Monthly Archives: مارس 2017

Dr Mustafa Rajab on Abolition of Insurance Agencies and other Issues – a comment on the views of Mr Ata Abdul Wahab

د. مصطفى رجب: حيثيات إلغاء نظام وكالات التأمين وقضايا أخرى – تعليق على ما كتبه الأستاذ عطا عبد الوهاب في كتابه (سلالة الطين) عن فترة عمله في ميدان التأمين

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

د. مصطفى رجب*: حيثيات إلغاء نظام وكالات التأمين وقضايا أخرى – تعليق على ما كتبه الأستاذ عطا عبد الوهاب في كتابه (سلالة الطين) عن فترة عمله في ميدان التأمين

 

مقدمة: قبل عدة سنوات قرأت كتاب الأستاذ عطا[1] وتوقفت عند الفصل المتعلق بفترة عمله في حقل التأمين. وقررت، في حينه، عدم التعليق على ما كتبه بشأن إلغاء وكالات التأمين وإعادة عملها الذي اتخذه مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمين في بغداد وذلك للأسباب الآتية:-

 

  1. تربطني بالأستاذ عطا علاقة شخصية نشأت عن علاقة العمل خلال الفترة التي أمضاها في حقل التأمين. وحيث أنه تعرض لما تعرض له من مأساة تفوق ما يستطيع تحمله البشر، فقد قررت في حينه أنه من غير المناسب أن أضيف جرحاً للجروح العميقة التي تعرض لها.
  2. أكن احتراماً لعائلته الكريمة التي تحملت ما تحملت من أهوال ومآسي فكانت بحق (السيدة الصابرة المتصبرة).
  3. وأخيراً احتراماً لذكرى شخص زكي النفس عفيف اليد واللسان صاحب الذكرى العطرة هو المرحوم الأستاذ/زكي عبد الوهاب، طيب الله ثراه.خلال شهر شباط (فبراير) من هذه السنة (2017) كتب إلىَّ أحد الإخوان الذين أحترم رأيهم رسالة يشير فيها أنه اطلع (ويبدو مؤخراً) على ما كتبه الأستاذ عطا ويطلب مني، للتاريخ، إبداء الرأي فيما كتب. وحيث قد مضت مدة تزيد على (12) سنة على صدور الكتاب فاعتقد أن النفوس قد بلغت درجة من الهدوء تسمح بالاستماع إلى رأي آخر.التعليق: ينقسم ما سأقوله إلى جانبين: جانب موضوعي وآخر شخصي.الجانب الموضوعي: في إدارة المؤسسات الحكومية والشركات التابعة لها هناك نوعان من القرارات: قرارات نابعة من السياسة الاقتصادية للنظام الحاكم (أياً كان النظام الحاكم) وقرارات فنية صرفة. هذه القرارات الأخيرة تختص بها الإدارات العليا للمؤسسات والشركات والكادر الفني التابع لها.أما الأولى: فإنه يفترض بأي نظام يأتي إلى الحكم سواء عن طريق الانتخاب أم الانقلاب كما حصل في العراق أن تكون له سياسة اقتصادية يسعى إلى تطبيقها وأهدافاً يسعى لتحقيقها. وحينما يتخذ النظام الجديد قرارات تتعلق بالسياسة الاقتصادية العليا للدولة فعلى إدارات المؤسسات والشركات التابعة لها (أي للقطاع العام) أن تنفذ أو أن تترك موقعها أو أن تجبر على ترك موقعها.في الدول الديمقراطية حينما يتم تغيير الفئة الحاكمة عن طريق الانتخاب فإن الفئة الجديدة تأتي بوزراء جدد ويتم تغيير رؤساء بعض المؤسسات الحساسة (وأؤكد على كلمة الحساسة). أما بقية الكوادر الحكومية فإنه لا يطالها التغيير أما في العراق وبسبب تغيير الأنظمة عن طريق العنف فإن التغيير شمل المؤسسات الحساسة وغير الحساسة بل وصل الأمر أحياناً إلى إنهاء خدمات فراشين على أساس أنهم من أتباع النظام السابق! وبالرغم من أن شركات التأمين ليست من قبيل المؤسسات الحساسة إلا أن الطريقة العراقية في التغيير لا تهمها درجة الحساسية في المؤسسات وبالتالي فإن التغيير يطال الجميع. شخص واحد لم تشمله الطريقة العراقية بالرغم من التغييرات المتعددة التي طالت أنظمة الحكم في العراق سآتي على ذكره فيما بعد.قرارات مثل قرار التأميم وقرار إلزام شركات التأمين بإسناد حصة إلزامية إلى شركة إعادة التأمين العراقية وقرار إلغاء وكالات التأمين وقرار إعادة وكالات التأمين للعمل في السوق قرارات نابعة من السياسة الاقتصادية للنظام الحاكم (أياً كان النظام الحاكم). بعض هذه القرارات نتيجة طبيعية لقرارات أخرى. وكالات التأمين ألغيت بتوجيه من المؤسسة الاقتصادية التي كانت قائمة آنذاك، وهو قرار ينسجم مع السياسة الاقتصادية التي تبناها نظام الحكم آنذاك وهي سياسة قائمة على تأميم العديد من المنشآت الاقتصادية ومن بينها شركات التأمين. فلما تغير نظام الحكم وجاءت فئة أخرى لا تؤمن بالتأميم ولا بالإجراءات التي اتخذها النظام السابق، كان من الطبيعي أن تكون إعادة وكالات التأمين ثم الانتقال بها إلى نظام الوساطة في التأمين من بين أولويات النظام الجديد.مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمين كان، في حينه، يضم أعضاء لم يأت بهم أي نظام من الأنظمة التي توالت على الحكم في العراق وآخرين يبدو أنهم جاءوا بسبب علاقاتهم بهذه المجموعة أو تلك. الفئة الأخيرة هي التي كان عليها أن تختار وبالتالي فإنه حين تقرر إعادة الوكالات بحكم السياسة الاقتصادية للنظام الجديد كان على كل فئة أن تختار: الفئة الأولى ليست من المتخاذلين والفئة الثانية ليست من الأبطال، بل كل عضو اتخذ الموقف الذي ينسجم مع تاريخه ومبادئه وأسلوب عمله ومفهومه للعمل في القطاع العام.وليت الأعضاء من الفئة الثانية استمعوا إلى صوت الحكمة الصادر عن الفئة الأولى لما جرت الأمور بالشكل الذي جرت به لاحقاً.لقد علق الأستاذ عطا موضوع استمراره في إدارة شركة التأمين الوطنية على موضوع وكالات التأمين وجوداً أو تغييراً في حين أن الأمر، باعتقادي، ليس بالأمر الخطير الذي يستدعي اتخاذ موقف حدّي كهذا. وقد يكون للأمر جانب شخصي ولا علاقة له بالجانب الموضوعي.لم يستمع الأستاذ عطا لوجهة نظرنا أنا والدكتور خالد الشاوي وآثر الاستقالة. وبالتالي لا أجد أي مبرر لإلقاء اللوم على الآخرين. وليته ألقى اللوم فقط.الجانب الشخصي:-
  4. يكيل السيد عطا الانتقادات (وبعضها يخرج عما هو لائق) لأشخاص مثل ممتاز العمري وخالد الشاوي ومصطفى رجب ولا يجد مكانه بينهم في حين أنهم من خيار القوم، هم من الصفوة الإدارية التي لا يرقى الشك إلى سيرتها، يصفها بأقذع الأوصاف… يترك أناساً يضعون أفضل ما عندهم في خدمة بلدهم وخدمة المؤسسات والشركات التي يديرونها بكل تجرد.
  1. وأعود إلى الذي لم تشمله الطريقة العراقية في التغيير بالرغم من التغييرات العديدة التي طرأت على أنظمة الحكم في العراق فأقول: لقد بقيت أدير شركة إعادة التأمين العراقية لمدة عشرين عاماً (بعد أن قمت بتأسيسها) بالرغم من التغييرات التي طرأت على أنظمة الحكم في العراق. فما هو السبب؟لتسهيل مهمة القارئ حسن النية، أعرض بعضاً من المبادئ التي اعتنقها وأطبقها (وقد طبقتها فعلياً) في حياتي الشخصية والوظيفية: -تكويني الذهني ينفر من التبعية الفكرية لأية مجموعة أو فئة أو حزب سواء كان حاكماً أو غير حاكم. وكنت، ولا زلت، أعتقد أنني بانتمائي لأية فئة أو جماعة إنما أفقد استقلاليتي في الرأي وحياديتي في الحكم على الأمور والأشخاص وحريتي في اتخاذ القرار، لذلك أستطيع أن أقول، بكل فخر، أنني لست مديناً في جميع المواقع الحكومية وغير الحكومية التي أشغلتها لأية فئة أو جماعة، سواء المواقع التي أشغلتها في بلدي العراق أو في بعض البلدان العربية الشقيقة. هدفي الوحيد هو خدمة بلدي وخدمة البلد الشقيق الذي يستضيفني. أضع كل إمكانياتي العلمية والعملية في خدمة المؤسسة التي أديرها أو التي أعمل فيها.
  • لا أحاسب الناس على أفكارهم بل أحكم عليهم (في قرارة نفسي فقط) حسب تصرفاتهم.
  • لا أطلب من الآخرين أن يتضامنوا معي في أي قرار أتخذه فانا وحدي المسؤول عن نتائجه دون إلقاء اللوم على الآخرين.
  • أُؤمن بالحوار الهادئ ولا أستسيغ العنف بكل أشكاله: العنف المادي والمعنوي بل وحتى العنف اللفظي (من المؤسف أن يحتوي الفصل الخاص بالتأمين من كتاب الأستاذ عطا على قدر كبير من العنف اللفظي!)هذه ليست فردية في التفكير بل قواعد تعني احترام النفس واحترام الآخرين. وفي هذا السياق أقول:-لقد طبقت هذه المبادئ حينما كنت اتخذ قرارات تعيين العاملين معي في جميع الشركات التي كلفت بإدارتها. فأنا لا أسألهم عن رأيهم السياسي أو الفئة التي ينتمون إليها. المعايير الوحيدة التي آخذها بنظر الاعتبار هي الكفاءة والنزاهة ثم أصبحت النزاهة والكفاءة.المتقدمون للعمل يخضعون لامتحان تحريري وآخر خلال المقابلة ثم يتم تعيين الأفضل.