F) وانعكاسه عل[ى] حجم اقساط التأمين البحري- بضائع.[3]

وفي صفحة لاحقة في نفس موقع جامعة النهرين يرد ذكر بحث بعنوان “تحليل المخاطر التأمينية وأثرها في تعزيز التصنيف الائتماني لشركة التأمين – دراسة تطبيقية في دول مجلس التعاون الخليجي للسنوات 2018-2021.”[4]

وقد سرّنا أن نقرأ دعوة “رئيس جامعة بغداد الدكتور السعدي في تصريح خاص للمركز الخبري بالجامعة، الى تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق أفضل الممارسات الموجودة في العالم.”[5]  ذلك أن القوانين المنظمة للنشاط التأميني فيها تضارب وبحاجة إلى مراجعة صارمة لتخليصها من الأحكام المتضاربة.  على سبيل المثل، التضارب بين أحكام قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية لسنة 1950، فيما بخص احتكارها للتأمين على المصالح الحكومية، وقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.[6]

من المؤسف أن محتوى ما عرضته المواقع الجامعية عن مؤتمر إصلاح قطاع التأمين كان ضعيفًا وهو لا يختلف عمّا تورده بعض وكالات الأنباء العراقية من حيث التغطية غير المكتملة وشحة التفاصيل.  كيف يمكن لمن لم يحضر المؤتمر أن يتعرّف على القضايا الأساسية التب عرضت ونوقشت في المؤتمر.  إن الاكتفاء بعرض العناوين ليس بديلًا عن التغطية القائمة على المعرفة بالتأمين.

بعد بحث إضافي في المواقع الإلكترونية استهدينا إلى محاور المؤتمر اعتمادًا على ما نشرته جامعة النهرين عن اختتام المؤتمر.  وجاء في الخبر نقلًا عن الدكتورة نغم حسين النعمة، عميدة كلية اقتصاديات الاعمال في الجامعة، الآتي:

اضافت النعمة اختتم المؤتمر اعمالهُ بمشاركة عدد من البحوث قدمت في اليوم الثاني للمؤتمر على شكل جلستين تضمنت كل جلسة عدد من البحوث العلمية،

وجاء المؤتمر باربعة محاور تطرق المحور الأول الى الإصلاح الاداري والقانوني لشركات التأمين ودورة[ه] في تحسين كفاءة الأداء، وبين المحور الثاني الجوانب المالية والاقتصادية لقطاع التامين، واوضح المحور الثالث طرق تطوير المنتجات التأمينية واستراتيجيات تسويقها، وبحث المحور الرابع في الافاق المستقبلية لصناعة التأمين في العراق.[7]

نفترض أن هذه المحاور الأربعة تتضمن تحديدًا للقضايا الإشكالية التي يعاني منها قطاع التأمين العراقي.  ونحن ننتظر نشر الدراسات المرتبطة بهذه المحاور للتعرف على التشخيص الملموس للقضايا، والحلول المقترحة لتجاوزها، والجدول الزمني لتحقيق النقلة النوعية في النشاط التأميني.

ونشرت شعبة العلاقات والإعلام في مركز التدريب المالي والمحاسبي فقرة عن أعمال اليوم الثاني للمؤتمر:

وشهد اليوم الثاني للمؤتمر جلستين علميتين تم فيها مناقشة ثمانية بحوث، كما تم عقد جلسة ثالثة للخبراء والباحثين من العراق و دول الامارات والبحرين ومصر ومن المنظمة الالمانية للتعاون الدولي GIZ. كما شهد تكريم الخبراء والباحثين المشاركين في المؤتمر فضلا عن لجان المؤتمر.[8]

وأشارت إلى توصيات المؤتمر كما يلي:

وخرج المؤتمر ب(23) توصية علمية تستند الى رؤية واضحة وعميقة ومنهجية سلمية [سليمة] للإصلاح والتي من شأنها إصلاح قطاع التأمين في العراق من خلال تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق أفضل الممارسات الموجودة في العالم وبما يؤمن مناخ تنظيمي للعمل يتسم بالوضوح والشفافية والمنافسة العادلة تقف فيه الدولة كمنظم للقطاع وضامن لحقوق جميع الاطراف المتعاملة في التأمين.[9]

