حوار حول التأمين العراقي
تـعـقـيــب على حوار (البينة) مع خبير التامين عبد السادة الساعدي
المحامي منذر عباس الأسود
تعقيب[1] على اللقاء الصحفي مع السيد عبد السادة الساعدي، المدير الأقدم لشركة التامين العراقية العامة، الذي حاوره الأخ (باسم عبد العباس الجنابي) والذي نشر في جريدة البينة في العدد 1567 بتاريخ 29/4/2012. ومن باب الرد على ما ينشر في الجريدة أبين الآتي:
أولا : أ – أن ما ينشر عن التامين أو غيره من لقاءات ومقالات في الصحافة العراقية محدود ومعظم ما ينشر يفتقر إلى الدقة.
إننا نحاول خلال ردنا هذا تقديم ما يشبه المراجعة النقدية البناءة لكل ما يكتب، وهدفنا هو ليس إملاء ما يجب أن يقال بل الإشارة والتأكيد معا على قضايا وحقائق نراها أساسية في واقع النشاط التأميني في العراق، ونأمل أن يتسع صدر السيد الساعدي لمراجعتنا لتأكيد الاقتناع المشترك بروح النقد البناء والرأي الآخر المغاير فقد جاءت المعلومات التي قدمها بشكل يقترب من نمط المعلومات الدعائية ولا ضير في ذلك فجميع الشركات تلجا إلى مثل هذا التوصيف الترويجي.
ب- أشير في اللقاء أن السيد عبد السادة الساعدي هو (خبير تامين) ومع احترامي وتقديري له (ولا صغرا به) فهو لا يحمل هذه الصفة كما تبين بعد قيامنا بالتحري والاستفسار بتاريخ 29/4/2012 من الجهة ذات الاختصاص وهي (ديوان التامين) بسؤالنا هل أن السيد عبد السادة الساعدي مسجل في سجل الخبراء حسب ما اقره القانون والتعليمات، وكان الجواب عدم ورود اسمه ضمن سجل الخبراء.
أود أن أشير أن أحكام المادة 77 من قانون تنظيم أعمال التامين رقم 10 لسنة 2005 لا تجيز ممارسة أعمال الخبير إلا ممن يسجل في سجل الخبراء لدى ديوان التامين وكذلك التعليمات المرقمة 12 لسنة 2008 الصادرة عن رئيس ديوان التامين وكالة والمنشورة في جريدة الوقائع العراقية تحت رقم 4103 في 30/12/2008 انه لا يحق لأي خبير أن يمارس أعمال الخبير إلا بعد تسجيله في سجل الخبراء والحصول على إجازة الخبرة بذلك من رئيس ديوان التامين.
ومع احترامي مرة أخرى للسيد عبد السادة أرجو أن لا ينسب نفسه (خبيراً في التامين) ما لم يكيف وصفه وفق أحكام القانون والتعليمات المذكورة.
ثانيا : أشار السيد عبد السادة أن شركات التامين الأهلية لا تخضع للرقابة، وليس هناك تدقيق على حساباتها، ولا توجد أية جهة تراقب أعمالها وتصحح مسيرتها. هذا الكلام غير دقيق وغير صحيح. الصحيح أن ديوان التامين يمارس الفعاليات الرقابية والإشراف على شركات التامين كافة وليس على شركات التامين الأهلية فقط. ان ما ينطبق على الشركات الأهلية ينطبق على الشركات الحكومية حيث أشارت المادة (6) من قانون تنظيم أعمال التامين لسنة 2005 انه يهدف إلى تنظيم قطاع التامين والإشراف عليه ولم يشير إلى تنظيم قطاع التامين الخاص.
إلا انه مع الآسف فإن ديوان التامين لم يمارس دوره بصورة كاملة وكذلك جمعية التامين العراقية، مع احترامي وتقديري لهما، ولأسباب تستحق البحث.
كما انه لا يخفى بان هناك جهة أخرى هي (البنك المركزي العراقي) يمارس الأعمال الرقابية سنويا ومرارا على شركات التامين ويقوم بتدقيق حسابات شركات التامين وتنبيه الشركات إن كان هناك بعض السلبيات إن وجدت إلى تصحيح مسيرتها ويطلب تقويمها.
ثالثا : نلاحظ ان السيد الساعدي قد تهجم كثيرا وبأسلوب قاس على شركات التامين بالأخص العراقية منها والشركات الموجودة في الخليج بأنها (ليست علمية وغير موضوعية وغير شريفة). لا ندري ما هي الأسس التي اعتمد عليها لإطلاق مثل هذا الاتهام الخطير جدا؟ كيف يقبل السيد عبد السادة لنفسه أن يتفوه هكذا وهو احد العاملين في شركات التامين العراقية الحكومية (سابقاً في شركة التأمين الوطنية ومدير أقدم في شركة التامين العراقية العامة حالياً) في حين ان المكانة التي تحتلها شركات التامين العراقية والعاملين فيها وفي شركات التامين العربية وحتى خارج العالم العربي تشهد وتشيد بكفاءة معظم هذه الشركات وكذلك الذين يمارسون التامين في العراق وفي مجال اختصاصاتهم.