وفي إحدى المرات التي تغير فيها نظام الحكم في العراق أعلمني الوزير الجديد المسؤول عن التأمين انه تبين لهم انه لا يوجد في الشركة التي أديرها من هو من الجماعة التي أتت مع النظام الجديد فأجبته أن هذه معلومة لا علم لي بها لأنني لا اسأل الموظفين لأية جهة أو جماعة ينتمون؟كما طبقت هذه المبادئ على علاقتي بالعاملين معي في الشركات التي كنت أديرها فكنت أغرس في فكرهم أنهم غير مدينين لي في مواقعهم في الشركة، وأنهم إنما يحتلون مواقعهم بحكم كفاءتهم وإخلاصهم. لذلك ليس عليهم من حرج أن يكون لهم رأي يختلف عن رأيي بل أن بإمكان أي منهم أن يكتب رأيه المخالف تحريرياً على أن يبقى رأيه داخل الشركة فقط.
  1. يقول السيد عطا في كتابه أنه (أي مصطفى رجب) أمكر من أن يسعى إلى الحيلولة دون انسحاب عنصر (يقصد نفسه) يبدو انه وجد فيه نداً، رغم صداقتي له ودعمي الدائم لشركة الإعادة منذ تأسيسها. ولعله لم يكن وحده من المتربصين والطامعين بإزاحتي)؟هذا كلام غريب فمن المعروف عني أنني لم أفكر يوماً أن أزاحم أحداً على موقعه بل لم أشعر يوماً أن أحداً يزاحمني على موقعي. ثم أنني أعمل في إعادة التأمين وهو يعمل في التأمين المباشر فأين مني من الطامعين بإزاحته ولماذا التربص به؟ فقد كنت ولا زلت أكن له كل مودة وتقدير واحترام لا لشيء إلا لكفاءته وإخلاصه في عمله. وأعتقد أن هذا الكلام هو من قبيل التخيلات.وفي هذا السياق أقول:للتدليل على أنني لا أفكر في مزاحمة أحد على موقعه، أقدم ما طبقته في الشركات التي كنت أديرها:-لقد اتبعت سياسة قلما تتبناها الإدارات العربية في الشركات التي تعهد إليها إدارتها وهي تحضير الخلف المناسب. وقد طبقت هذه السياسة في بغداد وبيروت وأبو ظبي فكان انتقال الإدارة حينما يحين موعد رحيلي عن الشركة انتقالاً هادئاً. وقد اثبتوا جميعاً حسن ظني بهم. هذه السياسة منطلقة من قاعدة أؤمن بها أن المدير الناجح ليس هو الذي يحقق الأهداف فقط بل الذي يُعدُ من يخلفه عند رحيله كذلك.
  2. ولتوضيح وجهة نظري متى وأين يجب اتخاذ قرارات حدية أسرد الواقعة الآتية: – تغيّر نظام الحكم ذات مرة في بغداد وحينما أتيت إلى مكتبي في الشركة التي كنت أديرها علمت أن ثلاثة من المدراء الفنيين في الشركة قد ألقي القبض عليهم في الليلة السابقة.كان هذا الإجراء بالنسبة لي إجراءً مؤلماً يتطلب أن أفهم أسبابه كما أنه يؤثر على السمعة الدولية للشركة تلك السمعة التي كانت تشكل جزءاً كبيراً من رأسمال الشركة.اتصلت بوكيل وزارة الداخلية الجديد وكنت على معرفة به ورجوته إعلامي عن أسباب اعتقالهم حيث أنني لم ألمس أي نشاط سياسي لهم طيلة فترة عملهم في الشركة. وعدني بالاستفسار والعودة إلىّ. مضت ساعتان وإذا به يتصل بي ويبلغني أنه لا توجد أشياء خطيرة وأنه سيطلق سراحهم بعد بضعة أيام. أجبته أنه حيث لا يوجد ما يبرر اعتقالهم فإنني سأذهب إلى بيتي وأعود للعمل حينما يطلق سراحهم. أجابني أن الأمر لا يستدعى اتخاذ هذا الموقف. أبلغته أنني أشعر أنني مسؤول عنهم وحيث أنك تقول إنه لا توجد أمور خطيرة فلا أستطيع تحمل بقائهم قيد الاعتقال دون جريمة أو شبهة جدية وذهبت إلى بيتي. في اليوم التالي اتصل بي وكيل الوزارة وأبلغني أنه سيتم إطلاق سراح أثنين وقد أطلق سراحهما فعلاً وسينظر في أمر الثالث في اليوم اللاحق. أبلغته أنني سأعود للعمل اليوم وآمل أن يطلق سراح الثالث يوم غد وبالفعل تم إطلاق سراحه في اليوم اللاحق. حينما قصصت ما جرى على أحد الأصدقاء عاتبني على موقفي وقال إنك تعرض نفسك لمشاكل أنت في غنى عنها! أسوق هذه الحادثة لأدلل على أن المسؤول يفترض به أن يتخذ موقفاً حدياً حينما تقتضي دواعي الواجب والضمير أن يتخذه، وليس عليه أن يتخذ موقفاً حدياً في أمر يعود القرار النهائي فيه إلى جهة رسمية أخرى وضمن اختصاصها وإلا كان مندفعاً حيث لا يجدي تسمية الاندفاع بطولة.وأخيراً وبصرف النظر عما أكتبه أنا أو ما يكتبه غيري فإن التاريخ وحده هو الذي يحكم على الأشخاص ومواقفهم وليس ما يكتبون هم عن أنفسهم.20/3/2017* مؤسس ومدير عام شركة إعادة التأمين العراقية (1980-1960)

