Monthly Archives: ديسمبر 2010

Legal Implications of the Insured’s Admission of Liability

إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية

 

الباحث / المحامي

ليث الصباغ / ماجستير في القانون التجاري

 

أهمّية الموضوع :

تُعدُّ مسألة إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية من المسائل التي أثارت وما تزال تثير الكثير من الجدل بين الشّراح.  وفي الواقع العملي كثيرًا ما تتكرر هذه المشكلة حيث تواجه شركات التأمين هذه الحالات بشكل مستمر خصوصاً في مجال تأمين المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث المركبات .

ومن هنا فإنَّ لهذا الموضوع أهمية كبيرة وما كان لنا أن نلاحظ مدى أهميته وقيمته لولا أنَّ الصدفة قد وضعت في متناول يدنا في دولة الإمارات العربية قضية تباينت فيها توجهات القضاء، فاستثار ذلك فضولنا العلمي وحملنا على الاهتمام بهذا الموضوع وتقصي ما يتصل بمضمونه وفحواه والتنظيم القانوني الخاص به.

 

منهجية البحث وخطته :

إنَّ البحث في موضوع إقرار المؤمَّن له يتطلب منّا بدايةًً أن نُسلِّط الضوء على المفاهيم المرتبطة به، فإذا انتهينا من ذلك كلِّه ناقشنا التوجه القضائي في إحدى القضايا التي عرضت على القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة ، ولذا سنعالج هذا الموضوع في مبحثين نكرِّس أولهما للمفاهيم القانونية المرتبطة بإقرار المؤمَّن له مثل الأساس القانوني للشرط الخاص بعدم الإقرار بالمسؤولية وحكم إقرار المؤمَّن له في الأحوال التي لا تتضمن وثيقة التأمين مثل هذا الشرط، وعلاقة هذا الشرط بشروط أخرى توردها شركات التأمين في وثائقها، والأسباب التي تدفع المؤمَّن له إلى الإقرار بالمسؤولية، ومن خلال ذلك سوف يتبيَّن لنا أنَّ هناك حالات بارزة يعترف المؤمَّن له بالمسؤولية لمجرد شعوره بأنَّ وجود شركة التأمين يمثل تكِئةً له تتحمل النتائج المترتبة كافة على ثبوت المسؤولية في مواجهته.

واستكمالا لما يستلزمه البحث العلمي من ترابط موضوعي، فإنَّ المبحث الأول سوف يتضمّن مناقشة ضرورة وجود شرط حظر إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية من عدمه.

أما المبحث الثاني فسوف يخصص لدراسة التوجه القضائي في خصوص قضية عرضت على المحاكم في دولة الامارات العربية المتحدة واختلفت فيها المحاكم بدرجاتها الثلاث، مما حفَّزنا لمناقشتها وتسجيل وقائعها ووضعها في ضوء نظرية بحثنا.

وفي نهاية دراستنا وصلنا بحثنا بخاتمة سجلنا فيها أهم، ما تحصَّل لدينا من نتائج أو مقترحات.

 

المبحث الأول

المفاهيم القانونية المرتبطة بإقرار المؤمَّن له

 

الفقرة (1)  الأساس القانوني لحظر إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية وتنظيمه في دولة الإمارات العربية المتحدة :

في البداية، ينبغي الإشارة إلى أنَّ قانون المعاملات المدنية لدولة الامارات العربية المتحدة رقم 5 لسنة 1985 نص في المادة 1029 على الآتي :

 ” 1- يجوز الاتفاق على إعفاء المؤمن من الضمان إذا دفع المستفيد ضماناً للمتضرر دون رضاء المؤمن.

 2- ولا يجوز التمسك بهذا الاتفاق إذا ثبت أن دفع الضمان كان في صالح المؤمن.” 

يظهر من هذه المادة الإشارة إلى مشروعية حظر إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية ومنها إنبثق الشرط الذي جاءت به الوثيقة الموحدّة لتأمين المركبات والصادرة طبقا للقرار الوزاري رقم 54 لسنة 1987 م في دولة الامارات العربية المتحدة ، إذ نص البند 6 من الشروط العامة على الآتي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرارٍ بالمسؤولية([1]) أو عرضٍ أو وعدٍ أو دفع أي مبلغ ٍبدون موافقةِ الشركة كتابةًً. ويحقُ للشركة في أي وقتٍ إذا رأت ذلك أن تتولى الدفاع، وأن تباشرَ الدعوى باسم المؤمَّن له بخصوص أيةِ مطالبةٍ قد تُسأل عنها الشركة بموجب هذه الوثيقة ، وأن تقومَ بتسوية تلك المطالبةَ، ولها أن تطالبَ باسم المؤمَّن له ولمصلحتها، بجميع التعويضات والتضمينات، وللشركة في هذا الشأن كامل السلطة في مباشرة أية إجراءات، وفي التصالح في أية مطالبة، وعلى المؤمَّن له أن يقدمَ إلى الشركة جميع المعلومات والبيانات والمعاونة اللازمة “

يلاحظ أن الحظر الوارد في نص الوثيقة الموحدّة لتأمين المركبات اشمل مما تشير إليه المادة 1029 من قانون المعاملات المدنية، لكن جميع الأحوال الواردة في البند 6 ، آنف الذكر، تنتهي إلى ذات النتيجة التي قصدتها المادة 1029، ومن هنا جاز لشركة التأمين أن تورد شرطاً يعفيها من الضمان إذا ما دفع المؤمَّن له التعويضَ أو وعدَ بذلك أو اقرَّ بالمسؤولية، باعتبار أنَّ ذلك الإقرار سينتهي، حتماً، إلى إلزام الشركة بأداء الضمان للمضرور .

 

الفقرة (2) حكم إقرار المؤمَّن له في الأحوال التي لا تتضمن وثيقة التأمين مثل هذا الشرط :

يلاحظ على نص المادة 1029 إشارتها إلى جواز الإتفاق على مثل هذا الشرط ومن هنا يثور التساؤل عن الأحوال التي لا يوجد فيها مثل هذا الشرط كما هو الحال بالنسبة لأغلب وثائق تأمين العمال و مسؤولية رب العمل([2])

 Workmen’s Compensation Policy & Employer’s Liability Policy

إذا نظرنا إلى الإقرار وجدناه حجةً قاصرةً لا يتعدى أثرها غير المُقِّر ، بمعنى أنَّ إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية قاصر عليه وحدهُ، وبالتالي فلا يُحتجّ على شركة التأمين بهذا الإقرار. ورغم هذا التأصيل إلا أنَّ وجود الشرط الخاص بعدم الإقرار بالمسؤولية يعدُّ من المسائل المهمّة، وذلك لان المؤمِّن يتأثر بإقرار المؤمَّن له، ليس بسبب إنسحابُ أثرِ الإقرار عليه، إنما يتأثر باعتبار أنَّ مسؤوليته مرآة لمسؤولية المؤمَّن لهُ وأنَّ الأخير إنَّما يقر على نفسه ، لكنَّ شركةَ التأمين تلتزم بتغطية مسؤوليته، وبالتالي ينبغي عليها ، أن ُتنبَِّه المؤمَّن له بعدم تقديم أي إقرارٍ أو اعترافٍ بالمسؤولية أو بعدم الوعدِ بالتعويض، وذلك بأن تورد شرطاً واضحاً وصريحاً يحظر على المؤمَّن له ذلك. ولعل من يتأمل نص المادة 1029 من قانون المعاملات الإماراتي، يجدها تجوِّز الإتفاق على مثل هذا الشرط من دون أن تفترض وجوده في جميع الأحوال.

إلا أن هذه المادة تشير في فقرتها الثانية الى عدم جواز الاتفاق على إعفاء المؤمن له من الضمان إذا ثبت أن دفع الضمان كان في صالح المؤمن.  ومن هنا يمكن ان نلاحظ ان المشرع سمح بالاتفاق على حظر الاعتراف او الصلح إلا أن هذا الجواز اقترن بعدم التعسف فإن ثبت أن تصرف المؤمن له هو في مصلحة المؤمن امتنع على الأخير الاحتجاج بالشرط الذي يحظر التصالح.

بمعنى اننا أمام حالة من حالات عدم الاحتجاج من قبل شركة التأمين في مواجهة المؤمن لديها ان ثبت تعارض الصلح الذي ابرمه مع المضرور مع مصلحة شركة التأمين او كان اقراره بالمسئولية هو الدليل الوحيد الذي لولا وجوده لما التزم المؤمن.

وهنا ينبغي التنويه الى ان عدم الاحتجاج الذي اشرنا إليه كجزاء لإقرار المؤمن له بالمسئولية أو لتصالحه مع المضرور هو اخف بكثير من شرط السقوط رغم ان عدم الاحتجاج يقترب في نتيجته من السقوط باعتبار انه سيترتب على الأمرين فقْدُ المؤمن له حقوقه في التعويض.  بيد ان هنالك فرق واضح بين الجزاءين وهذا الفرق يتمثل في ان السقوط هو جزاء نهائي يطبق دون ما تدرج وهو يلحق المؤمن له بصرف النظر عن الضرر الذي أصاب شركة التأمين جرّاء المخالفة التي ارتكبها ليحرمه من الحق في العوض بشكل نهائي. فلو قلنا مثلا إن جزاء إقرار المؤمن له او اعترافه بالمسئولية هو سقوط حقه في التعويض لترتب على ذلك نتائج قاسية تنتهي الى فقد المؤمن له لحقه في الرجوع على شركة التأمين حتى إذا ما ثبت بان هنالك أدلة اخرى تكفي لاثبات مسئوليته وان وجود الاقرار من عدمه لن يؤثر على تلك المسئولية.

وبطبيعة الحال فان هذا الجزاء الشديد هو أكثر قسوة من جزاء عدم الاحتجاج لان الجزاء الأخير يفسح المجال للمؤمن له في إثبات ان الصلح الذي ابرمه مع المضرور هو في مصلحة شركة التأمين وهو يستطيع ان يفعل ذلك اذا ما اثبت توافر المسئولية في جانبه فضلا عن تخلف اضرار لدى المضرور تفوق ما تصالح عليه  ” إعمالا لنص المادة 1029 فقرة 2 من قانون المعاملات المدنية ”  او انه يستطيع ان يثبت ان المسئولية ثابتة في جانبه بادلة اخرى حتى لو انه لم يقر او يعترف بالمسئولية.

ويلاحظ ان عب الاثبات في هذه الاحوال ينتقل على عاتق المؤمن له بسبب مخالفته للاتفاق الخاص بحظر الاعتراف او التصالح ومع ذلك فان هذا الأثر اخف من سقوط حقه في التعويض.

وعلى اساس ما تقدم نرى ضرورة الإشارة الى بعض الاحوال العملية التي يقر او يعترف المؤمن له بالمسئولية بشكل كامل بينما يوجد خطأ للمضرور او خطأ مشترك أدى الى تحقق الخطر التأميني.  وكثيرا ما تواجه شركات التأمين مثل هذه الفرضيات فنجد ان المؤمن له يعترف بكامل المسئولية رغم مساهمة المضرور بشق كبير منها.

وبتطبيق فكرة عدم الاحتجاج يمكن ان نقول ان لشركة التأمين الحق في انقاص المبلغ المدفوع منها للمؤمن له بقدر اثر اقراره او اعترافه في زيادة المسئولية. وبهذا فان المؤمن له لن يفقد حقه كاملا بسبب اقراره او اعترافه لان مسئوليته ـ في شق منها ـ ثابته بادلة اخرى ولأننا لسنا امام سقوط لحق المؤمن له.  وان شركة التأمين لن تتحمل المسئولية كاملة لان شرط حظر الاقرار او التصالح هو شرط صحيح وينبغي إعماله ومن آثاره إنقاص التعويض عند رجوع المؤمن له على شركة تأمينه.  

 

الفقرة (3 ) علاقة الشرط بشروط أخرى :

إنَّ شرطَ حظر الإقرار يرتبط ُبجملةٍ من الشروطِ المهمةِ : منها شرط ُالتبليغ ِبالحادث، فمثلاً نصَّ البند رقم 2 من الشروط العامة من وثيقة تأمين المركبات المعمول بها في دولة الإمارات العربية، على ضرورة إخطار شركة التأمين كتابةً بكلِّ حادثٍ، وهنالك أيضاً شرطُ إدارةِ الدَّعوى، ومن خلاله يحقُ لشركة التأمين، أن تتولى الدفاعَ عن المؤمن لديها، وهذا الشرط في حقيقته تأكيد لشرط عدم الإقرار بالمسؤولية بل هو أعَمٌّ منه من حيث الأثر والنتيجة، إذ من خلال هذا الشرط تذود شركة التأمين عن المؤمن لديها، وتحافظ على مصالحها في الوقت ذاته. ومن هنا فإنَّ شرطَ عدم الإقرار بالمسؤولية وشرط الإخطار بالحادث، وشرط إدارة الدعوى، تمثل سلسلةً من الضمانات لصالح المؤمن، وإنَّ هذه الشروط تكمِّل بعضها بعضاً، فمثلاً إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية يُفرّغُ شرطَ إدارة الدعوى من محتواه، بحيث يصبح الشرط الأخير عديم الفائدة لأنَّ المؤمَّن له إذا ما اقرَّ بالمسؤولية بات من العسير نفي المسؤولية حتى وإن تولت شركةَ التأمين إدارة الدعوى فيما بعد.  ومن الشروط الأخرى التي يمكن ان تشترطها شركات التأمين هي عدم التصريح او الإعلان بوجود وثيقة تأمين المسئولية او عدم اختصام شركة التأمين من قبل المؤمن لديها في الدعوى المرفوعة ضده من قبل المضرور.  وفي هذا الفرض فان شركة التأمين تؤكد على تحملها الكامل لنتيجة الحكم الصادر ضد المؤمن لديها بيد انها ترغب في عدم اعلام المحكمة بوجود تأمين على مسئولية المدعى عليه تجاه المضرور حتى لا تغالي المحكمة في تقدير التعويض او حتى لاتميل لمصلحة المضرور.

 

الفقرة (4) الأسباب التي تدفع المؤمَّن له إلى الإقرار بالمسئولية :

يصدر الاقرار بالمسئولية من جانب المؤمَّن له، لأسباب نوجزها بالاتي :

–       عدم الوعي بخطورة هذا الإقرار في ترتيب المسؤولية حيث إنَّ المؤمَّن له ليست لديه الدراية بالنتائج التي تترتب على إقراره. ومن هنا وجب التأكيد على ضرورة نشرِ الثقافةِ، والوعي التأمينيِّ في صفوف أبناء المجتمع كافة.

–       من الحالات التي يصدر الإقرار بسببها: هي التَّسرعُ والرغبةُ في حسم الدعوى، فلو اعترف المؤمَّن له بالمسؤولية فإنَّ القضيةَ الجزائيةَ سوف تُحسم، بينما لو صمّمَّ على الإنكار أو الدفاع بالمسؤولية فإنَّ المسألة َتطولُ، و يطولُ الفصلُ فيها. ومن هنا يسارع المؤمَّن له بالاعترافُ من دون أن يكترثَ لما يترتبُ على ثبوت المسؤولية طالما أنَّ شركةَ التأمين سوف تتحمُّل أداءَ التعويضِ للمضرور .

–       وكذلك يصدرُ الإقرارُ أو الإعترافُ بسبب جهل المؤمَّن له بالمفاهيم القانونيةِ وعدم درايتهِ بقواعد السير والمرورِ، فيعترفُ بمسؤوليته، رغم أنَّ الطرف الآخر هو المتسببُ، أو رغمَ استغراقَ خطأ الغير لخطئه.

–       وفي بعض الأحوال، يعترف أو يقر المؤمَّن له بدافع الشفقة على المصاب حتى مع تيقنه من عدم مسؤوليته ومعرفته أنَّ الخطأَ في جانب المضرور والمشكلة في مثل هذه الأحوال أنَّ المؤمَّن له يرجِّح مصلحةَ المضرور أو المصاب على مصلحة شركةِ التأمين فتدفعهُ الشفقةُ إلى ترجيح ِمصلحةِ المصابِ على حساب مصلحةِ مؤمِّنهِ.

–       ويحدث الإعتراف أو الإقرار لأسباب نفسية بسبب اضطراب المؤمَّن له نتيجة َالحادثَ الفجائِّي والظروفَ الصعبةِ التي تحيطُ به من جرّاء مجابهة مثل هذا الموقف.

–       ويصدر الإقرار بالمسؤولية أيضاً بدافع التواطؤ بين المؤمَّن له والمضرور وهذه الحالةُ كثيرةُ الوقوعِ والتكرار إذ يعترفُ المؤمَّن له بالمسؤولية خلافاً لحقيقةِ الحالِ. ومن الأمثلة العملية لمثل حالات الإقرار هذه، هي إقرار المؤمَّن له بأنَّ الحادثَ وقع بسببه رغم عدم وجود تلامسٍ([3]) بين مركبته مع المركبة المتضررة. ومن القرائن والدلائل التي يمكن من خلالها تأكيد مسألة الإقرار بدافع التواطؤ في مثل هذه الأحوال كون أعمار المتسِّبب والمتضرِّر متقاربة أو أنَّ هنالك صلةَ قرابةٍ أو معرفةٍ بينهم. كما ويلاحظ في مثل هذه الأحوال أنَّ المركبةَ المضرورة مؤمَّن عليها ضد المسؤولية المدنية فقط. ولعل هذا النّمط من الإقرار أو الاعتراف هو من أشدَّ الأنواع خطورةً على مصالح شركات التأمين، وذلك لصعوبة إثبات التواطؤ في أغلب الأحوال. ومع ذلك فإنَّ من أهم الوسائل التي ينصح باتخاذها هي:

  • الكشف على المركبات ومعاينتها .
  • الطلب من المتسبَّب والمتضرِّر، وصف الحادث وظروفه وملابساتهِ كتابةً وإجراء مقارنةً بين الوصفين.
  • تدخل شركة التأمين في الدعوى الجزائية باعتبارها مسؤولة عن فعل المتسِّبب.
  • الركون إلى ذمّة المتسبِّب والمضرور، وتوجيه اليمين لهما، وهذا هو آخر الحلول، فعند تعذر إثبات التواطؤ، يتم اللجوء إلى ذمّة المتسبَّب والمضرور، وتحليفهم سواءً أمامَ القضاء أو حتى قبلَ طرحِ النزاع أمامَ المحاكم، ونؤكِّد على أهمية هذا الإجراء سيَّما في مجتمعاتِنا العربيةَ التي ما تزال تتحصَّن بعقائدَ تكفُل جدِّية ونجاح هذا الإجراء.

 

الفقرة (5) شرط حظر إقرار المؤمَّن له والدور الحيادي للقاضي:

إنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أنَّ شركات التأمين بحاجة إلى حماية نفسها من إقرار المؤمَّن له ، أم أنَّ هذه المسألة قليلة الأهمية، بالنظر إلى الدور الحيادي للقاضي الذي يمحِّص الأدلة ويقارنها ويطرح الإقرار جانبا متى وجده بعيداً عن حقيقة الحال، أو متى تبيَّن له تعارضه مع ظروف الدعوى ؟

في الحقيقة نحن نرى ضرورةَ وجود شرط عدم الاقرار بالمسؤولية، وضرورة إعماله إذ ليس من المؤكد أن يطرحَ القاضي هذا الإقرار، بل وإنَّ الأحوالَ العمليةَ وبخاصة في حوادثِ السير، والأحكام التي تصدر فيها، في دولة الامارات العربية المتحدة، فإننا نرى إنَّ الأحكام تركِّز كثيراً على إقرار المؤمَّن له، وقلمَّا تجد أحكاماً قضائية تطرح الإقرار، بل وفي بعض الحالات نلاحظ أنَّ بعض الأحكام يتم إستئنافها إستناداً إلى أنَّ المؤمَّن له لم يعترف بما نسبه إليه الحكم، فمثلا يردُّ المؤمَّن له على سؤال المحكمة عن تسبِّبه بالحادث بالإيجاب، وهو على جهل تام بقواعد المسؤولية أو بقواعد السير والمرور وكل الذي يقصده من وراء هذا الرد إنَّه هو الذي صدم المضرور بمركبته ومن هنا فنحن نؤكد على ضرورة وجود الشرط الخاص بعدم الاقرار بالمسئولية.

المبحث الثاني

أحكام القضاء بخصوص إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية

 

وددتُ تسليط الضوء في هذا المبحث على قضية عرضَتْ على القضاء واختلفت وجهات نظر المحاكم فيها . وتتلخص وقائع هذه القضية : في أن المدعي مؤمِّن على مركبته ضد المسؤولية المدنية لدى المدعى عليها ـ شركة التأمين ـ وقد صادفه حادث سير نتج عنه اضرار بممتلكات بلدية أبو ظبي، وقد قدِّرت هذه الأضرار بمبلغ 24000 درهم.

وقدم المدعي سنداً لدعواه، مستندات من أهمها : صورة لكتاب مؤرخ في 2/11/1999 صادر عن بلدية أبو ظبي ويتضمن الإشارة لمعاينة الأضرار الناجمة عن الحادث، وتقديرها بمبلغ 24000 درهم، إضافةً إلى صورة من الحكم الإبتدائي الصادر بتاريخ 13/11/1999 في الجنحة المرورية الخاصة بحادث السير والذي انتهى إلى معاقبة المدعي حضورياً لتسببه بالإضرار بممتلكات الغير، كما وقدم المدعي صورة لتقرير الشرطة، ووثيقة التأمين على مركبته التي تسببت بالحادث والمؤمَّنة لدى المدعى عليها عن المدة11/10/1999 حتى10/11/2000 وهو في ذلك يطالب شركة التأمين بدفع قيمة التعويض عن الحادث الذي تسبب فيه باعتبار أنَّ مركبته مؤمَّنة لدى شركة التأمين وفي أثناء سريان الوثيقة، صادفه حادث نتج عنه إضرار بممتلكات الغير قدَّرتها البلدية بمبلغ 24.000 درهم.

وقد دفعت الشركة المدعى عليها بخلو الدعوى من المستندات الكافية فضلاً عن أنَّها سابقةً لأوانها، لكون المدعي لم يثبت أنَّه قام بدفع التعويض للبلدية عن الأضرار التي نجمت عن الحادث الذي ارتكبه بالمركبة المؤمَّن عليها لدى المدعى عليها، وهو الشرط الأساسي لكي ينشأ للمدعي الحق في الرجوع على شركة التأمين، وبما انه لم يسدّد أي تعويض فإنَّ موجبات دعواه تكون غير متحققة، ولذا فإنَّ الدعوى مرفوعة قبل الأوان، وقد كررت المدعى عليها هذا الدفع أمام محكمة أول درجة.

وازاء ذلك، بادر المدعي الى تقديم إيصال تسديد مبلغ 24000 درهم، قام بتسديده للجهة المتضررة بتاريخ1/6/ 2003، وذلك لتلافي دفاع شركة التأمين الخاص برفع الدعوى قبل الأوان، بعدها طلبت الأخيرة رفض الدعوى، تأسيساً على مخالفة شروط الوثيقة، وبالأخص البند رقم 6 من الشروط العامة[4]، للوثيقة الموحدة لتأمين المركبات ، والذي ينص: على أنَّه لا يجوز للمؤمَّن له، ولا من ينوب عنه، تقديم أي إقرار بالمسؤولية أو عرضٍ أو وعدٍ أو دفعِ مبلغٍ بدون موافقة الشركة الكتابية، ويحقُّ للشركة في أي وقتٍ، إذا رأت ذلك أن تتولى الدفاع، وأن تباشر الدعوى باسم المؤمَّن له بخصوص أي مطالبة قد تسأل عنها الشركة بموجب هذه الوثيقة([5]).

وهذا البند الوارد في وثيقة التأمين يجد صداه في قانون المعاملات المدنية لدولة الامارات العربية المتحدة، إذ تنص المادة 1029 على الآتي :

” 1- يجوز الاتفاق على إعفاء المؤمن من الضمان إذا دفع المستفيد ضمانا ً للمتضرر دون رضاء المؤمن .

