Iraq’s Insurance Sector: prospects & challenges – critique

“قطاع التأمين في العراق: الإمكانيات والتحديات”

تعليق على بحث نور شدهان عدّاي

 

 

مصباح كمال

 

نشرت هذه الورقة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

مصباح كمال:* تقييم لبحث وزارة المالية الموسوم “قطاع التأمين في العراق: الإمكانيات والتحديات”

 

 

تقديم

 

 

بتاريخ 21 تموز 2017 أرسل لي الدكتور بارق شبر، منسق شبكة الاقتصاديين العراقيين، نسخة من بحث بعنوان “قطاع التأمين في العراق: الإمكانيات والتحديات”[1] واقترح عليَّ تقييم البحث بهدف النشر.  لم أشأ في البدء أن أقدم على كتابة هذا التعليق لولا النصيحة الحكيمة لصديقي وممارس التأمين العريق في العراق محمد مصطفى الكبيسي وكذلك تشجيع الدكتور بارق شبر.

 

الدراسات التأمينية المنشورة في العراق قليلة، والبحوث التي تجري في الجامعات والمعاهد لا تظهر للعلن.  لذلك لا يسع المرء إلا أن يرحبَّ بهذا البحث الطموح المنشور في موقع حكومي والذي بذلت صاحبتها جهداً واضحاً في إعداده خاصة مع استخدامها لبيانات إحصائية مهمة، وفي ذات الوقت يأمل المرء أن يحظى بحثها بعناية المهتمين بالشأن التأميني وخاصة من أصحاب القرار لأنه يضمُّ أفكاراً مهمة ومفيدة رغم ما يعتورها من ضعف في الصياغة هنا وهناك ربما كان بالإمكان تفاديها لو أُخضع النص لمراجعة وتحرير صارمين.

 

فيما يلي سأقدم عدداً من الملاحظات، تتفاوت في طولها، لبعض الأفكار والمعلومات التي وردت في البحث مع اقتباسات طويلة لتوفير السياق للقراء، بهدف فتح بابٍ للمناقشة نستفيد منها جميعاً في تقويم معارفنا المحدودة والدفع نحو تحقيق المزيد من البحوث التأمينية.  لكن هذه الاقتباسات ليست بديلاً عن القراءة المتأنية للنص الكامل للبحث.

 

وبودي أن أضيف بأنني قد عرضت هذه الملاحظات على الباحثة، ورأت أن نشرها يساهم في إثراء النقاش.  وكلانا متفقان على أهمية النقاش المفتوح لخدمة الفكر التأميني في العراق.

 

خطة البحث والمقدمة

 

يضم البحث مقدمة وثلاثة مباحث:

 

المبحث الأول: التوصيف النظري لقطاع التأمين (ص 3-10)

المبحث الثاني: تحليل مؤشرات اداء شركات التأمين العامة (ص 11-21)

المبحث الثالث: اشكالات قطاع التأمين وخطى [هكذا في الأصل] الإصلاح (ص 11-31)

 

بعد قراءة البحث خرجت بانطباع أن المبحث الأول ليس له ضرورة في هذا البحث المكرَّس لإمكانيات قطاع التأمين والتحديات التي يواجهها.  مثل هذا المبحث يفيد عند وضع كتاب عام عن التأمين وليس في دراسة محددة الموضوع.  كان من الأفضل، لذلك، تكريس المبحث الأول لوصف قطاع التأمين العراقي وبنيته الحالية مع إطلالة سريعة لتاريخه.  إضافة إلى ذلك، فإن ما يجعل التوصيف النظري في هذا المبحث نافلاً هو عدم ارتباطه مع المباحث الأخرى.

 

أما المقدمة ففيها الكثير من اللغة الإنشائية والجمل التعميمية.  على سبيل المثل، نقرأ التالي (ص 2): “فالتأمين وحده هو الوسيلة المثلى لحماية الممتلكات ووسائل الإنتاج ورؤوس الأموال.”  وهو قول يُلغي الوسائل الأخرى المستخدمة في منظومة إدارة الخطر الحديثة حيث يُشكّل التأمين الوسيلة الأخيرة التي يُلجأ إليها لإدارة الخطر بعد استنفاد الوسائل الأخرى لتحليل الأخطار، من خلال التشخيص والقياس لمصادر الخطر، ووسائل التحكم بآثارها هندسياً واعتماد وسائل السلامة والوقاية وغيرها قبل تحويل عبء الخطر على عاتق شركة التأمين.  ربما أنصرف ذهن الباحثة إلى مقارنة الكلفة الاقتصادية لإدارة الخطر من خلال وسائل غير تأمينية وإدارة الخطر من خلال آلية التأمين (بأشكالها المختلفة) وتفضيلها للتأمين على أنه الأقل كلفةً.[2]

 

ونقرأ أيضاً، في نفس الصفحة، وفي نفس السياق السابق، أن التأمين “ضمانة لحماية الأسرة والأفراد من كافة الأخطار التي قد يتعرضون لها.”  هو حقاً “ضمانة”، أو قل حماية بشروط، لكن القول إن الحماية التأمينية هي “من كافة الأخطار” فيه مبالغة غير مبررة ولا يستقيم مع حقيقة أن وثائق التأمين، وفي مختلف فروع التأمين، تكاد ألاّ تخلو من استثناءات لمسببات ضرر مختلفة ولممتلكات ومسؤوليات معينة.

 

وعدا ذلك، هل هناك ضرورة للفقرة الطويلة التالية في عرض جملة من الأفكار العريضة كمقدمة لدراسة “واقع التأمين في العراق في مرحلة تداعى فيها الوضع الأمني”؟

 

وعلى اعتبار ان صناعة التأمين صناعة عالمية لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية الدولية فيتوجب على هذه الصناعة مواكبة ومرافقة تلك الحياة الاقتصادية والسير معها جنباً الى جنب لكي تتفاعل مع تفاعلاتها المختلفة في إطار النظم الدولية أياً كان شكلها وتوجهاتها، ولكي يرقى بها بشكل مستمر بما يوافق التطورات الهائلة في المجالات التقنية والاقتصادية والدولية، ولكي تتمكن من مواكبة هذه التطورات في مبادئها وأسسها وتطبيقاتها العملية.  هذا ما يحتم وبدون أدنى شك على أعمال التأمين أن تواكب التقدم باعمالها ونشاطها الاقتصادي وترافقه وتلازمه في التنظيم وفي تفعيل دوره نحو تحقيق الأهداف التي ينبغي تحقيقها من هذه الأعمال للارتقاء بالمستوى التأميني على أكمل وجه وتحريك الساحة التأمينية وتطويرها من خلال مصداقية شركات التأمين، كفاءتها على استثمار المدخرات، وقدرتها على استيعاب التقدم بالتطورات الحديثة.(ص 2).

 

كان من المناسب هنا تقديم توصيف سريع لقطاع التأمين العراقي في الوقت الحاضر وتخلفه عن صناعة التأمين العالمية وكذلك صناعة التأمين في دول الجوار كي يحسّ القراء بعظم التحديات التي يواجهها القطاع في زيادة حجم الأعمال المكتتبة، وتطوير المعارف والمهارات الفنية واللغوية المطلوبة وغيرها.

 

ثم تقول الباحثة، في نفس الصفحة:

 

من جانب اخر سلطنا الضوء على بعض العوائق والمسببات التي ادت الى ضعف نشاط هذا القطاع، وعلى اساس ذلك تم اقتراح إستراتيجية توجه عمله في ظل المنافسة بين الشركات الحكومية والضبابية في عملها من اجل رسم خارطة طريق نروم من خلالها رسم ملامح ووضع تصورات لخلق بيئة ناجعة تزج المدخرات في استثمارات ذات مردود عالي وبالتالي المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية.

 

إن سوق التأمين العراقي كان قائماً على المنافسة بين شركات التأمين العامة (شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية) منذ إلغاء تخصص الشركتين في التأمينات العامة والتأمين على الحياة، على التوالي، سنة 1988.  وقد تغيَّر هذا الوضع، بفضل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وتأسيس شركات تأمين خاصة بدءاً من سنة 2000 حيث اتسع نطاق المنافسة ليضم جميع الشركات.  ولذلك فالقول بأن المنافسة هي بين الشركات الحكومية ليس صحيحاً.  وإذا كانت الباحثة معنية بإمكانيات وتحديات قطاع التأمين العراقي لماذا تحصر استراتيجية تطوير القطاع بشركات التأمين الحكومية.  أليس المطلوب تطوير قطاع التأمين بأكمله؟

 

ليس واضحاً في الاقتباس أعلاه ما هو المقصود بالضبابية في عمل شركات التأمين الحكومية.

 

 

 

المبحث الأول: التوصيف النظري لقطاع التأمين

 

 

قبل تقديم بعض الملاحظات نود التوقف عند مفردة “المناظير” التي استخدمتها الباحثة تحت عنوان “مفهوم التأمين” في هذا المبحث:

 

مما سبق نجد إن اكثر التعاريف شيوعاً [للتأمين من المنظور الاقتصادي، كما تقول الباحثة] والذي يمثل المناظير أو الجوانب الفكرية المكونة للمفهوم هو “مبالغ نقدية اختيارية او إلزامية الدفع يقابلها تعويض مادي عن خسائر مادية شريطة حصول الضرر.” (ص3)

 

“المناظير” مفردة غريبة في هذا المجال إذ أنها ذات علاقة بالتشخيصات الطبية.  ربما وردت خطاً في الطباعة، ولعل المقصود بها المنظورات perspectives.

 

وتمضي بالقول:

 

ومن هذا التعريف يمكن استنباط الأركان الرئيسة التي يقوم عليها مفهوم التأمين وهي كالاتي:

انه عقد بين طرفين طرف مستفيد هو المُؤمن وطرف آخر شبه مستفيد هو المُؤمن لديه.

وسيلة لتعويض مقابل التزام عدم الاخلاء بشروط العقد.

فكرة تعاونية تتحقق فيها المعاوضة. (ص4)

 

القول بأن أحد الأركان الرئيسة للتأمين هو أنه “عقد بين طرفين طرف مستفيد هو المُؤمن وطرف آخر شبه مستفيد هو المُؤمن لديه” ليس واضحاً: من هو المُؤمن ومن هو المؤمن لديه.  هل هناك خطأ في الطبع؟  ولماذا يكون المؤمن مستفيداً والمؤمن لديه شبه مستفيد؟  تجنباً لعدم الوضوح كان من المناسب استخدام المفردات الشائعة: المؤمِن (شركة التأمين) والمؤمَن له.

 

استنباط الباحثة لأركان التأمين لا يتسق مع ما هو شائع فمن المعروف أن الأركان الأساسية لعقد التأمين ثلاثة: ركن التراضي، وركن المحل، وركن السبب.[3]

 

ثم ان القول بأن التأمين “فكرة تعاونية تتحقق فيها المعاوضة” مسألة قابلة للنقاش رغم أنها صحيحة في ظاهرها، ذلك أن المعاوضة تستلزم تطابق قيمة ما يقدمه كل طرف في العقد (تطابق قيمة البدلين)، وهو ليس حاصلاً في عقد التأمين (الفرق الكبير بين قسط التأمين ومبلغ التعويض).  ومن المفيد هنا أن نقتبس ما كتبه الأستاذ بهاء بهيج شكري في سياق آخر:

 

إن الربا بنوعيه [ربا الفضل وربا النَساء] إنما يكون في عقود المعاوضة إذ يجب ان تتطابق قيمة البدلين وتتم المعاوضة في وقت واحد، اما التأمين فهو ليس عقد معاوضة (Commutative Contract) بل هو عقد تعويض (Contract of Indemnity) لذلك لا يشترط فيه تساوي البَدَلين وتزامن المبادلة.[4]

 

الفكرة الأساسية للخدمة التأمينية

 

في تقديمها لما أسمته “أشكال عقود التأمين،” والأصح هو خصائص التأمين،[5] تؤكد على فكرة أساسية تنتظم التأمين وهي:

 

ان العلاقة بين المُؤمن والمؤتمن علاقة رسمية لذا فهي التزام قانوني وتمتاز الخدمة المقدمة للمؤمن إنها خدمة آجلة وليست حاضرة كبقية الخدمات مما يترتب على ذلك طرائق خاصة في مجال التسويق، أنها وعد على ورقة تسمى وثيقة التأمين، وقد يتحقق الوعد أو لا يتحقق أو يتحقق بعد عشرات السنين، ومن ثم فان الخدمة التأمينية يتم الحصول عليها عند تحقق الحدث المُؤمن منه ولا يستطيع مشتري وثيقة التأمين أن يساوم في سعرها، لذا تتميز العلاقة بين المُؤمن والمُؤمن له بأنها مستمرة، إذ أن طبيعة معظم وثائق العقود تمتد من مدة عام حتى عشرين عاماً أو أكثر، وتقتضي هذه الخاصية أن يكون من ضمن أهداف التسويق الحفاظ على F العلاقة التي تربط الشركة بالزبون. (ص 4).