ان السيد عبد السادة يناقض نفسه حين يشير في اللقاء الصحفي (فمن المعروف عن سوق التامين العراقية أنها من أفضل أسواق التامين في العالم أو في الشرق الأوسط أو المنطقة العربية حيث تتمتع بسمعة ممتازة لدى شركات الإعادة العالمية وأسواق التامين العالمية كونها سوقا نظيفة، وتضم كفاءات وخبراء ممتازين وعملها بصورة شفافة ويعد العراق مدرسة تأمينية قائمة بذاتها، ونشير هنا إلى ان العراق قدم خدمته التأمينية في اليمن ومنطقة الخليج وليبيا والسودان، فقد ذهبت كوادر عراقية إلى تلك الدول وأسست شركات تامين لصالح تلك الدول ولصالح القطاع الخاص فيها وما تزال الكفاءات العراقية تقود قطاع التامين في اليمن وبعض شركات الخليج).
باعتقادي إن ما أشار إليه السيد الساعدي يعتبر إساءة إلى جميع شركات التامين العراقية والعاملين فيها وإساءة إلى قطاع التامين، وارى ضرورة في الرد على الإساءات من قبل الجميع دون تمييز لان هذا طعن واتهام خطير لقطاع التامين والعاملين فيه.
رابعا : أشار انه تأسست شركات التامين على الحياة وشركة التامين الوطنية التي دمجت فيما بعد وهي تعرف اليوم بشركة التامين العراقية العامة. هذا الكلام غير دقيق لان شركة التامين على الحياة كانت تمارس نوع واحد من أنواع التامين إلا وهو (التامين على الحياة) وقد صدر قرار في حينه بإلغاء هذه الشركة وتأسيس شركة جديدة تحت مسمى (شركة التامين العراقية العامة)[2] لتمارس جميع أنواع التامين بضمنها التامين على الحياة وتنقل جميع موظفيها إلى الشركة الجديدة كما تم نقل بعض موظفي شركة التامين الوطنية إليها وأصبحت فيما بعد الشركتين الحكوميتين (شركة التامين الوطنية وشركة التامين العراقية العامة) تمارسان كافة أنواع التامين بضمنها التامين على الحياة.
خامسا : أشار ان تأسيس الشركات الأهلية تم بعد عام 2003 مع تغير النظام الاقتصادي من النظام الحكومي المركزي إلى الاقتصاد الحر.
نود أن نوضح إن التغيير في بنية سوق التامين حصل بعد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، وبفضل هذا القانون تأسست ولأول مرة شركة تامين أهلية (شركة دار السلام للتامين) عام 2000 وليس بعد عام 2003 بعد أن كانت محتكرة على الشركات الحكومية فقط. ثم أشار أيضا أن الشركات الأهلية توسعت ووصلت تقريبا إلى 25 شركة تامين أهلية. وهذا أيضا غير صحيح وغير دقيق حيث كان عليه الرجوع إلى ديوان التامين لمعرفة عدد الشركات الأهلية. وهذا أيضا يناقض كلامه الذي أورده في مقالته التي نشرت في جريدة البينة بالعدد 808 (الجزء الأول) في 26/1/2009 ونص الكلام: (مما ساعد على ظهور ما يناهز ثلاثين شركة أهلية عدا تلك التي كانت قيد التأسيس والتي يتوقع أن يصل عدد الشركات الأهلية بنهاية العام الحالي إلى مئة).
إن السيد الساعدي لم يكن صائبا وغير دقيق في المعلومات في حين ان كتاب ديوان التامين الأخير تحت رقم 21 في 18/1/2012 يشير بان عدد شركات التامين العاملة في العراق هي 28 شركة وموزعة جغرافيا وبضمنها فروع الشركات الأجنبية والحكومية وهناك شركات قيد التأسيس.
سادسا : نؤيد انه هناك تضارب كبير وغير فني ومسؤول في الأسعار وتكتتب شركات التامين بأوطأ الأسعار التي لا توازي حدة الخطر. والسبب هو عدم التزام أكثر شركات التامين الأهلية والحكومية بالأسعار التي تُحدد من الجهات المختصة. وعلى سبيل المثال، التعميم الأخير تحت رقم 46 في 7/2/2012 الصادر عن ديوان التامين بخصوص أسعار التامين الهندسي فقد نص التعميم على التالي: (نؤكد كتابنا المرقم 149 في 21/11/2011 راجين التقيد بأسعار التامين الهندسي التي سبق وان أقرت من قبل جمعية التامين العراقية وتم تعميمها عليكم بموجب كتابنا المرقم 64 في 13/11/2011 وبعكسه سيتم تعليق عمل الشركة التي تخالف ذلك). والتعميم موجه إلى (28) شركة بضمنها الشركات الحكومية إلا إن شركات التامين لم تلتزم به لغاية تاريخه ولدينا ما يثبت ذلك. ومع الأسف الشديد لم يحرك ساكنا ديوان التامين أو جمعية التامين العراقية لمحاسبة شركات التامين بالرغم من إبلاغها بذلك من عدة جهات.
