Monthly Archives: أفريل 2016

Mouayyad Al-Saffar: manager and underwriter in a state owned insurance company

مؤيد الصفار

مكتتب ومدير في شركة تأمين عامة

 

 

مصباح كمال

 

 

نشرت هذه الورقة أصلاً في الثقافة الجديدة، العدد 380، كانون الثاني 2016، ص 57-66

 

تمهيد

 

طالما أن الذكريات الشخصية قد بهُتت، وما تبقى منها صار صعباً على الاسترجاع، بسبب تقدم العمر وعدم توفر الوثائق التي يمكن أن تغني الاسترجاع، فإنني سأحاول في هذه الورقة الكتابة عن جانب من عمل مؤيد الصفار كمدير لقسم التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية وكمكتتب لأخطار التأمين الهندسي. ربما ألِجُ من خلال هذه المحاولة مجالاً لم يلقَ عناية زملائي في الكتابة عن الشخصيات التأمينية العراقية. آمل أن تلقى هذه المحاولة ما تستحقه من نقد وتقويم.

 

حسب المعلومات التي أرسلها لي الزميل عبد الكريم حسن شافي فإن مؤيد جواد الصفار (1 تموز 1939 – 9 نيسان 1992) أكمل دراسته في الاقتصاد، كلية الآداب، جامعة بغداد عام 1963. بدأ حياته الوظيفية في شركة التأمين الوطنية قسم الدراسات والأبحاث (1964)، وأعيرت خدماته إلى المؤسسة العامة للتأمين لفترة وجيزة (1964-1965)، وعمل لبعض الوقت في قسم الحريق والحوادث (1965) ونقل في نفس العام إلى قسم السيارات. ثم نقل إلى قسم التأمين الهندسي في 26 أيلول 1965.[1] وبقي يعمل فيها لفترة طويلة. عند وفاته كان مديراً لفرع التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية.

 

ذكر الزميلان عبد الكريم الشافي وباقر المنشئ[2] ملامح من حياة وعمل مؤيد الصفار. وآمل أن يساهم الغير في إغناء الصورة من جوانبها المختلفة. قد يعرف البعض بأن الصفار قد تحزّب في أول شبابه، وأدخله الحزب القومي الذي كان منتظماً فيه إلى السجن لبعض الوقت وعرّضه لصنوف من التعذيب[3] لأن خطه الفكري لم يكن متوافقاً مع الخط السائد في الحزب. لكنه ترك التنظيم الحزبي وصار مستقلاً في تفكيره السياسي.

 

التقيته آخر مرة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي في لندن عندما جاء برفقة زميليه سعد البيروتي، المهندس في شعبة الهندسة، وضياء مصطفى، مسؤول شعبة إعادة التأمين في قسم التأمين الهندسي، للحصول والتفاوض على أسعار وشروط تأمين بعض المشاريع الإنشائية الكبيرة، ومنها مشاريع الطرق الدولية السريعة ومحطة كهرباء حرارية.

 

كانت شركة التأمين الوطنية آنذاك هي الوحيدة التي تكتتب بأعمال التأمين الهندسي إذ أن شركة التأمين العراقية كانت تكتتب فقط بأعمال التأمين على الحياة (لحين إلغاء تخصص الشركتين عام 1988). وكان قسم التأمين الهندسي يتكون، في أوائل سبعينيات القرن الماضي، من شعبة الإصدار، شعبة الهندسي، شعبة التعويضات، شعبة إعادة التأمين (الخاص بالتأمين الهندسي حصراً). إن لم تخنّي الذاكرة كان عدد العاملين في القسم ثلاثة عشر، بضمنهم أربعة مهندسين وأربعة سيدات، تحت إدارة مؤيد الصفار.

 

طبيعة الطلب على التأمين الهندسي

 

وصلت محفظة التأمين الهندسي في الشركة أوجها بفضل المشاريع التي ارتبطت بما سمي “الخطة الانفجارية” أوائل سبعينيات القرن الماضي، وربما كانت هي الثانية من حيث الحجم بعد محفظة التأمين البحري-بضائع (من المؤسف أن الإحصائيات ليست متوفرة لعقد مقارنات مجدية).

 

كان الطلب على التأمين الهندسي قائماً بقوة تعليمات الدولة، ولم يكن الطلب الفردي، خارج العقود الإنشائية للدولة، يُشكّل عنصراً مهماً في محفظة التأمين الهندسي. يعني هذا أنه لم تكن هناك حاجة حقيقية لإنتاج أعمال التأمين الهندسي، كما كان عليه الحال بالنسبة لبعض فروع التأمين الأخرى كالحريق أو التأمين على الحياة (بالنسبة لشركة التأمين العراقية) التي كانت تعتمد على طاقم من المنتجين في الشركة وعدد من وكالات التأمين الخاصة النشطة. كانت الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط توفر التعليمات الضرورية لإجراء التأمين الهندسي للمشاريع الحكومية بالشكل الصحيح. “فقد أصدرت الهيئة التوجيهية قرارها المرقم 4 في بتاريخ 23/11/1971 وأوصت بما يلي:[4]

 

1- اعتماد النص الموحد لشروط التأمين في كافة عقود المقاولات الهندسية المدنية التي تنفذ لصالح القطاع العام.

 

2- عدم توقيع العقد مع المقاول (خاص أو عام) بعد الإحالة ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز.

 

3- عدم صرف أية سلف أو مستحقات مالية إلى المقاول ما لم يقدم وثيقة التأمين المطلوبة. ويكون المدير المالي أو المحاسب مسؤولاً خلاف ذلك.

 

وصدرت بعدها تعليمات أخرى لا أتوفر على نصوصها ومنها توحيد شروط عقود المقاولات الكيمياوية وغيرها.

 

العملية الاكتتابية

 

لم يكن تطبيق الأسعار والشروط على تأمين المشاريع آلياً إلا في حدود ضيقة تنحصر بالمشاريع الصغيرة غير المعقدة في التصميم والإنشاء، بعد تصنيف المشروع، من حيث حجمه وخطورته وتعقيداته، بموجب دليل التسعير (دليل اكتتابي مُعَدّ من قبل معيد التأمين القائد آنذاك، شركة ميونخ لإعادة التأمين) وتطبيق سعر التأمين المقابل له.

 

لنتذكر أن العملية الاكتتابية كانت تتم من قبل مهندسين لا يكتفون بتطبيق الأسعار والشروط الجاهزة في الدليل، بل كانوا يستفيدون من معرفتهم الهندسية لتشخيص مصادر مسببات الضرر، ورسم صورة لمشهد أكبر خسارة محتملة maximum probable loss (MPL) بسبب عوامل الطبيعة (فيضان، أمطار) أو بسبب حادث حريق أو انفجار خاصة مع قرب إكمال أعمال المشروع أو عند بدء الاختبار والتشغيل التجريبي. هذا إضافة إلى معرفتهم بطوبوغرافية العراق، والمهندسين والمقاولين العراقيين الكبار والأوضاع المحلية بوجه عام.

 

كانت تسعيرات المهندسين تخضع لموافقة مدير القسم، أو يُستعان في تحديدها ، بالنسبة للمشاريع الكبيرة، بمعيد التأمين الاتفاقي أو معيد التأمين الاختياري في أسواق التأمين العالمية، أو المزاوجة بين التسعيرات المختلفة بهدف التوصل إلى سعر “عادل.”

 

العملية الاكتتابية وعدم القدرة على رفض طلب التأمين

 

تتمثل العملية الاكتتابية بتقييم المكتتب لمواصفات الخطر (محل التأمين) ومواصفات صاحبه (لتقييم ما يعرف بالخطر المعنوي) والقبول بالتأمين على الخطر وتحديد السعر والشروط المناسبة له، وذلك ضمن “فلسفة” الاكتتاب التي تتبعها شركة التأمين.

 

ترى ما هي الوسائل المتوفرة للمكتتب عندما يكون موضوع التأمين وصفات طالب التأمين دون المستوى المطلوب substandard أو لنقل، من باب الاختصار، رديئاً ضمن المعايير المستخدمة لمواصفات الخطر الجيد وطالب التأمين صاحب الخبرة الجيدة.

 

كما ذكرنا فإن مصادر الطلب الأساسية على التأمين الهندسي هي عقود مقاولات الدولة، ولا يشكل الطلب الخاص إلا نسبة ضئيلة جداً في محفظة التأمين الهندسي. لم يكن بوسع مؤيد رفض طلبات التأمين على عقود التأمين لأن شركة التأمين الوطنية كانت هي الشركة الوحيدة التي تمارس التأمينات العامة، أي بلغة الاقتصاد احتكار العرض.

 

المساحة المفتوحة أمامه، في مثل هذه الحالات، لم تتعدَ في تقديري وضع شروط إضافية، أو فقرة تحمُّل (خسارة مهدرة) أعلى، أو فرض سعر تأمين أعلى قليلاً مما يرد في دليل التسعير كتعويض عن رداءة الخطر التأميني.

 

لقد كان اكتتاب أعمال التأمين الهندسي يسير على النمط الأوروبي، تمييزاً له عن عملية الاكتتاب في سوق لندن، وتحديداً النمط الذي كان متبعاً في شركة ميونيخ لإعادة التأمين والشركة السويسرية لإعادة التأمين، وكانت كلتا الشركتين من معيدي التأمين القادة لاتفاقيات شركة التأمين الوطنية. وهذا النمط هو الذي كان سائداً. فقد كان دور المهندس أساسياً في هذا النمط في تسعير وثائق التأمين. وكان دور الآخرين من غير المهندسين، كمدير شعبة الإصدار أو مدير القسم، يفرض نفسه لأغراض تجارية (أخذ واقع المنافسة بنظر الاعتبار) عندما تتطلب المنافسة التدخل لتخفيف الشروط أو منح خصم لأسعار التأمين.

 

لذلك كان يُنظر إلى العملية الاكتتابية في ألمانيا وسويسرا بصرامة علمية بفضل الدور المباشر للمهندسين المختصين كمكتتبين في هذه العملية.

 

ونعرف بأن مؤيداً أمضى فترة أسبوعين متدرباً في شركة ميونيخ لإعادة التأمين وغيرها من شركات إعادة التأمين، تعرّف خلالها على هذا النمط من الاكتتاب واستوعب مضامينه وتطبيقه.

 

لم يكن مبتدعاً لهذا الأسلوب في الاكتتاب لأنه كان موجوداً قبل أن يعمل في قسم التأمين الهندسي عندما كان أصلان باليان رئيساً للقسم ويعمل معه المهندس المدني د. نائل بني، الذي كان يجمع بين العمل في الشركة والتدريس في جامعة الحكمة.[5]

 

هو نمط مستورد للاكتتاب يختلف عن نظيره في سوق لندن للتأمين حيث كان المهندس يحتل موقعاً استشارياً ولا يشارك في التسعير ووضع الشروط، وإنما يساعد المكتتب في فهمٍ أفضلَ للعناصر الكامنة في موضوع التأمين.

 

كان الاكتتاب في قسم التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية يعتمد على دليل التسعير الذي كان موضوعاً من قبل المعيد القائد، وهو كما مرَّ بنا دليل يضم الحدود الدنيا للأسعار والشروط الأساسية الواجب تطبيقها على جلّ أخطار التأمين الهندسي باستثناء الأخطار المرتبطة بالمشاريع الكبيرة التي كان تسعيرها يتم في خارج العراق إما من قبل المعيد القائد (الشركة التي تقود اتفاقية التأمين الهندسي) أو من خلال وسطاء إعادة التأمين الدوليين في سوق لندن. أي أن إطار التسعير كان موضوعاً مسبقاً. وكانت عملية التسعير تبدأ من المهندسين وتنتهي بقرار نهائي لمدير القسم.

 

فيما يخص التسعير خارج العراق، بالنسبة لعقود إعادة التأمين الاختياري، كانت السياسة التي يطبقها مؤيد الصفار تقوم على الاستعانة في معظم الحالات بوسيطين عالميين لإعادة التأمين مع تعليمات لاستدراج الأسعار والشروط على أساس تنافسي من معيدي التأمين الاختياري. كان مؤيد يضع سوق لندن من خلال وسطاء إعادة التأمين (حيث يتواجد معيدو التأمين الاختياري) في مواجهة معيد التأمين الاتفاقي في ميونيخ الذي كان يُستدرج أيضاً لتقديم أسعاره وشروطه للعقود الاختيارية.

 

تسوية المطالبات بالتعويض كانت أيضاً تبدأ من المهندسين، بعد الكشف الموقعي على الأضرار، واقتراح مبلغ التسوية في تقرير يقدم لمدير القسم الذي يكون القرار النهائي محصوراً به ولحدود معينة. كانت بعض التسويات ضمن صلاحية المدير العام للشركة، وغيرها من التسويات الكبيرة كانت تعرض على مجلس إدارة الشركة للبت بها. وهذه التعويضات الكبيرة كانت أيضاً موضوعاً لموافقة المعيد القائد.

 

وهكذا كانت عملية الاكتتاب وتسوية المطالبات تخضع لصلاحيات ذات طابع هرمي، يحتل فيها الصفار موقعاً مهماً كمكتتب وكمدير.

 

العملية الاكتتابية في شركة تأمين عامة تتمتع باحتكار العرض

 

لم يكن بمقدور طالب التأمين طلب اسعار من شركة تأمين أخرى على أساس تنافسي لحين إلغاء تخصص شركة التأمين الوطنية في التأمينات العامة وبروز بدايات “منافسة” مع شركة التأمين العراقية. ولن تتطور هذه المنافسة إلا مع تأسيس شركات التأمين الخاصة بعد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 (تأسست أول شركة تأمين خاصة سنة 2000).

