Monthly Archives: ديسمبر 2011

Notes on New Insurance Regulations in Kurdistan

التأمين في كردستان العراق

ملاحظات حول توجيهات اللجنة المشكلة في إقليم كردستان لتنظيم عمل شركات التأمين الجديدة

 

 

مصباح كمال

 

 

الخلفية

كنت قد كتبت دراسة بعنوان “ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي” أرسلت مسودتها للزميل العزيز المحامي منذر الأسود للإطلاع عليها وإفادتي بملاحظاته قبل الإقدام على النشر.  وقد تفضل بالتعليق، المنشور في هذه الورقة، وأرفقَ ورقة مصورة من ثلاث صفحات تحمل عنوان “توصيات اللجنة الموقرة” والمعني بها لجنة مشكلة في إقليم كردستان العراق مختصة بالنشاط التأميني في الإقليم ويبدو أنها تمارس الوظيفة الرقابية على هذا النشاط.

 

ونظراً لأهمية توصيات هذه اللجنة فيما يخص العمل التأميني في الإقليم ومستقبل التوجهات لتعزيز سوق تأميني عراقي اتحادي أرتأيت أن أكتب ملاحظاتي لإثارة النقاش حول التوصيات والمساهمة في تكوين سياسة تأمينية من منظور النظام الاتحادي قيد التشكل.

 

الجواب على الرسالة

وأقدم هنا ملاحظاتي بصيغة جواب على رسالة الزميل الأسود.

 

عزيزي منذر

 

تحية طيبة

 

أشكرك على رسالتك ومرفقها: توصيات اللجنة المشكلة في إقليم كردستان لدراسة نظام الرقابة على النشاط التأميني في الإقليم.

 

لم أطلع على ملاحظات زميلنا العزيز فؤاد شمقار (تسع صفحات مؤرخة في 6/7/2011) التي قدمها لرئيس مجلس وزراء حكومة الإقليم.  ولا أعرف من هم أعضاء “اللجنة الموقرة” وهل تضم عضواً محنكاً في شؤون التأمين.  لعل زميلنا شمقار يستطيع تعريفنا بأعضاء اللجنة وبالدراسات التي قاموا بها قبل الإقدام على نشر توصياتهم.  ويبدو لي أن عمل الجنة اقتصر، لحد الآن على إصدار “توصيات” إلى طرف ما – ربما هو مجلس وزراء الإقليم أو وزير مالية الإقليم أو لجنة مختصة في برلمان الإقليم.  وبما أن ما خرجت به اللجنة هي توصيات يظل هناك بعض المجال لشمقار وصحبه في مناقشة هذه التوصيات خاصة وأنه قد كتب دراسة قيمة عن رغبة سلطات الإقليم في الإشراف على النشاط التأميني.[1]  وكنت قبل ذلك قد كتبت دراسة حول ضوابط تنظيم الرقابة على التأمين في الإقليم[2] وذكرت غير مرة مسألة تكوين السوق الوطني الاتحادي.

 

الملاحظات

لي بعض الملاحظات الأولية على هذه التوصيات أقدمها حسب تسلسها الوارد في التوصيات.

 

لا تحمل هذه التوصيات تاريخاً وهو ضروري من باب التوثيق.  ربما كانت التوصيات مُرفقة بمذكرة أو كتاب يحمل تاريخاً معيناً.

واجبات اللجنة

 

  1. ورد ضمن واجبات اللجنة في الفقرة رقم 4 إشارة إلى “المديرية العامة للتأمين” دون تحديد الجهة التابعة لها، وفي ظني أنها تابعة، أو ستكون تابعة، لوزارة مالية الإقليم.  وفي نفس الفقرة تتحدد الوظيفة الرقابية بفحص التقارير نصف السنوية لشركات التأمين، وهذا ليس كافياً ومن المناسب أن يقترن بالكشف الميداني والإطلاع على السجلات الحسابية، وتدقيق ملفات تنتقى عشوائياً للتأكد من سلامة الإجراءات ابتداءً من تقديم طلب التأمين ولحين إصدار وثيقة التأمين .. الخ.
  2. فتح معهد تدريبي (الفقرة 5 من واجبات اللجنة) مشروع طموح ربما ينقصه التفكير بالكلفة الاقتصادية والكادر التدريبي ولغة التدريب التي ستعتمد.  وليس من المعروف إن خطر على بال اللجنة التفكير بمشروع اتحادي للتدريب.  النظام الاتحادي لا يزال قيد التشكل إلا ان الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم لا تعملان على تعزيز هذا النظام.  وقد ذكرت بعضاً منه في “ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي”
  3. تأخذ اللجنة على عاتقها في الفقرة 6 “إقتراح إلزامية الأنشطة المطلوبة للتأمين” مما يعني أن أنواع محددة من الحماية التأمينية ستكون إلزامية.  وليس معروفاً إن كان هذا الاقتراح ينصب على تأمين المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات.  وإذا كان هذا أحد أنواع التأمين الإلزامي أليس من المناسب التفكير باستعادة تطبيق قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته (الذي توقف منذ تجميد النظام الدكتاتوري السابق لعمل المؤسسات الرسمية ومنها فروع شركات التأمين العاملة في الإقليم سنة 1991) أو ربط التطبيق بتعديلات جديدة تتناسب مع النظام الاتحادي.
  4. هناك مديرية عامة للتأمين ولجنة.  ترى أيهما صاحب القرار بشان إلزامية التأمين على سبيل المثال.  وأيهما يمارس الوظيفة الرقابية (الفقرة 4 تحيل الرقابة إلى المديرية والفقرة 6 تحيل إلزامية التأمين إلى اللجنة.  يبدو لي أن هناك تداخلاً بين الاثنين، وقد يكون هناك سبب سياسي وراء الدور المنوط باللجنة.

الشروط العامة لمنح ترخيص الشركات وفروع أنشطة التأمين

 

  1. نفهم من الفقرة 1 أن اللجنة هي الدائرة الرقابية المختصة بمنح التراخيص لكن الرقابة الدورية على الشركات المرخصة هي من اختصاص المديرية العامة للتأمين (الفقر 4 من واجبات اللجنة).  هذه ازدواجية غير مبررة وكان بالإمكان الاستفادة من نظام ديوان التأمين العراقي.
  2. الرسم المفروض على طالب الترخيص فيه مغالاة، وقد يعود السبب إلى الحد من عدد شركات التأمين، أو ضمان تقسيم “كعكة” سوق التأمين في الإقليم بين الشركات القائمة (وهو ما يُعرف بلغة الاقتصاد باحتكار القلة) وبعض هذه الشركات تجمع بين المال والسياسة.  أو أن السبب هو تعظيم الموارد المالية لحكومة الإقليم وعدم الاكتفاء بحصتها (17%) من ميزانية الدولة العراقية.
  3. اشتراط تسديد شركة التأمين المرخصة 20% من “مجموع الأرباح الكلية” المتحققة أتاوة عقابية إذ أن شركة التأمين مطالبة أيضاً، بقوة القانون، تسديد ضريبة الدخل.  وأرى السبب فيما ذكرته أعلاه: تعظيم الموارد المالية لحكومة الإقليم.  وليس واضحاً ما المقصود على وجه الدقة بمجموع الأرباح الكلية: أهي الأرباح الإجمالية أم الأرباح الصافية.
  4. تشغيل 50% من سكنة الإقليم شرط مهم ولنا أن نبرره لكنه لا ينسجم مع توجهات اقتصادية أخرى لحكومة الإقليم كما هو الحال مع قانون الاستثمار الذي يعطي للمستثمر حرية الاستخدام.
  5. اشتراط رأسمال خمسة وعشرون مليار دينار قد يراد منه الحد من عدد شركات التأمين وغيره مما ذكرناه أعلاه (الفقرة 2).
  6. مجالاات التأمين.  بموجب هذه الفقرة تمارس اللجنة وظيفة رقابية.  تكييف مجالات التأمين بالـ “الإمكانيات المادية والبشرية” للشركة أمر مفهوم، لكننا لم نفهم ما المقصود أن مجالات التأمين تحددها اللجنة “على ضوء مجالات العمل للشركة” إذ أنه ليس إلا حشواً.  أما تحديد مجالات العمل حسب “حاجة الإقليم لها” فهو أمر قابل للنقاش.  فالاقتصاد الذي تدعو له حكومة الإقليم يقوم على الليبرالية (ما يسمى بالاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق).  لكن هذه الليبرالية، في الممارسة، خاضعة للقرار السياسي.  وبدلاً من ترك السوق لتقرير الحاجات تقرر الحكومة من خلال اللجنة ما هي حاجة الإقليم.

