Monthly Archives: جوان 2017

Misbah Kamal: Insurance Brokerage & Insurance Development

قراءة نقدية لرسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري:

حول نظام السمسرة وتطور طرق إبرام عقود التأمين

 

 

أثار الأستاذ بهاء بهيج شكري في رسالته[1] عدداً من القضايا بعضها ذات بعد تاريخي، وقدّم معلومات عنها وحججاً تفسيرية حول طرق إبرام عقود التأمين ونظام الرقابة على وكالات التأمين الأجنبية والعلاقة مع شركات وساطة إعادة التأمين العالمية. وبودي هنا تقديم بعض الإيضاحات والإضافات.

 

[1] البحث التاريخي الناقص للتأمين

 

ربما تتنفق معي بأن تاريخ التأمين في العراق وفي العالم العربي لم يُبحث على المستوى الأكاديمي، ولا يتعدّى ما نقرأه عن هذا التاريخ سوى الإشارات العابرة أو المعلومات السريعة المقدمة بدون إحالة إلى مصادر يمكن للباحث والقارئ المهتم الرجوع إليها ودراستها. وأنا لا أدعي معرفة بمنهج البحث التاريخي، أعني الأدوات التي يستخدمها المؤرخ المحترف في التعامل مع المصادر والأدلة، بما فيها الأدلة الأركيولوجية (الأثرية)[2]، بغرض البحث وكتابة تاريخ الماضي. وربما تبدو الإشارة إلى الأدلة الأثرية غريبة في مجال التأمين، وهي كذلك في ظاهرها إلا أن الحفر في أثريات التأمين القديمة (قوانين التأمين، وثائق التأمين، مستندات شركات التأمين، إعلاناتها التجارية، تقاريرها وحساباتها السنوية، محاضر جلسات مجالس الإدارة … الخ)، بافتراض توفرها لدى شركات التأمين، تُشكّل، بالإضافة إلى المذكرات غير المنشورة والكتب التاريخية المطبوعة، والمقالات المتناثرة في الصحف العربية مادة أساسية للبحث.

 

لذلك أزعم بأن معظم ما نذكره عن تاريخ كيانات التأمين والنظم المتعلقة بها، بما فيها القوانين المنظمة للنشاط التأميني، ليست مُسندة بأدلة تاريخية.

 

[2] استمرار بقاء وكالات شركات التأمين الأجنبية

 

يُخبرنا الأستاذ بهاء، من موقف العارف بتفاصيل موضوعه ويحاجج بأن التأمين

 

لم يمارس في البلاد العربية الا في أواسط القرن التاسع عشر. وكانت هذه البلاد عبارة عن ولايات تابعة للدولة العثمانية وقد ابتدأت ممارسته من قبل الوكلاء التجاريين لشركات التأمين الاجنبية. وحيث ان عقد التأمين لم يكن من ضمن العقود المسماة في الشريعة الاسلامية وحيث انه من عقود الغرر، فقد جوبه برفض قاطع من قبل فقهاء المذاهب السنية الأربعة وافتي بتحريمه بحجة انه عقد قمار محرم شرعا وعقد ربوي يتضمن اكل مال الغير بالباطل. وكان من نتيجة هذه الفتاوى ان أحجم اصحاب رؤوس الأموال العرب عن استثمار اموالهم في تأسيس شركات تأمين الامر الذي أدى الى بقاء وكلاء الشركات الاجنبية هم وحدهم الجهة التي تسيطر على أسواق التأمين العربية حتى بعد ان انفصلت هذه الولايات عن الدولة العثمانية لتصبح دولا مستقلة صوريا.

 

وهو هنا يقدم لنا تفسيراً مقنعاً لاستمرار بقاء وكلاء شركات التأمين الأجنبية في أسواق التأمين العربية إذ أن الإيديولوجيا الدينية المهيمنة، رغم بدء التحول نحو العلمانية في الدولة العثمانية[3] والحكم الوطني فيما بعد، كانت تحول دون الاستثمار في تأسيس شركات التأمين. ومن المؤسف، أن تاريخ وكالات شركات التأمين الأجنبية، كما أرى، لم يخضع للبحث ضمن التطور الاقتصادي للبلاد العربية. وبالنسبة للعراق فإننا نشير إلى هذه الوكالات ولكن دون أن نعرف عنها الكثير.[4]

 

ويمضي الأستاذ بهيج بالقول، اعتماداً على ما ذكره، أن أسواق التأمين العربية:

 

لم تؤسس فيها شركات تأمين عربية الا في النصف الثاني من القرن العشرين، فكان هذا هو السبب الذي جعل المشرعين العرب يركزون على وكلاء التأمين في قوانين الرقابة على اعمال التأمين التي شرعت خلال النصف الاول من القرن العشرين، فالزموهم بالحصول على ترخيص من سلطة الرقابة كي يتمكنوا من ممارسة نشاطهم وبشرط ان يودع الوكيل في المصرف الذي تعينه السلطة المذكورة وديعة مالية معينة عن كل فرع من فروع التأمين التي أجيز بممارستها،[5] ولم أرَ في تلك القوانين المذكورة اي ذكر للوسيط “السمسار”.

 

تشير بعض الكتابات العربية إلى تأسيس شركات تأمين عربية في النصف الأول من القرن العشرين. فشركة مصر للتأمين أسسها الاقتصادي الوطني المصري طلعت حرب باشا، الذي يعتبر رائداً للنشاط التأميني الوطني في مصر، سنة 1934.[6] وتأسست شركة التأمين العربية في فلسطين سنة 1944 (انتقلت من مركزها الرئيسي في يافا إلى بيروت سنة 1948).[7] كما تأسست شركة الرافدين للتأمين في بغداد سنة 1946 برأسمال أجنبي (60%) ورأسمال عراقي (40%).[8] تاريخ هذه الشركات بانتظار من يقوم بكتابته بالرجوع إلى أثريات التأمين، وكذلك تاريخ نشوء وتطور شركات وساطة التأمين العربية.[9]

 

ويثير الأستاذ بهاء قضية مهمة عندما يقول انه في غياب شركات التأمين العربية فإن “المشرعين العرب يركزون على وكلاء التأمين في قوانين الرقابة على اعمال التأمين التي شرعت خلال النصف الاول من القرن العشرين.” يعني هذا أن الدولة بدأت تنتبه إلى أهمية النشاط التأميني في الاقتصاد الوطني، وكذلك تنظيم عمل المؤسسات الاقتصادية.

 

[3] وسيط التأمين في قانون التأمين العراقي

 

يقول الأستاذ بهاء إن وسيط التأمين لا يرد له ذكر في القانون العراقي [قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005]:

 

وعندما اقتبس المشرع العراقي نصوص القانون الاردني لم يشر الى وسيط التأمين. لهذا فان ديوان التأمين العراقي له الحق في ان يتردد في منح الوسيط الأجنبي رخصة ممارسة العمل في العراق لجهالة طبيعة هذا العمل ولعدم ورود ذكر لوسيط التأمين في القانون العراقي، علما بأننا نعتقد ان هذا الوسيط الأجنبي هو وسيط اعادة تأمين “سمسار اعادة تأمين” وليس وسيط تأمين مباشر.

 

للوهلة الأولى يبدو هذا القول صحيحاً فالمادة 2-ثامناً- مُكرّسة لتعريف وسيط اعادة التامين (وليس وسيط التأمين المباشر) إذ يرد في التعريف بأنه “الشخص المجاز من الديوان ليمارس الوساطة بين شركة التأمين وشركة اعادة التأمين.”

 

لكننا نلاحظ بأن الفصل الأول من الباب السادس مخصص لوكلاء ووسطاء وخبراء التأمين، فالمادة 76 من هذا الفصل تنص على أنه:

 

لا يجوز لأي شخص أن يمارس أعمال وسيط تأمين أو وسيط إعادة التأمين إلا بعد حصوله على ترخيص من الديوان وفق الشروط التي يحددها رئيسه بتعليمات يصدرها لهذه الغاية تتضمن تنظيم أعماله وتحديد مسؤوليته وإجراءات ومتطلبات ترخيصه والمؤهلات المطلوبة.

 

فضلاً عن ذلك فإن التعليمات رقم (10) لسنة 2006 الصادرة من ديوان التأمين[10] هي “تعليمات إجازة وسيط التأمين وتنظيم أعماله وتحديد مسؤولياته.” ويرد في المادة 1-أولاً:

 

لا يجوز لأي شخص ممارسة أعمال وسيط التأمين أو وسيط إعادة التأمين في العراق إلا بعد حصوله على إجازة من ديوان التأمين بذلك …” (التأكيد من عندي)

 

وحسب البيانات الصادرة من ديوان التأمين كما في 31 كانون الأول 2016 كان هناك 9 وسطاء تأمين ووسطاء إعادة تأمين بينهم 5 وسطاء تأمين و 4 وسطاء إعادة التأمين وهؤلاء يمثلون شركات وساطة تأمين أجنبية. لكن حجم النشاط الذي تقوم به شركات الوساطة هذه ليست معروفة، وليست هناك أية إحصائيات خاصة بها، كما لا يعرف عدد العاملين فيها.

 

[4] هل هناك وسطاء في أسواق التأمين العربية؟

 

يثير الأستاذ بهاء تحدياً في قوله إن

 

… أسواق التأمين العربية، فيما عدا ما يتعلق بإعادة التأمين، لا تتعامل بنظام السمسرة، وان اتفاقيات وساطة التأمين التي اشرتَ لها في هامش البحث اما انها تتعلق بسمسرة اعادة التأمين او انها مجرد حبر على ورق، وإذا كنت تعرف اي سوق عربي يتعامل بنظام سمسرة التأمين المباشر، أرجو ان تدلني عليه لأصحح معلوماتي.

 

حسب علمي فإن أسواق التأمين في المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، فلسطين، المملكة العربية السعودية، اليمن، عُمان، قطر، دولة الإمارات العربية، الكويت، الأردن، لبنان، سوريا، العراق، تتعامل، بدرجات متفاوتة مع وسطاء التأمين المباشر. وهناك قوانين تنظم عمل الوسطاء. عدد وسطاء التأمين المباشر ليس متوفراً عندي[11] ويلعب وسطاء التأمين في كل من المغرب ولبنان دوراً كبيراً في إنتاج الأعمال لشركات التأمين. ففي سنة 2015 أنتج وسطاء التأمين في لبنان أزيد من 234 مليون دولار.[12]

 

وعلى العموم فإن سماسرة التأمين المباشر هم الأكثر عدداً في هذه الأسواق. إن حضور السماسرة في أسواق التأمين العربية يتعمق بفضل تزايد دورهم في الوصول إلى المؤمن لهم المرتقبين، وهم بذلك يلعبون دوراً مهماً في ترويج الحماية التأمينية بين الأفراد والشركات، وبالتالي فإنهم يساهمون في زيادة الطلب على الحماية التأمينية. ولم يأتي تأسيس رابطة وسطاء التأمين العرب سنة 2008 تحت مظلة الاتحاد العام العربي للتأمين من فراغ وإنما لتزايد دورهم والميل لدى البعض منهم لإضفاء المهنية professionalisation على عملهم.