2- ولا يجوز التمسك بهذا الإتفاق إذا ثبت أن دفع الضمان كان في صالح المؤمن “

 

ليس ذلك فحسب بل إنَّ المدعي لم يبادر بالسداد إلاَّ بعد مُضي أكثر من ( 3 ) سنوات على وقوع الحادث، وعلم المتضرر به، بل وإنَّه لم يقمْ بالسداد إلاَّ بعد أن كررت المدعى عليها دفعها بالجهالة الفاحشة التي تشوب الدعوى ورفعها قبل الأوان، لعدم السداد من جهة المدعي للمضرور، بمعنى أنَّ المدعي سدد المبلغ بعد مضي مدة التقادم التي قررها القانون وأنَّ دعواه في بدايتها كانت مرفوعة قبل الأوان. وبهذا فإنَّ المدعى عليها تمسكت بالتقادم اضافة الى أنَّ تسديد المدعي للبلدية جاء مخالفاً لشروط وثيقة التأمين الموحدة للمركبات، والمتضمنة منع المؤمَّن له من التصرف بدفع قيمة الاضرار قبل الرجوع لشركة التأمين. وبخلافه يكون المدعي قد فوّت فرصة الدفاع على المدعى عليها عما هي ملتزمة به قبل الغير، وحرمها من الذود عن تلك المطالبة بالطرق المقررة شرعاً وقانوناً، سيَّما وإنَّ المادة رقم 1036 من قانون المعاملات المدنية الاماراتي تنص صراحةً على أنَّه :

” لا تسمع الدعوى الناشئة عن عقد التأمين بعد انقضاء ( 3 ) سنوات على وقوع الواقعة التي تولدت عنها او على علم ذي المصلحة بوقوعها ” 

وحيث أنَّ المدعي لم يقم بالسداد إلاّ في1/6/2003 أي بعد مرور أكثر من (3) سنوات على الواقعة وإنَّه سارع بسداد المبلغ للبلدية أثناء نظر الدعوى في بادرة منه للرد على دفاع المدعى عليها بطلب رفض الدعوى لخلوِّها مما يفيد سداده لمبلغ المطالبة حتى يكون له الحق من بعد ذلك في الرجوع على المدعى عليها وهو ما يؤكد قصد المدعي في التصرف منفرداً، خلافاً لأحكام وثيقة التأمين، وبقصد حرمان شركة التأمين من حقها في الرد على أية مطالبة توجه لها من المضرور.

وبالنظر إلى جميع هذه الموجبات انتهت محكمة أول درجة، إلى رفض الدعوى أخذاً بدفاع المدعى عليها ” شركة التأمين ” آنف البيان.

ولم يرتض المدعي قضاء محكمة أول درجة، فطعن عليه استئنافاً، وطلب إلغاء الحكم المستأنف والقضاء له بطلباته أمام محكمة أول درجة، وقد كررت شركة التأمين دفاعها نفسه أمام محكمة الاستئناف، بعد ذلك قررت المحكمة حجز الاستئناف للحكم، لتصدر حكمها بإلزام شركة التأمين بأداء المبلغ المطالب به، تأسيساً على أنَّ الثابت بأوراق الدعوى، إنَّ المستأنف ضدها مؤمنة على المركبة مرتكبة الحادث وهي تسأل قانوناً عن تعويض المضرور عن الأضرار المادية كافة من جرّاء الحادث. وحيث إنَّ المستأنف ضدها، لم تناقش قيمة إصلاح المركبة المطالب بها من المستأنف والتي قام بسدادها للمضرورة (البلدية) وهذا المبلغ ثابت بكتاب البلدية لإدارة الترخيص والمرور، وبالتالي فإنَّ شركة التأمين ملزمة بتحمله.

أما عن دفع شركة التأمين بأنَّ وثيقة التأمين تحظر على المؤمَّن له دفع أي مبلغ للغير دون موافقة الشركة المؤمنة، فإنَّ هذا الدفع مردود لأنَّ التعويض الذي قام المستأنف بسداده للبلدية مؤيد بإيصال رسمي، فضلاً عن إنَّ شرطة المرور أجبرت المستأنف على سداد التعويض الذي قدرته الجهة المضرورة، ولم يكن أمامه من سبيل للمنازعة أو التقدير عند سداده لهذا المبلغ، ومن هنا فلا موجب لتمسك المستأنف ضدها (شركة التأمين) بالشرط الوارد بوثيقة التأمين والذي منع المؤمَّن لهم من الدفع للغير، وكذلك الحال بالنسبة لدفع شركة التأمين بعدم سماع الدعوى لانقضاء ( 3 ) سنوات على حدوث الواقعة طبقاً للمادة 1036 من قانون المعاملات المدنية فإنَّ هذا الدفع مردود لأن المستأنف أقام دعواه قبل انقضاء السنوات الثلاث على وقوع الحادث وبالتالي فلا مجال للدفع بالتقادم، ومن هنا انتهت محكمة الاستئناف الى إلزام المستأنف ضدها شركة التأمين بالمبلغ المطالب به.

إزاء ذلك طعنت شركة التأمين على هذا الحكم تأسيساً على إنَّه لا يجوز للمؤمَّن له دفع التعويض للمتضرر من تلقاء نفسه، كما ويشترط في المطالبة، أن تتم قبل اكتمال مدة التقادم المانع من سماع الدعوى لأن للمؤمن الحق في استعمال الدفوع المتاحة كافة للمؤمَّن له ومنها الدفع بالتقادم، وفي هذه القضية لم تتحقق المطالبة من الجهة المتضررة ( البلدية ) للمؤمَّن له، ولم يحصل المطعون ضده ( المدعي ) على موافقة شركة التأمين، ولم يتم تفويضه في الإقرار بالمسؤولية أو بمقدار التعويض، وفوق ذلك كله قام المطعون ضده بسداد المبلغ لجهة البلدية بعد انقضاء مدة التقادم، الأمر الذي تكون معه المطالبة بهذا التعويض أمام القضاء مردودة، لتقادمها وفق حكم المادة 1036 من قانون المعاملات المدنية النافذ في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد سبق وأن طبق حكم محكمة أول درجة هذا التوجه إلاّ إنَّ محكمة الاستئناف  انتهت في رأيها وتحليلها القانوني إلى أنَّ إلزام الطاعنة ( شركة التأمين ) رغم إنَّ المؤمَّن له دفع التعويض من تلقاء نفسه، وبعد مرور مدة التقادم، مضافاً إلى لذلك كله فإنَّ الحكم الاستئنافي لم يطبق شرط عقد التأمين الذي يحظر دفع اي مبلغ للغير دون موافقة الشركة المؤمنة، ذاهبا إلى أن شرطة المرور أجبرت المطعون ضده (المؤمَّن له) لسداد المبلغ للجهة المتضررة ( البلدية ) ، رغم اننا نرى ان ذمّة المؤمَّن له مشغولة مدنياً، وإذا نازع المدَّعي في سداد ما في ذمته، لا يمكن إجباره إلاَّ من خلال القضاء المدني، وله أن يقدم دفوعه أمام ذلك القضاء. وفي قضيتنا هذه فإنَّ هنالك دفع جوهري يرتبط بالتقادم المانع من سماع الدعوى لمضي المدة، كما وإنَّه لا يجوز تعاقدياً ” طبقاً لشروط وثيقة التأمين ” أن يتم تعويض الجهة المتضررة دون علم وإذن الجهة المؤمَّن لديها، لأنَّ الغرض من علمها وإذنها: هو ممارسة حقها القانوني في اثارة الدفوع كافة التي كانت متاحة للمؤمَّن له قبل الغير، وذلك في سبيل منحها الفرصة الكافية لدرء مسؤوليتها ـ كلياً أو جزئياً ـ أو لمنحها الحق في مناقشة تكاليف الإصلاح ومقداره.

أمَّا بشأن التقادم وقول محكمة الاستئناف بأنَّه دفعٌ مردودٌ، لأنَّ المؤمَّن له أقام دعواه قبل انقضاء السنوات الثلاث على وقوع الحادث، ولا مجال للدفع بالتقادم، فإن هذا الجانب يمكن مناقشته من الناحية الفقهية باعتبار أنَّ المؤمَّن له أقام دعوى الرجوع على المؤمن قبل انقضاء مدة التقادم، بينما دفاع شركة التأمين ينصُّب على تقادم دعوى المضرور ( دعوى المسؤولية التقصيرية ) تجاه شركة التأمين وتجاه المتسبب، وهذا التقادم لا ينقطع بدعوى الرجوع التي يقيمها المتسبب تجاه مؤمنه. وإنَّ القرار الوزاري رقم 54 لسنة 87 بشأن وثائق تأمين السيارات أقرَّ فكرة مبدأ التقادم وأكَّده ، إذ جاء في البند (13) من وثيقة تأمين سيارة ضد المسؤولية المدنية ما يلي :

( لا تسمع الدعاوى الناشئة عن هذه الوثيقة بعد انقضاء ثلاث سنوات على حدوث الواقعة التي تولدت عنها أو على علم ذوي المصلحة بوقوعها ) ما يدل على أنَّ دعوى المدعي متقادمة سنداً لذلك أيضاً.

وبهذا الشأن يقول العلامة السنهوري([6]) ما نصه :

( إنَّ الدعوى المباشرة التي يرفعها المضرور في حادث من حوادث السيارات على المؤمن تتقادم بثلاث سنوات، وهي مدة التقادم الخاصة بدعاوى المادة تحت التأمين المنصوص لها في المادة 752 من القانون المدني، وتسري هذه المادة من وقت وقوع الحادث، أي أنَّ سريانها يبدأ قبل بدء سريان دعوى المؤمَّن له قبل المؤمن بموجب عقد التأمين، لأنَّ هذه الدعوى الأخيرة لا تبدأ سريان التقادم فيها إلاّ في وقت مطالبة المضرور للمؤمَّن له بالتعويض، أي في وقت لاحق لوقوع الحادث، ويترتب على ذلك أنَّ الدعوى المباشرة تتقادم قبل أن تتقادم دعوى المؤمَّن له قبل المؤمِّن ).

ومسؤولية شركة التأمين تنتظمها المادتان 1034 و1036 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي، اما مسؤولية مسبب الحادث، فتنظمها المادة ( 298 ) من قانون المعاملات المدنية التي نصت: على ” 1-  لا تسمع دعوى الضمان الناشئة عن الفعل الضار بعد انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالمسؤول عنه “.

بمعنى إنَّ دعوى المضرور تجاه شركة التأمين أو تجاه المتسبب هي المتقادمة، وإنَّ هذا التقادم لا ينقطع بالدعوى التي يرفعها المؤمَّن له ” المتسبب ” ضد شركة التأمين المسؤولة عن فعله.

ولدى نظر الموضوع من قبل المحكمة الاتحادية العليا ، في موضوعه فإنَّها قررت الآتي :

” حيث إنَّ من المقرر أنَّ الطعن حق شخصي للمحكوم وحده، يستعمله أو يدعه بحسب ما يتراءى له من المصلحة، وليس لأحدٍ أن ينوبَ عنه في هذا الحق إلاّ بإذنه بموجب توكيل خاص أو عام، يجيز الطعن بهذا الطريق، لذا يجب على المحامي رافع الطعن أن يودع مع صحيفته علاوة على سند وكالته عن موكله، سند وكالة هذا الأخير عن الطاعن للوقوف على نطاقها، وما إذا كانت تخوِّله حق توكيل محام نيابة عنه في رفع الطعن من عدمه ، وإلاّ كان الطعن غير مقبول…”.

وعلى أساس ذلك قضت المحكمة العليا: بعدم قبول الطعن وألزمت الطاعنة الرسوم والمصاريف.

وكان بودِّنا أن نرى توجه المحكمة العليا في موضوع النزاع ورأيها في ترجيح أي من الوجهتين الفقهيتين لكن المحكمة العليا انتهت إلى عدم قبول الطعن تأسيساً على أنَّ المحامي قدم وكالته عن الموكل ” مدير عام الطاعنة ” ولم يقدم الوكالة الممنوحة للموكل من قبل الشركة الطاعنة.

ووفقاً لتوجه المحكمة العليا فانه ينبغي التنويه الى ضرورة تقديم السلسلة الكاملة التي خولت المحامي صلاحيات الطعن. فمثلاً بالنسبة للشركات المساهمة فإنَّ المحامي يلتزم بتقديم الوكالة الممنوحة له من قبل المدير العام وهو ملزم بتقديم الوكالة التي منحت للمدير العام، من قبل رئيس مجلس الإدارة فضلاً عن تقديمه للوكالة الخاصة بتفويض رئيس مجلس الادارة والممنوحة له من قبل الجمعية العمومية وبكلمة موجزة فان الامر يستلزم تقديم السلسلة الكاملة للتوكيلات .

 

صفوة القول :

يتضح من خلال البحث جملة من الأمور نوجزها في هذه الخاتمة بالاتي :

 

اولا : ان شرط عدم الاعتراف او الاقرار بالمسئولية هو شرط يقصد منه حماية مصلحة مشروعة وقد اجازه القانون في دولة الامارات العربية المتحدة .

ثانيا : ان جزاء مخالفة المؤمن له لهذا الشرط تتمثل بفقده لحقه في التعويض في مواجهة شركة التأمين وقد نبهنا الى ان فقد الحق لا يمثل سقوط له انما هو نوع من انواع عدم الاحتجاج بالاقرار الصادر من المؤمن له في مواجهة شركة التأمين وقد اوضحنا الفرق بين سقوط الحق وبين عدم الاحتجاج في ثنايا هذا البحث.

ثالثا : لاهمية شرط عدم الاعتراف بالمسئولية واثره على تنفيذ شركةَ التأمين لالتزاماتها فاننا نشدد على ضرورة تنبيه المؤمن له الى هذا الشرط حتى بعد حصول الحادث ويفضل ان يتم التنويه والتنبيه كتابة حيث يتعهد المؤمن له بعدم تقديم أي اقرار وان يلتزم بشروط الوثيقة وعلى الاخص الشرط الخاص بحظر الاعتراف.

رابعا  : سردنا  اثناء بحثنا الحالات التي تدفع المؤمن له الى الاعتراف او الاقرار بالمسئولية ومنها عدم الوعي بخطورة هذا الاقرار او الجهل بالمفاهيم القانونية وهذه الامور ينبغي معالجتها بنشر الوعي التأميني والثقافة القانونية لجمهور المؤمن لهم.

واشرنا كذلك الى ان الاعتراف او الاقرار قد ينبثق بسبب التسرع او الرغبة في حسم الدعوى او انه يصدر بدافع الشفقة على المصاب او لاسباب نفسية وكذلك اشرنا الى ان الاقرار يصدر بدافع التواطؤ بين المؤمن له والمضرور وفي هذا الخصوص اكدنا على جملة من الحلول لمجابهة مثل هذه الحالات منها الكشف على المركبات وطلب وصف الحادث وتدخل شركة التأمين باعتبارها المسئولة عن فعل المتسبب في الدعوى الجزائية فاذا لم تنفع جميع هذه الحلول قلنا بضرورة توجيه اليمين الى المؤمن له والمضرور وتحليفهم سواء امام القضاء او حتى قبل طرح النزاع امام المحكمة.

خامسا : اشرنا في هذا البحث الى ان نص الوثيقة الموحّدة يحظر على المؤمَّن له تقديم أي إقرار بالمسؤولية ولا توجد أي إشارةٍ في وثيقة تأمين المركبات لحظر اعتراف المؤمن له بالمسؤولية، واقترحنا تعديل هذا البند ليقرأ كما يلي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرار أو اعتراف بالمسؤولية …. ”  وعلة ذلك : هي أنَّ مصطلح الإقرار في لغة القانون ينصبُّ على المسائل المدنية دون الجزائية وإنَّ الإعتراف ينصبُّ على المسائل الجزائية دون المدنية، وحظر الإقرار لا يعني حظر الإعتراف ولا يغني عنه ، بل ولا يمكن ـ في رأينا ـ الاحتجاج في مواجهة المؤمَّن له إذا ما اعترف بالتهم المنسوبةِ إليه لأنَّ النصَّ الحاليَّ يقيِّده في مسألة الإقرار بالمسائل المدنية دون وجود أي إشارة للمسائل الجزائية . ومن هنا اكدنا على اهميَّة معالجةِ نص الوثيقة الحالي.

 

سادسا : وفي اثناء مناقشتنا لشرط عدم اعتراف المؤمن له بالمسئولية اشرنا الى ضرورة ادراج هذا الشرط في جميع وثائق تأمين المسئولية من مثل تأمين إصابات العمال ومسؤولية رب العمل:

 ”  Workmen’s Compensation Policy & Employer’s Liability Policy”  وذلك كله أسوة بالوثائق التي تغطّي المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات.

 

سابعا : في الختام ينبغي التنويه الى اهمية استيفاء الاجراءات الاصولية الخاصة بالتوكيلات خصوصا امام المحاكم العليا ، فكما راينا في القضية التي تعرّضنا لها ، فان توجه المحكمة العليا انتهت الى عدم قبول الطعن تأسيسا على ان المحامي المترافع قدم وكالته من المدير العام ولم يقدم وكالة المدير العام من الجهة التي خولته مما يستتبع عدم قبول الطعن ، ومن هنا نشدد على اهمية الانتباه لهذه المسألة سعيا لتلافي صدور احكام برفض الطعن في قضايا متشابهة.

 

آمل أن يجد القارئ فائدة في هذه الدراسة ، وأن يكون إسهاماً يسيراً في المجال الذي تصدينا له.

 

الباحث /المحامي

ليث عبد الامير الصباغ / ماجستير في القانون التجاري

مدير الدائرة القانونية ودائرة السيارات في شركة الوثبة الوطنية للتأمين

 


[1]  نرى ضرورة التنويه إلى أنَّ نص الوثيقة الموحّدة يحظر على المؤمَّن له تقديم أي إقرار بالمسؤولية ولا توجد أي إشارةٍ في وثيقة تأمين المركبات  لحظر اعتراف المؤمن له بالمسؤولية، ونحن نقترح تعديل هذا البند ليقرأ كما يلي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرار أو اعتراف بالمسؤولية …. ”  وعلة ذلك : هي أنَّ مصطلح الإقرار في لغة القانون ينصبُّ على المسائل المدنية دون الجزائية وإنَّ الإعتراف ينصبُّ على المسائل الجزائية دون المدنية، وحظر الإقرار لا يعني حظر الإعتراف ولا يمكن ـ في رأينا ـ الاحتجاج في مواجهة المؤمَّن له إذا ما اعترف بالتهم المنسوبةِ إليه لأنَّ النصَّ الحاليَّ يقيِّده في مسألة الإقرار بالمسائل المدنية دون وجود أي إشارة للمسائل الجزائية . ومن هنا نرى اهميَّة معالجةِ نص الوثيقة .

[2]  أغلب هذه الوثائق لا تتضمن شرط حظر إقرار المتسبب أو ربّ العمل بالمسؤولية ، رغم اننا نرى ضرورة إيراد هذا الشرط في تلك الوثائق، أسوة بالوثائق التي تغطّي المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات.

 

[3]  ينبغي التنويه إلى إنَّ ظرف عدم تلامس مركبة المتسبب بمركبة المضرور لا يعني ـ في جميع الأحوال ـ عدم نشوء المسؤولية وهو لا يعني ـ دائماً ـ بأنَّ هنالك تواطؤٌ بين المضرور والمؤمَّن له ، إلاّ أننا نقول أنَّ عدم التلامس هو أحدُ القرائن التي يستدل بها على هذا الشيء سيَّما إذا تساندت هذه القرينةُ مع قرائن ودلائلَ أخرى.

 

[4]  من هنا ترتبط هذه القضية بموضوع بحثنا الخاص باقرار المؤمن له بالمسئولية حيث ان المؤمن له في هذه القضية بادر الى الصلح مع المضرور دون اخطار شركة التأمين.

 [5] أنَّ من شأن إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية الإضرار بمصالحة شركة التأمين باعتبارها هي التي ستتحمل في النهاية ما يقتضى به من تعويض. ومن هنا جاءت مواجهة شركات التأمين لمثل هذه الأحوال بشرط واضح وصريح تمنع من خلاله المؤمَّن له من الإقرار أو التصالح دون موافقتها الكتابية.

[6]  الوسيط في شرح القانون المدني / الجزء السابع ص 1688 .

Specification of Vehicle Usage & Insurance Indemnity

قضية في الميزان

دراسة في ضوء احكام القضاء حول خصوصية استخدام المركبة وعدم استخدامها خلافا للغرض المخصص لها

 

 

ليث الصباغ

باحث قانوني/ماجستير في القانون الخاص

 

 

نهدف من وراء تسطير هذه الدراسة مناقشة التوجه القضائي حول خصوصية استخدام المركبة اضافة الى بعض المفاهيم والمبادئ التأمينية من خلال استعراض التوجه القضائي حولها.  وقد اخترنا لذلك قضية نظرت فيها محكمة الاستئناف بعد ان عُرضت على محكمة أول درجة، ومن قبلها تم الاستعانة بالخبرة الفنية، فتباينت فيها وجهات كل من هاتين المحكمتين.  وهذا ما يحملنا على تسجيل تفاصيل هذه القضية في كل من هذه المراحل لتلمس أوجه التباين في الأحكام أو التسبيبات وتمكننا من مناقشتها والتعليق عليها وكما يلي:

 

تتلخص الوقائع في ان المدعي رفع دعواه ضد شركة التأمين على سند من قوله ان السيارة المؤمنة لدى المدعى عليها ” شركة التأمين ” ارتكبت حادثا إبان قيادتها من قبل شخص مرخص له في قيادة المركبة، وجاءت نتيجته وفاة شخص وإصابة آخر مع إضرار مادية أخرى.  وقد قام المدعي بسداد الديه.  رفضت شركة التأمين ” المدعى عليها ” تعويضه للمبالغ التي دفعها متمثلة في سداد الديه وقيمة السيارة سيما وان التأمين كان شاملا للتغطية.

 

وإزاء ذلك قضت محكمة أول درجة بإحالة القضية للخبرة الهندسية وحددت مهمة الخبير ببيان قيمة المركبة وقت حصول الحادث.  وقد خلص تقرير الخبير الهندسي إلى ان قيمة المركبة المتضررة هي 80 ألف درهم عند حصول الواقعة.  وعلى أساس ذلك انتهت محكمة أول درجة إلى إلزام شركة التأمين بمبلغ 270 ألف درهم باعتبار ان الديه 200 ألف درهم درهم سبق وان دفعها المدعي وعلى سند ان مركبته مؤمن عليها لدى المدعى عليها وقيمتها عند حصول الحادث هي 80 ألف درهم بيد ان المحكمة مقيدة بطلبات المدعي الذي لم يطلب إلا 70 ألف درهم كتعويض عن أضرار مركبته.

 

لكن شركة التأمين المحكوم ضدها ابتدائيا لم ترتضي هذا الحكم مما حثها لاستئنافه سندا لجملة من الأسباب نذكرها تفصيلا مع بيان توجه محكمة الاستئناف إزاء كل منها وكما يلي:

 

أولا : الثابت ان العلاقة بين شركة التأمين والمدعي تحكمها وثيقة التأمين وبالتالي فان من حق المؤمن ان يحتج بكافة شروط وأحكام وثيقة التأمين في مواجهة المؤمن له (المدعي)، ومن ثم فان وثيقة التأمين، بما تحويه من مسئولية والتزامات أطرافها، يمكن الاحتجاج بها ما لم تكن مخالفة للنظام العام أو القانون أو كانت  تعسفية مجافيه للعدل والمنطق.  وكان على محكمة أول درجة ان تنظر في وثيقة التأمين بشروطها وأحكامها سيما وان مبلغ التأمين للمركبة محدد بـ70 ألف درهم ولا يجوز بأي الأحوال ان تلتزم شركة التأمين بسداد ما يجاوز مبلغ التأمين المحدد بالوثيقة، حتى لو طالب المدعي بأكثر منه أو حتى لو كانت قيمة المركبة، الحقيقة، اكبر من القيمة التأمينية.  وبكلمة موجزة فان شركة التأمين تدفع اقل البدلين بين قيمة المركبة الحقيقية وبين قيمتها التأمينية، وبالتالي فان أول ما يؤخذ على الحكم الابتدائي تسبيبه المعيب فيما يتعلق بهذا الشق، ولعله لم يفرق بين علاقة شركة التأمين بالمؤمن لديها عن علاقتها بالمضرور سيما وان الحكم الابتدائي حجب نفسه تماما عن وثيقة التأمين وشروطها وسوف نأتي على بيان ذلك وتفصيله لاحقا.