 

المعلومات والبيانات المطلوبة من الشركة طالبة الترخيص الأجنبية

 

يبدو لي أن الفقرات الإثنتي عشرة تنصب على معلومات عن الشركة الأجنبية الأم التي ترغب في تأسيس شركة، أو ربما فرع دون أن تذكر اللجنة ذلك، في الإقليم.  ويرد ذكر الفروع تالياً تحت عنوان “المعلومات والبيانات المطلوبة لمنح ترخيص الشركات وفروع أنشطة التأمين المحلية” لكنني لست متأكداً إن كانت عبارة “الفروع” تنصب على فروع الشركات أم فروع النشاط التأميني كالحريق، والبحري، والمسؤوليات .. الخ فالصياغة غير واضحة.

 

المعلومات والبيانات المطلوبة لمنح ترخيص الشركات وفروع أنشطة التأمين المحلية

 

تطلب الفقرة 8 من مقدم طلب الترخيص “بيان أوجه التعاون مع شركات التأمين المحلية العربية والأجنبية.”  هذا الطلب فيه تعميم: هل أن أوجه التعاون تنصب على ما هو آني، وهو غير موجود قبل الترخيص، أم هو تصوري ينصبُّ على المستقبل؟  وهل المقصود بشركات التأمين المحلية العربية تلك القائمة في الإقليم أم في العراق؟  ثم لِمَ لا يُنصُّ على أوجه التعاون مع شركات الـتأمين الكردية المرخّصة في الإقليم تمييزاً لها عن الشركات المرخصة من قبل ديوان التأمين العراقي.

 

ملاحظات أخرى

 

تخلو توصيات اللجنة من أي ذكر للأمر رقم 10 لسنة 2005 (قانون تنظيم أعمال التأمين)، وهو قانون اتحادي من المفترض أن يطبق في عموم العراق.  بعض شركات التأمين في الإقليم تعمل بموجب هذا القانون من خلال ترخيص ديوان التأمين لها.

 

إن كانت نية اللجنة الموقرة تنصب على إهمال الأمر رقم 10 فهل أن النية معقودة على صياغة قانون رقابي للتأمين خاص بالإقليم.  التوصيات لا تذكر هذا الموضوع وكأنه أمر غير مهم.

 

كما تخلو التوصيات من أحكام بشأن قيام شركات التأمين العاملة في الإقليم لإعادة ترتيب أوضاعها ضمن فترة معينة بما ينسجم مع تنظيم سوق التأمين في الإقليم.

 

أخذت علماً باسم شركة الحمراء للتأمين وذكرته في هامش مقالتي “ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي” بالإشارة إلى رسالتك.  أشكرك على هذا التوضيح.

 

لندن 19 كانون الأول 2011

 

رسالة المحامي منذر الأسود

 

عزيزي الأخ مصباح المحترم

 

أنا الذي أشكركم على ثقتكم بنا.

 

والله، بعد اطلاعي وقراءتي لمقالتك (ملامح من محنة قطاع التامين العراقي)، قد كفيت ووفيت وأتمنى أن تكون هناك آذان صاغية من أصحاب القرار لما ورد في مقالتكم، بالرغم من وجود معوقات كثيرة ومفارقات ومحن ومن عدة جهات، والإهمال المتعمد في بعض الأحيان.  وكما تقول (هذا الوضع يعكس غياب الرؤية الاقتصادية والسياسات الموجهة، يضاف لها هشاشة الثقافة التأمينية على المستوى المؤسسي والشعبي).

 

برأي أن أساس المحنة هو الأمر رقم 10 لسنة 2005 (قانون تنظيم أعمال التامين).  وأرى أن وزارة المالية ومستشاري مجلس الوزراء والبرلمان هم بعيدين جدا جداً من إعادة النظر بهذا القانون.

 

لقد أشرتم في ص 2 من مقالتكم (محنة التامين في إقليم كردستان العراق)، وأود اطلاعكم على مضمون توجيهات اللجنة المشكلة في إقليم كردستان، وقد بلغ علمي انه أقرت فعلا وإنني اسميها (بالمصيبة والمأساة).  أرفق لكم صورة عن هذه التوصيات وهي توصيات غريبة جدا جداً وتضم مطالب تعجيزية.  اقترح عليكم الاتصال بالأخ  فؤاد شمقار حيث قدم ملاحظاته بتاريخ 6/7/2011 بـ (9)  صفحة إلى رئيس مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان د. برهم احمد صالح قبل إقرار التوصيات والتي لم يؤخذ بكل أو بعض مما جاء برسالة الأخ فؤاد شمقار.

 

هذا وقد أشرتم في ص5 بان مجموع دخل أقساط إحدى شركات التامين الخاصة، النشطة، سنة 2010 ما يزيد عن مليار ونصف المليار دينار عراقي.  إن الشركة المقصودة هي (شركة الحمراء للتامين).

وتفضلوا بقبول فائق الشكر والاحترام.

 

المحامي / منذر عباس الأسود

 

بغداد 18/12/2011


[1] فؤاد شمقار: “دستور جمهورية العراق وقانون تنظيم أعمال التأمين ورغبة سلطات إقليم كوردستان في تنظيم القطاع والإشراف عليه” مرصد التأمين العراقي

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/05/10/the-constitution-insurance-law-federal-regional-regulation/

 

[2] أنظر مصباح كمال: “ضوابط تنظيم أعمال التأمين في إقليم كوردستان العراق: ملاحظات نقدية” مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.com/2008/02/blog-post_22.html#!/2008/02/blog-post_22.html

 

Oil Licensing Rounds & Insurance Implications: disussion with Dr S Z Al-Saadi

اتفاقيات النفط الجديدة وآثارها التأمينية

مناقشة لبعض تصورات د. صبري زاير السعدي

 

نشرت هذه المقالة في المستقبل العربي، العدد 394، كانون الأول/ديسمبر 2011، ص135-142.

مصباح كمال

 

جاء في دراسة جديدة للدكتور السعدي (“الاقتصاد السياسي لتنامي قوة النفط في العراق: مرحلة حاسمة،” المستقبل العربي، العدد 378، آب 2010):

 

“إن من المتصور أن تبرز التطورات الرئيسية التالية نتيجة اتفاقيات النفط الجديدة:

 

1-         تزايد هيمنة السلطة الحاكمة.

2-     تزايد دور القطاع الخاص الوطني، وخاصة قطاع التشييد (المقاولات) والصناعات المرتبطة به، وفي الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وفي قليل من الشركات المساهمة الكبيرة.  ولكن، ستبقى ضرائب الربح والدخل هامشية.

3-     تراجع أهمية القطاع العام في الصناعة التحويلية والزراعة والمشاريع الخدمية، بينما سيحافظ على دوره في التمويل وفي تسيير مشاريع البنية الأساسية الاستراتيجية.

4-        تزايد نفوذ الماليين والصناعيين والتجار والمزارعين الأغنياء والمهنيين في قطاع الخدمات المالية.

5-        تزايد دور البنوك والسوق المالية وشركات التأمين وبقية الخدمات المالية.

6-        تزايد أهمية الطبقة الوسطى في الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية.

7-        تزايد دور ريادة القطاع الخاص في تطوير التكنولوجيا وفي الإدارة الكفء للشركات والمشاريع.

