Monthly Archives: ماي 2017

Baha Baheej Shukri on Insurance Agents & Producers

من رسائل بهاء بهيج شكري:

رسالة حول نظام الوكلاء ونظام المنتجين في التأمين

 

 

نشرت هذه الرسالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

 

http://iraqieconomists.net/ar/2017/05/27/%d9%85%d9%86-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a8%d9%87%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d9%87%d9%8a%d8%ac-%d8%b4%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85/

 

 

عمان في ٢٠ مايس ٢٠١٧

 

الأخ العزيز مصباح المحترم

 

بعد التحية

 

كما وعدتك أعود لبحث نظام الوكلاء ونظام المنتجين على ضوء القانون المقارن. وكتمهيد للبحث يجب العودة إلى استقالة السيد عطا عبد الوهاب من شركة التأمين الوطنية احتجاجاً على قرار المؤسسة العامة للتأمين بإعادة العمل بنظام الوكلاء بعد أن كان قد اعتمد نظام المنتجين، فالسيد عطا لم يُبين في كتابه سلالة الطين[1] ماهية نظام المنتجين ولم يُبين طبيعة علاقة المنتج بالشركة، وهل انه يعمل براتب أم لقاء عمولة، وما هي الأسباب الفنية والقانونية التي جعلته يتخذ قرار اعتماد المنتجين بدلاً من الوكلاء، بل اكتفى بالقول بأن نظام المنتجين هو أكثر فائدة من نظام الوكالات للمؤمن لهم وللشركة دون أن يُبين نوع هذه الفائدة. وحيث انه ذكر في كتابه المذكور ان السيد عبد الباقي رضا الذي حلَّ محله في ادارة شركة التأمين الوطنية كان قد زاره بعد فترة من الزمن بعد استقالته من شركة التأمين الوطنية وأخبره بأنه عاد وألغى نظام الوكلاء وأحل نظام المنتجين محله، وعند سؤال السيد عبد الباقي عن ماهية نظام المنتجين الذي طبقه بدلاً من نظام الوكلاء أجاب بأنه لا يتذكر لأن الموضوع مضت عليه فترة طويلة من الزمن.[2]

 

وبالرجوع إلى موقف مجلس إدارة المؤسسة العامة التأمين، نجد أن قرارها بالعودة إلى نظام الوكلاء كان قراراً مرتجلاً لم يُبْنَ على دارسة قانونية وفنية للنظامين، بل انه في رأينا كان قراراً متحيزاً لأن رئيس المؤسسة السيد كليمان شماس كان قبل تأميم الشركات وكيلاً لشركة تأمين أجنبية[3] وبعد تصفية وكالات التأمين الأجنبية بموجب قانون التأميم تحوَّل إلى وكيل عن الشركات العراقية فمن مصلحته الشخصية العودة إلى نظام الوكلاء، فأيده جميع أعضاء المجلس دون مناقشة أو اعتراض تطبيقا لقاعدة “الناس على دين ملوكهم” علماً انهم كانوا أعضاء في مجلس إدارة شركة التأمين الوطنية عند تقديم السيد عطا عبد الوهاب اقتراحه باستبدال نظام الوكلاء بنظام المنتجين فوافقوا عليه دون اعتراض. فكان هذا التحول المفاجئ دون دراسة وتدقيق هو الذي أدى إلى استقالة السيد عطا عبد الوهاب. وهذا ما يجعلني أميل إلى الاعتقاد بأن هذا الموضوع لم ينَلْ ما يستحقه من البحث من جميع الأطراف، لا من الناحية الفنية ولا من الناحية القانونية، علما بأن نصوص قانون شركات ووكلاء التأمين الذي كان ساري المفعول حينذاك لا تختلف عن نصوص القانون المقارن بهذا الشأن والتي حصرت ممارسة أعمال الوساطة بوكيل التأمين، وأضافت إليه قوانين أخرى، صدرت بعد ذلك، شخصاً آخر وصفته بالوسيط.

 

لقد سبق لي أن بحثت موضوع وسطاء التأمين وأهمية دورهم في نظام التأمين بشكل مفصل في كتابي بحوث في التأمين الصادر عن دار الثقافة للنشر والتوزيع سنة ٢٠١٢ (صفحة ٣٠١ – ٣٢٧). وأحاول أن ألخص الموضوع بقدر تعلق الأمر بالوكلاء والوسطاء والمنتجين على ضوء التشريع العربي المقارن والتطبيق العملي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

 

لقد حصرت القوانين المتعلقة بتنظيم أعمال التأمين خدمات الوساطة بشخصين، كما قلت، هما وكيل التأمين وبشخص آخر أطلق عليه وسيط التأمين. فوكيل التأمين هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في التعليمات الصادرة بموجب قوانين الإشراف والرقابة على تنظيم أعمال التأمين وينوب عن شركة التأمين بموجب تخويل رسمي في التوسط بينها وبين طالب التأمين في إبرام عقد التأمين. وينقسم الوكلاء إلى صنفين. الأول وكلاء إنتاج ينحصر عملهم بالتوسط بين شركة التأمين وطالب التأمين في إبرام العقد، دون أن يكون لهم حق التفاوض نيابة عن شركة التأمين، كما ليس لهم حق التدخل في تسوية طلب التعويض نيابة عنها. والصنف الثاني من الوكلاء هم وكلاء الإصدار، وهذا الصنف يكون مخولاً من قبل شركة التأمين ضمن سقف معين في سند الوكالة بالتعاقد نيابة عنها مع طالب التأمين وإصدار وثيقة التأمين موقعة من قبله وتسوية طلبات التعويض دون الرجوع إليها، ويشترط كي يمارس أي من الصنفين واجباته أن يكون مزوداً بسند وكالة مصدق يُبين حدود صلاحياته وأن يكون مجازاً بممارسة وكالة التأمين من الجهة الرقابية.

 

ولا يشترط ان يكون وكيل التأمين من أي من الصنفين خبيراً في نظام وعقد التأمين، بل يكفي أن يكون ملماً بالفواصل العامة لكل من نظام التأمين وعقوده. وقد اختلف موقف التشريع العربي من طبيعة الرابطة العقدية بين الوكيل وشركة التأمين، ففي الوقت الذي اشترطت فيه جميع قوانين تنظيم أعمال التأمين بان ينفرد الوكيل بشركة تأمين واحدة، أجاز المشرع العراقي في الفقرة الثانية من المادة (75 – أولاً) من قانون سنة ٢٠٠٥) “ان يكون الوكيل وكيلا لأكثر من مؤمن واحد.” وتنحصر العلاقة المالية بين الوكيل وشركة التأمين، بتقاضي الوكيل عمولة بنسبة يتفق عليها من قسط تأمين العقد الذي ينجح توسطه في إبرامه، باستثناء وكيل التأمين على الحياة الذي تكون عمولته عن السنة الأولى بنسبة من مبلغ التأمين. ثم تنخفض عن سنوات امتداد العقد لتصبح نسبة من قسط سنة التمديد. وفي جميع الأحوال لا يتقاضى الوكيل راتبا من شركة التأمين. وقد استقر التعامل على هذه العلاقة المالية وفقا لجميع القوانين انفة الذكر.

 

وفي التطبيق العملي في العراق، فإن جميع الوكلاء العراقيين الذين أجيزوا من قبل الجهة الرقابية هم وكلاء انتاج وليسوا وكلاء إصدار. أما وكالات الشركات الأجنبية التي كانت عاملة في العراق قبل تصفيتها بموجب قانون التأميم فقد كانت وكالات إصدار، حيث كان الوكلاء من قبل الشركات الأجنبية هم وكلاء تصدير ينوبون عنها بإبرام عقود التأمين وتسوية طلبات التعويض وتسديدها دون الرجوع إليها.

 

اما الوسيط الثاني في عملية وساطة التأمين والذي انفرد المشرع السوري واللبناني والأردني والعراقي بالنص عليه وأطلق عليه تسمية الوسيط، فهو ما يعرف في سوق التأمين الانجليزي والأمريكي وبعض الاسواق الأوربية بـ “السمسار” (Broker). فكلمة السمسار هي الترجمة القانونية واللغوية الدقيقة لكلمة (Broker). ووفق ما جاء في المعاجم اللغوية ان “السمسار” هو من يتوسط بين طرفين في إبرام عقد بينهما دون أن يكون وكيلاً رسمياً عن أي منهما، وان “السمسرة” هي عمل وساطة مشروعة وهي بموجب القانون التجاري المقارن، عملاً تجارياً مطلقاً.

 

أما لماذا فضَّل المشرع العربي أن يسمي السمسار بالوسيط دون أن يطلق عليه اسمه الحقيقي (السمسار) فذلك، وحسب رأينا الشخصي، لأن هناك حساسية لدى المتلقي العربي من كلمة سمسار لأنها تطلق من قبيل الخطأ الشائع على الشخص الذي يتوسط في الجمع بين الرجل والمرأة لعمل الفحشاء، وهذا خطأ شائع، فمثل هذا الشخص يسمى، وفق ما جاء في قواميس اللغة العربية، (قواداً) وليس (سمساراً) وعمله لا يعتبر تجارياً بل هو عمل باطل لمخالفته للآداب العامة.

 

وبالرغم مما نصت عليه بعض قوانين تنظيم أعمال التأمين، فإن نظام السمسرة غير معمول به في أسواق التأمين العربية[4] وأبرز سوقين في التعامل بنظام السمسرة هو السوق الانجليزي والسوق الامريكي، ففي هذين السوقين ليس هناك اتصالاً مباشراً بين طالب التأمين والمؤمن،[5] بل على طالب التأمين أن يعهد بطلبه إلى السمسار الذي يتولى دراسة الطلب ويحدد المؤمنين المتخصصين بمنح التغطية المطلوبة ثم ينظم ما يعرف بقسيمة السمسار (Slip) ويقوم نيابة عن طالب التأمين دون تخويل رسمي مصدق بتمرير القسيمة على المؤمنين الذين يختارهم مبتدئاً بأبرز واحد منهم فيعرض عليه الطلب ويناقشه في شروط التغطية ومقدار قسط التأمين، فيؤشر هذا المؤمن النصيب الذي يقبل تغطيته وبذيله بالحروف الأولى من توقيعه، وبذلك يعتبر هو المؤمن القائد، ثم يقوم السمسار بتمرير القسيمة على بقية المؤمنين الذين يؤشرون عليها أنصبتهم وفقا للشروط التي تم الاتفاق عليها بين السمسار والمؤمن القائد، علماً بأن التغطية في هذه الأسواق لا تنحصر بمؤمن واحد بل يشتر ك بها عدة مؤمنين.