 

من تجربتي الشخصية في العمل في شركة وساطة للتأمين وإعادة التأمين في سوق لندن أستطيع التأكيد أن للشركة ومن خلال ذراعها العالمي، ومنذ عدة سنوات، شركتي وساطة مسجلتان في دولة الإمارات العربية، إحداهما تمارس أعمال وساطة التأمين داخل الإمارات، والأخرى تمارس أعمالها من خلال تواجدها في مركز دبي المالي العالمي (DIFC).

 

[5] في تعليل أسباب تقلص عدد شركات وساطة التأمين في الأسواق الغربية

 

يثير الأستاذ بهاء هنا مسألة ذات طابع إشكالي:

 

اما بخصوص سمسرة اعادة التأمين، فاني اتفق معك بان بعض شركات السمسرة الانجليزية قد تمت تصفيتها، ولكن السبب في ذلك لم يكن لجوء شركات التأمين المباشر لممارسة التجارة الإليكترونية لإسناد محافظ أخطارها، بل السبب في رأي، هو ان الذهنية التأمينية في بداية القرن العشرين كانت ضعيفة جدا في الدول العربية ودوّل العالم الثالث، كما ان الخبرة الفنية لدى اجهزة شركات التأمين تكاد ان تكون منعدمة في ذلك الوقت، لهذا لم يكن امام هذه الشركات الا اللجوء لسماسرة اعادة التأمين لإسناد اخطار محافظها، ولكن بعد ان اتسعت الذهنية التأمينية في أواخر القرن العشرين وزادت خبرة الأجهزة الفنية للشركات …. حمل بعض هذه الشركات على القيام بإسناد اخطار محافظها لشركات اعادة التأمين المتخصصة مباشرة، وابرز مثال على ذلك هو شركة التأمين الوطنية التي قطعت علاقتها بشركة سمسرة اعادة وباشرت الاسناد المباشر لشركات اعادة التأمين المتخصصة، فإحجام الشركات العربية وشركات العالم الثالث عن الاستعانة بالخبرات الاجنبية هو سبب ظاهرة تصفية شركات السمسرة.

 

لا أرى رابطة حقيقية بين ظاهرة تصفية [عملية استحواذ ودمج] شركات وساطة إعادة التأمين وتقلص عددها في بعض أسواق التأمين العالمية ومنها سوق لندن، وتضاؤل طلب أسواق التأمين العربية وأسواق دول “العالم الثالث” لخدمات هؤلاء الوسطاء، بفضل ما يسميه الأستاذ بهاء اتساع الذهنية التأمينية في هذه الأسواق. القبول بهذا الرأي معناه أن سوق لندن، مثلاً، ما كان له أن يتطور لولا الطلب الوارد على حماية إعادة التأمين من أسوق التأمين العربية. وفي هذا اختزال فظ للتحولات التي شهدتها سوق لندن بضمنها سوق لويدز. صحيح أن احتفاظ الأسواق العربية[13] بالأخطار آخذ بالازدياد التدريجي (بفضل تأسيس المجمعات، وزيادة رأس المال والاحتياطيات، وتأسيس شركات وطنية لإعادة التأمين وغيرها) وبالتالي فقد تقلّص طلبها في السنوات الأخيرة لاتفاقيات إعادة التأمين الاتفاقي النسبي واقتصر هذا الطلب على الاتفاقيات غير النسبية التي تحتاج إلى معرفة فنية إضافة إلى معرفة بأسواق إعادة التأمين المتخصصة بالأشكال المختلفة لهذه الاتفاقيات، وبعضها على درجة عالية من التعقيد، وخاصة في مجال آليات تحويل الأخطار البديلة alternative risk transfer (ART)، بحيث يصبح الاعتماد على وسيط إعادة التأمين الدولي ضرورياً للوصول إلى الأسواق المتخصصة ولتفكيك طلاسم هذه الآليات التي تجمع بين إعادة التأمين وأدوات أسواق رأس المال. لكن معظم شركات التأمين العربية لا تستخدم آليات تحويل الأخطار البديلة.

 

علينا أن نتذكر أن الطلب على إعادة التأمين، قبل تطور الطلب المحلي على ما يعرف بوثائق التأمين الشخصي personal line insurances ممثلة في السنوات القليلة الماضية في بعض الأسواق العربية بالتأمين الصحي، كان عالياً بسبب عدم توازن المحفظة الاكتتابية لشركات التأمين العربية. وكان اللجوء إلى الحماية الإعادية وسيلة لتحقيق درجة من التوازن في المحفظة.

 

في دراسة ظاهرة تقلص عدد وسطاء التأمين في أسواق التأمين الغربية، وقد ركّزتُ على سوق لندن في هامشي رقم 5 على رسالتك،[14] لا يمكننا التغاضي عن الدور الكبير الذي يلعبه التطور التكنولوجي عموماً وتطور تكنولوجيا المعلومات في ردم الفجوة بين المؤمن لهم وشركات التأمين وخاصة، وكما ذكرتُ، بالنسبة لوثائق التأمين النمطية كتلك التي نجدها في التأمين على السيارات والمساكن. وفي السنوات القليلة الماضية ظهرت مواقع إلكترونية تُعرف باسم aggregators تُمكّن طالب التأمين، من خلال إكمال استمارة تضمُّ عدداً من الأسئلة، الحصولَ على عروضٍ للتأمين من عدة شركات وتصنف هذه العروض بدءاً بأوطأ الأسعار ويترك لطالب التأمين اختيار ما يراه مناسباً له. هذا النمط من تسويق المنتج التأميني لم يكن ليتحقق لولا تطور استخدامات تكنولوجيا المعلومات.

 

ثم انني ركزت على التقلّص الكبير، وهو يقرب من بضعة آلاف، في عدد وسطاء التأمين، القليل جداً منهم يعمل في مجال إعادة التأمين. إن أغلب هؤلاء الوسطاء يشكّلون شركات صغيرة تدير أعمالها في مواقع الشوارع الرئيسية في المدن high street brokers وتضم بضعة أفراد، وليس لهذه الشركات علاقة بشركات التأمين العربية وطلبها لإعادة التأمين.

 

إن تأثير تكنولوجيا المعلومات والفضاء السِيبراني في ازدياد ووصل الأمر إلى ان جباية أقساط التأمين وتسديد التعويضات وحتى التفاوض بين الوسيط ومكتتب التأمين صار يتم عن بعد من خلال التواصل الإلكتروني.

 

إضافة إلى ذلك فإن النظام الرأسمالي معروف بميله نحو التركّز، وتمثل ظاهرة الاستحواذ والاندماج تعبيراً لهذا الميل. الهدف الأول والأكبر للشركات الرأسمالية هو تحقيق أقصى الأرباح ولن يتمّ ذلك بوجود المنافسة القوية. ولذلك فإن الحد من المنافسة يصبح مطلباً مهماً لصاحب رأس المال أو من يمثله في إدارة الشركة. ونعرف أن الحكومات في الدول الرأسمالية تعمل بدورها إلى الحد من التوجّه نحو الاحتكار، لكن الحكومة البريطانية، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، لم تتحرك عندما تم الاستحواذ على شركات وساطة تأمين إنكليزية عريقة من قبل شركات أمريكية بحيث أن أكبر ثلاث شركات وساطة تأمين أمريكية في سوق لندن تخضع في الوقت الحاضر لملكية رأس المال الأمريكي.

 

فيما يخص قطع شركة التأمين الوطنية علاقتها بشركة سمسرة اعادة التأمين ومباشرتها الاسناد المباشر لمحافظها لدى شركات إعادة التأمين المتخصصة (وأظن أن ذلك كان في أوائل ستينيات القرن الماضي) فإنه لم يستمر طويلاً ولم يُلغي اعتماد الشركة على وسطاء إعادة تأمين آخرين لترتيب اتفاقيات إعادة التأمين غير النسبية للشركة كاتفاقيات وقف الخسارة، وكذلك بعض أعمال إعادة التأمين الاختياري.

 

أشكر الأستاذ بهاء بهيج شكري على رسالته وإثارة قضايا مهمة في تطور صناعة التأمين العربية والتي وفَّرت الفرصة لمناقشتها بهدف البناء على ما أفاد به. ولعل من هم أصغر عمراً منا وأكثر معرفة يساهمون في تطوير دراسة بعض القضايا المطروحة في هذه الرسالة.

 

5 حزيران 2017

[1] الرسالة منشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/05/رسالة-بهاء-بهيج-شكري-إلى-مصباح-كمال-20-أيار-2017-نظام-الوكالات-والمنتج….pdf

 

[2] ظهر هذا التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وربما في غيرها من أسواق التأمين، في سياق البحث عن وثائق التأمين التي تغطي المسؤوليات القانونية للشركات الصناعية تجاه العاملين أو الأطراف الثالثة فيما يتعلق بالإصابات الناتجة عن التعرض المستمر للأسبستوس، وبعضها يرجع إلى أربعينيات ولغاية سبعينيات القرن الماضي، لتمكين هذه الشركات بمطالبة شركات التأمين للتعويض عن الإصابات البدنية والأضرار التي نشأت أسبابها قبل عدة عقود. للتعرف على موضوع أركيولوجيا وثائق التأمين راجع:

https://www.irmi.com/articles/expert-commentary/insurance-archaeology-a-strategic-imperative-for-policyholders-and-insurers

وبالنسبة للآثار التأمينية لمرض الأسبستية (التليف الرئوي بسبب استنشاق جسيمات الاسبستوس) asbestosisوخاصة المسؤوليات الضخمة التي تحمّلتها سوق لويدز راجع:

Adam Raphael, Ultimate Risk (London: Corgi Books, 1995), pp 129-159.