8-   ستزداد أهمية نظام الأمن والرفاه الاجتماعيين للحفاظ على منافع العاطلين عن العمل، وكبار السن، والمتقاعدين، والفقراء.[1]

 

يتابع الدكتور السعدي في هذه الدراسة موضوع الريع النفطي بعد أن كتب عنها العديد من الدراسات الأخرى بالعربية والإنجليزية، وثبت دور الموارد النفطية في تطوير (وكذلك تشويه) الاقتصاد العراقي في أحدث كتاب صدر له.[2]  قراءة التجربة القائمة منذ الغزو الأمريكي في 2003 كما يخبرنا الكاتب تبين ازدياد الدور الريعي للإيرادات النفطية دون أن يرتبط ذلك بتغيير في السياسة الاقتصادية وفي تشكيل الرؤية المنظمة لها.  لكن التصورات المقدمة، رغم خلفية التحليل الاقتصادي، أقرب إلى الاستنتاجات المنطقية وما يرتجيه الكاتب ضمن رؤيته للاقتصاد العراقي وتأكيده على الخروج من أسر الاقتصاد ذو البعد الواحد وتنويع مصادره بالتوازي مع الموارد الريعية.

 

هذه تصورات يمكن أن تتحقق على أرض الواقع كما يعرضها د. صبري أو تنحرف عن تصوراته فليس بالإمكان التحكم الكامل بما يسفر عنه الحراك الاجتماعي والسياسي ودينامية التطور الاقتصادي.  ويلاحظ على هذه التصورات أنها لم توضع في إطار زمني محدد يمكن خلالها أن تتجسد التصورات في سياسات ومؤسسات وكأنه يريد التأكيد على اتجاهات تنتظم الأفكار الاقتصادية النقدية السائدة والممارسات القائمة عليها.

 

تقتصر ملاحظاتنا في هذه الورقة على بعض التصورات التي اقتبسناها أعلاه لقناعتنا بعلاقتها بقطاع التأمين العراقي في الحاضر وما يرجى له في المستقبل.  وسنحاول إبراز بعض الآثار التأمينية للاتفاقيات النفطية.[3]

 

تزايد دور القطاع الخاص الوطني

تزايد دور القطاع الخاص الوطني، على خلفية اتفاقيات النفط الجديدة، قد يترتب عليه تزايد طلب القطاع للحماية التأمينية وخاصة الطلب على وثائق تأمين المقاولات، وهذا بافتراض أن عقود المقاولات الحكومية تشترط التأمين لدى شركات تأمين عراقية.[4]

 

المعلومات الأولية المتوفرة تشير إلى أن الأعمال “النفطية” التي ترسيها شركات النفط العالمية على شركات القطاع الخاص العراقي صغيرة الحجم وغير معقدة، وتنحصر في الوقت الحاضر بتشييد المسقفات والأعمال الصغيرة والبيوت السكنية المؤقتة في الحقول النفطية الخاضعة للتطوير.  أما الأعمال النفطية الأساسية والمعدات والمواد المتعلقة بها والمستوردة من الخارج فإنها ترسي على شركات الخدمات النفطية الأجنبية المتخصصة التي تقوم بأعمال حفر الآبار وصيانتها وما يتبعها من عمليات لإنتاج النفط وجمعه ونقله.  وهذه الشركات لها وثائق تأمين خاصة بها (وثائق مُجمّعة تغطي أعمالها في مختلف أنحاء العالم) مرتبة في أوطانها الأصلية ولا تفكر في إجراء التأمين على مخاطر أعمالها في العراق لدى شركات تأمين عراقية لا بل أن بعضها تستعين بشركات تأمين مقبوضة.[5]

تصور تزايد دور القطاع الخاص يقوم على فرضية أن الاستثمارات الأجنبية المادية المباشرة تجلب معها موارد للاقتصاد المحلي لم تكن موجودة أو فقيرة (تكنولوجيا متقدمة، مهارات عالية، كفاءة في الأداء، تنشيط الاقتصاد في مناطق تواجدها من خلال الطلب على الخدمات المحلية وغيرها).  امتداد تأثير هذه الاستثمارات spillover effect على جوانب مختلفة للاقتصاد المحلي قد لا يظهر آنياً والزمن كفيل لتأكيد صحة أو خطأ هذا التصور.

 

تراجع أهمية القطاع العام

تراجع القطاع العام في “الصناعة التحويلية والزراعة والمشاريع الخدمية” يترتب عليه انخفاض دخل شركات التأمين العامة من أقساط التأمين على منشآت الصناعة التحويلية والزراعية والخدمية لأن شركات القطاع العام تؤمن على أصولها المادية لدى شركات التأمين العامة.

 

ولو صحت تصورات الكاتب فإن انخفاض دخل شركات التأمين العامة (شركتين فقط) سيعوضه تزايد دخل شركات التأمين الخاصة وربما شركات التأمين الأجنبية التي ترغب في توطين عملياتها في العراق في المستقبل.  مصير شركات التأمين العامة ليس معروفاً في الوقت الحاضر ولم يطرح موضوع خصخصتها رسمياً.  هي الآن تتنافس مع شركات التأمين الخاصة على الأعمال غير الحكومية، ومتى ما تم تطبيق أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بشكل صحيح (أنظر أدناه تحت عنوان تزايد دور ريادة القطاع لخاص) عليها أن تتنافس أيضاً على تأمين الأعمال الحكومية.

 

تزايد دور ريادة القطاع الخاص في تطوير التكنولوجيا وفي الإدارة الكفء للشركات

حجم الأعمال التي تكتتب بها شركات التأمين الخاصة صغير، وهي وضعيفة في كوادرها الفنية في الوقت الحاضر مقارنة مع الشركتين العامتين لكن المستقبل سيكشف عن دور مهم لها، ضمن رؤية الدكتور السعدي، في إدخال تكنولوجيا المعلومات، وممارسة الإدارة دون الخضوع الكامل للبيروقراطية في العمل (توزيع مسؤولية اتخاذ القرار بدل حصرها بيد المدير المفوض أو المدير العام، الاستجابة الفورة لمطالب المؤمن لهم، الاستثمار في تحسين المهارات الفنية).  الوضع الحالي لهذه الشركات لا يشي بذلك إلا أن الضغط التنافسي، ومسؤولية الإدارة أمام المساهمين، وكذلك الدخول في عمليات دمج واستحواذ بما فيها الشراكة مع شركات تأمين أجنبية ذات قدرات فنية عالية سيدفع باتجاه تسنم بعض هذه الشركات مواقع الريادة في قطاع التأمين.

 

يشهد سوق التأمين العراقي حالة من فوضى التنافس على الأسعار بين بعض الشركات القائمة وضعف الخدمات يتطلب تدخلاً من ديوان التأمين العراقي لضبط الأوضاع باعتباره القيّم على مصالح المؤمن لهم.  ولعل الالتزام بأحكام قانون التأمين سيوفر آنياً أحد شروط تقدم الشركات الخاصة في تنافسها مع شركات التأمين العامة.  فمن المفترض أن يجري التأمين على الأصول العامة للوزارات والمؤسسات الرسمية حسب ما يقضي به قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بموجب الفقرة الثالثة من المادة 81 والتي تنص على ما يلي:

 

“يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.”

 

القطاع العام لا يلتزم بهذه الماجة ولم يجري تصحيح لهذا الوضع لأن “العادات قاهرات” كما يقال، فالمسؤولين[6] عن التأمين في الوزارات يميلون إلى التأمين مع شركات التأمين العامة بحكم العادة أو بسبب الجهل بأحكام قانون التأمين.  ولم تنجح شركات التأمين الخاصة في محاولاتها العديدة مع المؤسسات المعنية لتغير هذا الوضع.  وبالطبع فإن شركات التأمين العامة ساكتة عن هذا الموضوع وحتى جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية ليست معنية به بسبب تركيبة مجلس إدارتها.

