Monthly Archives: أفريل 2018

Life Insurance & Saving: a new policy in Egypt

التأمين على الحياة والادخار: شهادات الأمان في مصر

 

 

إعداد

مصباح كمال

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2018/04/23/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%af%d8%ae%d8%a7/

 

 

تقديم

 

حصّلت مؤخراً على بعض المعلومات عن نمط “جديد” من التأمينات الشخصية للفئات المهمشة في المجتمع تجمع بين التأمين والادخار بدأت شركة مصر لتأمينات الحياة بالتعاون مع أربعة بنوك مصرية بتسويقها[1]، وأطلقت عليها اسم “شهادة أمان المصريين”.

 

ومما جاء في هذه المعلومات أن بيع شهادة الأمان يمكن أن يساهم في نمو قطاع التأمين المصري بنسبة تتراوح بين 4% و5%.  ويتوقع الدكتور عادل منير، الأمين العام للاتحاد الآفروأسيوى للتأمين وإعادة التأمين، مقرها في القاهرة، أن تقوم البنوك في مصر ببيع حوالي 12 مليون شهادة أمان خلال الأشهر الـ 18 المقبلة، والتي قد تصل قيمتها إلى 600 مليون جنيه مصري (34 مليون دولار أمريكي).[2]

 

هدفي من وراء نقل هذه المعلومات هو حث إدارات شركات التأمين العراقية دراسة هذا النمط من التأمين، والتفكير بمدى ملائمته للعراق وإن اقتضى الأمر التعاون مع شركة مصر لتأمينات الحياة للاستفادة من تجربتها وخاصة ما له علاقة بالتعاون بين شركات التأمين والمصارف.

 

شهادة أمان المصريين

 

أنقل أدناه بعض المعلومات الصحفية عن شهادة الأمان المصرية.[3]

 

ما هي شهادة أمان؟

هي تغطية تأمينية في صورة شهادة ادخارية للفئات المهشمة، وتم إصدارها بعد مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة توفير تغطية تأمينية لهذه الفئات والمتمثلة في العمالة الحرة.

 

ما هي البنوك المشاركة في هذه الشهادة؟

بنك مصر وبنك القاهرة والبنك الزراعي، والبنك الأهلي بالتعاون مع شركة مصر لتأمينات الحياة.

 

ما هو سعر الشهادة؟

شهادة أمان مقسمة لشرائح تبدأ من 500 جنيه كأقل سعر للشهادة وتصل إلى 2500 جنيه أعلى سعر لها.

 

ما هو مدة الشهادة

الشهادة مدتها ثلاث سنوات ويتم استرداد المبلغ بالفوائد بعدها.

 

ما قيمة الفوائد؟

الشهادة الادخارية ستكون مدتها 3 سنوات بقيمة 500 جنيه ومضاعفاتها، حتى 2500 جنيه، ويتم استرداد المبلغ بالفوائد بعد ثلاث سنوات، بفائدة 16% سنويا ويمكن استردادها في أي وقت.

 

ما حالات صرف التعويضات والمعاش لصاحب الشهادة؟

توفر الشهادة تعويض قدره 10 آلاف جنيه في حالة الوفاة الطبيعية، و50 ألفا للوفاة نتيجة حادث وتصل إلى 250 ألف جنيه كحد أقصى، إذا اختار صاحب الشهادة شراء الحد الأقصى لها 5 شهادات بقيمة 2500 جنيه.

 

تعتبر الميزة في الشهادة الادخارية أنها توفر معاشا لأسرة المتوفى، إذا طلب صاحب الشهادة هذ ما يتيح تقديم دخل شهري للأسر التي قد لا تملك عائلا، وفى هذه الشهادات يختار الشخص المدة كالتالي:

 

5 سنوات بقيمة 200 جنيه معاش شهري في حالة شراء شهادة ب 500 جنيه.

10 سنوات بقيمة 120 جنيه شهريا في حالة شراء شهادة ب 500 جنيه.

1000 جنيه لمدة خمس سنوات في حالة شراء الحد الأقصى للشهادات 2500 جنيه.

600 جنيه لمدة عشر سنوات في حالة شراء الحد الأقصى للشهادات 2500 جنيه.

 

كيف تصرف قيمة الشهادة؟

يتم صرف أرباح الشهادة البالغة قيمتها 16% أربع مرات في العام المرة الواحدة كل ثلاث شهور.

كم عدد الشهادات التي أصدرت حتى الآن؟

 

قال طارق فايد، رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة بحسب تصريحات صحفية سابقة، إن مصرفه أصدر شهادة “أمان المصريين ” للتأمين على العمالة المؤقتة والموسمية والشرائح ذات الدخل المحدود، بحصيلة إجمالية تساوى نحو 10 ملايين جنيه، منذ بدء طرحها في 4 مارس 2018، وحتى الآن.

 

وتم إصدار 7500 ألف شهادة أمان، مؤكدًا أن حالة الإقبال متزايدة على شراء الشهادة ببنك القاهرة مع زيادة الوعي التدريجي بالشهادة.

 

كما قال يحيى أبو الفتوح نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري في تصريحات صحفية سابقة، إن مصرفه أصدر شهادة “أمان المصريين” للتأمين على العمالة المؤقتة والموسمية والشرائح ذات الدخل المحدود، تقدر بنحو 12 ألف شهادة وحصيلة إجمالية تساوى 20 مليون جنيه، وذلك خلال أسبوعين فقط.

 

في حين قال السيد قصير رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي في تصريحات صحفية سابقة إن البنك أصدر 10.5 ألف شهادة “أمان المصريين” للتأمين على العمالة المؤقتة والموسمية والشرائح ذات الدخل المحدود، بحصيلة إجمالية تساوى 12.6 مليون جنيه حتى الآن، منذ بدء طرح الشهادة، لافتًا إلى أنها تشهد إقبالًا متزايدًا على مدار الأيام الماضية.

 

ما شروط إصدار الشهادة؟

إصدار الشهادة يتم بكل سهولة، ودون أن تطلب من صاحبه أي إقرارات صحية أو كشوف طبية، فهو خدمة تأمينية تهدف لتقديم تغطية دون استثناءات، ويتم صرفها فورا للمتقدم، ولا يوجد بها شرط تأجيل الحصول على التعويض مثلما يوجد في بقية الوثائق، ويشترط المشاركون بها أن يكون ففي سن من 19 حتى 59 عاما.

 

ونشر موقع مصراوي الإلكتروني استمارة شراء شهادة “أمان المصريين.[4]  كما نشر تفاصي إضافية في مقالة بعنوان 10″ معلومات يجب أن تعرفها قبل شراء شهادة “أمان المصريين.”[5]  ومما جاء في هذه المقالة أن الشهادة تستهدف في الأساس

 

“توفير حماية تأمينية للعمالة الموسمية والمؤقتة، والعمال الذين ليس لهم دخل ثابت، والمرأة المعيلة، بما يضمن استقرار أسرهم في حالة الوفاة.

 

والشهادة متاحة أمام جميع المصريين، وليس العمالة اليومية فقط، بشرط أن يكون المواطن في الفئة العمرية بين 18 و59 سنة.

 

وتبلغ مدة الشهادة 3 سنوات تجدد تلقائيا مرتين فقط، بفائدة سنوية 16% تصرف في نهاية مدة الشهادة، بعد خصم الأقساط التأمينية التي تتراوح بين 4 جنيهات و20 جنيها شهريا، بحسب قيمة الشهادات التي اشتراها العميل.

 

وتتيح الشهادة للعميل الاختيار بين الحصول على معاش شهري لمدة 5 أو 10 سنوات، أو تعويض نقدي، يستفيد منه ورثته بعد وفاته.

 

وتختلف قيمة المعاشات والتعويضات في حالة الوفاة الطبيعية عن حالة الوفاة نتيجة حادث.

ويبدأ المبلغ التأميني الذي يمكن سداده دفعة واحدة في حالة الوفاة الطبيعية 10 آلاف جنيه و50 ألف جنيه في حالة الوفاة الناتجة عن حادث، وصولا إلى 50 ألف جنيه في حالة الوفاة الطبيعية و250 ألف جنيه في حالة الوفاة الناتجة عن حادث، بحسب قيمة الشهادة.

 

بينما تبدأ قيمة المعاش الشهري، في حالة الوفاة الطبيعية من 200 جنيه حتى ألف جنيه، إذا كان المعاش لمدة 5 سنوات، ويبدأ من 120 جنيهاً حتى 600 جنيه إذا كان المعاش لمدة 10 سنوات.

ويبدأ المعاش في حالة الوفاة نتيجة حادث من ألف جنيه حتى 5 آلاف جنيه، إذا كان المعاش لمدة 5 سنوات، ويبدأ من 600 جنيه حتى ألفي جنيه، إذا كان المعاش لمدة 10 سنوات.

 

وقبل شرائك شهادة أمان المصريين هذه 10 معلومات يجب أن تعرفها عن الشهادة بحسب الشروط والقواعد التي أصدرها البنك الأهلي وحصل عليها مصراوي:

1- شراء الشهادة يكون بالبطاقة الشخصية فقط، وبدون تقديم أية مستندات أخرى.

 

2- شراء الشهادة بدون أي مصروفات بنكية.

 

3- لا يجوز الاقتراض بضمان الشهادة ولا إصدار بطاقات الائتمان بأنواعها.

 

4- تسترد الشهادة في نهاية مدتها بكامل قيمتها بالإضافة إلى العوائد المتبقية بعد خصم أقساط التأمين إن وجدت.

 

4- يمكن استرداد قيمة الشهادة في أي وقت وفقا لرغبة العميل بقيمتها الاسمية (التي اشتري بها الشهادة) فقط دون الالتزام بفترة الـ 6 شهور، وذلك في حالة شراء العميل للشهادة بنفسه.

 

5- في حالة شراء الشهادة للعميل عن طريق جهة (مثل الشركة التي يعمل بها) لا يجوز استرداد الشهادات خلال مدة 6 سنوات.

 

6- شراء الشهادة عن طريق العميل بصفته الشخصية، ولا يجوز الشراء بتوكيل أو على سبيل الهبة والتبرع وكذلك عدم إصدار شهادات مشتركة، ويجوز للأشخاص الاعتبارية (مثل الشركات والمؤسسات) دون غيرهم شراء الشهادات لصالح الأفراد.

 

7- يحصل العميل على وثيقة تأمين على الحياة تسدد أقساطها من الفائدة السنوية المقررة على الشهادات.

 

8- في حالة شراء العميل شهادات بقيمة تزيد عن 2500 جنيه، فإن الشهادات الإضافية تخرج من التغطية التأمينية ولا تجرى عليها سحوبات الجوائز، على أن يتمتع العميل بسعر العائد الخاص بهذه الشهادات الإضافية كاملا.

 

9- تسقط وثيقة التأمين في حالة قيام العميل باسترداد الشهادة أو بلوغه سن الـ60.

 

10- يحدد العميل عند طلب شراء الشهادات طريقة صرف التعويض في حالة وفاته، سواء صرفه مباشرة إلى الورثة الشرعيين، أو إلى أشخاص يحددهم بالاسم، أو صرف معاش شهري، مع تحديد اسم واحد للمستفيد منه.”