 

ثانيا : يعد سببا جوهريا من أسباب الاستئناف الذي قدمته شركة التأمين هو ان المستأنف ضده، المؤمن لديها، خالف شروط وثيقة التأمين المبرمة وذلك عندما قام باستخدام السيارة المؤمن عليها في غير الغرض المخصص لها.  وقد تمسكت شركة التأمين بهذا الدفع أمام محكمة أول درجة بيد ان الحكم المستأنف لم يناقش هذا الطلب مما شابه بالقصور والبطلان فالثابت، كما سبق وان اشرنا، ان العلاقة بين المستأنفة والمستأنف ضده تحكمها وثيقة التأمين الصادرة من المستأنفة، شركة التأمين، بشروطها وأحكامها وبالتالي فان من حق المستأنفة ان تحتج بكافة شروط وأحكام وثيقة التأمين في مواجهة المستأنف ضده باعتباره المؤمن لديها.

 

وقد قدمت المستأنفة عقد التأمين للمؤمن لديها طبقا لوثيقة التأمين الموحدة ضد المسؤولية المدنية من حوادث السيارات الصادرة بموجب القرار الوزاري رقم 54 لسنة 1987 وقد استخدم المستأنف ضده، المؤمن له، هذه الوثيقة وقام بترخيص مركبته بموجبها، وركن إليها في دعواه فهي حجة عليه وموقعة منه وهو على علم بجميع شروطها وأحكامها.  والوثيقة لا تتضمن أي شرط تعسفي إطلاقا إنما جاءت شروطها مطابقة تماما لنصوص الوثيقة الموحدة.  فجدول وثيقة التأمين ينص بصراحة على ان الغرض من ترخيص المركبة هو ( خصوصي ) وان استخدام المركبة مقيد بشرط واضح وصريح في جدول الوثيقة وهو ينص على انه: يجب على المؤمن له إلا يستعمل السيارة إلا للغرض المرخص من اجله وهو الاستخدام الخاص.  وبالرغم من ذلك، كله، كتم المؤمن له حقيقة جوهرية عند إبرام عقد التأمين ولم يصرح عند التعاقد معه بحقيقة استخدام مركبته وغرضها ولم يذكر فيه إطلاقا بأنه سوف يستخدمها للتأجير ولنقل الأفواج السياحية وهو استخدام يزيد من شدة الخطر التأميني، ولطالما تتجنب شركات التأمين تغطية المركبات التي تستخدم لأغراض التأجير أو التاكسي أو نقل الأفواج السياحية.  وإذا ما قررت قبول تغطية هذه المركبات فإنها لن تقبل إلا بأخذ قسط عالي يفوق، بكثير، القسط المفروض بالنسبة لاستخدام المركبة المعدة للاستخدام الشخصي.  ومرد ذلك وسببه ان معدل الحوادث أعلى والاستخدام أكثر وبالجملة فان طبيعة الخطر التأميني تختلف كليا عن طبيعة الخطر بالنسبة للمركبة المرخصة للاستخدام الشخصي.

 

وإعمالا لشروط عقد التأمين المبرم فان المؤمن له خرج من منطقة التعاقد واخل بشروط العقد حيث سمح باستعمال السيارة في غير الغرض المخصص لها، بان قام بنقل فوج سياحي مقابل اجر وهذا ما اقر به سائق السيارة في التحقيقات والشهود من السياح المصابين في الحادث.  واستخدام المركبة، خلافا للغرض المخصص لها، لم يتعارض مع جدول الوثيقة فقط إنما هو يتعارض أيضا مع الشروط العامة لوثيقة التأمين الموحدة إذ جاء في البند الرابع من الشروط العامة ما نصه: “يجب على المؤمن له ان يظل المالك الوحيد والمطلق للسيارة المؤمن عليها طوال سريان هذا العقد، ويتعين عليه الا يبرم أي اتفاق عن تأجيرها للغير والا يوقع على أي عقد من شأنه ان يقيد مطلق ملكيته وحيازته للسيارة دون ان يحصل سلفا على موافقة كتابية من الشركة بذلك.”  وكذلك نص البند العاشر من الشروط العامة على الآتي: “يعتبر شرطا أساسيا لالتزام الشركة بدفع أي مبلغ مستحق عليها بموجب هذه الوثيقة أن يوفي المؤمن له وفاء كاملا بما توجبه شروط هذه الوثيقة من القيام بعمل أو الامتناع عن العمل ويعتبر كذلك شرطا أساسيا لالتزام الشركة صحة البيانات والإقرارات الصادرة من المؤمن له في طلب التأمين المقدم منه.”

 

ورغم ذلك كله فقد خالف المستأنف ضده جميع هذه الشروط وسمح باستخدام المركبة خلافا للغرض المرخص لها وقام بنقل فوج سياحي مقابل اجر.  إضافة إلى انه لم يقدم البيانات التي تمكن المستأنفة من تقدير الخطر، وكتم حقائق جوهرية تتعلق بالأغراض التي تستعمل فيها المركبة، وذلك كله خلافا لشروط وثيقة التأمين.  وهذه الوثيقة موقعة من المؤمن له وقد قام بترخيص مركبته بموجبها واستند إليها في دعواه.  وفوق ذلك كله فان وثيقة التأمين صادرة طبقا للنموذج الوزاري الموحد ولم تُضمّنها شركة التأمين أي شرط تعسفي، كما ان قانون السير نصَّ في المادة 146 من اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995 في شأن السير والمرور على الآتي:”يجب ان تكون وثائق التأمين على السيارات الصادرة عن شركات التأمين المرخصة في دولة الإمارات العربية المتحدة مطابقة للنموذج المعتمد من الجهة المختصة”

 

وقد رفضت محكمة الاستئناف هذا الدفع على أساس نص المادة 1028 فقره هـ من قانون المعاملات المدنية الإماراتي والتي تتضمن بطلان أي شرط تعسفي يتبين انه لم يكن لمخالفته اثر في وقوع الحادث المؤمن منه الأمر الذي تنتهي المحكمة فيه إلى تأييد الحكم واثبات عدم سقوط الحق في التأمين .

 

وفي الحقيقة فان رد محكمة الاستئناف يستدعي التأمل ويلزم مناقشته بكثير من الدقة والعناية وطبقا للاتي:

 

الإشكالية الاولى : هي خلط محكمة الاستئناف بين فكرة سقوط الحق التي تنتظمها المادة 1028 من قانون المعاملات المدنية وبين فكرة عدم التأمين.  فالتعريف الفقهي للسقوط هو انه: وسيلة أو دفع ، يسمح للمؤمن رغم تحقق الخطر المضمون بالعقد ان يرفض تنفيذ الضمان بسبب عدم تنفيذ المؤمن له لأحد الالتزامات التي يفرضها عليه العقد في حالة وقوع الكارثة.  فالسقوط في مجال التأمين لا يتناسب ـ إطلاقا ـ بين ما يعود على المؤمن وما يلحقه من ضرر من جراء إخلال المؤمن له بالتزامه، الأمر الذي يخلع على هذا الجزاء وصف العقوبة الخاصة.  وبطبيعة الحال يجب ان يكون الخطر الذي تحقق يدخل، ابتداءً، في إطار التغطية التأمينية ولكن نتيجة الاخلال فان التغطية التأمينية سوف تنحسر عنه.  وفي المقابل فان فكرة عدم التأمين تنبثق من أحقية شركات التأمين في تحديد منطقة التعاقد التي تريد ان تغطيها بموجب وثيقة التأمين فالمؤمن لا يقبل ـ من الناحية العملية ـ أي خطر يعرض عليه إنما يجب ان يستجيب الخطر التأميني لأسس فنية لا يمكن بدونها لشركة التأمين قبول التغطية.  وعلى هذا الأساس تستبعد الشركات من إطار الضمان ما لا يستجيب من الأخطار لهذه الأسس، وذلك إما بشكل مباشر، حين تُخرج من إطار الضمان صراحة بعض الأخطار، أو بشكل غير مباشر حين تحدد أوصافا للخطر الذي تقبل تغطيته، بمعنى ان الخطر الذي لا يستجيب لهذه الأوصاف سوف يخرج من إطار الضمان وسوف يقال بأننا إزاء حالة عدم تأمين.  وهي تختلف كليا عن نظام سقوط الحق في التأمين رغم ان النتيجة النهائية هي واحدة وهي ان المؤمن له لن يحصل على العوض بعد تحقق الكارثة.

 

فما السقوط إلا جزاء يواجه به المؤمن خطأ عقديا من جانب المؤمن له فيؤدي به إلى حرمانه مما كان يمكن ان يستحقه من ضمان لولا هذا الخطأ بينما عدم التأمين ليس يعني أكثر من ان الكارثة التي تحققت ليست هي التي قصد المؤمن ان يغطيها بقطع النظر عن أي خطأ من جانب المؤمن له، فحق المؤمن له لا ينشأ من حيث الأصل حتى لو أوفى المؤمن له بكل ما تفرضه عليه الوثيقة.  ومع وضوح الفارق بين الفكرتين فاننا نجد ان محكمة الاستئناف في هذه القضية تخلط بين مفهوم السقوط وبين مفهوم عدم التأمين ونجدها تستخدم لفظ سقوط الحق بدلا من عدم التأمين خصوصا وان المؤمن له بإقدامه على نقل فوج سياحي أو بارتباطه وتعامله بشركة سياحية يكون قد خرج من منطقة الضمان العقدي والتي تتحدد باستخدام المركبة للغرض الخصوصي.  ان شركات التأمين تنظر للسيارة ـ عندما تستخدم خلافا للغرض المحدد لها ـ بحسبانها خطرا مختلفا تماما عما قصدت ان تضمنه، خطرا درجة احتمال تحققه اكبر لان المركبة التي تستخدم للتأجير أو نقل الأفواج السياحية لا تقارن بالمركبة الخاصة بل وان التغطية الممنوحة للمركبة الخاصة تختلف عن التغطية التي يفترض منحها لمركبات التأجير وكذلك القسط، إضافة إلى اختلاف التحمل الذي يقع على عاتق المؤمن له، وان هذه الخطورة الزائدة في طبيعة الخطر هي التي لا تقبل شركة التأمين تغطيتها.  ومن هنا جاءت النتيجة التي انتهت إليها محكمة الاستئناف من إلزام شركة التأمين على أساس إثبات عدم سقوط الحق متناقضة سيما وان الحق لم ينشأ أصلا حتى يسقط لان الخطر ـ بكل بساطة ـ يقع خارج منطقة التعاقد، وكان بإمكان المؤمن له إدخاله ضمن حدود التغطية التأمينية لو انه صرح بالغرض الحقيقي لاستخدام المركبة ووجب عليه عندها دفع القسط المناسب لهذا الخطر.

 

ولو سلمنا، فرضا، بالنتيجة التي انتهى إليها قضاء محكمة الاستئناف لترتب على ذلك تغطية أي حادث نتج عن استخدام المركبات الخاصة بنشاط التأجير، وان المؤمن له سوف يفضل التستر على حقيقية استخدامه للمركبة طالما ان عدم الافصاح لن يؤثر على مبلغ الضمان وطالما ان عدم الافصاح سوف يوفر عليه مبالغ إضافية تتمثل بفرق قسط التأجير عن قسط المركبة الخاصة.  وبدهي ان ذلك يتعارض كليا مع مفهوم نظام التأمين الذي يقوم على فكرة التعاون بين مجمل المؤمن لهم، هذا الجمع الذي يجب ان تتضافر جهود جميع أفراده لتحقيق الحماية الفاعلة لتعاون الجميع، بل ويجب ان يلتزم كل فرد أقصى درجات الحيطة والحذر والأمانة لان الغش لا يمس شركة التأمين إنما يمس مجموع المؤمن لهم، ولذلك يقال بان التأمين من ابرز عقود حسن النية وينبغي عدم التساهل مع كل من يغش هذا التعاون أو لا يلتزم أقصى درجات الحذر والدقة في تنفيذ التزاماته أو التصريح عن حقيقة نشاطه.

 

وترتيبا على ذلك فاننا نلاحظ صعوبة إطلاق لفظ السقوط على عواهنه بهذا الشكل لان الإطلاق المتحرر يؤدي إلى وقوع الكثير من الأخطاء.  فكثيرا ما تحتوي الوثائق على بعض التعليمات أو القيود التي تتضمن القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.  ولا يمكن ان نضع الجزاء في جميع هذه الحالات في إطار سقوط الحق سيما وان ابسط ما يشترط لإعمال شرط السقوط هو الوضوح الموضوعي والشكلي بحيث يكون الشرط قاطعا، في الدلالة وفي الشكل، على رغبة المؤمن من حرمان المؤمن له من حقه في الضمان.  وبتطبيق ذلك على قضيتنا موضوع الدراسة فاننا نلاحظ ان الشرط المذكور في جدول الوثيقة يحدد استخدام المركبة للغرض المخصص لها وهو الاستخدام الخصوصي وأي استخدام آخر فانه يخرج عن التغطية التأمينية بحيث ان الحق لا ينشأ من حيث الأصل، وبالتالي فلا يصح القول بسقوطه وان المادة 1028 فقره هـ التي استندت إليها محكمة الاستئناف لا تنطبق، تماما، لان هذه المادة تتعلق بسقوط الحق في الضمان بينما دفع شركة التأمين أساسه خروج التغطية من نطاق وثيقة التأمين لاستخدام المركبة خلافا للغرض المخصص له.

 

هذا وان نص م / 1028 فقرة هـ لا ينطبق حتى لو افترضنا، جدلاً، بان الأمر يتعلق بحاله من حالات السقوط ذلك ان نص المادة سالفة الذكر يتضمن بطلان أي شرط تعسفي يتبين انه لم يكن لمخالفته اثر في وقوع الحادث المؤمن منه، وان ما يحدد استخدام المركبة طبقا للغرض المخصص لها هو ليس بالشرط التعسفي انما هو قيد يقصد به حماية مصلحة مشروعة بينما فكرة التعسف في استعمال الحق تبدأ عندما تنعدم مصلحة صاحبه من هذا الاستخدام (أي انه يهدف الى الإضرار بالغير فقط) أو ان هذه المصلحة لا تتناسب البتة مع الضرر الذي يصيب الغير.  وفي هذا الفرض يبدأ المشرع بالنظر إلى المصلحة التي تعود على صاحب الحق ويقارنها بالضرر الذي يصيب الغير.  ومع ذلك فان الحكم اغفل ذلك واعتبر ان القيد المحدد للاستعمال هو شرط سقوط للحق وهو شرط تعسفي وباطل سندا لنص م / 1028 فقرة هـ سالفة الذكر.

 

والأكثر من ذلك هو ان الوثيقة بشروطها واحكامها صادرة طبقا للنموذج الوزاري، بمعنى ان شركة التأمين لم تضع هذه الشروط او القيود انما هي محددة بموجب القانون وبموجب أنظمة وزارية.  وقد ذكرت شركة التأمين في لائحتها الاستئنافية ان وثيقة التأمين صادرة طبقا للنموذج الوزاري الموحد وان قانون السير نص في المادة 146 من اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1995 في شأن السير والمرور على الآتي:”يجب ان تكون وثائق التأمين على السيارات الصادرة عن شركات التأمين المرخصة في دولة الإمارات العربية المتحدة مطابقة للنموذج المعتمد من الجهة المختصة.” بمعنى اننا أمام عقد تم الإذن به من قبل الوزارة باصدار الوثائق بموجبه.  والفقه يسمي هذا النمط بالعقد المأذون به وكل شرط أو قيد وارد فيه لم يأتي إلا لحماية مصلحة مشروعة اقرها التنظيم القانوني في الدولة، وهو ليس من صنع شركة التأمين حتى يسمى بالشرط التعسفي.

 

الإشكالية الثانية : يمكن ان نلاحظها من خلال استطراد محكمة الاستئناف في الأسباب التي ساقتها حيث جاء في حكمها بطلان أي شرط تعسفي يتبين انه لم يكن لمخالفته اثر في وقوع الحادث المؤمن منه وانه من البيّن من ملابسات الحادث الذي نجمت عنه المطالبة وعدد الأشخاص الذين استقلوا السيارة ومع افتراض مخالفة المستأنف في عدم إفصاحه باتخاذ السيارة للأجرة بيد ان ذلك في حد ذاته لم يكن سببا رئيسيا أو مباشرا أو منتجا للحادث بحسبان ان المؤمن له، والكلام لمحكمة الاستئناف، لم يُقلْ في السيارة ركابا أكثر مما جعلت السيارة له، ناهيك إلى عدم ثبوت قيام المستأنف باتخاذ التأجير في ذات السيارة عملا دائما له، وان السيارة مرخصة من جهة المرور وشركة التأمين مسؤولة في كل حالة تحدث فيها أضرار مشابهة طالما كان المضرور من الغير أو مغطى بملحق إضافي وكانت السيارة تُقل العدد المرخص به من جهة المرور والترخيص ولم يثبت قصد المؤمن له في الإضرار بها.

 

وإزاء ذلك نقول ان مسألة عدد الركاب أو ان المؤمن له لم يُقل في السيارة ركابا أكثر مما خصصت له المركبة لا علاقة لها بالموضوع إطلاقا، لان الكلام لا يدور حولها من حيث الأصل، إنما هو يتحدد حول خصوصية معينة مفادها طبيعة استخدام المركبة وعدم جواز استخدامها لإغراض التأجير لان ذلك يقع خارج نطاق التغطية التأمينية حالها من حال وقوع الحوادث خارج حدود المنطقة الجغرافية، فهل يصح ان يقال ان الحادث رغم وقوعه خارج المنطقة الجغرافية إلا ان ذلك لم يكن سببا رئيسيا أو مباشرا للحادث؟!

 

فبالطبع والتأكيد ان الحادث غير مغطى وشركة التأمين غير مسئولة عنه لأنه خارج نطاق التغطية المتفق عليها أصلا.

 

ليس ذلك فحسب بل ان تسبيب الحكم يشوبه تناقض واضح عندما يقول بأنه لم يثبت ان المركبة كانت تستخدم لأغراض التأجير بصفة دائمة ذلك ان احتراف مهنة التأجير هو غير ضروري لان المرة الواحدة التي استخدمت فيها المركبة خلافا للغرض المخصص لها، هي كافية لان تبعد المؤمن له عن الضمان المنصوص عليه في وثيقة التأمين، إضافة إلى ان عبء اثبات ان الحادث يقع ضمن التغطية التأمينية يقع على المؤمن له ” المدعي ” خصوصا وان شركة التأمين قدمت الدليل القاطع على ان المركبة تقل فوج سياحي.

 

 

ثالثا : بعد ان تطرقنا للدفع المتعلق بخصوصية استخدام المركبة يهمنا النظر في الجوانب الأخرى التي دار حولها الحكم الابتدائي والاستئنافي، فبالإضافة إلى كتمان المؤمن له لحقيقة وطبيعة الخطر التأميني واستخدامه للمركبة خلافا للغرض المرخص لها فان المؤمن له كتم وأخفى حقائق جوهرية اخرى تتعلق بقيمة المركبة المؤمن عليها وهذا الدفع ذكرته شركة التأمين أمام محكمة الاستئناف.  ورغم ذلك فلم يتم مناقشته أو الرد عليه مما يصم الحكم الاستئنافي بالقصور في التسبيب خصوصا وان شركة التأمين ذكرت ان قيمة المركبة المذكورة في طلب التأمين المقدم من المؤمن له هي ( 70.000 درهم ) بينما قيمتها الحقيقية هي (80.000 درهم).  وقد استندت شركة التأمين الى ما جاء في تقرير الخبير المنتدب من قبل محكمة أول درجة بان قيمة المركبة قبل الحادث هي (80.000 درهم )  بينما وثيقة التأمين وطلب التأمين تنص على ان قيمة المركبة هي 70.000 درهم وقد أخفى المؤمن له هذه الحقيقة في سبيل تقليل قسط التأمين الذي يفترض دفعه باعتبار ان القسط هو نسبة مئوية من قيمة المركبة.

 

والفرق بين قيمة المركبة المذكورة في وثيقة التأمين ( 70 ألف درهم ) وقيمتها الحقيقية هو بحدود 20 ألف درهم، ومرد ذلك وسببه ان قيمة المركبة وفقا لتقدير الخبير الهندسي هي 80 ألف درهم عند حصول الحادث وليس عند إبرام الوثيقة وهنالك فترة زمنية هي أكثر من ثمانية أشهر بحيث ان مدة التأمين هي من 2/8/2003 إلى 1/9/2004 وقد وقع الحادث بتاريخ 18/4/2004 أي بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على سريان الوثيقة، والخبير المنتدب قدّر قيمة المركبة لحظة الحادث بـ 80 ألف درهم.  وإتباع المنطق السليم يلزم بان تكون قيمة هذه المركبة قبل 8 شهور من الحادث أكثر من القيمة التي قدرها الخبير.

 

وبالرغم من ذلك كله فان المؤمن له امن مركبته تأمينا بخسا ولم يصرح بالقيمة الحقيقية لها سعيا لتقليل القسط المدفوع منه، وبالتالي فان عقد التأمين باطل عملا بالمادة 1032 من قانون المعاملات المدنية لسنة 1985 حيث أن المؤمن له ملزم: بان يقرر وقت إبرام العقد كل المعلومات التي يهم المؤمن معرفتها لتقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه وأن يُخطر المؤمن بما يطرأ أثناء مدة العقد من أمور تؤدي الى زيادة هذه الأخطار.

 

كما أنه من المقرر بالمادة 1033 / 1 أنه: اذا كَتَمَ المؤمن له بسوء نية أمرا أو قدم بيانا غير صحيح بصورة تقلل من أهمية الخطر المؤمن منه أو تؤدي إلى تغيير في موضوعه أو اذا أخلَّ، عن غش، بالوفاء بما تعهد به، كان للمؤمن ان يطلب فسخ العقد مع الحكم له بالأقساط المستحقة قبل هذا الطلب.

 

رابعا : ولان المركبة مؤمن عليها بموجب الوثيقة بمبلغ (70 الف درهم) وتقدير الخبير لها بـ ( 80 ألف درهم ) وهو تأمين تحت القيمة الحقيقية وان حكم أول درجة سلم بهذه النتيجة في حيثياته حيث قال: ” ان الخبير المنتدب انتهى إلى ان قيمة السيارة وقت ارتكاب الحادث كانت تساوي مبلغ 80 ألف درهم و[لما] كانت المحكمة تطمئن إلى تقرير الخبير والنتيجة التي انتهى إليها فإنها تأخذ به.”

 

يستتبع التباين في القيمة الحقيقية للمركبة والقيمة المؤمن عليها إعمال قاعدة النسبية في التأمين، وهو ما أغفلته محكمة أول درجة ومن بعدها محكمة الاستئناف ولم يطبق إطلاقا بل ان محكمة أول درجة كانت متحفزة للقضاء بقيمة المركبة وفقا لتقدير الخبير الهندسي (80 ألف درهم) بيد أنها اصطدمت بطلبات المدعي لذا نجدها تقول في هذا الشأن إنها تُقرّ ان قيمة المركبة 80 ألف درهم إلا أنها مقيدة بطلبات المدعي ولا تستطيع ان تتجاوز هذه الطلبات.  وهذا ما يؤكد قولنا بان حكم أول درجة حجب نفسه تماما عن شروط التعاقد وعن القيمة المذكورة للمركبة في وثيقة التأمين وهي (70 ألف درهم ).  وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمحكمة أول درجة فان محكمة الاستئناف لم ترد على الطعن الذي وجهته شركة التأمين، ولم تورد في حيثيات حكمها أي تسبيب لرفضها تطبيق قاعدة النسبية في التأمين.  ومقتضى هذه القاعدة وتبريرها هو ان المؤمن له لم يغطي كل قيمة المركبة ولو غطى كل القيمة لدفع قسطا أعلى، فهو إذن قد دفع قسطا اقل مما كان يجب عليه ان يدفعه فإذا تضررت المركبة وكانت أضرارها تعادل ثلاثة أرباع قيمة السيارة الحقيقة فان المؤمن له يستحق ثلاثة أرباع القيمة التأمينية المذكورة في الوثيقة.  فمثلا لو كانت قيمة المركبة الحقيقية 80 ألف درهم وقد تم تأمينها بـ 70 ألف درهم وحصل بها ضرر يعادل ثلاثة أرباع قيمتها فان التعويض يكون بنسبة 75% من قيمة المركبة التأمينية أي بما يعادل 52.500 درهم.  وهذا هو مفهوم قاعدة النسبية باعتبار ان المؤمن له لم يدفع القسط الذي يساوي القيمة الحقيقية للشيء المؤمن عليه وقد بقى جزء غير مؤمن عليه يجب ان يتحمله المؤمن له.