[3] أنظر: مصباح كمال، “التأمين كمؤسسة علمانية: نظرة تاريخية موجزة،” الثقافة الجديدة، العدد المزدوج 378-379، تشرين الثاني 2015، ص 104-114. نشر المقال أيضاً في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/12/insurance-as-secular-institution.html

[4] ربما تكون محاولتي اليتيمة في اقتفاء بعض المعلومات عن هذه الوكالات في العراق هي الأولى من نوعها. أنظر: مصباح كمال، “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/05/1936-19-2012-1936-1936-883.html

وكذلك: مصباح كمال: “اليهود والنشاط التأميني في العراق: التأمين في ذاكرة عزرا حكّاك،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/11/jews-insurance-activity-in-iraq.html

وتظل هذه المحاولات غير مكتملة وتحتاج إلى من يحفر في أثريات التأمين لإشباع الموضوع.

 

[5] أنظر بهذا الشأن أحكام قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 في مقالنا “إطلالة على بواكير التأمين والرقابة على النشاط التأميني في العراق،” مجلة الثقافة الجديدة، العدد 331، 2009. نشر أيضاً في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/09/331-2009-44-52.html

 

[6] الاتحاد المصري للتأمين، صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف (القاهرة: الاتحاد، 2014)، ص 26-27. يرد في الكتاب أسماء شركات تأمين أخرى.

 

[7] “التأمين في لبنان…تاريخ عريق وآفاق من غير حدود!” فصل في كتاب جوزف زخور، كتابات في التأمين وإعادة التأمين (بيروت: ج. زخور وشركاه، 1998)، ص 11-12.

 

[8] لم أعثر على تفاصيل هذه الشركة: أسماء المساهمين العراقيين في رأس المال، مديرها العام، عدد العاملين، أنواع التأمين التي كانت تكتتب بها … الخ.

 

[9] لا نعرف من كان أول وسيط تأميني عربي لكن المرحوم جاد قبّان نشر مذكراته بالإنكليزية لتوثيق دوره الرائد في وساطة التأمين في لبنان: Jad G. Kabban, Memoirs of a Pioneer Arab Insurance Broker (Jounieh, published privately, 2004).

أنظر: جوزف زخور، “جاد قبان .. إرث تزهو به “يو آي بي”” مجلة البيان، العدد 399، شباط/فبراير 2005، ص 95. ويرد في هذا التأبين أن جاد قبان بعد عودته إلى لبنان من المملكة العربية السعودية، حيث كان يعمل مع شركة الزيت الأمريكية أرامكو، “التحق بشركة اوفرسيز بروكرج سرفيسز (OBS) التي كان أطلقها رجل الأعمال الأمريكي اللبناني الأصل الكس نادر، وهي الشركة التي أدخلت وساطة التأمين بوجهها الحديث إلى لبنان …”

[10] الوقائع العراقية، العدد 4038 الصادرة بتاريخ 26 آذار 2007.

[11] ليست هناك معلومات منشورة عن عدد الوسطاء في أسواق التأمين العربية سوى ما نشره بنك معلومات التأمين العربي وهي للفترة 2010-2011:

http://insurabia.jo/websiteDocs/BrokersAndAgents/wosata-ar.pdf

 

[12] http://www.meinsurancereview.com/Magazine/ReadMagazineArticle/aid/38542/Lebanon-Independent-brokers-generate-234-mln-in-premiums-in-2015

 

[13] Abdul Zahra Abdulla Ali, Insurance Development in the Arab World: Available Domestic Retention Capacity and Demand for International Reinsurance (London: Graham Trotman, 1985).

[14] http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/05/رسالة-بهاء-بهيج-شكري-إلى-مصباح-كمال-20-أيار-2017-نظام-الوكالات-والمنتج….pdf ص 4

Baha Baheej Shukri: Ottoman Insurance Law 1905

من رسائل بهاء بهيج شكري:

قانون السيكورته العثماني

 

 

نشرت هذه الرسالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

من رسائل بهاء بهيج شكري*: قانون السيكورته العثماني

 

 

عمان في ٢١ حزيران ٢٠١٧

 

الأخ العزيز مصباح المحترم[1]

 

بعد التحية

 

قبل البدء في البحث في قانون السيكورتة العثماني، أجد من الضروري ان أمهد للبحث بتوضيح الفرق بين التأمين البحري والتأمين البري، وعلاقة نظام التأمين بنظام النقل البحري، ثم ألقي نظرة سريعة على تطور تقنين نظام التأمين في البلاد العربية.

 

إن نطاق التأمين البحري ينحصر بتغطية النقل الدولي، سواء أكان نقلاً بحرياً صرفاً (Maritime Transport) او نقلا متعدد الوسائط (Multimodal Transport)، وهو ينفرد بقواعد قانونية خاصة به غير القواعد القانونية التي تحكم عقد النقل البحري بصنفيه، وعلى الرغم من ذلك فان قواعد العقدين يجمعهما تشريع واحد هو قانون التجارة البحرية. اما ما يتعلق بالتأمين البري فهو لا علاقة له بعملية النقل إلا بقدر تعلق الأمر بالنقل البري الصرف (Inland Transport) وقواعده القانونية لا تنضوي تحت نفس النظام القانوني الذي تنضوي تحته النصوص القانونية التي تحكم عقد النقل البري، فعقد التأمين البري يخضع للتقنين المدني وعقد النقل البري يخضع للتقنين التجاري.

 

لقد كنت ان أوضحت في رسالة سابقة انه على الرغم من ان التأمين البحري بشكله المتطور كان قد مورس من قبل اللومبارد في منتصف القرن الرابع عشر الا انه لم يُعرف في ولايات السلطنة العثمانية الا في منتصف القرن التاسع عشر حيث اتسع نطاق التجارة البحرية بين السلطنة العثمانية والدول الأوربية، فأصبحت الفرصة مؤاتية لشركات التأمين الاوربية ان تبعث وكلاء عنها الى السلطنة العثمانية ليستقروا فيها بعد حصولهم على موافقة السلطان ويباشروا إصدار عقود التأمين البحري لتغطية ما يستورده ويصدره تجار الولايات العثمانية، التي يطلق عليها دار الإسلام، من والى الدول الأوربية، التي يطلق عليها دار الحرب.

 

وبالرغم من فتوى تحريم عقد التأمين البحري باعتبار كونه عقداً يتضمن الإلزام بما لا يلزم حسب ما وصفه به الامام محمد بن عابدين الحنفي، فقد استمر عمل وكلاء التأمين بإبرام عقوده. ومن اجل إيجاد قواعد قانونية تنظم مختلف أنشطة التجارة البحرية وتضع حداً لفتوى تحريم عقد التأمين البحري قامت السلطنة العثمانية بتشريع قانون التجارة البحرية العثماني في ٦ ربيع اول سنة ١٢٨٠ هجرية المصادف ١٣ تشرين اول سنة ١٨٨٣ ميلادية. وقد تضمن القانون المذكور في الفصل السابع منه النصوص القانونية المتعلقة بعقد النقل البحري، وفي الفصل الحادي عشر القواعد القانونية المتعلقة بعقد التأمين البحري، وقد كان هذا القانون محفّزا لوكلاء شركات التأمين بزيادة نشاطهم وتوسيع دائرة هذا النشاط في مختلف ولايات السلطنة.

 

ونظراً للترابط بين التجارة البحرية الدولية والتجارة الداخلية الاقليمية فقد ازدهرت هذه التجارة الاخيرة شاملة عقود البيع والخزن والنقل الداخلي للبضائع بين الولايات والتعاملات المصرفية، مما اضطر السلطنة العثمانية الى تشريع قانون آخر لتنظيم القواعد القانونية للتجارة البرية، فشرع قانون التجارة البرية العثماني في جمادي الثاني سنة ١٣٢٣ هجرية. وقد جاء هذا القانون محفّزاً آخر لوكلاء شركات التأمين الاجنبية لينوعوا من نشاطهم كي يشمل تأمين النقل البري الداخلي للبضائع بين ولايات السلطنة وتأمين الممتلكات الاخرى المنقولة والعقارية من حوادث الحريق والسرقة والحوادث الأخرى. وقد نبَّه هذا التصرف، من قبل الوكلاء، السلطنة العثمانية الى ان قانون التجارة البرية العثماني جاء خالياً من القواعد القانونية التي تنظم عقد التأمين البري، فبادرت لتشريع ذيل لقانون التجارة البرية العثماني يتضمن القواعد المذكورة ووصف هذا الذيل بكونه قانون السيكورتاه وأُلحق بقانون التجارة البرية العثماني في ٢٩ محرم ١٣٢٤ هجرية المصادف ٩ آب ١٩٠٥.

 

بعد هذه النبذة التاريخية عن ظروف تشريع القانون المذكور، اعود لدراسة مختصرة لأحكامه، فقد نصّت المادة الاولى منه على تعريف عقد التأمين بكونه يغطي الأموال المنقولة وغير المنقولة من الاتلاف (الخسائر) من كافة المهالك، ومن الواضح ان هذا القانون هو قانون تأمين بري ولا علاقة له بالتأمين البحري واشير الى انه جاء ذيلا لقانون التجارة البرية، كما تضمن في نهايته مادة خاصة اطلق عليها “المادة المخصوصة” نصّت صراحة على ان “الأحكام الواردة في حق الضمان البحري المذكورة في قانون التجارة البحرية تبقى مرعية الإجراء” وهذا يضع حداً لكل جدل حول طبيعة ونوع هذا القانون، ويؤكد كونه قانون تأمين بري.

 

وفي عودة لتعريف عقد التأمين الذي يتعلق به، فإن هذا العقد، كما جاء في المادة الاولى من القانون، يغطي الممتلكات المنقولة (Moveable Property) اي الأموال القابلة للنقل من حيّز مكاني الى آخر، كالأثاث البيتية والبضائع وغيرها، كما يغطي ايضاً الأموال غير المنقولة (Immoveable Property) اي الممتلكات العقارية، وان نطاقه لا يتحدد بحادث معين، بل يشمل “”كافة المهالك”” اي كافة الاخطار التي يحتمل ان تتعرض لها الأموال المنقولة وغير المنقولة، فيدخل ضمن ذلك خطر الحريق والسرقة وأخطار النقل الداخلي وخيانة الأمانة والمسؤولية المدنية وأي حادث اخر قابل للتأمين منه. وكررت المادة الثانية منه قاعدة إثبات عقد التأمين، بان يكون العقد تحريرياً، اي لا يمكن اثباته بالقرائن او البينة الشخصية، بل لابد من وجود وثيقة تأمين “”بوليصة”” لإثباته.