 

وثائق التأمين على الحياة في العراق: ضعف الطلب الفعّال

 

شركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959)، وكانت تعرف باسم الشركة العراقية للتأمين على الحياة، متخصصة بأعمال التأمين على الحياة (1988-1964)، هي الأكبر والأقوى بين الشركات العراقية في فرع التأمين على الحياة.  وحسب المعلومات المتوفرة عندي فإن أنواع وثائق التأمين المعتمدة من قبل الشركة هي:[6]

 

التأمين المؤقت على الحياة Term Assurance

وثيقة التأمين على الحياة قصير الأجل، وهي من أبسط عقود التأمين على الحياة.  تدفع هذه الوثيقة مبلغ التأمين المتفق عليه للمستفيد المُسمى في الوثيقة في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.  وفي حالة انتهاء المدة وبقاء المؤمن عليه على قيد الحياة فإن عقد التأمين ينتهي دون قيام أي التزام على شركة التأمين.

 

وثيقة التأمين المختلط على الحياة Endowment Assurance

تعرف أيضاً باسم تأمين الوقفية، وسميت بالعربية “المختلط” لأنها تضم التأمين المؤقت Term Assurance والتأمين حال الحياة/الوقفية البحتة Pure Endowment Assurance.  بموجب وثيقة شركة التأمين العراقية فإن المؤمن عليه يستحق مبلغ التأمين في حالة بقاء المؤمن عليه على قيد الحياة حتى انتهاء مدة التأمين.  كما يستحق المستفيد مبلغ التأمين في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.

 

التأمين المؤقت على الحياة مع رد الأقساط Term Assurance with Return of Premiums

يستحق المؤمن عليه مبلغ التأمين في حالة بقاء المؤمن عليه على قيد الحياة حتى حلول أجل التأمين (انتهاء مدة التأمين) بما يعادل القيمة النقدية المضمونة guaranteed cash value للوثيقة وتساوي مجموع أقساط التأمين التي سددها المؤمن عليه.  كما يستحق المستفيد مبلغ التأمين في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.

 

ومما قلته بشأن الانتفاع من حماية وثائق التأمين على الحياة في العراق أنه محدود وهو “ليس متيسراً لعموم الناس فالفقراء والفئات المهمشة، وهم يعدون بالملايين في العراق، غير قادرين على شراء التأمين على الحياة لأن الدخل المتوفر لديهم بالكاد يبقيهم على قيد الحياة، ناهيكم عن الجهل بمؤسسة التأمين.  وحتى التأمين المتناهي الصغر microinsurance لا يمكن له أن ينجح بدون أن يتوفر حد أدنى من الدخل للمشاركين فيه.”

 

ترى هل بإمكان شركات التأمين، في غياب الطلب الفعال على حماية التأمين، جذب تلك الفئات ما فوق الفئات الفقيرة والمهمشة نحو الاستفادة من أغطية تأمينية رخيصة الثمن نسبياً؟  ومهما يكن الأمر، فقد آن الأوان لهذه الشركات لتكثيف دورها في إشاعة أنماط جديدة من وثائق التأمين ذات الكلفة المنخفضة.  أليس بالإمكان التعلم من التجربة المصرية؟

 

23 نيسان 2018

[1] أنظر:

http://www.meinsurancereview.com/News/View-NewsLetter-Article/id/41889/Type/MiddleEast/Egypt-Insurance-for-casual-workers-may-boost-sector-s-growth-by-4-5-

 

[2] مصدر سابق.

[3] صحيفة اليوم السابع، “س وج.. كل ما تريد معرفته عن شهادة “أمان المصريين”:

https://www.youm7.com/story/2018/3/21/%D8%B3-%D9%88%D8%AC-%D9%83%D9%84-%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%AA%D9%87-%D8%B9%D9%86-%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86/3704165

[4] للاطلاع على هذه الاستمارة وغيرها أفتح هذا الرابط:

http://www.masrawy.com/news/news_economy/details/2018/3/3/1275290

 

[5] http://www.masrawy.com/news/news_economy/details/2018/3/4/1275478/10-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D8%A3%D9%86-

 

[6] مصباح كمال، “ضحايا الاغتيالات في قطاع التأمين العراقي والتأمين على الحياة: محاولة في التعريف بهذا التأمين،” مجلة الثقافة الجديدة، العدد 394، تشرين الثاني 2017.  نشرت المقالة أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/11/Misbah-Kamal-Victims-of-Assassination-in-Iraqs-Insurance-Sector-Life-Insurance-final.pdf

 

قد تكون شركات التأمين الأخرى، ومن بينها شركة التأمين الوطنية، ثاني أكبر شركة في فرع التأمين على الحياة، تمارس أشكالاً أخرى من التأمين على الحياة ليس معروفاً لدينا.

Revival of Tribal Values in Iraq-arbitration

إحياء العشائرية والتأمين: نموذج جديد للتحكيم؟

 

 

مصباح كمال

 

 

الإعلان عن التحكيم العشائري وغياب قطاع التأمين

 

نقلت وكالات الأنباء العراقية بياناً صادراً من وزارة العدل بتاريخ 28 آذار 2018 بخصوص “انطلاق مشروع التحكيم العشائري باشراف وزارة العدل وباعتماد محكمين عشائرين (عوارف) من جميع المحافظات”، وجاء فيه أنها “اقامت احتفالية حضرها وزير العدل حيدر الزاملي وعدد من الشخصيات السياسية والعشائرية.”[1]

 

ترى هل استأنست وزارة العدل برأي قطاع التأمين العراقي فيما أقدمت عليه؟  يبدو لي أنها لم تفعل وإلا لكان ممثلو القطاع حاضرين في احتفالية الوزارة.  ولكن هل لقطاع التأمين موقف من مشروع التأمين العشائري؟  لا أظن ذلك إذ لم أقرأ شيئاً صادراً من جمعية التأمين العراقية وحتى من أي من شركات التأمين العامة والخاصة بشأن الموضوع (وهو ليس بالمستغرب إذ أن قطاع التأمين، لسبب أو لآخر، ينأى بنفسه من الشأن العام.

 

سنهمل في هذه الورقة مناقشة تعارض التحكيم العشائري مع ميثاق حقوق الإنسان، ولن نناقش إقحام الدين في الموضوع من قبل لجنة العشائر في البرلمان، ومصادرتها للحق العام بالنقاش بدعوى عدم جواز الإساءة للعشائر وأعرافها وكأنها بقرات مقدسة لا يجوز المس بها، ولا الأبعاد السياسية المتعلقة بالانتخابات البرلمانية.  نترك ذلك وغيره للمحللين السياسيين.[2]  سنركز، قدر المستطاع، على البعد التأميني.

 

 

 

السير على خطى النظام الدكتاتوري

 

نظام المحاصصة في العراق ليس معنياً ببناء مؤسسات الدولة الحديثة إلا شكلياً، كالديمقراطية المعطوبة التي يتعكز عليها.  ولا يجد النظام غضاضة من إحياء النظم والقيم العشائرية بحلة عصرية كي لا يقال عنه بأنه يسير على خطى النظام الدكتاتوري.  لنقرأ بعض ما كتبه المرحوم د سليم الوردي للكشف عما قام به النظام السابق، فهو يقول إن الدولة عندما تكون في أزمة ينحسر:

 

“دور القضاء في حل المنازعات المدنية والجزائية لصالح “الفصل” العشائري. ووجد الكثير من الناس أن فض نزاعاتهم بالأسلوب العشائري أجدى من تقديم شكاواهم إلى مركز الشرطة، التي ما أسهل أن يتحوّل فيها المدّعي إلى متهم، والمتهم إلى بريء، حسب موازين التأثير المالي (الرشوة) والنفوذ العشائري للأطراف المتنازعة. وتروى في هذا المجال قصص غريبة لا يكاد يصدّقها العقل.  ونشطت في مجال الفصل العشائري مكاتب غير رسمية، لا تقل في حيوية نشاطها عن مكاتب المحامين، وظيفتها التوسط لفض المنازعات بالأسلوب العشائري.  مقابل أتعاب (عمولة) تفوق نسبتها ما يحصل عليه كبار المحامين.  وراح من يُبتلى بمنازعة مع طرف عشائري، يلوذ بهذه المكاتب، بسبب جهله بتقنيات العرف العشائري، سياقاته وقواعده ومصطلحاته.

 

لم يقتصر تشجيع السلطة للعلاقات العشائرية على دعمها مادياً ومعنوياً، بل وعلى إضعاف فاعلية بعض القوانين المدنية المصممة لتسوية النـزاعات المدنية، مما فتح الباب على مصراعيه لإحلال أسلوب الفصل العشائري بديلاً عنها.  وكنت شاهداً على مثال حي يتعلق بتطبيقات قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، بحكم عملي في شركة التأمين الوطنية.”[3]

 

موقف معلن لأكاديميين وأطباء ضد التهديد العشائري

 

وقد تناولت بالنقاش تصاعد القيم والأعراف العشائرية بعد 2003 وتأثيرها على دور التأمين في مقالة كتبتها عقب إصدار رابطة الأكاديميين العراقيين، والجمعية الطبية العراقية-العالمية، والجمعية الطبية العراقية-بريطانيا “مذكرة إدانة لجرائم اغتيال العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في العراق” موجهة إلى رئيس جمهورية العراق، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب.  ومما جاء في المذكرة:

 

تتصاعد من حين لآخر ظاهرة مأساوية وكارثية تتعلق باغتيال العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في العراق، لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بطبيعة الصراع الداخلي بكل أبعاده، وبعضها يعود لأجندات خارجية تهدف إلى استنزاف الكفاءات العلمية العراقية، لاسيما التركيز على علماء الفيزياء والكيمياء والمهندسين وأساتذة الجامعات في كل الاختصاصات المهمة. أما الأطباء فلهم نصيب وافر من التهديد بالقتل والاختطاف بحكم طبيعة عملهم المباشر مع كل شرائح المجتمع، فهم في خطر حقيقي مهددين من عصابات الجريمة المنتشرة بسبب ضعف القانون، ومن التهديد العشائري المتخلف الذي يريد فرض إرادته نتيجة تحميل الطبيب المسؤولية عن أي عملية جراحية لم يكتب لها النجاح بسبب اعتقاد ذوي المريض بأن الطبيب هو من تسبب في ذلك، وبالتالي مطالبته بالخضوع للقيم العشائرية ودفع التعويضات.  [التأكيد من عندي]

 

القيم العشائرية وانزياح دور التأمين

 

وقد كتبت التالي حول اغتيال الأطباء والقيم العشائرية وانزياح التأمين واقتبسه دون تعديل لأنه يصبُّ في صلب موضوعنا: [4]

 

ليس بإمكان مؤسسة التأمين التخلص من القيم العشائرية لكنها تساهم في التقليل من وقعها من خلال توفير آلية بديلة لهذه القيم متى ما انتشرت ثقافة التأمين في المجتمع.  يجب الإقرار بأن التأمين لا يوفر علاجاً لجميع العلل التي ابتلي بها العراق خاصة وأن مؤسسة التأمين العراقي ضعيفة.