نصوص هذه التوصيات لم تنشر بعد.  نرى أن نشرها وعلى نطاق واسع داخل المجتمع التأميني العراقي بوفر فرصة للمهتمين ممن لم يكونوا حاضرين أو مشاركين في المؤتمر بدراستها نقديًا قبل تبنيها من الأطراف ذات العلاقة.  قد تستفيد هذه الأطراف من المعرفة التأمينية المتوفرة لدى الغير.

لقد انعقدت مؤتمرات تأمينية في الماضي وخرجت بتوصيات لكن أيًا من هذه التوصيات لم تقترن بالمتابعة والترجمة من خلال التعليمات والتشريعات القانونية.  ويرد في بالنا هنا التوصيات التي صدرت من مؤتمر التأمين العراقي بدعوة من مركز الإبداع لتنمية الشباب والمجتمع (3 آذار 2018) التي بقيت حبرًا على ورق.[10]

إن التوصية العلمية قد تحمل معها بُعدًا آيديولوجيًا ذلك أن التوصيات لا تنشأ من فراغ بل ترتبط بأوضاع ومصالح معينة.  فالأطروحة الأساسية في التلخيص الناقص أعلاه للمركز، كما نرى، يعكس نهج استبعاد الدور الاقتصادي للدولة ما خلا تنظيم قطاع التأمين.  ربما المضمر في هذا النهج هو خصخصة الشركات العامة الثلاث (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية).  قد ينطوي هذا القول على مغالاة في مساءلة مشروع إصلاح قطاع التأمين، لكن المساءلة قائمة بقوة المشهد الذي رسمه وزير المالية في كلمته أمام مؤتمر إصلاح قطاع التأمين.  أشار الوزير ودون مواربة إلى

ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال… إن اعتمادنا للخيار الثاني يحتم علينا العمل جاهدين على تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق افضل الممارسات الموجودة في العالم وبما يؤفر لمناخ تنظيمي للعمل يتسم بالوضوح والشفافية والمنافسة العادلة تقف فيه الدولة كمنظم لحقوق جميع الاطراف المتعاملة في التأمين.[11]

في تصريح أوردته صحيفة الصباح يتأكد موقف وزير المالية من القطاع العام إذ يقول إن

قطاع التأمين الحكومي يمكن وصفه بالجيد، غير انه تم بناؤه على نوع من الاحتكار، ويتطلب بعض الاجراءات لتطوير مفاصل عمله.[12]

إن المنطلق الفكري لوزير المالية مصدره، كما نظن، البنك الدولي، وقد تناولنا نقد البنك فيما يخص مشروع إصلاح قطاع التأمين وخصخصة شركات التأمين العامة قبل ما يقرب من عشر سنين، وكان ذلك بمناسبة صدور تقرير البنك حول إصلاح القطاع المالي[13] وترحيب المرحوم مهدي الحافظ بما جاء في التقرير دون معرفة كافية بقطاع التأمين.[14]  فقد جاء في تقرير البنك

اتضح أن هيمنة شركات التأمين الحكومية أبطأت من نمو سوق التأمين، ولذا من أجل أن ينمو سوق قطاع شركات التأمين بالسرعة الطبيعية، يجب التفكير في خصخصة شركات التأمين المملوكة للدولة.[15]

وفي تعليقنا على هذا الموقف آنذاك كتبنا أن ربط بطء نمو سوق التأمين العراقي بهيمنة شركات التأمين الحكومية دون توضيح العلاقة السببية بين بطء النمو والهيمنة استنتاج غير منطقي وغير مؤسس على وقائع وأرقام.

وقبل ذلك (2009) تعرضنا لرؤية قدمها برهم صالح[16] لتحديث قطاع التأمين العراقي.