[1] عطا عبد الوهاب، سلالة الطين (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004)، ص 375 وما بعدها لها علاقة بموضوع هذه الورقة. يمكن الاطلاع عليه باستخدام هذا الرابط:

https://books.google.co.uk/books?id=dKRdXZ5QVzQC&pg=PT252&lpg=PT252&dq=%D8%B9%D8%B7%D8%A7+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8+%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89+%D8%B1%D8%AC%D8%A8&source=bl&ots=KEPe6bVopK&sig=pV964UFP73kcD0GrIXvuWNi3PfE&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjXzub11L3SAhVLL8AKHaODDlQQ6AEIOTAH#v=onepage&q=%D8%B9%D8%B7%D8%A7%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89%20%D8%B1%D8%AC%D8%A8&f=false

(المحرر)

 

Abdulbaki Redha: On the Abolition of Insurance Agencies in the 1960s

من رسائل الأستاذ عبد الباقي رضا

 تطورات موضوع إلغاء وكالات التأمين واستبدالها بنظام المنتجين

 

 

تقديم

 

يسرني أن أنشر نص رسالتين من الأستاذ عبد الباقي رضا والأستاذ بهاء بهيج شكري، بعد الحصول على موافقتهما، يخص موضوع إلغاء نظام وكالات التأمين واستبداله بنظام المنتجين بعد صدور قرار تأميم شركات ووكالات التأمين في 14 تموز 1964. وقد كان هذا الموضوع مثار نقاش، وربما سوء فهم، بين أركان التأمين العراقي آنذاك لوظيفة توزيع المنتجات التأمينية والقنوات المناسبة لها. النصين المنشورين هنا يوفران خلفية أولية لمناقشة الموضوع. وأظن بأن د. مصطفى رجب سيدلو بدلوه أيضاً خاصة وأن الأستاذ عطا عبد الوهاب تعرَّض لموقف الدكتور من الوكالات ونظام المنتجين في كتابه سلالة الطين.