 

ربما لا تشجع التجربة في زمن الدكتاتورية وزمن المحاصصة (في مجال تسوية مطالبات التعويض بموجب التأمين الإلزامي من حوادث السيارات) الاستفادة من آلية التأمين للتعويض عن الأخطاء المهنية للعاملين في المجال الطبي، لكن ذلك يجب ألّا يكون عائقاً أمام إدخال وثائق تأمين المسؤولية المهنية للأطباء قيد الاستعمال أو تأسيس صندوق تأميني من قبل النقابات المهنية.  نقول هذا لأن القيم العشائرية لا تشكل مرجعية للتعويض لدى كل شرائح المجتمع العراقي لا بل أنها مستهجنة لأنها علامة على التخلف المرفوض على مستوى الفكر.  وفي ظل الأوضاع القائمة يظل هاجس الخوف والقلق النفسي مصاحباً للعاملين في المجال الطبي فلا أقل من أن يخففوا من هذا الحال بالاعتماد على التأمين، فهو، في نظر البعض، آلية لتقليص عدم التأكد والقلق

 

إن العديد من الدراسات التأمينية تتحدث عن الدور، أو الوظيفة، أو القيمة، الاقتصادية والاجتماعية للتأمين كونه آلية حماية للتخفيف من الآثار المالية للحوادث الخارجية التي تحصل للأفراد (وأصحاب المعامل والمحلات التجارية) وهي في مجملها حوادث خارج سيطرتهم كالمرض والوفاة والكوارث الطبيعية والحوادث على أنواعها، من خلال التعويضات التي يحصلون عليها من شركة التأمين.[5]  كما تبين هذه الدراسات أن التأمين يساهم في الحفاظ على أنماط الاستهلاك ذلك لأن الفرد لا يُموّل تصليح الضرر اللاحق بأمواله أو مواجهة تبعات مسؤولياته عن الضرر الذي يسببه تجاه الغير من دخله وإنما من التعويض الذي تقدمه شركة التأمين.

 

لكن هذه الدراسات لا تشير إلى دور التأمين في التخفيف من النزاع بين الأفراد عند وقوع حادث: من المسؤول عن الضرر الناتج.  مثال، انتشار الحريق من دار تعرَّض للحريق إلى دار أو دور الجيران، أو المسؤولية عن حادث سير، أو خطأ طبي أو أي خطأ مهني آخر.

 

في المجتمعات التي يُشكّل فيها التأمين عنصراً مهماً لمواجهة آثار الأخطار التي تحيق بالناس فإن التنازع بين شخص وآخر في موضوع خاضع للتأمين لا يتحول إلى وسيلة ابتزاز أو اعتداء جسدي إذ أن عبء الآثار المالية لموضوع التأمين (الحريق، التصادم) يُحوّل على عاتق شركة التأمين.  وقد لعبت مؤسسة التأمين العراقي هذا الدور أيضاً.  على سبيل المثل، فإن احتمال انتشار الحريق من دار مؤمن عليها إلى دار مجاور يصبح موضوعاً للتعويض بموجب ملحق خاص لوثيقة التأمين من الحريق (تأمين المسؤولية القانونية تجاه الجيران).  وكذا الأمر بالنسبة لتصادم سيارتين (خاصة مع تشريع قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات لسنة 1964، وبعده قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980).

 

لقد شكّلت هذه القوانين نقلة نوعية مهمة في تنظيم جانب صغير من العلاقات بين الناس خارج قيم النظام العشائري.  لقد كانت خطوة محمودة في حماية الناس من الآثار الاقتصادية السلبية وغيرها، التي تتركها حوادث السيارات على مسببي الحوادث وضحاياها على حد سواء.  وهي في ذلك تقوم بوظيفة اجتماعية عصرية تتجاوز الأطر التقليدية في جبر الضرر من خلال تحويل عبء الخلاف بين الضحية ومسببها إلى طرف آخر هي شركة التأمين للنظر في النزاع بينهما بدلاً من الاعتماد على الفصل العشائري.  لم تندحر القيم العشائرية ذلك لأن العادات قاهرات، كما يقول المثل، إلا ان القوانين الحديثة سجّلت بداية لتجاوزها.  ويمكن للتأمين أن يلعب نفس الدور فيما يخص أخطاء المهنة وتعويض المتضررين منها.

 

شرط التحكيم في وثائق التأمين

 

يرد في معظم وثائق التأمين العراقية شرطاً للتحكيم بمقتضى أحكام القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وتعديلاته (الفقرة 4 من المادة 958).[6]

 

فعندما ينشأ خلاف بين المؤمن والمؤمن له حول مبلغ التعويض أو تفسير شروط التأمين قد يلجأ الطرفان إلى المحاكم لإيجاد حل.  وكإجراء سهل، أقل بيروقراطيةً، وأوفر اقتصادياً، يمكن للطرفين الاتفاق على إحالة الخلاف بينهما إلى محكم فرد يقوم بتقديم حلٍ للخلاف، وفي حالة عدم اتفاقهما على محكم فرد يقوم كل من الطرفين بتعيين محكم، ويقوم هــــذان المحكمان بتعيين محكم ثالث، المحكم الفيصل، يرأس الاجتماعات ويكون له القرار النهائي في حالة اختلاف وجهة نظر المحكمين المعينين من قبل طرفي التحكيم.

 

ترى هل أن شركات التأمين العراقية، جرياً وراء نظام التحكيم العشائري، ستتخلى عن شرط التحكيم في وثائق التأمين التي تقوم بإصدارها؟  وهل أن العارف العشائري يمتلك الإدراك التأميني الكافي للتحكيم في المنازعات التأمينية؟  وهل ستكون قرارات التحكيم العشائري ملزمة لشركة التأمين؟

 

بدلاً من تعزيز قوانين الدولة ومؤسساتها القضائية والمكانة الاجتماعية للتأمين يتفتق الذهن المحاصصي عن فكرة جديدة/قديمة لتكريس التخلف الثقافي.  إن اللجوء إلى إطلاق التحكيم العشائري دليل على فشل الدولة في تطبيق قوانينها وتجاوز على مؤسسة القضاء.

 

14 نيسان 2018

[1] السومرية نيوز:

https://www.alsumaria.tv/news/232932/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%AD%D9%8A/ar

 

[2] لمزيد من التفاصيل، أنظر: مصطفى سعدون، “مشروع للتحكيم العشائريّ يقوّض سلطة القانون في العراق،” المونيتور:

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2018/04/iraq-tribalism-sheikhs-justice-law.html#ixzz5CbE4EmRI

[3] د. سليم الوردي مقتربات إلى المشروع السياسي العراقي، 1921-2003 (بغداد: د.ن، 2005)، ص 107.  ترد تفاصيل إضافية بشأن اللجوء إلى التسوية العشائرية لتعويضات التأمين الإلزامي من حوادث السيارات بع الهبوط الحاد في قيمة الدينار العراقي.

[4] مصباح كمال، “اغتيال الأطباء في العراق والتأمين من المسؤولية المهنية،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/08/Misbah-Kamal-Medical-Malpractice-and-Insurance.pdf

[5] John H. Magee, General Insurance (Chicago: Richard D. Irwin, Inc., 1945),1st Ed 1936, Chapter III: Social Value, pp 42-53.

[6] للتعرف على مضامين التحكيم في التأمين راجع: وليد جاسم القيسي، “التحكيـــــم في التأميــــــن وإعـــــــادة التأميــــن،” ومنذر عباس الأسود، “التحكيم في القانون والتأمين،” مرصد التأمين العراقي

https://iraqinsurance.wordpress.com/2013/06/

Fire Losses in Shorjah: comment on Duraid Al-Shaker

حوادث الحريق في الشورجة:

ملاحظات أولية حول أهمية الدارسة ودور التأمين في التعويض

 

 

نشر هذا التعليق أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

 

http://iraqieconomists.net/ar/2018/04/09/%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%b2%d9%88%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d8%a7%d9%81%d9%83%d8%a7%d8%b1-%d8%ad%d9%88%d9%84/

 

 

  • أهمية دراسة حوادث الحريق في الشورجة

 

كتبت في ورقتي المنشورة في موقع الشبكة بعنوان “أفكار حول حرائق المحلات التجارية: تعليق على ورقة السيد عبد الحسن عبيد عزوز الزيادي”

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2018/04/Fire-Insurance-Compulsory-Comment-on-Abdul-Hassan-Al-Zayyadi-2.pdf

أنه “كان من المناسب الإشارة إلى شدة الحريق في مناطق معينة كالشورجة في بغداد والأسواق القديمة عموماً، ليس فقط لأنها واحدة من المصادر الأساسية للخسائر في فرع التأمين من الحريق بل لأنها مصدر أساس للحرائق الواسعة النطاق conflagration وتراكم الخسائر بسبب حادث واحد accumulation”

 

حسناً فعل السيد دريد الشاكر كتابة ما أسماه “تقرير عن موضوع الحرائق في منطقة الشورجة التجارية التاريخية” موجه إلى الهيئة الاستشارية لغرفة تجارة بغداد، إذ أنه أبرز مسائل مهمة تتعلق بإدارة خطر الحريق من قبل أصحاب المحلات التجارية، ودور فرق الإطفاء الحكومية والخاصة، وأسباب الحرائق، ومعوقات السيطرة عليها، ووسائل التعويض عن آثارها وغيرها من ملاحظات.  كل ذلك يستحق الدراسة المعمقة في إطار إدارة الخطر والكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق، التي جئت على ذكرها سريعاً في ورقتي.

 

ومن المفيد للقراء الإشارة إلى تقرير صحفي قصير نشر مؤخراً في جريدة عراقية بعنوان “حرائق سوق الشورجة تتكرر والمعالجات غائبة،” طريق الشعب، العدد 170 السنة 83، الخميس 19 نيسان 2018، ص 3، سنستفيد منه فيما بعد: http://tareeqashaab.com/images/TariqPDF/2018/4/19.pdf

فهو يضم معلومات مهمة حول افتعال بعض حوادث الحريق بسبب التنافس بين التجار.

 

بودي هنا التعليق على بعض الأفكار، ذات العلاقة بالتأمين، التي أوردها السيد دريد الشاكر في تقريره.  أكتب باختصار كي لا أثقل التعليق بتفاصيل ربما لا تهم إلا المختصين بالتأمين.

 

  • مشاركة قطاع التأمين في تأمين المحلات التجارية في الشورجة

 

2-1    جاء في تقريره إلى الهيئة الاستشارية لغرفة تجارة بغداد مقترح “مشاركة قطاع التامين في تامين البضائع والسلع والمحلات تامين شامل او حسب الرغبة.”  توحي صياغة هذا المقترح أن شركات التأمين لا تشارك في تأمين محلات الشورجة ومحتوياتها من السلع.  واقع الحال هو أن هذه الشركات، ومنذ عقود عديدة، تقوم بالتأمين على هذه المحلات من خطر الحريق.  وفي الماضي كانت شركة التأمين الوطنية، وكانت الشركة الوحيدة المعنية بالتأمينات العامة، توفر الحماية التأمينية المطلوبة.  وقامت ببعض الدراسات لتحديد جغرافية منطقة الشورجة وصولاً إلى (1) تحديد الحرائق الواسعة النطاق conflagration و(2) تراكم الخسائر بسبب حادث واحد accumulation.  وقد جاءت هذه الدراسة بفضل التعاون بين الشركة وشركة إعادة التأمين التي كانت تتعامل معها لتحديد احتفاظ الشركة من أخطار سوق الشورجة التي كانت تكتتب بها ولوضع ترتيبات إعادة التأمين لكلا الطرفين.  بعد 2003 جرت محاولة جديدة لإحياء مثل هذه الدراسات من قبل نفس الشركة.  ويمكن لجمعية التأمين العراقية، وكذلك شركة إعادة التأمين العراقية، أن تلقي المزيد من الضوء على هذا الموضوع.

 

2-2    فيما يتعلق بنوع التأمين (شامل أو حسب الرغبة- كما يقول السيد دريد الشاكر) فإن شركات التأمين العراقية توفر حماية من خطر الحريق وبعض الأخطار الملحقة بها؛ أي انها توفر حماية بموجب وثيقة التأمين من الحريق التقليدية أو ما يماثلها كوثيقة التأمين من الحريق العربية الموحدة لعام 1981 الصادرة من الاتحاد العام العربي للتأمين.  (أنظر: منعم الخفاجي، وثيقة الحريق النموذجية ووثيقة الحريق العربية الموحدة: دراسة مقارنة، مكتبة التأمين العراقي، 2014.  يمكنني توفير نسخة من هذا الكتاب الإلكتروني لمن يرغب).