 

الفكرة الأساسية هي أن الخدمة التأمينية خدمة آجلة وليس حاضرة، وجاهزة للاستهلاك وقت الشراء (وهو ما يسميه البعض عكس دورة الإنتاج، فالإنتاج التأميني يتحقق بعد شراء طالبي التأمين للخدمة التأمينية)[6].  ومن هنا منشأ ما تسميه الباحثة بالطرائق الخاصة في مجال التسويق.[7]

 

إن الخدمة التأمينية هو وعد وقد يتحقق أو لا يتحقق بعد عشرات السنين من إبرام عقد التأمين.  وهنا يبدو أن الباحثة معنية بوثائق التأمين على الحياة التي تمتد لعدة سنوات أو وثائق تأمين المسؤولية المدنية التي تُستدعى للتعويض عن حادث وقع قبل عدة سنوات وربما عشرات السنين، كما هو الحال بالنسبة لوثائق التأمين التي تغطي المسؤوليات القانونية للشركات الصناعية تجاه العاملين أو الأطراف الثالثة فيما يتعلق بالإصابات الناتجة عن التعرض المستمر للأسبستوس، وبعضها يرجع إلى أربعينيات ولغاية سبعينيات القرن الماضي.

وتمضي في القول إن “الخدمة التأمينية يتم الحصول عليها عند تحقق الحدث المُؤمن منه ولا يستطيع مشتري وثيقة التأمين أن يساوم في سعرها.”  ليس واضحاً هنا إن كانت المساومة هي على سعر التأمين (قسط التأمين) أو التعويض عند تحقق الحدث المؤمن منه.  ولكن في كلا الحالين فإن عدم قدرة مشتري وثيقة التأمين (المؤمن له) على المساومة ليس صحيحاً في جميع الحالات ذلك أن تسعير تأمين المنشآت والمشاريع الصناعية الكبيرة، مثلاً، وكذلك تسوية تعويضاتها، تخضع دائماً للمساومة، وتتدخل اعتبارات عديدة في التسعير وفي التعويض.

 

تنتفي المساومة على أسعار التأمين عندما يكون سوق التأمين محتكراً من قبل شركة تأمين واحدة، أي عندما تكون المنافسة غير قائمة، أو عندما تكون هذه الأسعار مقررة من قبل جهة حكومية كما كان هو الحال في بعض أسواق التأمين بالنسبة لسعر التأمين الإلزامي للمسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات.

 

مزايا التأمين: المزايا الاقتصادية

 

تحت باب مزايا التأمين، ص 6-7، تستعرض الباحثة المزايا الاقتصادية لقطاع التأمين نقتبسها بالكامل لفائدة القراء:

 

١. يعد قطاع التأمين اداة مهمة ومتميزة من أدوات تجميع المدخرات، ومن ثم الاستثمار في دول العالم كافة، وخاصة في الدول النامية، إذ إن أقساط التأمين مجتمعة تعد وسيلة مهمة لدى الأفراد للادخار[8] تجمعها مؤسسات التأمين لتعيد استثمارها في مجالات الحياة المختلفة.

 

٢. يعتبر التأمين عاملاً هاماً تعتمد عليه الدولة الحديثة في محاربة الفقر الذي يترتب على البطالة والمرض والعجز وبلوغ سن الشيخوخة والوفاة والخسارة في الممتلكات بسبب الحريق أو السرقة أو الغرق.

 

٣. يعمل التأمين على تحقيق التوازن بين العرض والطلب ففي أثناء الرواج الاقتصادي يمكن للدولة التوسع في نطاق التغطية التأمينية بالنسبة للتأمينات الاجتماعية الإلزامية وذلك للحد من موجة التضخم. وفي حالة الكساد تعمل الدولة على زيادة مستوى إنفاقها ومن ثم زيادة الطلب.

 

٤. يساعد الدولة على تنمية تجارتها غير المنظورة داخل الدولة من اقساط التأمين التي يدفعها المُؤمن لهم في الخارج الى هيئات التأمين المقيمة عن طريق تجميع رؤوس اموال كبيرة من مبالغ صغيرة وباستثمار هذه الأموال في مختلف نواحي النشاط الاقتصادي.

 

٥. إضافة الى اسهامه في تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات إذ ان ما تحصل عليه هيئات التأمين العامة من عملات أجنبية مقابل الخدمات التي تقوم بها البلدان الأجنبية ونتيجة عمليات إعادة التأمين التي تمارسها يؤدي الى زيادة الصادرات غير المنظورة مما يساعد على تحسين ميزان المدفوعات ويساهم في اتساع التجارة الخارجي.

هذه المزايا، باستثناء مزية تجميع الأقساط والاستثمار، مفقودة في العراق في الوقت الحاضر.  في العقدين السابقين للحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) كانت مساهمة شركة إعادة التأمين العراقية في ميزان المدفوعات جيدة في الفترة 1971-1980.[9]  وعلى أي حال، فإن هذه المزايا لا تستنفد البحث في الاقتصاد الجزئي والكلي لقطاع التأمين، وهو ما أشرنا إليه في دراسة منشورة.[10]

 

المزايا الاقتصادية للتأمين تستحق مناقشة موسعة، ونأمل أن يتبرع واحد أو أكثر من الاقتصاديين العراقيين لعرض وجهات نظرهم بشأن مكانة التأمين في الاقتصاد الوطني.

 

 

المبحث الثاني: تحليل مؤشرات أداء شركات التأمين العامة

 

 

هذا المبحث مكرس لشركات التأمين العامة.  كان من المناسب تحليل مؤشرات أداء شركات التأمين الخاصة كي يستطيع القراء تكوين صورة عن الفرق بين أداء شركات التأمين العامة والخاصة؟  نأمل أن تقوم الباحثة بمثل هذه الدراسة مستقبلاً.

 

يبدأ المبحث، صفحة 11-12، بنبذة عن الشركات العامة الثلاث: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، وشركة إعادة التأمين العراقية، تضم معلومات مفيدة.  ولنا بعض الملاحظات على صحة المعلومات التاريخية.

 

شركة التأمين الوطنية

تقول الباحثة إن شركة التأمين الوطنية “تأسست بموجب القانون رقم (56) لسنة 1950 ومارست أعمالها في 1/1/1950.”  صحيح أن شركة التأمين الوطنية قد تأسست سنة 1950 إلا أنها لم تمارس العمل مباشرة، فقد “عقد مجلس إدارة شركة التأمين الوطنية اجتماعه الأول يوم 24/3/1952 ويمكننا ان نعتبر هذا اليوم بداية عمل الشركة الفعلي.”[11]  وما يؤيد ذلك ما جاء في جدول صادر من شركة التأمين الوطنية (2003) بعنوان اسماء السادة المدراء العامين الذين تعاقبوا على ادارة شركة التأمين الوطنية أن أول مدير عام (وكان بالوكالة) هو السيد محمد علي الجلبي للفترة 24/3/1952 – 17/11/1952

 

 

شركة التأمين العراقية

تقول الباحثة إنه “بعد قرار التأميم عام ١٩٦٤ تم دمجها مع (شركة بغداد للتأمين).”  الصحيح هو أن الفترة التي أعقبت تأميم شركات التأمين (تموز 1964) شهدت دمج الشركات أولاً في أربعة كيانات هي: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية (وكانت تضم شركة الاعتماد للتأمين، وشركة الرشيد للتأمين)، شركة بغداد للتأمين (وكانت تضم شركة التأمين التجاري العراقي)، وشركة الرافدين للتأمين (وكانت تضم شركة دجلة للتأمين).  ولكن “بعد عملية الدمج الثانية والتي تم بموجبها ضم مجموعة شركة بغداد للتأمين إلى الوطنية، صدر قرار بنقل فرع التأمين على الحياة إلى شركة التأمين العراقية.”[12]

 

وتمضي بالقول، ص 11، إنه مع صدور القرار رقم (92) عام 1988 بإلغاء التخصص بدأت الشركة بمزاولة جميع أنواع التأمين، وإنه “في عام ١٩٩٧ صدر قانون الشركات العامة رقم (22) الذي فتح الباب للشركة اذ أصبحت منافساً رئيسياً لشركة التأمين الوطنية من حيث تقديم الخدمات التأمينية ومن حيث الأنشطة المُؤمن عليها واتساع اعداد الزبائن.”  لقد بدأت المنافسة مع شركة التأمين الوطنية (اختصت بالتأمينات العامة) مع إلغاء التخصص في تأمينات الحياة (التي اختصت بها شركة التأمين العراقية) عام 1988.  ومن المعروف أن شركة التأمين العراقية، بفضل تخصصها في تأمينات الحياة، ساعدت شركة التأمين الوطنية آنذاك في تأسيس فرع متخصص بالتأمين على الحياة.

 

أما اتساع أعداد الزبائن فمبعثه هو أساليب البيع التي كانت التأمين العراقية قد اعتمدتها في بيع وثائق التأمين على الحياة، وهي الأصعب في العراق بسبب الموقف الديني والتقليدي من فكرة التأمين على الحياة.  لقد وظَّفت التأمين العراقية هذه الأساليب للتوسع في محافظ التأمينات العامة.

 

ثم تكتب التالي عن شركة التأمين العراقية:

 

“كما صدر في عام ٢٠٠٥ القانون رقم (١٠) الخاص بتنظيم أعمال التأمين والذي بموجبه تم تنظيم عمل شركات التأمين في ظل الاقتصاد الحر والمنافسة.  تهدف الشركة إضافة الى المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية باعتبارها هدفً إستراتيجي فهي تهدف الى نشر الوعي التأميني بين افراد المجتمع وتعظيم كفاءة F الأداء في جميع اقسام الشركة.

 

ترى كيف يتساوق مفهوم التنمية الاقتصادية (هدف استراتيجي للحكومة وليس لشركة التأمين العراقية) مع استهداف التنمية الاقتصادية لنشر الوعي التأميني وتعظيم كفاءة الأداء في أقسام الشركة!  لِمَ هذا الخلط بين المفاهيم؟

 

 

شركة إعادة التأمين العراقية

يفتقد “استعراض التسلسل التأريخي لشركة إعادة التأمين” إلى سرد أي تسلسل، كما أنه يفتقد إلى استعراض الواقع الحالي (وهو واقع ضعيف جداً مقارنة بالفترة من 1960 وحتى 1980) ودورها في توفير حماية إعادة التأمين الاتفاقي لشركات التأمين العامة والخاصة وغياب دورها التي كانت تلعبه في السابق في الاكتتاب بأعمال إعادة التأمين خارج العراق.

 

تحليل مؤشرات شركات التأمين العامة

يبدأ هذا القسم من البحث، ص 13، بالمقدمة التالية:

 

ان شركات التأمين لا تسعى فقط الى الربح وانما لها أهداف اخرى وهذه تختلف حسب توجهاتها، والمعايير المالية لا تقييس نجاح اداء الشركات كون ادوات القياس تختلف وتختلف معها مؤشرات قياس الأداء.

 

إذا لم يكن الربح هو هدف شركات التأمين فما هي الأهداف الأخرى التي “تختلف مع توجهاتها” وهل هناك فرق جوهري في الهدف بين شركات التأمين العامة والخاصة؟  المقدمة قاصرة في التعريف.  إن الوظيفة الأساسية لشركات التأمين هو توفير الحماية المالية للمؤمن لهم، لكنها هي أيضاً مؤسسات مالية تعمل في الأسواق المالية وهي، بهذه الصفة الأخيرة، مسؤولة أمام المساهمين فيها بكل ما يتعلق باستخدام رأسمالهم، لكنها مطالبة أيضاً بالحفاظ على مصالح المؤمن لهم.  ويبدو أن هذا هو المقصود من هذه المقدمة إذ تذكر الباحثة في الصفحة 17:

 

إن الهدف الرئيسي لجميع الشركات الهادفة للربح هو الحصول على عائد من الاستثمارات والطريقة التقليدية في حساب عائد الاستثمار تكمن في ROI والتي هي اختصار Return of [on] Investment ويعتبر العائد على الاستثمار[13] هو افضل طريقة لقياس الربحية واداء الإدارة وهو مقياس افضل من الربح نفسه حيث ان العائد على الاستثمار يعتبر ان الاستثمارات هي الأساس لتوليد الربح. وتسعى الإدارة العليا لزيادة الربحية والأخير[ة] تعتبر مؤشر لنجاح الأعمال ومحور الاهتمام الرئيسي لجميع الأطراف المعنية (مجلس الإدارة، المدراء، العاملون، الدائنون، المستثمرون) ويمثل الهدف الاستراتيجي لجميع الشركات التي تعمل وفق آلية الربح والخسارة.

 

المقدمة تقول “ان شركات التأمين لا تسعى فقط إلى الربح” لكنها هنا تعتبر الربح “الهدف الاستراتيجي لجميع الشركات.”  هناك خلل منطقي في الصياغة.

 

وقد اختارت الباحثة المؤشرات التالية مشفوعة بجداول إحصائية مهمة:

 

  • صافي الاستثمار، مع تصنيف الاستثمارات إلى استثمارات ذات عائد ثابت واستثمارات ذات عائد غير ثابت.
  • عائد الاستثمار
  • مجموع مساهمات الشركات المحلية والأجنبية
  • التعويضات المدفوعة للمؤمن [لهم]

 

ونلاحظ أن هذه المؤشرات ليست كلها منصبَّة على النشاط الاستثماري.