 

وفيما عدا المادة التاسعة من القانون، فقد تناولت المواد من ٣ الى ١٩ النص على الضوابط العامة لعقد التأمين منها تحديد مبلغ التأمين، وسقف مسؤولية المؤمن ووجوب توفر المصلحة التأمينية والتأمين الزائد والناقص والمكرر، وحق المؤمن في الرجوع على المتسبب بالضرر (Subrogation) وغير ذلك من ضوابط عقد التأمين. اما المادة التاسعة فقد تعلقت بالتأمين الزراعي فنصت على إمكانية التأمين على ضياع الفائدة المتوقعة من المحاصيل الزراعية والأثمار. وتولت المادة (٢٠) منه النص على إمكانية تغطية مسؤولية المؤمن له المُحتملة في حادث الحريق عما يلحق بالمبنى المجاور بسبب احتراق المبنى العائدة له.  ونصت المادة (٢١) على تحديد تاريخ سريان عقد التأمين، ونصت المادة (٢٢) على كيفية احتساب قيمة الخسارة في حالة الحريق الجزئي للممتلكات المؤمنة. اما المادة (٢٣) فتعلقت باحتساب الخسارة في التأمين الزراعي، واختصت المادتان (٢٤) و (٢٥) ببيان شروط تأمين النقل البري الداخلي.

 

لقد بقي هذا القانون وما زال ساري المفعول في العراق حتى كتابة هذه السطور وكذلك الحال بالنسبة لقانون التجارة البحرية العثماني. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى انتقلت ولاياتها للانتداب الانجليزي والفرنسي، وكانت ولاية الموصل وبغداد والبصرة التي يتكون من مدنها قطر العراق من نصيب بريطانيا العظمى، ولم تحاول السلطة الانجليزية تغيير الأنظمة القانونية التي كانت سائدة في الولايات المذكورة في زمن السلطنة العثمانية. وبموجب القانون الأساسي الذي شرع سنة ١٩٢٥ بقيت القوانين العثمانية نافذة في العراق ما لم يتم الغاؤها. ومنذ ذلك التاريخ وحتى هذا اليوم لم يلغ قانون التجارة البحرية العثماني، فيبقي هو الواجب التطبيق في جميع مسائل التجارة البحرية ومنها التأمين البحري، ما عدا قواعد النقل البحري التي تعتبر ملغاة بموجب قانون النقل العراقي.

 

اما قانون التجارة البرية العثماني فقد تم الغاؤه مجزأ على مراحل، فقد الغيت المواد من ٤٠ الى ٥٣ بموجب تعديل صدر سنة ١٣٣٤ هجرية، كما ألغيت المواد من (١) الى (٩) ومن (٢٣) الى (٤٦) بموجب المادة (٥١٠) من قانون التجارة العراقي رقم ٦٠ لسنة ١٩٤٣، وألغيت المواد من (١٠) الى (٣٩) بموجب المادة (٣٢١) من قانون الشركات رقم (٣١) لسنة ١٩٥٧. وأخيراً، ألغيت بقية المواد المتعلقة بالإفلاس بموجب المادة (٧٢٣) من قانون التجارة رقم (١٤٩) لسنة ١٩٧٠.

وبقي ذيل القانون العثماني “السيكورتاه” لم يشمله الالغاء، والدليل على استمرار نفاذه حتى الآن فإن لدي، وضمن مجموعتي الخاصة التي تركتها مع الأسف في بغداد، قراراً صادراً سنة ١٩٨٦، على ما اذكر، من الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق استندت فيه الى المادة (١٧) من قانون السيكورتة العثماني التي تتعلق بحق المؤمن بعد دفعه التعويض الى المؤمن له أنْ يرجع على المتسبب بالضرر لاسترداد ما دفعه من تعويض، حيث ان وكيل المدعى عليه حاول ان يدفع الدعوى بالتمسك بان حق الحلول ينحصر بالتأمين ضد الحريق وان الدعوى المقامة على موكله لا صلة لها بالتأمين ضد الحريق، وقد كسب الدعوى بداءة واستئنافاً الا ان الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق نقضت قرار محكمة الاستئناف معللة قضاءها، بان المادة (١٠٠٧) من القانون المدني قد نصت بان المسائل التي لم يرد ذكرها في القانون المدني تنظمها القوانين الخاصة، وان قانون السيكورتاه هو قانون خاص وان المادة (١٧) منه جاءت مطلقةً ولم تحصر حق الرجوع بالتأمين ضد الحريق.

 

هذا كل ما اعرفه عن هذا القانون.

 

وفي الختام أرجو قبول فائق تقديري.

 

بهاء بهيج شكري

 

ملاحظة: إن السيد ….. السامرائي (نسيت اسمه الاول) هو أول من نشر قانون التجارة البحرية العثماني وقانون السيكورتاه العثماني، في مجموعته للقوانين التجارية التي نشرها في العهد الملكي.[2]

 

[1] ترجع خلفية هذه الرسالة إلى رسالة سابقة للأستاذ بهاء بتاريخ 20 حزيران 2017 ذكر فيها الآتي: “لقد لفت انتباهي اهتمامك بقانون السيكورتة العثماني والذي يطلق عليه ايضا “قانون شركات الضمان”، فأرجو إعلامي بما تريد بحثه في هذا القانون، عسى ان يكون بمقدوري التعاون معك في ذلك.” وكتبتُ له بأنني حقاً كنت مهتماً بقانون السيكورتاه العثماني لسنة 1905 وأنني كتبت عنه مقالة اعتماداً على بعض المعلومات التي كانت متوفرة لي، نشرته في مجلة التأمين العراقي، (http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2011/04/ottoman-insurance-law-1905.html ونشرت ترجمته الإنكليزية في موقع History of Iraq

(http://iraqshistory.blogspot.co.uk/2011/04/ottoman-insurance-companies-act-1905.html

والمقالة متوفرة أيضاً كفصل في كتابي أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (منشورات شركة التأمين الوطنية 2011) ويمكن قراءته باستخدام هذا الرابط:

https://www.academia.edu/4261042/History_of_Insurance_in_Iraq_Selected_Perspectives_-_by_Misbah_Kamal

 

وكتبت أيضاً: “إن توفر الوقت لقراءة هذه المقالة ستكتشف بعض الأسئلة التي تنتظر الجواب ومنها: نفاذ قانون السيكورتاه أو توقف العمل به، معرفة أمثلة حقيقية عن تطبيق القانون في المحاكم العراقية للفصل في النزاعات بين المؤمن لهم وشركات التأمين بافتراض وجود مثل هذه الأمثلة وغيرها.  في ظني أن لديك معلومات ضافية، تاريخية وقانونية، حول خلفيات هذا القانون ومصائره.”

 

رسالة الأستاذ بهاء هذه أغنت الكتابة عن هذا القانون بما هو جديد في التطور القانوني. آمل أن يكون هذا القانون موضوعاً لبحث أكاديمي لنتعلم منه شيئاً عن تاريخ النشاط التأميني في العراق ضمن معطيات التطور الاقتصادي للعراق في أوائل القرن العشرين الذي جاء القانون كاستجابة له. (مصباح كمال)

[2] أتمنى أن يقوم أحد القراء المهتمين بتوفير الاسم الكامل للمؤلف، وعنوان الكتاب، وتاريخ نشره، إتماماً للفائدة العلمية ومساعدة الباحثين في الموضوع. (م.ك.)

Absence of Insurance in the USAID Governance Strengthening Project

غياب التأمين في مشروع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتعزيز الحوكمة

 

 

مصباح كمال

 

 

نشرت نسخة أولية من هذه الورقة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال *: غياب التأمين في مشروع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتعزيز الحوكمة

 

(1)

 

نشرت شبكة الاقتصاديين العراقيين (دليل توزيع الأدوار والمسؤوليات بين (المحافظين ومدراء الدوائر))، المُعد من قبل مشروع تعزيز الحوكمة المموَّل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.[1] وكانت الوكالة قد أحالت عقد إعداد هذا الدليل على شركة كيمونكس الدوليةChemonics International وهي شركة أمريكية مقرها في واشنطن ولها عقود عديدة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وكانت بعض العقود التي نفذتها موضعاً لانتقاد دائرة المفتش العام للوكالة ذاتها.[2]

 

يستحق هذا التع45ليق الدراسة من قبل المختصين بالحكومات (الإدارات) المحلية خاصة وأنه ليس معروفاً إن ساهمت أية جهة عراقية في استقصاء الأوضاع المحلية أو كتابة الدليل.

 

(2)

 

يغطي الدليل (211 صفحة)

 

  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع الصحة.
  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع التعليم.
  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع الإسكان والإعمار.
  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع البلديات.

 

وهناك خيط مشترك في جميع هذه الفصول يضم الوظائف الفنية والتخصصية، والوظائف الإدارية والمالية، والوظائف القانونية. ويأتي العرض من خلال تبويب المقترحات في جداول كل منها يضم حقلاً لوصف الوظيفة، وحقلاً للصلاحيات المقترحة لمدير كل دائرة، وحقلاً للصلاحيات المقترحة للمحافظ. لا يضم الدليل مدخلاً عاماً لعرض خلفية الدليل، والفترة التي تم فيها إعداده، والأفكار والتطبيقات العملية المعتمدة، إلا أن بعض فصول الدليل تشير إلى خلفيات قانونية مع شيء من التعليق من باب التقديم.

 

(3)

 

تصفّحتُ هذا الدليل على عجل بهدف الاطلاع على محتوياته والتحري عن حضور التأمين في الصلاحيات المقترحة لمدراء الدوائر في المحافظات أو الصلاحيات المقترحة للمحافظين. لا يرد في الدليل أي ذكر للتأمين بمعناه الاصطلاحي رغم أن المحافظات لها ممتلكات مختلفة وتتولى إدارتها ويمكن أن تتعرض لأضرار مادية أو مسؤوليات قانونية تجاه مستعمليها أو المستفيدين منها أو غيرها من أطراف ثالثة.

 

سأركز فيما يلي، باختصار وكمثل، على بعض ما ورد في توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع الصحة، فيما يخص غياب التأمين تحديداً.

 

(4)

 

يرد في الصفحة (8) بشأن وظيفة “التعاقد لتنفيذ المشاريع الاستثمارية وتشييد المستشفيات وباقي المؤسسات الصحية” الصلاحيات المقترحة التالية لمدير الصحة:

 

  • صياغة عقود المشاريع الاستثمارية.
  • توقيع وتنفيذ العقود حسب تعليمات تنفيذ الموازنة.
  • اقتراح بناء المراكز الصحية وفق الضوابط المركزية المُعدة من وزارة الصحة وإنشاء مصارف الدم في المحافظات ضمن معايير وزارة الصحة وإنشاء وتهيئة مستلزمات مراكز الإسعاف الفوري وكل ما يتعلق بها من معدات ضمن معايير معتمدة وبالتنسيق مع وزارة الصحة وإنشاء مراكز تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ومصانع الأطراف الصناعية وتوفير المستلزمات الخاصة بذلك.
  • تهيئة المتطلبات للمشاريع الصحية والتي تدخل ضمن الخطة الاستثمارية وحسب متطلبات وزارة التخطيط وإعداد المتطلبات وتخصيص قطع الأراضي وإدراج المشاريع ومن ثم وثائق المناقصة.
  • تشكيل دوائر المهندس المقيم واقتراح منْح الصلاحيات الإدارية والفنية والمالية.
  • تدقيق ومصادقة المخططات وجداول الكميات لكافة المشاريع الصحية (عدا مستشفيات 200 سرير فما فوق والمراكز التخصصية).