 

مع ذلك يمكن المحاجّة بأن التسعير لم يكن قائماً على “ابتزاز” طالب التأمين. وهذا الرأي يقوم، من جانب، على وجود دليل التسعير الموضوع من قبل شركة عالمية لإعادة التأمين، شركة ميونخ لإعادة التأمين، تتمتع بسمعة احترافية عالية. جدول الأسعار في الدليل هو استخلاص لخبرة طويلة وواسعة، وهو، أي الجدول، يضم أسعاراً توصف بأنها فنية — بمعنى أنها تستجيب لمواصفات محل التأمين ومكامن الخطر فيه وتضم هامشاً للربح.

 

ومن جانب آخر، كان التسعير يقوم على التشارك في تطبيق الدليل من قبل شعبة الإصدار وشعبة الهندسة ومدير القسم. وقد ينشأ الخلاف بينهما بسبب اختلاف في تقييم مخاطر المشروع المعروض للتأمين. وقد كان هذا أمراً واقعاً في قسم التأمين الهندسي، ولم يكن هناك تواطؤ بين مدير القسم والمهندسين على تطبيق سعر معين.

 

قائد فريق العمل

 

يجرّنا موضوع العملية الاكتتابية إلى ما أراه صفة مهنية وإدارية مهمة لدى مؤيد، وهي عدم احتكار العمل، وإيمانه بتفويض المهام وكأن همه هو تشكيل فريق لإنجاز مهام القسم الفنية.

 

لم يكن مؤيد يعمل لوحده. صحيح أن كل القرارات تنتهي عنده، كونه مديراً للقسم، وكون التركيب الإداري هرمياً، إلا أن تصرفه كان ينطوي على عدم احتكار العمل. كان يعمل وكأنه عضو في فريق وبألفة مع العاملين معه، ويفوض زملاءه العديد من المهام في الاكتتاب وتسوية التعويضات وإدارة ملف إعادة التأمين الخاص بقسم التأمين الهندسي. خير شاهد على ذلك هو سفره إلى مراكز التأمين العالمية لأغراض العمل فقد كان زملاء آخرون يرافقونه: مهندس للاهتمام بالجوانب الهندسية والمسؤول عن إعادة التأمين للاهتمام بتفاصيل ومتطلبات إعادة التأمين.

 

ومن المفيد أن أذكر هنا أن مؤيد الصفار عندما كان يجابه مسألة تأمينية ذات بعد قانوني خارج علمه يستشير الزملاء والزميلات العاملات في قسم الشؤون القانونية. كان هذا دأبه حتى في التعامل مع أسس وتطبيقات مفاهيم تأمينية معينة. ولي تجربة معه في دراسة مفهوم “استعادة الوضع السابق” بعد وقوع خسارة من بين أمور أخرى.

 

وكانت علاقته مع المدير العام، الأستاذ عبد الباقي رضا،[6] تتميز بالود والانسجام، فكلاهما كانا يلتقيان على مبدأ وطنية النشاط التأميني العراقي والذود عنه في الداخل والخارج، وخدمة الاقتصاد العراقي، وعلى الالتزام بحرفية العمل.[7]

 

مهارات تفاوضية ومعرفة بالتقنيات العملية في الأسواق العالمية للتأمين

 

كان الصفار مثقفاً وقارئاً جيداً وله معرفة جيدة باللغة الإنجليزية أعانته على إدارة التفاوض على أسعار وشروط التأمين مع طالبي التأمين من المقاولين الأجانب، مثلما أعانته في التفاوض مع معيدي التأمين والوسطاء الدوليين لتحقيق أفضل الصفقات للشركة دون الحاجة إلى من يترجم له.

يذكر باقر المنشئ في مقالته “ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار” أن

 

“المرحوم مؤيد أدخل أسلوباً جديداً في التعامل مع معيدي التأمين من ناحية والمقاولين من ناحية أخرى، إذ كان يتفق مع المعيدين على أن تكون إعادة التأمين الاختيارية وفق السعر الصافي، في حين انه يقوم بتحميل السعر بعمولة مرتفعة في اتفاقه مع المقاولين وبذلك كان يحقق عائداً كبيراً للشركة.”[8]

 

لم يكن الدافع وراء هذه الممارسة grossing up الانتفاع الشخصي بل تعظيم دخل الشركة. هذه الممارسة كانت معروفة في معظم أسواق التأمين الغربية وتتم، بالطبع، دون علم المؤمن له من الأفراد والشركات؛ أي أنها تتم سراً. وقد توقف العمل بها بفضل اتساع الرقابة والتأكيد المتعاظم على الشفافية في إجراءات التأمين من قبل الوسطاء وشركات التأمين، وفرض السلطات الرقابية للغرامات والعقوبات على ممارسيها.

 

في العادة، يضمُّ سعر التأمين الإجمالي gross rate العمولة التي يمنحها مكتتب عقد إعادة التأمين الاختياري (عمولة الشركة المسندة وعمولة وسيط التأمين) ما لم يحدد المكتتب نسبة توزيع العمولة بين الشركة المسندة ووسيط التأمين. في الماضي، عندما كانت القواعد الرقابية ومستوى الشفافية في العلاقات ضعيفة، كانت فرص “التلاعب” بالعمولة سارية. كتب أحد المحامين أن

 

العمولة التي يستحقها الوسيط هي العمولة التي يجيزها المكتتب [ويكتبها بخط اليد في قسيمة الوسيط]. ولذلك لا يحق للوسيط تحميل قسط التأمين بالزيادة ليوفر لنفسه مكافأة إضافية ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له والمكتتبين.

 

وجود شرط المعادل الصافي (ما يعادل المبلغ الصافي) net equivalent clause في القسيمة يسمح للوسيط أن يعدل القسط الإجمالي وفي ذات الوقت يعطي المكتتب نفس القسط الصافي الذي يريده المكتتب. لو اُستخدم هذا الشرط بشكل يسمح للوسيط أن يزيد من حجم القسط الإجمالي فإن الشرط يتحول ببساطة الى وسيلة بديلة لزيادة السعر بالتحميل …. استعمال مثل هذا الشروط لزيادة العمولة لا يستقيم مع واجب الوسيط تجاه المؤمن له ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له informed consent. ولذلك فقد تم إعلام مكتب توقيع الوثائق في لويدز (LPSO) برفض القسائم slips حيثما يُعّبر عن العمولة على أنه المعادل الصافي ما لم يُوَضّح أن المعادل الصافي هو للتخفيض net equivalent downwards أي أن المراد من المعادل الصافي هو تخفيض القسط الإجمالي فقط.[9]

 

كان مؤيد مُلماً بممارسات وسطاء التأمين هذه وغيرها وكذلك ممارسات المقاولين الدوليين، وكان يعتبر البعض منها، بفضل ثقافته السياسية، تعبيراً عن مواقف كولونيالية تستصغر كل ما هو غير غربي. وكان هذا الأسلوب الذي ذكره باقر المنشئ هو وسيلة الصفار “للنيل” من بعض المقاولين الأجانب، ففي نهاية الأمر كان مصدر قسط التأمين لتأمين المشروع الإنشائي هو رب العمل العراقي (إحدى الوزارات العراقية). وكأنه بذلك أراد أن يحمي مصالح العراق.

 

تميز مؤيد بقدرات تفاوضية عالية مع عملاء الشركة من الشركات الأجنبية المنفذة لعقود الدولة، ومع وسطاء إعادة التأمين في الأسواق الدولية، وكذلك مع معيدي التأمين الاتفاقي وبخاصة معيدي التأمين الاختياري للأعمال الهندسية.

 

وقد أشار باقر المنشئ إلى ذلك، في سياق تعامله مع مؤيد، بالقول:

 

“المرحلة الثانية كانت بعد نقلي إلى قسم إعادة التأمين لأكون مساعداً للمرحوم أنطوان سليم إيليا، ومن بعدها ترقيتي لأشغل إدارة فرع تأمين السفن والطيران وإعادة التأمين. بذلك أصبحت في مستوى إداري واحد مع المرحوم مؤيد الصفار. إلا أنه حافظ على مكانته المميزة في الشركة، وأحتفظ بمسؤولية ترتيب إعادة التأمين الاختيارية للمشاريع العملاقة على الرغم من مركزية إعادة التأمين في الفرع المتخصص.

 

شخصياً لم أجد غضاضة في ذلك لثقتي بأن المرحوم مؤيد بقدراته الخارقة في التعامل مع المقاولين الأجانب ومعيدي التأمين العالميين كان قادراً على تحقيق أفضل الشروط لإعادة تأمين المشاريع العملاقة.”[10]

 

وكتب عنه المرحوم جاد قبّان:

 

كان مؤيد الصفار يحمل شهادة جامعية وكان يتمتع بخبرة كبيرة في مجال التأمين الهندسي. لم يكن محترماً من قبل زملائه ورؤساء الأقسام الأخرى بل أيضاً من قبل العملاء [المقاولين الأجانب] الذين كانوا يخشونه إلى حد كبير بفضل معرفته الواسعة في صناعة [التأمين على المشاريع الإنشائية] والتكتيكات المستخدمة من قبل المقاولين الدوليين. إذ أن هؤلاء كانوا غالباً ما يقومون بإجراء غطاء تأمين الاختلاف في الشروط/الضمان الآمن Difference in Conditions/Security خارج العراق بأقساط للتأمين كان من رأي مؤيد أنها يجب أن تقرر ويحتفظ بها في سوق التأمين العراقي، وبالتالي تساهم في نمو قطاع التأمين في العراق واقتصاد البلاد بشكل عام.[11]

 

ما يذكره المرحوم جاد قبّان يؤكد الحس الوطني الكامن في السلوك الفني لمؤيد في التعامل مع الأجنبي.

 

كان المقاول الأجنبي يأتي إلى شركة التأمين الوطنية ومعه وسيط التأمين من موطنه في أوروبا أو من سوق لندن، مُحملاً بأسعار وشروط جاهزة لإعادة التأمين الاختياري، في محاولة لإقناع مؤيد الصفار بها. لكنه لم يكن يقبل بها. لماذا؟ لأن هذه الأسعار كانت متدنية بشكل مفرط، مع فقرة تحمل (خسارة مهدرة) عالية جداً، وشروط ضيقة للتأمين. كل ذلك مرتب من أجل تسديد أقل الأقساط لشراء وثيقة التأمين في العراق، وإجراء التأمين الحقيقي في الخارج على أساس الاختلاف في الشروط/الضمان الآمن الذي ذكره جاد قبان.

 

تعليلي لموقف مؤيد هو أن هذه الترتيبات فيها تجاوز على شرط التأمين مع شركة التأمين الوطنية، وفيها إضرار للمصالح العراقية من حيث أن القسط الحقيقي للتأمين يسدد لشركة تأمين أجنبية بدلاً من أن تسدد للتأمين الوطنية. وعدا ذلك فإن مصدر القسط هو رب العمل العراقي. فمن المعروف، خاصة لدى الشركات الإنشائية الأجنبية، أن كلفة التأمين تدخل في سعر المقاول[12] التي يجري الاتفاق عليه مع رب العمل. لذلك كان يعمل على ضمان بقاء اكتتاب وثائق تأمين عقود الإنشاء تحت إدارة شركة التأمين الوطنية.

 

عندما كانت تنشأ الحاجة لإعادة التأمين الاختياري، وهو الحال بالنسبة لمعظم المشاريع الهندسية الكبيرة، كانت السياسة هو خلق حالة من التنافس: فمن جهة تطلب الشركة مباشرة من معيد التأمين الاتفاقي، أو معيد آخر في أوروبا، تقديم عروض الأسعار والشروط لتأمين المشروع، ومن جهة أخرى تطلب من وسطاء إعادة التأمين في سوق لندن تقديم العروض. كان تنظيم هذه المنافسة بين سوقين لإعادة التأمين مثار إعجاب لأنه كان قائماً على انتقاء دقيق لوسطاء التأمين في سوق لندن وقصر عددهم إلى اثنين في معظم الحالات بحيث لا تنشأ حالة من الفوضى التنافسية بين الوسطاء وبين معيدي التأمين أنفسهم؛ وهو ما يمكن تسميته بالمنافسة المقيدة، غير المفتوحة لمن هبَّ ودبًّ. وبالطبع، كان الفائز هو من يقدم أفضل العروض. وبموجب هذه العروض كان يجري تسعير تأمين المشاريع الكبيرة بانتقاء الأفضل منها.

 

كان موقفه من المقاول العراقي، المتخلف عن شراء وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين أو وثيقة كافة أخطار النصب التي يتطلبها عقد الإنشاء منه، لا يحيد عن تطبيق سعر التأمين الذي كان سيطبق أصلاً لو تقدم المقاول بطلب التأمين قبل البدء بأعمال الإنشاء. كانت آلية تحديد السعر في هذه الحالة تعرف باسم أجور المِثلْ،[13] تصدر بصيغة رسالة إلى جهة حكومية أو إلى من يهمه الأمر. كانت الرسالة الصادرة من قسم التأمين الهندسي أشبه ما يكون بمذكرة تغطية مختصرة (دون منح غطاء حقيقي نافذ) يذكر فيها اسم المقاول، واسم رب العمل، واسم المشروع ومبلغ التأمين، ونوع وثيقة التأمين، وأجر المثل (قسط التأمين التي كانت الشركة ستطلبه لو أن المقاول قدم طلباً للتأمين قبل بدء أعمال المشروع). ولم تكن شركة التأمين تتقاضى قسطاً للتأمين أو رسماً لقاء إصدار رسالة أجر المثل. كانت وظيفة الرسالة تسهيل التحاسب بين المقاول ورب العمل بعد إكمال المشروع وإبراء ذمة الطرفين، إذ كان رب العمل يستقطع أجر المثل (قسط التأمين) من استحقاقات المقاول. وهذا الاستقطاع يقوم على مبدأ تضمن سعر المقاولة لكلفة إجراء التأمين على المشروع من قبل المقاول.[14]

 

بوفاته فقدت شركة التأمين الوطنية مكتتباً متميزاً في مجال التأمين الهندسي ربما لم يبزّه قبله سوى أصلان باليان[15] الذي شهد تأسيس قسم التأمين الهندسي (آب 1966) في الشركة وكان أول مدير للقسم. وقد أخذ بسام يوسف البناء مهمة إدارة التأمين الهندسي فيما بعد.[16]

 

 

2 تشرين الثاني 2015

[1] رسالة إلكترونية للكاتب من عبد الكريم حسن شافي، مدير فرع التأمين على الحياة، شركة التأمين الوطنية، مؤرخة في 4 آب 2015.