 

وحسب المعلومات المتوفرة عندي فإن هذه الشركات لا توفر وثيقة تأمين شاملة، أي وثيقة تأمين جميع أخطار الممتلكات All Risks Property Insurance.  إن المعلومات المتوفرة عندي لا تفيد قيام شركات التأمين العراقية بترويج وثيقة جميع الأخطار.  ربما لديها من الأسباب ما يحول دون ذلك.

 

  • تعويض خسائر الحريق ومشروع تأسيس صندوق خاص للتعويض

 

3-1    يقول السيد دريد الشاكر، “اما التعويضات اعتقد انها لا تسمن ولا تغني من جوع لان الخسائر كبيرة جدا وغير قابلة للتعويض.  الا اذا اتفق اصحاب المحلات على صندوق خاص بهم او الية تبرع معتمدة كما في كل اسواق اهلنا في السابق.”

 

من المفترض أن تُرجع التعويضات المسددة من قبل شركات التأمين المؤمن لهم (أصحاب المحلات) إلى الحالة المالية التي كانوا عليها قبل وقع حادث الحريق.  هذا الافتراض مشروط بكفاية مبلغ التأمين، أي أن يكون مبلغ التأمين مساوياً للقيمة الاستبدالية لبناية المحل (إن كانت مؤمناً عليها) ولقيمة البضائع في المحل (محتويات المحل).

 

إن كان مبلغ التأمين دون هذه القيمة فإن شركة التأمين تلجأ إلى تطبيق ما يعرف بشرط المعدل أو شرط النسبية Average Condition، وله صياغات مختلفة.  عند تطبيق هذا الشرط فإن المؤمن له لا يحصل على تعويض كامل لخسارته.  والسبب وراء تطبيق شرط النسبية، باختصار، هو ارتباط قسط التأمين بمبلغ التأمين، أي أن قسط التأمين يعكس مبلغ التأمين المصرح به من قبل المؤمن له، وعلى ضوء هذا المبلغ يتقرر حجم التعويض.  إن عدم التصريح بالقيمة الحقيقية قد يكون بدافع تقليص قسط التأمين، أو يكون بسبب سوء تقدير طالب التأمين لقيمة المبنى والمحتوى.  وهذا الأخير مما يمكن التحوط منه من خلال الكشف الميداني على المحل وتقييم الممتلكات المعروضة للتأمين من قبل خبير تقييم professional valuer.

 

إن القول بأن الخسائر الكبيرة غير قابلة للتعويض ليست صحيحة.  إن علّة وجود شركات التأمين هي التعويض عن الخسائر المادية، كبيرة كانت أو صغيرة، طالما أنها تستوفي الشروط المتعاقد عليها بين المؤمن له وشركة التأمين.

 

3-2    فيما يتعلق باتفاق “اصحاب المحلات على صندوق خاص بهم او الية تبرع معتمدة كما في كل اسواق اهلنا في السابق” للتعويض عن الخسائر التي تصيبهم فإنه اقتراح لا أراه قابلاً للتطبيق.  فهو يفترض أن القيم التقليدية في التعاضد الاجتماعي (وهنا ينصب التعاضد على المصالح التجارية التي تربط أصحاب المحلات مع بعضهم) ما زالت قائمة في العراق وهي ليست كذلك.  ربما لا نعدم وجود حالات للتعاضد لكن التقرير الصحفي الذي أشرت إليه يوحي بغير ذلك.  فقد أورد التقرير نقلاً عن أحد المواطنين ما يلي:

 

“نشب خلاف بين تاجر يمتلك محلًا كبيرًا للجملة، مع تاجر آخر. فوصل الأمر إلى التهديد بالتصفية الجسدية، وكانت بسطتي بجوار محل التاجر الذي تعرض للتهديد، والذي يملك محلًا للعطور ومستحضرات التجميل”، مضيفا انه “بعد أسبوع على الخلاف، نشب حريق في محل التاجر، أدى إلى حصول دمار كبير بسبب ما يحويه من مواد كيمياوية، ما تسبب في تضاعف الحريق، وصعوبة إطفائه من قبل آليات الدفاع المدني، التي جاءت متأخرة أصلاً.”

 

أو ما نقل في نفس التقرير الصحفي عن عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد أن “بعض حرائق الشورجة كانت مفتعلة، وهي ناتجة عن التنافس غير الشريف بين التجار، وعن رغبة بعضهم في احتكار بضاعة ما على حساب الآخر.”

 

إن تقييم المواطن ورأي مسؤول في مجلس محافظة بغداد قد لا يكون كافياً لتحديد موقف من مقترح تأسيس صندوق خاص للتعويض لكنه يؤشر إلى تدهور في القيم الاجتماعية، وانحسار للمصالح التي تجمع بين أصحاب المحلات (نموذج سيء للقطاع الخاص).

 

ليست هناك حلول سريعة وجاهزة لتجاوز مشكلات سوق الشورجة وغيرها من الأسواق في بغداد وخارجها.  رحلة الأف ميل تبدأ بخطوة واحدة، لكن هذه الخطوة ما زالت محصورة ببضعة تعليقات وتقارير صحفية متناثرة، وهو بحاجة إلى تظافر الجهود من أطراف عديدة.

 

آمل من السيد دريد الشاكر متابعة تقريره مع الهيئة الاستشارية لغرفة تجارة بغداد، مثلما آمل أن يتقدم ممارسو التأمين، والعاملون في الدفاع المدني ودوائر الإطفاء، وأمانة العاصمة، ووزارة الكهرباء وهيئات القطاع الخاص وغيرها عرض مواقفهم من ظاهرة الحرائق المتكررة.

 

شكراً للسيد دريد الشاكر لتوفيره فرصة للتحدث بشكل سريع عن هموم تجمع بيننا.

 

مصباح كمال

23 نيسان 2018

Compulsory Fire Insurance: a new development in Bahrain

إلزامية تأمين مباني العمارات السكنية من خطر الحريق:

تجربة جديدة في مملكة البحرين

 

 

نشر هذا التعليق أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

 

http://iraqieconomists.net/ar/2018/04/09/%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%b2%d9%88%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d8%a7%d9%81%d9%83%d8%a7%d8%b1-%d8%ad%d9%88%d9%84/

 

 

قدمت في ورقة سابقة منشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين تعليقاً على بعض أفكار السيد عبد الحسن عبيد عزوز الزيادي، بهدف توسيع دائرة النقاش وربط المقترب التأميني لحوادث الحريق بالكلفة الاقتصادية لهذه الحوادث.

 

من الأفكار التي عرضها السيد الزيادي في ورقته، بعجالة، فكرة “جعل التأمين على كافة المحلات التجارية والمخازن إلزاميا وحسب طبيعة الخطر والمنطقة الجغرافية.”

 

لقد ناقشت باختصار قضية الإلزامية، وبودي هنا أن أضيف كيف تترجم الإلزامية نفسها في تطور جديد في مملكة البحرين.  فقد جاء في الأخبار أن بلدية المحافظة الشمالية في المملكة قد ألزمت مالكي العقارات بتأمين المباني السكنية متعددة الطوابق (الأبراج السكنية) من خطر الحرائق وغيرها من المخاطر؛ وأن هذا الأمر لا ينطبق على المنازل الخاصة، مثل الفيلات، أو دور الإسكان الاجتماعي الممول من الحكومة، حسب صحيفة Gulf Daily News كما وردت في:

http://www.meinsurancereview.com/News/View-NewsLetter-Article/id/42325/Type/MiddleEast/Bahrain-Start-made-to-mandatory-insurance-for-fires-and-other-risks/1/sid/255657?utm_source=News&utm_medium=Email&utm_ca

 

بفضل هذا التأمين سوف تتحرر الحكومة من تحمل تكاليف توفير مأوى مؤقت لأولئك الذين يجبرون على مغادرة منازلهم نتيجة لحريق أو تسرب غاز أو حوادث أخرى، إذ تحال هذه الحالات حالياً إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، التي توفر المأوى المؤقت ونفقات المعيشة.  وهكذا تصبح شركة التأمين هي الحامل الأساس لمثل هذه التكاليف – أي نقل الأعباء المالية من الحكومة إلى شركات التأمين.

 

ويتمنى البعض أن يمتد التأمين الإلزامي ليشمل المنازل كافة، على غرار التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات.  مثل هذا التمني لن يتحقق في المستقبل المنظور لأن كلفة التأمين عالية بالنسبة للكثير من مالكي المنازل الخاصة.  لكن توسيع النطاق الجغرافي لإلزامية التأمين قد يتحقق مستقبلاً بقرار من الوزارة المعنية في البحرين.  ويمكن المحاجة أن ازدياد عدد الوحدات المؤمن عليها، أو قل إلزام مالكي المباني على مستوى الوطن للتأمين عليها من الحريق، سوف يؤدي إلى تخفيض معتبر في كلفة التأمين.

 

بالنسبة لمالكي الأبراج السكنية وغيرها من العقارات الذين يؤجرون الشقق السكنية، فإن إلزامهم بالتأمين من خطر الحريق يشكّل جزءًا من التزاماتهم تجاه المستأجر في توفير متطلبات السلامة وإدامتها.

 

هل يا ترى أن الحكومة الاتحادية في العراق أو إحدى المحافظات ستلجأ إلى إقرار مشروع للتأمين الإلزامي على مباني العمارات السكنية والتجارية والصناعية أولاً.  وهل ستعمل شركات التأمين العراقية على تبني مثل هذا المشروع وإعداد وثائق التأمين المناسبة له؟

 

مصباح كمال

19 نيسان 2018

 

On Agricultural Insurance in Iraq

فاروق يونس، كامل العضاض، مصباح كمال*: تعليقات ورسائل حول التأمين الزراعي

 

 

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

فاروق يونس، كامل العضاض، مصباح كمال*: تعليقات ورسائل حول التأمين الزراعي

 

 

تقديم

 

نشر الأستاذ فاروق يونس حواراً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بعنوان “حوار بين مزارع وخبير اقتصادي حول اهمية الادخار من اجل التنمية الاقتصادية.”[1]  وقد أصبح هذا الحوار موضوعاً للتعليقات وتبادل الرسائل ركَّزت على دور التأمين في حماية الإنتاج الزراعي.  وبغية استدراج المزيد من التعليقات استقر الرأي على تجميع ما كتب ونشر في موقع الشبكة خاصة وأن ما يكتب وينشر عن القطاع الزراعي والتأمين عليه قليل جداً.  لذلك نتمنى على المهتمين في الدوائر الزراعية والتأمينية والجمعيات الفلاحية وأصحاب المزارع المشاركة في مناقشة الموضوعات المعروضة باختصار في هذه التعليقات والرسائل.

 

هيئة التحرير

3 نيسان/أبريل 2018

 

 

مصباح كمال

شيء من تاريخ التأمين الزراعي في العراق

 

 

(1)

مرة أخرى نشهد اهتمام الزميل فاروق يونس بالنشاط التأميني، وهذه المرة في فرع التأمين الزراعي.  فهو في هذا الحوار يلوم شركات التأمين، على لسان المزارع، بتقصيرها في توفير الحماية للمشاريع الزراعية والصناعية.  ويؤكد، على لسان الخبير الاقتصادي، تقصير هذه الشركات في مجال التأمين الزراعي.