 

كل هذه المقترحات يمكن أن تكون موضوعاً للتأمين الهندسي. صحيح أنه يمكن للمحافظة، عند صياغة عقود المشاريع الإنشائية، أن تحوّل مسؤولية التأمين على المقاول الذي يقوم بالأعمال الإنشائية لكن ذلك لا يعفيها من مهمة الإشراف على الأعمال وضمان حسن تقدمها وغيرها من المهام التي تقع على عاتقها كرب عمل.

 

وتحت عنوان “الوظائف الفنية والتخصصية” (ص 10) يذكر الدليل الصلاحيات المقترحة لمدير عام الصحة وهي:

 

  • تحديد المخاطر وتقييمها.
  • إعداد خطة طوارئ سنوية وتحديثها.
  • تحديد الكلف المالية التقديرية لخطة الطوارئ.

 

“تحديد المخاطر وتقييمها” هي من بين الإجراءات المستخدمة في إدارة أخطار المنشآت إضافة إلى إجراءات أخرى (منع هذه المخاطر أو التقليل من فرص وقوعها أو التخفيف من آثارها. ومنها أيضاً التفكير بسبل تحويل الأعباء المالية المترتبة على تحقق هذه المخاطر من خلال صندوق مالي مخصص للطوارئ (وهو ما يشبه التأمين الذاتي) أو من خلال تحويل هذه الأعباء إلى شركات التأمين لقاء قسط تأمين معلوم.

 

خطة الطوارئ السنوية annual contingency plan وكذلك الكلف المالية التقديرية لها علاقة بالتأمين أيضاً، إن كان المراد منها هو ضمان توفير الخدمات عند تحقق مخاطر توقف العمل.

 

وسؤالي هو: لماذا لا يجد التأمين حضوراً له ضمن الصلاحيات المقترحة للمدير أو المحافظ؟

 

نجد غياب التأمين أيضاً في بالنسبة لوظيفة “إدارة الأملاك والتصرف بها” (ص 25) إذ يحدد الدليل الأدوار والمسؤوليات المقترحة لمدير هذه الدائرة كما يلي:

 

  • شطب الموجودات المفقودة والمتضررة والتالفة لأي سبب كان إذا كانت قيمتها الدفترية لا تزيد عن 5,000,000 خمسة ملايين دينار [الصلاحية المقترحة للمحافظ هي 50,000,000 مليون دينار].
  • تأجير الأبنية للمراكز الفرعية.
  • تقديم المشورة الفنية والقانونية [و] متابعة شؤون أملاك الدائرة.
  • تأجير العمال والآليات والمعدات بالأسعار السائدة.

 

جميع هذه الفقرات لها بُعدٌ تأميني: شطب الموجودات معناه خسارة تامة بالإمكان التعويض عنها إن كانت الموجودات المفقودة والمتضررة والتالفة خاضعة لحماية تأمينية. تأجير الأبنية يترتب عليه مسؤولية قبل المالك أو المستأجر يمكن أن يكون موضوعاً للتأمين كممتلكات مادية ومسؤوليات قانونية لقاء اشغال الممتلكات. وقل مثل ذلك عن تقديم المشورة الفنية والقانونية التي يمكن أن تكون موضوعاً لوثيقة التأمين من المسؤولية المهنية. وكذا الحال بالنسبة لتأجير العمال والآليات والمعدات إذ يتوجب تحديد الطرف المسؤول عن الإصابات التي قد تلحق بالعمال أو الأضرار التي تلحق بالآليات والمعدات نتيجة لحوادث غير متوقعة.

 

(5)

 

يحتل التأمين مكانة مهمة ضمن الوظائف التي تقوم بها الحكومات المحلية في البلدان المتقدمة. البعض منها تؤمن على المخاطر المادية والمسؤوليات الناشئة عن أداء وظائفها من خلال التأمين الذاتي، أي أنها لا تلجأ إلى سوق التأمين التجاري؛ أو تتعاون فيما بينها لتكوين شركة تبادلية mutual تقوم بالوظيفة التي تقدمها شركات التأمين التجاري؛ أو تلجأ إلى سوق التأمين التجاري المفتوح لتشتري منه ما تحتاجه من حماية تأمينية.

 

كان بإمكان الشركة الاستشارية التي أعدت الدليل الاستفادة من تجربة شركات التأمين التبادلية في الولايات المتحدة الأمريكية المتخصصة بالتأمين على ممتلكات الإدارات المحلية، أو تجربة بعض الدول الأوروبية.

 

كان من المستحسن إضافة إدارة الخطر والتأمين إلى الوظائف الفنية والتخصصية إلى الدليل وعرض الصلاحيات المقترحة تجاهها لكل من مدير الدائرة والمحافظ. صحيح أن إدارة، مكتملة في تنظيمها وإدارتها، كهذه ليست موجودة في أجهزة الدولة وشركات القطاع العام، والقطاع الخاص أيضاً، إلا أن إدخالها في الدليل كان سيشكل بادرة مهمة لتأسيس الإدارة المناسبة وتكون بذلك مثالاً يمكن الاحتذاء به وتطويره في المستقبل من قبل أطراف أخرى. ربما هناك طاقات كامنة في المحافظات يمكن الاستفادة منها، بعد تدريب مناسب، للعمل في إدارة الخطر والتأمين.

 

ترى هل أن غياب الوظيفة التأمينية في الدليل جاء لقناعة مُعدّي الدليل أن هذه الوظيفة ليست موضوعاً للحوكمة التي ترغب بها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟ أم أنه جاء نتيجة سهو؟

 

مصباح كمال

11 حزيران 2017

[1] لقراءة النص الكامل لهذا الدليل أنظر:

مشروع تعزيز الحوكمة في العراق (تقدم): دليل توزيع الأدوار والمسؤوليات بين (المحافظين ومدراء الدوائر)

[2] https://en.wikipedia.org/wiki/Chemonics

 

Baha Baheej Shukri: Letter on the Brokerage System & Insurance Contracting

من رسائل بهاء بهيج شكري:

رسالة حول نظام السمسرة وتطور طرق إبرام عقود التأمين

 

 

نشرت أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

من رسائل بهاء بهيج شكري: رسالة حول نظام السمسرة وتطور طرق إبرام عقود التأمين

 

 

عمان في ٢٠ حزيران ٢٠١٧

 

الأخ العزيز مصباح المحترم

 

بعد التحية

 

أمل ان لا أثقل عليك برسائلي المتكررة، وعذري في ذلك هو أنك انت الذي تحملني على مراسلتك، بما تثيره من مسائل تتطلب المناقشة، فقد اثرت في هوامشك على رسالتي المتعلقة بنظام الوكلاء ونظام السمسرة[1] بعض المسائل المتعلقة بنظام السمسرة وتطور طرق إبرام عقود التأمين، وهي مسائل تتطلب تبادل وجهات النظر. وتوضيحا لوجهة نظري بهذا الخصوص أقول:

 

إن الشريعة الاسلامية هي من أقدم الشرائع التي ربطت بين التطور المجتمعي والتطور التشريعي، فجاء في احدى القواعد الكلية “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الازمان”، والمقصود بالأحكام هي القواعد التشريعية والعرفية وقواعد التعاملات المهنية. ففي صدر الدولة الاسلامية حيث كان عدد العقود محدودا، جرى العرف على ان يبرم العقد فيما يدعى بـ “مجلس العقد” حيث يجلس المتعاقدان وجها لوجه ويتبادلان الإيجاب والقبول. غير ان تطور المجتمع الاسلامي بعد الفتوحات الاسلامية وتعامل المسلمين مع مجتمعات غير إسلامية، أدى الى زيادة عدد العقود وتنوعها بتنوع طبيعة التعامل بين المسلمين وسواهم، فأصبح موضوع “مجلس العقد” موضوعا نظريا فقط، باستثناء عقد الزواج الذي ظَلَّ إبرامه حتى هذا اليوم مرتبطا بمجلس للعقد يتبادل فيه الطرفان الإيجاب والقبول وذلك لان الاشهار هو ركن رابع من أركان عقد الزواج ولا يتحقق الا بمجلس للعقد حيث يلتقي فيه الطرفان مع العاقد وبحضور شاهدين على الأقل. اما بقية العقود، وخصوصا تلك المتعلقة بالنشاط التجاري، فكان اغلبها يبرم بين طرفين يختلفان موطنا، فهي اما ان تتم بالمراسلة او بتوسط الوكلاء. وحيث ان هذه العقود تختلف في مسائلها التفصيلية وآثارها فقد أصبحت الحاجة ملحة لتشريع قواعد تتناول تفاصيل وآثار كل عقد من هذه العقود المستحدثة اذ لم يعد كافيا ان يوصف العقد بأركانه الثلاثة.

 

وبتقدم الزمن ونشوء النظام المصرفي واختراع الهاتف والجهاز البرقي ثم اختراع التلكس ثم الفاكس، حدثت طفرة في ممارسة التجارة الدولية الامر الذي تطلب تحديد ضوابط العقود التي تبرم بين غائبين سواء اكانا متحدين موطنا او مختلفين موطنا، فجاءت القوانين المدنية التي شرعت بعد ذلك، كالقانون المصري والسوري والعراقي والاردني واللبناني، التي حلت محل الشريعة الاسلامية، بالضوابط الخاصة بهذا النوع من العقود، فنصت المادة (٨٨) من القانون المدني العراقي على ان “يعتبر التعاقد بالتلفون او بأية طريقة مماثلة قد تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان” فمن حيث الزمان يعتبر العقد مبرما من لحظة استلام الموجب بواسطة وسيلة التخابر قبول الطرف الاخر، ومن حيث المكان، فان اتحد الطرفان موطنا خضع العقد لقانون موطنهما اما اذا اختلفا موطنا خضع العقد لقانون بلد إبرامه او بلد تنفيذه ما لم يتفق الطرفان على خضوعه لقانون اجنبي.