[2] راجع: عبد الكريم حسن شافي، “في استذكار المرحوم مؤيد جواد الصفار،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/09/01/remebering-mouayyad-jawad-al-saffar/

وكذلك: باقر المنشئ، “ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/08/31/memories-of-my-years-with-the-late-mouayyad-al-saffar/

 

[3] أكتشف معذبوه نقطة ضعف عنده: عدم تحمله الدغدغة. كانوا يمارسونها عليه لحد اختناقه. كان مصاباً بالربو مما فاقم من تعذيبه. لم يتحدث عن تجربته القاسية هذه وحسب علمي لم يُشّهر بأحد ممن وشوا به أو تسببوا في سجنه.

[4] كما أوردها بسام يوسف البناء في تقديم كتاب وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين، ترجمة محمد الكبيسي، (أربيل: طبعة إلكترونية، توزيع خاص ومحدود من قبل المترجم، 2007)، ص 6-7.

[5] فيما بعد، وبعد مغادرته للعراق، سيصبح د. بنّي حجة في عقود الإنشاء وتصبح كتبه عنها مرجعاً عملياً وأكاديمياً إضافة لعمله كأستاذ في جامعة دبلن.

 

[6] شغل الأستاذ عبد الباقي رضا موقع رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة التأمين الوطنية في الفترة من 1 شباط 1966 لغاية 4 آذار 1978.

[7] في رسالة للكاتب بتاريخ 23 أيلول 2011 كتب الأستاذ عبد الباقي رضا:

 

“اختم هذه الرسالة وقد تذكرت من الراحلين الذين عملت أنت معهم مؤيد الصفار. في لقاء التوديع في مكتبي صبيحة 4/3/1978 والترحيب بالمدير العام الجديد بديع السيفي ضم عدداً من المدراء قال لي الصفار: كلمة قصيرة أقولها وهي اني لم اندم لحظة واحدة من العمل معك مديراً عاماً لنا. انني شديد الاعتزاز بهذه الجملة البليغة الصادرة من شخص تعرفه أنت خير المعرفة.” من المؤمل إصدار رسائل الأستاذ عبد الباقي للكاتب بصيغة كتاب، بعد موافقته، بعنوان مقترح رسائل في السيرة الذاتية والتأمين (أعدت المسودة سنة 2013).

 

[8] باقر المنشئ، “ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/08/31/memories-of-my-years-with-the-late-mouayyad-al-saffar/

[9] محاضرة ألقاها كلايف براون Clive Brown، واحد من كبير المشاركين في شركة التضامن الحقوقية كاميرون مَكّينه، لندن، في مؤتمر رابطة وسطاء التأمين والاستثمار البريطانية في نيسان/أبريل 1998. وكان المحاضر قد نشر مقالة في نفس مضمون محاضرته تحت عنوان “Broker remuneration: the regulatory issues” في جريدة

Lloyd’s List Insurance Day, Tuesday April 1998

[10] باقر المنشئ، مصدر سابق.

 

[11] Jad G. Kabban, Memoirs of a Pioneer Arab Insurance Broker (Beirut: n.p., 2004), p 114. هذه الفقرة من ترجمة مصباح كمال.

[12] إن معظم المقاولين يلجؤون إلى تقدير كلفة شراء الحماية التأمينية للمشروع، وإدخال هذه الكلفة في مناقصاتهم. وبذلك تكون كلفة التأمين داخلة بشكل آلي في سعر المقاول.

 

[13] أنظر: مصباح كمال، “وصل القبض بديلاً عن التأمين،” مجلة التأمين العراقي، 2 شباط 2013.

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/02/receipt-voucher-or-insurance-policy.html

 

[14] هذه القاعدة تنطبق على الحالات التي تناط فيها وظيفة التأمين على أعمال المشروع، بموجب عقد المقاولة، إلى المقاول. وبالطبع، فإن قيام رب العمل بالتأمين (وله حضور واسع في العديد من بلدان العالم) يعني إعفاء المقاول من القيام بالتأمين، وبالتالي فإن مسألة أجر المثل تصبح غير قائمة.

 

[15] ليست لدي معلومات عن أصلان باليان. أتمنى على من له معرفة به أن يكتب عنه.

 

[16] تقييم دور بسام يوسف البناء، الذي خدم شركة التأمين الوطنية 47 سنة، يحتاج إلى معالجة مستقلة، ويكفي القول هنا أنه شهد العصر الذهبي للشركة، عهد إدارة الأستاذ عبد الباقي رضا (1966-1978)، وعمل في ظروف الحصار الدولي على العراق (1990-2003) ومن ثم الاحتلال الأمريكي، أي في فترات شهدت تراجع وتدهور قطاع التأمين العراقي. ظل يعمل في إدارة فرع التأمين الهندسي، إضافة إلى مسؤولياته الأخرى في الإشراف على فروع أخرى، لحين انتهاء عقده مع الشركة في أيار 2015.

Reflections on the State of Iraq’s Insurance Market

تأملات في الوضع التأميني العراقي

 

 

بخيت حداد

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/04/10/%d8%a8%d8%ae%d9%8a%d8%aa-%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b6%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9/

 

 

اطلعت مؤخراً على ما كتبه الزميل مصباح كمال حول التداعيات التأمينية عقب حريق بئر نفطي في كركوك، وقبل ذلك بعض المهمات المطلوبة من شركة إعادة التأمين العراقية، وما نشره حول بعض المظاهر السلبية لقطاع التأمين في كردستان العراق والرقابة على النشاط التأميني وغيرها من المقالات والتعليقات. فيما يلي سأقدم بعض تأملاتي حول قضايا وردت في هذه المقالات كمساهمة في تنشيط النقاش حول أوضاع التأمين القائمة، واجتراح السبل المناسبة لتطوير القطاع. وهي تأملات شخصية صرفة قد تلقى الترحيب أو الرفض، لكني أرجو مخلصاً مناقشتها للوصول إلى تقييم أفضل للواقع التأميني والخروج بتصورات حول مستقبله. وأنا أشكر زميلنا لدعوته بالكتابة.

 

التغاضي عن التأمين

 

إن عدم التأمين على المواد الواردة للمشروع أو المشروع ذاته، أو المنشأة العاملة يكشف عن خلل في التعامل مع متطلبات القانون والحس السليم في التعامل مع أخطار المشاريع، فصفة الإلزامية اعطيت بموجب القانون على تأمين التأمين الهندسي للمشاريع الهندسية بكافة اشكالها والنفطية منها وان اختلفت هذ بعض الشيء فإنها تندرج تحت هذا المبدأ. كما أن جميع العقود الإنشائية التي تبرم مع المقاولين المنفذين والمستثمرين تنص على التأمينات المختلفة في مادة مستقلة تحت بند التأمين.

 

ولكن، لا أحد يهتم بتنفيذ التزاماته أو تأدية واجباته مادام صاحب الشأن لا يدقق من ناحية، وتعمل الواسطة والمحسوبية وامور أخرى بعدم ملاحقة تأمين المواد والمشروع أيضاً من ناحية أخرى. وإذا كانت المشاريع حكومية فإن التراخي في اجراء التأمينات المطلوبة والتهرب من الحصول عليها أسهل مما لوكان صاحب الشأن قطاعاً خاصاً.

 

منفذ المشروع ينظر للتأمين بأنه خساره للأموال، وهو يريد أن يوفر ويربح أكثر ويضع في ذهنه أن تحقق الخطر لا يحصل معه، ولا يتعرض له، وهو ينام ليله الطويل هادئ النفس. وإن تحقق الخطر فلديه قدرة لتحميله للآخرين بنفس الطريقة التي تجنب بها إجراء التأمين، وهو لا يعلم بأن قسط التأمين مبلغ صغير معلوم مقابل خطر مجهول لا يعرف مداه ولا حجمه، مقابل ذلك تصرف الملايين بلا مردود أو مبرر ولكن عندما يصل الأمر لموضوع قسط التأمين فإن الأمر يصبح ثقيلاً على النفس والقلب فمنفذ المشروع لا يملك ثقافة التأمين، فهو من ناحية لا يخشي العقاب والحساب، ومن ناحية أُخرى –فالأمان بالله- وينسى ما يقوله الحديث –اعقل وتوكل.

 

وما غياب التأمين في مشروع قانون شركة النفط الوطنية ومشروع قانون صندوق الاعمار والتنمية العراقي، الذي رصده زميلنا مصباح كمال، سوى تطبيق أمين لمظهر من المظاهر السلبية الموجودة في سوق التأمين في العراق.

 

إعادة التأمين في العراق

 

إعادة التأمين في العراق قصة أُخرى لا تقل أهميتها والمصاعب التي تواجها عن باقي فروع القطاع المختلفة. كما هو معروف، قبل أن تنطلق أية شركة إعادة تأمين لابد من توفير أسباب البقاء والنجاح وخطط للتقدم موضوعة بشكل مدروس وممنهج. ويلزم لتحقيق ذلك جملة من الأمور كما يلي.

 

  1. توفير البنيه التحتية لهذا الفرع المهم من العملية التأمينية.

 

إذا استطعنا فهم مهمة إعادة التأمين تجاه نشاط التأمين المباشر والأخطار التي تُقدم إلى شركة الإعادة نجد أنها شريك أصيل في العملية التأمينية، فهي المؤمن لشركات التأمين وهي التي تقود إلى التوازن الحقيقي في أعمالهم وما يتحملون مسؤوليته من أخطار، وتوفير هذه الوظيفة الأساسية يعتمد على قدرة المعيد على تناول الاخطار المختلفة والتعامل معها والاحتفاظ بجزء منها، واعادة جزء آخر (إعادة التأمين المكرر retrocession) يعتمد على ظروف كثيره. ولأجل اتساق اعمالها لا بد من توفر بعض المستلزمات:

 

  1. رأس المال. فلا يعقل أن يكون رأس مال شركة إعادة التأمين مساوياً أو أكثر قليلاً أو أقل لرأسمال أية شركة تأمين. يجب أن يكون رأس مال شركة إعادة التأمين التي نتعامل معها كافياً يتناسب مع حجم الأخطار التي تكتتب بها قبل أن تلجأ إلى إعادة التأمين المكرر. ويقيناً أن هذا المعيد الآخر الذي يأخذ حصة من الاخطار الواردة من شركة إعادة التأمين يكون أكثر ترحيباً واطمئناناً للسياسة الاكتتابية لها لو كان رأسمالها قوياً.
  2. إنها ميزه لشركة إعادة التأمين أن تكون “حكومية” خصوصاً إن دعمتها الحكومة بضمان أعمالها خلال السنوات العشر الاولى من عمرها فهذا يعطيها ويعطي المعيد الاجنبي ثقة أكبر هي تحتاجها خاصة بعد هذه الهزات المتوالية التي تعرضت لها.
  3. الكادر المؤهل أكاديمياً وعملياً، القادر على التعامل مع الأمور باحتراف وبمهنيه عالية وبجديه. وعندما نتحدث عن الكادر فإننا نقصد أيضاً إدارة الشركة فهذه يجب أن تكون من أصحاب الخبرة والعلم، تنسجم مع كادر الموظفين، فلا يعقل أن ينتظر الموظف الذي يعرف بعض الشيء الموافقة على عمل من مديره الذي لا يعرف شيئاً عن الموضوع من أساسه. ولابد من معرفة مدراء فروع التأمين المختلفة برياضيات التأمين وكيفية حساب الاسعار بدلاً من التعكز على حكم التجربة Rule of Thumb فقط التي يجب أن تستعمل أحياناً وليس دائماً. ومعرفة المعلومات المطلوبة لتقدير الخطر مع قدرة على التقدير السليم وهو بالأول والآخر تخمين وتقدير يخضع لمعرفة الشخص المقدر والمعلومات التي حصل عليها عن الخطر المطلوب تأمينه وتغطيته.
  4. نظام تقنية المعلومات IT متكامل مخصص لأعمال اعادة التأمين، أي برنامج يستعمل لهذه الغاية. ويتطلب هذا ارسال موظفي الشركة في دورات طويله نسبياً للإلمام بكافة تفاصيل البرنامج ومعرفته معرفة وافيه لاكتساب قدره مواجهة أية مشكلة في هذا الموضوع مستقبلاً. وهذا يقودنا إلى قسم المحاسبة والمحاسبون المتخصصون في محاسبة اعادة التأمين.
  1. نظام قانوني يبين وضعها القانوني كمؤسسة مستقله تخضع لرقابة الجهات الحكومية المناسبة، ويحكم علاقاتها بالمؤسسات والوزارات الاُخرى وعلاقاتها مع شركات التأمين ومع الجهات ذات العلافة لتوفير الشفافية والمصداقية في التعامل، ولضمان قدرة إدارتها وكادرها على التعامل فنياً ومهنياً مع الاشياء.
  2. قسم قانوني متخصص في عمل العقود ومعرفه وافيه بالقانون المدني والقوانين المرتبطة بقطاع التأمين ومراجعتها من أجل العمل على الغاء أو تعديل أو اصدار ما يلزم بالتعاون مع الجهات ذات العلافة، واجراء لعقود مع معيدين اجانب في السوق الدولي لمشاركتهم الأعمال والأخطار التي تعرض عليهم وليكون الحب متبادلاً وليس من طرف واحد. واجراء اتفاقات اُخرى مع وسطاء دوليين للتأمين. كل هذه أمور ايجابيه تنعكس على المصلحة العامة للقطاع كما هو لشركة الاعادة نفسها وأن لا تكتفي بالتصرف وكأنها تقوم بأعمال الوساطة فقط في إعادة التأمين.
  3. الاستعداد لمساعدة شركات التأمين المحلية بالحصول على المعرفة حول كيفية التعامل مع الاخطار المختلفة، وتبادل المعلومة معهم لإثراء المعلومات وبث روح العصف الفكري والتعاون الخلاق لدي كوادرها المختلفة، لكي تكون شركة إعادة التأمين العراقية مستشاراً صادقاً ناصحاً فاعلاً لجميع شركات التأمين. والمصلحة تكاملية لا ينفك أحدهما عن الآخر.
  4. دورات محليه واقليميه ودوليه ممنهجه لموظفي الإعادة ووضع ميزانية سنوية مناسبة لها.
  5. قبل ذلك كله، أنا لا أستطيع أن أتصور موظفاً يعمل في الاعادة ولا يجيد اللغة الإنجليزية ويتكلمها بطلاقة، فكيف سيلمُّ بعلم الاعادة. وكيف يستطيع أن يتقدم في العلم والمعرفة إذا لم يعرف الإنجليزية بشكل يؤهله لفعل ذلك. التأمين من قبل ومن بعد انجليزي واللغة الإنجليزية شرط أساسي للمعرفة . إن الكتب العربية تفتقر لهذا العلم. وللحديث بقيه.