 

يضم هذا الحوار أفكاراً مهمة تستحق المناقشة من قبل أهل الاختصاص ومنها: ضعف مساهمة القطاع الزراعي في العراق في الناتج المحلي الإجمالي (بنسية لا تزيد على ٦.٥ بالمائة)، وكذلك القطاع الصناعي (بنسبة لا تزيد على ١.٥ بالمائة).  وهو ما يؤشر على تدهور القطاع الزراعي، وحرف الاقتصاد العراقي من التوجه نحو التصنيع بتمويل من إيرادات النفط.  (أنظر بهذا الشأن د. صبري زاير السعدي، “المشروع الاقتصادي الوطني في العراق: مقاربة في برنامج صندوق النقد الدولي،” المستقبل العربي، العدد 469، آذار/مارس 2018.  وهذه الدراسة تستحق دراسة متأنية في ظل التوجهات الاقتصادية التي لم تحقق نقلة نوعية في مسار الاقتصاد العراقي).

 

لكننا سنكرس تعليقنا على البعد التأميني فيما أورده الزميل فاروق عن دور شركات التأمين في حماية مشاريع القطاع الزراعي.

 

ربما يمتلك الزميل معلومات عن التأمين الزراعي في العراق ليؤكد تقصير شركات التأمين في هذا الفرع من التأمين.  ونأمل منه أن يكشف بعض هذه المعلومات.  ننتهز هذه الفرصة لتقديم عرض سريع لجوانب من تاريخ التأمين الزراعي في العراق بأمل أن يقوم الآخرون تقديم ما لديهم من معلومات وتعليقات.

 

(2)

ما لدينا من معلومات تفيد أن شركة التأمين الوطنية تكاد أن تكون الوحيدة في ممارسة التأمين الزراعي.  وقد باشرت في تطبيقه عام 1982.  وكانت محفظة التأمين الزراعي تضم وثائق التأمين التالية: تأمين المحاصيل الزراعية، تأمين المركبات الزراعية، تأمين المواشي، تأمين الدواجن وتأمين خيول التربية أو السباق.

 

لم يكن إقبال المزارعين وافلاحين وغيرهم على جميع هذه الوثائق قوياً باستثناء التأمين على المواشي.  ربما يتذكر البعض استيراد مديرية الثروة الحيوانية للأبقار الهولندية Friesian وعرضها بأسعار متهاودة على المزارعين بهدف تطوير زيادة إنتاج الحليب، ونفوق أعداد كبيرة من هذه الأبقار ولأسباب عديدة، ترتب عليه خسائر كبيرة لشركة التأمين الوطنية.  وكذلك التأمين على حقول الدواجن التي انتشرت بفضل قروض المصرف الزراعي التعاوني.  وهي الأخرى تعرضت إلى أضرار كبيرة فاقمت من خسائر فرع التأمين الزراعي في الشركة.  ولم يكن هناك طلب حقيقي للتأمين على المحاصيل الزراعية ووثائق التأمين الأخرى، رغم أن الشركة وبالتعاون مع جهات مختلفة أطلقت حملة ترويجية لهذه الوثائق.

 

واعتماداً على ذاكرة الزميل فؤاد عبد الله عزيز (يعمل الآن في البحرين)، الذي أسس فرع التأمين الزراعي في شركة التأمين الوطنية (1982)، “فقد جرت محاولة عبر مبادرة من وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي وبالتعاون مع فرع التأمين الزراعي بتأييد من إدارة شركة التأمين الوطنية لإعداد مشروع لجعل هذا النوع من التأمين إلزامياً لما يحققه من ابعاد اجتماعية وحماية للثروة الزراعية.  وقد نجحت الوزارة في ايصال المشروع إلى المجلس الوطني، وحضرتُ مناقشات المجلس للمشروع وتبين لي ان غالبية اعضاء المجلس كانوا ضد اقراره لمبررات اهمها عدم الرغبة في إلزام المزارعين على اجراء تأمين يقع ضمن دائرة اختيارهم ورغبتهم، عليه فقد جرى التصويت على رفض المشروع.  وخرجتُ من المجلس وانا مقتنع ان المشروع لم يكن مدعوما من القيادات العليا للدولة ليحقق التأثير المطلوب على اعضاء المجلس لإقراره وبذلك خسرت هذه التجربة فرصة كبيرة في ان تتطور بالشكل الذي أصبحت عليه في البلدان المذكورة [بريطانيا، يوغوسلافيا] وبقيت أعماله محدودة لغاية الوقت الراهن.”  (فؤاد عبد الله عزيز، ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية، مذكرات قيد الإعداد).

 

(3)

الكتابات العراقية المنشورة عن التأمين الزراعي شحيحة.  هناك دراسة مهمة للزميل عبد الزهرة عبد الله (يعمل الآن في الأمارات العربية المتحدة) بعنوان “نحو تأمين المحاصيل الزراعية في العراق” (مجلة رسالة التأمين، العدد 39، حزيران 1979، ص 52-59.  أشكر الزميل منعم الخفاجي على إرسال المجلة).  وقد كتبها عندما كان يعمل في شركة إعادة التأمين العراقية.  في عرضه لمشكلات التأمين الزراعي ذكر أموراً في غاية الأهمية ما زالت آثار بعضها قائمة وبعضها الآخر تمَّ تذليلها أثناء الإعداد لتأسيس فرع التأمين الزراعي في شركة التأمين من خلال التدريب المكثف مع المؤسسات التأمينية المختصة خارج العراق، والاستفادة من المعرفة العلمية للعديد من العاملين في مجال الإنتاج الزراعي في العراق.  نقتبس هنا بالكامل ما عرضه زميلنا تحت عنوان “مشكلات تأمين المحاصيل الزراعية”:

 

“1- انخفاض مستوى الوعي التأميني، وهي مشكلة عامة تقف عائقاً أمام التأمين بمختلف أنواعه، إلا أنها تزداد حدة بالنسبة للفلاحين نظراً لتدني المستوى الثقافي العام وانتشار الأمية، مما يتطلب وضع تخطيط إعلامي لخلق الوعي بأهمية التأمين وفوائده لدى الفلاحين.

 

  • صعوبة الوصول إلى المناطق الزراعية بالسهولة والسرعة والكلفة المعقولة، حيث يندر هناك وجود الطرق المعبدة ووسائط النقل اللازمة إضافة إلى بعد المناطق الزراعية عن مراكز الإدارات المحلية أو مراكز الشرطة مما يحد من إمكانية التحري الكامل عن أسباب الحوادث وظروفها التي أدت إلى تحقق أضرار مشمولة بالتأمين.

 

  • انخفاض مداخيل الفلاحين وقدرتهم المالية المحدودة التي يتعذر عليهم معها التفكير في دفع ثمن ما مقابل حصولهم على الخدمة التأمينية.

 

  • عدم توفر إحصائيات كاملة ووافية ولسنوات عديدة بحيث يمكن الاعتماد عليها عند دراسة أي مشروع للتأمين الزراعي وتقدير درجة الخطورة واحتساب قسط التأمين المناسب.

 

  • عدم توفر الخبرة الفنية في مجال التأمين الزراعي سواء أكان على مستوى القطاع الزراعي أو على مستوى قطاع التأمين.”

 

في تعليقه على الجهة التي ستقوم بتطبيق مشروع تأمين المحاصيل الزراعية، كتب الزميل عبد الزهرة عبد الله علي الآتي:

 

“نظراً للطبيعة الخاصة لتأمين المحاصيل الزراعية من حيث المخاطر التي تواجه الإنتاج الزراعي وارتفاع تكليف هذا النوع من التأمين، وصعوبة الإشراف والمتابعة إضافة إلى تباعد القرى وغيرها من الخصائص، نرى أن يكون تأمين المحاصيل الزراعية تأميناً تعاونياً تقوم به مديرية تستحدث لهذا الغرض …. تكون مرتبطة من الناحية الإدارية بمديرية التعاونيات الزراعية العامة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على أن يطبق المشروع على الجمعيات التعاونية الزراعية.”  (ويضم هذا الجزء من الدراسة حججاً عديدة ومبادئ لتنظيم تطبيق المشروع خارج التأمين التجاري، وتستحق الدراسة إعادة النشر).

 

(4)

تبين تجربة التأمين الزراعي في العراق أن عدم تطورها لم يكن بسبب تقصير من جانب شركة التأمين الوطنية وقت تأسيس فرع التأمين الزراعي أو بعد ذلك، فقد تظافرت عوامل خارج الشركة لتحول دون تحقيق رواج هذا النوع من التأمين.  وقد أتى الزميل عبد الزهرة عبد الله علي على ذكر بعض هذه العوامل كما عرضنا في الاقتباس منه أعلاه.

 

وتثير هذه التجربة أيضاً قضية الوعي بالتأمين وهل أن تحقيقه لا يتطلب سوى حملة إعلانية من قبل شركات التأمين، أم يجب البحث عن أسباب أخرى تتوزع بين الاتكالية الموروثة، ومنها الدينية على نمط “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، وضعف فكرة التدبر للمستقبل والتحوط من الطوارئ، والقدرة المالية المتوفرة والفائضة للأفراد والجماعات، بعد الانفاق على الحاجات الأساسية، وتوجيهها لأغراض الحماية من عوارض الطبيعة والحوادث.

 

(5)

ربما آن الأوان للنظر بإخراج بعض أشكال التأمين الزراعي من دائرة التأمين التجاري المحض، والتفكير بتوفير هذا التأمين من قبل هيئات تعاونية – كما اقترح الزميل عبد الزهرة منذ أزيد من أربعة عقود – أو هيئات تبادلية.

 

نأمل أن يتقدم أهل الاختصاص في القطاع الزراعي بآرائهم لتطوير القطاع والتعاون مع ممارسي التأمين في العراق لمعالجة مكامن القصور، والمساهمة في دراسة الكلفة الاقتصادية المهدرة لما يصيب الإنتاج الزراعي، بضمنه المواشي والدواجن، من آفات وحوادث طبيعية وأخرى ناشئة من سير العمل.

 

شكراً للزميل فاروق يونس لتوفيره فرصة كتابة هذا التعليق على بعض جوانب التأمين الزراعي.

 

مصباح كمال

25 آذار 2018

 

فاروق يونس

إدارة أخطار الإنتاج الزراعي

 

 

عزيزي الاستاذ مصباح كمال

 

اشكرك اولا لأنك تحاول دائما ايجاد عمل منتج للعاطلين عن العمل من امثالي من المتقاعدين والمحالين (على المعاش).

 

اخي العزيز

 

الخسائر التي يتعرض لها القطاع الزراعي في العراق على نوعين هما:

 

اولا – الخسائر الناجمة عن الظروف الطبيعية التي تصيب المنتجات الزراعية بقسميها النباتي والحيواني.

 

ثانيا – الخسائر الناجمة عن اسباب ادارية وفنية غير طبيعية.

 

لدينا دوائر زراعية وفنية متخصصة من واجبها التعاون مع المزارعين والفلاحين للتقليل من الخسائر الفنية والادارية من خلال الارشاد الزراعي (طبعا الارشاد الزراعي يعني ادخال العلم والمعرفة والتكنولوجية الحديثة والبذور المحسنة والخدمات البيطرية وطرق الري الحديثة غير التقليدية وتقديم المعلومات عن الانواء الجوية مثل تساقط الامطار وارتفاع درجات الحرارة او تعرض الحيوانات الى البرد او تعرض المزروعات الى البرد او الجفاف)، هذه وغيرها من المعلومات والخدمات ينبغي ان تقدم الى العاملين في البستنة والحقول الزراعية والإنتاج الحيواني.