 

ويختلف السمسار عن الوكيل في أنه خبير بجميع مفاصل نظام التأمين وعقوده، وان عمله يعود بالنفع المادي والمعنوي على كل من طالب التأمين والمؤمن، وقد وصفه أحد الباحثين الإنجليز بانه خادم لسوق التأمين، علماً بأن مؤسسة اللويدز لها مجموعة السماسرة الخاصة بها.

 

وتجب الملاحظة هنا بأن السمسار ليس منتجاً لعقود التأمين، فلا علاقة لعمله بعملية تسويق عقود التأمين، فهو لا يتوسط بين طالب التأمين والمؤمن في إبرام عقد التأمين ولا يتصل بطالبي التأمين لهذا الغرض، بل ان طالبي التأمين هم الذين يتصلون به لإسناد الخطر المطلوب التأمين منه، فالسمسار هو “وسيط إسناد” وليس “وسيط انتاج.”

وينقسم السماسرة إلى فصيلتين، الأولى تتولى التوسط في الإسناد المباشر بين طالب التأمين والمؤمن، والثانية تتولى إسناد أعمال التأمين بين المؤمن المباشر ومعيد التأمين.

 

مما تقدم يتضح ان جميع القوانين المتعلقة بتنظيم أعمال التأمين بما في ذلك قانون شركات ووكلاء التأمين [رقم 49 لسنة 1960] العراقي الذي كان نافذ المفعول قبل نشر قانون سنة ٢٠٠٥ في الجريدة الرسمية، قد حصرت التوسط في إنتاج عقود التأمين بوكيل التأمين الذي تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في التعليمات الصادرة بموجب القانون ويكون مخولاً بتوكيل رسمي مصدق ممنوح له من قبل الشركة التي يرتبط بها ويكون مجازاً بممارسة عملية التوسط والإنتاج من قبل السلطة الرقابية. ولا يوجد في هذه القوانين مكان لما وصف “بنظام المنتجين والمنتج”، بل ان من يمارس عمل الوساطة ممن لا تتوفر فيه شروط الوكيل المذكورة سواء أكان مرتبطاً بالكادر الوظيفي لشركة التأمين أو من خارج هذا الكادر، يعتبر وفقاً للنصوص العقابية التي تضمنتها جميع قوانين الرقابة على، وتنظيم اعمال التأمين، مرتكبا لجنحة عمدية معاقب عليها بالغرامة.

 

وبالعودة إلى أسباب استقالة السيد عطا عبد الوهاب، نقول لو أن المؤسسة العامة للتأمين كانت قد درست بالاشتراك مع السيد عطا عبد الوهاب ومشاركة السيد عبد الباقي رضا الذي كان مديراً عاما للمؤسسة، نصوص قانون شركات ووكلاء التأمين [رقم 49 لسنة 1960] بشكل معمق، لتبين لها أن نظام المنتجين لم يكن له مكان في القانون، وبنتيجة ذلك كان سيتراجع السيد عطا عبد الوهاب عن قراره باعتماد نظام المنتجين، لأنه رجل قانون قبل أن يصبح رجل تأمين. كما أن السيد عبد الباقي لم يكن يعمد إلى تطبيق نظام المنتجين عندما خلف السيد عطا عبد الوهاب في إدارة شركة التأمين الوطنية، بعد أن تبين له أن هذا النظام يتعارض مع حكم القانون.[6]

 

مع التقدير.

 

بها شكري

* الهوامش من وضع مصباح كمال. تنشر هذه الرسالة بعلم الأستاذ بهاء بهيج شكري.

 

[1] عطا عبد الوهاب، سلالة الطين (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004).

 

[2] الإشارة هنا هي لرسالة الأستاذ عبد الباقي رضا المؤرخة 1 آذار 2017. راجع النص في “من رسائل الأستاذ عبد الباقي رضا: تطورات موضوع إلغاء وكالات التأمين واستبدالها بنظام المنتجين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/05/Letter-1-March-2017-insurance-agents-company-producers.pdf

 

[3] كان السيد كليمان شماس يعمل في وكالة السيد إدوار فرام (1905-1955) الذي كان وكيلاً لشركة يونيون الفرنسية للتأمينUNION DES ASSURANCES DE PARIS في العراق (التي عُرفت فيما بعد (1968) باسم UAP ومنذ 1985 باسم أكسا AXA). ويمتد تاريخ وكالته إلى ثلاثينيات القرن العشرين. أنظر: مصباح كمال “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق،” مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/05/1936-19-2012-1936-1936-883.html

[4] نظام السمسرة موجود في أسواق التأمين العربية، وبفضل هذا الوجود تم تأسيس رابطة وسطاء التأمين العرب في دمشق (17 حزيران 2008) تحت مظلة الاتحاد العام العربي للتأمين. وكان أعضاء أول مجلس إدارة للرابطة يضم ممثلين عن الأردن، الإمارات المتحدة، البحرين، تونس، سورية، لبنان، مصر. تضم الرابطة وسطاء التأمين من الأفراد والشركات.

 

وبالنسبة لسوق التأمين العراقي هناك، حسب البيانات الصادرة من قبل ديوان التأمين، تسع وسطاء للتأمين وإعادة التأمين بعضهم يمثلون فروعاً لشركات وساطة أجنبية. ويُشاع أن الديوان قد قام بتعليق ترخيص مزاولة اثنين أو ثلاثة من الوسطاء المسجلين لديه لعدم التزامهم بالقانون أو التعليمات المنظمة لعمل الوسطاء.

 

وينظم عمل الوسطاء بموجب تعليمات رقم 10 لسنة 2006 – إجازة وسيط التأمين وتنظيم أعماله وتحديد مسؤولياته – الصادرة من ديوان التأمين.

 

[5] رغم أن هذه الصورة ما زالت قائمة إلا أنها خضعت للتغيير بفضل التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات الذي خلق وسيلة جديدة لشركات التأمين للوصول إلى المؤمن لهم المرتقبين مثلما وفرَّ لهؤلاء سرعة الاتصال بشركات التأمين للحصول على المنتج التأميني وبالسعر المرغوب وخاصة في مجال التأمين على السيارات والمساكن. وقبل التوسع في استخدام الإنترنيت في الوقت الحاضر لأغراض بيع التأمين أو البحث عنه من قبل طالبيه كان هناك وما زال نظام البريد والهاتف الأرضي التقليدي ومن ثم الهاتف النقال.

 

للتعرف على بعض مظاهر تطور البيع المباشر للتأمين في الولايات المتحدة الأمريكية، أنظر:

Insurance Information Institute:

http://www.iii.org/issue-update/buying-insurance-evolving-distribution-channels

 

من الملاحظ تقلص عدد وسطاء التأمين وإعادة التأمين في أسواق التأمين الأوروبية ومنها سوق التأمين البريطاني التي شهدت اختفاء ما يقرب من 7,000 شركة وساطة، صغيرة وكبيرة سواء تلك التي تعمل مع شركات التأمين أو تلك المعتمدة من سوق لويدز في لندن، منذ ثمانينيات القرن الماضي بحيث أن من بقي منها يقدر بما يقرب من 3,000 شركة، وهبوط العدد ما زال مستمراً. وقد جاء هذا التقلص نتيجة لعدة أسباب، ومنها: نزوع شركات الوساطة الكبيرة إلى استبعاد الشركات المنافسة من سوق التأمين من خلال عمليات الاستحواذ والاندماج، للحفاظ على حصتها من الأعمال في السوق وهامش أرباحها. ومنها أيضاً دخول شركات الوساطة الأمريكية الكبيرة إلى سوق لندن، منذ أوائل الثمانينيات، من خلال هذه العمليات، للتعامل مع شركات التأمين العاملة في سوق لندن London Market وسوق لويدز Lloyd’s مباشرة بدلاً من المرور من خلال وسطاء سوق لندن. (كان ما يقرب من 25% من الأعمال التي تكتتب بها النقابات الاكتتابية في سوق لويدز صادرة من الولايات المتحدة). وساهم تطور تكنولوجيا المعلومات في تقليص عدد شركات الوساطة لأن هذه التكنولوجيا قد خلقت قناة جديدة لتوزيع المنتج التأميني.

[6] من رأي أن العقلانية الاقتصادية كانت المحرك الأساس في تبني نظام المنتجين ذلك أن تأميم شركات التأمين قد قضى على المنافسة الذي يستدعي دوراً لوسطاء التأمين في المفاضلة بين شركة وأخرى وبين منتج تأميني لهذه الشركة أو تلك، وفي تقديم خدمة استشارية مهنية للعملاء. وعلى أي حال فإن الموضوع يستحق المزيد من الدرس من خلال الكشف عن الدراسات والمذكرات التي كتبت بشأنه آنذاك.

Notes on Insurance in the Monetary & Fiscal Context

ملاحظات أولية لعرض التأمين في السياق النقدي والمالي

 

على هامش كتاب لهب عطا عبد الوهاب:

سرعة تداول النقود بين النظرية الاقتصادية والتطبيق العملي[1]

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال : ملاحظات أولية لعرض التأمين في السياق النقدي والمالي

 

 

[1]    مقدمة

 

هذا كتاب مهم في موضوعه، سرعة تداول النقود، قدمه المؤلف بأستاذية ونأمل، أن ينتبه إليه المختصون. هو ليس كتاباً في التأمين لكنه يضم إشارات سريعة عابرة للتأمين في بعض المواضع سنقوم بإبرازها في هذه الورقة بقدر ما تسمح به إمكانياتنا في فهم الظواهر الاقتصادية المالية والنقدية منها بشكل خاص. هذه الورقة ليست معنية بسرعة تداول النقود ولذلك فهو لا يشكل موضوعاً للتعليق لكننا سنستفيد من بعض نصوص الكتاب والمفاهيم الواردة فيها لعرض بعض جوانب التأمين مع الإشارة، قدر الإمكان، إلى واقع النشاط التأميني في العراق.

 

لولا هذا الكتاب الذي أهداه المؤلف لي لما بادرت إلى كتابة هذه الورقة لوضع التأمين ارتباطاً بالنظام النقدي والمالي. فله أجزل الشكر على هديته الكريمة وعلى توفير فرصة الكتابة عن جوانب من النشاط التأميني.