 

بيد ان حكم أول درجة ومن بعده حكم محكمة الاستئناف اغفل ذلك ولم يناقش موضوع القيمة التأمينية والقيمة السوقية أو الحقيقية، ولو ناقش هذه المسألة لتبدل وجه الرأي في الحكم تماما.  وهذا عيب يصم أي حكم بالقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون.

 

خامسا : والغريب في هذه القضية هو ان محكمة أول درجة انتهت إلى تقرير تعويض المؤمن له عن بدل مركبته بمبلغ 70 ألف درهم رغم ان المؤمن له قدم بنفسه عروض لإصلاح المركبة صادرة عن ثلاث كراجات جاء فيها ان تكاليف إصلاح المركبة هو بحدود 58000 درهم.  وهذه العروض مقدمة من المؤمن له نفسه.  ومع ذلك فقد أهمل الحكم الابتدائي هذه الحقائق وخالف القانون مما يجعله عرضة للاستئناف.  وقد ذكرت شركة التأمين هذا الدفع في صحيفة استئنافها إلا ان محكمة الاستئناف لم ترد عليه ولم تناقشه أيضا رغم قوة دلالته وعدم جواز مجاوزته لأنه إقرار من المؤمن له بقيمة الضرر فهو حجة عليه.

 

سادسا : شاب الحكم الابتدائي القصور في النتيجة التي انتهى إليها عندما حكم بمبلغ 70 ألف درهم كتعويض للمؤمن له عن قيمة المركبة موضوع الدعوى دون ان يقوم بحسم نسبة وقيمة الاستهلاك ودون ان يطبق شروط وبنود وثيقة التأمين.  فالثابت بموجب جدول وثيقة التأمين ان مدة التأمين هي من 2/8/2003 إلى 1/9/2004 وقد وقع الحادث بتاريخ 18/4/2004 أي بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على سريان الوثيقة مما يلزم معه إعمال شرط الاستهلاك طبقا لوثيقة التأمين الوزارية الموحدة في الفقرة رقم 4 من الفصل الأول وخصم ما يعادل 15% من قيمة التعويض.  وإزاء هذا الدفع فان محكمة الاستئناف قامت بإنقاص التعويض بمبلغ 10 آلاف درهم وذلك إعمالا لنصوص الوثيقة الموحدة بيد أنها لم توضح، خلافا للمفروض، كيفية احتساب الاستهلاك.

 

سابعا : وقد خالف الحكم الابتدائي القانون عندما قضى للمستأنف ضده بقيمة 70 الف درهم كتعويض عن اضرار سيارته من دون ان يطرح قيمة حطام المركبة بعد الحادث.  وقد تضمن الاستئناف المقدم من شركة التأمين هذا الدفع وأيدته محكمة الاستئناف وقالت: “ان الحطام قد آل بموجب هذا الحكم لشركة التأمين لعدم جواز جمع المستأنف ضده للبدل والمبدل عنه.”

 

بيد ان محكمة الاستئناف رغم تأييدها للدفع وذكرها بان الحطام يجب ان تؤول ملكيته لشركة التأمين إلا ان منطوق الحكم الاستئنافي لم يتضمن الاشارة ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ الى ان الحطام سوف تنتقل ملكيته بموجب الحكم الى شركة التأمين.  وهذا عيب يصيب الحكم ويضعه عرضة للنقض أيضا، وكان حريا بمحكمة الاستئناف ان تطرح قيمة الحطام وتنقصه من المبلغ المحكوم به حسماً للأمر.

 

ثامنا : وكما ذكرنا في مقدمة هذا البحث بان الظاهر ان محكمة أول درجة خلطت عند قضاءها بين علاقة شركة التأمين بالمؤمن لديها وبين علاقتها بالمضرور وحجبت نفسها تماما عن شروط وثيقة التأمين رغم ان الدعوى هي بين شركة التأمين والمؤمن لديها ولابد من إعمال أحكام الوثيقة باعتبارها العقد المتفق عليه بين الطرفين.  وللتدليل على صحة ذلك فإننا نلاحظ ان محكمة أول درجة لم تقم بحسم مبلغ التحمل الإجباري إذ ان جدول الوثيقة ينص بشكل واضح وصريح على مبلغ تحمل قدره 350 درهما.  وجاء هذا الشرط في صلب الشروط الخاصة من جدول الوثيقة بما نصه: “التحمل الإجباري حسب قرارات وزارة الاقتصاد بمبلغ 350 درهم.” ورغم ذلك فان الحكم الابتدائي أغفله تماما رغم ان مبلغ التحمل يفترض خصمه من قيمة أي تعويض تدفعه شركة التأمين باعتباره الجزء الذي يتحمله المؤمن له من كل حادث وما زاد عليه تلزم به شركة التأمين (ومبلغ التحمل مذكور طبقا للتعريفة الوزارية).  وقد أقرت محكمة الاستئناف هذا الدفع أيضا وقررت ضرورة حسم مبلغ التحمل.

 

صفوة القول وخلاصته

 

يمكن ان نقول تعليقا على هذه القضية ان رأي محكمة أول درجة اختلف عن رأي محكمة الاستئناف إلى حد كبير، فبينما ترى المحكمة الابتدائية بان المؤمن له يستحق التعويض بقدر الدية التي دفعها وبقدر قيمة مركبته وقت الحادث وبصرف النظر عن احكام وثيقة التأمين وكأنه من الغير بالنسبة لشركة التأمين فان محكمة الاستئناف، كما يلاحظ في حكمها، ترى ان العلاقة تحكمها بنود وثيقة التأمين بيد ان استخدام المركبة خلافا للغرض المخصص لها هو شرط تعسفي يجب ابطاله سندا للمادة 1028 فقره هـ.  من ذلك يظهر ان قرار محكمة الاستنئاف وافق قرار محكمة أول درجة من حيث النتيجة بيد انه اختلف عنه في التسبيب والإسناد.  هذا وان هنالك مبادئ قضائية أرستها المحكمة الاتحادية العليا بخصوص قضايا أخرى تتضمن عدم مسئولية شركة التأمين في مثل هذه الأحوال، إذ جاء في قضاء المحكمة العليا في الطعن رقم 553 لسنة 20 قضائية ما فحواه: “ان ما يدعم ويؤكد حقيقة دفاع المستأنفة أن مؤدي نصوص البندين الرابع والعاشر من الفصل الخاص بالشروط العامة من وثيقة التأمين الموحدة على السيارات ضد الفقد والتلف والمسئولية المدنية الصادر بها القرار الوزاري رقم 54 لسنة 1987 بشأن توحيد وثائق التأمين على السيارات المعدلة بالقرار الوزاري رقم 81 لسنة 1987 والبند الرابع من الاستثناءات الواردة في الفصل الأول الخاص بالفقد أو التلف والبند الثاني من الاستثناءات العامة من الوثيقة انه يشترط على المؤمن له الا يبرم أي اتفاق على تأجير السيارة المؤمن عليها للغير وعدم التوقيع على أي عقد من شأنه أن يقيد مطلق ملكيته وحيازته لها دون أن يحصل سلفا على موافقة كتابية من شركة التأمين المؤمنة على السيارة لديها وهو شرط أساسي يترتب على عدم الوفاء به عدم التزامها بدفع أي مبلغ مستحق عليها بموجب وثيقة التأمين.”

 

وأيا كان الأمر فان هنالك وجهات نظر مختلفة في هذه القضية، وهذا ما حثنا على تسجيلها وتسجيل الرأي المخالف لها.  ولعل مثل هذا النمط من القضايا ينبغي عرضه على المحكمة العليا للنظر فيه ولترجيح الآراء أو لتقويمها طبقا للتنظيم القانوني في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

 

Insurance Clauses of Iraqi Oil Contarcts

شروط التأمين والتعويض النموذجية في عقود النفط العراقية:

ملاحظات عن بعض مفردات هذه الشروط

 مصباح كمال 

التعليقات التالية تتعلق بالبنود النموذجية من المادة 24 في مسودة العقود المبرمة بين وزارة النفط العراقية والشركات التابعة لها وشركات النفط العالمية، الخاصة بتطوير حقول النفط.  والعقود هذه على نوعين: عقود خدمات التطوير والإنتاج Development and Production Service Contracts (DPS) وعقود الخدمات الفنية Technical Service Contracts (TSC).[1]  النصوص الإنجليزية المعتمدة لهذه التعليقات مؤرخة في 30 كانون الأول/ديسمبر 2009.

 في الجوهر، لا يوجد فرق بين هذين النوعين من العقود باستثناء الإشارة في عقد الخدمات الفنية إلى شركة النفط العراقية التابعة لوزارة النفط، في سياق الفترة التي تكون فيها هذه الشركة في موقع مُشغّل المشروع. 

ربما جرى تعديلٌ على نص هذه المادة في المفاوضات بين شركات النفط العالمية ووزارة النفط لكن بعض العقود الفعلية التي أطلعنا عليها تكرر نموذج المادة 24.  (راجع النص الإنجليزي الكامل والترجمة العربية للمادة 24، كما تظهر في عقد خدمات التطوير والإنتاج، في المرفق رقم 1).

 

سنحصر التعليقات على بنود المادة 24 في عقد خدمات التطوير والإنتاج وخاصة ما يتعلق منها بشراء التأمين في العراق.

 

أحكام إعفاء شركة النفط العراقية التابعة لوزارة النفط من المسؤولية عن تعويض الطرف الثالث وكذلك تضرر ممتلكات شركة النفط (البندين 24.2 و 24.3)، تتماشى مع بنود التعويض التقليدية بين الأطراف المتعاقدة.  وبالطبع، يمكن للمشغل الأجنبي التأمين على مثل هذه المسؤوليات بموجب أنواع مختلفة من وثائق تأمين مصممة للحماية من المسؤوليات القانونية تجاه الطرف الثالث خلال بناء وتشغيل المنشآت والمرافق النفطية.

 

تقضي الشروط أن يقوم المقاول والمُشغّل بوضع خطة للتأمين (البند 24.5).  خطة التأمين ينبغي أن تغطي المخاطر التي عادة ما تقوم صناعة البترول العالمية بالتأمين عليها.  ويجب ان يصدر غطاء التأمين باسم الطرفين المتعاقدين، كما يجب الطلب من المقاولين من الباطن ضمان المخاطر الخاصة بهم بموجب العقد من الباطن ذات الصلة.

 

وثائق التأمين الأساسية التي تتضمنها خطة التأمين تشمل التأمين من المسؤولية ضد الطرف الثالث، بما في ذلك المسؤوليات المتقابلة والمسؤولية عن التلوث البيئي، وتضرر الممتلكات، والتحكم في الآبار، والمسؤولية المهنية وكذلك وثائق التأمين المفروضة بقوة القانون (التأمين الإلزامي).  بنود المادة 24 لا تحدد بالتفصيل وثائق التأمين المطلوبة إلا أن المقاول والمشغل الحكيم يميل إلى تقييم مخاطر المشروع وكذلك المخاطر العامة في البلاد ومن ثم اتخاذ قرار بشأن خطة موسعة للتأمين تشمل تغطية أخطار إضافية ومنها: تأمين الشحن الجوي والبحري، أعمال الإنشاء والتركيب الهندسي، والأعمال الإرهابية.

 

ويستوجب البند 24.6 قيام المقاول والمشغل بالحصول والإبقاء على نفاذ وثائق التأمين للمخاطر بموجب العقد.  وتجدر الإشارة إلى أن هذه التأمينات ليست محددة إلا أن البند 24.5 يشترط أن يغطي التأمين تلك المخاطر التي تغطى عادة في صناعة البترول العالمية، بما في ذلك، ولكن ليس حصراً، الأضرار التي تلحق بالمعدات والمنشآت والمسؤوليات تجاه الطرف الثالث.

 

وتنص المادة أيضاً على الحصول على التأمينات من ‘شركة تأمين عراقية أو أجنبية تزاول العمل في جمهورية العراق.’  [التأكيد من عندنا]

 

يلاحظ في هذا النص غياب التعريف بشركة التأمين العراقية.  ولذلك، يمكن أن تكون الشركة مملوكة للقطاع الخاص أو مملوكة للدولة.  وهذا يتماشى مع أحكام الفقرة الثالثة من المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 حيث جاء فيها ما يلي:

 “يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.”

 في غياب تعريف دقيق وضيق لمفهوم “الأصول العامة والأخطار” فإن المفهوم يمتد ليشمل الأصول المرتبطة بالنفط.  وحتى عندما لا تكون الأصول مملوكة بالكامل من قبل الدولة، أي أنها مملوكة بالشراكة من قبل شركات النفط العالمية ووزارة النفط، فإن توصيف مصالح وزارة النفط يرقى إلى مرتبة الأصول العامة.  ومع ذلك هناك مشكلة وهي أن العقود النفطية (تلك التي اطلعنا عليها) تركت أمر شراء التأمين (من شركة تأمين عراقية أو أجنبية مرخصة للعمل في العراق) للمقاول والمشغل شريطة أن يلتزم المقاول بإخطار شركة النفط العراقية بصدور جميع وثائق التأمين وشروطها التي تم الحصول عليها بموجب هذا العقد.  وعدا ذلك فإن العقد لا يضم نصاً بشأن دور شركة النفط العراقية أو وزارة النفط للتدخل في عملية إجراء التأمين.  كل ما تقضيه هذه العقود هو، ببساطة، توجيه المقاولين لإبرام التأمين مع شركات تأمين عراقية أو شركات تأمين أجنبية مرخص لها بالعمل في العراق.

 بناء على ما تقدم، فإن الزعم الذي يتردد بأن شركة التأمين الوطنية التي تملكها الدولة، كونها الأقدم والأكبر في العراق، لها امتياز حصري للاكتتاب بجميع التأمينات المطلوبة بموجب عقود النفط ليس له أساس قانوني أو تعاقدي.

 ومن المفيد الإشارة هنا إلى المادة 86 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005:

 “على جميع الوزارات ودوائر الدولة والمؤسسات والشركات العامة التي تستفيد من أعمال التأمين تقديم أي بيانات أو معلومات بترتيبات التأمين الحاصلة عليها أو التي ستحصل عليها يطلبها الديوان خلال المدة التي يحددها.”

 هذه المادة توفر للديوان فرصة ضمان التأكد من تطبيق المادة 81.  وليست لدينا معلومات عن مدى تطبيق هذه المادة من قبل الديوان أو إستجابة الجهات المعنية لطلب الديوان بافتراض أنه قد قام فعلاً بمخاطبة هذه الجهات.

 بدلا من التأمين لدى شركة تأمين عراقية يمكن أيضاً للمقاول ترتيب التأمين مع شركة تأمين أجنبية شريطة أن تتمتع هذه الشركة بحق مزاولة العمل في جمهورية العراق.  وبهذا الصدد، فإن التعليمات رقم 8 لسنة 2006 الصادرة عن ديوان التأمين العراقي (سلطة الإشراف على التأمين) تحدد متطلبات الترخيص لشركات التأمين لمزاولة أعمال التأمين وإعادة التأمين في العراق.  كما أن المادة 13 (فروع شركات التأمين الأجنبية المسجلة في العراق) والمادة 15 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 هي أيضا ذات صلة بهذا الموضوع.[2]

 إضافة لهذه الحرية المتاحة للمقاول فإن البند 24.6 يوفر مخرجاً مشروطاً للمقاول حيث يمكن له الحصول على التأمين من شركة تأمين أجنبية (غير شركة التأمين الأجنبية المرخصة للعمل في العراق) إذا كان غطاء التأمين المطلوب “غير متوفر في جمهورية العراق وبشروط تجارية معقولة.”[3]

 ينظم هذا البند أيضا إجراء إعادة التأمين الاختيارية لما يزيد عن الاحتفاظ الصافي لشركة التأمين.  وعندها يتعين على شركة التأمين التعاون مع المقاول والمشغل، “اعتماداً على مدى الحاجة،” لترتيب إعادة التأمين في “السوق الدولية لذلك الجزء من الخطر الذي يزيد عن صافي احتفاظ شركة التأمين.”  الإشارة المحددة إلى الاحتفاظ الصافي يمكن أن يفسر باعتباره حائلاً دون قيام شركة التأمين العراقية الاستفادة من تسهيلات  اتفاقيات إعادة التأمين لتقرير نطاق الاحتفاظ.  إحدى نتائج هذا النص هي تقليص حدود احتفاظ شركة التأمين وبالتالي خفض حصتها من أقساط التأمين المقابلة للاحتفاظ.  نتيجة أخرى هي استبعاد دور لشركة إعادة التأمين العراقية للمساهمة في زيادة الاحتفاظ المحلي.[4]

 فيما يخص “التعاون مع المقاول والمشغل، اعتماداً على مدى الحاجة” لمثل هذا التعاون فإن شركة التأمين العراقية، كما يبدو، لها حرية التعاون من عدمه حسب متطلبات كل حالة.  ويبدو أيضاً أن إدخال هذه العبارة ربما كان لغرض السماح لشركات النفط العالمية للاستفادة من قدرات شركات التأمين المقبوضة التابعة لها إذ أن لشركات النفط مخاوف بشأن كفاية الموارد المالية لشركات التأمين العراقية.

 والمعروف أن التزام شركات النفط العالمية العاملة في العراق بمتطلبات التأمين مع شركات تأمين عراقية ليست متساوياً، ولا سيما في إقليم كردستان، فليست كل الشركات تمتثل بصرامة لقوانين التأمين في العراق أو الالتزامات التعاقدية.

 نأمل أن نكون قد فتحنا من خلال هذه الملاحظات باباً لولوج بعض قضايا قطاع التأمين العراقي بشفافية وبهدف التوسع في النقاش والتوصل إلى قناعات مشتركة لدى مؤسسات القطاع تخدم مصالحها على المستوى الاتحادي والإقليمي.

 لندن تشرين الثاني 2010

 

المرفق 1 – ترجمة المادة 24

كما وردت في مسودة عقود خدمات التطوير والإنتاج المبرمة بين وزارة النفط العراقية والشركات التابعة لها (شركات النفط الإقليمية) وشركات النفط العالمية الخاصة بتطوير حقول النفط

 

المادة 24 – الشراكة، والتعويض والتأمين

 24-1     من المتفق عليه صراحة أنه ليس الغرض أو الهدف من هذا العقد خلق، ولا يجوز تأويله على أنه يخلق، أي شراكة للتعدين، أو مشروع مشترك، أو شراكة تجارية أو غيرها من أنواع الشراكة بين الطرفين.

 24-2     يعوض المقاول شركة النفط الإقليمية (Regional Oil Company) ويجنبها تحمل المسؤولية عن أي مطالبات، وإجراءات ومطالب ودعاوى مقدمة من أطراف ثالثة ناشئة عن أي خسارة أو ضرر ناجم عن فعل أو إغفال من المقاول و/أو المشغل أو من المقاولين من الباطن في إدارتهم للعمليات النفطية.[5]  جميع التكاليف التي يتكبدها المقاول لتعويض شركة النفط الإقليمية وتجنيبها المسؤولية على النحو السالف الذكر تعتبر تكاليف نفطية إلا في حالة الإهمال الجسيم أو سوء التصرف المتعمد من جانب المقاول و/أو المشغل أو من المقاولين من الباطن.

 24-3        يكون المقاول مسؤولا عن أي خسارة أو ضرر لأي من المنشآت التابعة لشركة النفط الإقليمية أو أي طرف ثالث ناشئة عن الإهمال الجسيم أو سوء السلوك المتعمد للمقاول و/أو المشغل أو المقاولين من الباطن.  تُعوضُ شركة النفط الإقليمية المقاول وتجنبهُ تحمل المسؤولية عن أي مطالبات، وإجراءات ومطالب ودعاوى مقدمة من أطراف ثالثة ناشئة عن أي خسارة أو ضرر ناجم عن فعل أو إغفال من شركة النفط الإقليمية أو المقاولين من الباطن التابعين لها.

 24-4        رغم ما سبق، لا يكون أي طرفٍ من الطرفين مسؤولا عن الأضرار التبعية مثل فقدان الربح أو خسارة الإنتاج.

 24-5        يقوم المقاول والمشغل بوضع خطة للتأمين، تخضع لموافقة لجنة الإدارة المشتركة أو مجلس الإدارة، للتأمين على عملياته بموجب هذه الاتفاقية والحصول على بوالص التأمين لصالح الأطراف وفقا لها.  يجب أن يغطي هذا التأمين تلك الأنواع من الأخطار التي تُغطى عادة في صناعة النفط العالمية، بما في ذلك، ولكن ليس حصراً، الأضرار التي تلحق بالمعدات والمنشآت والمسؤولية تجاه الطرف الثالث.  يجب على المقاول والمشغل ضمان قيام المقاولين من الباطن التابعين له التأمين على نحو كافٍ من الأخطار التي يتعرضون لها في العقود من الباطن ذات الصلة.

 24-6        خطة التأمين هذه تتطلب من المقاول والمشغل الحصول والإبقاء على تأمينات تُبرم مع شركة تأمين عراقية أو أجنبية عاملة في جمهورية العراق لتغطية الأخطار ذات العلاقة بالعمليات النفطية وأي نشاطات أخرى ذات صلة بها وكما قد يقضي به القانون خلال فترة العقد، بما في ذلك مسؤولية الطرف الثالث والضرر البيئي والضرر [البدني] إذا كانت مثل هذه التغطية متوفرة في جمهورية العراق بشروط معقولة تجاريا.  إذا كانت مثل هذه التغطية غير متوفرة في جمهورية العراق، يجب الحصول على التأمين من شركة تأمين أجنبية.  تقوم شركة التأمين بالتعاون مع المقاول والمشغل، واعتماداً على مدى الحاجة، بترتيب إعادة التأمين للتغطيات في السوق الدولية لذلك الجزء من الخطر الذي يفيض عن صافي احتفاظ شركة التأمين.

 24-7        كلفة التأمين التي تم الحصول عليها والإبقاء عليه من قبل المقاول والمشغل والمبالغ المدفوعة عن الخسارات المهدرة، والخسائر، أو المطالبات التي تتجاوز [حدود] هذا التأمين والتي لا تعزى إلى إهمال جسيم أو سوء السلوك المتعمد من قبل المقاول والمشغل أو المقاولين من الباطن بموجب هذا العقد تعتبر تكاليف نفطية.

 24-8        يجب على المقاول والمشغل إعلام شركة النفط الإقليمية عن إصدار وشروط كل بوالص التأمين التي حصلت عليها بموجب هذا العقد.

  

Article 24 – Partnership, Indemnity and Insurance

24.1         It is expressly agreed that it is not the purpose or intention of this Contract to create, nor shall it be construed as creating, any mining partnership, joint venture, commercial partnership or other partnership between the Parties.

 

24.2         Contractor shall indemnify and hold ROC harmless against all and any claims, actions, demands and proceedings made by third parties arising out of any loss or damage resulting from an act or omission of Contractor and/or Operator or their Sub-Contractors in their conduct of Petroleum Operations.[6]  All costs incurred by Contractor to indemnify and hold ROC harmless as aforesaid shall be Petroleum Costs[7] except in the case of Gross Negligence or Wilful Misconduct[8] on the part of Contractor and/or Operator or their Sub-Contractors. 

24.3         Contractor shall be liable for any loss of or damage to any installations belonging to ROC or any third party arising from Gross Negligence or Wilful Misconduct of Contractor and/or Operator or their Sub-Contractors.  ROC shall indemnify and hold harmless Contractor against all and any claims, actions, demands and proceedings made by third parties arising out of any loss or damage resulting from an act or omission of ROC or its sub-contractors.

 

24.4         Notwithstanding the foregoing, neither Party shall be liable for consequential damages such as loss of profit or loss of production. 