يتكرر المشهد ذاته الآن ولكن بفارق بسيط وهو أن وزير المالية يتحدث عن بعض الاجراءات لتطوير مفاصل العمل.  لكن الهدف الأساسي يظل قائمًا: استبعاد الدور الاقتصادي للدولة في قطاع التأمين.

لا ننكر ضرورة التحديث لمسايرة التغيرات وكما قلنا في مكان آخر

لا نأتي بجديد في القول ان الاقتصاد وكذلك النشاط التأميني المرتبط به يخضع للتغير إلا أنه في المرحلة الحالية لا يتمتع بالدينامية الكافية لتحقيق نقلة نوعية كتجاوز طبيعته الريعية ليحتل القطاع المالي (المصرفي والتأميني كمثال) مكانة أكبر في التنمية الاقتصادية.  هذا الوضع يعكس غياب الرؤية الاقتصادية والسياسات الموجهة مثلما يعكس حالة “الحصار” غير المعلنة على نشاط القطاع: قوانين وعقود غير ملائمة (قوانين التأمين والاستثمار وشروط التأمين في عقود الدولة)، ضعف الحماية الإعادية، غياب سياسة تأمينية وطنية، يضاف لها هشاشة الثقافة التأمينية على المستوى المؤسسي والشعبي.[17]

وتستلهم كلمة وزير المالية المقتربات المعتمدة في الورقة البيضاء لتطوير قطاع التأمين:

ان الرغبة في تطوير قطاع التأمين لابد من ان يصاحبها رؤية واضحة وعميقة لهذا تستند الى منهجية سليمة للإصلاح في هذا القطاع الاقتصادي المهم نبدأ اقع الحالي ومشاكله لنحدد الاهداف التي ترجو الوصول اليها من أخل وضع وات الاصلاح موضع التنفيد وهذا ما ثم انتهاجه في الورقة البيضاء التي اقرتها الحكومة العراقية بجزئيها الأول والثاني. [النص منقول حرفيًا من السومرية]

كي لا نثقل هذه الورقة نحيل القارئ المهتم إلى أوراقنا السابقة في نقد مقتربات الورقة البيضاء لتطوير قطاع التأمين.[18]  ربما سنعود لهذا الموضوع بعد حصولنا على توصيات المؤتمر.

من المستغرب أن يُحتفى بدور القطاع الخاص وتوسيعه ليكون الرائد في الاقتصاد دون ذكر حقيقي لشركات التأمين الخاصة والاكتفاء بالإشارة إلى عددها.  ولكن ربما تتضمن توصيات المؤتمر إشارة لدور هذه الشركات.

21 أيلول 2021


[1] مصباح كمال، “مركز التدريب المالي والمحاسبي ومؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2021/05/16/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7/

[2] مصطفى الهاشمي، “مؤتمر علمي دولي لإصلاح قطاع التأمين في العراق،” الصباح، 13 أيلول 2021

https://alsabaah.iq/54237/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%84%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82

من قراءتي لبعض الأخبار والتعليقات التأمينية التي تحمل اسمه فإن مصطفى الهاشمي يبرز كواحد من أفضل الصحفيين في الكتابة عن الشأن التأميني، ولكن فاته أن يثير السؤال عن ماهية المحاور الأربعة للمؤتمر.  ولسبب ما أغفل ذكر اسمي في الفقرتين الأخيرتين من تقريره:

تجدر الاشارة الى ان الخبر ذكر شركات التأمين الحكومية الثلاث، ولم يرد فيه ذكر لجمعية التأمين العراقية، التي تضم في عضويتها شركات التأمين الخاصة والعامة، التي يمكن ان يكون حضورها مفيدا لتمثيل شركات التأمين الخاصة.

ويرى مختصون أن “الجمع بين كيانات اكاديمية وشركات التأمين من شأنه توليد أفكار إصلاحية جديدة لعموم قطاع التأمين بافتراض أن الجمع بين المتراكم من الدراسات التأمينية لدى المؤسسات الاكاديمية مع خبرة شركات التأمين العامة والخاصة سيسهم في تقديم اصلاحات ملموسة قابلة للتطبيق في سياق واقع التأمين الحالي.”