 

 

المبحث الثالث: إشكالات قطاع التأمين وخُطى الإصلاح

 

 

يضم هذا المبحث:

 

أولاً: أهم التحديات والحلول لقطاع التأمين في العراق

 

تمّيز الباحثة بين نوعين من التحديات: تحديات عامة وتحديات خاصة.  وهو تمييز ليس ضروري خاصة وأنها لم تضع التحديات العامة في إطار تحديات مماثلة تواجهها قطاعات اقتصادية أخرى.  ومن المفيد هنا الرجوع إلى دراسة زميلنا العزيز منعم الخفاجي للتعرف على منهج تشخيص ومجابهة التحديات.[14]

 

تبين الباحثة التحديات العامة التي واجهها القطاع وأثرت عليه بشكل غير مباشر في الصفحة 21 وما بعدها.  وتجمل هذه التحديات بالآتي مشفوعة بجداول إحصائية مهمة:

 

١. ضعف اداء قطاع البنى التحتية:  لا شك ان ضعف البنى التحتية نتيجة للعمليات الإرهابية والوضع المتردي في البلد اثر بشكل سلبي على قطاع التأمين كون تهيئة البنية التحتية تخلق بيئة استثمارية ناجعة ومحركة للقطاع الخاص الباحث عن فرص تأمين جميع عملياته.

 

كان من المناسب أن تقوم الباحثة بتحديد أهم البنى التحتية ليتبين للقراء علاقتها بالطلب على التأمين من قبل القطاع الخاص.  هل هي المتمثلة بالمواصلات البرية، مثلاً، ووسائل الاتصالات، والمؤسسات الصحية، وأنظمة الأمان وغيرها؟

٢. اجمالي تكوين رأس المال الثابت : لقد اثر الارتفاع والانخفاض في اجمالي تكوين رأس المال الثابت على الاستثمار وبالتالي تقليص الفرص الاستثمارية العاملة في القطاع الخاص والباحثة عن تأمين عملياتها عبر تخفيض الخسائر التي يتعرض لها المُؤمن وما يتبع ذلك من توفير الأمان والاستقرار.

 

هل حقاً أن إجمالي تكوين رأس المال الثابت قد انخفض خلال عامي 2009 و 2010 “نتيجة لتداعيات الأزمة المالية لعام 2008″؟  ما هو الرابط بين تكوين رأس المال والأزمة المالية العالمية؟  وهل كان الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي هو ربما ما تعنيه الباحثة، وكذلك الاستثمار الوطني، كبيراً في العراق قبل الأزمة؟  (ملاحظة: القطاع النفطي هو خارج هذه المناقشة).

 

لا أدري كيف يشكّل تكوين رأس المال الثابت تحدياً لقطاع التأمين العراقي ما لم نقبل بالأطروحة المضمرة في البحث أن شركات التأمين هي مؤسسات مالية صرفة لا عمَّ لها سوى التوسع في استثماراتها والدخول كلاعب في سوق الأوراق المالية؟

 

٣. صافي الاستثمار الأجنبي المباشر : هناك تفاوت بين الانخفاض والارتفاع في صافي الاستثمار الأجنبي وانعكس ذلك على قطاع التأمين، اذ ان الاستثمار الاجنبي بما يوفره من فرص عمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة يشجع على التأمين من خلال منح الأمان للمتعاملين عبر تخفيض الاخطار الممكنة التحقق ومنح الشعور بالثقة والقدرة في الاستثمار في مشاريع ذات درجة عالية من الخطورة.

 

القول بأن “الاستثمار الاجنبي بما يوفره من فرص عمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة يشجع على التأمين” يعزي التشجيع على التأمين إلى فرص العمل المباشر وغير المباشر.  صحيح أن الاستثمار الأجنبي يخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة forward and backward linkages إلا أن التشجيع على التأمين (الطلب على التأمين) يأتي أصلاً من أصحاب الاستثمار الأجنبي؛ ولأن قانون الاستثمار يترك الحرية للمستثمر الأجنبي للتأمين مع شركة تأمين أجنبية أو عراقية فإننا نميل إلى أن معظم مفردات أغطية التأمين يتمُّ التأمين عليها في موطن المستثمر الأجنبي.  وما يظلُّ لشركات التأمين العراقية تحصر، في العادة، بالتأمين التكميلي على السيارات وتأمين المسؤولية القانونية وربما الحوادث الشخصية الجماعية.

 

إن المستثمر الأجنبي يلجأ إلى إجراء التأمين في موطنه الأصلي لأن القانون العراقي يسمح بذلك، وليس هناك عقوبات في حالة عدم التأمين مع شركات تأمين وطنية.  ولأن المستثمر الأجنبي لا يعرف الكثير عن شركات التأمين العراقية: متانتها المالية، نوعية خدماتها، قدراتها على تسعير الأعمال الكبيرة وتسوية المطالبات الكبيرة وغيرها من المعايير.  ولأن التأمين مع شركة تأمين وطنية، في رأي المستثمر الأجنبي، ربما ينطوي على عنصر عدم تأكد (فيما يخص نوعية الخدمات التأمينية وتسوية المطالبات بالتعويض بسرعة وبكفاءة) هو في غنىً عنه عندما يقوم بالتأمين مع شركة تأمين في موطنه

 

فالمستثمر الأجنبي قد لا يرى في قطاع التأمين العراقي غير المشاكل، فهذه يمكن أن تأخذ شكل الإجراءات الروتينية ذات الطابع البيروقراطي، وخاصة لدى شركات التأمين العامة، في إصدار وثائق التأمين، وضعف الإمكانيات اللغوية (الإنكليزية)، وعدم وجود أو ضعف غطاء إعادة التأمين الاتفاقي أو الاختياري بالنسبة لبعض الأخطار الكبيرة والمعقدة وخاصة في مجال تأمين أخطار النفط في مختلف مراحله، وضعف القدرات الفنية الاكتتابية في فروع معينة للتأمين كتأمين أخطار التحكم في الآبار النفطية والغازية أو تأمين المسؤوليات المهنية.  ثم هناك مشاكل في تسوية المطالبات بالتعويض (إدارتها بشكل كفوء وبسرعة).

 

ولكن من الضروري الإشارة إلى أن شركات التأمين الوطنية، رغم ضعفها، بسبب الحروب والحصار وهجرة الكوادر، لم تعطى الفرصة الكافية، وبقوة القانون المحلي، بالاكتتاب بالأعمال الأجنبية على نطاق واسع وبالتالي النهوض من حالة الركود والضعف التي هي فيها وتقبل بالتحديات الجديدة وتعمل على تجاوزها.  لا المشرع العراقي ولا الشركات الاستثمارية الأجنبية مهتمان بصناعة التأمين العراقي.

 

وينهض السؤال هنا أيضاً: كيف يُشكّل التفاوت بين الانخفاض والارتفاع في صافي الاستثمار الأجنبي تحدياً لقطاع التأمين العراقي؟

 

٤. متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي : ارتفع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام ٢٠٠٧ حتى عام ٢٠١٣ ولكن هذا الارتفاع لا يتناسب مع اجمالي ايرادات الموازنة العامة لتلك السنوات، ولقد انعكس التدني بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي على التأمين اذ أن عدم كفاية رؤوس الأموال ادى الى عزوف الأفراد عن اللجوء الى التأمين بجميع انواعه للأشخاص والممتلكات ضد الحوادث الشخصية والسرقة والحريق.

 

رغم أهمية هذه الإحصائية كان من المناسب احتساب التغلغل التأميني في العراق (نسبة دخل أقساط التأمين المكتتبة إلى الناتج المحلي الإجمالي).  نأمل أن تقوم بمثل هذه الدراسة في بحث قادم.

 

القول بأن “عدم كفاية رؤوس الأموال ادى الى عزوف الأفراد عن اللجوء الى التأمين بجميع انواعه للأشخاص والممتلكات ضد الحوادث الشخصية والسرقة والحريق” يبدو غريباً ما لم يكن مفهوم “الأفراد” لدى الباحثة يعني “أصحاب رأس المال.”  كما يبدو، عند التمعن في هذا القول، أن أصحاب رؤوس الأموال لا يمتلكون ما يكفي من رصيد نقدي لشراء الحماية التأمينية؛ وربما الأصح هو أن التأمين غائب أصلاً في تفكير أصحاب رؤوس الأموال.  وعلى أي حال، من المناسب التفريق بين طلب الفرد (ما يعرف بالطلب على التأمينات الشخصية) وطلب الرأسمالي (طلب الشركات على تأمين الممتلكات بما فيها المصانع والمخازن وحوادث العمل والمسؤوليات تجاه الأطراف الثالثة …الخ).

 

٥. الرقم القياسي لأسعار المستهلك : ادى الارتفاع بالتضخم منذ عام ٢٠٠٧ حتى عام ٢٠١٣ الى انخفاض متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض قيمة العملة المحلية وبالتالي انخفاض اتجاه الافراد لقطاع التأمين بجميع انواعه.

 

لم ترصد الباحثة آثار التضخم لتفسر “انخفاض اتجاه الافراد لقطاع التأمين بجميع انواعه.”

 

ونود هنا أن نعرض بسرعة بعض الآثار الانتقائية للتضخم على شركات التأمين والمؤمن لهم.

 

يؤثر التضخم النقدي على أنشطة شركات التأمين: على سبيل المثل، هبوط القيمة الحقيقية لعوائد الاستثمار، هبوط قيمة الأصول العينية، ارتفاع كلفة شراء حماية إعادة التأمين من الخارج.

 

ويؤثر التضخم أيضاً على المؤمن لهم وخاصة في فرع التأمين على الحياة إذ أن عقود التأمين على الحياة طويلة الأجل تفقد قيمتها الحقيقية عند تسديد منافع العقد للمؤمن عليه أو للمستفيد من العقد.  وإذا كانت شركات التأمين حريصة على سمعتها وتأخذ بعين الاعتبار مصلحة المؤمن لهم عليها أن تستنبط الوسائل المناسبة لضمان قيمة وثيقة التأمين على الحياة ومنها استخدام مؤشر أسعار المستهلك لحساب المستحقات/المنافع بموجب وثيقة التأمين بالاعتماد على هذا المؤشر (الاستهداء بتدني القوة الشرائية للنقد الذي صدرت بموجبه وثيقة التأمين عند بدء التأمين وتاريخ استحقاق المنافع).

 

وبالنسبة لوثائق التأمين على الممتلكات فإن تطبيق شرط النسبية/شرط المعدل Average Clause عند تسوية مطالبة بالتعويض سيحول عبء التضخم على المؤمن له مما يعني أن المؤمن له لن يحصل إلا على تعويض يبدو في ظاهره غير عادل.

 

ولمعالجة ظاهرة التضخم فإن شركات التأمين تشجع المؤمن لهم على زيادة مبلغ التأمين ليتماشى مع مستوى التضخم وبالتالي ضمان الحصول على تعويض أفضل.  كما أن بالإمكان الاتفاق على عدم تطبيق شرط النسبية عندما تكون القيمة النقدية للأصول المؤمن عليها (مبلغ التأمين) وقت وقوع الحادث لا تزيد عن نسبة محددة من مبلغ التأمين عند ابتداء فترة التأمين.

 

ومن المعروف أن الوثائق القيمية agreed value policies التي تحدد مبلغ التأمين الأقصى عند إبرام عقد التأمين، ومنها وثائق التأمين البحري/بضائع، فإن شركة التأمين لا تكون مسؤولة عن تعويض القيمة الحقيقية للخسارة وإنما القيم المتفق عليها عند بدء التأمين.  يعني هذا أن المؤمن له هو الذي يتحمل آثار التضخم.

 

وحددت التحديات الخاصة التي واجهها قطاع التأمين بالآتي:

 

  • ضعف الوعي التأميني والصحي والوقائي عموماً لدى المواطن وارتفاع نسب الجريمة المنظمة واعمال التخريب والحريق والفساد الإداري مما يزيد صعوبة قبول حجم الأعمال.

 

هل هناك علاقة سببية قوية بين ضعف الوعي التأميني …وارتفاع نسب الجريمة … وأعمال التخريب والفساد الإداري وصعوبة قبول حجم الأعمال (من قبل شركات التأمين)؟  الظواهر الموصوفة معروفة، ولكن كيف تؤثر على قبول شركات التأمين لأعمال التأمين بغض النظر عن حجم هذه الأعمال ومصادرها؟

 

شركات التأمين منفتحة، بشكل عام، على الاكتتاب بأعمال التأمين المعروضة عليها من قبل طالبيها بغض النظر عن حجمها، فلها الوسائل الخاصة في تمحيص الجيد والرديء من هذه الأعمال، ولها شروطها واشتراطاتها لتأمين الأعمال الخارجة عن النمط الاعتيادي، أي دون ما هو قياسي substandard.  وعندما يكون التأمين إلزامياً بقوة القانون، لا تستطيع شركات التأمين رفض التأمين.