24.5         Contractor and Operator shall establish an insurance plan, to be approved by the JMC or BOD, for its operations hereunder and obtain the insurance policies in favour of the Parties in accordance therewith.  Such insurance shall cover the types of exposure that are normally covered in the international petroleum industry, including but not limited to damage to equipment, installations and third party liabilities.  Contractor and Operator shall ensure that its Sub-Contractors adequately insure their risks under their relevant sub-contracts.

 

24.6         Such insurance plan will require Contractor and Operator obtain and maintain insurances with an Iraq or foreign insurance company operating in the Republic of Iraq to cover the risks in connection with Petroleum Operations and any other activities related thereto and as may be required by the Law during the Term, including third party liability and environmental damage and injury where such coverage is available in the Republic of Iraq on commercially reasonable terms.  If such coverage is unavailable in the Republic of Iraq, insurance shall be obtained from a foreign insurance company.  The insurance company shall arrange, in co-operation with Contractor and Operator to the extent needed, re-insurance placement for coverages on the international market for the part of exposure in excess of the insurance company’s net retention. 

24.7         The cost of insurance obtained and maintained by Contractor and Operator and any amounts paid for deductibles, losses, or claims in excess of such insurance and not attributable to the Gross Negligence or Wilful Misconduct of Contractor and Operator or Sub-Contractors under this Contract shall be Petroleum Costs.

 

24.8         Contractor and Operator shall notify ROC of the issue and terms of all insurance policies obtained by it under this Contract. 

[1]              لا تغطي هذه التعليقات العقود النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان ويكفي القول، فيما يخص التأمين، أن الشروط المتساهلة للعقود، وغياب الإشراف من قبل ديوان التأمين العراقي (وهو مؤسسة اتحادية لكن فاعليته محدودة جداً حتى في باقي أنحاء العراق)، تركت الباب مفتوحاً أمام شركات النفط الأجنبية للتأمين على مخاطر الاستكشاف والحفر والإنتاج والصيانة وبناء المنشآت مع شركات التأمين المقبوضة لها أو في أسواق التأمين العالمية، ولا يتبقى إلا القليل من المخاطر التي تكتتب مع شركات التأمين في الإقليم.  ومن المثير للاهتمام أن حكومة الإقليم متراخية بشأن تأمين مخاطر هذه العقود على الرغم من دعاوى مزعومة أن لديها مصلحة في بعض شركات التأمين العاملة في الإقليم.

 

[2]              أنظر: محمد الكبيسي “دعوة لتعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005” مجلة التأمين العراقي الإلكترونية، http://misbahkamal.blogspot.com/2008/12/2005-2004.html

[3]              في الماضي، كانت لشركة التأمين العراقية اليد الطولى في توفير غطاء التأمين المطلوب لعملائها من المقاولين الأجانب من أسواق التأمين العالمية مباشرة أو من خلال وسطاء إعادة تأمين عندما يكون غطاء معين منصوص عليه في عقد المقاولة ليس متوفراً داخل العراق.

 

[4]              تقوم شركة إعادة التأمين العراقية في الوقت الحاضر بإدارة برنامج إعادة التأمين الاتفاقي لسوق التأمين العراقي بأكمله.

 

[5]              قمنا باقتباس بعض هذه العبارات بالإنجليزية لأنها معرّفة في العقد، وقمنا بترجمتها إلى اللغة العربية إتماماً للفائدة.

 

[6] “Petroleum Operations” means any and all Exploration, Appraisal, Development and Production Operations and other activities related thereto, including transportation of Petroleum to the Transfer Point and abandonment operations including site restoration and decommissioning under this Contract. 

“العمليات النفطية” تعني أي من وجميع عمليات الاستكشاف والتقييم والتطوير وعمليات الإنتاج وغيرها من الأنشطة المتعلقة بها، بما في ذلك نقل النفط إلى نقطة التحويل والتخلي عن العمليات بما في ذلك ترميم الموقع ووقف العمل بموجب هذا العقد.

 

[7] “Petroleum Costs” means recoverable costs and expenditures incurred and payments made by Contractor and/or Operator in connection with or in relation to the conduct of Petroleum Operations (except corporate income tax paid in the Republic of Iraq or as otherwise stipulated herein) determined in accordance with the provisions of this Contract and the Accounting Procedures. 

“تكاليف النفط” يعني التكاليف القابلة للاسترداد والنفقات المتكبدة والمبالغ المدفوعة من قبل المقاول و/أو المشغل ارتباطا مع أو فيما يتعلق بسير العمليات النفطية (باستثناء ضريبة الدخل على الشركات المدفوعة في جمهورية العراق أو كما هو منصوص عليه خلافا لذلك) والتي تقرر وفقا لأحكام هذا العقد والإجراءات المحاسبية.

 

[8] “Gross Negligence” or “Wilful Misconduct” means any unjustifiable act or omission by Senior Supervisory Personnel, which constitutes an intentional, deliberate reckless or conscious disregard of the Best International Petroleum Industry Practices or terms of this Contract in connection with Petroleum Operations. 

“الإهمال الجسيم” أو “سوء السلوك المتعمد” يعني أي فعل أو إغفال غير قابل للتبرير من قبل كبار موظفي الإشراف، الذي يشكل تجاهلاً متعمداً مستهتراً أو استهانة واعية لأفضل الممارسات الدولية في الصناعة النفطية أو شروط هذا العقد فيما يتعلق بالعمليات النفطية.


Private Iraqi Insurance Companies: providing quality services

شركات التامين العراقية الخاصة

تسعى لتوفير الخدمات التأمينية المتميزة

 

سعدون الربيعي

 

عام 1997 صدر قانون الشركات رقم 21.  يهدف هذا القانون إلى تنظيم عمل الشركات، وحماية الدائنين من الاحتيال، وحماية حاملي الأسهم من تضارب المصالح ومالكي أغلبية الأسهم فيها والمسيطرين على شئونها فعلياً.  كما يهدف القانون المُعدّل إلى منح القطاعين المختلط والخاص فرصة أفضل للقيام بدور أكثر فاعلية في عملية التنمية وتطوير النشاط الاقتصادي ضمن الإطار العام لخطط الدولة.  ومارست عند ذاك شركات التامين الخاصة المجازة رسمياً نشاطها التأميني لتنافس شركات التامين العامة في تقديم أفضل الخدمات التأمينية للمؤمن لهم.

بعد سقوط النظام الدكتاتوري صدر قانون تنظيم أعمال التامين رقم (10) لسنة 2005 واعتبر نافذاً من 1/6/2005 وهو آخر قانون مستحدث ولن يكون الأخير نظراً لوجود مؤشرات ومثالب سلبية شكلت معوقاً واضحاً اضر ويضر بمصالح شركات التامين العامة والخاصة، ويؤثر سلباً على نتائج أعمالها.  ما يهمنا هنا هو دور شركات التامين الخاصة والبالغ عددها حالياً 23 شركة تأمين خاصة، ومساهمتها في عملية التنمية الاقتصادية من خلال توظيف أموالها في توفير الحماية لأموال القطاع العام والخاص والمختلط ولمختلف الأنشطة الاقتصادية.

وُجدت شركات التامين الخاصة لتقديم خدماتها التأمينية وفق مبدأ المنافسة المهنية الصادقة بين الشركات العامة والخاصة، حيث تمارس هذه الشركات نشاطها في ترويج كافة أنواع التامين ومنها تغطية المشاريع النفطية وجميع أعمال الشركات الأجنبية المتعاقدة مع وزارة النفط لتطوير الحقول النفطية ووفق طاقاتها الاستيعابية وملاءتها المالية بالتنسيق والتعاون مع الشركات الحكومية (الوطنية، والعراقية، وإعادة التامين العراقية) وتوحيد مواقفها وفق الأسس الفنية المعتمدة، والاستفادة من تجربة الدول المنتجة للنفط في تأمين أصولها (موجوداتها) ومنها منتجاتها الغازية والزيوت والمصافي ووحدات التكرير وخطوط الأنابيب والمكائن والمعدات والآبار النفطية وعمليات الاستكشاف .. الخ.

إضافة إلى ذلك، فإن القدرات الاكتتابية للسوق قد تحسن لأن جميع شركات التامين الخاصة قد عملت على زيادة رؤوس أموالها تنفيذاً لتعليمات وزارة المالية – ديوان التامين المنشور في جريدة (الوقائع العراقية) العدد 4150 في 12/4/2010.  وهذا ما عزز قدراتها مجتمعة أو بالتعاون مع الشركات العامة لتوفير التغطية التأمينية المناسبة لاحتياجات الوزارات والمؤسسات ودوائر الدولة الاتحادية وإقليم كردستان والمحافظات، والاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، وبالطبع طالبي التأمين من الأفراد.

ما يؤسف له ما ورد في كتاب وزارة النفط المرقم 958 والمؤرخ في 3/5/2010 الموجهة إلى شركة نفط الجنوب والمتضمن توجيه كافة المقاولين المتعاقدين مع شركة نفط الجنوب لتأهيل وتطوير الحقول النفطية ضمن جولات التراخيص الأولى والثانية التعامل مع شركة التامين الوطنية (حصراً) وبدون منافسة مع الشركات الأجنبية والأهلية.  إن هذا الإجراء يتعارض مع مضمون المادة (81) – ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التامين رقم 10 لسنة 2005 والتي تنصُّ على ما يلي: (يجري التامين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات ودوائر الدولة في التامين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها).  كما يتعارض مع إعمام وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي المرقم 4/5/4493 في 31/3/2010 والمعمم بكتاب ديوان التامين رقم 25 في 29/4/2010.  وهذا ما يوضح عدم حصر التامين لدى شركة تأمين حكومية محددة وضرورة التزام جميع الشركات العامة والخاصة بهذا الاعمام.

إن التوجيه بأجراء التامين لدى شركة محددة يضر بمصالح شركات التامين الخاصة ويبعدها عن ممارسة حقها القانوني بترويج كافة أنواع التامين، وحقها في حصولها على نسبة من الأقساط الواردة عن تامين الحقول النفطية، والابتعاد عن الاستحواذ، وتوزيع الموارد المالية المتمثلة بالأقساط المحصلة لتنمية محافظ شركات التامين الخاصة لتطوير إمكانياتها في تغطية الأخطار الكبيرة والمتوسطة منفردة أو مجتمعة بغية عدم تسرب الأقساط خارج العراق سيما وأنها قد أخذت دورها في سوق التامين العراقي في تقديم خدماتها المتميزة إلى المؤمن لهم بما يحقق أهدافها في ترسيخ الثقافة التأمينية ونشر الوعي التأميني والوقائي.  إننا ندعو السادة في وزارة النفط وكافة الوزارات والمؤسسات ودوائر الدولة وشركات المقاولات المحلية والأجنبية والمحافظات على ضرورة تطبيق مضمون المادة (81) – ثالثاً.

إن جميع شركات التامين الخاصة مستعدة لتقديم أفضل الخدمات التأمينية ولكافة أنواع التامين وحرصها على الإيفاء بالتزاماتها للمؤمن لهم وتسهيل عملية تسوية التعويضات والمرونة في انجازها وفق الأسس الفنية المعتمدة مع مراعاة إلغاء الخطوات الروتينية والمتطلبات التعجيزية.  كما تستقبل هذه الشركات انتقادات واقتراحات المؤمن لهم وغيرهم بغية تطوير الخدمات التأمينية في مختلف مراحلها وتهدف مشتركةً مع الشركات العامة لتطوير صناعة التامين في العراق وتأمين سوق مفتوح وشفاف وامن مالياً لضمان الأشخاص والممتلكات والمشاريع الإنتاجية والخدمية ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني وحماية حقوق المؤمن لهم والمستفيدين من أعمال التامين.  ويقيناً إن الجهود المشتركة والتعاون والتنسيق بين الشركات العامة والشركات الخاصة سيؤدي إلى تعظيم الموارد المالية لجميع الشركات وتوظيفها لخدمة الاقتصاد العراقي.

 

سعدون مشكل خميس الربيعي

المدير المفوض

الشركة الأهلية للتامين

عضو مجلس إدارة جمعية التأمين العراقية

 

بغداد 12 كانون الأول 2010

 

Insurance – a necessity

التأمين كحاجة من الحاجيات اليومية الملحة

 فؤاد شمقار٭

 

ما هو التأمين وما هي تلك الحاجة الملحة؟

كثيراً ما نسمع بأن التأمين لا يخرج عن كونه عملاً من أعمال المقامرة والرهان، وبالتالي تلعب الشطارة من جهة والحظ والمصادفة في نتائجه من جهة أخرى.  إلا أن الواقع والحقيقة هو أن التأمين عبارة عن نظام يهدف إلى حماية الفرد والمجتمع من نتائج الحوادث والكوارث الاقتصادية التي لا يمكن التنبؤ بوقت وكيفية حدوثها والسيطرة عليها.  ان نظام التأمين يخضع إلى أسس وضوابط فنية وقانونية من خلالها يتم توزيع الخسائر التي تلحق بعدد قليل الأفراد من جراء الحوادث على اكبر عدد من الأفراد بدلاً من تحمل الفرد الواحد لنتائجها لينوء بحملها وثقلها لوحدة.  وبذلك يتلاشى أثر الخسارة عن من وقعت عليه.  ان المقابل لرفع آثار ونتائج الحوادث التي تقع على الفرد هو عبارة عن مبلغ من المال يسمى “بقسط التأمين” يدفع إلى شركة التأمين، وبفضل تسديد هذه الأقساط من جانب مجموعة من المؤمن لهم يتكون رصيدً من المال، يتم استخدام هذا الرصيد في تغطية التعويضات التي يتوجب على شركات التأمين دفعها للمتضررين ضمن المجموعة نتيجة تحقق الحادث المؤمن منه.  هذا هو مفهوم التأمين بصورته المبسطة.

 

الإنسان والظواهرالملازمة لحياته

من الظواهر الملازمة للإنسان في حياته ميله إلى حماية نفسه وممتلكاته مما يحتمل أن يحيط به من مخاطر وأضرار.  وقد تطورت الحماية المطلوبة بتطور الحياة فمن الرغبة في اتقاء المخاطر الطبيعية والتقلبات المناخية وغير ذلك من العوامل الطبيعية الأخرى إلى الحاجة للحماية من مخاطر العمل ووسائل الإنتاج التي هي في تطور مستمر.  ومن الرغبة في حماية النفس والروح إلى الرغبة في حماية الأموال والممتلكات، هذا هو ديدن الإنسان.

 

إن نمو الحضارة وتطور المدنية وجميع مظاهر التقدم الأخرى التي تسود مجتمعاتنا اليوم أدت إلى زيادة المخاطر والأضرار التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان في حياته.  هذا الوضع حمله على التفكير في وسائل الحماية التي من شأنها تجنب تلك المخاطر التي ترافق المدنية وتفادي أضرارها.  إلا انه و بالرغم من كل ما تهيأ للإنسان من وسائل الاطمئنان فقد ظل يبحث عن المزيد منها، فجاء التأمين ليلجأ إليه الإنسان في نشاطه وعملة اليومي حتى أصبح اليوم يشمل مختلف أنواع الأنشطة الاقتصادية كالصناعة والتجارة والزراعة، وسائر الأعمال الأخرى.  ولم يقتصر التأمين على هذه النواحي فحسب بل تناول كثيراً من مظاهر الحياة اليومية وتجاوز إلى ما يقع للإنسان كفرد في المجتمع من حوادث وما تقع عليه من المسؤوليات.

 

التأمين نوع من أنواع الخدمة تقدمها شركات التأمين أو تتعهد بتقديمها

ان تقديم الحماية من جانب شركات التأمين هو نوع من الخدمة أو التعهد، والذي لا يمكن التأكد من صدق هذا التعهد المقدم أو أهميته إلا بعد وقوع الحوادث التي قد تكون في كثير من الأحيان كارثية.  لذلك فإن هنالك في مجتمعاتنا من لا يهتم ولا يعطى أهميه لمفهوم الخدمة في مجال التأمين إلا بعد وقوعه تحت هول الكارثة.  وهناك الكثيرون في مجتمعنا يعتقدون بأنهم قد خسروا تلك المبالغ التي دفعوها إلى شركة التأمين كقسط للتأمين والخدمة أو الحماية المقدمة فيما لو انتهت المدة المقررة للتأمين دون تعرضهم إلى الخطر المؤمن ضده ومن ثم إلى الضرر وكأنهم قد أقدموا على إجراء التأمين المطلوب كي يتعرضوا للخطر ومن ثم الضرر وليقدموا مطالبتهم بالتعويض إلى الشركة المُؤمِنة.  ان الموقف تجاه تصحيح هذه الحالة من التفكير يجب ان يقوم به المثقفين المتنورين والعاملين في قطاع التأمين.   فالموقف الصحيح  هو إفهام جمهور المؤمن لهم بأنهم كانوا يتمتعون بالخدمة والحماية التأمينية طيلة فترة سريان عقد التأمين ولهذا السبب قد قاموا بدفع قسط التأمين الذي هو مبلغ بسيط لقاء الحماية الكبيرة، التي لا تقدر أهميتها إلا بعد تعرضنا إلى الخطر ومن ثم الضرر.  نحن في حياتنا اليومية نتعامل مع مختلف أنواع الأخطار اليومية المحيطة بنا، ونستخدم في أحاديثنا اليومية وأعمالنا كلمة الخطر في اليوم أكثر من مره ونعرف تماماً ما نقصد ونعني بها إذ تعني عندنا احتمالية حدوث حالة غير مرغوبة تنتج عنها أضرارا مادية أو مسؤوليات لم نكن نتوقعها أو بالأحرى لم يخلد ببالنا في يوم من الأيام لأننا لا نمتلك القدرة على التنبوء بالمستقبل، أو كان لدينا ذلك ولكن لم نُُرد ان نقنع أنفسنا بأن تحقق واحده من الأخطار التي تحدثنا عنها أو كانت في بالنا قد يؤدي إلى خسارة كبيرة وفي كثير من الأحيان خسارة كبيرة جدا.

محيطنا و الأخطار المحيطة بنا

يعيش الإنسان في محيط يلفه مختلف أنواع المخاطر اليومية (الحريق، السرقة، حوادث الطرق والسير والمركبات، المسؤوليات المختلفة وغيرها) وإزاء وجود هذه المخاطر ونشاطنا اليومي المختلف فأننا بحاجة إلى راحة الفكر والبال والاستقرار والطمأنينة، ولا يمكننا الشعور بذلك إلا بعد حصولنا على ضمان ما من نتائج الأخطار التي نخشاها.  ان هذا الأمر يتطلب منا ان تكون نظرتنا تجاه هذه الأخطار نظره واقعية بعيده عن السلبية والإهمال. ان نظرتنا إلى الخطر ليست واحدة ومتساوية لدى الجميع، فهنالك بيننا من يرضخ للخطر ويؤمن بالواقع.  وهنالك من يحاول ويريد ان يتحاشى الخطر،  وآخرون على عكس منهما يكون جاهزاً ومستعداً للخطر والتصدي له.  فأي من هؤلاء الفئات الثلاث نختار لنكون من بينهم؟  ان فكرة الرضوخ إلى الخطر فكرة سلبية من شأنها ان تدعو الإنسان إلى التسليم بالخطر ومن ثم القبول بما يسفر عنه من نتائج بعيداً عن التفكير في كيفية تدارك هذه النتائج ومحو ما يترك من آثار.  أما أصحاب الموقف الثاني، وهم من يتحاشى الخطر الذي هو موقف وسط بين الرضوخ والتصدي فهو موقف مقدر للخطر وآثاره السيئة الذي يخلفه ومقدار تحققه نراه يتحاشى ويبتعد عنه ولكن ومهما حاول الابتعاد والتحاشي فإن هنالك كثير من الأخطار لا يمكن للإنسان ان يتحاشاها ويبتعد عنها.  أما الموقف الثالث والأخير فهو موقف المتصدين للخطر الذي يتسم بالايجابية تجاه الخطر بدلاً من ان يخضع له ويحاول التصدي والقضاء على نتائجه وآثاره ذلك بأن يقوم بنفسه باتخاذ وسائل الأمان التي من شأنها التصدي للخطر ولكن وعلى الرغم من التقدم الحاصل في مجالات الحماية من مختلف أنواع الأخطار والتقدم الذي حققه الإنسان إلا إنه يستحيل عليه القضاء على الخطر طالما أن هناك أخطاراً لازال الإنسان عاجزاً عن التصدي لها.

 

الخطر كظاهرة محتملة لا يمكن اتقاءه

ان الخطر كظاهرة محتملة محيطه بنا لا يمكن اتقاءه وعليه لابد من التسليم بهذه الحقيقة والتفكير في وسيلة ما لا ليبعده عن تحقق الأخطار وإنما ليعينه في تحاشي النتائج والآثار السلبية التي تتركها تحقق الأخطار.  ومن هذا المنطلق لابد من التأمين إذ ان التأمين هنا يفرض نفسه كحاجه من الحاجيات اليومية الملحة.  لذلك فأن التأمين وكما أسلفنا وبأنواعه المختلفة يعتبر من أهم وسائل مواجهة مثل هذه الأخطار فهو يعمل على توفير التغطية التأمينية للأفراد والمنشآت ضد أخطار كثيرة.  وقد قيل بأن كلمة التأمين وطلب الأمن يوحي بالاطمئنان والهدوء، وطلب الأمن والاطمئنان والهدوء لا يتعارض مع إرادة ومشيئة الله عز وجل وقضاءه وقدره.  أقول هذا رغم أن هناك إشكالية في هذا القول نبهني عليه أحد الزملاء وقد تحين الفرصة كي نقوم بمناقشتها في ضوء المنطق وفي تكييف العلاقة الروحانية بين الإنسان والخالق.

 

هل ان وجود التأمين من موانع تحقق الأخطار؟

قد يتبادر إلى ذهن بعضنا بأن وجود التأمين من موانع تحقق الأخطار إلا ان الواقع هو خلاف ذلك إذ ان وجوده لا شأن له في تحقق الأخطار المحيطة بنا أو عدم تحققها، إنما شأنه وأهميته يكمن في إزالة نتائج الخطر ومحو أثاره وذلك بالتعويض وإعادة حامل وثيقة التأمين إلى مركزه المالي قبل تحقق الخطر.  ولما كنا في معرض تقديم التأمين بهذا الشكل فأن علينا ان نبين الدور الذي تلعبه هذه الخدمة على الصعيدين الفردي والعام وعدم الاكتفاء بما ورد في المقدمة فقط.  فعلى الصعيد الفردي فأن وجود هذه الخدمة أو التعهد يتمثل بالاستقرار والطمأنينة التي يشعر بهما الإنسان عند حصوله على وثيقة التأمين لأمواله وممتلكاته ومصالحه ومسؤولياته القانونية والعقدية عن الحوادث التي تحيط بنا وتلك الأخطار التي يخشى الإنسان من وقوعها يوميا.  ان الجوهر في اقتناء وثائق التأمين لا يعني التفكير في الحصول على المنافع المادية واعني هنا بأن شراءنا للخدمة لا يجب ان يكون الهدف منه الطمع في قبض مبلغ التعويض لان المبالغ التي نحصل عليها لا يمثل في جميع الأحوال قيمة الأضرار الواقعة تلك التي خسرناها بنتيجة تحقق ضرر ما.  وتأسيساً على ذلك فأن ما يقدمه لنا التأمين من وظيفة هو الاطمئنان والاستقرار.  إلى جانب ذلك فأن منافع التأمين على الصعيد العام هي وجود مختلف أنواع الاستثمارات التي تعم بالخير على اقتصاديات البلدان فضلاً عن دورها في توثيق التبادل التجاري ومعاملاتها وتنشيط حركتها.  ومن كل هذه المنطلقات، ومن منطلق كوني شخصاً عمل في مجال التأمين في العراق لمدة تربو عن أربعين سنة، ومن ثم عملت في نفس القطاع عند انتقالي من بغداد إلى مدينتي السليمانية وهي مسقط رأسي ولحين انتقالي إلى العمل في القطاع نفسه في عاصمة إقليم كوردستان – أربيل- عملت جاهداً على نشر الوعي التأميني والوقائي وذلك بالاتصال المباشر والمخاطبات والرسائل الالكترونية مع كثير من القطاعات مذكراً بأهمية التأمين،  مع أصحاب المعامل والمصانع والفنادق والمحلات العامة من الأسواق والمعارض.  ولكن، ومع شديد الأسف، لم أجد آذانا صاغية لسماع نصائحي ونداءاتي.  ولكن مع اصابتي بخيبة أمل كبيرة لم اترك أمر توعية الناس بضرورة اتخاذ موقف التصدي للخطر من خلال وسائل إدارة الخطر المعهودة ومن بينها آلية التأمين لتحويل الأعباء المالية للأخطار من عاتق الأفراد والشركات على عاتق شركات التأمين.  ورغم ضعف الاستجابة فلا يهل لي ان اركن للسكون.  إن الوعي بالتأمين مسألة حضارية تحتاج إلى جهد جماعي.