 

بعض المظاهر السلبية في العراق الاتحادي وفي إقليم كوردستان

 

أما في ما يتعلق بالمظاهر السلبية في قطاع التأمين سواء في الاقليم أو المركز، فانهما يشتركان في نفس الأسباب والمسببات، وسوف تبقى تنفخ في قربة مخزوقة إذا لم يتم علاج المسببات بشكل علمي ومنهجي مدروس من قبل من لهم الخبرة والدراية والمعرفة والعلم بهذا القطاع المهم من القطاعات الاقتصادية المختلفة في أية دوله في العالم. ويمكننا اجمال بعض المظاهر السلبية في قطاع التأمين ومسبباته بالآتي.

  • عدم وجود الوعي التأميني والمعرفة لدي المسؤول والمواطن معاً.
  • عدم وجود خبرات تأمين لدى العاملين في التنظيم والرقابة في الجهاز الحكومي.
  • ضعف وجود الخبرات العاملة لدى شركات التأمين نفسها بما يهم الإدارات العليا وعدم قدرتها على التأثير.
  • ضعف الايرادات في شركات التأمين؛ الكل قابع في مكانه ينتظر أن تأتيه الأعمال وهو جالس على مكتبه، فلا قسم تسويق ولا مسوّقين اللهم الا ما ندر.
  • عدم وجود قانون للتأمين الالزامي في الاقليم، والقانون المعمول به في المركز ضعيف ولا يغطى شيئاً، وبالكاد يعرف الناس انهم خاضعون لتأمين ما. مع العلم إن التأمين الإلزامي بأشكاله المختلفة هو الخطوة الأولى في تكوين الوعي التأميني لدى الناس العاديين. وهذا الموضوع لوحده يتطلب دراسة مستفيضه والكتابة عنه لوحده ربما سأتناوله مستقبلاً إذا سمحت الظروف بذلك.
  • عدم الاستفادة من الخبرات المحلية السابقة والتي أمضت عمرها في التأمين وذلك لأسباب لا علاقه لها بموضوع التأمين.
  • عدم الاستفادة من استقدام خبرات خارجية ودولية واعطائها مساحة للحركة في التنظيم. ومن الأفضل أن يتم ذلك بين جهتين اجنبية ومحلية ليتسنى ايجاد نظام أو قانون تأمين يخدم الوطن والمواطن من خلال اعتماد المعايير الدولية المعمول بها والأخذ بالاعتبار متطلبات البيئة الموجه إليها هذا القانون بخدماته وطرق ضبطه وانضباطه والابتعاد عن الفردية في اتخاذ قرارات مصيرية.
  • وجود قطاعين للتأمين في السوق العراقي أحدهما حكومي يتلقى كل الدعم والآخر خاص مهمل ولا أحد يلتفت إليه مما أدى إلى عدم وجود عدالة في التوزيع أو نظام منافسه حقيقي بين الشركات، وضعف التعاون البيني، وفقدان الثقة ما بين الشركات والأنانية المفرطة. جميع هذه الامور تعمل ضد هذا القطاع المهم. بل أن الأمر قد تعدى ذلك في الآونة الأخيرة، فقد تم تعيين أحد مدراء الشركات الحكومية رئيساً لديوان التأمين، وقد شهد بكفاءته أكثر من شخص وله كل الاحترام والتقدير، ولكني أتحدث عن منصب يتعارض إلى حد كبير مع منصبه الأساسي، فديوان التأمين هو الرقيب والحسيب على شركات التأمين، فلا يصح الخلط بين هذين المنصبين فلا يستطيع أحد أن يخدم سيدين بنفس الوقت ولابد أن يميل قلبه وبالتالي عمله تجاه أحدهم أكثر من الآخر. والحقيقة هي أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث مستفيض، واعني القطاعين الحكومي والخاص في التأمين، وأثر ذلك على الأوضاع التأمينية وإيرادات شركات التأمين ولابد للتصدي لهذا الموضوع بالبحث الموضوعي والتحليل العميق للوصول إلى نتيجة يمكن البناء عليها وربما الوصول إلى خصخصة هذا القطاع بالكامل فالتأمين يتقدم في ظل الحرية والتجربة.

 

وفي موضوع التعيينات فإنه أصبح مظهراً عاماً في العراق أن يتم التعيين بالوكالة في كل المجالات الإدارية والسياسية وغيرها في المواقع القيادية المتعددة وكأن هناك نقص في الرجال أو بالقدرات التي تستطيع أن تشغل هذه المناصب، وهو يضر أيما إضرار بحسن سير هذه المواقع بالطريقة والسرعة المناسبة والأهمية التي تحتاجها. وقد برز ذلك جلياً في المطالبة بالإصلاح مؤخراً.

 

وعودة لموضوعنا، أنا لا أخفي ميلي لخصخصة قطاع التأمين بالكامل، فهناك مقولة عامة: إذا أردت أن تبقي شيئاً يسير في مكانه ولا يتقدم أعطه للحكومة فسوف يتم ذلك بسهوله. الخصخصة تعني المنافسة، والمنافسة تعني البحث والتطوير والمتابعة لكل ما هو جديد، والحرية في اتخاذ القرار المسؤول الذي يتحمل مسؤوليته من يتخذه، ولا يخشى أن يقع تحت طائلة المسؤولية إلا بحدود القصد المتعمد، والموظف الحكومي شعاره السلامة قبل الندامة. والتأمين هو تعامل مع الأخطار، وهو بالأول والآخر عملية خاضعة لتقدير المؤمن بما استطاع معرفته من معلومات عن الخطر المراد تأمينه وامتلاكه للقدرة على التقدير من خلال اتساع معرفته أو ضيقها. وهي تختلف من شخص لآخر وتعتمد على القدرات الشخصية بالإضافة لأمور أخرى، ونحن بشر نخطئ ونصيب. ولكن بكل الأحوال فإن الالتزام بالمبادئ وعلم التأمين هو مطلب عام بدون مغالاة في الزيادة أو النقصان فلكل مساوئه والخوف بالنتيجة يضر بمصلحة التأمين كما يضر التهور أيضاً.

 

  • ضعف المعرفة باللغة الإنجليزية لدي العاملين في قطاع التأمين، مما يؤدي إلى قصر معرفتهم ونقصها في علوم هذا النوع من فروع الاقتصاد. فالتأمين هو اولاً وأخيراً إنجليزي، وقد لا نغالي إن قلنا أن من لا يقرأ التأمين باللغة الإنجليزية فقد فاته الشيء الكثير من المعرفة. ومما كتب في التأمين في الوطن العربي لا يعدو كونه ترجمة غير أمينة أو دقيقة لبعض النصوص الإنجليزية، أو اجتهاد متواضع ومعرفة سطحية من علم واسع زاخر بالمعطيات كما هو متطور مستجد في كل آن اللهم إلا شخص واحد قرأت له أجمل ما قرأت في التأمين بالعربية، وهو عراقي الجنسية ويعيش في عمّان الآن وقد تجاوز الثمانين عاماً بقليل وهو الأستاذ بهاء بهيج. فقد تناول في كتبه الزاخرة مواضيع القضاء والتأمين، والبحري، والمسؤولية المدنية، وإعادة التأمين وكنت أتمنى عليه أن يكتب بشكل موسع في التأمين الهندسي وتأمين النفط والغاز بكافة فروعه. هذا الرجل يستحق منا كل تقدير واحترام وترفع القبعة احتراماً له. وتمنيت لو عملت معه أيام عمله فإني لكنت على استعداد للعمل معه حتى بمردود -خبزنا كفاف يومنا- لأن العمل مع شخص هذا علمه وهذا ديدنه في البحث والكتابة يستحق أن تعمل معه وتنهل من خبرته وعلمه. أطال الله عمره ليمتعنا بالمزيد من هذا العلم. أنا هنا لست بباب الكتابة عنه فهو يستحق منا أكثر من ذلك، مع كل احترامي و تقديري له ولأمثاله.
  • اختصار الدورات المقدمة لقطاع التأمين وعدم ملاءمة الأوقات المخصصة للمواضيع مع حجمها، فغالباً ما تسلق سلقاً ولا يتم انهاء المواضيع بالشكل اللازم والمطلوب الذي يثري معرفة الحاضرين – بالرغم من عدم تقصير جمعية التأمين العراقية بذلك واعترافنا بجميلها وبالسيد فلاح حسن الذي يقود هذه المحاضرات وهو جهد خارق يشكر عليه.
  • تقصير الشركات الخاصة والعامة والجهات الحكومية بالدعاية والاعلان فيما يخص التأمين.
  • إننا نكتب ونتحاور في موضوع التأمين ولكننا وسط مشكلة مستعصية في هذا المجال، فنحن نحاور أنفسنا، وبالكاد نحاور مسؤولاً، وإذا فعلنا فإننا في واد آخر، فالمسؤولون وللأسف لا يملكون أدنى معرفه بآلية عمل هذا القطاع وأهميته، ولا يولونه أي قدر من الاهتمام، وهو بالنسبة لهم لا يشكل جزءاً من الاقتصاد الوطني وإذا اجتهدوا به –وهو لا يحتاج لذلك- تقع الطامة الكبرى، فهم يريدون أن يخترعوا العجلة بينما هي موجوده، وتوصل الناس لها من عقود طويله بل قرون. لذلك فإن جدوى الحوار معهم ضئيلة ولا يمكن الاعتداد بها. والحقيقة لابد من مخرج لهذا الموضوع. أنا لا أملك الحل ولكن لابد من وجوده، والمشكلة إن الزمن ليس لصالح هذا القطاع مع استمرار تهميشه وتجاوزه واعتباره ترفاً فكرياً.

 

ولعل أهم من ذلك كله هو أجواء لا يسودها التوتر والقلق وعدم الأمن والطمأنينة لدى المواطن والمسؤول، فالاقتصاد بشكل عام لا يمكن أن يتقدم إلا بظل الاستقرار والأمان، وحتى رأس المال جبان لا يمكنه أن يستقر بمكان يضج بالعنف والكراهية والشك.

 

وإذا جاز لي أن أقول شيئاً في هذا الخصوص إن العراق بتنوع سكانه ومواطنيه عرقياً ومذهبياً وقومياً لا يمكنه أن يتقدم أو يستقر بظل النظام الدستوري الحالي ولا بد من بحث الموضوع على أساس علمي و واقعي. لقد قال صدام حسين يوماً انه هو من يفهم الكيمياء العراقية وثبت أنه لا هو ولا غيره من سدنة السياسة الحاليين يفهم الكيمياء العراقية. فالعراقيون شعب ككل الشعوب يحتاج للاستقرار والأمن والكهرباء والماء والصحة والتعليم ومتطلبات الحياة الأساسية والعيش بحرية وكرامة في مجتمع العدالة، وعدم الشعور بالغربة داخل الوطن، ويرغب بوجود من هم قادرون على تهيئة كافة الظروف الملائمة لذلك. والحقيقة أن العراقيين ليسوا طائفيين ولكن المسؤولين استغلوا بعض العامة وأججوا الطائفية من أجل مصالحهم الشخصية وتثبيت دعائم مكتسباتهم. أنا لست شيعياً ولا سنياً ولا إزيدياً ولا تركمانياً ولا صابئياً ولا كردياً ولا أشورياً أو كلدانياً بل إني لست عراقياً، ولكني أحمل في قلبي حباً مخلصاً لبلد أنا أحبه كما أحب بلدي، فقد وقف العراق مع بلدي دائماً ودعم اقتصاده خلال سنوات طويلة كما خدم بلدي العراق، وكان الحب متبادلاً من جميع النواحي. وايماني بأن العراق لديه الموارد الكبيرة والقدرة على النهوض من الركام والبناء والتقدم والوصول إلى مصاف الدول المتحضرة ويتفوق عليها، بلد له تاريخ طويل لا يملكه الكثيرون فقط إن أحسن اختيار أسلوب الحياة فالمسؤول مظلة لكل المكونات وهو الذي يصل بالقارب إلى شاطي الأمان. وفصل السياسة عن الدين أمر يخدم كل المكونات، فالسياسة تفسد الدين والدين يفسد السياسة وشعار “الدين لله والوطن للجميع” هو ما يصلح للعراق ولأهله. إن نظاماً علمانياً سوف يخلق من العراق يابان العرب الجديد.

 

لدى العراق بشكل عام وكردستان بشكل خاص الفرصة الذهبية لإعادة ترتيب بيت التأمين ومتطلباته لتحسين أدائه ومخرجاته، ليكون فاعلاً يخدم الوطن والمواطن ويرفد ميزانية الدولة بما تستحق من الدعم. فالعراق بلد الخير والخيرات، ولدية كافة أدوات التقدم في كل المجالات ولكن الناس والقطاعات المختلفة لا تشعر بهذا الخير ولا قيمته لأنه يستغل بأوجه مختلفة لا تحقق سوى المزيد من التخلف والضياع.