 

أين المشكلة إذاً وأين هو التحدي؟

 

  • هجرة العديد من حملة وثائق التأمين لأسباب تتعلق بأمنهم الشخصي.

 

هجرة العديد من حملة وثائق التأمين تعني أن شركات التأمين قد خسرتهم نهائياً كمصدر مهم من مصادر الطلب الفعّال على الحماية التأمينية.  وإذا كان هذا التعليل صحيحاً فأين هو التحدي؟  هل نجده في تشخيص شركات التأمين لهذه الظاهرة والعمل على التعويض عن خسارة أعمال تأمين هؤلاء بالبحث عن فئات جديدة لتوفير التأمين لها؟

 

  • احتلال عصابات داعش الاجرامية لبعض محافظات العراق وما نتج عن ذلك من تعرقل المشاريع مما ادى بالنتيجة الى خسارة بعض الشركات لفروعها الجغرافية وحصتها السوقية حيث كانت كانت تشكل اسواق نينوى والانبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى رافداً مهماً في حصيلة الاقساط والاستثمار وهو تهديد حقيقي انعكس على مجمل النشاط العام.

 

وقد تناولنا هذا التحدي في مقالة لنا نقتبس منها أهم الملاحظات ذات العلاقة:[15]

 

  • تعطيل عمل فروع شركات التأمين العاملة في الموصل وفي تكريت.

 

  • عرقلة ووقف تنفيذ المشاريع الهندسية الحكومية المتعاقد عليها مع المقاولين الأجانب، كما هو الحال بالنسبة لمشاريع توليد الطاقة وغيرها في المناطق الغربية، وتأجيل إحالة عقود إنشائية جديدة.

 

  • تعريض بعض المنشآت والمعامل المؤمنة، ومنها المنشآت النفطية، إلى خطر الأعمال العسكرية، وبالتالي تخوف شركات إعادة التأمين العالمية من الاستمرار في توفير الحماية الإعادية لشركات التأمين العراقية فيما يخص تأمين هذه المنشآت.
  • قيام داعش بعمليات نهب منظمة لمحتويات بعض المعامل قبل نسفها.

 

  • الصعوبات التي تكتنف تسديد أقساط التأمين محلياً وتحويل حصة معيدي التأمين منها إلى الخارج.

 

  • عدم قدرة الكاشفين ومسوّي الخسائر الوصول إلى مواقعها، هذا في حال أن استطاع المؤمن لهم تبليغ شركة التأمين عن وقوع خسائر لممتلكاتهم المؤمن عليها.

 

  • تَشدُّد شركات التأمين في طلب المعلومات التفصيلية عن أشكال الحماية في مواقع العمل وأثناء النقل، سواء كان التأمين ينصبُّ على الحريق، أو كافة أخطار المقاولين، أو النقل البحري أو البري.

 

  • بالنسبة للطلب المحلي الفعّال على التأمين، وهو على العموم ضعيف على مستوى الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، فإن أي ارتفاع في أسعار التأمين سيكون عاملاً إضافياً للحد من الطلب الفعّال على الحماية التأمينية.  وفي أحسن الحالات فإن طالبي التأمين ربما يكتفون بشراء الحدود الدنيا من الحماية التأمينية تتناسب مع قدراتهم المالية.

 

  • هناك هبوط واضح في الطلب على التأمين البحري-بضائع، وهو يعكس تقلّص استيرادات القطاع الخاص، وكذلك هبوط في طلب التأمين على الحريق، وتأمين النقد أثناء النقل بالنسبة للمصارف.

 

  • الحاجة الى تشريعات تسهل وتشجع على تسويق مختلف وثائق التأمين وحصر إجراء التأمين للسلع الواردة للبلد بالشركات العراقية وزيادة الاعفاء الضريبي في اقساط التأمين. اذ ان قانون تنظيم اعمال التأمين رقم (10) لسنة ٢٠٠٥ لم ينص على تأمين الأصول والمسؤوليات مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة لمزاولة العمل من قبل ديوان التأمين.

 

الأفكار الواردة هنا كانت موضوعاً لكتابات ومناقشات تم جمعها في كتاب سنة 2013.[16]  يبدو أن الباحثة لم تطلع عليها وعلى غيرها من الكتابات ذات العلاقة المنشورة في موقعي مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي.

 

فيما يخص “زيادة الإعفاء الضريبي في أقساط التأمين” لم تعرض الباحثة فروع التأمين المشمولة بالإعفاء الضريبي.  ومن المفيد أن نذكر هنا بأن قانون تعديل ضريبة الدخل رقم (48) لسنة 2015 نصَّ على الآتي:

 

ينزل من الدخل كل ما ينفقه المكلف للحصول عليه خلال السنة التي نجم فيها والمؤيد حسابها بوثائق مقبولة بما في ذلك:

 

10– اقساط التامين على الحياة بما لا يزيد سنويا على مبلغ مقداره (5,000,000) خمسة ملايين دينار ومبلغ مقداره (3,000,000) ثلاثة ملايين دينار عن اقساط التامين الاخرى التي ليس لها علاقة بمصادر الدخل المدفوعة خلال السنة على ان يكون التامين لدى شركة تامين عراقية.

 

ومن المعروف أن زيادة عتبة الإعفاء الضريبي يعتبر من الحوافز المشجعة على شراء الحماية التأمينية.  أما اعتبار هذا الأمر تحدياً لقطاع التأمين فهو قابل للنقاش.

 

  • ارتفاع درجة الخطورة في بعض وثائق التأمين لضعف إمكانيات التحكم الإداري لمواجهة ارتفاع تكاليف المعالجة وبالتالي ارتفاع معدلات التعويض.

 

ليس واضحاً على وجه الدقة مرمى هذا التحدي.  كان من المفيد تقديم مثل عن “ارتفاع درجة الخطورة في بعض وثائق التأمين”، وتحديد الطرف المسؤول عن “ضعف إمكانيات التحكم الإداري لمواجهة ارتفاع تكاليف المعالجة”: هل هو المؤمن له أم هي شركة التأمين؟  وهل المقصود بـ “المعالجة” كلفة تصليح الأضرار والخسائر المؤمن عليها؟

 

إن علّة وجود شركات التأمين هو التعويض عن الأضرار والخسائر الاحتمالية العرضية التي يتكبدها المؤمن له.  وإذا كان حجم هذه الأضرار والخسائر كبيراً فإن شركات التأمين تستعين لمواجهته من خلال إعادة التأمين الاختياري وإعادة التأمين الاتفاقي.  وبمعنى آخر فإن شركات التأمين الرصينة تعرف كيف تدير الأخطار التي تكتتب بها.

 

  • زيادة في حجم القوى العاملة وتضخم الهيكل الوظيفي وقد شكلت عبء إضافي الى هذه الشركات.

 

نعرف بأن بعض الزيادة يعود إلى إعادة تشغيل المفصولين السياسيين.[17]  السؤال الذي ينهض هنا هو: لماذا الزيادة في حجم القوى العاملة (في شركات التأمين العامة) وبالتالي تضخم الهيكل الوظيفي؟  وهل أن هذه الزيادة ناتجة عن فرض التوظيف من قبل وزارة المالية التي تتبعها هذه الشركات كجزء من سياسة الحكومة لامتصاص البطالة المتفاقمة؟  أم أن الزيادة ناتجة عن سياسة توزيع المغانم على أساس المحاصصة التي وسمت الدولة العراقية منذ 2003؟

 

لم تذكر الباحثة لماذا تشكل الزيادة في حجم القوى العاملة تحدياً لشركات التأمين العامة.  أهو استنزاف لموارد مالية، أهو الإرباك الوظيفي وإضعاف المعنويات داخل الشركات مما يفرض على إدارات الشركات عبء معالجة هذا الوضع؟

 

أسئلة بحاجة إلى جواب ومناقشة.

 

  • عدم وجود التنسيق لديوان التأمين مع بقية الشركات العامة وهو ما يجعلها تفتقر الى تبادل المعلومات التفصيلية فيما بينهم مما يؤدي الى خسائر كبيرة لشركات التأمين.

 

ما هي ضرورة التنسيق بين ديوان التأمين وشركات التأمين العامة؟  الديوان ليس معنياً حصراً بشركات التأمين العامة بل بجميع شركات التأمين، ويفترض أن يقف على مسافة متساوية مع الشركات كافة.

 

بافتراض أهمية هذا التنسيق المتحيز كيف يؤدي عدم وجود التنسيق إلى “خسائر كبيرة لشركات التأمين”؟  وهل هناك أساس لقيام مثل هذا التحدي؟

 

  • خضوع الواقع التأميني لطابع المنافسة من قبل الجهات الضاغطة كالهيئات والمنظمات الحكومية والاجتماعية والنقابات العمالية بما تقدمه من ضمانات وخاصة فيما يتعلق بتأمينات الحياة.

 

لا ندري ماذا ترمي إليه الباحثة من هذا التحدي المفترض.  هل تعني أن “الجهات الضاغطة كالهيئات والمنظمات الحكومية والاجتماعية والنقابات العمالية” تقوم بالتنافس مع شركات التأمين من خلال توفير تأمين على الحياة، خارج شركات التأمين، للعاملين فيها؟  أم انها تعني أن هذه الجهات الضاغطة تستفيد من المنافسة بين شركات التأمين فيما يخص التأمين على حياة منتسبيها؟  وإذا كانت المنافسة هو بيت القصيد فما الضير في ذلك؟  أو ليست المنافسة منذ صدور قانون الشركات رقم 1997 هي الحالة السائدة؟  أي أنها الوضع الاعتيادي الذي تعمل شركات التأمين في ظله.  وإزاء هذا الحال كيف تكون المنافسة تحدياً؟

 

  • عدم الشفافية والإفصاح عن المدخرات الحقيقية لدى هذه الشركات بالرغم من وجود جهتان مسؤولتان عن تدقيق حسابات هذه الشركات هما ديوان التأمين والبنك المركزي.

 

إن كان ما تقوله الباحثة صحيحاً فإن هناك مشكلة سوء نية، لغايةٍ في نفس يعقوب، لدى إدارات شركات التأمين العامة.  والطامة الكبرى، اعتماداً على قولها، هو فشل مؤسستين: ديوان التأمين والبنك المركزي في الكشف عن “المدخرات الحقيقية” لهذه الشركات.  هل أنها تريد أن تقول بأن هناك فساداً مالياً في شركات التأمين العامة؟

 

كيف يشكل هذا الحال، بافتراض صحته، تحدياً لشركات التأمين المعنية؟  أليس من يواجه التحدي هي المؤسسات الرقابية؟

 

  • عدم وجود آلية لتنظيم استجابات شركات التأمين لاية متغيرات في بيئتها أو اي احداث خارجية.

 

عدم وجود آلية يعني أن هناك نقصاً في التفكير الإداري لدى شركات التأمين، مما يحمل معه ضمناً قصورٌ في مؤهلات قادة هذه الشركات.  ثم ما هي هذه الآلية التي تساعد إدارات شركات التأمين للاستجابة للمتغيرات في بيئة العمل والأحداث الخارجية في العراق وخارجه؟  هل أن هذه الآلية تكمن، على سبيل المثل، في رصد اتجاهات الاقتصاد الوطني والعالمي وقراءة تأثيرتها على قطاع التأمين العراقي؟

 

وتحت باب الحلول، ص 26، تقدم الباحثة ما يلي:

 

١. تنمية الوعي التأميني لدى المواطنين وذلك من خلال التكثيف الإعلامي المرئي والمسموع بالإضافة الى عقد الندوات والحلقات النقاشية واصدار البوسترات التثقيفية.

 

لطالما شغل موضوع غياب أو ضعف الوعي بالتأمين وسبل تنميته اهتمام ممارسي التأمين في العراق.  وقد قدمنا بعض الملاحظات في مقابلة صحفية ضمن إطار فقر الثقافة التأمينية في العراق.[18]  ومن رأينا أن الندوات والبوسترات بحد ذاتها لا تستنفد الوسائل والفرص المتاحة لنشر ثقافة التأمين بحيث أنها تصبح جزءاً من الحياة العامة.  وقد حاولنا في بعض كتاباتنا التنبيه إلى هذا الأمر من خلال التعاطي مع ما يصدر من الحكومة من قرارات وتعليمات لها بعد تأميني، ومن خلال تحليل موازنة الدولة سنوياً لدراسة تأثيراتها التأمينية، والاستفادة من فرص الانتخابات البرلمانية لعرض وجهات نظر قطاع التأمين على المرشحين، وغيرها.

 

٢. الزام دوائر الدولة ومؤسساتها باجراء التأمين على اصولها وموجوداتها واموالها باعتبارها جزء من ثروة البلد تستحق الحماية والتأمين الصحي على موظفيها والتأمين ضد العمليات الإرهابية التي قد يتعرضون لها وغيرها من وثائق التأمين المناسبة للأفراد والمؤسسات.