وهاتين الفقرتان وردتا في مقالي “مركز التدريب المالي والمحاسبي ومؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق،” المصدر أعلاه.

[3] “جامعة النهرين تفتتح المؤتمر العلمي الدولي الاول عن اصلاح قطاع التأمين في العراق،” موقع جامعة النهرين، 16 أيلول 2021: https://nahrainuniv.edu.iq/ar/node/8692

ووردت نفس هذه العناوين في موقع جامعة بغداد تحت عنوان “رئيس جامعة بغداد يشارك في المؤتمر العلمي الدولي لمركز التدريب المالي والمحاسبي في وزارة المالية،” 16 أيلول 2021:

[4] موقع جامعة النهرين، 16 أيلول 2021: https://nahrainuniv.edu.iq/ar/node/8700

[5] موقع جامعة بغداد، “رئيس جامعة بغداد يشارك في المؤتمر العلمي الدولي لمركز التدريب المالي والمحاسبي في وزارة المالية،” 16 أيلول 2021: https://nc.uobaghdad.edu.iq/?p=55138

[6] مصباح كمال، “دعوة لحل التناقض بين قوانين التأمين العراقية،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، 7 حزيران 2020: http://iraqieconomists.net/

http://iraqieconomists.net/ar/2020/06/07/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%b6-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%86/

راجع كذلك مصباح كمال، “قراءة أولية لمشروع حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، 21 شباط 2018:

مصباح كمال: قراءة أولية لمشروع حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية

[7] موقع جامعة النهرين، “جامعة النهرين تختتم اعمال المؤتمر العلمي الدولي الاول عن اصلاح قطاع التأمين في العراق،” 17 أيلول 2021: https://nahrainuniv.edu.iq/ar/node/8705

[8] مركز التدريب المالي والمحاسبي: https://www.facebook.com/pg/aaftciraq/posts/

[9] مركز التدريب المالي والمحاسبي.

[10] مصباح كمال، “هوامش نقدية على مؤتمر التأمين العراقي وتوصياته،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، 19 آذار 2018:

http://iraqieconomists.net/ar/2018/03/19/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%87%d9%88%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85/

[11] الاقتباس منقول حرفيًا من وكالة السومرية المنشور في موقعها تحت عنوان “وزير المالية يشير الى اهمية قطاع التأمين: ركن أساسي في التنمية الاقتصادية،” 15 أيلول 2021:

https://www.alsumaria.tv/news/%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/396876/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%B1%D9%83%D9%86-%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3%D9%8A

[12] الاقتصاد نيوز، بغداد، “وزير الماليَّة: نتوجه لتطوير قطاع التأمين،” 14 أيلول 2021

https://economy-news.net/content.php?id=26301

[13] البنك الدولي، القطاع المالي العراقي، نيويورك، 2011.

[14] مصباح كمال، “البنك الدولي وقطاع التأمين العراقي: مناقشة لتقرير البنك الدولي،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2012/03/world-bank-iraqs-insurance-sector.html

[15] البنك الدولي، مصدر سابق، ص 68 (الترجمة العربية).

[16] مصباح كمال، “د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي،” مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html

[17] مصباح كمال “ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي” نشر في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/

نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010.

[18] مصباح كمال، “ملاحظات نقدية حول إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين والخدمات التأمينية في الورقة البيضاء،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/02/Misbah-Kamal-Insurance-in-White-Paper-Part-2-IEN.pdf

مصباح كمال، “ملاحظات وتأملات في نقد بعض جوانب الورقة البيضاء لحكومة مصطفى الكاظمي،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/10/26/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a8%d8%b9%d8%b6/

مصباح كمال، “في نقد خطة إصلاح قطاع التأمين في الورقة البيضاء،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/11/03/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85/

رئاسة ديوان التأمين العراقي: نظرة على تضارب المصالح

مصباح كمال

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Diwan-conflict-of-interest-final-IEN.pdf

(1)

نشرتُ في كانون الأول 2012 مقالًا نقديًا بعنوان في “’استقلالية‘ ديوان التأمين العراقي ورئاسته،” في مجلة التأمين العراقي[1] ضم العناوين الفرعية التالية:

من المفيد للقراء المهتمين الرجوع إلى هذا المقال لعلاقته بالمقال الحالي إذ أنني سأكتفي هنا ببعض الاقتباسات منه.