وهذا دليل على ان ديوان التامين لم يمارس دوره بصورة كاملة، فهو لم يترجم مهامه في ارض الواقع إلا قليلا لكونه يفتقر الى الكادر القادر والكافي للإشراف والمحاسبة على هكذا عدد من شركات التامين. وهذا ينطبق أيضا على جمعية التامين العراقية، فهما لم يبرهنا حتى الآن على فعالية أداء مهامهما.
سابعا : أشار السيد الساعدي ان قانون رقم 10 لسنة 2005 هو حاليا مجمد وهذا القانون يحتاج إلى إعادة صياغة كي يلائم طبيعة المجتمع العراقي. إن هذا القول غير صحيح. ما هو دليله على ذلك؟ القانون نافذ وغير مجمد وتطبق أحكامه ضمن الإمكانيات المتاحة لديوان التأمين العراقي.
وأحب أن أشير إلى قول الأخ مصباح كمال في إحدى مقالته المنشورة برده على مقالة السيد الساعدي في عام 2009 (نسي أو تناسى قضايا أساسية تمس الوضع الحالي لشركات التامين العراقية العامة والخاصة ومستقبلها في ظل قانون تنظيم أعمال التامين لسنة 2005، فهو ليس معنيا بتسريب أقساط التامين المباشر إلى شركات التامين الأجنبية بفضل هذا القانون الذي لم ينص على تامين الأصول والمسؤوليات مع شركات تامين مسجلة في العراق ومجازة لمزاولة العمل من قبل ديوان التامين).
نحن نعي إن هناك قصورا في أداء المؤسسات التأمينية في العراق إلا إن هذا القصور ليس كله لأسباب داخلية فهناك مثبطات وقوانين تلغي دورا فعالا لشركات التامين العراقية ومنها قانون تنظيم أعمال التامين لسنة 2005 وكذلك تغاضي المؤسسات الرسمية العامة عن ايلاء أهمية لوجود شركات التامين العاملة في العراق.
إننا نشد أيدينا مع السيد عبد السادة بمناشدة الجهات المختصة ومجلس النواب ومجلس الوزراء أن يلتفتوا إلى ذلك من اجل إيجاد تشريع أو نصوص أو تعليمات تلزم كافة الشركات والقطاع الحكومي بإلزام الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين وغيرهم بإجراء التامين لدى شركات التامين في العراق والى ضرورة إعادة صياغة قانون رقم 10 لسنة 2005 وبإشراك شركات التامين لكونها الجهة المتخصصة والتي تمتلك الكفاءة والخبرة في مجال عملها.
إن استمرار تسرب أقساط التأمين خارج العراق يؤدي إلى التسبب في خسائر فادحة لشركات التامين (أقساط التأمين ) وخزينة الدولة (الرسوم والضرائب المفروضة على النشاط التأميني) تقدر بملايين الدولارات بسبب عدم وجود نص في العقود الحكومية وغيرها يلزم الشركات بالتامين لدى شركات التامين المسجلة العاملة في العراق.
المحامي / منذر عباس الأسود
مستشار / شركة الحمراء للتامين
[1] نشر هذا التعقيب في جريدة البينة، العدد 1576 بتاريخ 13/5/2012 تحت باب مقالات وآراء بعنوان “ديوان التأمين لم يمارس دوره بصورة كاملة وكذلك جمعية التأمين العراقية”.
http://www.al-bayyna.com/modules.php?name=News&file=article&sid=52926
[2] قمنا بتصحيح هذه المعلومة في رسالة مؤرخة في 13/5/2012 إلى رئيس مجلس إدارة جريدة البينة وقد نشرتها الجريدة في العدد 1577، 14/5/2012 وهذا هو نص التصحيح:
أتقدم لكم بجزيل الشكر والتقدير على نشر تعقيبنا على حوار (اللقاء الصحفي مع السيد عبد السادة الساعدي) في العدد 1576 بتاريخ 13-5-2012 في صفحة ردود رقم 13.
اود أن أصحح معلومة وردت في الفقرة (رابعا ) من تعقيبنا ( لان شركة التامين على الحياة … وقد صدر قرار في حينه بإلغاء هذه الشركة …..) والصحيح هو أن الشركة العراقية للتأمين على الحياة هي شركة حكومية أصلها شركة مساهمة خاصة تأسست في أواخر عام 1959 وأصبحت بعد التأميم في عام 1964 ودمج شركات التامين والتخصص عام 1965 الشركة العراقية للتامين على الحياة – شركة متخصصة لوحدها في ممارسة أعمال التامين على الحياة .
ومنذ عام 1966 صار رأسمالها الاسمي، بعد أن أصبحت شركة حكومية، 700 ألف دينار. وعادت الشركة لممارسة أعمال التامين العام إضافة إلى أعمال التامين على الحياة بعد إلغاء التخصص في سنة 1988 بموجب تعديل النظام الداخلي للشركة المنشور بالوقائع العراقية العدد 3214 والمؤرخ 8-8-1988 وعاد اسمها (شركة التامين العراقية –العامة).
أرجو التفضل بنشر هذا التصحيح في جريدتكم مع التقدير.