 

الموضوع شائك وطويل ومعقد، ويستدعي الاهتمام أكثر مما هو معطى له حالياً من كافة الجهات ذات العلاقة الحكومية والخاصة والكل يهتم بالمظهر لا بالمضمون وهذه هي الطامة الكبرى.

 

نحو إعادة تقييم قطاع التأمين العراقي

 

أني أتمنى، وبكل اخلاص، أن تقوم الحكومة بتشكيل مجموعة من الخبراء والمتخصصين من القطاع العام والخاص ليعملوا مع شركة استشارية دولية متخصصة في هذا المجال لتدرس الوضع الحاضر وتضع تصوراتها وتوصياتها حول هذا القطاع وكيفية النهوض به من حيث البيئة القانونية لتأسيس الشركات والقوانين الضابطة لعملها بشكل مفصل، ودراسة القوانين التي تؤثر سلباً عليه وتعديلها أو استبدالها، وإعادة تنظيم المؤسسات المرتبطة به وتنظيمها على اسس جديده. باختصار، إني أرى ان الوضع يحتاج إلى أن نبدأ من نقطه البداية وحتى الوصول للمخرجات التي تتناسب مع عراق القرن الواحد والعشرين ومعطياته ومتطلباته، فالعراق يملك المؤهلات اللازمة لذلك وهو قادر على أن يصنع التاريخ بأي مجال يرغب فيه إذا وجد الجهد المخلص والولاء والانتماء للوطن ولا شيء غير الوطن.

 

أتمنى ذلك مخلصاً.

 

 

7 نيسان 2016

Negative Aspects of Insurance Activity in Kurdistan-Iraq

بعض سلبيات قطاع التأمين في كوردستان-العراق مع إشارة إلى ديوان التأمين الاتحادي

مصباح كمال

نشرت هذه المقالة أصلاً في شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/04/03/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%b3%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a/

هذه الورقة هي بمثابة تعليقات هامشية على جوانب من أوضاع التأمين في كوردستان-العراق، عرضنا لها في دراسات سابقة وسنأتي على ذكر بعضها، تركز على ما نعتبره مظاهر سلبية في الإشراف والرقابة على النشاط التأميني في الإقليم. هذه المظاهر هي صورة مصغرة لما هو سائد في العراق الاتحادي مع الاختلاف في التفاصيل. فمظاهر الفساد هي ذاتها على مستوى الإقليم والاتحاد وإن اتخذت أشكالاً متباينة.

التركيز على الإقليم لا يعني الانتقاص منه وكأن باقي انحاء العراق لا يعاني مما يعانيه الإقليم من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتأمينية. لكن الاعتماد على الريع النفطي كشف بؤس التوجه الاقتصادي في الإقليم والهالة المفتعلة التي خلقتها الماكنة الإعلامية بأن الإقليم سيكون المعادل لدبي في العراق الاتحادي وبأنه سينهج ما اختطته دبي في إدارة تنميتها. وفيما يخص مجال اهتمامنا الرئيس، وهو التأمين، فإن هيئة التأمين الإماراتية (جهاز الرقابة على التأمين) لا تجد ما يماثلها في الإقليم، ولا تصح المقارنة بينهما، فالبون شاسع بين الاثنين كيفما تم النظر إلى واقع النشاط التأميني والإشراف عليه في دبي والإقليم. هذا موضوع يحتاج لمن يقوم بالبحث فيه واستنباط الدروس عن كيفية بناء قطاع التأمين وتطويره.

(1)

يمكننا الزعم بأن قطاع التأمين العراقي، وبالتخصيص شركات التأمين العاملة فيه، على المستوى الاتحادي والإقليم يخلو من مظاهر الفساد المالي. هذا هو ظاهر الأمور إذ يصعب الكشف عن المستور والتدليل عليه من خلال الوثائق أو البيانات المقدمة تحت القسم. ونرى أنه من المستحيل إبراز أي من هذين الدليلين لأن المكتوين من الفساد يخشون بطش أصحاب السلطة. على سبيل المثل، فإن الصحفي الذي يتجرأ على نقد السلطة يتعرض لأنواع شتى من الأذى المادي والأدبي وحتى القانوني.[1] التعليقات التالية لا تتعدى الإشارة إلى بعض المظاهر السلبية في القطاع، يمكن وصف بعضها بالفساد المالي والإداري. نترك تقدير ذلك للقراء.

(2)

نقرأ في كتاب مهم عن التأمين في كوردستان العراق دعوة لتأسيس دائرة تتولى “الإشراف والتنظيم على النشاط التأميني” وأن تحقيق هذه الدعوة “يمكن أن يكون من خلال تشكيل دائرة في وزارة المالية والاقتصاد باسم (دائرة مراقب التامين) من موظف بدرجة (مدير عام) وعدد من الموظفين لا يتعدون خمسة. وتكون هذه الدائرة مرجعية قطاعية مهنية لمراقبة وتنظيم أعمال شركات التأمين وإعادة التأمين وفروع الشركات العاملة بالإقليم. وبذلك نكون قد أبعدنا هذا الموضوع عن التنازع والتداخل بالاختصاصات من جهة وإطالة إجراءات الحصول على إجازة ممارسة أعمال التأمين من الديوان [ديوان التأمين في بغداد] ومن وزارة المالية والاقتصاد، والازدواجية الناشئة من هذا الأمر في دفع الرسوم والمصاريف، وتجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات الواردة في القانون.”[2]

دائرة مراقب التأمين، بالمعنى الضيق الذي وضحه الأستاذ شمقار، ليس موجوداً، حسب المعلومات المتوفرة لدينا ولكننا نسمع أن عدد الموظفين في وزارة المالية الذين لهم علاقة قريبة أو بعيدة بالتأمين هو بحدو 400 موظف وموظفة. إن كان هذا الرقم صحيحاً فمعناه أن هناك 80 موظف للإشراف على كل شركة من شركات التأمين الخمس[3] العاملة في الإقليم! معناه أيضاً أن شركات التأمين ربما تخضع لرقابة صارمة حقاً، ومعناه أكثر من هذا أن شركات التأمين لا تستطيع أن تعمل بكفاءة اقتصادية لأن نشاطها مكرس للامتثال لإجراءات ورقابة هؤلاء الموظفين – هذا بافتراض أن هناك رقابة حقيقية. ربما أراد من نقل هذه المعلومة، المشكوكة في صحتها، المبالغة في وصف ظاهرة “الفضائيين” في دوائر الدولة الاتحادية والإقليم، ووجودها في المجتمع التأميني، وأن الإقليم لا يختلف عن بقية العراق بهذا الشأن. لو كانت المعلومة صحيحة فإنها تؤكد على الهدر الاقتصادي للإيرادات، بطالة مقنعة، تكريس الاتكالية الحزبية والطائفية، خلق عراقيل بيروقراطية أمام شركات التأمين بغية تحقيق فرصة للرشى .. الخ.

(3)

ونسمع أن ديوان التأمين في بغداد لم يقبل، قبل فترة، الاعتراف بتعيين مدير مفوض لإحدى شركات التأمين المسجلة في العراق لدى دائرة مسجل الشركات الاتحادي والإقليم لأنه ليس عراقياً، رغم أن القانون لا يفرض أن يكون المدير المفوض للشركة عراقياً بالولادة أو حاملاً للجنسية العراقية. ومن خلال قراءتي لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لم أجد فيه نصاً، صريحاً أو ضمنياً، بخصوص هوية المدير المفوض. ومواد القانون المناسبة لدراسة هذا الموضوع، في رأي، هي المادة 2 والمادة 42 ونصهما كما يلي:

المادة-2- لأغراض هذا القانون يراد بالتعابير والالفاظ التالية المعاني المبينة ازاءها:

سادساً- المدير المفوض- الشخص الذي يقوم بإدارة المؤمن العراقي أو فرع المؤمن الاجنبي داخل العراق.

الفصل الخامس – مؤهلات العاملين لدى المؤمن

المادة-42- أولا – يشترط فيمن يكون عضوا في مجلس إدارة المؤمن أو مديرا مفوضا له أو من منتسبيه الرئيسيين أن لا يكون:

  1. قد صدر بحقه حكم بات بالإدانة والعقوبة في جريمة مخلة بالشرف أو صدر حكم بات بإشهار إفلاسه.
  2. مسؤولا عن مخالفة جسيمة وفق تقدير رئيس الديوان لأي من أحكام هذا القانون أو قانون الشركات بصفته مديرا مفوضا أو عضوا في مجلس إدارة احدى المؤمنين بما في ذلك مسؤولية التسبب بتصفية مؤمن تصفية إجبارية.

لا يرد في هاتين المادتين أي حكم بشأن هوية المدير المفوض، واعتماداً عليهما ليس هناك ما يحول دون أن يكون المدير المفوض لشركة التأمين المسجلة والمرخصة بالعمل في العراق عربياً وأجنبياً ما لم تكن هناك تعليمات أخرى أو ممارسة معينة أصبحت عُرفاً مقبولاً تستوجب عراقيته، وهو ما لم نتعرف عليه. ونعرفُ أن تاريخ التأمين في العراق قد شهد في خمسينيات القرن الماضي، وحتى بعد ثورة 14 تموز 1958 لبعض الوقت، وجود مدراء عامين أجانب لشركات تأمين عربية وفروع شركات تأمين أجنبية، وحتى شركة التأمين الوطنية في أول عهدها في خمسينيات القرن الماضي كانت تدار من قبل مدير عام بريطاني الجنسية.

لم تفلح جهود الشركة المعنية على إقناع الديوان واضطرت الشركة، لضمان حصولها على ترخيص مزاولة العمل، لتعيين مواطن عراقي لا علاقة له بالتأمين ليكون المدير المفوض للشركة.

ترى من أي مصدر قانوني وغيره استنبط ديوان التأمين العراقي موقفه تجاه تعيين المدير المفوض لشركة التأمين؟

ونسمع أيضاً أن سلطات الإقليم لا تجيز لشركات التأمين العامة بإعادة فتح فروعها في الإقليم، كما لا تجيز لشركات التأمين الخاصة بفتح فروع لها في محافظات الإقليم. وهذا موضوع لم يكتب عنه إلا القليل وفي ظني أن النزعة القومية أو مطالبات التعويض الموقوفة، لدى شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية، منذ سحب المؤسسات الرسمية من الإقليم سنة 1991 ربما هي السبب وراء ذلك، وقد أكون على خطأ.[4] المهم في ملاحظتنا هو أن ديوان التأمين والجهة المسؤولة عن التأمين في حكومة الإقليم يشتركان في الموقف والسلوك. ويبدو أن العقلية البيروقراطية مشتركة بين الاثنين.

(4)

هناك حالة، ربما تكون فريدة، تتعلق بإيداع مبلغ بحدود عشرة ملايين دولار كوديعة ضمان من قبل شركة للتأمين تقدمت بطلب تسجيلها لصالح وزارة المالية في الإقليم. استجابت شركة التأمين لهذا المطلب لكنها حُرمت من الاستفادة من فوائد هذا المبلغ. في حين أن ذات الدائرة في الوزارة لم تشترط مثل هذا المبلغ على شركات التأمين الأخرى. أهناك قوانين وتعليمات موحدة وثابتة تنطبق على الجميع أم أن هذه تطبق، وتفسر، حسب ما يقرره صاحب السلطة لغاية في نفس يعقوب؟

ومن باب المقارنة فإن ديوان التأمين في بغداد لم يمارس صلاحياته في دفع شركات التأمين القائمة التي قام بترخيصها لرفع مستوى رأسمالها إلى الحد القانوني وهو 5,000,000,000 دينار (بالنسبة للشركات الجديدة فإن رأس المال حدد بـ 10 مليار دينار عراقي).

هذه حالة أخرى من حالات التوافق في التصرف بين أجهزة التأمين الرقابية الاتحادية والإقليمية.

(5)

وهناك حالة غريبة تتمثل بقيام شركة تأمين عربية، خارج العراق، بتقديم خدمات تأمينية في الإقليم لأحد عملائها الكبار من غير العراقيين دون أن تكون مسجلة ومرخصة لمزاولة نشاط التأمين في العراق أو الإقليم (أي أن هذه الشركة لا تدفع رسوم التسجيل أو الضريبة على دخلها من أقساط التأمين المتحققة في العراق، مثلما تفعل شركات التأمين الأخرى). يقال ان سلطة الإقليم، أو أحد المتنفذين فيها، أجاز هذا الوضع. من الخاسر ومن الرابح؟ للقراء أن يحكموا على هذا الوضع.

ربما يجد المسؤول في السلطة سنداً لموقفه في أحكام القانون رقم 4 لسنة 2006، قانون الاستثمار في إقليم كوردستان-العراق، إذ يرد في الفصل الثالث، الضمانات القانونية، المادة السابعة، ما يلي : “للمستثمر ان يؤمن على مشروعه الاستثماري من قبل اية شركة تأمين أجنبية أو وطنية يعتبرها ملائمة، ويتم بموجبه تأمين كافة جوانب العمليات التي يقوم بها.” وقد كتبنا في مكان آخر:

إضافة إلى دور قانون الاستثمار في التشريع لتسرب أقساط التأمين خارج الإقليم هناك التسريب غير المرئي بفضل ضعف الرقابة على من يزاول النشاط التأميني. نسمع أن هناك مكاتب وشركات تأمين تزاول أعمال التأمين بدون ترخيص من الجهات الرسمية في الإقليم. ويقال إن معظمها تركية أو لبنانية توفر التأمين للشركات التركية واللبنانية التي تعمل في الإقليم وتقوم بالاكتتاب بالأغطية التأمينية في أوطانها وليس لدى شركات التأمين الكردية المجازة. وهذه الشركات لا تسدد ضرائب ورسوم على أعمالها.[5]

أما مصائر شركات التأمين المحلية ومحاولة خلق سوق وطنية للتأمين فإنها لا ترد على بال أصحاب السلطة والمستفيدين منه.