 

أهمية نظام الأمن والرفاه الاجتماعيين

القول بأن أهمية نظام الأمن والرفاه الاجتماعيين ستزداد بفضل الاتفاقيات النفطية (زيادة الموارد المالية للدولة) يحتاج إلى تكييف لأن الميل العام لدى معظم أفراد الطبقة السياسية الحاكمة هو تقييد هذا النظام وليس التوسع فيه.  ومع هيمنة إيديولوجية الليبرالية الجديدة يصبح تعزيز هذا النظام صعباً، وما هو قائم منه لا ينهض على قناعات اقتصادية بأهمية بناء دولة الرفاهية وإدارة الطلب العام بقدر ما هو موضوع للتنافس السياسي بين مكونات الطبقة السياسية.[7]  لكن إحدى نتائج تقليص العبء المالي على الدولة هوالدفع باتجاه تحويل عبء الأمن والرفاه (الصحة والتعليم والمسنين وتقاعدهم) على الأفراد، ضمن التكييف لمتطلبات صندوق النقد الدولي الذي يجد دوره قائماً بفضل سياسة الاقتراض التي أرستها الحكومة الحالية.  الانحسار المخطط لدور الدولة قد يُعجّل من تعظيم دور شركات التأمين في تقديم منتجات تأمينية تستجيب للطلب على التأمين الطبي والرعاية الصحية والتعليم والمرتب التقاعدي من خلال وثائق التأمين على الحياة.

 

ويرتبط هذا التطور بتصور الدكتور السعدي عن “تزايد أهمية الطبقة الوسطى في الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية” وهذا يفترض تزايد دخول الطبقة الوسطى، وهي غير مُعرّفة الآن بدقة، ولكن ما يؤشر على وجودها هو الأعداد الكبيرة العاملة في أجهزة الدولة (الوزارات، البرلمان، رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية) وفي الإدارات المحلية وفي إقليم كردستان العراق والمنافع المادية المخصصة للبعض والفئات المنتفعة من ارتباطها بالحكومة وعقودها.

 

تزايد دور البنوك والسوق المالية وشركات التأمين

دور البنوك وشركات التأمين في الوساطة المالية وتمويل الاستثمار في الوقت الحاضر ضعيف جداً إن لم يكن معدوماً.  نقول هذا وفي بالنا، من باب المقارنة، ما يقوم به السوق المالي في الدول المتقدمة، فهو سوق تتم فيه المتاجرة بالأصول المالية.  وتشمل هذه:

 

بورصة المتاجرة بأسهم الشركات والدين العام

سوق النقد للمتاجرة بالقروض قصيرة الأجل

سوق المتاجرة بالعملات الأجنبية

سوق المتاجرة بالمشتقات المالية (وهذه ليست معروفة في العراق بعد)

 

يتصور الكاتب أن القطاع الخاص الوطني سيقوم بهذا الدور الاقتصادي (وفيما يخص هذه الورقة دور شركات التأمين كوسيط مالي وكقناة للصناديق الاستثمارية).  وقد لا نختلف مع هذا التقييم خاصة ونحن بإزاء مشروع تأسيس اقتصاد رأسمالي في العراق، لكن المعطيات الحالية لا تؤشر على دور مهم وكبير لشركات التأمين في تمويل النمو الاقتصادي فحجم أقساط التأمين المكتتبة في العراق لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات (أقل من عشرة ملايين دولار).

 

لم يشهد العراق منذ 2003 على دور مشهود لشركات التأمين في تمويل النمو الاقتصادي.  ومن المعروف في التاريخ الاقتصادي لبعض البلدان الغربية، ومنها بريطانيا، أن شركات التأمين كانت تلعب دوراً مهماً في تقديم القروض العقارية، وقروض للحكومة لتطوير المرافق العامة، وبناء أرصفة الموانئ، وقروض لشركات السكك الحديدية، والإدارات المحلية، والمساهمة في تطوير المرافق في مستعمرات التاج البريطاني، وقروض للإفراد بضمانة وثائق التأمين على الحياة وشراء أسهم وسندات المصانع الجديدة مساهمة بذلك في تطوير سوق لتداول رأس المال.[8]  هذه المقارنة قاسية لكننا أشرنا إليها لإبراز أهمية الموضوع.

 

الحديث عن التأمين وكأنه متغير مستقل ليس صحيحا إذ أن النشاط التأميني، رغم دوره “الإنتاجي” في حماية الأصول المادية من خلال التعويض المالي عن الأضرار والخسائر المادية (وفوات الأرباح إن كانت هذه موضوعاً للتأمين) التي تلحق بهذه الأصول، وكذلك دوره الاستثماري من خلال توظيف أرصدة أقساط التأمين المتجمعة لدى شركات التأمين في أصول مادية أو مالية، يظل نشاطاً تابعاً بامتياز للصناعة والزراعة وما يرتبط بهما من خدمات.  وعدا ذلك فإن النشاط التأميني في شقه الاستثماري يتأثر بالسياسة النقدية (تحقيق استقرار في المستوى العام للأسعار من خلال التحكم بعرض النقد ومعدلات الفائدة وحجم الائتمان المصرفي للحد من التضخم)، واستقرار في سعر الصرف) والمالية (الإنفاق الحكومي والضرائب).[9]

 

ونضيف إلي ذلك أن تحسن الأوضاع الأمنية سيشجع شركات تأمين أجنبية، ذات الإمكانيات الفنية والمالية العالية التي تستقدم كوادر مدربة من خارج العراق، وهو أمر غير مستبعد، على مزاولة العمل في سوق التأمين العراقي وبفضل مزاياها المالية والفنية تستطيع أن تكتسح الشركات العراقية القائمة.  وبذلك فإن دور شركات التأمين الوطنية سيؤول إلى التقلص.

 

إن سوء إدارة الاقتصاد الوطني، وغياب الصرامة القانونية (قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي وفر الغطاء القانوني للتأمين خارج العراق)، ومحدودية الوعي الاقتصادي والاجتماعي بالتأمين (ضعف عادة التدبر والاقتصاد thrift and prudence وسيكولوجية الاتكال والاستهانة بعواقب الأخطار لدى الناس) يفسر في الوقت الحاضر ضآلة حجم النشاط التأميني.  تراجع النشاط التأميني، مقارنة بعقد سبعينات القرن الماضي مثلاً، وهزاله الحالي مسألة تستحق المزيد من البحث العياني رغم قيامنا برصد بعض مظاهره في أوراق نشرناها سابقاً.  هناك عوامل أخرى تقف وراء مراوحة النشاط في مكانه: بيروقراطية إدارات شركات التأمين العامة، وهي الأكبر من بين الشركات، وضعف مبادراتها لبناء القدرات الفنية، وكذلك الافتقار إلى الكوادر المدربة لدى الشركات الخاصة، وضعف مساهمة شركات التأمين في ترويج عادة التدبر والاقتصاد لدى الناس، وسوء الأوضاع الأمنية وتفاقم الفقر والأمية الأبجدية والثقافية وغيرها من أسباب (ومنها عدم إلزامية التأمين على أخطار معينة، وضعف توسيع دائرة توزيع المنتجات التأمينية) تفسر إخفاقات قطاع التأمين العراقي الخاص والعام في تحقيق نقلة نوعية في أدائه والخروج من وضعه المأزوم.  ومن المفترض أن تزايد عدد شركات التأمين منذ سنة 2000 كان من شأنه أن يخلق تنافساً يؤدي إلى زيادة الطلب على التأمين (من خلال الجهد الإلحاحي في البيع sales pressure) لكن الزيادة لا تزال في حدودها الدنيا، والمنافسة تنحصر على أسعار التأمين ولا ترتبط بجودة الخدمات.

 

الملاحظات التي قدمناها عن تصورات د. صبري السعدي وربطها بقطاع التأمين يمكن أن توسع لتكون مادة لدراسة مستقلة، نظرية وميدانية، تغطي من بين عناوين أخرى:

 

تحديد النظام المالي في العراق – البنوك بضمنها المصرف المركزي، شركات التأمين، الوسطاء الماليون، سوق الأوراق المالية.