 

الوقائع المؤلمة يجب ان تكون من أسباب بحثنا عن الحماية التأمينية؟

كنت في مكتبي في شركة كار للتأمين وهي شركة تأمين تأسست في مدينة أربيل برأسمال كبير قدره أربعون مليار دينار عراقي وبقدرة وقابلية فنيه تأمينيه كبيره، أتصفح إحدى الجرائد اليومية – جريدة ئاسو بالتحديد – وقد طالعت فيها الخبر التالي:  في غضون شهر واحد وقع (503) حادث حريق في حدود السليمانية  وتعرض (285) شخصاً لحوادث الطرق بينهم سبعة قتلى.  أو ليس مثل هذا الخبر يجب ان يكون الباعث للبحث عن الحماية التأمينية؟  هذا من جهة، ومن جهة أخرى ألم يحن وقت التفكير في وسيلة قانونية لتعويض ضحايا حوادث السيارات و المرور في إقليم كوردستان؟  إلى متى تستمر معاناة  ضحايا حوادث الطرق والسير والمركبات؟  هل تستمر تلك المعاناة لعشرين سنه أخرى؟[1]

 

هذه الأسئلة وضعتها أمامي وأمام الجهات المسؤولة في كوردستان. في حينه وبجهد شخصي تمكنت من الحصول على موافقة وزارة المالية و الاقتصاد ووزارة العدل في الإقليم وبرلمان الشعب (لجنة الخدمات الاجتماعية واللجنة القانونية) بضرورة إيجاد وسيلة قانونية وقد نالت الفكرة تأييد الجميع لها ووافقوا عليها وتم رفع تلك الموافقات إلى مجلس الوزراء لتشريع قانون ولكن ومع الأسف لم يرى المشروع النور وما زال معاناة الضحايا مستمراً.  لماذا يا ترى؟  لعل الجواب لدى أصحاب القرار.

 

ان معاناة هؤلاء وفاجعة إحدى المحلات العامة ليلة الخميس 15/7/2010 في مدينة السليمانية ونشوب حريق كبير ووقوع ضحايا بشرية كبيرة وأضرار مادية بنتيجة الواقعة المؤلمة والفاجعة الكبيرة التي ألمت بسكان مدينة السليمانية بأكملها ذلك لهولها ونتائجها والأضرار المادية والبشرية، كل ذلك يدعونا ان نقول ونكرر القول بأن التأمين عبارة عن حاجة من الحاجيات اليومية الملحة.  لذلك علينا، كل من موقعه، ان يجلس مع نفسه للتفكير بحاجياته من التغطيات التأمينية للحصول عليها لحماية أَموالنا وممتلكاتنا ومسؤوليتنا لمختلف القطاعات العامة والخاصة والفردية.

 

ما هي أسباب الحرائق التي نشبت؟

لعل من الضروري في هذا المجال الاطلاع على أسباب تلك الحرائق التي اشرنا إليها آنفا ان من مجموع الحرائق التي ذكرتها (153) حادثاً بنتيجة رمي أعقاب السجائر، (63) حادثاً بالإضافة إلى الحادث المفجع بسبب التماس الكهربائي، (11) حادثاً عن استعمالات الغاز السائل “ولعل عدم وجود الصيانة والإدامة والفحص لاسطوانات الغاز هي السبب”، (96) حادثاً عن العمد، (24) حادث عن الإهمال وغيرها من الأسباب والتي في اغلبها من فعل الإنسان.  أو ليس كل ذلك والحادث المفجع في السليمانية مدعاة للتفكير بإيجاد الحماية التأمينية من جهة وضرورة تفقد الأماكن العامة وجميع العمارات والبنايات التي تقدم فيها الخدمات إلى العامة لتحديد وتأشير مكامن الخلل والتأكد من وجود أجهزة ومعدات ومخارج الطوارئ ومواقع السلامة ومكافحة الحريق كي لا تتكرر المأساة مره أخرى؟

 

لقد حصل هذا في مدينة السليمانية بعد الفاجعة المؤلمة وبتوجيه شخصي من السيد رئيس مجلس وزراء الإقليم الدكتور برهم احمد صالح إذ شكل عدة لجان لهذه الغاية وبغاية البحث والتحري عن أسباب الحريق طالما ما زال الكثير من الفنادق والمحلات العامة التي يرتادها الناس تفتقر إلى إجراءات السلامة والأمان من وجود للسلالم ومخارج الطوارئ وعلامات الدلالة على الخروج الاضطراري وأجهزة الإنذار المبكر بوجود الحريق ووسائل الإطفاء الموضعية ومعرفة العاملين والعمال على استخدامها وغيرها من مستلزمات السلامة.  وكل ذلك يتطلب وجود لدور رقابي من جانب الجهات المعنية لضمان التطبيق بغية عدم تكرار أو حدوث فاجعة أخرى.  لقد قيل بأن كل واقعة تجربة، لذلك يتعين على أصحاب الشأن القيام بمفاجئة الحدث وليس الانتظار ليفاجئنا الحدث ويطل علينا ومن ثم نندب الحظ والطالع.

 

كيف نتعامل مع الخطر؟

ان متطلبات السلامة والأمان المطلوبة نسميها نحن العاملين في التأمين بإدارة الخطر أو التعامل مع الخطر والتحكم فيه، واتخاذ الوسائل التي تحده من جهة والعمل على التقليل من حجم الخسائر المتوقعة بأقل كلفة ممكنة من جهة أخرى، وقبل ذلك التعرف على مكامن ومصادر الخطر، ومن ثم تقدير حجم الخسارة المحتملة في حال وقوع الخطر، واختيار الوسائل المناسبة لمواجهة هذا الخطر.  ان من أهم الطرق والوسائل لمواجهة الخطر هي الوقاية والمنع وما نسميه بسياسة تخفيض الخطر والتجزئة والتنويع – ونقصد به توزيع الشيء المعرض للخطر وليس تجميعه.  وأخيرا نقل أو تحويل الخطر – ونعني بذلك مواجهة الخطر بتحويله إلى طرف آخر.  ولكن من هو هذا الطرف؟  إنها “شركات التأمين” التي تقبل بتحويل آثار الخطر على عاتقها مقابل دفع مبلغ معين وهو قسط التأمين.  ومن هذا المنطلق فأن على الجهات المسؤولة عن منح إجازات البناء وفتح المحلات العامة والفنادق، عليهم التعامل مع الخطر بأمانة وعدم السماح ومنح الإجازة المطلوبة دون مراعاة وجود وسائل الأمان والسلامة.  ولو كان هناك طلب للتأمين على مثل هذه الأماكن لقدمت شركة التأمين المعنية النصح والإرشاد إلى أصحابها.  ولكن كيف ذلك دون وجود رغبة في اقتناء الخدمة التأمينية.  حبذا لو يتم إضافة شرط جديد إلى شروط منح إجازة المحلات العامة وهو ضرورة أجراء التأمين ضد أخطار الحريق و المسؤوليات الناجمة عن الخدمات التي تقدمها هذه المحلات.

 

هل ان التأمين يكون على الأموال والممتلكات فقط؟

في كثير من المناسبات كنت اسأل الناس: ماذا تعرفون عن التأمين؟  فكان الجواب وبعفوية: يعني التأمين على السيارة.  ومن ثم يبدأ بالشرح وبالقدر المستطاع وكأن نظام التأمين يختص بالتأمين على السيارات فقط.  هؤلاء لهم الحق في ذلك لسماعهم الكثير عن حوادث السيارات وقيام شركة التأمين بتعويض ضحايا هذه الحوادث.  وكان هذا هو الحال في كوردستان قبل عشرين سنة أما اليوم فأن الضحايا محرومون من التعويضات المستحقة.  نحن العاملين في قطاع التأمين نجعل من وظيفة التأمين وظيفة وهواية معاًً، لذلك كثيراً ما نتكلم ونبحث ونتناقش، حتى في الجلسات الخاصة، عن التأمين.  ومن خلال هذا الكلام الكثير وجدت قلة من الناس ومن الأصدقاء يدركون بأن للتأمين فروع مختلفة. أن هناك تأمين على الأشخاص وآخر على الأموال وثالث من المسؤولية القانونية.  فالتأمين على الأشخاص يشمل التأمين على حياة الأفراد بمختلف صوره، والتأمين على الأموال يشمل التأمين ضد مخاطر الحريق والسرقة والفقدان والتلف وغير ذلك، وآخر وهو  التأمين من المسؤولية.  وقد يسألني احدهم ما هو التأمين من المسؤولية؟  وما هو الأساس القانوني لهذا النوع من التأمين؟  ان جوابي له يجب ان يكون الآتي: ان أي إخلال بقاعدة من قواعد القانون يرتب نوعاً من المسؤولية تسمى بالمسؤولية المدنية أو المسؤولية القانونية، وإن نوع الإخلال الواقع على القاعدة القانونية يحدده طبيعة نوع هذا الإخلال.  فالمسؤولية الناشئة عن الإخلال بالنصوص العقابية تترب عليها عقوبات ومسؤوليات جنائية وجزاءها العقوبة.  أما المسؤولية الناشئة عن إخلال بالتزام يفرضه القانون ويترتب على هذا الإخلال إلحاق الضرر بالغير يوّجبُ على مرتكبه تعويض المتضرر.  هنا لابد من التوسع في موضوع المسؤولية وبيان ما إذا كان تقديم الخدمات في المحلات العامة يرتب نوعاً ما من المسؤولية على مقدميها طالما أن هناك كثيرون يجهلون هذا الجانب، وتترك الكثير من المسؤوليات عند تحققها على أنها من أعمال القضاء و القدر.

 

ان بعضاً من الخدمات التي تقدم للناس عبارة عن نشاط غير ملموس، تهدف إلى تلبية احتياجات أو رغبات الأشخاص مقابل دفع مبلغ من المال.  ومن هذه الخدمات والأنشطة خدمات الفنادق والمحلات العامة إذ ان استخدام مرافق مثل هذه المواقع عبارة عن ظاهرة مادية ملموسة وهذه الأنشطة تعتبر نشاط خدمة وإن من يقدم الخدمة يجب ان يكون تقديمه لها مقترناً بتحمل المسؤولية طالما أن الإنسان مطالب بتحمل عواقب أعماله وملزم بتبعات أفعاله، وان تسبب أعماله وأفعاله بأذى وضرر بالغير فأن جزاء ذلك هو العقاب أو التعويض وفي بعض الأحيان اثنان معاً.  ولكن كم هم مقدمي الخدمة الذين يقدرون مسؤولياتهم القانونية والعقدية في مجتمعاتنا؟ الجواب هم القلة من الناس.  إذا كان لنا الحق والحرية في أموالنا وممتلكاتنا وعدم التفكير في إيجاد الضمان لها فهل ان الحق والحرية ينصرفان إلى عدم مسؤوليتنا عن تعريض حياة و أموال وممتلكات الغير للضرر عند تقديمنا للخدمات لهم؟  كلا ليس لنا الحق ولا الحرية في ذلك وإنما علينا إيجاد الضمان تجاه ذلك لأننا حتى إن كنا ميسوري الحال قد لا نتمكن من تحمل عبء ذلك.  عليه لابد ان تكون هنالك جهة ما بظهرنا تعيننا عند الحاجة.  ولكن من هي هذه الجهة ومن تكون؟  التأمين طبعاً.  إذا لماذا لا نطلب العون الكبير (التعويض عن الأضرار والخسائر الكبيرة) لقاء مبلغ صغير (قسط التأمين)؟

 

لقد مر حادث الحريق المفجع المؤثر والمؤسف في مدينة السليمانية على شركات التأمين العاملة في إقليم كوردستان مروراً لعدم وجود أي نوع من الأنواع المختلفة من التأمين لا على هيكل البناء ولا على المحتويات ولا على المسؤوليات عن الخدمات التي تقدم ولا على المسؤوليات القانونية التي تترتب على مقدمي الخدمات في المحلات العامة.  وأكثر من ذلك لا يوجد تأمين أو تغطيات تأمينية حتى على باقي المحلات والأبنية والعمارات المجاورة للمحل المنكوب والتي تقدر أقيامها بملاين الدولارات.  ان هذا الحال هو حال يؤسف له.  كنت أتمنى لو ان كل موقع ومحل ومخزن مؤمن عليه هيكلاً ومحتويات ومسؤوليات لدى إحدى شركات التأمين لتنهض هذه الشركة بمسؤوليتها بدفع مبالغ التعويضات المستحقة إلى طالبيها عند تحقق الأخطار المؤمنة وإلحاقها الأضرار بالمحل المؤمن لتكون الحالة درساً وعبرة وتجربة للآخرين كي يبتعدوا عن فئة الراضخين للخطر أو المبتعدين عنه ليدخلوا ضمن فئة المتصدين للخطر.  ولكن ومع الأسف ليس كل ما يتمناه المرء يتحقق.

 

أسفي على الأرواح التي تزهق والأموال والممتلكات التي تهدر بدون تعويض.  وهي في نهاية الأمر إهدار للثروة الوطنية.

 

*shamkar1939@yahoo.com

 

 

[1] هذه الورقة، التي تضمُ صرخة ألم وموقف تأسي على الواقع التأميني القائم في إقليم كوردستان وعلى ضحايا حوادث المرور والحريق، تستقيمُ وتطورُ ما كتبه زميلنا فؤاد شمقار في مقالته: “هل ننتظر أكثر من ذلك لإيجاد وسيلة لحماية ضحايا حوادث الطرق في إقليم كوردستان” مجلة التأمين العراقي الإلكترونية، 16 حزيران 2009

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/06/blog-post.html

 

[مصباح كمال]


Insurance Regulation: From the Ottoman Sigorta Law to the Iraqi Insurance Diwan

الرقابة على التأمين:

من قانون السيكورتاه إلى ديوان التأمين العراقي

 

 

مصباح كمال

 

تقديم

 

كتبنا في دراسة سابقة أن “تجربة الديوان [ديوان التأمين العراقي] جديدة على سوق التأمين في العراق، وعلى الأطراف المعنية، ونعني القائمون على إدارة الديوان وشركات التأمين العاملة في السوق على حد سواء، التحرك برفق، ضمن المعطيات القائمة، بهدف إعلاء مكانة التأمين مع الاهتمام دائماً بمصالح المؤمن لهم.  لا نعرف إن كان هناك نقاشاً مفتوحاً بين هذه الأطراف، وهي ضرورية في هذه المرحلة التأسيسية لنظام الرقابة.  كنا نمني أنفسنا أن يقوم البعض بالبحث، مثلاً، في الموضوع في جانبه التاريخي والاقتصادي (كلفة التماثل مع المتطلبات الرقابية وتأثيرها على التنافسية وآثارها المستقبلية على أسعار التأمين).  وقد اقترحنا، كبداية، التثقيف بأهمية الوظيفة الرقابية من منظور تاريخي، وكنا نعني تحديداً تطور هذه الوظيفة بدأً بالمؤسسة العامة للتأمين ومن ثم وزارة المالية لحين قيام الديوان.[1]

 

ونحاول هنا تحقيق بعض ما كنا نتمناه.  هذه ورقة أولية للربط بين الماضي والحاضر، والتذكير بغياب الدراسة المستقلة للرقابة على النشاط التأميني رغم صدور العديد من القوانين بشأنها وممارسة الرقابة من خلال هذه القوانين من قبل المختصين من الأفراد والمؤسسات.  وهذه الورقة أولية أيضاً لأننا لم نتوفر على جميع القوانين ذات العلاقة، ولم نطلع على مطبوعات عن تجربة ممارسة الرقابة وتطورها والقائمين عليها.  إضافة إلى ذلك، فنحن نقدم هنا مسحاً سريعاً للرقابة التأمينية على مدار قرن كامل (1905-2005)، وهذا مشروع طموح وشاق يتجاوز قدراتنا وقد خضنا فيه بعد كثير من التردد.  ونود تنبيه القارئة والقارئ إلى بضعة أمور ومنها جوانب للموضوع لم نقم بتغطيتها في هذه الورقة.

 

في عرضنا للموضوع قمنا قصداً بتثبيت نصوص قانونية مطولة لإبراز اهتمام المشرّع على مدى عقود بجوانب مختلفة من الوظيفة الرقابية وإظهار مدى التواصل التاريخي في التشريعات التأمينية.

 

تركز هذه الورقة على تطور الرقابة التأمينية لكن التركيز انتقائي ينحصر معظمه في المفردات القانونية الخاصة بحماية حقوق المؤمن لهم.  ولذلك فإن المسح الواسع النطاق لم يفصل العديد من القضايا التنظيمية: ترخيص الشركات لمزاولة النشاط التأميني، التنظيم الداخلي للشركات بضمنها مسك السجلات والحسابات، الملاءة المالية والاحتياطيات، ترخيص الشركات الأجنبية وفروعها.  هذه وغيرها يمكن أن تكون موضوعاً لدراسات مستقلة.

 

ولم نأتي على ذكر اقتصاديات الامتثال للأنظمة الرقابية، وهذه تستحق دراسة بحد ذاتها وهي مهملة بالمرة عند الحديث عن الرقابة.  ومن باب التعميم يمكن القول إن الأنظمة الرقابية في العراق لا تتصف بالكثير من التعقيد والتدخل التفصيلي لجهاز الرقابة في نشاط الشركات كما هو عليه الوضع في الدول الأوروبية مثلاً وخاصة في العقود الأخيرة.  وهذا قد يفسر لنا غياب الاهتمام بالكلفة الاقتصادية والإدارية لتطبيق قواعد الرقابة.

 

هناك أمر آخر أهملناه في هذه الورقة وهو الخلفية الاقتصادية للقوانين الرقابية.  ويمكن الزعم أن هذه القوانين تعكس طبيعة النظام الاقتصادي القائم وتوجهاته مقترناً بمنظومة إيديولوجية.  ولنا في المقارنة بين توجهات قانون سنة 1960 (التأكيد على تدخل الدولة) وقانون سنة 2005 (التأكيد على الانفتاح والحرية الاقتصادية) خير مثال على ما نزعمه.  ومع هذا يمكن أن نكتشف خيطاً مستمراً منذ قانون 1936 يميل نحو إعطاء الدولة دوراً حازماً في تنظيم عمل شركات التأمين.

 

كما اننا لا نركز في هذه الورقة على عرض المبادئ الرقابية إذ يمكن التعرف عليها من خلال قراءة ما هو منشور عنها وخاصة الوثائق القيمة التي أصدرتها الجمعية الدولية لمشرفي التأمين International Association of Insurance Supervisors (IAIS) أو تلك التي أصدرتها بعض الهيئات الرقابية في أوروبا.  ولذلك ومن باب التمهيد لدراستنا سنكتفي بعرض سريع لمفهوم الرقابة على التأمين.

 

ونأمل من إعدادنا لهذه الورقة تشجيع البعض للتصدي للدراسة النقدية العميقة لتاريخ الرقابة على التأمين في العراق وكذلك الجوانب التي أشرنا إليها هنا.

 

مفهوم الرقابة

 

تقوم الدولة عادة، أو من ينوب عنها من مؤسسات مستقلة أو شبه مستقلة، بالإشراف على النشاط التأميني.  ومن باب التبسيط، يمكن القول إن ما يستدعي التدخل الرقابي للدولة هو طبيعة هذا النشاط الذي يقوم على تجميع أقساط التأمين من عدد كبير ممن يشتري الحماية التأمينية (المؤمن لهم) والاستفادة منها في تعويض عدد أصغر من المؤمن لهم ممن يتعرضون للخسارة في أموالهم وأبدانهم أو للمساءلة القانونية الناشئة عن أفعالهم.  وبهذه الصفة فإن الشركات والجمعيات وغيرها من المؤسسات التي تمارس النشاط التأميني هي بمثابة القيم على أقساط التأمين.

 

ولكي تضمن حقوق المؤمن لهم بالتعويض يتدخل المشرع لضمان الملاءة المالية لشركات التأمين كي تكون قادرة على مواجهة التزاماتها بالتعويض.  وهكذا تشرع القواعد الرقابية بشأن ترخيص الشركات لمزاولة التأمين (وهو مبدأ أساسي)، رأسمال الشركات، سياساتها الاحتفاظية وغيرها.  وبالطبع فإن شركات التأمين تخضع لذات القوانين التي تنظم عمل الشركات أياً كان نوعها.  وتظل حماية المستهلك، المؤمن له، الغرض الأساس للتشريعات الرقابية الحديثة.[2]

 

ونزعم أن فهم الرقابة على النشاط التأميني في العراق مشوش وينقصه الوضوح.  وهذا ما لمسناه في تحليل نقدي قمنا به لمقالة لأحد العاملين في سوق التأمين العراقي أراد منها تجاوز ما هو قائم من مؤسسات تأمينية ومنها ديوان التأمين لضعفها و قصورها.[3]

 

ما قبل المؤسسة والديوان: بواكير الرقابة على النشاط التأميني

 

يرجع تاريخ “الرقابة” على النشاط التأميني إلى أيام الدولة العثمانية حينما كان العراق يشكل جزءاً من الإمبراطورية العثمانية.  فقد شهد القرن التاسع عشر أول تشريع لتنظيم صناعة التأمين في الإمبراطورية.  نقول هذا اعتماداً على حقيقة أن “أول تشريع لتنظيم صناعة التأمين في الإمبراطورية العثمانية كان في القرن التاسع عشر فالمادة 29 من القانون التجاري الذي صدر في 28 تموز 1850 أشارت إلى التأمين البحري في حين أن القانون التجاري البحري، الذي صدر في 21 آب 1863، كان مكرساً للتأمين البحري.[4]  وكان قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) من جملة تشريعات التأمين في العهد العثماني.”

 

تشكل التشريعات العثمانية، ومنها قوانين التأمين، جزءاً من تاريخ التشريع في العراق كما في غيره من البلدان العربية التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية.  فالمدونة القانونية العثمانية المعروفة باسم مجلة الأحكام العدلية[5] ظلت نافذة في العراق حتى أوائل خمسينات القرن الماضي مثلما ظل قانون الضمان (السيكورتاه) نافذاً.  وكان التشريع العثماني (سن “القوانين” تميزاً لها عن “أحكام” الشرع) في غالبه منصباً على تلك المجالات التي لم تكن موضوعاً للشريعة الإسلامية أو قل أن الشريعة لم تقترب منها بالتفصيل لكونها تمثل ظواهر حديثة كما هو الحال بالنسبة للنشاط التأميني.

 

القول إن قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) الملحق بالقانون التجاري العثماني (صدر سنة 1904) هو أول قانون لتنظيم عمل شركات التأمين فيه تعسف.  وكما يوضح الأستاذ بديع السيفي فإن “تسمية القانون خاطئة إذ أنه ليس قانوناً لشركات الضمان بل قانون للتأمين أو الضمان أي السيكورتاه.”[6]  وهو بهذه الصفة يضم عناصر تدخل في صلب عقد التأمين وليس تنظيم شركات التأمين والرقابة عليها.  ونفترض أن تنظيم الشركات، وبضمنها شركات التأمين، كان يخضع لقانون التجارة العثماني.  ومع إقرارنا بصحة تقييم الأستاذ السيفي يمكن النظر إلى قانون السيكورتاه باعتباره محاولة بدائية للتنظيم شملت عملية إصدار وثائق التأمين (المادة 2).  نقول هذا وفي بالنا أن الهيئات الرقابية تطلب من شركات التأمين تزويدها بنماذج وثائق التأمين للاطمئنان على صحة صياغتها فيما يخص الشروط العامة والخاصة والأسس الفنية التي تقوم عليها.  وقد تتدخل هذه الهيئات وتطلب من الشركات تعديل الوثائق التي تضم عيوباً.  إضافة إلى ذلك، وفي السياق التاريخي للنشاط التأميني المحلي، كونه محصوراً لدى شركات ووكالات تأمين أجنبية، فإن تنظيم عقد التأمين وتحديد أنواع معينة من التأمين شكلت البدايات للتشريعات التالية.