 

فيما يتعلق بالتأمين الزراعي فإن هذا النوع من التأمين قائم على مبدأ التعاون، ومن هنا يتطلب تعاون شركات التأمين واجهزة الإحصاء الزراعي والمصرف التعاوني الزراعي والجمعيات الفلاحية التعاونية من اجل تحقيق اهداف التأمين الزراعي خاصة إذا ما توفرت المعلومات الإحصائية الدقيقة عن حجم المساحات المزروعة وبعض البيانات المتعلقة بالأخطار التي تصيب المنتجات الزراعية (طبعا هذه المعلومات لا يمكن توفيرها إلا من قبل كادر متدرب على كيفية اعداد هذه المعلومات بغية استخدامها في التأمين الزراعي).

 

الإنتاج الزراعي يتأثر بالظروف الطبيعية وهذه متغيرات لا يمكن السيطرة عليها وعليه ينبغي ان تتغير أسعار التأمين تبعا لتغير الظروف الطبيعية.

 

المحصول الزراعي يتعرض الى الخسارة وهو موجود امامنا على الارض وكذلك الحال في تامين الابقار والمواشي فإن قيمتها تتناقص بسبب تعرضها للأمراض.  ويجب ان تتابع شركة التأمين حركة خدمات التطعيم وتقديم الادوية البيطرية (علما بانه يتعين على الجهات المختصة تقديم الادوية البيطرية بأسعار مدعومة او بالمجان) ذلك لان الفلاح غير قادر على دفع اجور الخدمات البيطرية في كثير من الاحيان.

 

حسب معلوماتي هناك معلومات كافية للتامين على المحاصيل الاستراتيجية (الحنطة والرز والشعير والذرة الصفراء) كما ان المعلومات متاحة عن الابقار والمركبات الزراعية.

 

وعلى الجهات الحكومية المختصة (حكومات المحافظات) شق الطرق التي تربط الاقضية والنواحي بالقرى وتمهيد او تعبيد الطرق الزراعية لتتمكن الدوائر الزراعية والدوائر الخدمية الاخرى كالتأمين والمصارف من تقديم خدماتها بكل سهولة ويسر.

 

مع التقدير

 

فاروق يونس

26 آذار 2018

 

مصباح كمال

حول تعثر التأمين الزراعي في العراق

 

 

عزيزي الأستاذ فاروق يونس

 

أشكرك على ملاحظاتك المهمة عن بعض جوانب إدارة أخطار الإنتاج الزراعي والحيواني وعلاقتها بالحماية التأمينية وكلفة هذا التأمين، والوظائف المتوقعة، التي تتمناها، من الأطراف ذات العلاقة وغيرها.

 

[1]

لن أدخل أو قُل لن أستطيع مناقشة ما أوردته من ملاحظات لأن موضوعاتها تقع خارج المعرفة المتوفرة لي.  لذلك، أتمنى من المختصين والمهتمين بالتأمين الزراعي في شركة التأمين الوطنية وغيرها من الشركات (بافتراض أن بعض شركات التأمين الخاصة تقوم بتوفير أشكال محددة من التأمين الزراعي كتأمين المركبات الزراعية أو تأمين حقول الدواجن)، وكذلك الهيئات الأخرى التي أشرتَ إليها (أجهزة الإحصاء الزراعي والمصرف التعاوني الزراعي والجمعيات الفلاحية التعاونية وحكومات المحافظات) تقديم تعليقاتهم ودراستهم.

 

 

[2]

عندما أقدمت شركة التأمين الوطنية أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وبإيعاز من الحكومة آنذاك، على إدخال أشكال مختلفة من وثائق التأمين الزراعي، قامت أولاً بدراسة الموضوع مع الأطراف الزراعية والبيطرية المعنية وبعدها أوفدت ممثلاً عنها إلى بريطانيا للتدريب والاستفادة من تجربتها، ولم تستقدم شركات استشارية من خارج العراق – كما هو الآن حيث انفقت ملايين الدولارات منذ تغيير النظام في 2003 على شراء الاستشارة من الخارج في مجالات مختلفة ولكن دون أن نلمس آثارها في تطور الخدمات وتحسين حياة الناس العاديين وأساليب العمل.  أليس بإمكان شركة التأمين الوطنية معاودة التجربة السابقة والاستفادة من تجارب عربية (تونس، الجزائر، المغرب) في مجال التأمين الزراعي والدفع نحو توسيع توفير الحماية التأمينية؟

 

[3]

السؤال المهم الذي يستدعي البحث من أهل الاختصاص هو: لماذا تعثر التأمين الزراعي في العراق؟  ولماذا يظل إنتاج المحاصيل الزراعية والمواشي بدون حماية تأمينية حقيقية؟

 

أحسب أن السبب وراء التعثر يكمن خارج قطاع التأمين.  أقول هذا اعتماداً على معرفتي السابقة، وهي محدودة وقديمة فيما يخص التفاصيل، بما قامت به شركة التأمين الوطنية من جهد ريادي لإدخال التأمين الزراعي في العراق منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، والذي تعرّض، على أي حال، إلى الآثار السلبية الناجمة من حروب النظام وسنوات الحصار الدولي الظالم.

 

منذ تأسيس أول شركة تأمين خاصة سنة 2000 لم تقدم شركات التأمين الخاصة على ممارسة هذا النوع من التأمين، مثلما لم تعمل الدولة على إدخال نظام تعاوني تأميني.  (في ظل التوجهات الاقتصادية القائمة فإن التخطيط للتعاونيات أو تدخل الدولة في مجال اقتصادي يبدو غريباً وقد يستهجنه البعض من دعاة إقصاء الدولة عن المجال الاقتصادي).

 

تظل شركة التأمين الوطنية، وهي شركة تابعة للدولة، تأسست سنة 1950، حتى الآن، الوحيدة التي توفر بعض الحماية للإنتاج الزراعي والحيواني.  ولكن يا لبؤس حجم هذه الحماية!  لماذا هذا الحكم القاسي؟  لأن (إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام 2015-2016)، الصادرة من جمعية التأمين العراقية، وهي آخر إحصائية متوفرة لدينا، تورد أقساط التأمين الزراعي خلال هذه الفترة كالآتي (أرقام بآلاف الدينار):

 

170,376 (2015) – لم تكن هناك تعويضات.

175,824 (2016) – التعويضات 21,188

 

أترك الحكم للقراء.

 

مع خالص التقدير.

 

مصباح كمال

27 آذار 2018

 

كامل العضاض

التأمين على القروض الزراعية

 

 

عزيزي وأخي مصباح

 

أشد على يديك، كالعادة، بعدما أقرأ مقالاتك وتعقيباتك على كافة القضايا الخاصة بنشاط التأمين في العراق، بكافة فروعه وتخصصاته ومشاكله في العراق، فأنا أراك ذا باع وتمرس في هذا الحقل بامتياز.

 

أود أن أشير هنا إلى بعض الملاحظات حول مشاكل ومعيقات التأمين في العراق من خلال تجربتي عند عملي خلال سنتين تقريباً في أواخر الثمانينيات كمدير عام بالوكالة للمصرف الزراعي في العراق.  كان لدي هدف اعتبرته مهماً، لوضع ضوابط لضمان استرداد قروض المصرف للفلاحين وأصحاب المزارع في العراق.  وظناً مني إن وضع شروط على المقترضين من الفلاحين والمزارعين، بتقديم شهادات تأمين على نشاطاتهم الزراعية والحيوانية، سيؤدي إلى تخفيض الفائدة على قروضهم الممنوحة.  وبعد جهود واتصالات ومحاولات للتوعية وبتشجيع متردد من شركة التأمين الوطنية، خضنا التجربة بتأييد من الوزير.  وبعد محاولات عدة، فشلت جهودنا، على الرغم من تدني القبول لشروطنا الجديدة، لاسيما وأن أصحاب طلبات القروض بدأوا يحجمون عن تقديم طلبات قروض جديدة.  وعندما ناقشنا قسما منهم، أفادوا بأنهم يضعون لدينا ضمانات حسب الشروط التي نضعها لمنحهم قروض، فلماذا تبتلونا بمشاكل إضافية؟  نحن نقبل بما يصيبنا، لأن الرزق على الله.  تريدوننا أن نتكلف ونخسر وبالنتيجة تجعلونا نتردد في طلب قروض منكم.

 

وهكذا فشل الإجراء الجديد!  فقابلت الوزير د. حكمت الحديثي وشرحت له الموضوع، فأجابني: “يابه يا تأمين يا بطيخ، أنتم من تمنحون قروض للفلاحين، خلوا أبالكم خسارة 80% منها!”  فقلت له: “دكتور إحنا نسترجع ما يزيد عن 60% منها.”  فرد بالقول: “بعد شتريد!”  ومنذ ذلك الحين أسقطنا ذلك الشرط، ولربما، كما يبدو، جربوا إعادته لاحقا، ولكنني لا أدري.

 

الخلاصة؛ هي ليس الوعي التأميني وغيابه فقط، ولكن خصوصيات ومشاكل القطاع الزراعي كبيرة من جميع الجوانب، لا مجال للإفاضة بها، فتدني الوعي التأميني في العراق عموماً ولدى المزارعين خصوصاً يتطلب وقتاً وتثقيفاً وابتداعات أخرى لينجح، خصوصا في القطاع الزراعي.

 

شكراً أخ مصباح لمساهماتك البناءة في هذا الحقل المهم، راجيا استمرارك في رفد المعرفة والتجربة التأمينيتين في العراق للنهوض المستقبلي.

 

كامل العضاض

31 آذار 2018

 

فاروق يونس

عجز الحكومة في تغطية الخسائر الزراعية، وأهمية البيانات الإحصائية

 

 

عزيزي الدكتور كامل العضاض

 

تحية طيبة

 

رسالتك لخصت المشكلة ببعديها الزراعي والتأميني:

 

الحكومة من خلال المصرف الزراعي تقدم القروض للمزارعين والفلاحين ولا تتوقع استرداد معظمها كأن الزراعة قطاع غير منتج ولا يساهم في تحقيق قيم مضافة وليس مهما أن يساهم في الناتج المحلي الاجمالي وحسب رأي الوزير آنذاك (يا ركي يا بطيخ).

 

أما من ناحية التأمين فإن أقساطه حسب رأي المزارعين تمثل خسارة صافية وشعارهم كما جاء في رسالتك (نقبل ما يصيبنا لأن الرزق على الله) فالتأمين، حسب هذا الرأي، كلفة إضافية وزيادة في الخسارة.

 

وكما تعلمون فإن الحكومة خلال الموسم السابق عجزت عن تغطية خسائر المزارعين والفلاحين وتعويضهم عن الخسائر الناجمة عن غرق محاصيلهم في بعض المناطق الزراعية بل أن الحكومة تأخرت كثيراً في دفع مستحقات المزارعين الذين قاموا بتسليم محاصيلهم الزراعية لوزارة التجارة نتيجة عجز الموازنة العامة.

 

أرى أن نقطة البداية هي توفير قاعدة معلومات وبيانات للتأمين الزراعي – بيانات عن الإنتاج وعن المخاطر والخسائر التي يتحملها المزارع وخاصة (المزارع الصغير).

 

لا أريد الإطالة لكن رسالتكم القصيرة عزيزي الدكتور كامل العضاض شجعتني على التعليق.

 

إلى متى تستمر البطالة الموسمية وإلى متى يواجه مزارعي (الركي) المنافسة غير العادلة من الركي المستورد من إيران، ومتى يحقق العراق الاكتفاء الذاتي من الثوم والبصل وعدم الاعتماد على استيراد الثوم من الصين والبصل من إيران وماء الشرب من صحراء الكويت والحليب المصنع من السعودية.