 

لتوفير السياق المناسب لتعليقاتنا سنقتبس نصوصاً طويلة من الكتاب، لإظهار ورود إشارة للتأمين فيها، وفي هذا فائدة أيضاً لمن لا يتوفر على نسخة من الكتاب.

 

تضم محاولتنا عرض الموضوعات التالية:

 

  • هل هناك علاقة بين كلفة الاحتفاظ بالنقد وشراء التأمين؟
  • تخفيض الضرائب والطلب على التأمين
  • التأمين كمؤسسة مالية وسيطة غير مصرفية
  • ضيق نطاق الأسواق النقدية والمالية واستثمار شركات التأمين
  • السوق النقدية المنظمة، الوعي المصرفي/الوعي التأميني، النضج المالي/النضج التأميني

 

[2]   هل هناك علاقة بين كلفة الاحتفاظ بالنقد وشراء التأمين؟

 

التغيرات في معدلات الفائدة وأثرها على التأمين

تحت عنوان العوامل التي تؤثر على كلفة الاحتفاظ بالنقد تناول المؤلف (1) التغيرات التي تطرأ على معدلات الفائدة و (2) التغيرات التي تطرأ على المستوى العام للأسعار.

 

(1) التغيرات التي تطرأ على معدلات الفائدة

إن ارتفاع معدلات الفائدة على الموجودات البديلة للنقود (كالودائع الزمنية والسندات الحكومية) ستدفع بالأفراد نحو الاقتصاد في أرصدتهم النقدية لتكلفة الفرصة opportunity cost المرتفعة للاحتفاظ بالنقود (والتي لا تدر عائداً مقارنة بعوائد الموجودات غير النقدية). ومن هنا ميل الأفراد إلى تخفيض أرصدتهم النقدية بدلاً من تفضيل السيولة، الأمر الي سيفضي إلى ارتفاع في سرعة تداول النقود. (ص 28)

 

لا يرد في هذا النص أي ذكر للتأمين لكننا اقتبسناه لإبراز مدى تأثير معدلات الفائدة على بعض جوانب التأمين. لا نظن أن ارتفاع معدلات الفائدة سيخلق ميلاً لدى الأفراد لتخفيض أرصدتهم النقدية وإنفاقها، أو بعض منها، على شراء وثائق التأمين كموجودات بديلة للنقود، باستثناء بعض أشكال التأمين على الحياة. فشركات التأمين المتخصصة بأعمال التأمين على الحياة تطرح للبيع وثائق تأمين ادخارية (وهي غير الشهادات الادخارية، أوعية استثمارية تطرحها البنوك، إذ أن وثائق التأمين الادخارية تغطي خطر وفاة صاحب وثيقة التأمين) لجذب عملاء جدد. فمن آثار ارتفاع معدلات الفائدة الضغط على شركات التأمين على الحياة لطرح منتجات جديدة بعوائد استثمارية أعلى تتناسب مع هذا الارتفاع في محاولة لجذب الأفراد لشراء وثائق التأمين كبديل أو مكمل للاستثمار في الشهادات الادخارية. وكذلك العمل على تخفيض أقساط التأمين بفضل ارتفاع العوائد الاستثمارية، ويأتي هذا مقترناً بحالة التنافس بين الشركات للإبقاء على عملائهم وجذب الجدد منهم.

والمعروف أن ارتفاع معدلات الفائدة يُحسّن من العوائد الاستثمارية على وثائق التأمين على الحياة، ومن هنا ربما الميل لاقتناء وثائق التأمين على الحياة إذ أن معدل الفائدة على هذه الوثائق تراكمي ويحتسب على أساس مبلغ التأمين وليس القسط المسدد. فعند حلول أجل الوثيقة أو وفاة صاحبها فإن شركة التأمين تسدد له أو لورثته مبلغ التأمين إضافة إلى الفائدة على هذا المبلغ.

 

ويساهم ارتفاع معدلات الفائدة إيجابياً في تحسين ربحية شركات التأمين على الحياة وغير الحياة (ما يعرف بالتأمينات العامة) من خلال العوائد على الأرصدة المستثمرة.

 

مقابل ذلك فإن انخفاض معدلات الفائدة، كما هو حاصل في الاقتصادات الغربية منذ عدة سنوات، يؤثر سلباً على العوائد الاستثمارية وربحية شركات التأمين وصناديق التقاعد. وتتفق الدراسات المختصة على استمرار النظرة المستقبلية السلبية لغالبية أسواق التأمين على الحياة على الصعيد العالمي.[2]

 

التغيرات في المستوى العام للأسعار وأثرها على التأمين

 

(2) التغيرات التي تطرأ على المستوى العام للأسعار

إن الارتفاع في المستوى العام للأسعار وتوقع الجمهور استمراراً في ارتفاعه مستقبلاً بحيث أن الأخير يمكن أن ينظر إليه باعتباره نذيراً لتضخم متوقع – هو عامل مهم يمكن أن يؤثر على سرعة تداول النقود على المدى القصير والطويل معاً – من خلال تأثيره على “كلفة الاحتفاظ بالنقود”، إذ أن ارتفاع الأسعار سيعني انخفاضاً في القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للنقود الأمر الذي سيدفع الأفراد نحو شراء السلع الآن (بدلاً من تفضيل السيولة). (ص 28-29)

 

الملاحظ أن الانخفاض في القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للنقود تدفع الأفراد نحو شراء السلع بدلاً من الاحتفاظ بالنقود. المنتج التأميني هو سلعة بمعنى ما ينطوي عليه من منافع (التعويض عند حصول ضرر أو خسارة) يحصل عليها حامله لإشباع حاجاته (التحوط من الأخطار المحيطة به والتخفيف من عدم التأكد بما يخبئه المستقبل). ليس لدينا دراسة تفيد في شرح العلاقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود (التضخم) والإقبال على شراء المنتجات التأمينية. إن هذا الإقبال، لو كان قائماً حقاً، فإنه يساهم، إلى حدٍ ما، في الحدِّ من الضغوط التضخمية الناشئة من وفرة (زيادة) كمية النقود في التداول العام، وذلك لأن الإقبال على شراء الحماية التأمينية يعمل على حجز أرصدة نقدية ربما كانت ستنفق على شراء سلع مادية وخدمات أخرى.

 

إن الانخفاض في القوة الشرائية للنقود، من المنظور التأميني، يترجم نفسه في زيادة كلفة شراء حماية إعادة التأمين من الخارج (بسبب تدني سعر صرف العملة الوطنية)، وإلى خسارة أو هبوط في قيمة موجودات شركات التأمين، وكذلك هبوط قيمة وثائق التأمين على الحياة (مدخرات المؤمن لهم) وتآكل قيمة الأموال المادية المؤمن عليها وما ينشأ عنها من اختلاف في تسوية مطالبات تعويض الأضرار المادية بسبب التباين في مبالغ التأمين عند ابتداء التأمين وعند تسوية المطالبة.

 

الادخار الفردي لأغراض التقاعد، وخاصة في الاقتصادات الغربية، هو الآخر يتأثر سلبياً من انخفاض القوة الشرائية للنقود إذ يظل هاجس انخفاض معدلات الفائدة في المستقبل وقت بلوغ مرحلة التقاعد عاملاً مؤرقاً للعاملين والعاملات، خاصة مع التحول من نظام التقاعد على أساس المنفعة المحددة defined benefit إلى نظام الاشتراكات defined contribution والاعتماد على الأسواق المالية (أي الاعتماد على أداء استثمارات صناديق التقاعد) في توفير المعاشات التقاعدية.[3]

 

وقد لوحظ في سنوات الحصار الاقتصادي على العراق (2003-1990) هبوط قيمة موجودات شركات التأمين، وخشيةً من استمرار هذا الهبوط بادرت شركات التأمين إلى تحويل جزء[4] من الأرصدة النقدية المتراكمة لديها لشراء الأصول العينية كالعقارات. وقد كتبنا التالي بشأن هذا الموضوع في دراسة سابقة[5] نقتبس منه ما يلي:

 

أدت العمليات العسكرية والعقوبات الاقتصادية وتوسع النظام في طبع النقود الورقية إلى إضعاف قيمة الدينار العراقي. وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن التضخم المفرط أدى إلى تدهور قيمة رأسمال شركات القطاع واحتياطياتها بحيث جعلها مكشوفة للإفلاس إن هي تعرضت لخسائر كبيرة لا تقوى على التعويض عنها اعتماداً على مواردها الذاتية وتلك التي توفرها شركة إعادة التأمين العراقية.[6] لذلك لجأ القطاع مبكراً إلى استبدال الأصول النقدية الآيلة إلى الهبوط الحاد في قيمتها إلى أصول مادية من خلال الاستثمار في العقارات لميل أقيامها إلى الزيادة. ليست هناك معلومات دقيقة موثقة منشورة عن هذا الأمر، ولا على القيود القانونية على الأرصدة النقدية التي يجب على شركات التأمين الاحتفاظ بها في جميع الحالات للوفاء بالالتزامات تجاه حملة وثائق التأمين، ونسبة الاستثمارات العينية وما يمكن استثماره في أسهم الشركات التجارية وغيرها.

 

حسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن المحفظة الاستثمارية للشركات الحكومية الثلاث (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية) تضم الفقرات التالية وبنسب متباينة: عقارات، أوراق مالية حكومية وغير حكومية، إيداعات في البنوك، قروض مضمونة (وأخرى غير مضمونة)، أسهم وودائع داخل وخارج العراق. والمعروف عن الشركات الثلاث أنها تمتلك مباني عديدة بعضها مستخدمة كمقرات لها والبعض الآخر مؤجر للغير.

[3]   تخفيض الضرائب والطلب على التأمين

 

يتناول المؤلف في المبحث الثاني من المحور الرابع في الكتاب (ص 108-114) وسائل السلطات النقدية في التأثير على سرعة تداول النقود، ويحصر هذه الوسائل بالآتي: زيادة الانفاق الحكومي، تخفيض الضرائب، إعادة تسديد الدين العام، تخفيض معدلات الفائدة، الاقناع الأدبي والدعاية، إزالة القيود على الشراء بالأقساط، توفر “السلع المغرية، والزيادة في تكرار المدفوعات.