 

ظل قانون السيكورتاه سائداً لفترة طويلة قبل صدور أول تشريع تأميني عراقي (مماثل له فقط من حيث العنوان): قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 الذي صدر في 1 نيسان 1936.  وهو، كما يدل عليه اسمه، أول محاولة جادة للإشراف على عمل شركات التأمين الأجنبية العاملة في العراق وتنظيم الملاءة المالية لها لضمان حقوق المؤمن لهم.[7]  في ذلك الوقت لم تكن هناك شركات تأمين عراقية وطنية إذ أن أول شركة تأمين عراقية، شركة الرافدين للتأمين، تأسست سنة 1946 وحتى هذه الشركة لم يكن رأسمالها عراقياً صرفاً إذ كانت الحصة الأجنبية فيه 60%.[8]

 

وقد ذكرنا في دراستنا “إطلالة على بواكير التأمين والرقابة على النشاط التأميني في العراق” أن العراق لم يشهد وجود شركة تأمين عراقية وطنية قبل الحرب العالمية الثانية ولم يكن النشاط التأميني، بشكله المؤسسي التجاري، معروفاً في العراق.  وتفيد المعلومات المتوفرة أن شركتين بريطانيتين هما Provincial Insurance Company, Assurance Company Guardian بدأتا العمل في العراق سنة 1920.[9]  وفيما يلي سنعتمد على هذه الدراسة.

 

يضم هذا القانون (ملغى) 13 مادة، ويشكّل أول محاولة جادة في الإشراف على عمل شركات التأمين المحلية (ليست لدينا معلومات عن وجود مثل هذه الشركات) والأجنبية.  نلاحظ على هذا القانون أولاً تركيزه على ما يسميه “الحياة البشرية” فهو يميز بين التأمين على الحياة، والتأمين بالأقساط وضمان رؤوس الأموال رغم أن ما يسمى التأمين بالأقساط شكل من أشكال التأمين على الحياة (المادة 1).  أما أنواع التأمين الأخرى، كالتأمين من الحريق والشحن البحري، فلا يرد نص مخصص بشأنها وتكتفي المادة 2 من القانون بذكر “أعمال التأمين الأخرى” كما يلي:

 

“على كل شركة من الشركات التي تتعاطى أي نوع من أعمال التأمين سيغورطة في العراق سواء أكان لها مكتب خاص في العراق أو وكيل يمثلها فيه أو تودع باسمها لدى أحد المصارف التي يعينها وزير المالية: 1 – مبلغاُ من النقود لا يقل عن 10000 دينار لقاء التأمين على الحياة أو التأمين بالأقساط أو إطفاء رؤوس الأموال أو كلها. 2 – مبلغاً من النقود لا يقل عن 5000 دينار لقاء أعمال التأمين الأخرى.”

 

ويظهر من هذا النص أن الشركات التي يشير إليها القانون هي شركات غير عراقية (“سواء أكان لها مكتب خاص في العراق أو وكيل يمثلها فيه”) إذ لم يكن وقتها قد تأسست شركة تأمين برأسمال عراقي.

 

وفيما يخص تحديد أعمال التأمين الأخرى، وهو ما تأتي تشريعات الرقابة على ذكره، فإن قانون تعديل قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 (الوقائع العراقية، العدد 1896، 4/7/1941) بين ذلك في المادة 1 من قانون التعديل:

 

”  أنواع التامين الأخرى وهي عبارة عن المقاولات التي تعقد للتامين ضد الحريق والحوادث وأخطار العمل وما يتسبب عنها من عاهات وأخطار التلف أو التدمير أو الضياع أو السرقة وإخطار النقل البري والبحري والجوي وخيانة الأمانة وكافة الأخطار والعوارض التي لم ينص عليها صراحة في هذا القانون.”

 

ربما كان هذا القانون أول تشريع في العراق ينص على الملاءة المالية لشركات التأمين إذ تنص المادة 6 على قيام الشركات “مرة على الأقل في كل ثلاث سنوات بتحريات عن أحوالها المالية بما في ذلك تقدير الديون والموجودات وذلك بواسطة محاسب أخصائي في أعمال التأمين ..” ولعل المراد بالمحاسب الأخصائي الخبير الإكتواري أو المحاسب القانوني وقد نكون مخطئين بهذا الشأن إذ أن العراق لم يختبر وجود اكتواري متفرغ للعمل في شركة تأمين.

 

كما أن هذا القانون ربما كان أيضاً أول تشريع عراقي ينظم عمل شركات التأمين الأجنبية.  وتنص المادة 7 بهذا الشأن:

 

“لا يجوز لشركة أجنبية أن تتعاطى في العراق أعمال التأمين على الحياة أو التأمين بالأقساط أو ضمان رؤوس الأموال ما لم يكن لديها رأس مال مكتتب يعادل على الأقل مائة ألف دينار.”

 

وجرى تعديل بسيط لهذه المادة بموجب قانون تعديل قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936: استبدال رأس المال المكتتب (رأس المال المصرح به الذي اكتتب به المساهمون في الشركة) برأس المال المدفوع (المبالغ التي سددها المساهمون لقاء الأسهم التي اكتتبوا بها).  التأكيد على رأس المال المدفوع هو من باب ضمان أن شركة التأمين لها الملاءة المالية لمزاولة العمل ومقابلة مسؤولياتها.

 

بعد صدور قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 صدر نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 (الوقائع العراقية، العدد 1522، 6/18/1936) وضم خمس مواد.

 

“مادة 1 يجب ان تستوفى الاجازة المنصوص عليها في المادة الثامنة من قانون شركات التامين رقم 74 لسنة 1936 للقيام بأعمال وكالة شركة من شركات التامين الشروط التالية: 1- ان يكون لدى الوكيل وكالة تخوله الصفة القانونية …. 2 – ان يكون الوكيل: ا – قد بلغ 21 سنة من العمر. ب – غير محكوم عليه بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف. ج – غير محكوم عليه بالإفلاس إلا اذا استعاد اعتباره. د – معروفا بالاستقامة وحسن السلوك. هـ – ان يكون مسجلا في غرفة التجارة.

 

وقد خضع هذا النظام للتعديل بموجب نظام تعديل نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 9361 (الوقائع العراقية تاريخ 30 أيار 1938). أنصب التعديل على الفقرة 2 من المادة 1 وبموجبه ألغيت الفقرة 2 من المادة الأولى وحلت محلها الفقرة التالية:

 

“2 – ان يكون الوكيل: ا – شخصا حكميا معترفا بشخصيته الحكمية بمقتضى القوانين العراقية النافذة ومسجلا في غرفة التجارة. ب – شخصا حقيقيا بالغا 21 سنة من العمر، ومعروفا بالاستقامة وحسن السلوك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف ولا بالإفلاس إلا اذا استعاد اعتباره ومسجلا في غرفة التجارة.”

 

أهمية هذا التعديل تكمن في الاعتراف بالوكيل التأميني كشخصية حكمية إضافة إلى الوكيل كشخصية حقيقية.  وهذا يؤشر إما على تطور في مزاولة التأمين خلال سنتين أو انتباه المشرّع لنقص في نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936.

 

وجاء في المادة 3 من نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 نص بوقف إجازة شركة التأمين أو وكيلها في حالة: مخالفة أحكام قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936، إهمال حقوق حملة وثائق التأمين، خلل في الوضع المالي لشركة التأمين يستوجب زيادة الضمانة أو هبوط قيمة الضمانة.  هذه الشروط يراد منها حماية حقوق المؤمن له إلا أن النص، كما هو عليه، لا يتوسع فيما يخص استرداد مثل هذه الحقوق من الشركة المخالفة لأحكام القانون.  كما أن النص لا يذكر فرض غرامة مالية معينة على الشركة المخالفة.

 

قانون شركات ووكلاء التأمين رقم (49) لسنة 1960

 

جاء هذا القانون لدمج وتوحيد وتحديث القوانين القائمة.  فعند ذكر الأسباب الموجبة نقرأ:

 

إن القوانين التي تحكم شركات التأمين وهي الجانب الشكلي من أعمال التأمين موزعة في العراق على عدة قوانين وهي قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 وتعديلاته وقانون شركات الضمان (السيكورتاه) الصادر في العهد العثماني وقانون الشركات التجارية رقم 31 لسنة 1957 ونظام إجازات وكلاء التأمين رقم 25 لسنة 1936.

 

إن تعدد هذه القوانين وقدمها وتشتت أحكامها وافتقارها إلى وحدة الهدف حمل وزارة التجارة على تهيئة لائحة قانونية جديدة لشركات التأمين تحل محل المشار إليها ..”

 

ويتألف هذا القانون من 64 مادة موزعة في تسع فصول هي:

 

الفصل الأول: تعاريف

الفصل الثاني:أنواع التأمين

الفصل الثالث: شركات التأمين

الفصل الرابع: فروع شركات التأمين

الفصل الخامس: وكلاء التأمين

الفصل السادس: إجازة التأمين

الفصل السابع: السجلات

الفصل الثامن: المعلومات

الفصل التاسع: مواد متفرقة

 

تستجيب هذا الفصول لمهام الرقابة التي تقوم بها الدولة من خلال وزارة التجارة لإلزام الشركات بالإبقاء على ودائع مصرفية، واحتياطيات ونسب من أقساط التأمين لمقابلة المطالبات، وتعين مراقب للتأمين في مديرية التسجيل ومراقبة الشركات العامة (المادة 1-البند 2) وشروط إجازة شركات التأمين، وضبط حسابات الشركات العراقية والأجنبية وغيرها.

 

ويأتي ذكر حملة وثائق التأمين في الفصل السادس: “إذا ثبت بصورة قاطعة أن حامل وثيقة التأمين قد طالب المؤمِن بطلب معقول فأهمله ولم يجب بعد تسعين يوماً من تاريخ تقديمه أو إذا امتنع عن تنفيذ حكمٍ اكتسب الدرجة القطعية” عندها “يجوز للوزير إيقاف إجازة التأمين الممنوحة بموجب هذا القانون للمدة التي يرتأيها على أن لا تتجاوز السنة أو إلغائها.”  (المادة 35).  ويأتي ذكرهم أيضاً في الفصل التاسع (المادتين 52 و 53) كما سنفصل لاحقاً.

 

المؤسسة العامة للتأمين

 

تأسست “(المؤسسة العامة للتامين) – وتشمل جميع منشات التامين وإعادة التامين التي تمتلك الحكومة الان او في المستقبل كامل رأسمالها” كإحدى المؤسسات التابعة للمؤسسة الاقتصادية (المادة 4 من قانون المؤسسة الاقتصادية رقم (98) لسنة 1964).  وكانت المؤسسة الاقتصادية تضم أيضاً المؤسسة العامة للصناعة والمؤسسة العامة للتجارة.

 

وقد عُدّل هذا القانون بموجب قانون المؤسسة العامة رقم (166) لسنة 1965 الذي ورد في المادة 1 منه:

 

“تنشا بهذا القانون المؤسسات العامة الآتية وتكون منها [لها] شخصية ممونة [معنوية] واستقلال ملي [مالي] وإداري مركزها في بغداد وترتبط إداريا بالوزارة المبينة إزاءها.

 

1- المؤسسة العامة للتجارة – وزارة الاقتصاد

2- (المؤسسة العامة للتامين) – وزارة الاقتصاد

3- المؤسسة العامة للصناعة – وزارة المالية”

 

هل كان للمؤسسة دور رقابي على النشاط التأميني؟

عند قراءة النظام الداخلي للمؤسسة العامة للتأمين (الوقائع العراقية، العدد 1020 في 18-10-1964) و 1965) لا نعثر على نص صريح يُفصّل المهام الرقابية على المنشآت التابعة للمؤسسة لكن نظام سنة 1964 يذكر صلاحيات مجلس إدارة المؤسسة (المادة 8) وتشمل 15 فقرة من بينها ما يخص الوظيفة الإشرافية:

 

  • الإشراف على المنشآت التابعة للمؤسسة
  • اقتراح لوائح القوانين والأنظمة المتعلقة بالمؤسسة
  • إصدار التعليمات المُوَجِهة للمنشآت التابعة والمنسقة لأعمالها
  • اتخاذ كل ما ينبغي لتنظيم سوق التأمين العراقية
  • وضع أسس الرقابة على المنشآت لضمان سلامة عملها

 

كما يضم النظام مادة برقم 15 عن الدائرة القانونية للمؤسسة ومن مهامها:

 

1-    تقديم الاستشارات والبحوث القانونية للمؤسسة والمنشآت.

2-    دراسة وإعداد لوائح القوانين والأنظمة ذات العلاقة بأغراض المؤسسة.

3-    مراقبة وتطبيق القوانين والأنظمة المرعية في المؤسسة والمنشآت.

4-    تجميع قرارات المحاكم المتعلقة بأعمال التأمين وتبويبها والتعليق عليها ودراستها دراسة مقارنة.

 

تشكل هذه المواد إطاراً عاماً لتحديد تفاصيل الوظيفة الرقابية لكن نطاق التطبيق ليس معروفاً لدينا.

 

لا ندعي معرفة بما كتب عن تاريخ قطاع التأمين في العراق لكننا نميل إلى تأكيد أن ما كتب عن المؤسسة العامة للتأمين هو أقل القليل.  وإذا جاء ذكر له فهو كالتالي:

 

إن سوق التأمين في العراق يضم الآن المؤسسة العامة للتأمين التي ترتبط بوزارة الاقتصاد ومن منشآت هذه المؤسسة الشركات الثلاث المذكورة: 1- شركة التأمين الوطنية … 2- الشركة العراقية للتأمين على الحياة … 3- شركة إعادة التأمين العراقية ..[10]

 

وترتبط الشركات هذه [شركة التأمين الوطنية، الشركة العراقية للتأمين على الحياة وشركة إعادة التأمين العراقية] بالمؤسسة العامة للتأمين التي تقوم بدورها بتنظيم أعمال الشركات الثلاث والإشراف على سياساتها وتخطيط أعمالها إلى أن تم إلغاء المؤسسة العامة للتأمين وأصبح ارتباط هذه الشركات بوزارة المالية مباشرة.[11]

 

ونجد مثل هذا العرض البسيط في كتابات أخرى لاحقاً دون التوقف عند تقييم نقدي لمكانة المؤسسة العامة للتأمين في الإشراف على شركات التأمين وتنظيم سوق التأمين وتدريب الكوادر وغيرها من الوظائف.[12]

 

لم يغب حماية مصالح المؤمن لهم من ذهن الشارع عند صياغة قانون تعديل قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960 الذي صدر في 22 آب 1965 (الوقائع العراقية، العدد 1170، في 14/9/1965) لتنظيم دمج شركات التأمين وشرح الأسباب الموجبة له: تأكيد حماية حقوق المؤمن لهم.  نستعرض بعض البنود ذات العلاقة بالموضوع ونبدأ مع قانون شركات ووكلاء التامين رقم 49 لسنة 1960.  جاء في المادة 52:

 

“إذا أرادت شركة مشمولة بنصوص هذا القانون الاندماج مع شركة أخرى واحدة فيجوز للوزير أن يوحد إجازتيهما بعد أن تقدم كلاهما تقريراً مفصلا مؤيداً من قبل مراقب حسابات أو محاسب قانوني أو محاسب أخصائي بأعمال التأمين مبيناً أن الاندماج لا يضرّ حملة وثائق التأمين والأغيار بصورة عامة.”  [التأكيد من الكاتب]

 

وتؤكد المادة 53، وتضم بعضاً من إجراءات الدمج، على ضمان مصالح المؤمن لهم وكما يلي:

 

“1- بعد موافقة الوزير يعلن عن الاندماج قبل إصدار الإجازة لمدة شهر في النشرة وفي إحدى الصحف المحلية ويكون لكل شخص يرى نفسه متضرراً من هذا الاندماج أن يعترض لدى مراقب التأمين الذي يجب عليه إجراء التسوية بين الأطراف فإن لم تتم التسوية فللمعترض الحقّ في مراجعة المحكمة لمنع إجراء الاندماج في خلال شهر من تاريخ نشر إجراءات التسوية وللمحكمة أن تصدر قرارها وترسل نسخة منه إلى مراقب التأمين لتسجيله ويكون قرار المحكمة بهذا الشأن قطعياً وتطبق هذه الأحكام في حالة ما إذا أرادت أي شركة مشمولة بنصوص هذا القانون أن تنقل جميع أعمالها بالعراق إلى شركة أخرى مشمولة بنصوص هذا القانون في العراق.

 

2- للمحكمة أن تستدعي الخبراء للاسترشاد بآرائهم قبل إصدار قرارها بالقبول أو الرفض.”

 

صدر قانون تعديل قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960 سنة 1965 (ويتألف من أربع مواد) لحذف هاتين المادتين وكما يلي:

 

“مادة 1

تحذف المادة الثانية والخمسون من قانون شركات ووكلاء التامين رقم 49 لسنة 1960 ويحل محلها ما يلي:

المادة الثانية والخمسون: يعتبر القرار الصادر من المؤسسة الاقتصادية في حالة دمج شركة التامين أو أكثر وفقا لأحكام المادة الخامسة من قانون تأميم بعض الشركات والمنشات رقم 99 لسنة 1964 قطعيا في حق ذوي العلاقة والمؤمن لهم والغيار كافة وتحدد المؤسسة الاقتصادية أسس هذا الدمج.”

 

“مادة 2

تحذف المادة الثالثة والخمسون من القانون المذكور ويحل محلها ما يلي:

المادة الثالثة والخمسون: للمؤسسة العامة للتامين أن تقرر نقل محفظة أية شركة تامين عراقية أو فرع أو وكالة تامين أجنبية عاملة أو كانت عاملة في العراق إلى شركة تامين أخرى، ويعتبر قرارها بهذا الشأن قطعيا غير قابل للاعتراض عليه أو الطعن فيه من قبل ذوي العلاقة والمؤمن لهم وكافة الغيار تحدد المؤسسة العامة للتامين أسس نقل المحفظة في كل حالة على حده والمدة التي يجب أن يتم النقل خلالها.”

 

يمكن للقارئ أن يلاحظ الموقف التسلطي ثقيل الوطأة بشأن القرارات القطعية للمؤسسة، فهي غير قابلة للاعتراض والطعن ليس فقط من قبل “ذوي العلاقة” بل أيضاً من قبل “المؤمن لهم.”  ولعل مرد ذلك أن نقل المحافظ لن يؤثر على مصالح هؤلاء – كما يرد في ملحق القانون ونقتبسه كاملاً:

 

“عند صدور قانون شركات ووكلاء التامين رقم 49 لسنة 1960 كانت شركات التامين إما أهلية أو أجنبية وكان من الطبيعي ان يهدف المشروع فيما هدف إليه من القانون إلى ضمان حقوق المتعاقدين مع تلك الشركات في حالات الدمج بين شركتين أو أكثر أو نقل أعمال إحداها إلى أخرى فنصت المادتان 52 و 53 من القانون المذكور على إجراءات معينة تقوم بها وزارة الاقتصاد ضمانا لحقوق المتعاقدين باعتبارها الجهة التي تتوافر لديها الإمكانيات للتأكد من سلامة عمليات الدمج والتحويل وعدم إضرارها بحقوق الآخرين ومن تلك الإجراءات القيام بإعلان عن الدمج قبل إجرائه والاعتراض عليه خلال مدة معينة.

 

وبموجب القوانين الاشتراكية التي صدرت في 14/7/1964 أصبحت أعمال التامين من اختصاص القطاع العام ونقلت ملكية شركات التامين الأهلية إلى المؤسسة الاقتصادية فمنعت الشركات الأجنبية من مزاولة أعمال التامين وعمدت المؤسسة الاقتصادية إلى تكوين شركات متينة ماليا وفنية بتجميع الخبرات والكفاءات من شركات اقل عددا وذلك عن طريق دمج تلك الشركات والمنشات رقم 99 لسنة 1964، أو تخصصها في أنواع معينة من أعمال التامين وقد أقتضى ذلك الإجراء تحويل محافظ أعمالها بما فيها كافة التزاماتها وحقوقها وأموالها بعضها إلى البعض الآخر.

 

ولما كانت لبعض فروع ووكالات الشركات الأجنبية التزامات يمتد سريانها فترة طويلة فقد لوحظ بان المصلحة العامة مصلحة المتعاقدين مع تلك الشركات تستدعى تحويل محافظ تلك الشركات إلى الشركات العراقة المؤممة المملوكة والمضمونة من قبل المؤسسة الاقتصادية وهي جهة حكومية.  وبالنظر إلى ان المؤسسة الاقتصادية تتوافر لديها الإمكانيات الفنية لإتمام عمليات التحويل بشكل سليم يضمن حقوق الأغيار وجد ان الإجراءات التي يتطلبها قانون شركات ووكلاء التامين رقم 49 لسنة 1960 في مادتيه 52 و 53 لا ضرورة لها ولتحقيق الأغراض المتقدمة فقد شرع هذا القانون.”

 

انتهى دور المؤسسة العامة للتأمين في تنظيم القطاع مع صدور قرار مـجـلـس قـيادة الـثـورة في 4/1/1987 وبموجبها انتقلت حقـوقـهـا والتزاماتها إلى الشركات الثلاث الـتـابـعـة لـهـا (شركة التأمين الوطنية، الشركة العراقية للتأمين  على الحياة [بعد إلغاء تخصص الشركتين أصبحت تعرف باسم شركة التأمين العراقية] وشركة إعادة التأمين العراقية)، كما انتقلت صلاحيات رئيس المؤسسـة إلى المدراء العامين للشركات فـي كـل ما يـتـعـلـق بالأمور الإدارية والماليـة والفنيـة وحسـب مقتضيات العمل، واحتفظت الشركات باستقلالهـا الـمـالـي والإداري وشخصيتها المعنوية، وتم ربطها لأغراض التنظيم بوزارة الـمالـيـة.

 

الرقابة على التأمين خلال سنوات الحصار الاقتصادي (1990-2003)

 

في 3/12/1998 صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 192[13] للإشراف على قطاع التأمين.  وجاء صدور القرار عقب صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وإلغاء قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960.  يتألف القرار من سبع مواد نقتبس بعضاً منها.

 

“أولا – تكون وزارة المالية هي الجهة القطاعية المختصة بنشاط التأمين وإعادة التأمين.

ثانياً – لا يجوز التأمين خارج العراق مباشرة على أشخاص أو أموال موجودة في العراق أو مسؤوليات قد تتحقق فيه.

ثالثاً – لا يجوز للشركات أن تمارس أعمال التأمين وإعادة التأمين قبل الحصول على إجازة من وزير المالية.

 

خامساً – يصدر الوزير التعليمات في الأمور التالية:

ومن بينها

شروط منح الإجازة

مقدار وديعة التأمين

احتجاز الاحتياطيات وطريقة احتسابها وتوظيفها

أسس وأساليب الرقابة على أعمال الشركات المشمولة بأحكام هذا القرار.

 

سادساً – يلغى قانون شركات ووكلاء التأمين المرقم ب (49) لسنة 1960.”

 

وبنفس تاريخ القرار صيغت تعليمات من 26 مادة استناداً إلى أحكام البند (خامساً) من القرار، ووقعها وزير المالية في 4/10/1999.  جاء في المادة 1 من التعليمات:

 

يسمي وزير المالية أحد موظفي الوزارة من ذوي الخبرة في التأمين للقيام بأعمال مراقب التأمين يعاونه عدد من الموظفين ويكون ارتباطه بالوزير مباشرة.

 

نلاحظ هنا أن ارتباط الرقابة بوزارة المالية ظل قائماً وتم النص عليه مجدداً في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.  وفي الماضي كانت الوظيفة الرقابية تابعة لوزارة التجارة كما قضى بذلك قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960، وقبلها كانت الرقابة مرتبطة بوزارة المالية أيضاً (قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936).

 

ويرد في هذه التعليمات مواد عن شروط منح إجازة ممارسة التأمين (المواد 2-8)، ويلاحظ خلو التعليمات من الإشارة الصريحة إلى حماية حقوق المؤمن لهم رغم أهميتها إذ أن الهدف الأساس من تنظيم النشاط التأميني هو ضمان استمرار حماية المؤمن لهم.