 

إلزام الدولة ومؤسساتها (وكذلك المحافظات والدوائر التابعة لها) بإجراء التأمين على موجوداتها، والتأمين الصحي على منتسبيها، والتأمين ضد الأعمال الإرهابية (وكذلك التأمين على مسؤولياتها الناشئة عن أعمالها وتعاملاتها مع المواطنين) مطلب يستحق العمل لتحقيقه.

 

ويمكن التوسع في إلزامية التأمين لتشمل مهن معينة، كما هو الحال في العديد من الدول المتقدمة، كالتأمين على المسؤولية المهنية للأطباء والمحامين والمهندسين الاستشاريين وغيرهم.

 

٣. ضرورة ابتكار وثائق جديدة تغطي الاخطار الحادثة مثل وثيقة العافية، تأمين إسلامي، تأمين مقترضي السيارات، وثائق الإرهاب وغيرها خصوصاً بعد أن ادى التضخم الى ضعضعة الوثائق السارية تدريجياً وهز من ثقة المواطن بالتأمين.

 

هذا الحل موجود على أرض الواقع ويطبق بدرجات متفاوتة.  فوثيقة التأمين الصحي (وثيقة العافية) لا تحتاج إلى ابتكار إذ أن بعض شركات التأمين تقوم فعلاً بتسويقها.[19]  كما أن ما يسمى بالتأمين الإسلامي أو التكافلي هو الآخر معروف وليس هناك ضرورة لابتكاره.  بعض شركات التأمين تفكر بفتح نوافذ للتأمين الإسلامي ضمن نشاطها العام.  أما تأمين مقترضي السيارات (وكذلك تأمين المقترضين لأغراض بناء المساكن) فهو الآخر موجود.[20]

 

وفيما يخص تأمين الأعمال الإرهابية فإنه أدخل قيد التطبيق منذ سنة 2005.[21]

 

وثائق التأمين هذه تحتاج إلى مراجعة من حيث نطاق التغطية التي توفرها وحدود التعويض بالاستفادة من الخبرة المحلية المتراكمة وكذلك خبرة الأسواق التأمينية في دول الجوار.

 

٤. تنشيط عمل شركات التأمين من خلال التوسع في انواع التأمين من جهة وزيادة نشاط الاستثمار من جهة اخرى من اجل زيادة ارباحها.

 

أليس هذا الحل مرتبطاً بما ورد في الفقرة 3 أعلاه؟  كان من المناسب دمجه معها، وفصل مسألة الاستثمار عنها.

 

٥. ضرورة تدرج العاملين بما يتوافق مع ملاك شركات التأمين للحصول على موظفين يتمتعون بكفاءة جيدة، وتدريبه[م] داخل العراق وخارجه.

 

يبدو أن هذا الحل المقترح يتعلق بشركات التأمين العامة، وإذا كان هذا صحيحاً فإن هناك نظام قائم لتدرج العاملين.  إن الحل هذا، وهو ضعيف الصياغة، أهمل قضية أساسية تتعلق بنظام اختيار العاملين لإشغال مواقع في هذه الشركات، ونعني بها سياسة الاستخدام.  إن التجربة الماضية لسياسة الاستخدام في شركات التأمين العامة لا تجد لها حضوراً حقيقياً منذ بدء زمن المحاصصة سنة 2003.[22]

 

٦. نوصي جميع القائمين بتبادل المعلومات والإحصائيات بشفافية واستخدام أسلوب المكاشفة بين وظائف الوحدة الإدارية للمستويات العليا والوسطى والتشغيلية وبالنتيجة تبادل المعلومات بين الشركات الثلاث.

 

أفردت الباحثة قسماً من بحثها للتوصيات، فلماذا نجد هذه التوصية تحت باب الحلول؟

 

لم توضح الباحثة نوع المعلومات والإحصائيات التي توصي بتبادلها بين شركات التأمين العامة، فهناك معلومات وبيانات تحتفظ بها كل شركة للمحافظة على موقعها التنافسي في السوق.  وعلى أي حال، فإن شركات التأمين تقدم سنوياً محصلة أعمالها لجمعية التأمين العراقية وتقوم الجمعية بتبويبها في تقريرها السنوي عن حالة سوق التأمين.

 

٧. حث المصارف بالتعاون والتنسيق مع شركات التأمين العراقية لتوفير الحماية التأمينية لأموالها وموجوداتها وموظفيها وزبائنها وكذلك تشجيعها للمساهمة في رؤوس أموالها وبالمقابل مساهمة شركات التأمين في رؤوس اموال المصارف الأهلية.

 

وهذا “الحل” ليس بالجديد فقد تقدم الزميل سعدون الربيعي برأي بهذا الشأن سنة 2012:

 

كما ندعو البنك المركزي العراقي الى حث المصارف لتوفير الحماية التأمينية لأموالها وموجوداتها وموظفيها وزبائنها بالتعاون والتنسيق مع شركات التأمين العراقية، وكذلك تشجيعها للمساهمة في رؤوس اموالها، وبالمقابل مساهمة شركات التأمين في رؤوس اموال المصارف الاهلية.  مثل هذا الاستثمار سيساعد المصارف وشركات التأمين في تحقيق تعليمات زيادة رؤوس الاموال.[23]

 

هناك مجال مشترك تم تطويره أولاً في فرنسا للتأمين عبر المصارف Bancassurance وهو في توسع في بعض البلدان العربية.

ثانياً: استراتيجية مقترحة للنهوض بقطاع التأمين في العراق

 

رغم أن العنوان يشمل قطاع التأمين في العراق إلا أن الاستراتيجية المقترحة تنحصر بشركات التأمين العامة الثلاث: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية.  كما أن هذه الاستراتيجية تنصبُّ على استثمار الفوائض النقدية للشركات.  ورغم أهمية الاستثمار لدعم المركز المالي للشركات للتعويض عن الخسائر الاكتتابية التي قد تتعرض لها شركات التامين، وللمساهمة في النشاط الاقتصادي الوطني (قروض، شراء أسهم في الشركات، شراء وبناء العقارات)، فإنه ليس العنصر الوحيد “للنهوض بقطاع التأمين في العراق.”

 

طموح الباحثة في “وضع خارطة طريق للنهوض بهذا القطاع” يقوم على “وضع ستراتيجية متماشية مع قانون الشركات التي تعمل على هامش الربح والخسارة” وتحليل البيئة الداخلية والخارجية للشركات.  وتعتمد في ذلك على التحليل الرباعي المعروف باسم (SWOT) التي تضم أربعة عناصر تطبق على الشركة/المشروع: اثنان منها داخلية (القوة Strengths والضعف Weaknesses) واثنان خارجية (الفرص Opportunities والتهديدات Threats).  إلا أنها لم تفصل مفردات كل عنصر على حدة، وركزت على البيئة الداخلية بعرض نقاط القوة في هذه البيئة كالتالي:

 

  1. وجود سيولة نقدية عالية.
  2. تمتلك الشركات العامة مختلف الاحتياطات وهي (احتياطي الأخطار غير المنتهية، احتياطي التعويضات الموقوفة، احتياطي الطوارئ، الاحتياطي الحسابي).
  3. استغلال جميع الطاقات التصميمية والمتاحة.
  4. الاستثمار في اوجه مختلفة.
  5. اجمالي الارباح المتحققة تتجاوز المخطط ويقتطع جزء منه للخزينة العامة الدولة.

 

وقد جاء ذلك بعد أن أكدت على أن الفترة 2003-2014 شهدت تزايداً في حجم النشاط التأميني، وكذلك تزايداً في الأرباح والاستثمارات “وبصورة طردية مع حجم النشاط ولكن هذا لا يعتبر مقياس لمدى نجاح قطاع التأمين اذ مازالت ثقة المواطنين بهذا القطاع شبه معدومة …”

 

وتقول بأن شركات التأمين

 

تتوافر امامها فرص مناسبة لكنها تعاني من نقاط ضعف قد تمنعها من استغلال تلك الفرص المتاحة، وعلى الإدارة العليا متمثلة بمجلس الإدارة القيام باتخاذ استراتيجية لمعالجة وتصحيح ما تعانيه هذه الشركات من نقاط ضعف داخلية سواء كانت في الأنشطة الإدارية ام الأنشطة الإنتاجية والتسويقية والأفراد والمالية تمكنها من استثمار الفرص المتاحة أمامها.

 

وهي تعتبر هذا بمثابة استراتيجية إذ أنها تعرض استراتيجية ثانية بالقول:

 

يمكن اختيار استراتيجية ثانية تعمل بموازرة [بموازاة] الأولى أو بديلاً آخر وهي استراتيجية المشاريع المشتركة، أي عمل (التحالفات) مع الشركات الأخرى وهذا التحالف يجب الا يزيد عن خمس سنوات، الهدف من هذه الاستراتيجية إعطاء دفعة للاستثمار وينتج عن ذلك تنويع استثماراتها أو زيادة محافظ الاستثمار وزيادة رؤوس اموال شركات التأمين، أو من خلال الاكتتابات العامة والخاصة ويتم بذلك توسيع استثماراتها وتوسيع دائرة اعمالها تماشياً مع المادة (16) ثانيا/1 من قانون الشركات رقم ٢٢ لسنة ١٩٩٧ (لشركات التأمين وإعادة التامين والمصارف أن تستثمر اموالها في مختلف اوجه الاستثمار).

 

ثم ترجع الباحثة بعد ذلك إلى تأكيد زيادة حجم أقساط التأمين المكتتبة:

 

و كما هو معلوم ان صناديق التأمين تساهم في تمويل الاستثمار لكن دور هذه الصناديق في العراق لا يزال ضعيفاً، لابد من التخطيط ورسم الأهداف الاستراتيجية لتطوير صناعة التأمين في مختلف جوانبها عن طريق تعظيم حجم الأقساط من خلال تحديث وتطوير وتوسيع إصدار وثائق التأمين الهندسي وتأمين اخطار المقاولين والتأمينات الأخرى، الابتعاد عن المضاربة في الأسعار، وتطوير العلاقة والتنسيق مع المصارف العامة والخاصة في تقديم خدمات التأمين واتباع الأساليب العلمية والوسائل الالكترونية في تسويق منتجات التأمين، إضافة الى رفع مستوى الكوادر لدى الشركات وغيرها من الوسائل.

 

وهي هنا ترجع إلى ذكر عناصر أخرى للنهوض بقطاع التأمين (شركات التأمين العامة) من خلال التخطيط ورسم الأهداف الاستراتيجية.  كيف؟  عن طريق تعظيم حجم الأقساط.  وهذا التعظيم يقوم على “تحديث وتطوير وتوسيع إصدار وثائق التأمين الهندسي وتأمين اخطار المقاولات والتأمينات الأخرى” وغيرها من الوسائل.  اختيار وثائق التأمين الهندسي (وهي التي تعرف في العراق بتأمين كافة أخطار المقاولين المختصة بعقود الهندسة المدنية وتأمين كافة أخطار النصب المختصة بعقود الهندسة الكهربائية والميكانيكية) ليس موفقاً ذلك لأن الإقبال على شراء هذه الوثائق يعتمد على صناعة الإنشاء أو قل ما تنفقه الدولة أو المؤسسات الخاصة على الهياكل الارتكازية وتشييد المصانع والمنشآت الأخرى بأنواعها المختلفة: مستشفيات، مدارس، مشاريع سكنية … الخ.  وبعبارة أخرى، فإن شركات التأمين لا تستطيع التأثير على مستو الطلب على وثائق التأمين الهندسي.

 

هناك مصادر أخرى لتعظيم حجم الأقساط كالتوسع في ترويج بيع التأمينات الشخصية، والتأمينات المستحدثة في فرع تأمين المسؤولية، أو التأمينات الإلزامية بافتراض وجود الأخيرة.

 

وتختتم الاستراتيجية المقترحة لتوسيع القاعدة الاستثمارية كما يلي:

 

يمكن في المحصلة النهائية توسيع القاعدة الاستثمارية عن طريق المساطحة في مشروع استثماري ذو اجال طويلة بعد دراسة الجدوى الاقتصادية نجد ان هناك سلسلة من الفوائد وهي ارباح اعلى من قبل وامتصاص للبطالة وزيادة التراكم وبالتالي زيادة الانتعاش والرفاهية.

المساطحة شكل من أشكال الاستثمار، ولفائدة القراء كان من المناسب التعريف بها وإبراز ميزاتها مقارنة بالطريقة التقليدية التي اتبعتها شركات التأمين العامة الثلاث لتشييد المباني أو شرائها أو شراء أراضي بهدف تعميرها.

 

يرد في التعريفات القانونية أن المساطحة “حق عيني يخول صاحبه أن يقيم بناء أو منشآت اخرى غير الغراس على ارض الغير بمقتضى اتفاق بينه وبين صاحب الارض.”

 

 

المبحث الرابع: الاستنتاجات والتوصيات

 

 

أولاً / الاستنتاجات:

 

  • عدم التكافؤ بين شركات التأمين في حجم الاستثمارات والارباح لأسباب تتبع سياسة مجلس الادارة في تنويع محفظة الاستثمار، اذ ان شركة التأمين العراقية كان لها الحصة الأكبر من اجمالي الاستثمارات خلال مدة الدراسة بمبلغ (173) ترليون وبعائد مقداره (19) ترليون، تلاه شركة التأمين الوطنية بواقع (692) مليار وبعائد ربحي (116) مليار، ثم شركة إعادة التأمين بمبلغ (224) مليار وبعائد ربحي (19) مليار.