 

ولم يقف التطور عند هذا الحد، فقد تم اختراع ما يعرف بالعقل الالكتروني “الكومبيوتر”، فنشأت بعد وضعه موضع الاستعمال تجارة جديدةً أطلق عليها “التجارة الالكترونية “Electronic Trade”، وباستخدام هذا النوع من التجارة أصبح بإمكان الشخص وهو جالس في كرسيه بمواجهة شاشة الكومبيوتر ان يمارس مختلف انواع النشاط التجاري وان يدفع ويقبض ويربح ويخسر دون ان يغادر كرسيه. ولإعطاء الصبغة الشرعية للعقود الالكترونية شرع العديد من القوانين، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر قانون المعاملات الالكترونية الأردني رقم (٨٢) لسنة ٢٠٠١ وقانون تنظيم التوقيع الالكتروني المصري رقم (١٥) لسنة ٢٠٠٤ وقانون التجارة الالكترونية البحريني لسنة ٢٠٠٤ وقانون المعاملات والتجارة لإمارة دبي لسنة ٢٠٠٢ وقانون المعاملات والتجارة التونسي ٢٠٠٥.

 

لذلك فإن ما سبق وذكرته في أحد هوامشك بان البعض من عقود التأمين يبرم في الوقت الحاضر بالهاتف أو الفاكس او الكومبيوتر، هو امر اعتيادي ازاء هذا التطور المجتمعي، علما بان نظام السمسرة المطبق في السوق الانجليزي والأمريكي لم يفرض بموجب قانون، لذلك يجوز لأي طالب تأمين ان يسند خطره بشكل مباشر الى المؤمن الذي يختاره او ان يبرم العقد بواسطة الهاتف او الكومبيوتر، ولا يخرج عن هذا الجواز سوى مؤسسة اللويدز.

 

وإذا انتقلنا من التعميم الى التخصيص، وتناولنا عقد التأمين بالبحث، فعلى الرغم من ان التأمين البحري قد مورس بشكله المتطور من قبل اللومبارد في شمال إيطاليا في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي ونقل بواسطتهم الى المملكة المتحدة، الا انه لم يمارس في البلاد العربية الا في أواسط القرن التاسع عشر. وكانت هذه البلاد عبارة عن ولايات تابعة للدولة العثمانية وقد ابتدأت ممارسته من قبل الوكلاء التجاريين لشركات التأمين الاجنبية. وحيث ان عقد التأمين لم يكن من ضمن العقود المسماة في الشريعة الاسلامية وحيث انه من عقود الغرر، فقد جوبه برفض قاطع من قبل ففقهاء المذاهب السنية الأربعة وافتي بتحريمه بحجة انه عقد قمار محرم شرعا وعقد ربوي يتضمن اكل مال الغير بالباطل. وكان من نتيجة هذه الفتاوى ان أحجم اصحاب رؤوس الأموال العرب عن استثمار اموالهم في تأسيس شركات تأمين الامر الذي أدى الى بقاء وكلاء الشركات الاجنبية هم وحدهم الجهة التي تسيطر على أسواق التأمين العربية حتى بعد ان انفصلت هذه الولايات عن الدولة العثمانية لتصبح دولا مستقلة صوريا ولم تؤسس فيها شركات تأمين عربية الا في النصف الثاني من القرن العشرين، فكان هذا هو السبب الذي جعل المشرعين العرب يركزون على وكلاء التأمين في قوانين الرقابة على اعمال التأمين التي شرعت خلال النصف الاول من القرن العشرين، فالزموهم بالحصول على ترخيص من سلطة الرقابة كي يتمكنوا من ممارسة نشاطهم وبشرط ان يودع الوكيل في المصرف الذي تعينه السلطة المذكورة وديعة مالية معينة عن كل فرع من فروع التأمين التي أجيز بممارستها، ولم أرَ في تلك القوانين المذكورة اي ذكر للوسيط “السمسار”. ولم يطرأ اي تغيير على هذا الوضع في العراق حتى بعد تأسيس شركة التأمين الوطنية وشركات التأمين الخاصة في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي اذ بقي وكيل الانتاج، حتى عند تشريع قانون شركات ووكلاء التأمين لسنة ١٩٦٠، هو فارس الميدان في عملية تسويق عقود التأمين وازداد دوره اهميةً بعد تصفية وكالات التأمين الاجنبية بموجب قانون التأميم.

 

وفي أواخر القرن العشرين ظهر اسم وسيط التأمين الى جانب اسم وكيل التأمين في القانون الأردني لمراقبة اعمال التأمين رقم (٣٠) لسنة ١٩٨٤ غير ان التعريف الذي أورده المشرع الاردني لوسيط التأمين لم يبرز صفة عمل الوسيط بما يميزه عن وكيل التأمين حيث ورد التعريف بان الوسيط “هو الشخص الذي يعمل وسيطا بين المؤمن والمؤمن له” ولم يختلف التعريف المنصوص عليه في قانون تنظيم اعمال التأمين الاردني رقم (٣٣) لسنة ١٩٩٩ الذي حل محل القانون رقم (٣٠) لسنة ١٩٨٤ اذ جاء بأن الوسيط “هو الشخص المرخص من الهيئة لممارسة اعمال الوساطة بين المؤمن والمؤمن له”. وعندما اقتبس المشرع العراقي نصوص القانون الاردني لم يشر الى وسيط التأمين. لهذا فان ديوان التأمين العراقي له الحق في ان يتردد في منح الوسيط الأجنبي رخصة ممارسة العمل في العراق لجهالة طبيعة هذا العمل ولعدم ورود ذكر لوسيط التأمين في القانون العراقي، علما بأننا نعتقد ان هذا الوسيط الأجنبي هو وسيط اعادة تأمين “سمسار اعادة تأمين” وليس وسيط تأمين مباشر.

 

ولم يتضح ان المقصود بالوسيط هو “السمسار” الذي هو “وسيط إسناد” وليس “وسيط انتاج” الا عند تشريع قانون التأمين السوري الصادر بموجب المرسوم التشريعي رقم (٤٣) لسنة ٢٠٠٥ حيث جاء تعريف الوسيط بانه “الشخص المخول من قبل طالب التأمين لقاء اجر للتباحث مع شركة التأمين وإتمام عقد التأمين نيابة عنة”. ونعتقد ان المقصود بعبارة “إتمام عقد التأمين” هو معاونة طالب التأمين في اختيار الغطاء والشروط التي تتلاءم مع متطلبات التغطية المطلوبة.

 

وسواء اتضح مدلول وسيط التأمين ام لم يتضح، فان أسواق التأمين العربية، فيما عدا ما يتعلق بإعادة التأمين، لا تتعامل بنظام السمسرة، وان اتفاقيات وساطة التأمين التي اشرت لها في هامش البحث اما انها تتعلق بسمسرة اعادة التأمين او انها مجرد حبر على ورق، وإذا كنت تعرف اي سوق عربي يتعامل بنظام سمسرة التأمين المباشر، أرجو ان تدلني عليه لأصحح معلوماتي.

 

اما بخصوص سمسرة اعادة التأمين، فاني اتفق معك بان بعض شركات السمسرة الانجليزية قد تمت تصفيتها، ولكن السبب في ذلك لم يكن لجوء شركات التأمين المباشر لممارسة التجارة الإليكترونية لإسناد محافظ أخطارها، بل السبب في رأي، هو ان الذهنية التأمينية في بداية القرن العشرين كانت ضعيفة جدا في الدول العربية ودوّل العالم الثالث، كما ان الخبرة الفنية لدى اجهزة شركات التأمين تكاد ان تكون منعدمة في ذلك الوقت، لهذا لم يكن امام هذه الشركات الا اللجوء لسماسرة اعادة التأمين لإسناد اخطار محافظها، ولكن بعد ان اتسعت الذهنية التأمينية في أواخر القرن العشرين وزادت خبرة الأجهزة الفنية للشركات نتيجة التطور المجتمعي الذي بانت بوادره بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حمل بعض هذه الشركات على القيام بإسناد اخطار محافظها لشركات اعادة التأمين المتخصصة مباشرة، وابرز مثال على ذلك هو شركة التأمين الوطنية التي قطعت علاقتها بشركة سمسرة اعادة وباشرت الاسناد المباشر لشركات اعادة التأمين المتخصصة، فإحجام الشركات العربية وشركات العالم الثالث عن الاستعانة بالخبرات الاجنبية هو سبب ظاهرة تصفية شركات السمسرة.

 

هذا ما أردت مناقشته وأرجو المعذرة إذا كنت قد أتعبتك بهذا السرد الطويل.

 

وتقبل خالص التقدير.

 

بهاء

 

[1] نشرت هذه الرسالة تحت عنوان “رسالة حول نظام الوكلاء ونظام المنتجين في التأمين” في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/05/رسالة-بهاء-بهيج-شكري-إلى-مصباح-كمال-20-أيار-2017-نظام-الوكالات-والمنتج….pdf

 

آمل أن يتقدم المهتمون بنظم توزيع المنتجات التأمينية، من خلال الوكلاء أو السماسرة، بمناقشة الأفكار الواردة في هذه الرسائل خاصة وأن هناك تداخلاً بين القانون المنظم لعمل الوكلاء والسماسرة ونشاطهم في أرض الواقع. وأنا من الذين يميلون إلى اعتبار القوانين التنظيمية، وبشكل عام، انعكاساً للواقع المعاش بضمنه الأفكار، الإيديولوجيات، الاقتصادية المهيمنة. وكما قلت في دراسة سابقة حول “قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) العثماني: دراسة تمهيدية” فإن القانون هو بمثابة “الوسيلة لتدوين الممارسات الجيدة القائمة والتخلص من الممارسات السيئة.”

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2011/04/ottoman-insurance-law-1905.html

(مصباح كمال)

 

Insuring Cyber Risks

التأمين على الأخطار السِيبرانية

 

 

مصباح كمال

 

 

من باب التقديم: القرصنة الإلكترونية في العراق؟

 

كنت قد أرسلت قبل فترة بعض الأوراق الخاصة بتأمين الأخطار الإلكترونية (السيبرانية) إلى أحد زملائي من ممارسي التأمين في بغداد للتعريف بهذه الأخطار والتنبيه إلى قيام شركات التأمين العراقية الاهتمام بها والتمهيد لتغطيتها. وكان رأي زميلي أن مثل هذه الأخطار قليلة أو معدومة في العراق لكنني اختلفت معه بهذا الشأن، فأرسلت له خبراً نشرته شفق نيوز بتاريخ 30 أيار 2017 تحت عنوان “قراصنة يخترقون الامن الوطني ويتركون رسالة بعنوان “الاستهتار””[1] للتأكيد على وجود أشكال من الأخطار السيبرانية في العراق.