 

قال الله يصف مكة (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)[2] انقلبت الآية فقد أصبح وسط وجنوب العراق يعاني من الجفاف.

 

مع التقدير.

 

فاروق يونس

31 آذار 2018

 

مصباح كمال

التأمين على القروض الزراعية: الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل

 

 

عزيزي د. كامل

 

لقد كنتَ متقدماً في مشروعك لوضع شروط على المقترضين من المصرف الزراعي من الفلاحين والمزارعين، بتقديم شهادات تأمين على نشاطاتهم الزراعية والحيوانية (في مجال المحاصيل الزراعية وتربية المواشي والدواجن وتربية الأحياء المائية)، لأن هذه الشهادات، حسب تعليلك، سيؤدي إلى تخفيض الفائدة على قروضهم الممنوحة.  من المؤسف أن مشروعك لم يتحقق، كما بينت في تعليقك، وبذلك خسر الفلاحون والمزارعون وأصحاب الحقول الحماية التي كان التأمين سيوفرها لهم.  آمل أن تسعفك ذاكرتك، في حال عدم توفر المستندات، للتوسع فيما حاولت أن تقوم به للاستفادة من المعطيات التي تستطيع تقديمها، وأيضاً من باب التوثيق التاريخي.

 

ويبدو أن هذا المشروع بقي مطموراً لعدة عقود ولحين صدور برنامج قرض البنك المركزي العراقي لسنة 2015.[3]  فقد جاء في المادة 5 من الشروط العامة في هذا البرنامج ما يلي:

 

“على جميع المقترضين تقديم وثيقة تأمين شاملة عن المشروع نافذة لحين تسديد آخر قسط من القرض.”

 

وقتها كتبتُ بأن هذا الشرط هو من “الشروط التي ترد في معظم القروض الممنوحة لتمويل المشاريع من قبل المؤسسات الدولية وكذلك المصارف وغيرها من الهيئات المعنية بتقديم القروض.”  وأضفتُ، من باب الحرص على مصالح شركات التأمين العراقية، أن المادة 6 من البرنامج لم تنص على “تقديم وثيقة تأمين صادرة من شركة تأمين عراقية مسجلة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين.  إن النص على شراء الحماية التأمينية من شركة تأمين عراقية مسألة مهمة لضمان عدم تجاوز شركات التأمين والاستفادة من القدرات التأمينية المحلية لتحقيق شكل من أشكال التكامل بين النشاطات الاقتصادية داخل العراق.”[4]

ترى أين نحن اليوم بعد صدور هذا البرنامج؟  ليس لدي بيانات عن نتائج تطبيق هذا البرنامج، وكذلك ليس لدي بيانات عن حجم أقساط التأمين الزراعي بشكل عام وما له علاقة بتأمين القروض الزراعية سوى ما جاء في إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام 2015-2016، الصادرة من جمعية التأمين العراقية، وهي آخر إحصائية متوفرة لدينا، وقد أشرت إليها في تعليقي السابق على ما كتبه الأستاذ فاروق يونس.  لقد كانت أقساط التأمين الزراعي خلال هذه الفترة كالآتي (الأرقام بآلاف الدينار):

 

170,376 (2015) – لم تكن هناك تعويضات.

175,824 (2016) – التعويضات 21,188

 

ونستنتج من ضآلة هذه الأرقام ليس فقط تخلف التأمين الزراعي وإنما غياب التأمين على القروض الزراعية.  ولكننا نظل جاهزين لقبول من يخطئنا بهذا الشأن.

 

ربما كان باستطاعة برنامج البنك المركزي العراقي والقائمين على إدارته الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال تقديم الحوافز المالية ومنها إعانة المنتفعين من القروض من خلال تمويل جزء من أقساط التأمين subsidise crop insurance premium، ومن إرشادات البنك الدولي وهي، في ظني، ليست بعيدة عن تفكير البنك.[5]  ربما يعرف هؤلاء بأن تأمين المحاصيل الزراعية هو الواسطة المفضلة للإسناد المالي للأطراف العاملة في الإنتاج الزراعي من قبل الدولة وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية.[6]

 

ومن رأينا أن تدخل الدولة له ما يبرره بفضل الأهمية الوطنية للأمن الغذائي، النباتي والحيواني، وبسبب التغيرات المناخية التي تتطلب الاستثمار في قطاع الزراعة والبنية التحتية المرتبطة بها لمجابهة هذه التغيرات.  ترى هل أننا نحلم إذا دعونا إلى تشريع قانون للتأمين الزراعي، على غرار ما هو موجود في بعض البلدان ومنها تركيا والهند؟  ونسأل: إذا كانت الدوائر الزراعية والتمويلية قد تكلّست في تفكيرها في مجال التأمين الزراعي لماذا لا تبادر شركات التأمين العراقية منفردة، إن استطاعت، أو بالتعاضد فيما بينها، لتطوير منتجات تأمينية خاصة بالإنتاج الزراعي، وتعمل على ترويجها مع هذه الدوائر؟  هل أن القدرات الريادية، في مجال التأمين وغيره، قد اختفت في عراق ما بعد 2003؟

 

ما زلنا نأمل خيراً من الدوائر التأمينية وغيرها من الدوائر المعنية بالإنتاج الزراعي والحيواني للبحث في أسباب القصور وإيجاد الحلول الوطنية المناسبة.

 

مصباح كمال

3 نيسان 2018

 

 

 

*         فاروق يونس، خبير سابق في غرفة التجارة في بغداد.

د. كامل العضاض، مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة.

مصباح كمال، كاتب في قضايا التأمين

 

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين.  يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.

http://iraqieconomists.net/ar/

 

[1] لقراءة هذا الحوار راجع:

http://iraqieconomists.net/ar/2018/03/25/%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%82-%d9%8a%d9%88%d9%86%d8%b3-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b2%d8%a7%d8%b1%d8%b9-%d9%88%d8%ae%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af/

[2] مقتطف من الآية 37، سورة إبراهيم.

[3] يمكن قراءة النص الكامل للإعلان في شفق نيوز باستخدام هذا الرابط:

http://www.ara.shafaaq.com/27596

[4] راجع مصباح كمال، “برنامج البنك المركزي للقروض الصناعية والزراعية والإسكان ومكانة التأمين،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/09/7-2015-2015.html

 

[5] أنظر على سبيل المثل، البنك الدولي

World Bank, Agriculture Finance & Agriculture Insurance, http://www.worldbank.org/en/topic/financialsector/brief/agriculture-finance

 

[6] راجع بهذا الشأن:

Jennifer E. Ifft, “Does federal crop insurance lead to higher farm debt use?”, Emeraldinsight:

https://www.emeraldinsight.com/doi/full/10.1108/AFR-06-2014-0017

 

Fire In Commercial & other Enterprises: comment on Mr Abdul-Hassan Al-Zayyadi’s Paper

أفكار حول حرائق المحلات التجارية

تعليق على ورقة السيد عبد الحسن عبيد عزوز الزيادي

 

 

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2018/04/Fire-Insurance-Compulsory-Comment-on-Abdul-Hassan-Al-Zayyadi-2.pdf

 

 

(1) المقترب التأميني الصرف لحوادث الحريق

 

نشكر السيد عبد الحسن الزيادي على ورقته حول حرائق المحلات التجارية المنشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.[1]  تثير ورقته مسألة مهمة تتجاوز المقترب التأميني الصرف الذي اعتمده في عرض أفكاره، وهو مقترب شائع بين ممارسي التأمين.  وأعني بهذه المسألة الكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق التي تكاد أن تكون مهملة في الكتابات التأمينية العراقية وكتابات الاقتصاديين العراقيين، وسنعلق على هذه المسألة فيما بعد.

 

لقد جاء مقتربه التأميني لحوادث الحريق تحت أربعة عناوين:

 

  • قدم الشبكة الكهربائية المحلية وتوزيعها العشوائي.
  • الخزن العشوائي للسلع بدون التقيّد بالمعايير النموذجية للخزن حسب نوع وطبيعة السلع.
  • تراكم النفايات قرب المخازن أو في الأسواق.
  • صعوبة وصول أجهزة إطفاء الحريق إلى موقع الحريق.

 

وهي عناوين أساسية لكنها بحاجة إلى توسيع ليغطي عناصر أخرى ومنها، على سبيل المثل: عادة التدخين، المعروف عنها بأنها وراء العديد من حوادث الحريق؛ أجهزة التدفئة المتنقلة؛ عدم تثبيت أجهزة الإطفاء اليدوية وأجهزة الإطفاء التلقائي التي تستجيب للحرارة والدخان.  وهذه هي من بعض وسائل إدارة الخطر – وهو موضوع لم ينل اهتماماً حقيقياً خارج قطاع التأمين[2] واختلط فهمه عند البعض ليحصر إدارة الخطر بالتأمين في حين أن التأمين ما هو إلا المرحلة الأخيرة في عملية تحليل وتشخيص الأخطار وقياسها وتقدير كلفتها الاقتصادية والوسائل المادية والقدرات المالية المتوفرة لدى الوحدة الاقتصادية لاستيعابها قبل التفكير بتمويل هذه الكلفة اعتماداً على التأمين.

 

كان من المناسب الإشارة إلى شدة الحريق في مناطق معينة كالشورجة في بغداد والأسواق القديمة عموماً، ليس فقط لأنها واحدة من المصادر الأساسية للخسائر في فرع التأمين من الحريق بل لأنها مصدر أساس للحرائق الواسعة النطاق conflagration وتراكم الخسائر بسبب حادث واحد accumulation

 

نأمل من السيد الزيادي أن ينشر ورقة تكميلية يعرض فيها المزيد من أفكاره.

 

(2) ربط الكتابات التأمينية مع بعضها

 

إن ما كتبه السيد حسن الزيادي هو إضافة لمقالات سابقة لكتاب آخرين تدور حول حوادث الحريق في العراق ومنها:

 

“تأملات تأمينية في أعقاب الحادث الإرهابي في الكرادة” لفلاح حسن http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/07/فلاح-حسن-تأملات-تأمينية-في-أعقاب-الحادث-الإرهابي-في-الكرادة.pdf

 

و “تداعيات تأمينية حول حادث حريق في محلات تجارية في الكرادة-بغداد” لمصباح كمال

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/07/Misbah-Kamal-Insurance-fallout-of-a-fire-accident-in-Karradah.pdf

 

إن كان السيد الزياني على علم بهذه الكتابات كان من المناسب الإشارة لها لتحقيق رابط معها وتوفير فرصة للمعنين لمتابعة الموضوع وربما الكتابة فيه.  إن الكتابات التأمينية في العراق شحيحة والأحرى بنا أن نعمل على إظهار ونشر ما يكتب.

 

(3) حول إنشاء صندوق لتأمين أخطار الحريق وإلزامية التأمين من الحريق

 

في الفقرات الأخيرة من ورقته يعرض السيد الزياني فكرة

 

“إنشاء صندوق لأخطار الحريق يُدار من قبل قطاع التأمين العراقي العام والخاص … وجعل التأمين على كافة المحلات التجارية والمخازن إلزاميا وحسب طبيعة الخطر والمنطقة الجغرافية … [مع] إصدار نظام التأمين الإلزامي من أخطار الحريق حيث يصدر هذا النظام في الجريدة الرسمية ويطبق على الوزارات المختلفة ودوائر وشركات القطاع العام والخاص بما فيها المنشآت الصناعية والتجارية حيث تلتزم هذه الجهات بالتأمين ضد أخطار الحريق.”