(6)

جرت محاولات لإدخال مشروع التأمين الصحي على الأجانب المقيمين في الإقليم وجعله إجبارياً، كما جرى في بعض دول الخليجية، كبداية لتعميم هذا التأمين على المواطنين، من خلال الشركات والمؤسسات التي يعملون فيها، وتخفيف العبء المالي على الخزانة العامة – مثلما تدعو له المؤسسات المالية الدولية. إلا أن حكومة الإقليم لم تستجب للمقترح، ربما لأن المتنفذين فيها لم يستطيعوا إيجاد ثغرة في المشروع للاستفادة المادية منه لأغراضهم الخاصة.

من آثار التأمين الصحي المساهمة في رفع مستوى الخدمات الطبية والاستشفائية بفعل التنافس بين مجهزي الخدمات. ومن آثاره أيضاً تخفيف الضغط على المستشفيات الحكومية التي تضطر إلى الاحتفاظ برفات المتوفين من الأجانب لحين إيجاد الترتيبات اللازمة للنقل إلى أوطانهم. مثل هذه الخدمة يوفرها التأمين الصحي، الفردي أو الجماعي، ومن خلال شركات متخصصة في إدارة النفقات الطبية.

(7)

يتساءل بعض المتابعين للشأن التأميني ظاهرة تأسيس شركات تأمين جديدة في الإقليم وفي العراق عموماً رغم ضعف الطلب الفعّال على الحماية التأمينية من الإفراد وحتى من الشركات الصناعية والتجارية لا بل من المؤسسات الحكومية أيضاً.

السؤال يبرره حقيقة أن شركات التأمين مملوكة من قبل بضعة أفراد أو مجموعات صغيرة ومعظم هذه الشركات ذات طبيعة عائلية. وحسب المعلومات المتوفرة فإن أسهم هذه الشركات لم تعرض على الاكتتاب العام لجذب رأس المال المطلوب (15 مليار دينار وضعف ذلك في الإقليم). ما هي مصادر رأس المال، ومن هم كوادر هذه الشركات، ومن المستفيد من خدماتها بافتراض أنها تمتلك القدرات الفنية وكذلك حماية إعادة التأمين للاكتتاب بأعمال التأمين.

ومن الغريب أن الأجهزة الرقابية الاتحادية والإقليمية لا تثير السؤال عن مصادر التمويل.

(8)

هناك ثغرات في الرقابة على النشاط التأميني. عندما تكون سيادة القانون ضعيفة والرقابة ضعيفة بسبب نظام المحاصصات يصبح تجنب، أو بالأحرى، التهرب من عبء ضريبة الدخل والرسوم المرتبطة بمزاولة الأعمال مطلباً مهماً لتعظيم أرباح المساهمين. ولم تفت بعض شركات التأمين الخاصة فرصة الاستفادة من هذا الوضع من خلال مسك سجلات حسابية حقيقية ووهمية. لكن الصورة ليست واضحة، وأنا أثيرها للتنبيه عليها وقيام بعض المهتمين بمتابعتها والتأكد من مدى صحة هذه الدعوى.

مصادر الطلب على التأمين ما زالت في مستوياتها المتدنية. القليل جداً من الأفراد يلجؤون لشراء الحماية التأمينية إلا إذا كان التأمين إلزامياً – كما هو الحال في التأمين على السفر إلى الخارج وهو تأمين جاء بفضل عدم قبول الدول الأوروبية دخول المسافرين إلى أراضيها ما لم يحملوا وثيقة تأمين صحي. وشركات التأمين في الإقليم تقوم بتوفير هذا التأمين. ولكن هناك حالة غريبة تمارسها إحدى شركات التأمين وهي استخدام اسم شركة التأمين الأجنبية التي توفر غطاء التأمين دون علمها.

(9)

نزعم أن حكومة الإقليم تفتقر إلى رؤية/سياسة لقطاع التأمين، وحتى أن القائمين على الإشراف على القطاع لا يتمتعون بالأهلية المناسبة،[6] وتحصر وظيفتها على تشجيع قيام شركات تأمين طالما أن بعض أفراد الطبقة الحاكمة أو المرتبطين بها يستفيدون منها بشكل أو آخر.

كما أن التشريعات التأمينية لا تخلو من ضعف في الصياغة.[7] ولم يفكر أصحاب السلطة والقرار بالوسائل التي يمكن من خلالها تفعيل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1982 وتعديلاته. واستعيض عن ذلك بصياغة قانون لتأمين المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال السيارات، ولكن دون جعل هذا التأمين إلزامياً كما هو المعهود لأنه يمس حياة الأغيار.

شركات التأمين العاملة في الإقليم لا تمتلك قوة ضغط كافية للتأثير على رسم القرارات الصادرة من حكومة الإقليم ذات العلاقة بقطاع التأمين. ويبدو أن هناك اختلافاً بين إمكانيات محترفي التأمين، وهم قلة، وصانعي القرارات، فالتوجهات المهنية لا تتماشى مع التوجهات السياسية، وتلك المرتبطة بمصالح المتنفذين، التي تحكم صنع القرارات.

إن ما يؤسس على خطأ يترك آثاره على التطور اللاحق (خير مثال هو احتلال العراق وتشكيل هيئة الحكم على أساس المحاصصة المستمرة ليومنا). ومن المؤسف أن أصحاب القرار لم يستفيدوا من الطاقات التأمينية المتوفرة في الإقليم وفي العراق عموماً لوضع الأسس الصحيحة لتنظيم أعمال التأمين والإشراف عليه.

الازدواجية في الرقابة على النشاط التأميني تارة بالتأكيد على المركزية وتارة بالتوجه نحو الاستقلال القومي، تحمل معها كلف إضافية على شركات التأمين التي ترغب بتوسيع نطاق أعمالها في الإقليم والعراق عموماً.

وقد لوحظ أن بعض شركات التأمين الكردية لا تشتري حماية إعادة التأمين الاتفاقي وهي مما يُسهّل عليها الاكتتاب بأعمال التأمين الكبيرة التي تتجاوز قدراتها الاحتفاظية. جرت محاولات غير ناجحة من قبل شركة إعادة التأمين العراقية في عرض خدماتها إلا أنها لم تثمر لأسباب تستحق الرصد والتحليل. بعض هذه الأسباب يعود للإعادة العراقية والبعض الآخر لدى شركات التأمين الكردية.

(10)

هذه السلبيات وغيرها مما لم نستهدي إليها كلها تؤثر على إضعاف مكانة التأمين في المجتمع والاقتصاد، وتشجع على تفشي السلبيات، وانعدام الشفافية في التعامل بين الشركات وبين السلطات الرقابية وغيرها. وتعمل كذلك على تشويه المنافسة الحقيقية بين الشركات في تقديم المنتج التأميني والخدمات المرتبطة به. ويبدو أن الانتفاع الشخصي هو سيد الموقف لدى الجهاز الرقابي.

هذه الحالات، وتفاصيلها غير كاملة، تشير إلى وجود سوق تأميني يخضع للرقابة ولكن بشكل انتقائي حسب أهواء المتنفذين وسوء تطبيقهم للقوانين والتعليمات.

آمل أن تشجع هذه الملاحظات الزملاء العاملين في قطاع التأمين على البحث في جوانب القصور في عمل القطاع وما يعتوره من مشكلات نابعة من داخل القطاع وتلك المفروضة عليه من خارجه. وأتمنى عليهم تصحيح وتقويم ما كتبت. كما أتمنى عليهم الدفع باتجاه الاستفادة من تجارب بعض أسواق التأمين العربية في مجال الرقابة على النشاط التأميني.

27 شباط 2016

[1] على سبيل المثل، قيام مسلحين مجهولين باغتيال الصحافي كاوه احمد كيرمياني داخل منزله في ناحية كلار، جنوب السليمانية، في كانون الأول 2013.

[2] فؤاد شمقار، التأمين في كوردستان العراق ومقالات أخرى (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 15.

[3] عدد شركات التأمين المرخصة للعمل من قبل وزارة المالية والناشطة في الإقليم ليس معروفاً على وجه الدقة. رسمياً، هناك ثماني شركات في الوقت الحاضر (شباط 2016) وهي:

شركة آسيا للتأمين، شركة الإخاء للتأمين (وهي أحدث الشركات)، شركة أور الدولية للتأمين، شركة جيهان للتأمين، شركة دلنيا للتأمين، شركة ستار كار للتأمين (وهي أقدم الشركات، تأسست عام 2004)، شركة كار للتأمين، شركة كوردستان الدولية للتأمين.

بعض الشركات مرخصة لكنها لا تعمل حقاً في الإقليم.

[4] هناك إشارات عديدة لهذا الموضوع في: مصباح كمال، التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي-منشورات مصباح كمال، طبعة إلكترونية، 2014)

[5] مصباح كمال، "موقع التأمين في تصورات د. صباح قدوري ود. حسن عبد الله بدر حول الإصلاح الاقتصادي في إقليم كردستان العراق،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال: موقع التأمين في تصورات د. صباح قدوري ود. حسن عبد الله بدر حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم كردستان العراق

[6] أنظر بهذا الشأن: فؤاد شمقار، التأمين في كوردستان العراق ومقالات أخرى (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 86-87.

[7] شمقار، مصدر سابق.

 

Preface to Introducing Public Liability Reinsurance in Iraq

التمهيد لغطاء إعادة تأمين المسؤولية المدنية

 

مصباح كمال

كتبت خصيصاً لجمعية التأمين العراقية

 

مقدمة

 

منذ عدة سنوات عملت مع إحدى شركات التأمين العامة لتطوير غطاء لإعادة تأمين المسؤولية المدنية بعد أن ازداد السؤال والطلب على أنواع معينة من وثائق تأمين المسؤولية المدنية وخاصة التأمين من المسؤولية المهنية ومسؤولية المنتجات. لم تثمر هذه الجهود لعدم متابعة الموضوع من قبل الشركة المعنية.

 

لقد تعزز الاهتمام بالتأمين من المسؤولية بعد أن تبنت الحكومة في برنامجها (2014) مشروع جعل أنواع من هذا التأمين إجبارياً. وهو ما تناولته في مقالتي “التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية.”[1] وكما كتبت حينها فقد جاء الاهتمام الحكومي هذا ضمن مجموعة من تأمينات أخرى:

 

جاء ذكر التأمين في المنهاج متناثراً. ونقتبس منه الآتي اعتماداً على ما نُشر في جريدة الصباح.[2] لأول مرة يرد ذكر التأمين في خطاب رسمي وضمن ما يبدو أنه بداية اعتماد سياسة أو موقف تجاه جوانب من التأمين تمثّلَ بالبنود التالية:

 

  • اعتماد نظام التأمين الصحي للمواطنين كافة وتطبيق نظام طبيب الاسرة.
  • جعل التأمين على المُنْتَجْ والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة إجبارياً وذلك لحماية حقوق المستهلك.
  • توفير مظلة فاعلة من التأمين الزراعي تحمي المزارعين من الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

 

التأمين الإجباري على المسؤولية الناشئة عن المنتجات والمسؤولية المهنية

 

من المفيد لأغراض هذه الورقة اقتباس بعض الملاحظات التي كتبتها حول بند جعل التأمين على المُنْتَجْ والمسؤولية المهنية إجبارياً.

 

  • جعل التأمين على المُنْتَجْ والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة اجبارياً وذلك لحماية حقوق المستهلك.

 

 

التأمين على المُنْتَجْ

أرى أن المقصود بالتأمين على المنتج هو التأمين على المسؤوليات القانونية المترتبة على المنتجات المحلية حيث يمكن للطرف الثالث المتضرر من استعمال المنتج الرجوع على مُنتج البضاعة لجبر الضرر اللاحق به. وبالنسبة للمنتجات المستوردة يمكن الرجوع إلى المستورد.

 

نفترض أن الحكومة ستتقدم لمجلس النواب بمشروع قانون، بالاستفادة من القانون المدني وقانون حماية المستهلك، لتحديد مسؤولية الصانعين والموزعين والمجهزين والمستوردين وتجار التجزئة وغيرهم عن الأضرار الناجمة عن المنتجات التي تلحق بالأطراف الثالثة. ومثل هذا القانون سيساعد شركات التأمين في صياغة أغطية التأمين المناسبة لمثل هذه المسؤولية التي يمكن أن تتأسس لعيب مصنعي في المنتج، أو عدم سلامة المنتج بالضد مما يعلن عنه صاحبه، وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى قيام المسؤولية.

 

نفترض أيضاً أن جمعية التأمين العراقية ستقوم باتخاذ موقف ووسائل توعية وإجراءات أخرى كما سنشير إلى بعضها أدناه باختصار.

 

كما نفترض أن تنظيمات رجال الأعمال وغرف التجارة والمؤسسات المماثلة سيكون لها موقف. وأرى أن يتم التنسيق بينها وبين جمعية التأمين العراقية وإيصال صوتها لمجلس النواب.

 

تأمين المسؤولية المهنية

ها أنا أرى أن التأمين الإجباري على المسؤولية المهنية يقترب من إحدى تمنياتي. ويصبُّ الإعلان عن هذا المشروع، متى ما تحقق، لصالح تطوير سوق التأمين العراقي. والمطلوب أن تتقدم الحكومة أولاً بمشروع قانون عن المسؤولية المهنية يُعرض على مجلس النواب ويكون أساساً لأجراء التأمين من قبل أصحاب المهن (من العراقيين والأجانب العاملين في العراق). ونفترض أن مشروع القانون سيحدد المهن التي ستخضع للتأمين، كالأطباء، والمحامين، والمحاسبين، والمهندسين المعماريين وغيرهم.