 

تناولنا تأثير معدلات الفائدة في الفقرات الأولى من هذه الورقة، وسنحصر التعليق هنا بتخفيض الضرائب. وبهذا الشأن، ودائماً ضمن موضوع سرعة تداول النقود، يقول المؤلف:

 

إن أي تخفيض في الضرائب المباشرة – دون أن يرافقها تخفيض مماثل في الانفاق العام – ستعمل على رفع القوة الشرائية لأفراد المجتمع… كما أن تخفيضاً في الضرائب غير المباشرة، حيث سيغري الانخفاض في الأسعار الأفراد إلى الشراء والانفاق. على سبيل المثال، قيام الدولة بتخفيض ضريبة المشتريات (على السيارات مثلاً) الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها. (ص 111)

 

لا توجد ضرائب على إصدار وثائق التأمين في العراق، كما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبية.[7] هناك فقط، في الوقت الحاضر، جباية لرسم الطابع، بنسب مختلفة، على وثائق التأمين على الحياة والحوادث الشخصية، والتأمين البحري، والتأمين غير البحري.

فرض الضريبة أو زيادتها على وثائق التأمين قد تدفع باتجاه التقليل من الطلب على شراء الحماية التأمينية، مثلما قد يؤدي إلغاء الضريبة أو التقليل من نسبتها إلى زيادة الإقبال على الانفاق على الحماية التأمينية. ما لم يكن شراء التأمين إلزامياً فإن زيادة الضريبة على وثائق التأمين تؤثر سلبياً على شراء التأمين وقد يدفع باتجاه التهرب والتغاضي عن التأمين. بالطبع، هناك عوامل عديدة تؤثر على شراء الحماية التأمينية والضريبة المفروضة عليها هي واحدة منها إلى جانب حجم الدخل النقدي المتوفر لدى الأفراد، وتأصل أعراف التدبر تجاه ما يخبئه المستقبل، وترجيحات تكلفة الفرصة opportunity cost وغيرها.

وتتمتع وثائق التأمين على الحياة بمعاملة تفضيلية من قبل دوائر الضريبة، فالمبالغ التي تدفع للمستفيدين من وثيقة التأمين، مثلاً، لا تخضع غالباً للضريبة.

 

وبالنسبة لشركات التأمين فإن أقساط التأمين المكتسبة تخضع للضريبة (صافي الأرباح الاكتتابية)، وكذلك عوائد الاستثمار، ونتائج الأعمال السنوية. وهناك رسوم أخرى تدفع لديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية وغيرها، وهي مصدر شكوى البعض.[8]

 

[4]   التأمين كمؤسسة مالية وسيطة غير مصرفية

 

يكتب المؤلف تحت عنوان ثانوي، التطورات المؤسسية في الأسواق النقدية، ما يلي:

 

ويُشار بهذا الصدد إلى النمو الواسع والمضطرد في “المؤسسات المالية الوسيطة غير المصرفية* Nonbank Financial Intermediaries في الاقتصادات الصناعية من منتصف الخمسينات كأحد العوامل التي أضعفت من فاعلية السلطات المركزية في السيطرة على المعروض النقدي لما تتمتع به من مطلوبات هذه المؤسسات من سيولة عالية بحيث “أتاحت للجمهور” منفذاً جديداً وفعالاً للاقتصاد بأرصدته النقدية إذ بدلاً من الاحتفاظ بأرصدتهم النقدية عاطلة يمكن للجمهور من تحويلها إلى الالتزامات التي تصدرها هذه المؤسسات (ودائع الادخار، حصة في مؤسسات الادخار والإقراض، بوالص التأمين … الخ) والتي تدر عائداً كبيراً من ناحية كما يمكن قلبها إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة أو خسارة ممكنة من ناحية أخرى. (ص 121)

 

* ويذكر في هامش بأن أهم المؤسسات الوسيطة غير المصرفية “مؤسسات الادخار thrift institutions مثال ذلك بنوك الادخار، مؤسسات الادخار والإقراض بالإضافة إلى اتحادات الائتمان وشركات التأمين، والتي تعمل “كوسيط” في نقل الأرصدة النقدية من المقرضين النهائيين (الدائنين النهائيين) إلى المقترضين النهائيين.

 

تُصنف شركات التأمين والصناديق التقاعدية والتبادلية وغيرها كمؤسسات مالية وسيطة غير مصرفية. سنحصر تعليقنا فيما يلي بشركات التأمين. لقد شهدت العقود الأخيرة قبل الألفية الثانية قيام شركات إعادة التأمين الكبرى ووسطاء التأمين في المراكز العالمية للتأمين، كسوق لندن وبرمودا، ابتكار وتطوير أدوات بديلة لتحويل الأخطار alternative risk transfer (ART) خارج الأنماط التقليدية لآليات التأمين. وقد أنصبَّتْ هذه الأدوات على التعامل مع الأخطار الكبيرة ذات الطبيعة الكارثية، كالزلازل والفيضانات والمسؤوليات القانونية كتلك المرتبطة بالأسبستوس التي تعود أصولها إلى ما قبل النصف الثاني من القن العشرين، التي ولَّدت خسائر لشركات التأمين تقدر بعدة مليارات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. لم يكن ابتداع الوسائل لتمويل الخطر risk financing ضمن الآليات التقليدية كافية، كخيارات تجزئة مبالغ الأخطار الكبيرة المؤمنة إلى شرائح layered options وغيرها لتسهيل تغطيتها بأسعار اقتصادية معقولة. وهكذا نشأ التحول نحو الاستفادة من سوق رأس المال (استخدام السندات bonds لتغطية الخسائر المترتبة على الكوارث، وخيارات البيع المستقبلية futures/put options) والتوريق الذي بدأ في سبعينيات القرن الماضي[9] securitization وغيرها.[10]

 

وعلى مستوى الأفراد كانت جمعيات بناء المساكن تمارس دورها في تقديم القروض لشراء دور السكن ثم بدأت في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، في بريطانيا، بتقديم خدمات مصرفية للأفراد. واستمر التداخل بين العمل المصرفي والتأميني حتى أن المصارف أخذت تمارس نشاطاً تأمينياً bancasssurance (بدأ في فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي وانتشر في أوروبا وخارجها). وبذلك أصبحت البنوك قنوات توزيعية مهمة للمنتجات التأمينية، مثلما أخذ بعض البنوك بممارسة التأمين المباشر والبعض الآخر أسس كيانات لوساطة التأمين خاصة بها. وقد شهدت بعض البلدان العربية تبني نموذج التأمين عبر المصارف.

 

ويذكر المؤلف، فيما يخدم أطروحته في سرعة تداول النقود، الميل المتزايد لدى “الجمهور” لتحويل الأرصدة النقدية إلى المؤسسات غير المصرفية لقاء الالتزامات التي تقدمها (ودائع الادخار، حصة في مؤسسات الادخار والإقراض، بوالص التأمين … الخ). (ص 121). ما يعنينا هنا هو الإشارة إلى وضع بوالص التأمين بين هذه الالتزامات التي “تدر عائداً كبيراً من ناحية كما يمكن قلبها إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة أو خسارة ممكنة من ناحية أخرى.” إقحام بوالص التأمين هنا ربما أنصبَّ على بعض وثائق التأمين على الحياة التي تتضمن عنصراً ادخارياً مرتبطاً أيضاً بالأرباح التي تحققها شركة التأمين على استثماراتها لصندوق أقساط التأمين، وكذلك صندوق التقاعد الفردي المربوط بأرباح الشركة. وخلاف ذلك فإن وثائق التأمين لا تدر العوائد لحَمَلتها

 

أما موضوع قلب بوالص التأمين إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة ممكنة، فهو يحتاج إلى تكييف بسبب وجود ضوابط على هذا القلب، أي إلغاء بوالص التأمين، إذ أن ما يحصل عليه حامل البوليصة من قسط التأمين الذي سدده ابتداءً أو على دفعات لا يعادل هذا القسط بالكامل ذلك لأن شركة التأمين تتكبد مصاريف إدارية في الاكتتاب وفي إصدار بوليصة التأمين، كما أنها تكون مسؤولة عن تعويض حامل البوليصة عن الضرر أو الخسارة المُبلَّغ عنها قبل تاريخ قيامه بإشعار شركة التأمين بالإلغاء. ومن المعروف أن معظم بوالص التأمين تُطبق ما يُعرف بجدول المدة القصيرة Short Rate Cancellation Table.

 

[5]      ضيق نطاق الأسواق النقدية والمالية واستثمارات شركات التأمين

 

تحت هذا العنوان الثانوي يذكر المؤلف أن هذه الأسواق في البلدان النامية تتميز “بالضيق والذي يرجع إلى قلّة التعامل بالأوراق التجارية، وقلة ما يصدر من أذونات الخزينة، واقتصار الأسواق المنظمة فيها أساساً على البنوك التجارية …” ويلاحظ بالنسبة لسوق رأس المال “محدودية البائعين والمشترين – مما يفيد انخفاض حجم المبادلات – غياب المتعاملين الذين يتحملون مخاطر تقلبات القيمة الرأسمالية للسندات.” ويلاحظ المؤلف أيضاً “أن أكثر من 80% من السندات [الحكومية] القابلة للتداول في الأسواق يحوزها البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين …”[11] [التأكيد من عندي]

 

ما الذي يدفع شركات التأمين لحيازة السندات الحكومية؟ أولاً، عنصر الضمانة العالي لهذه السندات. وثانياً، سهولة بيعها في أسواق المال للحصول على السيولة النقدية المطلوبة لتعويض المطالبات الكبيرة عندما تكون الموارد النقدية داخل الشركة غير كافية. ويمكن وضع الموضوع في إطار القيود المفروضة على السياسة الاستثمارية لشركات التأمين. وقد كتبنا في دراسة سابقة عن:

 

“التقلبات في نتائج الأعمال نتيجة لخبرة الخسارة المتغيرة. وهذا يتطلب من شركة التأمين الإبقاء على احتياطات كبيرة زيادة عن احتياطاتها الفنية، إذ أن الأموال المتجمعة لديها يمكن أن تكون عرضة للنضوب خلال فترة زمنية قصيرة بسبب المطالبات بالتعويض (بعد كارثة مثلا). يقتضي مثل هذا الواقع من شركة التأمين الإبقاء على أموالها في حالة سيولة معقولة: كأن تكون بهيئة ودائع مصرفية قابلة للسحب الفوري أو سندات قصيرة الآجل يمكن تسييلها دون التعرض لخسارة كبيرة.