 

ديوان التأمين العراقي

 

تأسس الديوان تنفيذاً للمادة 5-أولاً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005:

 

يؤسس بموجب هذا القانون ديوان يسمى (ديوان التأمين) يتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، وله تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة اللازمة لتحقيق أهدافه والقيام بجميع التصرفات القانونية ويمثله رئيس الديوان أو من يخوله.[14]

 

يذكر أ. بديع السيفي أن الديوان قد تأسس فعلاً في سنة 2005 “بالاستعانة بمراقبية التأمين في وزارة المالية.”

 

وجاء في المادة 5- ثانيا من القانون:

 

يكون مقر الديوان في بغداد وله أن ينشئ فروع له في أرجاء العراق بقرار من رئيسه بموافقة الوزير.

 

هذه المادة تجد رديفاً لها في النظام الداخلي للمؤسسة العامة للتأمين، المادة 3 وجاء فيها:

 

يكون مركز المؤسسة بغداد ولها أن تفتح فروعاً لها داخل العراق وخارجه.

 

وكان ذلك عندما كانت الدولة مركزية.  ولم تفتح المؤسسة فروعاً لها داخل العراق.  ونحتار في تفسير حرية فتح فروع خارج العراق خاصة وان شركات التأمين العراقية لم تؤسس لها فروعاً في الخارج، وهي إن فعلت فإن أعمالها كانت ستكون خاضعة للقوانين التجارية والقواعد الرقابية في البلدان التي تتواجد فيها.

 

تغيرت الأحوال منذ 2003 وقيام فرصة إعادة تأسيس الدولة وصدور قانون التأمين لسنة 2005 دون أن نقرأ ما يفيد إنشاء فرع للديوان.  المعلومات المتوفرة لا تشير إلى نية إنشاء فروع للديوان خارج العاصمة بغداد.  سمعنا عن محاولات للتنسيق بين الديوان والسلطات المعنية في حكومة إقليم كردستان، ربما انصب بعضها على فتح فرع للديوان في الإقليم أو تسوية المطالبات المعلقة بذمة شركة التأمين الوطنية منذ سنة 1991 إلا أن هذه المحاولات لم تنجح.  ولعله من المفيد إثارة اقتراح تأسيس فرع للديوان ومناقشته لضمان تطبيق المعايير الرقابية على المستوى الاتحادي، وتحقيق سوق موحد للتأمين، وتسهيل قيام شركات التأمين المؤسسة في الإقليم بمزاولة العمل في كافة أرجاء العراق.

 

وفيما يخص الكادر الوظيفي ذكر السيفي أن

 

عدد موظفي الديوان عدا رئيس الديوان حالياً (8) موظفين، ثلاثة منهم من ذوي الاختصاص من العاملين في شركات التأمين، أما الخمسة فهم تعيين جديد.

 

باشر الكادر المتخصص في الديوان بإعداد وتهيئة مستلزمات تطبيق القانون من أنظمة وتعليمات وأحيلت أعلبها إلى مجلس شورى الدولة لغرض تدقيقها وهي المرحلة التي تسبق نشرها في الجريدة الرسمية.[15]

 

ليست هناك معلومات متوفرة في العلن عن المؤهلات العلمية للموظفين غير ما ذكره السيفي عن ثلاثة من العاملين من ذوي الاختصاص.  ويبدو أن هذا الاختصاص يرتبط بعملهم في شركات التأمين، أي أنهم لم يمارسوا وظيفة رقابية سابقاً.  وإذا كان هذا الوصف صحيحاً بات من اللازم إخضاع العاملين، من ذوي الاختصاص أو من الذين عينوا (ومؤهلاتهم غير معروفة)، لدورة أو دورات تدريبية، نظرية وعملية، ارتباطاً بالوظيفة الرقابية التي يمارسونها.

 

في رسالة من الزميل فؤاد عبد الله عزيز بتاريخ 21 آذار 2007 ذكر الآتي:

 

“منذ بداية تأسيس الديوان، الذي كنت رئيسا له، باشرنا بوضع التعليمات التفصيلية لجملة من متطلبات القانون منها إجازة الشركات والوسطاء والوكالات والملاءة المالية والعديد من الأمور التي تقتضيها الرقابة على النشاط التأميني.  وقد أنجز البعض منها إلا أنها تتطلب إحالتها إلى مجلس شورى الدولة لاستكمال الإجراءات القانونية .. وكان معي في الديوان فاضل النجار وشروق علي وموظفين متدربين وقد غادرنا أنا وفاضل وبقيت شروق وحدها في الساحة، وليس هناك من مهتم آذ بوجودي كان هناك عدم فهم مستعصي.”

 

وحتى وقت كتابة هذه الورقة (تشرين الثاني 2010) لا يبدو في الأفق أن تغييراً كبيراً سيحدث في تطوير طاقم الموظفين والموظفات، وفي ممارسة الوظيفة الرقابية ضمن أحكام قانون التأمين بفعالية لها القدرة على إلزام شركات التأمين بها.

 

ورغم الوضع الصعب للديوان فإنه استطاع إصدار عدد من التعليمات المنظمة للعمل التأميني منشورة في الموقع الإلكتروني للديوان وكلها تصب في صلب المبدأ الأساسي للرقابة على التأمين، أي حماية مصالح المؤمن لهم:

 

أسس احتساب المخصصات الفنية

المبلـــــــغ الأدنى للضمـــــان

وديعة الضمان

السياسات المحاسبية الواجب إتباعها من المؤمن

أسس استثمار أموال المؤمنين

تحديد طبيعة ومواقع موجودات المؤمن التي تقابل الالتزامات التأمينية المترتبة عليه

فروع أنواع التأمين

منح إجازة ممارسة أعمال التأمين وإعادة التأمين

هامش الملاءة

 

ضعف الكوادر لا يقتصر على الديوان بل يمتد على جميع شركات التأمين رغم جهود بعضها في رفع مستوى الأداء والكفاءة من خلال التدريب.  ويبدو أن الديوان يقدر حقيقة إمكانياته القائمة.  ففي نشرة صحفية منشورة في موقع الديوان، حول مذكرة تفاهم مع الجمعية الوطنية لمراقبي التأمين في الولايات المتحدة الأمريكية يرد التأكيد التالي: “ونؤكد مرة أخرى، من أنه لا بد من التركيز على التبادل المعلوماتي ومع تطوير مستويات المشرفين.”[16] [التأكيد من الكاتب]

 

المشكلة الأساسية التي تكبح الديوان تكمن في ارتباطه العضوي بوزارة المالية بدلاً من أن يكون هيئة مستقلة أو شبه حكومية لا يخضع لبيروقراطية الوزارة وللقرار والتدخل السياسي.  وبهذا الصدد كتب سعدون مشكل خميس الربيعي، المدير المفوض للشركة الأهلية للتأمين، وعضو مجلس إدارة جمعية شركات التامين وإعادة التأمين العراقية:

 

“إن الجهة القطاعية المشرفة على قطاع التامين هي وزارة المالية – ديوان التامين والذي باشر عمله في 1/6/2005 لكنه وللأسف لم يمارس دوره المطلوب كجهة رقابية تنظم عمل القطاع حيث يفتقر إلى كادر وظيفي له الخبرة والدراية في الأمور المالية والفنية والقانونية والتسويقية والإدارية.

 

وقد طالبنا بتفعيل هذا الديوان وتسمية رئيس له من ذوي الخبرة والاختصاص في التامين ومبادئه وشروط وثائقه واستثناءاتها، وتقدير الخطر وأنواع التامين، والمبادئ الأساسية في التطبيق العملي مع تقديرنا واعتزازنا برئيس الديوان الحالي لما له من مهام كثيرة في الوزارة قد تشغله عن الانصراف لهذا القطاع.

 

ونحن بانتظار ما سيصدر من تعليمات إلى الوزارات والمؤسسات والهيئات ودوائر الدولة والاتحادات ومجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني بإلزامها إجراء التامين لدى شركات التامين العراقية.  وهذا ما هو معمول به في أنظمة وتشريعات الدول العربية.  ونتطلع إلى نتائج توصيات مؤتمر التأمين [بغداد، 2009] المرفوعة لمعالي السيد وزير المالية.[17]

 

دعوة الربيعي هذه تنهض على أحكام المادة 8 من قانون تنظيم أعمال التأمين:

 

“المادة-8-          يتولى رئيس الديوان:

أولا- وضع وتنفيذ سياسة وخطط وبرامج لحماية المتعاملين بعقود التامين ولتطوير سوق شفاف وامن.

ثانيا- اقتراح الهيكل التنظيمي للديوان بما يضمن أداء أعماله بشكل فعال وكفوء.

ثالثا- تعيين موظفي ديوان التأمين.

رابعا- الاستعانة بالمستشارين أو المحللين أو الفاحصين أو الخبراء أو المحامين أو المحاسبين أو متخصصي تكنولوجيا المعلومات وغيرهم من المهنيين بعقود مقابل أجور يحددها بتعليمات، لمساعدته في أداء واجباته بموجب أحكام هذا القانون.

خامسا- إعداد برامج وخطط لتطوير قطاع التامين ورفع مستوى خدماته بالتشاور مع الوزارة.

سادسا- إعداد مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بأعمال التامين ورفعها إلى الجهات المعنية.

سابعا- إعداد الموازنة السنوية للديوان ورفعها إلى الوزارة.

ثامنا- النظر في الشكاوى المقدمة حول خدمات التأمين واتخاذ القرارات المناسبة في شأنها وفقا لأحكام هذا القانون.”

تاسعا- إصدار الأوامر والقرارات اللازمة لتنفيذ مهامه وصلاحياته المقررة بمقتضى أحكام هذا القانون.

عاشرا- أي مهام أو صلاحيات أخرى يخوله إياها القانون.

 

وما زالت معظم أحكام هذه المادة تنتظر التطبيق.

 

وقد حدد القانون بشكل جلي دور الديوان في حماية حقوق المؤمن لهم لكنه وضع هذه الحماية ضمن هدف أوسع كما جاء في المادة 6:

 

“المادة-6

يهدف الديوان إلى تنظيم قطاع التأمين والإشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الأشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الآتية:

 

أولاً- حماية حقوق المؤمن لهم والمستفيدين من أعمال التأمين ومراقبة الملاءة المالية للمؤمنين لتوفير غطاء تأميني كاف لحماية هذه الحقوق.

 

ثانيا- رفع أداء المؤمنين وكفاءتهم وإلزامهم بقواعد ممارسة المهنة وآدابها لزيادة قدرتهم على تقديم خدمات أفضل للمواطنين المستفيدين من التأمين.”

 

الديوان وعضوية هيئات الرقابة في الخارج

في آذار 2006 أصبح الديوان عضواً في الجمعية الدولية لمراقبي التأمين

International Association of Insurance Supervisors (IAIS)

وهذه العضوية تنسجم مع الفقرة 6 – خامسا- من القانون: ” توثيق روابط التعاون والتكامل مع جهات تنظيم قطاع التامين على المستويين العربي والعالمي.”  وجاء في نشرة صحفية منشورة في الموقع الإلكتروني للديوان ما يفيد أهمية العضوية لأنها “ستساعد الديوان لتحمل المسؤوليات وذلك من خلال معرفة الحلول المطبقة في بلدان أخرى لقضايا الرقابة والإشراف والتي قد تكون مناسبة لبلدنا العراق.”[18]

 

وخلال نفس الفترة وقع الديوان مذكرة تفاهم مع الجمعية الوطنية لمراقبي التأمين (في الولايات المتحدة الأمريكية) National Association of Insurance Commissioners (NAIC) وجاء في نشرة صحفية (بترجمة ضعيفة من اللغة الإنجليزية) في موقع الديوان[19] أن “هناك اتصال بين ديوان التأمين ورئيس NAIC ومع موظفين آخرين لإنجاز البرنامج بين المنظمتين.  هذا البرنامج سوف يتضمن تبادل أنباء السوق، مناقشة التطورات المنظمة، مواجهة القضايا والدورات التدريبية.”

 

ديوان التأمين ومظالم الماضي: الرقابة بأثر رجعي؟

هناك مظالم قائمة من الماضي تتمثل بحقوق المؤمن لهم المهضومة بسبب السياسات المقيتة للنظام الدكتاتوري السابق، وتشمل الحق بالتعويض عن مطالبات عن حوادث موقوفة وخسارة أقساط التأمين على الحياة لدى البعض.  لا نعرف إن تقدم المتضررون بمطالبهم لشركات التأمين ذات العلاقة بالموضوع أو لديوان التأمين.[20]

 

وكنا قد ذكرنا في دراسة سابقة لنا[21] أن هناك امتعاضاً كردياً على المستوى الشعبي والرسمي في الإقليم من إدارتي شركة التأمين الوطنية والشركة العراقية للتأمين لتقاعس أو امتناع هاتين الشركتين الاعتراف بحقوق المؤمن عليهم في الإقليم ممن تعرضت مصالحهم في الماضي للأضرار، وخاصة ما يندرج منها تحت قانون التأمين الإلزامي للسيارات، دون أن يستطيعوا الحصول على تعويض منهما عن الأضرار التي لحقت بهم.  وهذا الوضع هو الذي يحول دون تأسيس فروع للشركات العامة، والخاصة أيضا لأسباب أخرى، في إقليم كردستان العراق رغم المحاولات الجادة بشأنه.

 

ترى لو قام المتضررون بالتنازع مع الشركة/الشركات المعنية بشأن المطالبات القديمة الموقوفة هل للديوان أن يتصرف اعتماداً على المادة 79-أولاً:

 

“يضع رئيس الديوان قواعد تنظيمية تطبق كحل بديل لمنازعات حملة وثائق التأمين والمنازعات التأمينية الأخرى، بضمنها التوسط والتحكيم بما لا تتعرض مع أحكام هذا القانون.”  [التأكيد من الكاتب]

 

أو المادة83-أولاً:

 

“لرئيس الديوان إنشاء صندوق لتعويض المتضررين من حوادث المركبات … وله تأسيس صندوق لتعويض المؤمن لهم أو المستفيدين في حالة إفلاس شركات التأمين أو عند إيفائها بالالتزامات المترتبة عليها، وله إنشاء أية صناديق أخرى، وتتمتع هذه الصناديق من تاريخ إنشائها بالشخصية المعنوية.”  [التأكيد من الكاتب]

 

ومن رأينا إن الفصل المنصف لمثل هذه المطالبات سيكون في صالح الشركات والديوان معاً إن تدخل في تسويتها أو طلب منه ذلك.

 

هناك مسألة إجرائية لها تبعات حقيقية نود أن نختتم بها هذه الورقة.  قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لم يذكر ولم يلغي صراحة أو ضمناً القوانين السابقة ذات العلاقة في حين أن التشريعات العراقية ما قبل ذلك كانت تنص على إلغاء قانون أو قوانين أو أحكام سابقة.  ضمن هذا الوضع هل تعتبر القوانين ذات الصلة غير الملغاة سارية المفعول؟  وإن كان الأمر كذلك ألا يؤدي هذا الوضع إلى تباين وربما تنازع في التطبيق بين قانون 2005 وقوانين سابقة له؟  نأمل من زملاءنا الحقوقيين توضيح هذا الأمر والفصل فيه.

 

مصباح كمال

لندن تشرين الثاني 2010

 

 

 

 

[1]           مصباح كمال، “جدول أعمال: مسح سريع لبعض قضايا وهموم السوق العراقي للتأمين” مدونة مجلة التأمين العراقي، http://misbahkamal.blogspot.com/2008/04/blog-post_29.html

 

[2]          حماية المستهلك موضوع قائم بذاته يشمل النشاط التأميني لمنه يمتد إلى قطاعات صناعية وخدمية أخرى، ويحتاج إلى دراسة مستقل.  أتمنى أن يقوم أحد الزملاء بهذه الدراسة. 

 

جاء في خبر نقلته وكالة أنباء أصوات العراق في بغداد أن مجلس الرئاسة صادق يوم الاثنين 4/1/2010 على “قانون حماية المستهلك، الهادف لضمان حقوق المستهلك الأساسية وحمايتها من الممارسات غير المشروعة التي تؤدي إلى الإضرار به، بحسب بيان رئاسي.”  وجاء في البيان أن “القانون يهدف إلى ضمان حقوق المستهلك الأساسية … ورفع مستوى الوعي الاستهلاكي ومنع كل عمل يخالف قواعد استيراد أو إنتاج أو تسويق السلع أو ينتقص من منافعها أو يؤدي إلى تضليل المستهلك.”  يمكن أن تجري الدراسة في ضوء هذا القانون وربطها مع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.

 

[3]           مصباح كمال “نحو رفض مقترح تأسيس اتحاد لشركات التأمين العراقية: حوار مهني مع السيد عبد السادة الساعديمجلة التأمين العراقي الإلكترونية:

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/07/blog-post_09.html

 

[4] What Hurts the Purse, Hurts the Soul: Insurance in the Ottoman Empire (Istanbul: Ottoman Bank Archives and Research Centre, 2009), p12.  From the introductory essay by Murat Koralturk and Fathi Kahya.

 

[5]           مجلة الأحكام العدلية أعدتها هيئة تحت إشراف أحمد جودت باشا في 16 كتاب (جزء) ضمت 1851 مادة ودخلت حيز التنفيذ سنة 1877.  يبحث الكتاب الأول: في البيوع والكتاب السادس عشر: في القضاء.  وتأثر منهج وبنية المجلة بتدوين القوانين في أوروبا.  شملت المجلة معظم مناحي القانون المدني باستثناء الأحوال الشخصية (التي ظلت محكومة بالشريعة الإسلامية).

 

[6]           بديع أحمد السيفي المحامي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين: علماً وقانوناً وعملاً (بغداد، د.ن.)، ج1، ص 243-244.  وقد كتبنا عن هذا الموضوع تحت عنوان “قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه): دراسة تمهيدية” غير منشورة وقت كتابة هذه الورقة.

 

[7]  مصباح كمال “إطلالة على بواكير التأمين والرقابة على النشاط التأميني في العراق”، الثقافة الجديدة، بغداد، العدد 331، 2009، ص 44-52.  يمكن قراءة المقالة في مجلة التأمين العراقي الإلكترونية باستخدام هذا الرابط:

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/09/331-2009-44-52.html

 

[8]    بديع أحمد السيفي، التأمين علماً وعملاً (بغداد، د.ن.، ط1، 1972) ص26.

 

[9] Abdul Zahra Abdullah Ali, Insurance Development in the Arab World (London: Graham & Trotman, 1985) p 2, quoting Swiss Reinsurance Company, Insurance Markets of the World (Zurich: Swiss Re Publications, 1964.

 

[10]         بديع أحمد السيفي، التأمين علماً وعملاً (بغداد: (د.ن.) 1970، ط1، ص27-28.

 

[11]        عبدا لباقي عنبر فالح، فاروق حبيب الملاك، عبد الرحمن مصطفى طه، إدارة التأمين (جامعة البصرة، كلية الإدارة والاقتصاد، 1990)، ص 63-64.

 

[12]         أنظر على سبيل المثال: فؤاد عبدالله عزيز، التأمين في العراق: الواقع وآفاق المستقبل (بغداد: موسوعة القوانين العراقية، 2005) ص 6-7.  وكذلك: بديع أحمد السيفي المحامي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين: علماً وقانوناً وعملاً (بغداد: (د.ن.)، 2006) ص 53-55.

 

[13]         الوقائع العراقية، 11/11/1998.

 

[14]         الوقائع العراقية، 3/3/2005، ص 3.

 

[15]         بديع أحمد السيفي المحامي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين: علماً وقانوناً وعملاً (بغداد: (د.ن.)، 2006) ص 938.

 

[17]         سعدون مشكل خميس الربيعي، “قطــــــــاع التأمين في العـــــــــراق وأفاق تطور شركات التامين الخاصة” مدونة مجلة التأمين العراقي،

http://misbahkamal.blogspot.com/2010/06/74-1936-10-2005-21-22-1997.html

 

[20]         موضوع المطالبات الموقوفة وحالات الإقصاء والترحيل للعراقيين بدعوى “التبعية” لم يظهر للعلن لكننا أشرنا إليه في بعض من مقالاتنا.  وفي رسالة لنا لرئيس ومدير عام الشركة العراقية للتأمين في بغداد، بتاريخ 13 أيلول 2010، أدخلنا الموضوع ضمن إطار أوسع.  نص الرسالة:

“لي رجاء لا أدري إن كنت أو أحد العاملين في الشركة يستطيع إنجازه يتعلق بإعداد دراسة عن تأثير الحروب على بعض جوانب التأمين على الحياة في العراق.  ولتسهيل البحث أسرد فيما يلي بعض العناوين الأولية التي يمكن للباحث أن يستهدي بها ويزيد عليها:

§       ‏الحروب تشمل أيضاً العمليات العسكرية الداخلية (كردستان العراق) رغم أن ما يرد بالبال يخص الحروب الخارجية (الحرب العراقية الإيرانية، 1980-1988، غزو الكويت، 1990، حرب الخليج الثانية، 1991، غزو واحتلال العراق، 2003).

§       ‏إن كانت هناك معلومات عن التأمين على الحياة في العراق قبل ثورة تموز 1958، ربما يستطيع الباحث تتبع آثار الثورة على الطلب على التأمين على الحياة، وكذا الأمر بالنسبة لانقلاب 1963 و1968 ومقارنته بالفترات السابقة واللاحقة.  ونعرف أن صناعة التأمين خضعت للتأميم سنة 1964.

§       ‏هل شهدت فترات الاستقرار والازدهار الاقتصادي في العراق تزايداً في الطلب على التأمين على الحياة؟

§       ‏هل تأثرت أسعار التأمين على أغطية التأمين على الحياة بالحروب والعمليات العسكرية؟

§       ‏ماذا كان موقف شركة التأمين العراقية من وثائق تأمين المدنيين الذين جندوا للحرب؟  هل تم وقف العمل بالوثائق أم أن الشركة قامت باستيفاء قسط إضافي لضمان استمرار نفاذ الوثيقة؟  ماذا حلَّ بوثائق تأمين من اعتبر “تبعية” وهُجّر إلى خارج العراق؟

§       ‏هل استمر تسديد راتب موظف الشركة العراقية للتأمين الذي جند للحرب؟

§       ‏كيف أثرت الحروب والعمليات العسكرية على الموارد البشرية للشركة: التحاق بعض الموظفين المؤهلين بالجيش، تزايد كثافة العمل على الموظفين الآخرين، تعيين المزيد من الموظفات وغيرها.

§       ‏كيف عالجت الشركة آثار الحصار الاقتصادي على أعمال التأمين على الحياة: تحديد مبالغ التأمين (بافتراض أن الطلب على التأمين على الحياة لم يتوقف)، الأدوات الاستثمارية وانهيار قيمة الاستثمارات بفعل التضخم النقدي، تسديد المطالبات بالتعويض والأسس المعتمدة لذلك.

§       ‏التطور التاريخي لأقساط التأمين على الحياة – إجمالي وحسب نوع وثيقة التأمين.

§       ‏يمكن التوسع في البحث بإدخال البيانات الخاصة بشركة التأمين الوطنية ودور شركة إعادة التأمين العراقية.

§       ‏التمهيد للبحث بمقدمة عن تاريخ التأمين على الحياة في العراق.

يشكل هذا البحث جزءاً من محاولة كتابة تاريخ التأمين في العراق.  ولتحقيق البحث يمكن تكليف أحد موظفي/موظفات الشركة بدراسة الموضوع لقاء مكافأة رمزية معنوية أو مادية.  وإن تعذر ذلك، يمكن أن يتحول الموضوع إلى بحث أكاديمي في إحدى الجامعات العراقية ويمكن للشركة تقديم مساعدة مادية لطالب البحث من باب التشجيع.

ومن جانبي فأنا مستعد للتعاون، قدر المستطاع، مع من يود القيام بهذا البحث.”

 

حتى وقت الانتهاء من كتابة هذه الورقة لم نستلم رداً خطياً من الشركة.

 

[21]         مصباح كمال، “متى تستطيع شركات التأمين العراقية العمل في إقليم كوردستان العراق؟” مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.com/2008_02_01_archive.html