 

آمل استلام المزيد من المعلومات عن هذا الموضوع تمهيداً لمناقشته في سياقه التاريخي. وقد ذكر لي الأستاذ بهيج في رسالة قصيرة له مؤخراً “ان الموضوع يحتاج إلى بحث أكثر تفصيلاً من النواحي القانونية والفنية والإدارية، وربما أجد الوقت لإعداد بحث كهذا في المستقبل القريب.”

 

مصباح كمال

27 آذار 2017

 

 

رسالة الأستاذ عبد الباقي رضا

 

1 آذار 2017

 

عزيزي الأخ الوفي الأستاذ مصباح

 

صباح الخير

 

توضيحاً لتطورات موضوع الوكالات[1] أروي لك الاحداث كما أتذكر. مع قرارات التأميم في 14/7/1964 تولى الأستاذ عطا عبد الوهاب إدارة التأمين الوطنية، وكان يشغل قبلها إدارة شركة بغداد للتأمين. حين صدر قرار تعيينه ضمن التعيينات الجديدة كان خارج العراق والتحق بإدارة التأمين الوطنية فور عودته واستمرت حتى 31/1/1966. واستمر الدكتور مصطفى رجب في إدارة شركة اعادة التأمين العراقية. كان لهما دور أنشط وأعلى في شؤون المؤسسة العامة للتأمين في عهد رئاسة المرحوم طالب جميل للمؤسسة لقدمهما في الخدمة وعلاقتهما الشخصية برئيس المؤسسة حيث كان بقية المدراء العامين، من أمثالي، مستجدين في مراكزهم الجديدة ويفتقرون إلى ميزة العلاقات الشخصية وتأثيرها.

 

تقرر إلغاء الوكالات بناء على دراسة مقدمة من الأستاذ عطا والدكتور مصطفى لا أتذكر اني اطلعت عليها أو عرفت مضمونها.

 

استقال المرحوم طالب جميل من رئاسة المؤسسة وبعد فترة قصيرة تولى رئاستها وكالةً الدكتور خالد الشاوي لفترة وجيزة ثم عين المرحوم كليمان شماس رئيساً أصيلاً.

 

كان تغيير وزاري قد حصل بتعيين المرحوم عبد الرحمن البزاز رئيساً للوزارة التي جاءت بسياسات مختلفة في الجانب الاقتصادي، وكان اختيار الشماس من القطاع الخاص أحد مؤشراتها فقد كان الشماس يعمل في وكالة شركة يونيون الفرنسية للتأمين[2] منذ أمد غير قصير. في اجتماع مجلس إدارة المؤسسة مساء يوم 31/1/1966، وكنت أحضره باعتباري مدير عام المؤسسة وسكرتير مجلس إدارتها، فوجئنا بطلب رئيس المؤسسة إعادة دراسة موضوع وكالات التأمين بهدف العودة إليها. خلال مناقشة الموضوع ظهر موقف الدكتور مصطفى مؤيداً لرئيس المؤسسة مما أثار غضب الأستاذ عطا. وبعد بعض الأخذ والرد تناول الأستاذ عطا ورقة وكتب استقالته وترك الاجتماع غاضباً ولم تنفع محاولات اقناعه بعدم الانسحاب. بناءً عليه قرر المجلس نقلي من المؤسسة إلى ادارة التأمين الوطنية فامتثلت للقرار وباشرت عملي الجديد في اليوم التالي مباشرة والذي امتد إلى 4/3/1978.

 

بلغني أن الدكتور مصطفى قام بزيارة إلى دار الأستاذ عطا بعد الاجتماع مباشرة لإقناعه بالعدول عن الاستقالة إلا أنه لم يفلح وأصر الأستاذ عطا على موقفه وابتعد عن أي عمل حكومي.

 

لا أتذكر الآن أية تفاصيل عن أسلوب عمل الوكالات أو المنتجين والضوابط التي تنظمه مع الأسف.

 

عوداً إلى قول الأستاذ بهاء (ان عبد الباقي هو الذي وضع القانون العراقي [قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005] بالتعاون مع الخبير الامريكي لشؤون التأمين [Mike Pekins] بالاسترشاد بالقانون الأردني)[3] أود أن أبين الآتي:

 

لم أجتمع بأي خبير أمريكي في شؤون التأمين اطلاقاً ولكني اجتمعت بمن كان متابعاً لشؤون المصارف ثم بالشخص الذي كُلّف بإعادة إحياء سوق الاوراق المالية الذي كان لي دور في إعداد قانونه ثم في تأسيسه وأشغلت عضوية مجلس إدارته كخبير منذ تشكيله في 1992 حتى إيقاف أعماله من قبل الأمريكان سنة 2003. وقد عرض عليَّ منصب (مساعد رئيس الهيئة – Assistant-Commissioner) في هيئة الأوراق المالية التي تأسست بالأمر الموقت رقم 74 لسنة 2004 فسألت عمن سيكون الـ Commissioner الذي أكون أنا مساعده فلم يعجبهم السؤال! ولم أندم على سؤالي.