 

وقد نقلتُ له رأياً يقول إنه حتى لو كان الكمبيوتر المحمول أو الهاتف النقّال غير متصل بالإنترنت، وهما في الغالب يحملان معلومات شخصية وحساسة، فإن احتمال ضياعه أو سرقته يظلُّ قائماً، وبالتالي خسارة المعلومات أو التلاعب بها من قبل من سرقها. إن أي جهاز إلكتروني – سواء كان ذلك جهاز كمبيوتر، خادم إلكتروني، نظام تحكم، نظام أمن إلكتروني، أو هاتف نقّال – إذا كان مثل هذا الجهاز متصلاً بالإنترنت أو بشبكة من أجهزة الكومبيوتر والبرمجيات، فإن التجربة تدلّ على إمكانية الوصول إليه من الخارج، أي من غير صاحبه، أو اختراقه. والمعروف أن جميع الشركات، وكذلك الحكومات، تقريباً لديها معلومات حسّاسة أو تستخدم أدوات تتصل من خلالها بشبكة داخلية أو خارجية أو الإنترنت. مع أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار، فإن جميع الشركات هي تحت رحمة المعلومات والتكنولوجيا التي يستخدمونها. إزاء هذا الوضع فإن وظيفة التأمين السيبراني cyber insurance هي حماية الأعمال التجارية والحكومية وغيرها، عند فقدان المعلومات أو سرقتها أو تلفها أو تعرّضها للقرصنة والابتزاز بالتعويض المالي عنها.

 

بعد قليل من النقاش اقتنع صاحبي بصحة رأي.

 

وها نحن نقرأ المزيد عن القرصنة الإلكترونية في العراق، فقد نشرت السومرية نيوز/بغداد الخبر التالي:

 

“تعرض موقعان إلكترونيان رسميان لوزارة الشباب والرياضة ووزارة البلديات، الجمعة، لاختراق أدى الى توقفه وظهور عبارات كتبها المخترق. … وتوعد “الهاكر” بتنفيذ عمليات اختراق لمواقع رسمية أخرى، حيث كتب على موقع إحدى الوزارتين عبارة “سوف تكون هذه البداية”.

 

وكان الموقع الإلكتروني الرسمي لجهاز الأمن الوطني العراقي قد تعرض، الثلاثاء الماضي، لاختراق أدى الى توقفه وظهور عبارات كتبها المخترق انتقد فيها “المحاصصة والفساد” و”التعيينات التي لا تمت بصلة للجهاز.”

 

وأعلن جهاز الامن الوطني، أمس الخميس، عن اعتقال الشخص الذي اخترق موقعه الالكتروني بعد اقل من 24 ساعة من قيامه بعملية الاختراق.”[2]

 

مثل هذه العمليات تبدو الآن غير خطيرة، بسبب طبيعتها غير المالية وغير الابتزازية، لكنها تنبئ بوجود قدرات كامنة يمكن أن يستغلها ذوي النوايا الإجرامية للابتزاز المالي للشركات والدوائر الرسمية وغيرها. وأرى لذلك أن تقوم جمعية التأمين العراقية برصد مثل هذه العمليات لتكوين قاعدة بيانات أولية عن عددها وطبيعتها وآثارها المادية وغير المادية (التأثير على الإنتاج، وعلى تقديم الخدمات، والانتقاص من السمعة وغيرها)، والاستفادة من تجارب أسواق التأمين الأخرى، والإعداد لتأمين الأخطار السيبرانية.

 

تعرض هذه الورقة موقف التأمين من بعض جوانب الأخطار السيبرانية والتعريف بها، وقد كتبت معظمها قبل شهرين أو أكثر.

 

الوثيقة التقليدية لتأمين الأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية

 

لو تفحَّصنا أي كتاب منهجي في التأمين صدر قبل بضع سنوات لما عثرنا فيه على ذكر للأخطار الإلكترونية (الأخطار السيبرانية) والتأمين من آثارها.

 

لكن التأمين على المعدات الإلكترونية كان معروفاً وتميل الشركات الغربية إلى شرائه، وكانت النماذج التقليدية لوثيقة التأمين تغطى الخسائر والأضرار المادية العرضية والمفاجئة التي تلحق بالأجهزة والمعدات الإلكترونية أو الكهربائية كالحاسبات الآلية وأجهزة معالجة البيانات الإلكترونية والأجهزة الطبية ومعدات الاتصالات والمعدات الملاحية والميكروفيلم ووسائل حفظ وتخزين المعلومات للبيانات الرقمية والمعلومات المُخزَّنة، شاملةً تكلفة إعادة المعالجة واستعادة المعلومات المفقودة وإعادة تخزين أو نقل المعلومات التي كانت موجودة على وسائل الحفظ والتخزين والتي تُفقد من جراء الحادث والناتجة عن الحريق والانفجار والقصور في الدورة الكهربائية.

 

وكانت الوثيقة التقليدية تُوسع لتشمل، إضافة للبيانات الرقمية المخزَّنة، زيادة تكلفة التشغيل، أي النفقات الإضافية المترتبة على تكلفة استئجار أو استخدام أجهزة إلكترونية بديلة لمعالجة البيانات، ورسوم النقل للموظفين خارج الموقع المعتاد للعمل بسبب حادث، بالإضافة إلى نفقات الإقامة بعيداً عن قاعدتهم، والعمل الليلي أو العمل في أيام العطل.

 

نشوء الأخطار الجديدة والاستجابة التأمينية لها

 

ومع التقدم التكنولوجي الهائل والسريع ظهرت أخطار جديدة تكاد أن تكون غير منظورة تخلق في مجموعها بيئة تتصف بغياب الأمان. على سبيل المثل، الانتهاكات breaches التي تحصل بسبب المخاطر السيبرانية ومنها إهمال الموظفين وضعف تقنية السيطرة على المعلومات، اختراقات القراصنة (hackers هاكرز) للمنظومة الإلكترونية، البرمجيات الخبيثة malware، أجهزة الكمبيوتر المسروقة أو المفقودة لمستخدمي الشركة، ورسائل البريد الإلكتروني المرسلة بالخطأ. ويمكن إضافة التالي:

 

1- سرقة المعلومات الشخصية للأفراد، والمعلومات السرّية للشركات، كأرقام بطاقات الدفع الإلكتروني، وأرقام حسابات العملاء في البنوك وفي الشركات وغيرها.

 

2- انتهاك حرمة الحياة الخاصة، أو ارتكاب جرائم السبّ والقذف والسرقة والنصب، أو الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، أو استخدام المعلومات المسروقة لأغراض المنافسة غير المشروعة، أو تقليد العلامات والأسماء التجارية.

 

3- الاستيلاء على المواقع الالكترونية بالكامل مما يؤدى إلى تعطيل العمل أو تباطئه، واقتران ذلك بالابتزاز (طلب الفدية) من الشركات صاحبة هذه المواقع. وهذه تعرف باسم القرصنة للحصول على الفدية ransomware attacks حيث يلجأ القراصنة إلى تشفير البيانات بحيث لا يمكن الوصول إليها إلا بعد تسديد فدية.

 

هناك نمط آخر من الأخطار المرتبطة بانتشار ما يعرف بأجهزة إنترنت الأشياء the internet of things والخدمات المرتبطة بها التي يمكن أن تتعرض لتحكم القراصنة في أنظمة القيادة ذاتية التحكم في السيارات والأجهزة الطبية والمصانع وغيرها، وهذه النظم تزداد انتشاراً.

 

يمكن التغلب على هذه الانتهاكات أو التقليل من آثارها باعتماد وسائل معينة كتشفير البيانات أو التغيير المستمر للأرقام السرية أو اسم الدخول للموقع.

 

إلا أن اتباع وتطبيق وسائل إدارة الخطر ربما لن تكون كافية وفعّالة في القضاء نهائياً على هذه الانتهاكات وما يترتب عليها من آثار. هناك إذاً فجوة في الحماية الأمر الذي استدعى اللجوء إلى الحماية التأمينية ضد هذه المخاطر.

 

وقد اتخذت الحماية شكل إضافة ملحق لتوسيع غطاء وثائق التأمين التقليدية أو الاكتتاب بوثائق تأمين متخصصة بالأخطار الإلكترونية: وثيقة التأمين ضد أخطار القرصنة الإلكترونية للتعويض عن آثار التسلل إلى انظمة الكمبيوتر بهدف استنساخها أو تخريبها. فالتسلل يؤدي إلى أضرار مادية بالغة للشركة المغطاة بالتأمين، مع قيام فرصة للقراصنة لاستخدام النظام الالكتروني للشركة لإلحاق الاذى بالغير مما يُرتب مسؤولية مدنية للشركة تجاه الغير. الغطاء التأميني الشائع يحمي المؤمن له من مخاطر القرصنة بكل أنواعها بما فيها الفيروسات أو سرقة المعلومات أو تدمير قاعدة البيانات لأغراض إجرامية أو تخريبية. وتحاول شركات التأمين الاستجابة لتحدي أكبر وهو سرقة حقوق الملكية الفكرية والابتكارات، وسرقة المخترعات قيد الإنجاز. وهذا ما يُذكّر بالتجسس الصناعي التقليدي.

 

تحديات

 

وتواجه شركات التأمين تحدياً لما يُعرف بالمخاطر السيبرانية “الصامتة” “silent” cyber risk، أو الالتزامات التأمينية التي يمكن أن تنشأ عن وثائق تأمين (للممتلكات أو المسؤولية المهنية أو المسؤولية المدنية وغيرها) تنطوي على تغطيات واسعة صُممت لغرض مختلفٍ تماماً لا علاقة لها أصلاً بمثل هذه المخاطر. ولذلك يتعيّن على شركات التأمين التعرّف على وتقييم مثل هذه المسؤوليات الدفينة.

 

من التحديات الأخرى المرتبطة بتطور التأمين على المخاطر السيبرانية هو غياب نموذج قياسي لوثيقة التأمين يمكن أن تكون بمثابة الوثيقة المرجعية الأساسية ومن ثم تخضع للتعديل والتوسيع في نطاق التغطية التي توفرها. إن غياب مثل هذا النموذج يحمل معه أفخاخاً للمؤمن له المرتقب فهو لا يعرف إن كان قسط التأمين الذي يدفعه عادلاً أو أن غطاء التأمين كافياً أو أن لغة وثيقة التأمين ذات طابع يقيني لما هو مشمول أو مستثنى من غطاء التأمين.

 

وهناك التطور والتعقيد المستمر في وسائل القرصنة.