 

ما هي قيمة هذا الاستنتاج في رصد الفرق بين حجم واستثمارات الشركات العامة الثلاث؟  الاستنتاج هو وصف حال.  كان من المناسب أن تقوم الباحثة بتطويره، ومقارنته باستثمارات شركات التأمين الخاصة، وربما مقارنته بنمط الاستثمارات التي كانت شركات التأمين تقوم بها قبل الاحتلال الأمريكي للعراق وخاصة في عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وحتى خلال التسعينيات التي شهدت تضخماً هائلاً أثَّر على السياسة الاستثمارية للشركات الثلاث.

 

٢. هناك انخفاض في الوعي التأميني لدى الأفراد وعدم ايمانهم بالتأمين وذلك لأسباب يعود اغلبها الى عدم الثقة بشركات التأمين العامة أو انخفاض مبالغ التعويض المدفوعة للمُؤمن [لهم] ولجوءهم للشركات الخاصة إضافة الى انصياع غالبيتهم بعقود خارجية توفر لهم الطمائنينة [الطمأنينة] والأمان.

 

يضم هذا الاستنتاج أفكاراً متضاربة: انخفاض في الوعي التأميني، عدم إيمان بالتأمين.  أما سبب هذا الانخفاض وعدم الإيمان فهو: عدم الثقة بشركات التأمين العامة أو انخفاض مبالغ التعويض المدفوعة.  لكن هذا الانخفاض في الوعي وعدم الإيمان لا يحول دون لجوء المؤمن لهم إلى شركات التأمين الخاصة إضافة إلى لجؤهم للتأمين خارج العراق.

 

إن من يلجأ إلى التأمين خارج العراق هم من طبقة الأغنياء الذين راكم البعض منهم ثرواتهم بفضل نظام المحاصصة ونهب المال العام المسكوت عنه قانونياً.  هم نفس أفراد الطبقة التي يدعوهم الاقتصاديين للاستثمار داخل العراق.

هناك خلل في صياغة هذا الاستنتاج وعدم ارتباط الظاهرة بمسبباتها.

 

٣. يعد للعامل الاقتصادي دور مهم في قطاع التأمين اذ أن اغلب أفراد المجتمع يعاني من انخفاض متوسط نصيب الفرد، علاوة على ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك في البلد ولذلك لا يولون لهذا القطاع إي دور من دخولهم الاكتنازية.

 

تتحدث الباحثة في هذا الاستنتاج عن الطلب الفعّال (الطلب المقترن بالقدرة المالية) على شراء التأمين.  من جهة تذكر انخفاض متوسط نصيب الفرد (من الدخل الوطني) ومن جهة أخرى تذكر الدخول الاكتنازية للأفراد.  ويبدو أن الحس الطبقي تجاه توزيع الدخول مفقود في هذا الاستنتاج.  فالاكتناز يقتصر على طبقة الميسورين فالطبقات الفقيرة بالكاد تستطيع توفير الحاجات الأساسية للعيش فما بالك بمطالبتها بالتفكير بترف شراء الحماية التأمينية؟  لنتذكر هنا أيضاً ما تقوله الإحصائيات بأن نسبة العاملات من النساء تقدر بـ 15% من مجموع العمالة وأن ما يقرب من 85% هن ربات بيوت، ما يعني أن نسبة كبيرة من المجتمع العراقي محروم من دخل يمكن إنفاق جزء منه على شراء الحماية التأمينية.  أضف إلى ذلك البطالة، فمن لا يعمل ليس له دخل قابل للإنفاق على الحماية التأمينية.

 

من رأينا أن هذا الاستنتاج بحاجة إلى مراجعة صارمة لتصحيح العلاقة بين دخل الأفراد والاكتناز والإقبال على شراء الحماية التأمينية.

 

٤. إن اغلب مشاكل ومعوقات شركات التأمين ناتجة عن أسباب امنية خارجة عن سيطرة الإدارة منها على سبيل الذكر لا الحصر سيطرة الإرهاب على اغلب محافظات العراق وما نتج عن ذلك من انخفاض عدد الوثائق المستلمة خلال الفترة الأخيرة.

 

يحصر هذا الاستنتاج أغلب مشاكل ومعوقات شركات التأمين بانخفاض “عدد الوثائق المستلمة خلال الفترة الأخيرة” لأسباب خارجية ومنها سيطرة الإرهاب على أغلب محافظات العراق.  وهو استنتاج صحيح لكنه قاصر لأنه لا يذكر المشاكل والمعوقات داخل شركات التأمين، وقد تمت الإشارة إلى بعضها في استنتاجات أخرى ومنها الاستنتاج (6) في افتقار شركات التأمين لاستراتيجية منظمة لما سمّته الباحثة “استقطاب أكبر عدد من وثائق المُؤمنين [المؤمن لهم].”  يضاف إلى ذلك ضعف فني لدى كوادر الشركات واقتصار الخبرة والمعرفة العالية على بعض الشرائح العليا، ضعف التدريب المستمر، ضعف المستوى اللغوي، والتأثيرات السلبية لبعض أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 – كما ذكرناه في مكان آخر.  وهناك عوامل أخرى أتينا على ذكرها ومناقشتها في ورقة سابقة.[24]

٥. من خلال استقراء القوانين وجدنا ان البيئة التشريعية التي تحيط بقطاع التأمين مظللة [مضللة] لعدم شمول (دوائر الدولة) بالتأمين، كما إن الى عدم وجود ضوابط ومعايير تتلاءم مع المعايير الدولية للتأمين وذلك لضعف النشاط التأميني بالعراق قياساً بدول العالم المتقدم.

 

لسنا مرتاحين لصياغة هذا الاستنتاج لضعف الصياغة، ربما بسبب أخطاء في الطبع.  ربما كان القصد من “البيئة التشريعية التي تحيط بقطاع التأمين” مجموع القوانين المتعلقة بالنشاط التأميني بشكل مباشر أو غير مباشر.  وهذه المجموعة كبيرة وإطلاق صفة “مضللة” عليها فيه تجني وتبخيس لهذه القوانين.[25]   إن عدم شمول دوائر الدولة (أي إلزامها بتأمين ممتلكاتها ومسؤولياتها والعاملين فيها ومعها) لا يستوجب وصف قوانين التأمين وتلك المحيطة بقطاع التأمين بأنها مضللة.  يمكن معالجة النقص بتشريع قانون يقضي بأن تقوم دوائر الدولة وكذلك المحافظات وشركات القطاع العام بالتأمين على الممتلكات والمسؤوليات القانونية والتعاقدية والعمال والموظفين.

 

في القسم الثاني من هذا الاستنتاج حول “عدم وجود ضوابط ومعايير تتلاءم مع المعايير الدولية للتأمين وذلك لضعف النشاط التأميني بالعراق قياساً بدول العالم المتقدم” ليس واضحاً إن كانت الضوابط والمعايير تتعلق بالتأمين على دوائر الدولة، أو أن هذه الضوابط والمعايير تقع في خانة شركات التأمين.  ثم ما هي المعايير الدولية للتأمين؟  كان من المناسب الإشارة إلى بعض المعايير الدولية للتأمين ليكون القراء على بيّنة إن كانت هذه المعايير خاصة بشركات التأمين أو طالبي التأمين.

 

٦. تبين من خلال التحليل ودراسة جميع معطيات شركات التأمين العامة في العراق انها تفتقر الى ستراتيجية منظمة تعمل من اجل استقطاب اكبر عدد من وثائق المُؤمنين من جهة، واستغلال المدخرات الرأسمالية في استثمارات ذات مردود اقتصاد عالي.

 

كان تخطيط الإنتاج في الماضي مسألة في غاية الأهمية لدى شركات التأمين العامة.  وكان قسم التخطيط جزءاً مهماً في التركيب التنظيمي لشركة التأمين الوطنية، وقد لعب المرحوم د. سليم الوردي دوراً أساسياً في تطوير الوظيفة الإنتاجية في الشركة على المستوى النظري والتطبيقي.  وقد كتب عن جوانب مختلفة للموضوع: “لمحات عن تخطيط الخدمات التأمينية” (1973)[26] و “معايشتي لتجربة التخطيط في شركة التأمين الوطنية” (2015)[27]

 

الاستراتيجية المنظمة التي تدعو إليها هذه التوصية مهمة للتوسع في حجم النشاط التأميني، ويجب أن لا يقتصر التطبيق على شركات التأمين العامة بل يمتد إلى الشركات الخاصة التي يقول دعاة السوق الحرة والمنافسة المفتوحة أنها الأكثر كفاءة.  شمول شركات التأمين الخاصة بهذه التوصية ضروري لأن مساهمتها في إجمالي أقساط التأمين ما يزال ضعيفاً.

 

وفيما يخص “استغلال المدخرات الرأسمالية في استثمارات ذات مردود اقتصاد عالي” الذي يبدو وكأنه توصية وليس استنتاجاً فإنه يجب أن يعرض مستقلاً ليكون استنتاجاً قائماً بذاته.  نقول هذا لأن موضوعه يرتبط بالضوابط الرقابية في استثمار الفوائض النقدية لشركات التأمين، ولأن الدعوة إلى “استثمارات ذات مردود اقتصادي عالي” (ربما المقصود العائد العالي على الاستثمارات) قد تدفع بشركة التأمين إلى المجازفة بهدف تحقيق أعلى العوائد – وهو ما لا يتناسب مع الطبيعة المحافظة للاستثمار من قبل شركات التأمين.  ولعل تجربة بعض شركات التأمين الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصادات الرأسمالية منذ 2007 خير شاهد على عدم الخوض في استراتيجية استثمارية تقوم على تحقيق الربح الآني السريع من خلال المضاربة في سوق الأوراق المالية (الاقتصاد الوهمي).

 

٧. ما زال نشاط شركة إعادة التأمين ضعيف بالرغم من ان فحوى اختصاصها يصب في ممارسة جميع اعمال التأمين قبولاً واسناداً داخل العراق وخارجه.

 

ما هو مضمون هذه التوصية؟  إقرار واقع الحال ليس بتوصية بحد ذاته.  تضم بعض كتاباتنا عن شركة إعادة التأمين العراقية بعض الأفكار التي يمكن الاستفادة منها في صياغة توصيات لتقوية نشاط الشركة.[28]    كما يمكن الاستفادة من الأفكار التي أوردها الأستاذ قيس المدرس في مقالته “استذكار مسيرة العمل في شركة إعادة التأمين العراقية”[29] حول أسباب نجاح الإعادة العراقية في الماضي وقد لخصها بالآتي:

 

  • الادارة العليا الكفؤة
  • الاختيار الجيد للموظفين
  • التدريب
  • الدعم الحكومي
  • العمل بروح العائلة الواحدة.
  • العلاقات الإنسانية والالتزام العالي بقواعد المهنة والسلوك الوظيفي من قبل الجميع.

 

ثانياً / التوصيات :

 

تختتم الباحثة البحث باثنتي عشرة توصية نقتبسها أدناه ونعلق عليها بما نقدر عليه.  وقد سبق لنا أن كتبنا بشأن بعض هذه التوصيات في ورقة لنا بعنوان “نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق” يمكن للقراء المهتمين الرجوع إليها.[30]  ومن رأينا أن وضع قائمة بالتوصيات دون تقديم سبب أو حجة يجعل التوصيات موضع تساؤل، وهو ما سنحاوله هنا.

 

١. الاستفادة من مزايا قانون الاستثمار رقم (10) [هكذا بالأصل] لسنة ٢٠٠٦ الذي اجاز للمستثمر الأجنبي التأمين على المشروع الاستثماري لدى أي شركة تامين وطنية أو اجنبية يعتبرها ملائمة وذلك لغرض زيادة الأرباح وإضافة فقرة الى قانون تنظيم اعمال التأمين رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٥ تلزم الشركات ورجال الاعمال والمستثمرين بإجراء التأمين لدى شركات التأمين في العراق تجنباً لتسرب أقساط التأمين الى خارج العراق.

 

لا أدري مدى الاستفادة من قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006، والقانون المماثل له الصادر من حكومة إقليم كوردستان العراق لأغراض تطوير قطاع التأمين.

 

هناك استثمارات أجنبية عديدة في بناء المولات ومحلات توكيلات السيارات الأجنبية وغيرها، وهذه مؤمنة، في معظم الحالات، لدى شركات التأمين الوطنية، العامة أو الخاصة.

 

ربما لم تؤمن جميع الاستثمارات الأجنبية مع شركات تأمين وطنية لأن قانون الاستثمار الاتحادي رقم 13 لسنة 2006 وفرَّ للمستثمر الأجنبي بموجب المادة 11 حرية “التأمين على المشروع الاستثماري لدى اي شركة تامين وطنية او اجنبية يعتبرها [المستثمر الأجنبي] ملائمة.”  ولعل أفضل مثال على ذلك هو مشروع بسمايا السكني الذي تقو م به شركة كورية جنوبية إذ أجرت التأمين، كما يُقال، مع شركة تأمين كورية.  وهي بذلك تصرَّفت بموجب أحكام القانون ولكن في غير صالح شركات التأمين الوطنية التي حُرمت من فرصة التأمين على هذا المشروع الضخم.