 

دور جمعية التأمين العراقية

من المطلوب أن تقوم جمعية التأمين العراقية بتقديم ورقة موقف تجاه هذه السياسة المعلنة في المنهاج، وتقوم بصياغة وثيقة/وثائق تأمين نموذجية تمثل الحدود الدنيا للغطاء التأميني للمسؤولية، ويترك لشركات التأمين حرية التوسع في الغطاء بالاتفاق مع أصحاب المهن. ومن المفيد أيضاً أن تقوم الجمعية، كإجراء آني، بتوزيع بعض الدراسات عن المسؤولية المهنية على أعضائها. وكذلك استمزاج رأي أصحاب المهن المنضوين في نقابة أو جمعية إذ أن بإمكان هذه النقابات إدارة صندوق تأمين لتغطية مسؤوليات أعضائها من مطالبات الأطراف الثالثة المتضررة من خرق الواجب المهني أو سوء التطبيق.[3]

 

سيساهم جعل هذا التأمين إجبارياً في تعظيم أقساط شركات التأمين العراقية والتي يفترض أن تقوم بالاكتتاب به لوحدها أو بالتعاون مع معيدي التأمين أو ضمن ترتيبات خاصة مع النقابات والجمعيات المهنية العراقية.

 

بعض المهام المطروحة على الجمعية

 

ربما لم تنتبه الجمعية إلى ما كنت أتوقعه منها لأن ورقتي المنشورة لم تصلها. وأرى أنه قد حان الأوان كي تقوم بتنفيذ بعض المهام التي كنت أتوقعها منها كما ذكرتها في الاقتباس. وهذه هي اختصاراً:

 

  1. تقديم ورقة موقف تجاه السياسة المعلنة في منهاج الحكومة عام 2014 بجعل التأمين من المسؤولية المهنية ومسؤولية المنتجات إجبارياً.
  2. صياغة وثيقة/وثائق تأمين نموذجية تمثل الحدود الدنيا للغطاء التأميني للمسؤولية بالاستفادة من النماذج المعتمدة في أسواق التأمين العالمية.[4]
  3. توزيع بعض الدراسات عن المسؤولية المهنية على أعضائها.
  4. استمزاج رأي أصحاب المهن المنضوين في نقابة أو جمعية بشأن سياسة الحكومة بجعل التأمين إجبارياً.[5]
  5. اعداد ندوة مشتركة للعاملين في التأمين ولأصحاب القرار في الوزارة يقوم من خلالها خبراء ومختصين بشرح اخر المستجدات العالمية في التأمين الإلزامي لمسؤولية المنتجات والمسؤولية المهنية. ولا بأس من استدعاء خبراء من الخارج لإغناء الموضوع لأهميته.[6]

 

مثل هذا العمل يستغرق وقتاً وجهداً ويتطلب تعبئة الموارد الفنية والقانونية المتوفرة للجمعية أو لدى أعضائها من الشركات. المهم هو الشروع باتخاذ الخطوات المناسبة بهذا الشأن.

 

إن العمل على هذا المشروع يوفر الأرضية المناسبة أيضاً للاكتتاب المباشر بأخطار المسؤولية المدنية على أنواعها. وبالتالي تبدأ الخبرة بالتراكم في مجال الاكتتاب وتسوية المطالبات بالتعويض.

 

إثارة اهتمام معيدي التأمين

 

في مخاطباتي مع شركة التأمين بيّنتُ أن إثارة اهتمام معيدي التأمين بالموضوع يستوجب توفير بعض المعلومات الأساسية ومنها على سبيل المثال:

 

–    الدخل التقديري لأقساط التأمين لفرع التأمين من المسؤولية خلال السنة.

–    نوع وعدد وثائق التأمين التي من المتوقع أن تكتتب بها الشركة خلال السنة.

–    من هم طالبو التأمين: (1) عراقيون أفراد وشركات ودوائر حكومية (2) أجانب أفراد وشركات.

–    خبرة الخسارة في فرع التأمين من المسؤوليات المدنية.

–    تقديم فكرة عن تسوية المطالبات من قبل المحاكم العراقية، وتسوية المطالبات خارج القضاء باعتماد وسائل تقليدية، مع عرض للاتجاه السائد في التسويات من حيث حجم التسوية والتفسير القضائي لشروط وثيقة التأمين.

 

وبالطبع سيكون التوسع في هذه المعلومات ليشمل الخبرة في السوق بأكمله، إن كان ذلك ممكناً، مفيداً جداً لتكوين صورة تقريبية عن الاتجاهات السائدة. أعرف بأن معظم هذه المعلومات ليست متاحة بسهولة إلا أن هذا الوضع لا يحول دون المبادرة إلى البحث فيها. ويمكن القيام بذلك من خلال ما يلي:

 

  • وضع جدول بطلبات الـتأمين التي استلمتها الشركة في السنوات الماضية، مع بيان عدد الطلبات، نوع تأمين المسؤولية المطلوب، مصدر الطلبات (محلي أم أجنبي)، حدود التعويض المطلوبة. كما أنه من المفيد توفير أية معلومات، إضافة إلى ما هو مذكور، تقدم بها طالب التأمين.
  • قائمة بالتعويضات المسددة والموقوفة بموجب وثائق التأمين من المسؤولية المدنية الصادرة من قبل الشركة خلال السنوات الخمس الماضية أو ما هو متوفر منها.
  • قائمة بالتعويضات الكبيرة للإصابات البدنية، بما فيها الوفاة، بموجب قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 وتعديلاته. وهذه المعلومات موجودة حصراً لدى شركة التأمين الوطنية لأنها الجهة المخولة قانوناً لإدارة تعويضات التأمين الإلزامي.
  • قائمة بتعويضات الإصابات البدنية وأضرار الممتلكات بموجب قسم المسؤولية المدنية في وثائق التامين الهندسي.
  • دور المحامين في تسوية المطالبات والمحاكم.
  • تأثير الطرق التقليدية (الفصل العشائري على سبيل المثل) على التسويات، وعدد وحجم هذه التسويات، إن كان ذلك ممكناً.

 

يمكن للجمعية أن تعمم طلب المعلومات على الشركات والاستفادة من المعلومات المجمعة لتأسيس قاعدة بيانات إحصائية أولية ووضع دراسة عن تأمين المسؤوليات المدنية بما فيها تأمين المسؤولية المهنية وتأمين المسؤولية عن المنتجات. ويمكن لها أن تنسق هذا العمل مع شركة إعادة التأمين العراقية لأنها ربما قد تكون الشركة التي ستتفاوض مع معيدي التأمين في الخارج للحصول على تسهيلات إعادية لصالح جميع شركات التأمين.

 

من باب الختام

 

هذه الورقة هي محاولة أولية لإثارة موضوع تأمين المسؤولية المدنية بشكل عام وتأمين المسؤولية المهنية والمسؤولية الناشئة عن المنتجات (والأخيرة يمكن أن تكون جزءاً من وثيقة تأمين المسؤولية العامة). نعرف بأن الطلب على تأمين المسؤولية المدنية في العراق متدني جداً، وحضوره الوحيد، والقوي، هو في القسم الثاني من وثائق التأمين الهندسي. ويأتي ذلك بفضل شروط التعويض والتأمين في العقود الإنشائية.

 

الاهتمام الحالي يقوم على شقين. الأول، هو طلب شركات جولة التراخيص النفطية التأمين على مسؤولياتها بموجب البنود النموذجية من المادة 24 في مسودة العقود المبرمة بين وزارة النفط العراقية والشركات التابعة لها وشركات النفط العالمية، الخاصة بتطوير حقول النفط. إذ خلقت هذا الطلب وضعاً جديداً على شركات التأمين العراقية. الثاني، هو تبني الحكومة لمشروع جعل التأمين على المسؤولية عن المنتجات والمسؤولية المهنية إجبارياً. نحن هنا، إذاً، بإزاء خلق مصدر ثابت بقوة القانون لشراء التأمين سيساهم في تعزيز إيرادات شركات التأمين التي ستكتتب بهذا التأمين.

 

ونتوقع أن تكون إحدى إفرازات انتشار هذا التأمين هي المساهمة في خلق وعي أفضل بحقوق المستهلكين رغم أن تجربة التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 لم يعمل على تشكيل مثل هذا الوعي. وهذا موضوع يستحق دراسة مستقلة.

 

نأمل أن تساهم هذه الورقة في فتح باب واسع للنقاش للموضوع.

 

 

3 نيسان 2016

[1] الثقافة الجديدة، العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63. نشرت بعد ذلك في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2014/12/370-2014-51-63.html

 

[2] جريدة الصباح، “أولويات الستراتيجية للبرنامج الحكومي … توفير السكن والخدمات والضمان الاجتماعي”، 9 أيلول 2014.

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=77523

[3] بالنسبة للأطباء، على سبيل المثال، يمكن الاستفادة من تجربة اتحاد الدفاع الطبي (Medical Defence Union)، أو بالنسبة للمحامين الصندوق التبادلي للدفاع عن المحامين (Solicitors Mutual Defence Fund) في بريطانيا (توقف الصندوق عن العمل لأسباب مالية نظراً لازدياد حجم المطالبات بالتعويض ضد الأعضاء).

[4] قام التجمع التأميني العراقي بتوفير نماذج من وثائق تأمين المسؤولية باللغة الإنجليزية للجمعية.

[5] إن كانت كلفة التأمين عالية بإمكان هذه النقابات المهنية تكوين صندوق تأمين ذاتي خاص بها من خلال اشتراكات الأعضاء لتغطية مسؤولياتهم.

[6] أشكر الزميل سمير عبد الأحد على تقديمه لهذا المقترح بعد قراءته لمسودة الورقة. وهذا المقترح ينسجم مع ما ورد في المادة 7-ج من النظام الداخلي للجمعية: “تأهيل وتدريب الموظفين لدى اعضاءها والوسطاء، وخبراء التسوية وإنشاء مكتبة تأمينية قانونية وعقد النـدوات، والمؤتمرات المهنية، والدورات الهادفة إلى تنشيط اعمال التأمين، وإجراء البحوث العلمية، وإعداد الإحصائيات التي من شأنها خدمة قطاع التأمين.”

Insurance Pools: International, Regional and Iraqi Perspectives

المجمعات التأمينية دولياً واقليمياً وعراقياً

سمير عبد الأحد*

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/03/29/%d8%b3%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%af%d9%88%d9%84/

مقدمة

تعتبر المجمعات من الركائز المهمة في استيعاب الاخطار التأمينية وتقييمها في أسواق مختلفة من حيث السعة الاكتتابية والنمو في الحماية التأمينية المباشرة والإعادية. العديد من هذه المجمعات يلعب دورا اساسيا في تحمل الخطر وتقييمه بينما البعض الاخر ما يزال هامشيا في الدور او الموقع في السوق. سنحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على بعض هذه المجمعات لغرض التقييم، بشكل عام، وتوفير فرصة للمشاركة في تحفيز واغناء الحوار في مواضيع مهمة لسوق التأمين العراقي كموضوعنا هذا. وهنا لابد من تقديم الشكر لزميلي العزيزين جون ملكون ومصباح كمال لمراجعتهما لمسودة هذه الورقة وإبداء الملاحظات لإغناء محتوياتها.[1]

 

المجمعات من منظور دولي

نشأت فكرة تأسيس المجمعات كإحدى الحلول البديلة في ظروف التقلص في طاقة الأسواق الاستيعابية، أو لمعالجة ظاهرة بروز الأخطار الكبيرة التي يصعب إكمال تغطيتها بسبب حجم المسؤوليات العالية التي تترتب عليها كمخاطر الطيران، والطاقة (النفط والغاز)، وأخطار الحرب والإرهاب والشغب والاضطرابات، أو لمعالجة أخطار الطبيعة كالزلازل والفيضانات، أو بسبب التشدد في شروط الأسواق التأمينية العالمية التي حصلت في تسعينيات القرن الماضي. فهي إذاً أداة بديلة تخضع لنفس الأسس في إدارة شركات التأمين ابتداءً من تهيئة الجدوى الاقتصادية، وقواعد الحوكمة، إلى إعداد معايير الاكتتاب وانظمة التعويضات وشكل الجهاز الإداري المتخصص، وانتهاءً بالرقابة والإشراف والخضوع للتصنيف من قبل مؤسسات التصنيف الدولية مثل ستاندرد أند بورز أو أي إم بست وغيرها لغرض تقييم المتانة المالية والقدرة غلى تسديد المطالبات.