 

أما قانون التأمين[4] فأتذكر أن مشروعاً عرض عليَّ يوم كان السيد عادل عبد المهدي وزيراً للمالية فكتبت عنه مذكرة طويلة، مع الأسف لم أحتفظ بالمشروع ولا بمذكرتي، وحيث تسنى لي فيما بعد الاطلاع على القانون الأردني الذي وجدته أفضل من المشروع تكلمت مع الصديق السيد عدنان الجنابي الذي كان يشغل منصب وزير دولة – على ما أتذكر- في وزارة الدكتور أياد علاوي – وهو نائب حالياً – وبيَّنتُ له أفضلية اعتماد القانون الأردني وتعريقه بما ينسجم مع متطلباتنا وصياغاتنا القانونية. نُقل هذا الرأي إلى الدكتور علاوي فقبل به وكلفني العمل عليه مع الدكتور فاضل محمد جواد الذي كان قد عين تواً مستشاراً قانونياً في مجلس الوزراء (يعمل حالياً في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية). في هذا الوقت حان موعد سفري إلى الولايات المتحدة فسلمت ما عندي إلى الدكتور فاضل ليقوم هو بالمهمة. إلى هنا انتهى دوري بالنسبة لقانون التأمين العراقي.

 

أكرر مع الاعتذار اني لا أتذكر أية تفاصيل عن نظام المنتجين فقد مضى عهد طويل على تركي إدارة الشركة.

 

أتمنى لك التوفيق في جهدك الفريد في (نبش) تاريخ قطاع التأمين واستخراج ما غاب منه من الذاكرة، ولك أطيب تحياتي.

 

عبد الباقي

 


 

ملحق 1

رسالة مصباح كمال إلى الأستاذ عبد الباقي رضا

 

أستاذي العزيز عبد الباقي

 

تحية طيبة

 

كما تلاحظ أدناه فقد تخاطبتُ مع الأستاذ بهاء بهيج شكري بشأن نظام الوكالات التأمينية ونظام المنتجين، على أثر رسالة استلمتها منه حول أسباب استقالة الأستاذ عطا عبد الوهاب من شركة التأمين الوطنية وموقف الأخير من هذين النظامين ومن د. مصطفى رجب.

 

أنا مهتم بالجانب التاريخي للموضوع والحجج الاقتصادية والفنية التي كانت وراء إلغاء نظام الوكالات واستبداله بنظام المنتجين.  وبما أن هذا الأخير ارتبط بإداراتك أرى أن تكتب ما يفيد في توضيح خلفيات الموضوع ووضعه في نصابه، كما يقال، وبذلك تملأ فراغاً في تاريخ تطور قطاع التأمين في عهدك.

 

فيما يخص موضوع وكلاء التأمين ووسطاء التأمين ووسطاء إعادة التأمين، كما يرد في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10)، الذي أتى الأستاذ بهاء على ذكره في آخر رسالته، فإن التعليق عليه رهن باختيارك.

 

بانتظار الرد، أتمنى لك أطيب الأوقات.

 

مصباح

27 شباط 2017

 


 

ملحق 2

رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري لمصباح كمال

 

عمان 27 شباط 2017

 

الأخ مصباح المحترم

 

بعد التحية

 

إذا جزء الموضوع حسب اقتراحك فإن المتبقي منه يتعلق بصحة اعتماد نظام المنتجين أو عدم صحته، وهذا موضوع مستقل لا علاقة له بعطا عبد الوهاب فقط وإنما طبقه عبد الباقي رضا أيضاً، لذا يجب أن يكون هذا البحث بحثاً مستقلاً.

 

ولا أخفى عليك فإني اعتقد أن هذا النظام يتعارض مع أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين الذي يفهم من عموم نصوصه أنه لا يجوز لأي شخص طبيعي أو شخصية اعتبارية ممارسة أي نشاط تأميني دون الحصول على ترخيص من السلط المعينة بموجب القانون، علماً بأن المقصود بالوكلاء هم ليسوا وكلاء الشركات الأجنبية بل هم الوكلاء الذين أجيزوا من قبل الديوان بالتعامل مع الشركات العراقية، كوكالة مجيد الياسين مثلاً وغيرها من الوكالات.