لا يهدف هذا المقال إثارة الشكوك حول سلامة تصرف من يـ/تقوم بإدارة شؤون الديوان وشركة التأمين التي يـ/تعمل فيه، بل إثارة السؤال حول سلامة قرار وزارة المالية في تعيين رئيس للديوان وكالة يـ/تشغل منصبًا آخرًا بالوكالة أو الأصالة.

(2)

منذ تأسيسه سنة 2005 لم يشهد الديوان تعيين رئيس أصيل له.  فيما يلي عرض سريع لأسماء من شغل موقع رئاسة الديوان وكالة مع حفظ الألقاب وتعريف بسيط بهم.[2]

1      فؤاد عبد الله عزيز، 2005-2006

شغل مواقع متقدمة في شركة التأمين الوطنية لغاية 1996، ثم صار مديرًا عامًا لشركة إعادة التأمين العراقية لحين تعيينه لرئاسة الديوان وكالةً عندما كان عادل عبد المهدي وزير المالية.

2      فيصل منهل تايه الكلابي، 2006

قبل تعيينه رئيسًا للديوان كان مدير عام الدائرة الإدارية بوزارة المالية، وقبلها كان مديرًا لقسم الحسابات في شركة التأمين الوطنية.  صار رئيسًا للديوان وكالة عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية.

3      ضياء حبيب الخيون، 2006-2007

كان مديراً لمصرف الرافدين قبل 2003، واحتفظ بمنصبه في بداية الاحتلال الأمريكي بصفته محافظاً لمصرف الرافدين، ثم عُيّن مستشاراً مالياً في عهد الاحتلال ثم وكيلاً لوزارة المالية.  شغل رئاسة ديوان التأمين بالوكالة عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية إضافة إلى موقعه في وزارة المالية.  (لاحظ الازدواجية في إشغال المنصب).

4      فيصل منهل تايه الكلابي، 2007-2009

كان مديرًا لقسم الحسابات في شركة التأمين الوطنية ثم صار مديرًا عامًا لشركة إعادة التأمين العراقية.  عُيّن ثانية لرئاسة الديوان عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية.

5      ضياء حبيب الخيون، 2009-2010

أعيد تعيينه لرئاسة الديون عندما كان باقر الزبيدي وزير المالية.

6      فيصل منهل تايه الكلابي، 2010-2015

أعيد تعيينه لرئاسة الديوان عندما كان رافع العيساوي وزير المالية.

7      صادق عبد الرحمن الخالدي، 2016-2018

كان المدير العام لشركة التأمين العراقية، ثم المدير العام لشركة التأمين الوطنية (2015-2017).  (لاحظ الازدواجية في إشغال منصبين في شركة التأمين الوطنية وديوان التأمين في نفس الوقت).  ليس واضحًا إن كان تعيينه لرئاسة الديوان عندما كان هوشيار الزيباري وزير المالية (2014-2016) أو عندما كان عبد الرزاق العيسى وزير المالية (2016-2018).

8      أحمد عبد الجليل الساعدي، 2018-2019

شغل في وقت واحد أربعة مناصب: مدير عام هيئة التقاعد ورئيس ديوان التأمين والضمان الاجتماعي وشركة الدواجن والعلف الحيواني، وكلها بالوكالة.  اعتقل في أيلول 2020 من قبل القوات الأمنية لصـدور أوامر قضائية بحقه من قبل هيئة النزاهة لضلوعه بعمليات فساد مالي في هيئة التقاعد.  ليس واضحًا إن كان تعيينه لرئاسة الديوان عندما كان عبد الراق العيسى وزير المالية أو عندما كان فؤاد حسين وزير المالية (2018-2020).