 

النظام المالي والاقتصاد العيني الإنتاجي (تمويل الاستثمارات الجديدة وتوسيع القدرات الإنتاجية).

 

العلاقة بين النشاط الاقتصادي بضمنه الاستثمارات العينية والنشاط التأميني واعتماد الأخير على النشاط الاقتصادي.

 

الوساطة المالية لشركات التأمين في العملية الاستثمارية – تدوير أرصدة التأمين نحو الاستثمار في الأوراق المالية وفي الاستثمار العيني.

 

ولكن مما يؤسف له أن الاهتمام الاقتصادي بالنشاط التأميني، كقطاع متميز، لم يلق عناية حقيقية.  وقد ذكرنا في الماضي في دراسة سابقة أن:

 

“قطاع التأمين لا يرقى في أهميته إلى قطاع النفط المهيمن على تفكير الاقتصاديين العراقيين.  وحتى العاملين في قطاع التأمين لم يدرسوا أهميته في المساهمة في الحفاظ على الثروات الوطنية (أي المساهمة في تجديد الأصول المتضررة من خلال تمويل التصليحات أو الاستبدال)، وكذلك دوره كوسيلة ادخارية فعّالة (وخاصة تأمينات الحياة)، والمساهمة في تكوين رأس المال، وإمكانية توفير فرص كبيرة للعمالة، وأخيراً دوره الحضاري في التقليل من النزاع الاجتماعي وتحويل عبء الاختلاف بين الأفراد إلى شركات التأمين (كما في تأمين المركبات).  وبعبارة أخرى، فإن دور التأمين في التنمية الاقتصادية لم يلقَ ما يستحقه من عناية الباحثين.”[10]

 

الآثار التأمينية للعقود النفطية الجديدة، في الفترة الحالية، محدودة الأثر فيما يخص مساهمتها في زيادة دخل الأقساط المكتتبة.  لكننا لا نعدم بعض الأثر في تعرُّف شركات التأمين العراقية على أغطية تأمينية جديدة لا عهد بها سابقاً، والدخول في معترك التعامل مع الشركات النفطية العالمية بصورة ضيقة مباشرة أو غير مباشرة، وتعزيز الثقة لديها في التلاؤم مع متطلبات عمل هذه الشركات رغم إمكانياتها الفنية والمالية الضعيفة.[11]

 

ومقارنة بالتوقعات العالية (المبالغ فيها كما يقول البعض) المرسومة لزيادة إنتاج النفط من الحقول القائمة وتلك الخاضعة للتطوير وما يترتب عليها من زيادة الواردات ورفع مستوى الصناعة النفطية[12] فإن المنفعة المتوقعة لقطاع التأمين سيكون صغيراً ما لم تتغير إدارة الاقتصاد وتتوضح معالم السياسة المرسومة لقطاع التأمين في العراق.[13]

 

لندن، أيلول/سبتمبر – تشرين الأول/أكتوبر 2010

misbahkamal@btinternet.com

 

 

[1]      يراد من هذا الاقتباس توفير السياق للقارئ الذي ربما لم يقرأ الدراسة، والاستفادة منه في ربط بعض عناصره مع تصور الكاتب لقطاع التأمين العراقي.  (يمكن قراءة الدراسة باستخدام هذا الرابط:

http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_378_42-60%20sabri%20alsaadi.pdf

ونشرت الدراسة باللغة الإنجليزية، بصيغة معدلة:

Sabri Zire al-Saadi, “Growing Oil Power Reshaping Iraq’s Future,” Middle East Economic Survey (MEES), VOL. LIII, No 32, 9-Aug-2010.

http://www.mees.com/postedarticles/oped/v53n32-5OD01.htm

2           صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث: النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني: 1951-2006 (بغداد ودمشق وبيروت: دار المدى، 2009).

 

3           نفترض أن تحليل الدكتور السعدي يمتد ليشمل ضمناً الاتفاقيات النفطية التي عقدتها حكومة إقليم كردستان العراق مع شركات نفطية أجنبية.  والمعروف أن الموارد المترتبة على تصدير النفط من الإقليم تحول إلى الخزينة الاتحادية لكن سياسة الإنفاق لحكومة الإقليم لا تعكس بالضرورة سياسة الإنفاق الاتحادي.  يعني هذا أن تصورات الدكتور السعدي لا تمتد إلى التطورات المرتقبة في الإقليم.  ولعله يوسع دراسته مستقبلاً لإدخال اقتصاد الإقليم في تحليله.

 

4          شرط التأمين في بعض عقود التراخيص النفطية واضح في النص على التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق، وإن لم يتوفر غطاء التأمين المطلوب في العراق يحق عندها لشركة النفط الأجنبية التأمين خارج العراق.  وهناك إشكالية جديدة يبدو أن وزارة النفط أو إحدى الشركات التابعة لها قد خلقتها بسبب ما يبدو على أنه تجاوز لأحكام قانون تأمين تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في حصر التأمين مع شركة محددة.  وهذا موضوع يستحق الرصد والدراسة المستقلة.

 

5           أنظر: مصباح كمالالشركات الأجنبية وشركات التأمين العراقية وضرورة تعديل قانون تنظيم التأمين لسنة 2005.  يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية:

Iraq Insurance Review, http://misbahkamal.blogspot.com/2009/03/2005-29-2009.html

 

6           ليس في الوزارات العراقية والمؤسسات التابعة لها وكذلك شركات القطاع العام والقطاع المختلط موقع وظيفي لما يعرف بمدير التأمين وإدارة الخطر.  ولذلك فتوصيف “المسؤولين عن التأمين”، رغم عموميته، صحيح.  وينطبق هذا الوضع حتى على الصناعة النفطية.  والملاحظ أن مسؤولية التأمين تتوزع على قسم الحسابات أو قسم الحقوق أو مكتب الوزير وغير ذلك.  أي ان الاختصاص في إدارة التأمين يكاد أن يكون مفقوداً في مؤسسات الدولة.  وذات الوضع يكرر نفسه بالنسبة للقطاع الخاص.  ويستنتج من هذا الوضع القائم أن التأمين لا يحتل مكاناً مهماً في التنظيم الإداري للمؤسسات الرسمية والخاصة.

 

7         لقراءة مغايرة للموضوع أنظر مصباح كمال “التأمينات الاجتماعية في العراق: قراءة لموقف الحزب الشيوعي العراقي”، الثقافة الجديدة، العدد 338، 2010.  يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/2010/08/338-2010-56-65.html

 

8           Barry Supple, The Royal Exchange Assurance: A History of British Insurance 1720–1970 (Cambridge: Cambridge University Press, 1970), pp 326, 330

            Michael Moss, Standard Life, 1825-2000 (Edinburg: Mainstream Publishing, 2000), pp 11, 73, 78, 97.

9           مصباح كمال، “التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية”

http://misbahkamal.blogspot.com/2010/07/336-2010-36-49.html

نشرت نسخة معدلة من هذا النص في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 336‘ 2010، ص36-49.

 

10        مصباح كمال “التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة” مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية.

http://misbahkamal.blogspot.com/2008/06/2002-73-96.html

وقد نشرت هذه الدراسة تحت نفس العنوان كفصل في كتاب جماعي بعنوان دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 73-96.

 

11          مصباح كمال “”الاتفاقية الأولية” بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك” دراسة غير منشورة تم توزيعها على مدراء شركات التأمين العراقية.

 

12            وليد خدوري،”معلومات متضاربة حول زيادة طاقة إنتاج النفط في العراق” الحياة، 29 آب/اغسطس 2010.