 

الحاجة للغطاء التأميني[3]

 

إن الشركات التجارية والصناعية وغيرها، وبغض النظر عن حجمها، صارت تعتمد على بنية تحتية تتمثل بتكنولوجيا المعلومات information technology وبدرجات متفاوتة بين تنظيم وآخر. إزاء هذا الوضع فإنها قد تتعرض لمخاطر عديدة من بينها توقف الأعمال، وخسارة الدخل، وإدارة الضرر وما يتطلبه من إصلاح، وربما التعرّض أيضاً إلى تضرر سمعتها reputational damage في حالة فشل أو توقف معدات أو أنظمة تكنولوجيا المعلومات لأسباب فنية أو أسباب خارجية.

 

وفي حين أن وثائق التأمين على الممتلكات، أو توقف الأعمال أو المسؤولية المهنية قد توفر تغطية محدودة ضد المخاطر السيبرانية، فإن الشركات بدأت وعلى نحو متزايد تُقْدِمُ على شراء وثائق التأمين السيبراني المتخصصة لاستكمال ترتيبات التأمين القائمة، وخاصة في الحالات التالية على سبيل المثل:

 

  • إذا كانت الشركة تحتفظ بمعلومات حسّاسة خاصة بالعملاء: الأسماء والعناوين أو المعلومات المصرفية الخاصة بهم.
  • تعتمد بشكل كبير على أنظمة تكنولوجيا المعلومات ومواقع في الإنترنت لتسيير أعمالها.
  • تتعامل مع معلومات بطاقة الدفع الإلكتروني للعملاء كجزء من نظام البيع أو تقديم الخدمة.الغطاء الأساسي لوثيقة تأمين المخاطر السيبرانيةيغطي التأمين السيبراني الخسائر المتعلقة بتضرر أو فقدان المعلومات من أنظمة وشبكات تكنولوجيا المعلومات. وتشمل أيضاً تقديم مساعدة للمؤمن له وإدارة آثار الحادث المُسبب للضرر أو الفقدان، وهذه المساعدة، التي يمكن أن تُقدم من خلال فنيين محترفين، تكون ضرورية عندما يواجه المؤمن له خطر تضرر السمعة أو الامتثال للوائح التنظيمية الرقابية.وتندرج المخاطر السيبرانية عموماً في فئتين: مخاطر الطرف الأول (المؤمن له) ومخاطر الطرف الثالث (المسؤولية المدنية). وهناك وثائق لتأمين أي من هاتين الفئتين أو كليهما معاً.يغطي تأمين الطرف الأول موجودات الشركة، وقد تشمل:
  • خسارة أو تضرر الموجودات الرقمية ومنها البيانات الرقمية والبرمجيات.
  • توقف الأعمال بسبب تعّطل الشبكة network downtime.
  • الابتزاز السِيبراني عندما يقوم طرف ثالث بتهديد المؤمن له بإتلاف أو إشهار البيانات الرقمية في حالة عدم دفع فدية.
  • تكاليف إخطار العملاء عندما يكون هناك شرط قانوني أو تنظيمي لإخطارهم بانتهاك الأمان أو الخصوصية.
  • تضرر السمعة الناشئة من انتهاك البيانات التي تؤدي إلى خسارة الملكية الفكرية أو خسارة العملاء.
  • سرقة النقود أو الموجودات الرقمية من خلال سرقة المعدات أو السرقة الإلكترونية.يغطي تأمين الطرف الثالث موجودات الغير وعلى وجه التحديد موجودات العملاء، وقد تشمل الآتي:
  • انتهاكات الأمان والخصوصية، والتحقيق/التحرّي، وتكاليف الدفاع والتعويض عن الأضرار المدنية المرتبطة بها.
  • مسؤولية وسائط الإعلام المتعددة، لتغطية تكاليف التحقيق والدفاع وتعويض الأضرار المدنية الناشئة عن التشهير أو انتهاك الخصوصية أو الإهمال في النشر في وسائل الإعلام الإلكترونية أو المطبوعة.
  • فقدان بيانات الطرف الثالث، بما في ذلك دفع تعويضات للعملاء بسبب حرمانهم من الوصول إلى أماكن عملهم، وفشل البرمجيات أو الأنظمة الإلكترونية التابعة لهم.

 

توسّع متوقع في الطلب على الحماية التأمينية

 

من المتوقع أن ينتشر التأمين على المسؤولية المدنية المترتبة على أعمال القرصنة الإلكترونية في الغرب خاصة بعد أن تمكَّن قراصنة من التسلل الى الانظمة الإلكترونية للوزارات والمؤسسات وحتى المستشفيات في دول عديدة من بينها بعض الولايات الأميركية وإسرائيل وإيران وبريطانيا حيث استولى القراصنة على برامج الانتاج والخدمات وغيرها من المعلومات السرية، وقاموا في بعض الحالات بتخريب الانظمة الالكترونية وتعطيل الإنتاج أو تقديم الخدمات.

 

ويظل موضوع التأمين على أجهزة إنترنيت الأشياء تحدياً لشركات التأمين في بحث كيفية توفير الحماية التأمينية اللازمة، وتحديد سعر مناسب لها، ووضع شروط معقولة. وتكمن الصعوبة الأساس في غياب البيانات التاريخية وإحصاءات الخسائر حول أخطار الهجمات الإلكترونية غير التقليدية على هذه الأجهزة وقلّة المعرفة المتوفرة حول الخسائر الاقتصادية والإصابات الشخصية التي قد تنجم عنها.

 

مثل هذا النوع من التأمين قد يلقى رواجاً في العالم العربي الذي يفتقر الى أنظمة متطورة تحمي الشركات والمؤسسات التجارية والحكومية ضد اختراق القراصنة لبرامجها الالكترونية، خاصة وأن الاتجاه العام هو السير في الاعتماد أكثر فأكثر على المعطيات الالكترونية بواسطة الهواتف النقالة أو الألواح والحواسيب والإنترنت من قبل الأفراد والشركات والدفع المستمر نحو ما صار يُعرف بالحكومة الإلكترونية.

 

الأخطار الإلكترونية تُصنّف على أنها من الأخطار الناشئة التي تُعقد من أجلها اللقاءات والندوات في الغرب وفي بعض البلدان العربية. وتُقدر التكلفة الإجمالية للأخطار الإلكترونية بحوالي ثمانية مليار دولار (2015) وهي في ازدياد. ويرد في البال هنا جريمة سرقة هويات ومعلومات بطاقات ائتمانية لعملاء شركة “سوني”، وهو ما كبَّدها خسائر معنوية وماديه كبيرة، بعضها صار موضوعاً للتقاضي أمام المحاكم من قبل عملاء سوني بسبب هذه الحادثة.

 

إن الطلب على تأمين الأخطار الإلكترونية يأتي في الوقت الحاضر من البنوك والمؤسسات المالية لأنها مُؤتمنة على الحسابات الشخصية للعملاء وتخشى من فقدان البيانات الخاصة بهم من هجمات القراصنة. والملاحظ أن هذا الطلب يرد ضمن وثائق التأمين من الجرائم المصرفية.

 

ملاحظة حول الوضع في أسواق التأمين العربية

 

هذا النوع من التأمين ليس منتشراً في العالم العربي إلا بحدود معينة في بعض البلدان ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة. ولا يجد له طلباً في سوق التأمين العراقي.

 

وتجابه شركات التأمين العربية صعوبة بتغطية كل المخاطر المالية التي تترتب على مخاطر الاختراق الالكتروني، لأن هذه المخاطر غير محددة النتائج، فيما يتعلق بالتبعات المالية التي تترتب على فقد البيانات أو استغلالها من قبل القراصنة، وليس هناك خبرة تعويضية كافية عنها. ولذلك فإن التأمين لا يغطي في الوقت الحاضر خسارة الملكية الفكرية والإصابات الشخصية التي تنتج عن تحكم القراصنة في نظام التحكّم الذاتي في سيّارة إلكترونية. في حين أن جميع وثائق التأمين المتاحة حالياً تغطي تكاليف خسارة المستهلكين لمعلوماتهم الشخصية بسبب القرصنة.

 

ولأجل بناء الخبرة يمكن البدء بعرض تأمين يغطي كلفة إعادة تشغيل الموقع الإلكتروني، وتكاليف استرداد البيانات التي قد تترتب على إساءة استخدام هذه البيانات من قبل المخترق، أو ما يترتب من تعويضات على المطالبات القانونية المرفوعة من المتضررين ضد صاحب الموقع نتيجة حصول الاختراق.

 

ويتعيّن على قطاع التأمين القيام بحملات توعية لتعريف الشركات الخاصة والعامة والمؤسسات الحكومية بأهمية التأمين من الجرائم الإلكترونية. وما يساعدها بهذا الشأن هو الأخبار حول تصاعد عدد الجرائم الإلكترونية في أنحاء مختلفة من العالم.

 

على شركات التأمين أن لا تقصر عملها التوّعوي على المصارف والشركات النفطية والغازية وشركات الطيران بل التوجه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أيضاً، فجميعها تعتمد، وبدرجات متفاوتة، على بنية تحتية من تكنولوجيا المعلومات، مختلفة في تعقيدها.

 

تنظيم الرقابة على حوادث الاختراق وتسريب المعلومات

 

واحدة من القضايا التي تستوجب الاهتمام من الأجهزة الرقابية، كما هو الحال في قوانين بعض الدول ومنها الولايات الأمريكية، الكشف عن جميع حوادث الاختراق وتسريب البيانات. إن تقديم مثل هذه المعلومات ستساعد الشركات، ومنها شركات التأمين، على التعرّف على مدى تكرر الحوادث وتكلفة إصلاحها، مثلما تساعد أجهزة الدولة المعنية بالكشف عن مقترفي الجرائم السيبرانية.

 

إن الحماية التأمينية لن توقف أو تنهي هذه الجرائم لكنها تساهم في الكشف عن مكامن الخلل في إدارة الأخطار السيبرانية التي تتعرض لها الشركات ومختلف المؤسسات العامة والخاصة، وسبل التحوط منها أو من بعضها، وبالطبع التعويض عن الخسائر المترتبة على هذه الأخطار. آمل أن تحفز هذه الورقة ممارسي التأمين في العراق على التفكير في موضوع الأخطار السيبرانية واستباق الحلول التأمينية لها.

 

4 حزيران 2017

[1] http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/0523eb1d-aa10-424b-8f3b-9fc0e9fd9559

[2] http://www.alsumaria.tv/news/205781/%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D9%86/ar#

[3] اعتمدنا في كتابة هذا القسم على المعلومات المنشورة في موقع جمعية شركات التأمين البريطانية:

https://www.abi.org.uk/Insurance-and-savings/Products/Business-insurance/Cyber-risk-insurance