9      ناجحة عباس علي، 2019-2020

كانت تشغل موقع مدير عام في هيئة الضرائب.  شغلت موقع معاون مدير عام ديوان التأمين نقلت بعدها إلى الدائرة الاقتصادية في وزارة المالية.  عُينت لرئاسة الديوان عندما كان فؤاد حسين وزير المالية.

10     إسراء صالح داؤد، أيلول 2020

مدير عام شركة التأمين الوطنية وكالة (اعتبارًا من 1 كانون الثاني 2020)، كُلفت بتمشية أعمال الديوان إضافة إلى وظيفتها.  كانت قبل ذلك مديرًا لفرع نينوى للشركة.  (لاحظ الازدواجية في إشغال منصبين في نفس الوقت).  عينت لرئاسة الديوان مع تسنم علي علاوي لمنصب وزير المالية سنة 2020.

سيلاحظ القراء أن رئاسة الديوان وكالة تناوب عليها عشرة أشخاص خلال خمسة عشر سنة.  كيف يمكن لهذا النهج في إدارة الديوان تطوير أداء الديوان وتعزيز مكانته في قطاع التأمين العراقي وفي حضوره في الحياة العامة؟  تغيير المسؤولين إجراء معروف في العديد من المؤسسات والشركات للحيلولة دون تكلس الوظيفة الإدارية أو قيام فرصة لظهور الفساد، أو تطوير كفاءات إدارية تحمل تجارب عملية متنوعة تسهم في التطوير والابتكار.  ولكن ما الحكمة في سرعة تبديل وزارة المالية لشاغل رئاسة الديوان؟  أهو تحيّز وزير المالية لتنصيب من يرغب به لأسباب شخصية أو سياسية طائفية؟

علّقتُ في مقال نقدي كتبته عن شركة إعادة التأمين العراقية على إشكالية إشغال أحمد عبد الجليل الساعدي لعدة مناصب في نفس الوقت كما يلي:

أن يحتل شخص واحد أربعة مواقع إدارية يعكس خللاً في النظام السياسي الاقتصادي المحاصصي الذي أنشئ بعد 2003.  إن كان ما كتبه الشابندر صحيحًا كان على أحمد عبد الجليل الساعدي، من رأيي، أن لا يقبل بهذه المناصب، مهما كانت قدراته الإدارية كبيرة، ولسبب بسيط وهو أن الوقت المتوفر له خلال يوم العمل لا يكفيه للاهتمام بشؤون جميع الإدارات التي يقودها.  إضافة إلى ذلك فإن كلاً من هذه الإدارات تتطلب اختصاصاً معرفياً ومهنياً قد لا تتوفر لديه وإن توفرتا فستكونان هزيلة.  إزاء هذا الوضع فإن المتضرر هي الشركات التي يرأسها.[3]

ومما له علاقة بموضوع هذه المقالة اقتبس التالي من مقالي المنشور في مجلة التأمين العراقي:

وقد استعلمتُ من فؤاد عبد الله عزيز، باعتباره أول رئيس بالوكالة، عن تاريخ إشغاله للموقع وما آل إليه وضعه فأفادني بالتالي في رسالة إلكترونية بتاريخ 29 تشرين الأول 2012:

استلمت رئاسة الديوان بالوكالة منذ تأسيسه ولغاية تقاعدي في 31/12/2005.  وقد كتب وزير المالية قبل التقاعد بثلاثة اشهر تقريبا لغرض تثبيتي بما يعني التعاقد لخمسة سنوات أو ثلاثة وفق القانون ولم يصل رد بالموافقة او الرفض لحين مغادرتي الوظيفة.