 

13     أنظر: “السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً” الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009).  يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/12/2009.html

أنظر أيضاً مصباح كمال: “على هامش مسألة اعتماد سياسة للتأمين وإعادة التأمين في العراق” مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/view/magazine#!/2010/07/httpmisbahkamal.html

Association, Diwan & Professional Development

التدريب المهني بين الجمعية والديوان: ملاحظات أولية

مصباح كمال

الإطار العام للتدريب التأميني

 

في عرض لبعض قضايا قطاع التأمين العراقي، ودعوتنا لمناقشتها، كتبنا الآتي في حزيران 2006 تحت العنوان الفرعي “التدريب المهني ودور جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية وديوان التأمين العراقي

قد يكون النقص في الكادر الوظيفي المدرب واحدة من أهم المشاكل التي تعاني منها صناعة التأمين في العراق وأسبابه تنحصر في هجرة وتهجير الكوادر خلال ما يزيد عن الثلاثين سنة من عمر الدكتاتورية،[1] والحصار الدولي (آب 1990- أيار 2003) الذي فاقم من انعدام فرص الارتباط بالعالم الخارجي والتعلم في مجال التأمين كان من أحد نتائجه تقليص مهارة العاملين إلى حد نزعها عنهم deprofessionlisation.  هناك الآن فجوة بين الصف الأول والصف الثاني والثالث.  وردم هذه الفجوة يتطلب جهداً جماعياً وتمويلاً من داخل وخارج القطاع.  ومن هنا التعويل، إلى حد ما، على الجمعية والديوان فكلاهما يستطيعان رسم السياسات وتوفير الفرص والتحري عن مصادر تمويل النشاط التدريبي.  أذكر أنني تعلمت الكثير من أصول التأمين في دورة تأمينية ابتدائية أواخر عام 1968 عندما التحقت بشركة التأمين الوطنية في بغداد.  أليس هناك همة كافية في محاكاة تجارب الماضي؟

بدون الكادر المتدرب، التكنولوجيا الحقيقية في صناعة التأمين، سيكون من الصعب التعامل مع الأخطار الكبيرة وستتعرّض شركات التأمين لفقدان دورها في العملية الاكتتابية وحتى التواصل الاحترافي اللائق مع معيدي ووسطاء التأمين الدوليين.  وليس صحيحاً إبقاء التعامل محصوراً في الإدارة العليا للشركة فحتى الإدارة تحتاج إلى مشاركة كوادرها، ولذلك يصبح تأهيل وإعادة تأهيل هؤلاء ضرورياً.[2]

دعوتنا هذه ما زالت قائمة رغم الجهود التي تبذلها الجمعية وشركات التأمين العامة لتطوير معارف ومهارات العاملات والعاملين الجدد في قطاع التأمين، وكذلك الحفاظ على المستوى المهني للكوادر القديمة والعمل على تجديده في ظل المتغيرات في بنية قطاع التأمين منذ 1997 وخاصة بعد صدور قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.  وما ورد في هذا التقييم سنة 2006 ينطبق على واقع التدريب سنة 2011 مع بعض التغييرات.  ونود هنا إضافة بعض الملاحظات السريعة للتأكيد على أن مراقبة التدريب في شركات التأمين مسألة تنظيمية تقع تحت مظلة الديوان.

الجمعية والتدريب: الإطار القانوني

 

جاء في المادة 6 من النظام الداخلي للجمعية أن الجمعية، التي تأسست بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، تهدف إلى رعاية وأخلاقيات مهنة التامين وكذلك، وهو ما يعنينا هنا:

“وضع أسس واصول ممارسة مهنة التأمين وإلزام أعضاءها على التقيد بها

تأهيل وتدريب الموظفين لدى أعضاءها والوسطاء، وخبراء التسوية، وإنشاء مكتبة تأمينية قانونية وعقد الندوات والمؤتمرات المهنية والدورات التدريبية.”

لنتوقف قليلاً عند الهدف المرسوم للجمعية في مجال التدريب، أي

“تأهيل وتدريب الموظفين لدى أعضاءها والوسطاء، وخبراء التسوية، وإنشاء مكتبة تأمينية (قانونية) وعقد الندوات والمؤتمرات المهنية والدورات التدريبية.”

نعتقد أن إعطاء الأولوية لمسألة “تأهيل” الموظفين فيه طموح غير مبرر ضمن الإمكانيات الفنية والموارد المتاحة للجمعية.  فمسألة التأهيل تحتاج إلى معهد تأميني له طاقم من التدريسيين ونصوص تدريسية (منهاج دراسي) تناسب المستويات المختلفة للموظفات والموظفين لتأهيلهم بشهادة معينة بعد فترة دراسية محددة تمنح بعد النجاح في اختبار تحريري.  ربما لم يكن قصدُ من كتبَ نظام الجمعية التأهيل بعد اختبار بل إعداد الموظفين لممارسة متطلبات العملية التأمينية بمعرفة وبدرجة من المهارة إذ أن التأهيل، بهذا المعنى العام، يرد أيضاً في قانون سنة 2005: “توفير كفاءات بشرية مؤهلة لممارسة اعمال التامين بما في ذلك تأسيس معهد لهذه الغاية” لولا أنه يقترن بتأسيس معهد.  وقد استخدمت التأهيل بهذا المعنى في الفقرة المقتبسة في أول المقالة.

لا أعرف لِمَ النص بالتحديد في نظام الجمعية على “إنشاء مكتبة تأمينية قانونية” فالمعروف أن النشاط التأميني يقوم على أسس قانونية ورياضية وإحصائية واقتصادية ومحاسبية .. الخ.  وبالتالي فإن المكتبة المرجوة يجب أن تغطي مجموعة المعارف التي تنتظم أعمال التأمين بما فيها المعرف العلمية الهندسية وغيرها ذات العلاقة.

الديوان والتدريب: الإطار القانوني

 

الهدف الذي حدده النظام الداخلي للجمعية يجد تعبيره في المادة 6 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 نقتبسها بالكامل لأن عناصرها مكملة لبعضها كما أن تحقيق الهدف المركزي للوظيفة الرقابية (حماية حقوق المؤمن لهم) يرتبط مباشرة بتوفر الكفاءات البشرية المؤهلة:

يهدف الديوان الى تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:

اولا – حماية حقوق المؤمن لهم والمستفيدين من اعمال التامين ومراقبة الملاءة المالية للمؤمنين لتوفير غطاء تأميني كاف لحماية هذه الحقوق.

ثانيا – رفع اداء المؤمنين وكفاءتهم والزامهم بقواعد ممارسة المهنة وآدابها لزيادة قدرتهم على تقديم خدمات افضل للمواطنين المستفيدين من التامين.

ثالثا – توفير كفاءات بشرية مؤهلة لممارسة اعمال التامين بما في ذلك تأسيس معهد لهذه الغاية.

رابعا – تنمية الوعي التأميني واعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بأعمال التامين ونشرها.

خامسا – توثيق روابط التعاون والتكامل مع جهات تنظيم قطاع التامين على المستويين العربي والعالمي.

سادسا – اي مهام اخرى تتعلق بقطاع التامين يقترحها رئيس الديوان ويوافق عليها الوزير لتنظيم سوق التامين.

هذه الأحكام في قانون 2005 تؤكد على أن التدريب ليست مسألة اختيارية تلجأ لها شركات التأمين لتعزيز سمعتها في السوق وتعظيم قدراتها التنافسية في تقديم الخدمات وتطوير المنتجات التأمينية.  فبفضل هذه الأحكام أصبح التدريب موضوعاً للرقابة، ولكن مما يؤسف له أن القانون يخلو من تحديد لوظيفة التدريب في شركات التأمين (مفردة “التدريب” لا ترد في القانون).  ربما يصبح التدريب (“توفير كفاءات بشرية مؤهلة” كما يقضي القانون) موضوعاً لتعليمات تفصيلية لاحقة تحدد فيها عدد ساعات التدريب للعاملين في الشركات، وأنماط التدريب، والضوابط المنظمة لامتثال الشركات لمتطلبات التدريب والغرامات وغيرها من العقوبات التي تتعرض لها الشركات في حالة فشلها في الالتزام بهذه التعليمات.  نرجو من الديوان الانتباه لهذا الموضوع ووضع التعليمات المناسبة.