 

هناك بالطبع اعتبارات عديدة حول المفاضلة بين الأصول المالية القابلة للتسويق. فالمعروف أن الإبقاء على الأصول بهيئة نقد لا يوفر عائداً لشركة التأمين. كما أن الاستثمار في السندات الحكومية يكون مردوده محدوداً. مقابل ذلك فإن الاستثمار في الأسهم يمكن أن يوفر مكاسب رأسمالية capital gains لا تخضع للضريبة إلا عند تحقق هذه المكاسب. مثل هذا الاستثمار ينطوي على المخاطر التي تطرأ على سوق الأسهم، وهي ضمن قابلية التسويق الفوري تعتبر غير مناسبة لشركة التأمين. ولهذا فإن بعض شركات التأمين تميل إلى تنويع محافظها الاستثمارية كي تستطيع مواجهة التعويضات والحصول على عوائد معقولة.

 

ومن القيود التي تفرض نفسها على الاستثمار إمكانية انخفاض دخل أقساط التأمين. إن تقلص حجم الأعمال المكتتبة، لأي سبب كان، يعني أن التدفق النقدي لشركة التأمين لن يكون كافياً لبناء الاحتياطيات والاستثمار.

 

هناك القواعد الرقابية الانضباطية التي تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية.[12] وهذا يعني إخضاع أصول الشركة لقواعد التقييم الرقابية كوضع حد أو سقف للأصول المالية التي يمكن للشركة أن تحتفظ بها والتي تتعرض لتقلبات كبيرة كالأسهم والسندات الطويلة الأجل والأصول العينية دون الإضرار بالسيولة النقدية للشركة كي تستطيع تسديد التعويضات في أوانها.

 

إضافة إلى ذلك يتوجب على شركة التأمين أن تأخذ بنظر الاعتبار النمو المتوقع في حجم الأعمال. فالتباطؤ في معدل النمو قد يؤدي إلى نتائج سلبية على التدفق النقدي. مقابل ذلك فإن المعدلات العالية في نمو حجم الأعمال لها مشاكلها الخاصة فقد تؤدي إلى مشاكل في تمويل الاحتياطيات الفنية (التي يجب تأسيسها) وكذلك زيادة هامش الملاءة المالية.

 

كما أن شركة التأمين قد تواجه عدم توفر حماية إعادة التأمين لأسباب عديدة: عدم توفر الطاقة الاستيعابية للمحافظ الاكتتابية للشركة، انسحاب شركات إعادة التأمين من الاكتتاب في بلد معين بسبب عدم الاستقرار …إلخ.

 

إن المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين ليست متجانسة بسبب طبيعة الأعمال التي تكتتب بها. فالعقود التي تكتتبها شركات التأمينات العامة ذات آجال قصيرة، وعادة تمتد لسنة واحدة، في حين أن عقود شركات التأمين على الحياة قد تمتد لعدة عقود. وبفضل القدرات الاكتوارية المتوفرة لها تستطيع التنبؤ بحجم المسؤوليات التعاقدية التي تترتب على أعمالها بدقة أكبر من شركات التأمينات العامة، وبالتالي تستطيع توظيف احتياطياتها في أدوات مالية ذات أجل أطول.”[13]

 

[6]   السوق النقدية المنظمة، الوعي المصرفي/الوعي التأميني، النضج المالي/النضج التأميني

 

السوق النقدية المنظمة وغير المنظمة وموقع التأمين فيها

يُميّز المؤلف بين السوق النقدية المنظمة والسوق النقدية غير المنظمة. فالسوق النقدية المنظمة تشتمل “عادة على البنك المركزي والمصارف التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مثل شركات التأمين.” وهذه تخضع لقوانين تحكم نشاطها من حيث التأسيس، وحجم رأس المال المطلوب، ورخصة مزاولة العمل ومؤهلات العاملين وغيرها. في حين أن السوق النقدية غير المنظمة “غير متجانسة، حيث تضم المرابين والتجار وأصحاب المتاجر، الأصدقاء والأقرباء، ملاك الأراضي، والذين يخرجون عن نطاق التحكم والرقابة المباشرة للبنك المركزي.” (ص 127-128).

 

ويلاحظ أن السوق غير المنظمة، على العموم وعلى شاكلة اقتصاد الظل أو السوق السوداء، تكاد أن تكون غير موجودة في قطاع التأمين[14] نظراً لطبيعة “السلعة” التأمينية غير المنظورة (وعد مستقبلي بالتعويض عن خسارة أو ضرر مادي قد يحصل أو لا يحصل في المستقبل)، وطبيعة الإنتاج التأميني الذي يوصف بأنه قلب أو عكس دورة الإنتاج inversion of the production cycle، فشركات التأمين تبيع منتجاتها وتستلم قسط التأمين عنها مقدماً قبل فترة من إنتاج السلعة المتمثل بتسوية وتسديد المطالبة بالتعويض. وبهذه الصفة فإن السلعة التأمينية ليست ذات جاذبية في السوق غير المنظمة، إذ أن الأنشطة غير المشروعة تقوم على البيع والربح والاستهلاك الاني وليس الانتظار للانتفاع من موضوعها في المستقبل.

 

الوعي المصرفي/الوعي التأميني

يقدم المؤلف عرضاً عن الوعي المصرفي ينطبق برأينا على قطاع التأمين فهو يقول:

 

إن النظام المصرفي في اقتصاد ما ينمو عندما تتأصل العادة المصرفية أو الوعي المصرفي في نفوس الأفراد وعندما تنتشر المؤسسات المصرفية في شتى ربوع البلاد في الاقتصادات التي يوجد فيها قطاع خاص “وأن ما يراد بالوعي المصرفي” هو زيادة ميل الأفراد الى التعامل مع البنوك بفتح حسابات إيداع مختلفة …” (ص 129-130)

 

وبتطبيق معطيات هذا العرض يمكن القول إن نظام التأمين يأخذ بالنمو عندما تتأصل العادة التأمينية أو الوعي التأميني، بعيداً عن القيم العشائرية (كالتسوية العشائرية لحوادث السيارات الذي بدأ في عهد الدكتاتورية وما يزال مستمراً)؛ وعندما تنتشر شركات التأمين وفروعها والوكالات والمنتجين في ربوع البلاد؛ وأن ما يراد بالوعي التأميني هو زيادة ميل الأفراد إلى التعامل مع شركات التأمين بشراء وثائق التأمين منها. والصورة الأخرى لهذا الوعي التأميني هي عادة التدبر للمستقبل.

 

هذا التطابق بين الوعي المصرفي والتأميني لا يستنفد مكونات الوعي التأميني، وبالأحرى الثقافة التأمينية. وقد كتبت في مكان آخر[15] ملاحظات بهذا الشأن يمكن أن تكون نواة لدراسة موسعة:

 

“يرُجِع البعض تدني الوعي التأميني إلى الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والغزو العراقي للكويت (1990) وما تبعه من تحرير الكويت، والغزو الأمريكي للعراق (2003). ويمكن أن نضيف إليها سنوات العقوبات الدولية (2003-1990) التي ساهمت بشكل مباشر في تآكل دخل المواطنين وإفقارهم بحيث صار شراء الحماية التأمينية ترفاً لا يقدر عليه إلا قلة منهم. لكن هذه الإحالة لم تقترن بدراسة موثقة تجمع بين السبب والنتيجة إذ أنها وردت في سياق مقابلات صحفية سريعة، وغالباً ما يتركز التعليل على مقارنة بين الوضع القائم وما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي. لا تتوفر لدينا الإحصائيات لقياس مستوى الوعي التأميني في تطوره التاريخي فهذه مهمة بحثية تقع خارج إمكانياتنا الحالية.

 

يتعين علينا أن نتذكر بأن التأمين سلعة غير منظورة، هو وعدٌ بتعويض المؤمن له في المستقبل إن تعرَّض هو أو أسرته أو أمواله إلى ضرر. معظم الناس لا يستشعرون الحاجة لمثل هذا الوعد دونكم توفر القدرة المالية لديهم على شراء هذا الوعد. هم أكثر قناعة، بفعل الموروث الديني، وبقراءة سلبية له، بالقبول بالقضاء والقدر: “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.” (سورة التوبة، الآية 51)

 

ديوان التأمين مُلزم بقوة القانون للقيام بدوره في مجال زيادة الوعي التأميني. فقد جاء في المادة 6-البند 4 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 أن الديوان يهدف إلى:

 

تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:

 

زيادة الوعي التأميني وإجراء الدراسات والبحوث التأمينية وطباعتها.

 

المعلومات المتوفرة لا تدل على أن الديوان قد قام بتنفيذ مهمة زيادة الوعي، أو إجراء الدراسات والبحوث التأمينية، وهذه من شأنها أن توسع دائرة الاهتمام بالتأمين خارج نطاق شركات التأمين.

 

ومن رأي أن ديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية، التي تمثل شركات التأمين، ليس لديها برنامج خاص بنشر ثقافة التأمين. صحيح أن بعض الشركات تلجأ إلى الإعلان التجاري أو الاتصال ببعض الشركات والمنظمات بهدف بيع وثائق التأمين لها أو التعاون معها بهذا الشأن فيما يخص أعضاء هذه التنظيمات، إلا أن هذا الجهد ينصبُّ على التعريف بشركة التأمين وبمنتجاتها من وثائق التأمين. وهذا الجهد يقابله ما تقوم به جمعية التأمين من خلال الندوات والمحاضرات التي تنحصر فائدتها بمنظميها وبعض المشاركين فيها.

 

فقر ثقافة التأمين يعكس نفسه في ضعف وربما أحياناً غياب الحملات الإعلانية المركزة، والمتخصصين الاستشاريين في شؤون التأمين، أو المحامين المتخصصين في تفسير عقود التأمين، ومقيّمي الأصول لأغراض التأمين، والكاشفين على الأخطار المعروضة للتأمين (ومعظم هؤلاء لا يرقون في مهاراتهم الفنية إلى ما هو متوقع منهم مهنياً وبالمقارنة مع ما هو متوفر عالمياً)، والصحفيين الذين يتمتعون بمعرفة تأمينية رفيعة.