كما تعلم فاني عملت في الوطنية منذ 14/9/1966 وقد اصبحت مديرها العام بداية عام 1992 وفي 18/11/1996 نقلت الى وزارة المالية كمدير عام فيها بعدها نقلت الى مدير عام المركز التدريبي المالي والمحاسبي ثم الى مدير عام شركة اعادة التامين العراقية منذ عام 1998.  نقلت بعد التغيير، عند استيزار عادل عبد المهدي للمالية، الى مستشار فني للوزير وبقائي مشرفا على الاعادة العراقية وعند تأسيس الديوان عينت رئيسا له بالوكالة ثم وكيلا لوزارة المالية عندما اصبح علي عبد الامير علاوي وزيرا للمالية وعندها تركت ادارة الاعادة العراقية لتعارض ذلك مع رئاستي للديوان.  (التأكيد من عندي)

هناك نقطتان مهمتان في إفادة فؤاد عبد الله عزيز.  الأول، هو مشروع تثبيته رئيسًا أصيلًا للديوان بعقد عندما كان عادل عبد المهدي وزيرًا للمالية.  الثاني، تصرّفه المهني السليم بتركه لإدارة شركة إعادة التأمين العراقية لقناعته بتعارض الجمع بين أدارتين.

(3)

لدينا حالتان لتضارب المصالح يتمثلان بإشغال مدير عام شركة التأمين الوطنية لرئاسة ديوان التأمين: صادق عبد الرحمن الخالدي وإسراء صالح داؤد.

في حالة صادق عبد الرحمن الخالدي نشأ تضارب حقيقي فيما يخص تبنّيه مشروع دمج شركة التأمين العراقية بشركة التأمين الوطنية فقد كان الخالدي وقتها (2016) مديرًا عامًا لشركة التأمين الوطنية (وقبلها مديرًا عامًا لشركة التأمين العراقية) ورئيسًا لديوان التأمين وكالة.  وقد كان المشروع مشوبًا بفقر الالتزام بالقواعد الإجرائية الصحيحة[4] إضافة إلى التضارب بين ممارسة صلاحيات رئيس الديوان وإدارة شركة تأمين عامة من قبل نفس الشخص.

في حالة إسراء صالح داؤد لم يظهر حتى الآن، حسب علمي، ما يؤشر على قيام تضارب في ممارسة الصلاحيات ولو أن التضارب قائم بالقوة.  ما وصلني من معلومات تفيد أن داؤد تدرك وضعها الحالي الذي ينطوي على تضارب في المصالح، ويبدو أنها تمارس صلاحيتها في رئاسة الديوان بحيادية كون الديوان مُشرفًا على شركات التأمين كافة.  مع ذلك ليس هناك معلومات عن تطبيقها للأدوات المستخدمة في الرقابة regulation على شركات التأمين.  ويرد ببالنا تطبيق الأدوات التالية:

-الرقابة على الأسعار (أقساط التأمين) لضمان تحقيق محفظة آمنة لمقابلة مطالبات التعويض دون تعريض الملاءة المالية للشركة إلى خطر الإعسار.

-الرقابة على المُنتج التأميني (صياغة وثيقة التأمين لتكون مختلفة عن وثيقة تأمين شركة منافسة، وهي ما تلجأ إليه شركات التأمين في حال عدم قدرتها على التنافس على الأسعار)

-الرقابة على الاستثمار الرأسمالي (التأكد أن الاستثمارات لا تؤثر سلبًا على ملاءة شركة التأمين، فبعض الاستثمارات ذات الربحية العالية قد تنطوي على أخطار وتتدخل الرقابة لضبطها، ومن هنا منشأ التأكيد على الاستثمارات الآمنة كالسندات الحكومية)

ترى هل أن ديوان التأمين يُطبّق هذه الأدوات في ممارسة رقابته على شركة التأمين الوطنية وشركات التأمين الأخرى؟

(4)