 

لهذا فأنا اقترح أن توجه سؤالاً إلى السيد عبد الباقي رضا باعتباره كان مديراً عاماً لشركة التأمين الوطنية، التي تبنت في زمانه نظام المنتجين، عن ماهية هذا النظام والعلاقة الوظيفية والمالية بين المنتج والشركة، وهل يخضع المنتج لشرط الحصول على رخصة ممارسة عمل الوساطة، وهل أن تبني هذا النظام يتفق مع أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين الذي حدد الوسطاء بالوكلاء (Agents) والسماسرة (Brokers) (علما بأن عبد الباقي هو الذي وضع القانون العراقي بالتعاون مع الخبير الأمريكي لشؤون التأمين بالاستشراد بالقانون الأردني). إن إجابة عبد الباقي ستكون باباً للمناقشة والبحث في كلا النظامين، الوكلاء والمنتجين، من الناحيتين القانونية والمالية.

 

هذا هو رأي، مع التقدير.

 

بهاء شكري

[1] أنظر رسالتي إلى الأستاذ عبد الباقي رضا حول موضوع إلغاء وكالات التأمين في الملحق 1 في نهاية هذه الورقة.

[2] كان وكيل شركة يونيون الفرنسية للتأمين L’Union de Paris (أصبحت فيما بعد جزءاً من مجموعة أكسا AXA) هو السيد إدوار فرام الذي يمتد تاريخ وكالته إلى ثلاثينيات القرن العشرين. أنظر: مصباح كمال “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق”، مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/05/1936-19-2012-1936-1936-883.html

[3] أنظر رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري لمصباح كمال بتاريخ 27 شباط 2017 في الملحق 2 في نهاية هذه الورقة.

[4] للتعرف على المزيد من التفاصيل أنظر: مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

A View on the Implementation of Health Insurance in Iraq

افكار حول تفعيل التأمين الصحي في العراق

 

مصباح كمال

 

http://iraqieconomists.net/ar/2017/03/01/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%81%d9%83%d8%a7%d8%b1-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%aa%d9%81%d8%b9%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5/

 

 

مقدمة

 

كان السيد مصطفى الهاشمي، محرر الصفحة الاقتصادية لجريدة الصباح، قد كتب لي رسالة بتاريخ 22 شباط 2017 طالباً الإجابة على مجموعة من الأسئلة حول التأمين الصحي في العراق وقد استجبت، شاكراً له طلبه. وقام من جانبه بإعادة صياغة إجاباتي، ونشرها في الصباح الاقتصادي تحت عنوان “دعوات إلى تفعيل التأمين الصحي.” (الصباح، 27 شباط 2017):

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=132512

 

أشكر زميلي السيد منذر عباس الأسود على تزويدي بنسخة من نص المقابلة المنشورة.

 

فيما يلي النص الكامل للمقابلة الذي اعتمد عليه السيد مصطفى الهاشمي.

 

مصباح كمال

1 آذار 2017

 

 

النص الكامل للمقابلة

 

 

هل تعتقدون ان الوقت مناسب للعمل بالتأمين الصحي في العراق؟

 

عرضت الحكومة في برنامجها المنشور في جريدة الصباح (أيلول 2014) اعتماد نظام التأمين الصحي للمواطنين كافة وتطبيق نظام طبيب الأسرة. إلا أن هذا النظام لم يجد تطبيقاً له حسب المعلومات المتوفرة لدينا. ربما هناك في أروقة الحكومة المختلفة من يعمل على صياغة تفاصيل هذا النظام.

 

قد يقال بأن الحرب ضد داعش، والعجز في الموازنة، ولجوء العراق إلى الاستدانة من الخارج تجعل من الشروع بنظام التأمين الصحي، غير محدد الملامح حتى الآن، عبئاً على القدرات المالية المحدودة للدولة في الوقت الحاضر. لكننا نرى أن تطبيق المشروع، بعد أن تتوضح معالمه، يمكن أن يبدأ كخطة تجريبية محدودة النطاق في إحدى المحافظات. مثل هذه الخطة ستكون تمريناً أساسياً للتعرف على مشاكل التطبيق وإيجاد الحلول والضوابط المناسبة لها. كما يمكن للمشروع أن يتخذ تطبيقه صفة الإلزام على الشركات العاملة في العراق والتي تستخدم عدداً معيناً من العمال لتوفير التأمين الصحي لهم– وهو ما أقدمت عليه بعض الحكومات، الإمارات العربية على سبيل المثل. ويمكن الاستفادة من تجارب ماضية كالضمان الصحي الذي كانت وزارة النفط تطبقه على منتسبيها لقاء أقساط (استقطاع بسيط) من المرتبات.