 

ويجد هذا الفقر انعكاساً له في غياب مجلة تأمينية إلكترونية أو ورقية بعد توقف مجلة (رسالة التأمين) أواخر ثمانينيات القرن الماضي. مثلما ينعكس في غياب حملات أسبوعية أو شهرية، حسب الحاجة، لترويج منتجات تأمينية محددة. (لم تقم أية شركة لتأمين بنشر المعرفة عن تأمينات الحياة من خلال حملات خاصة للتوعية. مثال ذلك شريط فيديو للتوعية بتأمينات الحياة). وكذلك إجراء مسح ميداني حول الموقف من الخطر (الخطر الطبيعي، الخطر في المسكن وفي موقع العمل)، والوسائل التي يلجأ لها الناس للتدبر ضد آثار الخطر، ومكانة التأمين ضمن هذه الوسائل … الخ.

 

ونجده أيضاً بالحضور الضعيف أو الغائب عند وقوع حوادث كبيرة، قد تكون لها تداعيات تأمينية، كاحتلال داعش للموصل، وحادث التفجير الإرهابي في الكرادة، أو حوادث تفجير/انفجار عدد من آبار النفط. كما نجده في الصمت المطبق من قطاع التأمين عند وضع مشاريع لقوانين لها آثار تأمينية على سبيل المثل، مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي. كما أن قطاع التأمين غائب عند إعداد موازنة الحكومة. ثم أن علاقة شركات الـتأمين والجمعية والديوان بوكالات الأنباء والصحف ضعيفة ويباشرها الصحفيون. وأكاد أن أجزم أن شركات التأمين والجمعية والديوان ليس له موظف مختص لإصدار البيانات الصحفية عن شؤون عامة ذات علاقة بالتأمين، أو إطلاق منتج تأميني، أو تنظيم فعالية معينة. بعبارة أخرى، فإنها تفتقر إلى التواصل مع الجمهور، ومع الشركات الصناعية والتجارية، والدوائر الحكومية وغير الحكومية.

 

وباختصار، فإن التأمين يكاد أن يكون غائباً في الحياة العامة إلا من خلال شراء نسبة صغيرة من السكان لوثائق التأمين، وهو موضوع يستحق من يبحث فيه. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الوعي بمؤسسات أخرى للدولة الحديثة لا تقتصر على التأمين بل تشمل أيضاً، على سبيل المثل، ما يمكن تسميته بضعف/غياب الوعي الضريبي.”

 

النضج المالي/النضج التأميني

يرتبط الوعي المصرفي/الوعي التأميني بأطروحة أخرى للكاتب ربط فيها “سرعة التداول الداخلية للنقود في البلدان العربية” بما اسماه “درجة النضج المالي Financial Deepening لهذه الأقطار.” يقول المؤلف في ص 141 نقلاً عن د. عبد المنعم السيد علي (دور الجهاز المصرفي والبنك المركزي في تنمية الأسواق المالية في البلدان العربية، دراسات استراتيجية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 16، أبو ظبي، 1988، ص 29-30)، “إن النضج المالي لاقتصاد ما يكمن [يمكن] قياسه من خلال المؤشرات التالية:

 

  1. أن يتوافر جهاز مصرفي واسع ذو موجودات لا تقل عن عشر الثروة القومية.
  2. أن ينجز قسم كبير من الأعمال عن طريقة مشروعات أو شركات مساهمة، مع فوائد عالية على السندات من الصنف الممتاز.
  3. ألا يقل متوسط الادخار غير الموزعة مصدراً أساسياً لتمويل التوسع في المشروعات.
  4. أن تشكل الأرباح غير الموزعة مصدراً أساسياً لتمويل التوسع في المشروعات.”

 

يمكن الاستفادة من هذه المؤشرات تأمينياً لتقييم النضج المالي للاقتصاد الوطني من خلال دراسة: توفر نظام تأميني واسع بأشكال مختلفة (عامة، خاصة، تعاونية، تبادلية/تكافلية)، يقوم بالتأمين على الأصول القائمة بأنواعها والمشاريع المختلفة تحت الإنشاء والمسؤوليات القانونية والتعاقدية، ويساهم في الاستثمارات، ضمن القواعد الرقابية المكيفة لعمل شركات التأمين، ويخلق المنتجات التي تساهم في تعظيم الادخار الفردي.

 

إضافة لمثل هذا الدراسة يمكن تقييم النضج المالي، وتحديداً مساهمة التأمين فيه، من خلال مؤشرين أساسين هما التغلغل التأميني والكثافة التأمينية بالاستفادة من البيانات الخاصة بعدد السكان والناتج المحلي الإجمالي وأقساط التأمين المكتتبة. لقياس التغلغل التأميني يُنسب دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر يكشف مكانة التأمين في الاقتصاد الوطني فإذا ارتفعت هذه النسبة كان ذلك دليلاً على تزايد سرعة نمو قطاع التأمين مقارنة مع سرعة نمو الاقتصاد الوطني. أما الكثافة التأمينية فهي تؤشر على ما ينفقه الفرد على شراء الحماية التأمينية ويُمثّل ذلك بنسبة إجمالي أقساط التأمين المتحققة إلى عدد السكان.

 

 

 

 

[7]   من باب الختام – دراسة التأمين ضمن عناصر النظام المالي في العراق

 

من المعروف أن النظام المالي، وخاصة في الاقتصادات المتطورة، يضم عناصر عديدة: مؤسسات مالية (مصارف ومؤسسات مالية غير مصرفية)، أسواق المال (الأسواق التي يتم فيها تداول الأوراق المالية والسلع والأصناف القابلة للاستهلاك)، الأدوات المالية (موجودات مالية قابلة للتداول بما فيها المشتقات)، الخدمات المالية (الاتحادات الائتمانية، والبنوك، وشركات بطاقات الائتمان، وشركات التأمين، وساطة الأوراق المالية، وصناديق الاستثمار)، والهياكل المالية التحتية (الأنظمة التي تسهل حركة تسديد الالتزامات الآلي أو عبر المصارف والتحويل والمقاصة). والمعروف أيضاً أن شركات التأمين تحتل مكاناً ضمن المؤسسات المالية الوسيطة غير المصرفية، مثلما تصنف ضمن الشركات التي تتعاطى بالنقود وإدارتها. وقد تعرضنا إلى موضوع التداخل بين العمل المصرفي والتأميني.

 

النظام المالي في العراق ليس متطوراً ولا يتميز بالتعقيد في الوقت الحاضر، ونتمنى أن يقوم أحد الباحثين بدراسة مكانة التأمين ضمن هذا النظام ليكشف طبيعة ما هو قائم والدور المتوقع للتأمين ضمن هذا النظام وبخاصة في مجال التداخل والتقارب بين المصارف وشركات التأمين.

 

ومن المفيد التذكير هنا بأن القطاع المصرفي بحاجة إلى الحماية التأمينية من خلال الوثيقة المصرفية الشاملة Bankers Blanket Bond وتأمين الأخطار السِيبرانية Cyber Risks الآخذة بالنفاذ في التعاملات المالية تاركة وراءها خسائر مختلفة مادية ومعنوية على المصارف وعلى مصالح العملاء. وهذا موضوع يستحق هو الآخر بحثاً مناسباً.

 

9 أيار 2017

[1] لهب عطا عبد الوهاب، سرعة تداول النفود بين النظرية الاقتصادية والتطبيق العملي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999).

[2] فيما يخص النظرة المستقبلية السلبية أنظر:

https://www.moodys.com/research/Moodys-Low-interest-rates-market-volatility-change-global-life-insurance–PR_359018

حيث يرد في توقعات وكالة التصنيف “موديز” فيما يخص مخاطر الائتمان الرئيسية لشركات التأمين على الحياة ما يلي:

“historically low interest rates will remain the primary credit risk for global life insurance companies in 2017, continuing to depress the sector’s investment returns and profitability, and being the main driver for the outlook change to negative …”

أنظر أيضاً:

https://www.theguardian.com/business/2016/oct/05/low-interest-rates-pose-solvency-risk-to-insurers-and-pension-funds

 

[3] باتريك م. ليدتكي، كي-أووي شانز، التخطيط للتقاعد: التحديات والحلول التأمينية (بيروت: منتدى المعارف، 2015). ترجمة: تيسير التريكي ومصباح كمال.

 

[4] القيود الرقابية المفروضة على شركات التأمين تستوجب احتفاظها بسيولة نقدية مناسبة لمواجهة طلبات التعويض إذ أن تسييل الأصول العينية يستغرق وقتاً في حين أن المطالبات بالتعويض تستدعي التسوية الآنية والسريعة.

 

[5] مصباح كمال، “التأمين وعقوبات الأمم المتحدة”، فصل في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 82.

 

[6] في موازاة ذلك فإن عقود تأمين الحياة هي الأخرى تعرضت لهبوط حاد في أقيامها، وبالتالي فإن المؤمن عليهم هم الخاسرون الحقيقيون. ولا تتوفر لدينا معلومات عن قيام شركات التأمين بإعادة تقييم مبالغ التأمين، وعدد الوفيات وما ترتب عليها من تعويضات للورثة المستحقين أو المستفيدين من عقود التأمين على الحياة.

 

[7] بدأ تطبيق نظام جباية ضريبة على وثائق التأمين في المملكة المتحدة عام 1994 بواقع 2.5% واعتباراً من 1 حزيران/يونيو 2017 ستكون الضريبة 12% وتضاف إلى قسط التأمين.

[8] سعدون مشكل الربيعي، شركات التأمين الخاصة وقطاع التأمين العراقي (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 46. نشر ككتاب إلكتروني وهو متوفر بصيغة بي دي إف لدى كاتب الورقة لمن يرغب الحصول على نسخة منه.

[9] Securitization – new opportunities for insurers and investors, Swiss Re: sigma, No. 7/2006.

[10] Alternative Risk Financing: Changing the Face of Insurance (London: Jim Bannister Development Limited in association with Aon Group and Zurich International, 1998),

[11] لهب عطا عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 126.