غياب سياسة وبرنامج وطني للتدريب

 

حسب المعلومات المتوفرة لدينا لا يوجد في الوقت الحاضر سياسة تدريبية واضحة لدى الجمعية أو الديوان مُلزمة للقطاع، ولم يتقدم الديوان منذ تأسيسه ببرنامج للتدريب.[3]  نعم هناك دورات تدريبية تقوم بها الجمعية[4] أو إحدى الشركات، وهناك المشاركة في ندوة أو ورشة في الخارج إلا أن هذه تتم من موقف الاستفادة مما هو متوفر وليس تنفيذاً للمتطلبات الرقابية وتقتصر على العناصر الشابة الجديدة العاملة في القطاع.  ولا نعرف إن كانت الدورات التدريبية تشمل المتمرسين لإحاطتهم بمستجدات المعرفة التأمينية والمنتجات المستحدثة.  كما لا نعرف إن كان هناك تصور، دونكم سياسة واضحة، بشأن التطوير المهني المستمر continuous professional development وهو نشاط يخضع للرقابة في أسواق التأمين المتقدمة.

إذا كانت أهداف الديوان والجمعية متماثلة فيما يخص التأهيل المهني professional qualifications أليس من الأفضل توحيد جهود الطرفين خاصة وأن الكوادر المحلية القادرة على تدريب الجيل الجديد محدودة في عددها ومواردها المعرفية.  نقول هذا اعتماداً على ما هو ملاحظ في معظم المهن، فليس كل من يمارس المهنة بحذاقة هو بالضرورة تدريسي جيد – أي يمتلك قدرات المُعلم، المُدرّس، الذي يستطيع توصيل المعرفة إلى المتلقي.  وإزاء هذا الوضع فإن المدرب بحاجة إلى تدريب من نوع خاص لجعله متمكنا من استخدام وسائل التعليم.

إطلالة على بعض إشكاليات التدريب

بعض إشكاليات التدريب تتمثل في الكلفة الاقتصادية، أعني تمويل التدريب، وهذه تشمل الكلفة المادية المنظورة (خاصة عندما يكون التدريب خارج العراق: تكاليف السفر والإقامة وربما أجور المشاركة) والكلفة غير المنظورة (غياب الموظف من موقعه لبضعة أيام أو أسابيع مما يعني خسارة آنية في الإنتاج).

الإشكالية الأخرى هي “التسرب” من الشركات العامة إلى الشركات الخاصة، أعني ترك الموظف المتدرب لموقعه الوظيفي للعمل، ربما لقاء أجر ومنافع أفضل، لدى شركة تأمين أخرى.  من المعروف أن إنفاق شركات التأمين الخاصة على التدريب ضعيف أو غير موجود.  الكوادر المدربة للشركات العامة عرضة “للاختطاف” من قبل الشركات الخاصة من خلال عرض رواتب وامتيازات ربما لا تستطيع شركات التأمين العامة تقديمها بسبب ارتباطها بسلم الترقيات وغيرها من القواعد المفروضة بقوة القوانين والتعليمات الرسمية.

الخاسر الأساسي من التسرب هي شركات التأمين العامة التي انفقت على التدريب ولم تستفد من نتائجه.  هذا الوضع الذي وصفناه شبيه بهجرة العقول من دول الجنوب (“العالم الثالث” كما كان يوصف في النصف الثاني من القرن العشرين) إلى الشمال.  مقابل ذلك فإن المستفيد المباشر على المستوى الشخصي هو الكادر “المختطف” وعلى مستوى الشركات شركات التأمين الخاصة.  إلا أن النظرة الموسعة تتيح لنا القول ان سوق التأمين العراقي ككل هو المستفيد من تحرك الكوادر بين الشركات: نقل المهارات من شركة إلى أخرى يعني رفع مستوى “اداء المؤمنين وكفاءتهم والزامهم بقواعد ممارسة المهنة وآدابها لزيادة قدرتهم على تقديم خدمات افضل للمواطنين المستفيدين من التامين” كما يرد في قانون 2005.

هذا الوضع، انتقال الكوادر بين الشركات، يجد له حضوراً في أسواق التأمين الأخرى وخاصة المفتوحة منها – كما هو الحال، على سبيل المثال، في سوق لندن.  وبالنسبة لسوق التأمين العراقي فإن خسارته الفعلية تتحقق عند تسرب الكوادر خارج العراق، وهو ما حصل خلال العقود الثلاثة من القرن الماضي إذ أن هذا التسرب يعني خلق فجوة في الخبرات والمعارف المتراكمة.

لا تستطيع جميع شركات التأمين العراقية توفير برامج تدريبية لموظفيها بسبب ضعف مواردها المالية، ولذلك فهي ستعتمد بالضرورة على ما تقدمه الجمعية أو الديوان من دورات على المستوى الوطني.  ومن المهم لجميع الشركات تخصيص نسبة معينة من ميزانياتها السنوية للتدريب والتعليم.

إن غضضنا النظر عن موضوع عدم كفاية أعضاء هيئة التدريب في الوقت الحاضر وغياب المدرب المتخصص المتفرغ تبقى مسألة تمويل برامج التدريب بحاجة إلى حل.  هذا الموضوع يستوجب عناية من الجمعية والديوان معاً لتنسيق الجهود لتوفير موارد مالية من داخل وخارج العراق، وكذلك تعظيم الاستفادة من فرص التدريب في الخارج (المراكز العربية والأجنبية وكذلك شركات التأمين والوساطة) حيثما كان بالإمكان توزيع التكاليف بين طالب التدريب ومقدمه.  هذا الوضع يجب أن لا يطول كثيراً إن جرى العمل حثيثاً على تطوير الكوادر في الداخل للبدء بالتدريس والتدريب المستمر لجميع العاملين في القطاع.  ومهما يكن الأمر فإن التعكز على التدريب المهني دون تحمّل التكاليف، أو بعض التكاليف، لم يعد هو السائد إذ صارت شركات التأمين والوساطة وغيرها تستعين بمصادر خارجية outsource لتدريب العاملين لديها بدلاً من تشكيل قسم متخصص للتدريب.

استمرار البحث في التدريب والتعليم المهني المستمر

آمل أن أكون قد فتحتُ الباب، من خلال هذه الملاحظات، أمام من يعنيهم الأمر، لدراسة إشكاليات التدريب والدراسة التأمينية في العراق.[5]  ولعلنا نقرأ قريباً ورقة تفصيلية من الجمعية أو الديوان عن هذا الموضوع إذ أن ورقتنا هذه ليست إلا مجموعة ملاحظات لاستثارة النقاش.  بعدها ربما تقوم الجمعية أو الديوان بإعداد “دليل” للتدريب والتعليم المهني على المستوى الاتحادي.

لندن 28 تشرين الثاني 2011


[1]          أنظر: مصباح كمال “التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة” في كتاب المنتدى الاقتصادي العراقي  دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 86-87.

 

لن يستطيع أي شخص ممارسة مهنة المحاماة أو الطب ما لم يكن مؤهلاً لها (بضع سنوات من الدراسة والتدريب) أي أن المهنة مغلقة closed profession.  مهنة التأمين خلافاً لغيرها ما زالت مفتوحة open profession لأنها لا تضع قيوداً لمن يريد أن يدخلها ما خلا انتقاء أصحاب العمل لمن يرون فيهم امتلاك مزايا معينة.  لكن الميل في الأسواق المتقدمة هو نحو تضييق باب الدخول وجعل المهنة قائمة على الاحتراف professionalisation وعلى سبيل المثال، لا يمكن لوسيط التأمين في سوق لندن أن يمارس أعمال الوساطة في لويدز ما لم يكن حائزاً على شهادة أولية خاصة بالمعارف والمهارات التأمينية الأساسية، وكذا الأمر بالنسبة لمكتتبي التأمين.  كما أن السلطة الرقابية على الخدمات المالية في المملكة المتحدة  Financial Services Authority (FSA) تشترط على من يخضع لإشرافها، كشركات التأمين والوساطة والمصارف وغيرها، استمرار العاملين فيها على التعلم المهني المستمر  continuing professional education (CPA) الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً عديدة من دورات تدريبية ودراسة مهنية إلى قراءة المطبوعات الخاصة بالمهنة.