تدار المجمعات، على المستوى الدولي، من قبل أجهزة متخصصة ذات كفاءات عالية، تزاول نشاطاً تأمينياً محدداً بالنيابة عن المشاركين في المجمع وتتيح للأعضاء (شركات التأمين) زيادة الرغبة والقدرة على الاكتتاب risk appetite. وتؤسس بعض المجمعات بدعم من الدولة كما حدث في بريطانيا في تسعينيات القرن العشرين على خلفية التفجيرات الإرهابية التي كان يقوم بها الجيش الجمهوري الإيرلندي IRA. فقد تم تأسيس مجمع تأميني ضد مخاطر الإرهاب سمي Pool Re بمشاركة من شركات التأمين وخزينة الدولة تلتزم الأخيرة بتعويض الأضرار الناجمة عن التفجيرات في حالة عدم قدرة شركات التأمين المساهمة في المجمع من الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤمن لهم المتضررين. ومن الجدير بالذكر أن هذه المجمعات تستند إلى بنية متينة متماسكة وتتمتع بمقومات نجاح نلخصها بالآتي:

اولاضخامة الطاقة الاكتتابية للمجمع

في أواخر الستينيات من القرن الماضي حدثت خسائر ضخمة اثرت سلبياً على الاسواق العالمية بشكل ادى الى اهتزاز الثقة في هذه الاسواق ومن ضمنها سوق لندن. جاء تراكم هذه الخسائر نتيجة لحادث تدفق نفطي بسبب انفجار في منابع النفط في سانت باربرا وانفجار في مصفاة نفط في كاليفورنيا. أدت هذه الخسائر الي التفكير جدياً في عام 1972 إلى ايجاد حلول بديلة تستطيع مجابهة الاحداث الكوارثية وذلك عن طريق تأسيس مجمع باسم Oil Insurance Limited (OIL) من قبل 16 شركة عاملة في الصناعة النفطية، ليقوم المجمع بمزاولة الاكتتاب في تأمينات الطاقة فقط خارج الأسواق التجارية للتأمين. وما يزال المجمع مستمراً في عمله هذا الى يومنا هذا. وقد وصل عدد الاعضاء اليوم الى أكثر من 50 عضواً وبحقوق مساهمة للشركاء بمقدار40 بليون دولار وبطاقة استيعابية capacity تصل الي 400 مليون دولار لكل خطر كافية لتلبية احتياجات العملاء وتحقيق المردود الاقتصادي للشركاء. وهذا بطبيعة الحال يعكس المستوى المالي الرفيع للأعضاء

ثانياالتصنيف العالي في الاداء للمشاركين في تركيبة المجمعلا يقل عن درجة أ (A) من قبل مؤسسات التصنيف العالمية

تتمتع الشركات الاعضاء في المجمعات الدولية وبمختلف اشكالها بتصنيف ائتماني عالي لا يقل عن درجة A. ويعتبر هذا العامل من اهم متطلبات النجاح في مجال تقييم الحماية التأمينية من قبل المستهلك، ومشجعا لديمومة العلاقة التأمينية بين كافة الاطراف المتعاقدة. مثلاً، في مجال تأمين هياكل الطائرات والمسؤوليات المترتبة عليها وبالتحديد بعد الحرب العالمية الاولي وتلبية لاحتياجات النقل الجوي البدائي في ذلك الوقت فقد تأسس في عام 1924 مجمع باسم British Aviation Insurance Group يشمل مجموعة من النقابات الاكتتابية في سوق لويدز ليتطور لاحقاً إلى مجمع جديد باسم Global Aerospace Aviation Insurance في بداية القرن الحالي وبمشاركة المجموعة الامريكية لمكتتبي اخطار الطيران AAU وكل من ميونخ ري، ناشيونال اندمنتي، طوكيو مارين، ماﭙفري و متسوي سوميتومو، وذلك تلبية لحاجة التطور الكبير الحاصل في تكنولوجيا الطائرات والفضاء. وقد كان للمتانة المالية الكبيرة والتصنيف العالي الذي يتمتع به المشاركون الاثر الكبير في استمرارية هذا المجمع خصوصا بعد احداث الحادي عشر من ايلول 2001 الإرهابية. ولذلك فإن هذه المجموعة هي الان من ركائز الحماية القوية في سوق تامين الطيران الدولي

المجمعات من المنظور الإقليمي

هناك مجمعات عديدة على المستوى الإقليمي، منها ما هو معني بأخطار الكوارث الطبيعية مثل المجمع التركي لأخطار الزلازل ويشمل تأمين الدور السكنية إلزامياً ضد هذه الأخطار وبحدود 30,000 دولار للوحدة السكنية وبأسعار مقبولة. ويدار هذا المجمع من قبل شركة إعادة التأمين التركية مللي ري.

وهناك المجمع الهندي لأخطار الإرهاب الذي تأسس بعد الهجوم الإرهابي في 26 تشرين الثاني 2001 في مومباي لتغطية المباني الحكومية ومنشآت الدولة من سكك الحديد، والموانئ وغيرها. وقد شاركت في هذا المجمع جميع شركات التأمين العاملة في السوق الهندي.

وهناك مجمع إعادة التأمينات العامة للاتحاد الأفروآسيوي للتأمين وإعادة التأمين FAIR الذي يتخذ من تركيا مقراً له، وهو معني بتشجيع التعاون عبر الحدود للأعمال بين المساهمين من شركات التأمين، وتوفير طاقة اكتتابية إضافية وبنفس مستوى الخدمات التي تقدمها شركات التأمين الدولية. يساهم في هذا التجمع الذي تأسس عام 1974 51 شركة من أفريقيا وأسيا. ويصل حجم أقساطه السنوية إلى 41 مليون باون استرليني. وتقوم شركة ميللي ري بإدارته، لكن المجمع ما يزال غير مصنفاً وهذا مما يحد من نشاطه. وقد كانت الإعادة العراقية عضواً فاعلاً في الاتحاد ولها ممثلها في اللجنة الفنية.[2]

المجمعات من المنظور العربي

أما على المستوى العربي فقد تأسست عدة مجمعات تم اتخاذ قرار تأسيسها خلال اجتماعات الاتحاد العام العربي للتأمين. وتتمحور وظيفتها على زيادة الطاقة الاكتتابية لشركات التأمين العربية وتشجيع تبادل الأعمال عبر الحدود بين الأعضاء.

وهذه المجمعات هي:

المجمع سنة التأسيس إدارة المجمع
الطيران 1968 الشركة المركزية لإعادة التامين، المغرب
التأمين الهندسي 1968 شركة اعادة التامين العراقية
الحريق 1971 الشركة التونسية لإعادة التامين
نقل البضائع 1972 شركة اعادة التامين الكويتية
هياكل السفن 1974 الشركة المركزية لإعادة التامين، المغرب

وقد تم دمج هذه المجمعات في مجمع واحد باسم المجمع العربي لإعادة التأمين، وفي ا كانون الثاني/يناير 1986 تولت شركة إعادة التأمين العربية، مقرها في بيروت، بإدارة المجمع العربي لإعادة التأمين استناداً إلى قرار مجلس الاتحاد العام العربي للتأمين.

تتميز كل هذه المجمعات، على الرغم من احقية الدوافع التي أسست من اجلها، بصفات مشتركة يمكن تلخيصها بما يلي:

  • ضعف الطاقة الاجمالية للمجمع بسبب عدم قدرة الاعضاء على تحمل الخطر .
  • ضعف النمو في حجم الاقساط بسبب عدم رغبة الشركات في اسناد الاخطار وتفضيلهم التعامل مع الشركات الدولية ذات القدرة الكبيرة على تحمل الخطر .
  • بعض الفروع مثل التامين الهندسي ونقل البضائع تتميز بانخفاض في معدلات نموها بسبب الظروف الاقتصادية السائدة.
  • لا تملك بعض الشركات التي تدير المجمعات جهازا تسويقيا قويا قادراً على التوغل في الاسواق، بل تترك الموضوع الى اجتماعات الاتحاد العام العربي للتامين حيث يتكرر الطلب في كل اجتماع على حث الاعضاء بضرورة زيادة التعاون بدون النظر الى المحددات.

لقد ادركت بعض الشركات العربية المحددات اعلاه وضرورة تجاوزها وايجاد حلول لزيادة الطاقة الاكتتابية. واذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، ما قامت به شركة اعادة التامين العراقية بتأسيس مجمعين في سبعينيات القرن الماضي :الاول باسم سارا والثاني نوما ويديرهما جهاز متخصص من المكتتبين من داخل الشركة وبدعم من جهاز تسويقي نشط للاحتكاك بالأسواق التأمينية في الدول العربية والافريقية والاسيوية والاوربية للاستحواذ على الاعمال المربحة ضمن تعليمات خطة اكتتاب مرسومة سلفا .

وهنا لابد من الذكر بأن ما قام به سوق التامين العراقي بالتصدي لظاهرة ارتفاع اسعار اخطار الحرب في السوق العالمية وتأسيس الصندوق العربي لأخطار الحرب AWRIS أوائل الثمانينيات كان انجازا يستحق التقدير والإعجاب. ففي اواخر السبعينيات قام أحد المكتتبين القادة في سوق لويدز، إيان بوسغيت Posgate، والملقب بالأصبع الذهبي Gold Finger بزيادة كبيرة في الاسعار لكافة شحنات البضائع المتوجهة الى منطقة الخليج ادت الى إحداث ضجة كبيرة في اوساط المستهلكين لانعكاس ذلك على الزيادة المتوقعة في اسعار المواد الاستهلاكية وبكل اصنافها. نقول إن هذه الحالة غير المسبوقة تصدى لها السوق واخص بالذكر الدكتور مصطفى رجب، مؤسس شركة اعادة التامين العراقية، حيث بدأت تتبلور فكرة تأسيس صندوق لأخطار الحرب. وقاد الدكتور رجب بكل حرفية المحادثات الاولية بين المشاركين في الصندوق من جهة وبين سوق التأمين البريطاني. وكان لي الشرف بالمشاركة في هذه الاجتماعات عندما كانت تعقد في مكتب الاتصال في لندن العائد لشركة اعادة التامين العراقية بصفتي مديراً لهذا المكتب.

وبعد مرور ما يقارب من 36 عاما منذ التأسيس وبالرغم من الارباح التي يحققها الصندوق العربي لأخطار الحرب لابد من وقفة نوعية للمراجعة والتقييم. ولعل اهم ما يستوجب التمعن به هو الآتي:

اولا – ضآلة الاحتفاظ اذا ما قيس بعمر الصندوق والاحتياطيات المتراكمة لدية ومع العدد الكبير للمشاركين.

ثانيا- لغرض حماية المستهلك والمحافظة على حقوق المساهمين، فإنه من المستحسن اجراء تقيم للأداء وفي كافة المجالات مثل الحوكمة، اغطية الحماية الإعادية، السياسة الاكتتابية، القدرة المالية والتي تشمل الاحتياطيات والمتانة المالية للمشاركين، سجل الاخطار وكيفية معالجتها، واعتماد الاسس الحديثة في التعامل مع الأخطار وإدارتها enterprise risk management وهناك مؤسسات عالمية يمكن قيامها بذلك مثل ستاندرد اند بوز أو أي ام بست.

المجمعات من منظور عراقي

بسبب الظروف الصعبة التي مر بها العراق منذ اكثر من ثلاثة عقود والى يومنا هذا، فقد اثر ذلك سلبا على معدلات النمو الاقتصادي وفي كافة الانشطة ومن ضمنها التأمين. ومن اهم المشاكل التي مر بها قطاع التامين وما يزال في ظل هذه الظروف هي الانخفاض الحاد في حجم الاقساط وانعكاسها السلبي على مردود راس المال، انحسار في نطاق حماية اعادة التامين الدولية لبعض الاخطار كالإرهاب، الشغب والاضطرابات وارتفاع كبير في التعويضات لبعض الفروع مثل السطو المسلح،, السرقة، وخيانة الامانة.

ومن الطبيعي في ظروف كهذه ان تبرز ظاهرة تأسيس المجمعات بين شركات التامين العاملة في سوق التامين العراقي كنوع من التكاتف والتعاضد لمجابهة الخطر. الا انه لابد وان نذكر في هذا المجال انه من الضروري مراعاة الامور الجوهرية التالية لكي تستطيع هذه المجمعات ان تلبي حاجات السوق وتحقق الهدف التي اسست من اجلها:

اولا- ان تتوفر حدود قصوى لقبول الخطر لكل مجمع. وهذا يتمثل بمجموع الطاقة الاجمالية للقدرة الاكتتابية لكل مشارك.

ثانياً- ان يكون هناك تصور لحجم الاقساط المتوقعة بما يقابله من المسؤوليات المتاحة لهذا المجمع او ذاك. ومن المفضل ان يشمل عدة اخطار متجانسة لتحقيق التوازن بين المسؤوليات والاقساط بدلا من تأسيس مجمع لكل خطر على حدة وبعثرة الجهود. وبتقديرنا فإن التقسيم الامثل هو ان تكون هناك اربعة مجمعات عاملة في السوق:

مجمع الأخطار غير البحرية، وتشمل اخطار الحريق، تامين المخازن، التامين الهندسي، التأمين اثناء النقل او في القاصة وخيانة الامانة.

مجمع أخطار الكوارث الطبيعية. ان اشتراك خزينة الدولة كأحد المساهمين ضروري لضمان نجاحه.

مجمع أخطار الارهاب، ويشمل السيارات، والقروض، والمباني الاهلية والحكومية. وهنا أيضاً تكون مشاركة الدولة عاملاً أساسياً في النجاح.

مجمع أخطار الطاقة النفطية.

ثالثا – ان تُعهد ادارة المجمعات اعلاه ولكل واحد منها الى شركة متخصصة تقوم بكافة الاعمال الاكتتابية يعد وضع الاسس واساليب العمل من تحديد الاسعار، والسياسة الاكتتابية،, التعويضات، وجهاز الرقابة والاشراف. ولا بأس ان توكل ادارة المجمعات الى شركتين او ثلاثة حسب التخصص .

رابعاً- ضرورة حماية هذه المجمعات بأغطية لزيادة الخسارة حماية لرأسمال المساهمين ورفع قدرة تحمل الخطر لكل مساهم .

من باب الختام

ما قدمناه في هذه الورقة لا يتعدى الخطوط العامة للموضوع، ونأمل أن نكون في وضع نستطيع فيه التحاور مع جمعية التأمين العراقية بشأن بعض ما ورد فيها سواء من باب التوضيح أو الاقتراب من رسم السياسات.

آذار 2016

* كاتب في قضايا التأمين وإعادة التأمين

[1] كتبت هذه الورقة خصيصاً لجمعية التأمين العراقية، بغداد، كمساهمة من التجمع التأميني العراقي. وهو تجمع مهني، طوعي، غير مسجل، ليس له انتماء سياسي أو إيديولوجي، ولا يستهدف الربح، يعرض خدماته الفنية والفكرية، قدر المستطاع، وحسب ما يحتاجه قطاع التأمين العراقي ممثلاً بجمعية التأمين العراقية. وقد جاءت فكرة تأسيس التجمع من الزميل مصباح كمال وبمؤازرة من الزميل جون ملكون ومني.

[2] في مراجعته لمسودة هذه الورقة كتب الزميل جون ملكون ما يلي: “كانت الإعادة العراقية عضواً فعّالاً في الاتحاد الأفرو آسيوي للتأمين وإعادة التأمين FAIR (تأسس في القاهرة في أيلول/سبتمبر 1964)، وساهمت في تأسيس مجمع إعادة التأمينات العامة للاتحاد عام 1974 الذي كانت تديره شركة مللي ري التركية Milli Re نيابة عن الأعضاء المساهمين. وقد كنت عضواً في اللجنة الفنية للمجمع التي كانت تجتمع في اسطنبول. توقفت من العمل في اللجنة عام 1978 بسبب “التقاعد.”