[12] بسبب طبيعة العمل الذي تقوم به شركة التأمين ـ الالتزام بالوفاء بما تعاقدت عليه مع المؤمن له لتوفير الأمان المالي له أو لورثته في المستقبل عند وقوع حادث معين تصبح الملاءة المالية للشركة مسألة في غاية الأهمية. ولذلك يلجأ المُشرّع إلى تعريفها بصرامة قد لا تنطبق على الشركات التجارية الأخرى. ولهذا لن يكتفي التشريع أن تكون أصول الشركة كافية لتغطية المسؤوليات المتعاقد عليها بل يجب أن تزيد بهامش معين، وحسب معادلات معينة عن الأقساط والتعويضات، وخلافاً لذلك فإن شركة التأمين تُجبر على تصفية أعمالها وتتوقف عن الاكتتاب بأعمال جديدة. أنظر:

Jim Bannister, Insurance Solvency Analysis (London: LLP Ltd, 1997)

 

[13] مصباح كمال، التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 26-28.

 

[14] نجد أشكال أولية لنشاطات اجتماعية ذات طابع تعاوني تضم بعض عناصر التأمين، كالبر بالوالدين، و”العونه” وقت الأضرار التي تحدثها عوامل الطبيعة، وما يعرف ب”ﮔعقدة العرب”.

 

اقتصاد الظل هو اقتصاد خفي غير رسمي وغير معلن يضم الأنشطة غير المدرجة في الحسابات القومية أو غير الخاضعة للرقابة والمتهربة من الضرائب، وهي بهذه الصفة أنشطة غير مشروعة.

[15] مصباح كمال، “مقابلة حول النشاط التأميني في العراق،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/01/Interview-Al-Sabah-with-Misbah-Kamal-final.pdf

Letter from Abdulbaki Redha on Abolition of Insurance Agencies in the 1960

من رسائل الأستاذ عبد الباقي رضا

 

تطورات موضوع إلغاء وكالات التأمين واستبدالها بنظام المنتجين

 

 

تقديم

 

يسرني أن أنشر نص رسالتين من الأستاذ عبد الباقي رضا والأستاذ بهاء بهيج شكري، بعد الحصول على موافقتهما، يخص موضوع إلغاء نظام وكالات التأمين واستبداله بنظام المنتجين بعد صدور قرار تأميم شركات ووكالات التأمين في 14 تموز 1964. وقد كان هذا الموضوع مثار نقاش، وربما سوء فهم، بين أركان التأمين العراقي آنذاك لوظيفة توزيع المنتجات التأمينية والقنوات المناسبة لها. النصين المنشورين هنا يوفران خلفية أولية لمناقشة الموضوع. وأظن بأن د. مصطفى رجب سيدلو بدلوه أيضاً خاصة وأن الأستاذ عطا عبد الوهاب تعرَّض لموقف الدكتور من الوكالات ونظام المنتجين في كتابه سلالة الطين.[1]

 

آمل استلام المزيد من المعلومات عن هذا الموضوع تمهيداً لمناقشته في سياقه التاريخي. وقد ذكر لي الأستاذ بهيج في رسالة قصيرة له مؤخراً “ان الموضوع يحتاج إلى بحث أكثر تفصيلاً من النواحي القانونية والفنية والإدارية، وربما أجد الوقت لإعداد بحث كهذا في المستقبل القريب.”

 

مصباح كمال

27 آذار 2017

 

 

رسالة الأستاذ عبد الباقي رضا

 

1 آذار 2017

 

عزيزي الأخ الوفي الأستاذ مصباح

 

صباح الخير

 

توضيحاً لتطورات موضوع الوكالات[2] أروي لك الاحداث كما أتذكر. مع قرارات التأميم في 14/7/1964 تولى الأستاذ عطا عبد الوهاب إدارة التأمين الوطنية، وكان يشغل قبلها إدارة شركة بغداد للتأمين. حين صدر قرار تعيينه ضمن التعيينات الجديدة كان خارج العراق والتحق بإدارة التأمين الوطنية فور عودته واستمرت حتى 31/1/1966. واستمر الدكتور مصطفى رجب في إدارة شركة اعادة التأمين العراقية. كان لهما دور أنشط وأعلى في شؤون المؤسسة العامة للتأمين في عهد رئاسة المرحوم طالب جميل للمؤسسة لقدمهما في الخدمة وعلاقتهما الشخصية برئيس المؤسسة حيث كان بقية المدراء العامين، من أمثالي، مستجدين في مراكزهم الجديدة ويفتقرون إلى ميزة العلاقات الشخصية وتأثيرها.

 

تقرر إلغاء الوكالات بناء على دراسة مقدمة من الأستاذ عطا والدكتور مصطفى لا أتذكر اني اطلعت عليها أو عرفت مضمونها.

 

استقال المرحوم طالب جميل من رئاسة المؤسسة وبعد فترة قصيرة تولى رئاستها وكالةً الدكتور خالد الشاوي لفترة وجيزة ثم عين المرحوم كليمان شماس رئيساً أصيلاً.

 

كان تغيير وزاري قد حصل بتعيين المرحوم عبد الرحمن البزاز رئيساً للوزارة التي جاءت بسياسات مختلفة في الجانب الاقتصادي، وكان اختيار الشماس من القطاع الخاص أحد مؤشراتها فقد كان الشماس يعمل في وكالة شركة يونيون الفرنسية للتأمين[3] منذ أمد غير قصير. في اجتماع مجلس إدارة المؤسسة مساء يوم 31/1/1966، وكنت أحضره باعتباري مدير عام المؤسسة وسكرتير مجلس إدارتها، فوجئنا بطلب رئيس المؤسسة إعادة دراسة موضوع وكالات التأمين بهدف العودة إليها. خلال مناقشة الموضوع ظهر موقف الدكتور مصطفى مؤيداً لرئيس المؤسسة مما أثار غضب الأستاذ عطا. وبعد بعض الأخذ والرد تناول الأستاذ عطا ورقة وكتب استقالته وترك الاجتماع غاضباً ولم تنفع محاولات اقناعه بعدم الانسحاب. بناءً عليه قرر المجلس نقلي من المؤسسة إلى ادارة التأمين الوطنية فامتثلت للقرار وباشرت عملي الجديد في اليوم التالي مباشرة والذي امتد إلى 4/3/1978.

 

بلغني أن الدكتور مصطفى قام بزيارة إلى دار الأستاذ عطا بعد الاجتماع مباشرة لإقناعه بالعدول عن الاستقالة إلا أنه لم يفلح وأصر الأستاذ عطا على موقفه وابتعد عن أي عمل حكومي.

 

لا أتذكر الآن أية تفاصيل عن أسلوب عمل الوكالات أو المنتجين والضوابط التي تنظمه مع الأسف.

 

عوداً إلى قول الأستاذ بهاء (ان عبد الباقي هو الذي وضع القانون العراقي [قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005] بالتعاون مع الخبير الامريكي لشؤون التأمين [Mike Pekins] بالاسترشاد بالقانون الأردني)[4] أود أن أبين الآتي:

 

لم أجتمع بأي خبير أمريكي في شؤون التأمين اطلاقاً ولكني اجتمعت بمن كان متابعاً لشؤون المصارف ثم بالشخص الذي كُلّف بإعادة إحياء سوق الاوراق المالية الذي كان لي دور في إعداد قانونه ثم في تأسيسه وأشغلت عضوية مجلس إدارته كخبير منذ تشكيله في 1992 حتى إيقاف أعماله من قبل الأمريكان سنة 2003. وقد عرض عليَّ منصب (مساعد رئيس الهيئة – Assistant-Commissioner) في هيئة الأوراق المالية التي تأسست بالأمر الموقت رقم 74 لسنة 2004 فسألت عمن سيكون الـ Commissioner الذي أكون أنا مساعده فلم يعجبهم السؤال! ولم أندم على سؤالي.

 

أما قانون التأمين[5] فأتذكر أن مشروعاً عرض عليَّ يوم كان السيد عادل عبد المهدي وزيراً للمالية فكتبت عنه مذكرة طويلة، مع الأسف لم أحتفظ بالمشروع ولا بمذكرتي، وحيث تسنى لي فيما بعد الاطلاع على القانون الأردني الذي وجدته أفضل من المشروع تكلمت مع الصديق السيد عدنان الجنابي الذي كان يشغل منصب وزير دولة – على ما أتذكر- في وزارة الدكتور أياد علاوي – وهو نائب حالياً – وبيَّنتُ له أفضلية اعتماد القانون الأردني وتعريقه بما ينسجم مع متطلباتنا وصياغاتنا القانونية. نُقل هذا الرأي إلى الدكتور علاوي فقبل به وكلفني العمل عليه مع الدكتور فاضل محمد جواد الذي كان قد عين تواً مستشاراً قانونياً في مجلس الوزراء (يعمل حالياً في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية). في هذا الوقت حان موعد سفري إلى الولايات المتحدة فسلمت ما عندي إلى الدكتور فاضل ليقوم هو بالمهمة. إلى هنا انتهى دوري بالنسبة لقانون التأمين العراقي.

 

أكرر مع الاعتذار اني لا أتذكر أية تفاصيل عن نظام المنتجين فقد مضى عهد طويل على تركي إدارة الشركة.

 

أتمنى لك التوفيق في جهدك الفريد في (نبش) تاريخ قطاع التأمين واستخراج ما غاب منه من الذاكرة، ولك أطيب تحياتي.

 

عبد الباقي

 


 

ملحق 1

رسالة مصباح كمال إلى الأستاذ عبد الباقي رضا

 

أستاذي العزيز عبد الباقي

 

تحية طيبة

 

كما تلاحظ أدناه فقد تخاطبتُ مع الأستاذ بهاء بهيج شكري بشأن نظام الوكالات التأمينية ونظام المنتجين، على أثر رسالة استلمتها منه حول أسباب استقالة الأستاذ عطا عبد الوهاب من شركة التأمين الوطنية وموقف الأخير من هذين النظامين ومن د. مصطفى رجب.

 

أنا مهتم بالجانب التاريخي للموضوع والحجج الاقتصادية والفنية التي كانت وراء إلغاء نظام الوكالات واستبداله بنظام المنتجين.  وبما أن هذا الأخير ارتبط بإداراتك أرى أن تكتب ما يفيد في توضيح خلفيات الموضوع ووضعه في نصابه، كما يقال، وبذلك تملأ فراغاً في تاريخ تطور قطاع التأمين في عهدك.

 

فيما يخص موضوع وكلاء التأمين ووسطاء التأمين ووسطاء إعادة التأمين، كما يرد في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10)، الذي أتى الأستاذ بهاء على ذكره في آخر رسالته، فإن التعليق عليه رهن باختيارك.