 

إن الصحة، كالتعليم، حاجة أساسية وليس من المناسب الاستمرار في تأجيل الاهتمام بها بحجة أن الوقت غير مناسب.

 

وهل تعتقدون ان المؤسسات الصحية والمستشفيات قادرة على التعامل بموجبه – من وجهة نظركم؟ علماً كان لي حديث قبل سنتين مع أحد المسؤولين في وزارة الصحة بهذا الخصوص وقال لي لا يوجد مثل هذا التنسيق بين الوزارة والتأمين الوطنية.

 

المؤسسات الصحية والمستشفيات العائدة للدولة تعمل دون المستوى المطلوب في توفير خدماتها غير المرتبطة بالتأمين. هناك حاجة لتطوير النظام الصحي الحكومي، ويمكن لأصحاب الاختصاص تقديم أفكارهم بشأنه ومنها تطوير وتوسيع استخدام تكنولوجيا المعلومات. ولكن قبل الحكم على قدرة هذه المؤسسات والمستشفيات للتعامل مع متطلبات نظام التأمين الصحي يجب التعريف بهذا النظام ونطاقه.

 

ربط النظام الصحي المرجو بشركة التأمين الوطنية العامة، كما يبدو من السؤال حول انعدام التنسيق بين وزارة الصحة وهذه الشركة، قد يجابه باعتراض شركات التأمين الخاصة خاصة وأن العديد من هذه الشركات، وكذلك التأمين الوطنية ذاتها، تمارس أشكالاً من التأمين الصحي التجاري. ولعل أحدث وأوسع ممارسة له هو التعاون بين مستشفى الكفيل التخصصي في كربلاء وشركة الرهام للتأمين (شركة خاصة) منذ أيار 2016 على توفير ما أعلن عنه بأنه تامين صحي شامل لقاء قسط تأمين سنوي بمبلغ (175) ألف دينار عراقي للفرد الواحد يغطي العلاج الكامل للفرد وبحدود تعويضية للنفقات الطبية والعلاجية قد تصل الى (6) ملايين دينار.

 

ويبدو أن سوق التأمين الصحي التجاري بدأ يتطور في العراق ويتوقع له أن يكون رافداً أساسياً للنشاط التأميني مثلما حصل في المملكة العربية السعودية وغيرها من أسواق التأمين العربية التي تعمل على استبعاد دور الدولة في تقديم الرعاية الصحية.

 

وماهي الآليات المطلوب اتباعها من قبل شركات التأمين الحكومية بغية انجاح هذا النظام وتوسيع العمل به في عموم العراق؟

 

تقوم شركتي التأمين العامتين، التأمين الوطنية والتأمين العراقية، ببيع وثائق التأمين الصحي الجماعي والفردي لتغطية تكاليف العمليات الجراحية، ضمن مبلغ التأمين، في المستشفيات الأهلية في العراق، وتمتد لتشمل الرقود في المستشفى لأغراض المعالجة … الخ.

 

سوق التأمين الصحي في العراق قائم على المنافسة بين الشركات كافة، ويمكن لهذه المنافسة أن تعمل على إشاعة الوعي بأهمية التأمين الصحي وخاصة بين أفراد الفئات الميسورة وتلك التي تملك ما يكفي من الدخل للإنفاق على شراء الحماية التأمينية (الطبقات الفقيرة غير معنية بالتأمين لأنها لا تملك ما يكفي لمواجهة متطلبات المعيشة). ويمكن اللجوء إلى إجراءات محددة لتوسيع استخدام التأمين الصحي ومنها: جعل التأمين إلزامياً على الشركات التي تستخدم عدداً معيناً من العمال، إعفاء أقساط التأمين المسددة لشراء الحماية التأمينية من قبل هذه الشركات من ضريبة الدخل، تشجيع الجمعيات والنقابات على شراء التأمين الصحي لأعضائها مقابل أقساط تأمين تنافسية، إلزام شركات القطاع العام بتوفير التأمين الصحي لمنتسبيها (مع الاهتمام بإشكالية العجز المالي التي تعاني منها هذه الشركات)، وإلزامية التأمين على الوزارات والإدارات المحلية للتأمين على منتسبيها.

 

22 شباط 2017