 

صندوق لتأمين أخطار الحريق

لم يتعرض الكاتب لإشكاليات إنشاء صندوق لتأمين أخطار الحريق.  فهل أن تكرر وشدة حوادث الحريق كافياً لإنشاء صندوق مستقل للتأمين على أخطار الحريق؟  هناك فروع أخرى للتأمين تشهد تكرراً frequency في الحوادث وشدّة severity في آثارها، كالتأمين على السيارات والتأمين الصحي والأعمال الإرهابية، ومع ذلك فإن شركات التأمين قادرة على استيعاب الكلفة المالية لهذه الحوادث من مواردها المالية الداخلية و/أو بالاعتماد على حماية إعادة التأمين.  هناك كوارث طبيعية تكون آثارها المادية مدمرة وآثارها التأمينية كبيرة على شركات التأمين كالفيضانات أو الزلازل أو الأخطار النووية وهذه تدفع باتجاه تشكيل صندوق وطني للتأمين عليها تجارياً وأحياناً بالتعاون مع الدولة، كما هو الحال في بعض الدول الغربية.

 

لا أظن أن كلفة حوادث الحريق في العراق، حتى في غياب الإحصائيات، تشكّل سبباً كافياً لتأسيس صندوق لتأمين أخطار الحريق.  يقوم تأكيدي هذا على حقيقة أن محفظة تأمين الحريق في العراق لا يضمُّ التأمين على توقف الإنتاج (خسارة الأرباح)، أو قُل إن هناك عدداً قليلاً جداً من التغطيات التأمينية لخسارة الأرباح.  فمن المعروف أن تعويضات خسائر الأرباح تفوق تعويضات الخسائر المادية أضعافاً مضاعفة.  قد أكون مخطئاً فيما يخص تأمين خسارة الأرباح في العراق وأرجو من العارفين تصحيحي.

 

حول إلزامية التأمين من أخطار الحريق

لم يتعرض الكاتب لإشكاليات إلزامية التأمين من الحريق مكتفياً بالقول إن “المملكة الأردنية سبق وأن أصدرت النظام رقم (21) لسنة 2011 (نظام التأمين الالزامي من أخطار الحريق والزلزال).”

 

الاقتباس من الغير والاستفادة من تجربتهم وتقليدها ليس عيباً إذ أننا لسنا مطالبين باختراع العجلة من جديد طالما أوفينا متطلبات الأمانة الفكرية.

 

وعلى نفس النسق ذكَّرنا بأن “المنهاج الحكومي لرئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي أشار في الفقرة (10) منه على جعل التأمين على المنتج والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة إجباريا وذلك لحماية المصالح العامة والخاصة.”

 

وقد كانت لنا مساهمة متواضعة حول فكرة إلزامية التأمين من خلال الإشارة إليها جاء فيها:

 

يتخوف البعض من فكرة الإلزامية باعتباره مناقضاً للحرية الاقتصادية وهذا موقف اقتصادي بحت لا يعير أهمية للبعد الاجتماعي والمصالح العامة رغم أن الاقتصادات الرأسمالية قد تقدمت نحو المزيد من الضبط والرقابة على العمل الاقتصادي.  نحن ننظر إلى الإلزام في التأمين من منظور الرفاه الاجتماعي والحفاظ على ثروات البلد، البشرية والمادية، وفي ذات الوقت توفير مصادر إضافية لتعظيم تراكم دخل الأقساط لأغراض المساهمة في التنمية الاقتصادية.  ورأينا أن لا يقسر إلزام التأمين في فروع تأمينية دون مناقشته على المستوى الوطني لضمان كفاية الحماية التأمينية لأكبر عدد من الناس والشركات والمؤسسات، والموازنة بين مصالح الأطراف ذات العلاقة.  نعرفُ بأن إلزام الفقراء بالتأمين ضد مخاطر الحريق على مساكنهم، ومنهم من لا يملك منزلاً، وضمن الوثائق التجارية المعهودة فيه إجحاف وتجني عليهم، ولذلك يتوجب التفكير في كيفية التأمين عليهم.  قد يكون من المناسب التفكير بجعل التأمين على المدارس (العامة والخاصة) إلزامياً، وكذلك التأمين العشري على مسؤولية المقاولين، والتأمين على المنشآت المدنية العامة كالطرق والجسور والمباني، والتأمين على الكوارث الطبيعية ضمن مجمع وطني وغيرها.

 

ومن رأينا أن الحاضنة الرئيسية للنمو، في المدى القريب، تكمن في التغييرات التشريعية التي تلزم التأمين في فروع معينة كما في تعديل بعض بنود قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.”[3]

 

كما ذكرنا إلزامية التأمين في سياق خسارة قطاع التأمين لمصادر مهمة من أقساط التأمين بسبب “عدم وجود وثائق تأمين إلزامية كتأمين مسؤولية رب العمل، وهي تغطي تعويضات العمال بسبب إصابة جسدية عارضة أو مرض يتعرض له العمال بسبب العمل وأثناء تأدية واجباتهم، أو تأمين ممتلكات تجارية وصناعية معينة، عامة أو خاصة، ضد خطر الحريق، كما هو الحال في الأردن.”  وأشرنا في هامش ورقتنا إلى نظام التأمين الالزامي من أخطار الحريق والزلازل الصادر بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (33) لسنة 1999.  وكتبنا أيضاً ان إلزامية التأمين، على فروع معينة للتأمين، مطبقة في العديد من الدول الغربية.[4]

 

حسناً فعل الكاتب إذ حدد الشخوص الاقتصادية التي ينوي إلزامها بالتأمين من أخطار الحريق وهي: كافة المحلات التجارية والمخازن وحسب طبيعة الخطر والمنطقة الجغرافية، والوزارات المختلفة ودوائر وشركات القطاع العام والخاص بما فيها المنشآت الصناعية والتجارية.

 

يترك هذا التحديد انطباعاً بأن الفئات المُلزمة بالتأمين تتمثل بوحدات اقتصادية كبيرة.  والسؤال الذي ينهض هنا هو: كيف سيتم التعامل مع إلزام الوحدات الصغيرة بالتأمين، أعني أصحاب المتاجر والدكاكين والمعامل والفنادق الصغيرة والمقاهي والمكتبات وغيرها؟  لكي يتحقق توازن في محفظة التأمين من الحريق أليس من المناسب أن تضم المحفظة تأمينات هذه الوحدات؟  هناك أسئلة أخرى تستحق البحث ومنها:

 

  • هل سينصب التأمين الإلزامي على المباني فقط building only أم يمتد ليشمل المحتويات؟
  • هل ستعفى بعض الوحدات الاقتصادية من التأمين الإلزامي من خلال وضع سقف لقيمة (مبلغ تأمين) الوحدات الملزمة بالتأمين، أي إن كانت القيمة دون هذا السقف فليس هناك إلزام بالتأمين؟
  • لماذا لا يُصار إلى جعل التأمين على المباني كافة؟
  • هل سيخضع تسعير التأمين الإلزامي لتعريفة (دليل للتسعير ملزم لشركات التأمين)؟

 

(4) الكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق

 

يمكن لهذه الكلفة أن تتخذ أشكالاً عديدة من بينها الآتي:

 

خسارة/تلف الأصول المادية من مباني، وسيارات، ومكائن ومعدات، عند عدم وجود حماية تأمينية لها؛ التأثير المباشر لحوادث الحريق على الإنتاج وعلى تقديم الخدمات والمتاجرة، أي البيع والشراء؛ خسارة الأرباح المترتبة على توقف الإنتاج؛ احتمال تعرّض العاملين للبطالة بعد توقف الأعمال بسبب الحريق؛ تكاليف مكافحة الحرائق؛ الإصابات البشرية وما تعنية للأُسر وللنظام الصحي؛ وإذا كانت الحوادث بفعل عمدي أو عمل إرهابي فهناك كلفة اقتفاء مقترفي الحوادث وكلفة تقديمهم للمحاكم.

 

ومن المؤسف أن العراق يفتقر إلى إحصائيات حقيقية عن عدد وحجم حوادث الحريق المؤمن عليها وغير المؤمن عليها وأمور أخرى لها علاقة بحوادث الحريق.  فليس هناك، حسب علمنا، تقدير لحجم الانفاق الخاص والحكومي على الحماية من الحريق، كالإنفاق الحكومي على هيئات مكافحة الحريق، والتوعية بخطر الحريق.  وليس هناك إحصائيات عن عدد الشركات الي تتوقف نهائياً عن العمل بعد حادث حريق مدمر بسبب غياب التأمين أو عدم كفايته، وما يترتب على ذلك من تعريض العاملين إلى البطالة وتحولهم من فئة منتجة إلى فئة تعتمد على أسرها أو إعانات الدولة – في حالة توفرها.  ونعلم أنه في فترات الركود الاقتصادي تزداد بعض أنواع الجريمة ومنها الحريق المتعمد بغية الحصول على التعويض من شركة التأمين – هل هناك دراسة أو إحصائية بهذا الشأن في العراق؟

 

إن هذه الإحصائيات وتقدير الكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق توفر مفاتيح لرسم سياسات لإدارة أخطار الحريق وتخصيص الموارد لتحقيق هذه السياسات والأطراف التي تتحملها.

مقتربات لتحليل التكاليف الاقتصادية لحوادث الحريق

هناك مقتربات لتحليل التكاليف الاقتصادية لحوادث الحريق يمكن توزيعها على ثلاث فئات:

 

(1)     التكاليف المتوقعة Costs in anticipation – وهي تشمل في الغالب تدابير الحماية والوقاية المتخذة لمنع أو تخفيف الضرر الناجم عن الحريق.

 

(ب)    التكاليف التبعية Costs as a consequence – وهي التكاليف المتكبدة نتيجة للحريق.  وتنشأ هذه التكاليف كنتيجة لتعرض الممتلكات والأفراد والبيئة للحريق، وتتحمل هذه التكاليف مجموعة من الضحايا تضم الأفراد والشركات الخاصة والمجتمع.

 

(ج)     تكاليف الاستجابة Costs in response – وتضم تكاليف الإطفاء ورفع الأنقاض والتنظيف بعد الحريق، ويتحمل المجتمع غالبية هذه التكاليف.[5]

 

(5) البحث والمناقشة

 

إن ما كتب ونشر عن موضوع حوادث الحريق في السنوات الماضية قليل جداً، ومن رأينا انه بحاجة إلى المزيد من الكتابات والمناقشات قبل الإقدام على تبني مشروع لجعل التأمين إلزامياً.  كما أن الموضوع بانتظار من يقوم ببحثه أكاديمياً إذ أن ما نكتبه يظل بحاجة إلى الرجوع إلى المراجع وإلى الإحصائيات.

 

16 نيسان/أبريل 2018

[1] عبد الحسن عبيد عزوز الزيادي*: افكار حول أسباب حرائق المحلات التجارية وضرورة معالجتها

[2] نذكر من باب التوثيق التاريخي كتاب د. سليم الوردي، إدارة الخطر والتأمين (بغداد: مكتب الريم، 1999).  أشكر نجله السيد زيد سليم الوردي على إهدائه لهذا الكتاب في حزيران 2016.

[3] مصباح كمال، التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 87.

الكتاب متوفر في المكتبة الاقتصادية لشبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2014/05/22/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%84%d8%ae%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad/

[4] مصباح كمال، “محاولة في بحث بعض الخسائر الافتراضية لقطاع التأمين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2013/04/23/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d8%b1-%d8%a7/

 

[5] Department for Communities and Local Government, The economic cost of fire: estimates for 2008: estimates for 2008, Fire research report 3/2011 (London: DCLG, 2011), p 6-7.