 

بانتظار الرد، أتمنى لك أطيب الأوقات.

 

مصباح

27 شباط 2017

 


 

ملحق 2

رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري لمصباح كمال

 

عمان 27 شباط 2017

 

الأخ مصباح المحترم

 

بعد التحية

 

إذا جزء الموضوع حسب اقتراحك فإن المتبقي منه يتعلق بصحة اعتماد نظام المنتجين أو عدم صحته، وهذا موضوع مستقل لا علاقة له بعطا عبد الوهاب فقط وإنما طبقه عبد الباقي رضا أيضاً، لذا يجب أن يكون هذا البحث بحثاً مستقلاً.

 

ولا أخفى عليك فإني اعتقد أن هذا النظام يتعارض مع أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين الذي يفهم من عموم نصوصه أنه لا يجوز لأي شخص طبيعي أو شخصية اعتبارية ممارسة أي نشاط تأميني دون الحصول على ترخيص من السلط المعينة بموجب القانون، علماً بأن المقصود بالوكلاء هم ليسوا وكلاء الشركات الأجنبية بل هم الوكلاء الذين أجيزوا من قبل الديوان بالتعامل مع الشركات العراقية، كوكالة مجيد الياسين مثلاً وغيرها من الوكالات.

 

لهذا فأنا اقترح أن توجه سؤالاً إلى السيد عبد الباقي رضا باعتباره كان مديراً عاماً لشركة التأمين الوطنية، التي تبنت في زمانه نظام المنتجين، عن ماهية هذا النظام والعلاقة الوظيفية والمالية بين المنتج والشركة، وهل يخضع المنتج لشرط الحصول على رخصة ممارسة عمل الوساطة، وهل أن تبني هذا النظام يتفق مع أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين الذي حدد الوسطاء بالوكلاء (Agents) والسماسرة (Brokers) (علما بأن عبد الباقي هو الذي وضع القانون العراقي بالتعاون مع الخبير الأمريكي لشؤون التأمين بالاستشراد بالقانون الأردني). إن إجابة عبد الباقي ستكون باباً للمناقشة والبحث في كلا النظامين، الوكلاء والمنتجين، من الناحيتين القانونية والمالية.

 

هذا هو رأي، مع التقدير.

 

بهاء شكري

[1] كتب د. مصطفى رجب مؤخراً مقالاً بعنوان “حيثيات إلغاء نظام وكالات التأمين وقضايا أخرى – تعليق على ما كتبه الأستاذ عطا عبد الوهاب في كتابه (سلالة الطين) عن فترة عمله في ميدان التأمين” وهذا هو رابط مقالته في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2017/03/31/%d8%af-%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d8%b1%d8%ac%d8%a8-%d8%ad%d9%8a%d8%ab%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%a1-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d9%88%d9%83%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7/

 

[2] أنظر رسالتي إلى الأستاذ عبد الباقي رضا حول موضوع إلغاء وكالات التأمين في الملحق 1 في نهاية هذه الورقة.

[3] كان وكيل شركة يونيون الفرنسية للتأمين L’Union de Paris (أصبحت فيما بعد جزءاً من مجموعة أكسا AXA) هو السيد إدوار فرام الذي يمتد تاريخ وكالته إلى ثلاثينيات القرن العشرين. أنظر: مصباح كمال “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق”، مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/05/1936-19-2012-1936-1936-883.html

[4] أنظر رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري لمصباح كمال بتاريخ 27 شباط 2017 في الملحق 2 في نهاية هذه الورقة.

[5] للتعرف على المزيد من التفاصيل أنظر: مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

Baha’a Baheej Shukri: Letter on the Merger of NIC & IIC

من رسائل الأستاذ بهاء بهيج شكري:

رسالة حول دمج شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية

 

 تقديم

 

كنت قد نشرت ثلاث مقالات[1] في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين حول مشروع دمج شركة التأمين الوطنية العامة وشركة التأمين العراقية العامة، لقيت إحداها بعض التعليقات المهمة من زميلات وزملاء من قطاع التأمين العراقي. وقد كتبتُ هذه المقالات قبل قراءتي للأمر الوزاري الصادر من وزارة المالية برقم 3 بتاريخ 20 آذار 2017. تضمن الأمر الوزاري القصير فقرتين: (1) تكليف السيد صادق عبد الرحمن حسين الخالدي، مدير عام شركة التأمين الوطنية، بمهام رئيس ديوان التأمين وكالة. (2) تكليف السيدة [الآنسة] هيفاء شمعون عيسى، مدير عام شركة التأمين العراقية وكالةً بمهام مدير عام شركة التأمين الوطنية وكالة إضافة لوظيفتها “ولحين دمج الشركتين وفق القانون.” [التأكيد من عندي].

 

وتأتي رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري لتعالج الجانب القانوني لدمج الشركتين وبمقارنة لأحكام دمج شركات التأمين في قانون تنظيم أعمال التأمين الأردني والعراقي. أما لماذا المقارنة بين هذين القانونين فإن الجواب، وكما ذكره الأستاذ بهاء، فهو اقتباس نصوص القانون الأردني وتضمينها في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 المعروف بالأمر رقم 10.[2]

 

مصباح كمال

2 أيار 2017

 

نص رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري

 

عمان في الأول من مايس ٢٠١٧

 

الأخ العزيز مصباح المحترم

 

بعد التحية

 

كان بودّي بعد الانتهاء من موضوع عطا عبد الوهاب والدكتور مصطفى رجب أن أعود لأكمل الحديث في موضوع دمج الشركتين الوطنية والعراقية، ولكن لعن الله الانفلونزا التي تحشر نفسها في حياة الإنسان في وقت غير مناسب فتقعده عن العمل.

 

وبعودتي لذات الموضوع أقول: إن المُشرّع الأردني قد عالج اندماج شركات التأمين معالجة مفصلة ودقيقة في قانون تنظيم أعمال التأمين رقم ٣٣ لسنة ١٩٩٩ المعدَّل بموجب القانون رقم ٦٧ لسنة ٢٠٠٢، وإن المشرع العراقي قد اقتبس نصوص القانون الأردني وضمَّنها في قانون تنظيم أعمال التأمين العراقي الصادر بموجب الأمر رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٥، مع بعض الاختلاف في الصياغة ولكن دون إخلال بالمضمون.

 

وبالرجوع إلى المادة الأولى من القانون العراقي نجد انها قد نصَّت على خضوع جميع شركات التأمين الخاصة والعامة لأحكامه، ومعنى هذا ان ما ينطبق على الشركات الخاصة من إجراءات وضوابط عملية اندماجها مع بعضها ينطبق أيضاً على شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية.

 

ووفقا لأحكام القانون الأردني والعراقي فإن الاندماج إما أن يكون اتفاقياً بين شركتي تأمين، على أن يقترن ذلك بموافقة السلطة المشرفة على تنظيم أعمال التأمين، أو أن يُفرض بقرار من قبل تلك السلطة إذا تبيَّن لها أن ذلك سيودي إلى ضمان حقوق حملة وثائق التأمين، فقد جاء في المادة (٤١) من القانون الأردني والمادة (٤٧) من القانون العراقي بأنه (إذا توفرت لدى المدير العام (أي رئيس الديوان) معلومات وافية على أن الشركة لم تَفِ بالتزاماتها أو يُحتملُ تخلفها عن ذلك، أو عدم قدرة الشركة على الاستمرار بأعمالها، أو أن مجموع خسائر الشركة زادت على خمسين بالمائة من رأسمالها المدفوع، فعليه أن يحيل الأمر إلى المجلس لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاندماج الشركة في شركة أخرى بموافقة الشركة التي ستدمج فيها). وفي جميع الأحوال، وفقاً لأحكام القانون الأردني والعراقي (لا يجور اندماج شركة تأمين إلا بشركة أخرى تُمارس نوع التأمين ذاته).

 

ولم يُعطِ القانون العراقي لوزير المالية أي دور في موضوع الاندماج سواء أكان اتفاقياً أم إجرائياً، أي أن الاندماج لا يتحقق قانوناً بأمر وزاري.

 

ونخرج مما تقدم إلى القول بأن اندماج شركة التأمين العراقية بشركة التأمين الوطنية إن لم يكن اندماجاً توافقياً بموافقة مجلس إدارة كلا الشركتين، فلا يجوز لرئيس الديوان أن يفرضه بقرار صادر عنه، إلا إذا ثَبُتَ أن شركة التأمين العراقية تعاني من خللٍ مالي يهدد مصالح حملة وثائقها.

 

وفي رأينا، انه طالما أن الشركتين العراقية والوطنية تخضعان لأحكام قانون سنة ٢٠٠٥، شأنهما في ذلك شأن الشركات الخاصة، فإن دمجهما إن لم يكن اتفاقياً لا يمكن أن يتمَّ إلا بموجب تشريع قانون خاص تُعدّل بموجبه المادة الأولى من قانون سنة ٢٠٠٥ بأن تستثنى الشركات العامة من أحكامه، ويتقرر اندماج الشركتين المذكورتين بموجب هذا القانون الخاص.

 

مع التقدير.

 

بهاء شكري

 

[1] المقالات الثلاثة هي:

مشروع دمج شركات التأمين العامة، عودة إلى مشروع دمج شركات التأمين العامة، قرار وزارة المالية بدمج شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية: تجاوز الإجراءات ومتطلبات القانون. يمكن قراءة المقالات باستخدام هذه الروابط:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/02/Misbah-Kamal-Merging-of-insurance-companies-project.pdf

 

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/11/Merger-of-State-Owned-Insurance-Companies-Further-Comment.pdf

 

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/04/Merger-of-NIC-IIC-lack-of-proper-procedures.pdf

 

[2] للتعرف على خلفية صياغة الأمر رقم 10 يمكن الرجوع إلى كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014). يمكن قراءة النص الإلكتروني للكتاب في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين باستخدام هذا الرابط:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2015/02/2005-Insurance-Law-critique-NIC-edition.pdf

في الصفحة 11-12 من الكتاب يجد القارئ توثيقاً للأستاذ عبد الباقي رضا حول اعتماد القانون العراقي على القانون الأردني. وهناك إشارات أخرى لهذا الموضوع في الصفحات 54، 61-62 وبعض الإشارات القصيرة في أماكن متفرقة من الكتاب.