 

فيما يخص التوصية “بإضافة فقرة الى قانون تنظيم اعمال التأمين رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٥ تلزم الشركات ورجال الاعمال والمستثمرين بإجراء التأمين لدى شركات التأمين في العراق تجنباً لتسرب أقساط التأمين الى خارج العراق” فإنها مطلب مهم سبق وأن عالجناه في نقدنا لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ضمن مفهومنا لأهمية ما أسميناه بتوطين التأمين في العراق.  فقد نشرنا دراسة بعنوان “المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون.”[31]

 

إن هذا القانون ينطوي على فجوات يمكن للمستثمر الأجنبي الاستفادة منها في تجاوز شركات التأمين الوطنية فهو لا يضم نصاً بإلزام التأمين مع شركة تأمين وطنية مسجلة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين العراقي.  أما لماذا هذا الفراغ فالجواب عند الخبير الأمريكي الذي صاغ القانون اعتماداً على قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 1999 الأردني بعد تحويره [32]

 

لقد وفّرت المادة 81 الأرضية القانونية لتسريب أقساط التأمين العراقية إلى الخارج من خلال القبول الضمني بالتأمين خارج النظام الرقابي non-admitted insurance وهو ما لا نجد نظيراً له في معظم الانظمة الرقابية على النشاط التأميني في العالم.

 

٢. العمل بالمادة ٨١ / ثالثاً من قانون تنظيم اعمال التأمين والتي تدعو الى اجراء التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون ولجميع المُؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك.

 

هذه التوصية بضرورة العمل بالمادة رقم 81-ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 مهمة لأنها تساهم في تعزيز شفافية تعامل مؤسسات الدولة مع وظيفة التأمين، ويمكن ربط ذلك بمادة أخرى من القانون في تفويت فرصة التلاعب أو التصرف غير العادل من قبل الوزارات والمؤسسات العامة من خلال النص على تقديم البيانات والمعلومات الخاصة بتأميناتها إلى ديوان التأمين (المادة 86).  والمراد من هذه المادة هو ضمان امتثال الوزارات ومؤسسات الدولة وشركاتها لأحكام المادة 81 – ثالثا – أو هكذا نقرأ هذه المادة.

 

كما أنها توفر فرصة للتنافس بين شركات التأمين العاملة في العراق.  لقد كان اقتصار تعامل الدولة مع شركات التأمين العامة، وخاصة شركة التأمين الوطنية، مثار نقد واعتراض من قبل شركات التأمين الخاصة لدى ديوان التأمين.  وبرز هذا الاعتراض بالاقتران مع جولة تراخيص العقود النفطية الأولى (حزيران 2009) مما أدى إلى قيام ديوان التأمين بإصدار إعمام للتذكير بهذه المادة.

 

وقد كتبت سابقاً أن ميزة المادة 81-ثالثاً، إضافة لإشاعة التنافس بين شركات التأمين، فإنها تضع جميع شركات التأمين في مصاف واحد فيما يخص تأمين الأموال العامة العائدة للدولة من خلال المناقصات العلنية.  وقراءتنا لهذه المادة هي أنها تمتد لتشمل الأموال العامة بالمطلق وليس تلك التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة فقط في التأمين ضدها، أي أنها تشمل الأموال والأخطار لدى الإدارات المحلية أيضاً.

 

٣. التأكيد على عدم حصر أعمال التأمين بشركة محددة، ويجوز لأي شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدمات التأمين.

 

هذه التوصية مستلة من المادة 81-ثانياً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي تنص على الآتي:

 

ثانياً- لا يجوز اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

 

لقد كان لنا موقف من حق الاختيار بشراء التأمين أو خدمات التأمين، وكتبنا التالي:[33]

 

المادة 81 ناقصة، كما يلاحظ القارئ، لأنها تخلو من إشارة إلى محل إقامة المؤمن أو معيد الـتأمين أو تسجيله في العراق أو ترخيصه من قبل الديوان ولا القانون الذي تشير إليه هذا المادة، حسب علمنا، نصًّ خلاف ذلك ولم ينشر حتى الآن تعديل للقانون بهذا الشأن.  ويلاحظ أيضاً أن هذه الفقرة تُقرُّ حق الشخص الطبيعي في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين دون النص على عراقية المؤمِن أو معيد التأمين (بمعنى تسجيله لدى مسجل الشركات وترخيصه من قبل الديوان).

 

لذلك، من الضروري إعادة النظر بهذه التوصية لضمان حقوق شركات التأمين العراقية.

 

٤. التعاون الجدي بين شركات التأمين وتبادل اسماء من يثبت ممارستهم عمليات الاحتيال واد ا رجهم على القائمة السوداء.

 

الدعوة لقائمة سوداء لممارسي الاحتيال فكرة جيدة.  لكن يعني ذلك إجراء دراسة قانونية في ضوء القوانين السائدة فيما يخص جرائم الاحتيال المالي، ومنها الاحتيال على شركات التأمين، لتعريفها بدقة وتقرير فترة الحرمان من الحماية التأمينية لمقترفي مثل هذه الجرائم.  ومن ثم خلق قاعدة بيانات يتولى إدارتها مكتب متخصص تابع لقطاع التأمين (جمعية التأمين العراقية، مثلاً) أو الشرطة الاتحادية.  ومن المعروف أن حجم مثل هذه الجرائم، في أسواق التأمين المتقدمة في الغرب كسوق التأمين في المملكة المتحدة، هو الأكبر في فرع التأمين على السيارات.[34]  ويمكن الاستفادة من تجربة هذه الأسواق.

 

لا أظن بأن هناك إحصائيات عن حالات الغش والاحتيال في العراق.  نعرف بأن هناك فساد مالي بمليارات الدولارات لكنه لم يُصنَّف إحصائياً، وهذا هو الوضع في قطاع التأمين أيضاً.

 

٥. تفعيل ديوان التأمين من خلال الرقابة على شركات التأمين في العراق إضافة الى رفده بالكوادر المهنية وذات الخبرة في مجال التأمين.

 

تضم هذه التوصية شقين رغم عدم وضوح الصياغة: تفعيل الدور الرقابي لديوان التأمين، ورفد الديوان بالكوادر المهنية وذات الخبرة التأمينية.

 

الدور الرقابي للديوان يكاد أن يكون محصوراً في قضايا ترخيص شركات التأمين والكيانات ذات العلاقة، وجباية الرسوم القانونية.  لم يصدر الديوان، حسب علمنا، أي ورقة موقف أو دراسة عن قضايا التأمين العراقي ما خلا بعض الإعمامات، وكذلك إصدار التعليمات، وهو مهم لإتمام أحكام القانون.  منذ تأسيسه سنة 2005 كان رئيسه معيناً وكالةً، وهذا الوضع مستمر حتى الوقت الحاضر.  وليس معروفاً إن كان الديوان يقوم بجولات تفتيشية على الشركات لفحص ملفاتها وإجراءاتها والتأكد من عدم وجود نواقص أو تلاعب تُضرُّ بحقوق المؤمن لهم.

 

حسب ما ينقل لنا من أخبار فإن الديوان ينقصه وجود الكوادر المهنية التأمينية لأداء مهمات الوظيفة الرقابية.

 

لذلك فإن هذه التوصية تستحق المتابعة من قبل ديوان التأمين ووزارة المالية.

 

وقد سبق للزميل سعدون الربيعي أن اقترح مثل هذه التوصية سنة 2011 عندما كتب التالي:

 

تأهيل ديوان التأمين وضرورة ان يأخذ دوره كجهة رقابية على قطاع التأمين وتطويره – وتعزيز هيكله التنظيمي بكوادر تأمينية لها من الخبرة الفنية والإدارية والمالية ما يجسد أهداف الديوان.[35]

٦. إعطاء اهتمام اكبر لشركات التأمين العامة بالتزام المهنية في تطبيق الجوانب الفنية الخاصة بسياسات التسعير والاكتتاب باسعار مناسبة، وإدارة المطالبات، وتوفير البنية التقنية الملائمة لحجم وطبيعة العمل وسياسة الاستثمار.

 

لماذا تحصر هذه التوصية بالتزام المهنية بشركات التأمين العامة، وهل أن شركات التأمين الخاصة هي أكثر التزاماً منها بالمهنية؟   التوصية تقول ضمناً أن شركات التأمين العامة لا تهتم كثيراً بالمهنية وهو أمر يُشكُّ في صحته.

 

هناك مستوى مشترك في المهنية بين الشركات العامة والخاصة، وهذا المستوى بحاجة إلى تطوير من خلال التدريب المهني المستمر

 

التوصية بتوفير البنية التقنية الملائمة لحجم وطبيعة العمل وسياسة الاستثمار هنا في غير محله ومن الأفضل أن تكون مستقلة أو تربط مع التوصية التاسعة حول دراسات الجدوى للفرص الاستثمارية.

 

٧. تطبيق شروط عقود التأمين الموقعة بين المستفيدين وشركات التامين بشكل دقيق ومحايد.

 

يبدو أن شركات التأمين لا تطبق شروط عقود التأمين بينها وبين المؤمن لهم والمستفيدين من وثائق التأمين بشكل دقيق ومحايد.  أي أن شركات التأمين متعسفة في تطبيق شروط التعاقد، ولهذا تقدمت الباحثة بهذه التوصية.  لعل إبراز حالات بهذا الشأن تساعدنا في فهم أهمية هذه التوصية.

 

٨. العمل على إيجاد اوامر تنص على حماية حملة الوثائق، إضافة الى إيجاد محكمة قضائية تنظر في قضايا المؤمنين وبالطرق القانونية للخروج بحلول عادلة.

 

لا نعرف ما هو مضمون الأوامر التي تنص على حماية حملة وثائق التأمين، إذ أن الحماية تقع في صلب الوظائف الأساسية لديوان التأمين.  يمكن للديوان أن يقوم بإصدار تعليمات ملزمة لشركات التأمين.  والسؤال هو: هل أن أحكام قانون التأمين الحالي غير كافية لحماية حملة وثائق التأمين؟

 

التوصية بإيجاد محكمة قضائية غريبة علينا إذ أن المحاكم القائمة كفيلة بالنظر في الدعاوى الناشئة بين المؤمن لهم وشركات التأمين، كما أن معظم وثائق التأمين تنص على اللجوء إلى التحكيم في حال الاختلاف بين طرفي عقد التأمين.  ومن المعروف أن المحاكم في العديد من الولايات القضائية تستعين بخبراء التأمين في قضايا خلافية.  ترى ما هي ضرورة إيجاد محكمة قضائية للنظر في قضايا التأمين؟

 

٩. استخدام دراسات الجدوى لجميع الفرص الاستثمارية في شركات التأمين قبل اتخاذ القرار الاستراتيجي.

 

المضمر في هذه التوصية، كبعض التوصيات الأخرى، هو أن شركات التأمين (العامة والخاصة) لا تلجأ إلى دراسات الجدوى لاستثمار فوائضها النقدية.  ربما يكون هذا القول صحيحاً إذ يبدو أن قرارات الاستثمار تتخذ، في العادة، من قبل مجالس إدارة الشركات دون تقديم دراسات جدوى بل اعتماداً على مقترح من أحد أعضاء المجلس أو القسم المختص بالاستثمار في شركات التأمين العامة.

 

التوصية مهمة في إطار السياسة الاستثمارية والقيود الرقابية المعنية بحماية حقوق المؤمن لهم.[36]

 

١٠ ضرورة اختيار وكلاء تأمين يتمتعون بالكفاءة اللازمة للقيام بدور مسوقي عقود تأمين.

 

وكلاء التأمين يشكلون قناة مهمة من قنوات توزيع المنتجات التأمينية، ولهم دور في التعريف بهذه المنتجات وأهميتها لحماية النشاط الاقتصادي للشركات وحياة وأموال الأفراد.  وهم بهذه الصفة إحدى الواجهات التي تطلُّ منها شركات التأمين على طالبي التأمين المرتقبين.  ومن هنا منشأ هذه التوصية.

 

ويبدو لي أن لدى الباحثة معلومات عن وكلاء تأمين يعملون مع شركات التأمين لا يتمتعون بالكفاءة اللازمة، أو أن لها موقفاً من ضعف التعليمات رقم (11) لسنة 2008 – تعليمات إجازة وكيل التأمين وتنظيم أعماله الصادرة من ديوان التأمين.  فهذه التعليمات تشترط في المادة 2 منها أن يكون وكيل التأمين، إذا كان شخصاً طبيعياً، “أن يكون حاصلاً على شهادة الإعدادية وله خبرة عملية في ممارسة أعمال التأمين [دون تحديد مدة الممارسة] أو أن يكون قد اجتاز دورة تدريبية متخصصة بأعمال التأمين لا تقل مدتها عن (15) خمسة عشر يوماً في حالة عدم توفر الخبرة العلمية [هكذا] لديه.”  لكن التعليمات تشترط أيضاً أن يجتاز الوكيل أي اختبار ينظمه الديوان (المادة 2- ه).