من باب التبسيط، ينشأ تضارب المصالح conflict of interest عندما يكون للشخص، الطبيعي أو المعنوي، علاقتان/موقعان تتنافسان مع بعضهما البعض على ولاء الشخص تؤثر على تصرفه أو حكمه أو قراراته.  ولذلك تلجأ الهيئات الرقابية إلى وضع القواعد لتجنب التعارض والحيلولة دون وقوعها لدى الشركات التي تقوم بالرقابة على نشاطها. على سبيل المثل، فإن هيئة الرقابة على القطاع المالي، ومنه التأمين، في بريطانيا تفرد فصلًا كاملًا من كتاب قواعد الرقابة لهذا الموضوع.  كما أن شركات التأمين في أسواق التأمين المتقدمة لها قواعدها التنظيمية لتشخيص حالات تضارب المصالح وسبل التعامل معها.[5]

هناك مشكلة قد تنشأ من جمع الشخص بين موقعين توصف بالإنجليزية بالـ regulatory capture، ويمكن ترجمته بالانحياز أو الولاء المعاكس أو الاستيلاء التنظيمي.  ويعني هذا خضوع هيئة الإشراف والرقابة (ديوان التأمين) لتأثير أو هيمنة الجهة التي تخضع لرقابتها (شركة التأمين الوطنية).  وهذا احتمال قائم رغم أننا لم نرصد من تصرفات تشير إليه.

هذا الانحياز التنظيمي الذي ينشأ من تضارب المصالح غائب في قرارات وزارة المالية عند تعيينها لشخص واحد لإشغال موقعين في نفس الوقت.  ويستغرب البعض غياب المعرفة بموضوع التضارب لدى وزير المالية الحالي على علاوي خاصة وأنه مُطّلع على إدارة المؤسسات في العالم الغربي حيث تلقى معظم تعليمه الجامعي.

إن هيئات الإشراف والرقابة على النشاط التنظيمي في الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثل، تهتم بموضوع تضارب المصالح وتضع الضوابط لمنع قيامه.  فقد أصدرت الهيئة الأوروبية للتأمين والمعاشات المهنية European Insurance and Occupational Pensions Authority (EIOPA) مجموعة من المعايير لضمان استقلالية هيئات الإشراف تحت عنوان معايير استقلال السلطات الإشرافية[6] Criteria For The Independence Of Supervisory Authorities.

وقد تناولت الهيئة الموضوع تحت العنوان الفرعي “تضارب المصالح”، ص 13-14.  ومما جاء في معايير الهيئة أن السلطة الإشرافية يجب أن تلزم الموظفين وأعضاء مجلس إدارتها بالإبلاغ عن تضارب المصالح.  كما يجب على موظفي وأعضاء الهيئة الإدارية للسلطة الإشرافية النأي بأنفسهم من القرارات التي يكون لديهم فيها تضارب في المصالح.

نأمل أن يثير هذا المقال اهتمامًا لعله يؤدي إلى تصحيح خطأ تعيين نفس الشخص لإدارة كيانين يوفر فرصة قيام التضارب في المصالح.

5 أيلول 2021


[1] مصباح كمال، “’استقلالية‘ ديوان التأمين العراقي ورئاسته،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2012/12/on-independence-of-diwan-and-its.html

[2] سأكون شاكرًا لمن ينبهني إلى أي خطأ في المعلومات المدرجة هنا.

[3] مصباح كمال، “عزت الشابندر يتهم مدراء شركة التأمين الوطنية ورئيس ديوان التأمين بالفساد،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقي:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2019/07/عزت-الشابندر-يتهم-ديوان-التأمين-وشركة-التأمين-الوطنية-بالفساد-1.pdf

[4] مصباح كمال، “مشروع دمج شركات التأمين العامة،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/02/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%af%d9%85%d8%ac-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9/

مصباح كمال، “عودة إلى مشروع دمج شركات التأمين العامة،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/11/19/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%af%d9%85%d8%ac-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84/

[5] على سبيل المثل: https://www.zurich.co.uk/en/services/uk-conflict-of-interest-policy-summary

[6] European Insurance and Occupational Pensions Authority, Criteria For The Independence Of Supervisory Authorities. Luxembourg: Publications Office of the European Union, 2021.