 

ويحدونا الأمل تطوير مهنة التأمين في العراق بما يتناسب مع متطلباتها والارتقاء بها لتحتل موقعاً متميزاً لها بين المهن الأخرى ولتكون في مصاف قريناتها في الأسواق المتقدمة للاستجابة لحاجات الزبائن وخاصة الحاجات المعقدة للشركات.

 

[2]مصباح كمال: “بعض قضايا صناعة التأمين في العراق: دعوة للنقاش” مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.com/view/mosaic#!/2008/02/1162006.html

وينشر كملحق في كتابنا قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم نقدي المؤمل أن ينشر قريباً من قبل شركة التأمين الوطنية، بغداد.

 

[3]وقع الديوان، بعد تأسيس، مذكرة تفاهم مع الجمعية الوطنية لمفوضي التأمين الأمريكية (NAIC)تضمنت فقرة عن التعاون في مجال التدريب.  لم ينشأ أي تطور عن هذه المذكرة – حسب علمنا.

[4]ليست لدينا معلومات إن كانت هذه الدورات تضم مرشحين من شركات التأمين العاملة في إقليم كردستان العراق.

[5]لا أعني بالدراسة التأمينية هنا الدراسة الأكاديمية.  كما لم أذكر مناهج الدراسة لدى معهد التأمين القانوني في لندن، أو التدريب الأولي العام والتدريب النوعي المتخصص، وأهمية اللغة الإنجليزية.


ذيل

كنت قد عرضت مقالتي على الزميل فلاح حسن، المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية، لاطلاعه عليها والإضافة عليها وتصحيح أية أخطاء في المعلومات التي أوردتها، فكتب لي الرسالة التالية التي تلقي الضوء على النشاط التدريبي للجمعية.  أنشر الرسالة كذيل للمقالة لأنها تضم معلومات مهمة، وتعكس طموحاً لزميلنا للارتقاء بمستوى التدريب.

أتمنى أن أرى تعاوناً بين الجمعية والديوان، وتنسيقاً بينهما مع معهد التأمين، التابع إلى كلية الإدارة/جامعة بغداد، ومعهد التدريب المالي والمحاسبي التابع لوزارة المالية لوضع برنامج وطني اتحادي للتدريب والتأهيل التأميني.  وقد تلمست توجهاً لدى وزارة التعليم العالي لتحديد التخصصات الدقيقة التي يحتاجها العراق.  جاء ذلك في كتاب وجهه المستشار الثقافي لسفارة جمهورية العراق في لندن، من خلال رابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة.  وقد كتبت، فيما يخص التأمين، الرسالة التالية إلى مكتب المستشار الثقافي:

“أرفق استمارة التخصصات الدقيقة، اقتصرت فيها على ما له علاقة بالتأمينات العامة وإدارة الخطر والعلوم الاكتوارية خاصة ما يتعلق منها بتأمينات الحياة.  هناك عدة جامعات بريطانية تمنح شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه خاصة فيما يتعلق بالعلوم الاكتوارية وكذلك معهد التأمين القانوني Chartered Insurance Institute. لا يوجد داخل العراق من يحمل شهادة زمالة معهد التأمين القانوني.  كان لنا مهندساً يعمل في شركة إعادة التأمين العراقية في بغداد يحمل هذه الشهادة وقد هاجر العراق، ويعمل الآن في البحرين.

قطاع التأمين العراقي يفتقر إلى كوادر مؤهلة أكاديمياً في حقل إدارة الخطر والعلوم الاكتوارية. هناك حاجة ماسّة للاكتواريين للعمل في الأقسام المعنية في الجامعات العراقية، وفي شركات التأمين العامة والخاصة، وكذلك في أجهزة الدولة ومنها وزارة التخطيط والضمان الاجتماعي وغيرها. وربما يمكن التعاون مع شركات التأمين العامة (شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية) لتمويل مشترك لعدد من البعثات الدراسية.

آمل أن تكون هذه المعلومات مفيدة لكم.”

لقد ختمت مقالتي بالدعوة لاستمرار البحث في التدريب والتعليم المهني المستمر، وآمل أن تتظافر الجهود بهذا الشأن.

مصباح كمال

لندن 2 كانون الأول 2011


رسالة الزميل فلاح حسن

عزيزي مصباح

تحية طيبة

1                قانون تنظيم أعمال التأمين رقم ( 5 ) لسنة 2005 أشترط على أن يكون المدير المفوض لشركات التأمين ممن لهم خبرة وممارسة في التامين (المادة 45 أولا).

2                ان من أهداف جمعية التامين العراقية (وهذا هو أسمها حاليا) بموجب نظامها الداخلي فتح دورات تدريبية للعاملين في القطاع، وقد قامت الجمعية بهذه المهمة حيث أقامت لحد الآن خمسة دورات تدريبية عام 2011 وشملت مواضيع كل دورة على:

آ – تامين الحريق، دورة واحدة

ب- التأمين الهندسي، دورتين

جـ – التأمين البحري، دورة واحدة

د – إدارة الخطر وتأمين الحريق .

والجمعية جادة في ديمومة هذه الدورات وتنوعها واستمرارها على مدار السنة.

3        الدورات التدريبية التي تقيمها الجمعية مفتوحة لكل الشركات، ومنها شركات التأمين في إقليم كوردستان، وهي جزء من أهداف الجمعية في إقامة دورات مزودة بمنهاج دراسي.  وقد اقتصرت نطاق المعلومات المطروحة فيها على شرح نطاق ومحل التغطية لكل نوع من انواع التأمين، وشرح مضامين هذه الأغطية، وطريقة الاكتتاب بها مع توضيح الاستثناءات لكل غطاء.  توجه الجمعية في هذه المرحلة يقوم على أساس صقل معلومات الكوادر بما لها علاقة بالناحية التطبيقية.  ولكن الطموح المستقبلي القريب يستوجب منا التعمق الفني والقانوني ومواكبة تطور صناعة التأمين عالميا ونقله الى السوق العراقي من خلال قيام مؤتمرات وندوات لهذا الغرض، وهذا نيله ليس يسيرا ومعبدا كليا.  علما بأنه يوجد على المستوى الأكاديمي معهد التأمين، التابع إلى كلية الإدارة / جامعة بغداد، إضافة إلى وجود معهد التدريب المالي والمحاسبي التابع إلى وزارة المالية والأخير اجتياز دوراته يتم بعد إجراء اختبار تحريري.

4        اتفق معكم بأن علم صناعة التأمين علم متكامل بجوانبه القانونية والفنية والمعرفية وحتى يشمل علم السلوك البشري ومعرفة العلوم التطبيقية لوجود علاقة وثيقة بها بالنواحي التطبيقية عند أبرام وتنفيذ عقد التأمين.

5        سوق التأمين العراقي في الوقت الحاضر يفتقر إلى المعلومات عن المستجدات الحديثة في صناعة التأمين، وهذا تقصير مشترك ومتداخل.  كما يفتقر إلى مناهج التطوير لمواكبة صناعته المهنية بشكل ديناميكي مستمر.

6        فيما يتعلق بإشكاليات التدريب نود أحاطتكم علما بأن الدورات التي أقامتها الجمعية دورات مجانية لكون هدف الجمعية هو توسيع مشاركة كافة الشركات لتعم الفائدة وإن كانت في وقتها الحاضر لا تلبي الطموحات المرسومة لكنها تسد ثغرة أو تقلصها.

7        المنهج المستقبلي القريب هو وضع منهاج تدريبي بعد دراسة مقومات نهوضه وإعداد كوادره وتهيئة مستلزماته، وستكون على بينة من امر إعداده ومنهجه في حال إتمامه.

مع وافر التقدير والاحترام.

فلاح حسن

بغداد 2 كانون الأول 2011