 

١١ . وضع تشريعات تحث تطبيق التأمين الصحي بشكل منصف انسجاماً مع ما تضمنه البرنامج الحكومي للدولة للفترة 2014-2018 (اعتماد نظام التأمين الصحي للمواطنين كافة وتطبيق نظام طبيب الاسرة).

تطبيق التأمين الصحي، متى ما تمَّ تشريعه، سيخلق طلباً كبيراً عليه.  سيكون هذا التأمين تجارياً يستهدف الربح، وسيكون متيسراً لمن له فائض في الدخل يستطيع إنفاق جزء منه على شراء التأمين الصحي له ولأسرته.  في الوقت الحاضر توفر بعض شركات التأمين تأميناً صحياً لكننا لسنا على علم بتفاصيله.  وضع التشريعات المناسبة، ومنها، على سبيل المثل، إلزام الشركات العامة والخاصة وكذلك الشركات الأجنبية العاملة في العراق بالتأمين على عمالها وموظفيها.  الموضوع لم يخضع لمناقشة حقيقية في الصحافة أو في مجلس النواب ولم نقرأ عن مشاريع قانونية بشأن التأمين الصحي.  وكذا الأمر بالنسبة لنظام طبيب الأسرة.  وهذا الأخير، رغم عدم وضوح الهدف، يقع في خانة الضمان الصحي الذي تقدمه الدول المتقدمة كجزء من النظام الصحي العام، كما هو الحال في المملكة المتحدة.

 

وقد ناقشنا الموضوع في ورقة لنا بعنوان “التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية.”[37]

 

١٢ . خصخصة بعض الأنشطة الاقتصادية إضافة الى تفعيل الشراكة بين القطاع العام والتي سينعكس اثرها الايجابي على قطاع (PPP) والقطاع الخاص التأمين في لجوءهم لتأمين انشطتهم وحماية اعمالهم من الخسائر.

 

تفترض الباحثة أن خصخصة بعض الأنشطة الاقتصادية وتفعيل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ستوفر حافزاً للإقبال على شراء التأمين لحماية الشراكة من الأخطار.  إذا كان الحافز لشراء التأمين مفقوداً أصلاً وفي أحسن الحالات ضعيفاً لدى الأنشطة الاقتصادية العامة[38] ولدى القطاع الخاص قبل الدخول في شراكة فهل أن الشراكة ستخلق الحافز؟  ربما، خاصة إذا كان الشريك الخاص أجنبياً الذي يلجأ في العادة إلى التأمين لحماية استثماره من الأخطار المختلفة.

ربما كان الدافع وراء تقديم هذه التوصية هو الكشف عن مصدر مرتقب للطلب على الحماية التأمينية.  ربما هو الاعتقاد بأن الشراكة بين القطاع العام والخاص يمثل نمطاً أفضل وأكثر تطوراً في تنظيم الشركات مما هو سائد فيما يخص الطلب على التأمين.  ومهما يكن الدافع فإن تحقيق هذه التوصية يستوجب إدخال فقرة في عقود المشاركة تقضي بإجراء التأمين على الممتلكات والمسؤوليات وعمال وموظفي الشراكة.

 

من قراءتنا لهذا البحث تولَّد لدينا انطباع أنه بحاجة لمراجعة لتخليصه من أخطاء في الطبع والإملاء، لكن ذلك لا ينتقص من أهمية البحث الذي بذلت الباحثة نور شدهان عدّاي جهداً واضحاً للقيام به.  هو بحثٌ يكشف عن قدرات لديها لتقديم المزيد في الكشف عن إمكانيات قطاع التأمين العراقي وإشكاليات تطوره.  ننتظر قراءة الجديد منها في المستقبل القريب.

 

1 أب/أغسطس 2017

 

[1] قطاع التأمين في العراق: الإمكانيات والتحديات، 32 صفحة.  إعداد السيدة نور شدهان عداي، باحثة في وزارة المالية، الدائرة الاقتصادية، قسم السياسات الاقتصادية، صدر في بغداد/2015 ومنشور في الموقع الرسمي لوزارة المالية تحت باب البحوث والدراسات: http://www.mof.gov.iq/Pages/MainMof.aspx

 

[2] تطرقنا إلى هذا الموضوع في تقديمنا لكتاب نيل كروكفورد، مدخل إلى إدارة الخطر، ترجمة تيسير حمد التريكي ومصباح كمال (طرابلس: شركة ليبيا للتأمين، ط2، 2007)، ص9-21.

[3] بديع أحمد السيفي، التأمين علماً وعملاً (بغداد: د.ن.، ط1، 1972) ص 29-33.  وكذلك: بهاء بهيج شكري، التأمين في التطبيق والقانون والقضاء (عمان: دار الثقافة، 2007)، ص 415-451.

[4] “رسائل بهاء بهيج شكري في الشريعة الإسلامية وعقد التأمين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/07/الشريعة-الإسلامية-والتأمين-منقحة-2.pdf

[5] تحدد الباحثة هذه الأشكال (الخصائص) بالآتي: عقد رضائي، عقد احتمالي، عقد معاوضة، عقد ملزم لجانبيه، عقد مستمر أو ممتد، عقد إذعان، عقد تجاري، عقد شرطي، عقد وسيلة عمل.  وتعني بوسيلة العمل (ص 5) “أن عقد التأمين وسيلة من وسائل تعاون الجماعة المستهدفة للخطر في تحمل عبئه، وانه عمل من أعمال الاحتياط والتضامن.”

[6] Guillaume Plantin and Jean-Charles Rochet, When Insurers Go Bust (New Jersey: Princeton University Press, 2007), p 43-44.

[7] جارلس دوفت، تسويق التأمين، ترجمة وإعداد أ. د. سليم علي الوردي (بغداد: مكتب البلورة، 2002).

[8] أقساط التأمين كوسيلة ادخار للأفراد تنحصر ببعض وثائق التأمين على الحياة (مصباح كمال).

[9] Abdul Zahra Abdullah Ali, Insurance Development in the Arab World (London: Graham & Trottman, 1985), pp 181-183.

وقد سبق للدكتور عبد الزهرة علي دراسة أثر إعادة التأمين وميزان المدفوعات: إعادة التأمين وميزان المدفوعات في الأقطار النامية (بحث مقدم لشهادة الدبلوم العالي في إدارة التأمين، جامعة بغداد، 1975).

[10] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 10-11.

[11] بديع أحمد السيفي، التأمين علماً وعملاً (بغداد، د. ن.، 1972)، ص 22.

[12] كاظم الشربتي، التأمين: نظرية وتطبيق، الجزء الأول، مقدمة عامة (بغداد: مطبعة الإرشاد، 1974)، ص 116.

[13] يمكن قياس العائد على الاستثمار من خلال تقسيم الربح الصافي على مجموع الأصول (مصباح كمال).

[14] منعم الخفاجي، “التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق” وتعليقنا عليه بعنوان “التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق-أين تكمن العلّة؟”، موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/01/Munaem-Al-Khafagi-Chalanges-of-Insurance-Sector-in-Iraq.pdf

 

http://iraqieconomists.net/ar/2017/01/24/%d9%85%d9%86%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%81%d8%a7%d8%ac%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%8a%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d9%87%d8%a7-%d9%82%d8%b7/

[15] مصباح كمال، “آثار داعش على قطاع التأمين العراقي،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2014/10/26/

[16] راجع: جبار عبد الخالق الخزرجي، سعدون الربيعي، فؤاد شمقار، محمد الكبيسي، مصباح كمال، منعم الخفاجي، تحرير: مصباح كمال، مساهمة في نقد ومراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (مكتبة التأمين العراقي، 2013).  وكذلك:

مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

[17] مصباح كمال، “آثار إعادة المفصول السياسي إلى وظيفته في شركات التأمين،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/03/reinstatement-of-politically-dismissed.html

[18] جريدة الصباح، مقابلة مع مصباح كمال حول النشاط التأميني في العراق بتاريخ 28 كانون الأول 2016.  يمكن قراءة النص الكامل في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/01/Interview-Al-Sabah-with-Misbah-Kamal-final.pdf

[19] عبد الكريم حسن شافي، “التأمين الصحي في سوق التأمين العراقي،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2013/03/31/540/

[20] عبد الكريم حسن شافي، “القروض والتأمين،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/10/09/loans-and-insurance/

وكذلك تعليق محمد الكبيسي، “نحو تطوير مشروع مشترك للقروض،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/10/12/loans-and-insurance-2/

أنظر أيضاً: مصباح كمال، “برنامج البنك المركزي للقروض الصناعية والزراعية والإسكان ومكانة التأمين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2015/09/08/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%88/

[21] عبد الكريم حسن شافي، “التـأمين وخطر الأعـمال الإرهابية: تجربة شركة التأمين الوطنية انموذجاً،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2013/02/14/insurance-terrorist-acts-in-iraq/

[22] للتعرف على بعض ملامح سياسة الاستخدام في الماضي راجع: عبد الباقي رضا، فاروق يونس ومصباح كمال، “شذرات من التاريخ المروي والذكريات الشخصية حول التأمين في العراق،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2015/08/17/%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d8%a7%d8%8c-%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%82-%d9%8a%d9%88%d9%86%d8%b3-%d9%88%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84/

 

[23] سعدون الربيعي، “التأمين وأهميته في تطوير الخدمات المصرفية،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2012/10/31/inbsurance-development-of-banking-services/

تمَّ ضم المقال إلى كتابه شركات التأمين الخاصة وقطاع التأمين العراقي (مكتبة التأمين العراقية، 2014)، ص 48-52.

[24] مصباح كمال، “ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2011/11/30-2011-1.html

وقد نشرت ملخصة في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2011.

[25] قوانين التأمين والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبها، إعداد وإشراف طالب المصرف (بغداد: المؤسسة العامة للتأمين، 1970).  لم يُحدّث هذا الكتاب لكن بالإمكان الكشف عن القوانين ذات العلاقة من خلال قاعدة التشريعات الإلكترونية.

[26] د. سليم الوردي، كتابات اقتصادية في التأمين، إعداد وتحرير: مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2017)، ص 6-11.  نشرت أصلاً في مجلة رسالة التأمين، العدد 22، 1973.

[27] في استذكار أ. د. سليم الوردي (1942-2015)، إعداد وتحرير: مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2016)، ص 45-56.

[28] مصباح كمال، “ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/03/dilemmas-of-iraqs-insurance-sector.html

 

مصباح كمال، “مهام جديدة-قديمة أمام شركة إعادة التأمين العراقية،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/12/new-tasks-before-iraq-reinsurance-co.html

 

مصباح كمال، “تجديد اتفاقيات شركة إعادة التأمين العراقية وشركات التأمين الخاصة،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/11/renewal-of-iraq-res-treaties-private.html

 

مصباح كمال، “ملاحظة حول شركة إعادة التأمين العراقية والعلاقة مع شركات التأمين الخاصة،”

[29] نشرت في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2014/08/12/kays-al-mudaries-recollections-of-my-time-at-iraq-re-2/

[30] نشرت في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2012/08/06/a-policy-for-iraqs-insurance

 

[31] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 171-182، وكذلك ص 183-190 في “تحريم التأمين خارج نظام الرقابة.”

[32] راجع التفاصيل في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، فصل “في نقد قانون تنظيم أعمال التأمين.”

[33] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، ص 175.

[34] حسب البيانات الصادرة من جمعية شركات التأمين البريطانية كان هناك 125,000 مطالبة احتيالية خلال سنة 2016 وبلغت قيمتها 1.3 مليار باون.  أنظر:

https://www.insuranceage.co.uk/insurer/3091576/ps13bn-of-dishonest-claims-found-in-2016?utm_medium=email&utm_campaign=IA.Daily_RL.EU.A.U&utm_source=IA.DCM.Editors_Updates

[35] سعدون الربيعي، “شركات التأمين الخاصة تشارك في اجتماعات هيئة المستشارين لتطوير القطاع المصرفي والتأميني وتدعو لتعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005،” مرصد التأمين العراقي:

[36] مصباح كمال، التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 24-28.

[37] نشرت أصلاً في الثقافة الجديدة، العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63.  نشرت فيما بعد في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2014/12/370-2014-51-63.html

[38] مصباح كمال، “شركة عامة لا تؤمن على عقودها،” نشرت في المواقع التالية:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/03/Misbah-Kamal-Avoiding-Construction-Project-Insurance.pdf

 

https://www.academia.edu/22932124/State-Owned_Company_Avoiding_Insurance_of_a_Construction_Project

 

مصباح كمال، “وزارة النفط وتأمين التحكم بالآبار: تداعيات تأمينية عقب حريق بئر نفطي في كركوك.”

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/03/12/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%82%d8%a8-%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a8%d8%a6/

وكذلك مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/03/ministry-of-oil-control-of-well.html

أضف تعليق