Monthly Archives: ديسمبر 2012

Iraqi Insurance Wishes for 2013

تمنيات تأمينية عراقية لسنة 2013

 

 

مصباح كمال

 

 

مع قرب انتهاء 2012 وحلول 2013، حيث نشهد تبادل التمنيات بين الناس، عنَّ لي أن أدون مجموعة من التمنيات، أراني أشترك بها مع غيري، لقطاع التأمين العراقي العزيز علينا.  لقد قضينا عمرنا المهني عاملين فيه وهو يستحق منا أن نتمنى له استرداد مكانته الاقتصادية وتعزيزه والارتقاء به.

 

بعض هذه التمنيات ربما تكون بعيدة المنال، أو غير واضحة، أو مبتورة.  وهذه مقصودة لإثارة التفكير بها وملابساتها.  قائمة التمنيات طويلة نكتفي بعرض بعضٍ منها كيفما اتفق ودون تحديد الأسبقيات.  هي مقترحات/جدول عمل بصيغة تمنيات لسنة 2013.

 

كتابة تاريخ التأمين العراقي، فهذا التاريخ ليس مكتوباً.  كتابة هذا التاريخ ضرورية لحماية قطاع التأمين العراقي بما يلائم وحدته الجغرافية وتوجهاته الوطنية النابعة من الداخل لإعادة تشكيل سوق اتحادي مشترك.

 

تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.

 

استكمال الهيكل التنظيمي لديوان التأمين العراقي وملاكاته.

 

استكمال الهيكل التنظيمي لجمعية التأمين العراقية.

 

اندماج شركات التأمين الصغيرة لتأسيس شركات متينة في رأسمالها، واحتياطياتها، وكوادرها.

 

تطوير المستوى اللغوي للعاملين والعاملات وخاصة اللغة الإنجليزية.

 

تحسين أدب التخاطب.

 

وضع قواع للسلوك مُلزمة لشركات التأمين.

 

تقديم معلومات اكتتابية كافية عند التعامل مع أسواق إعادة التأمين الدولية.

 

ضمان وجود جيل جديد من ممارسي التأمين المؤهلين (الخط الثاني).

 

عقد ندوة، بإشراف شركة إعادة التأمين العراقية، حول تجديد اتفاقيات 2013 للشركات المشاركة فيها.

 

تأسيس جمعية لمكافحة الحريق.

 

حصر تأمين النفط العراقي في جميع أطواره ومنشآته لدى شركات التأمين العراقية.

 

إلزامية التأمين على خطر الحريق، ومسؤولية رب العمل، والمسؤوليات المهنية، والمسؤولية العشرية.

 

تشجيع البحث في التأمين، وتأسيس جائزة مناسبه بشأنه تحمل اسم أحد الرواد.

 

إطلاق مجلة رصينة متخصصة بالنشاط التأميني.

 

تجميع قوانين التأمين في كتاب (إعادة طبع كتاب طالب المصرف بعد تحديثه).

 

للعاملات والعاملين في بيت التأمين العراقي كل الخير والأمان ليشتركوا كجماعة، مع قدوم 2013، في تأسيس لحظة جديدة متطورة في تاريخ التأمين العراقي.

 

لندن 31 كانون الأول 2012

Women in Iraq’s Insurance Sector

في ذكر هدى الصفواني:

ملاحظة حول حضور المرأة في قطاع التأمين

 

 

يصادف يوم 3 كانون الثاني 2013 الذكرى الثالثة لوفاة هدى الصفواني.  ومع اقتراب هذه المناسبة دعوت عدداً من الزملاء والزميلات ممن يعرفونها المساهمة في إعداد ورقة بهذه المناسبة.  كتبتْ نيران نعمان ماهر السامرائي، زميلتها وصديقتها، كلمة وكذلك باقر المنشئ زميل العمل القريب منها (الكلمتان منشورتان في مرصد التأمين العراقي).  وكتب عبدالباقي رضا وسحر الحمداني وفؤاد عبدالله عزيز ومحمد الكبيسي وكذلك إيمان عبدالله شياع تعليقات صغيرة أدرجتها في ورقة منشورة تحت عنوان “في ذكر هدى الصفواني” في مرصد التأمين العراقي.[1]

 

هذه الورقة القصيرة هي من وحي هذه المناسبة استفدنا منها كمدخل لإثارة موضوع حضور المرأة في قطاع التأمين.

 

 

(1)

 

لا نعرف المصادر الفكرية والثقافية لهدى الصفواني، وكيف اكتسبت معارفها التأمينية والمهارات المرتبطة باختصاصها في التأمين على الطيران.  ولا نعرف إن كانت هدى تحمل فكراً سياسياً معيناً ولكننا نعرف أن والدها سلمان الصفواني (1899-1988) كان صاحب جريدة اليقظة (1924-1959) ويعتبر من رواد الصحافة العراقية، وكان وطنياً واتجاهه السياسي قومياً عربياً.  ولا نعرف إن كانت هدى قد كتبت مقالات منشورة ولكنها كتبت، بالتأكيد كجزء من مهام العمل، مطالعات في قضايا تأمينية ذات علاقة باختصاصها، ولن نكتشف ذلك إلا من خلال البحث في ملفات شركة التأمين الوطنية – إن كانت هذه الملفات موجودة.  ومن المؤسف أن لا نستطيع تقييمها من خلال عملها لشحة المعلومات.  وقد حاولنا البحث عن بعض المعلومات عن حياتها الشخصية في الشبكة العنكبوتية لكننا لم نحصل على أي معلومة.  خير من يستطيع إلقاء بعض الضوء على عملها وشخصيتها هم زميلاتها وزملاءها لكننا لم نستهدي، حتى كتابة هذه الورقة، إلا إلى نيران نعمان ماهر السامرائي وباقر المنشئ[2] ومن المؤمل أن تكتب السيدة خلود محمد سعيد عنها.[3]

 

(2)

 

هناك كتابات عديدة عن دور النساء العراقيات الرائدات في مختلف المجالات في القرن العشرين، لكن هذه الكتابات لا تأتي على ذكر دور النساء في قطاع التأمين.[4]  ربما يعود السبب إلى ضآلة دور القطاع في الحياة الاجتماعية وعلى المستوى الشعبي، أو قلة اهتمام الدارسين بالموضوع.  وهذا ليس مستغرباً إذ علمنا أن النشاط التأميني لا يلقى اهتماماً حقيقياً من الاقتصاديين أو من المؤرخين.  أو ربما يعود السبب إلى أن النساء الرائدات اللاتي عملن في شركات التأمين غير معروفات ولم يتمتعن بشهرة الرائدات في مجالات العمل الأخرى، فنحن لا نعرف، مثلاً، اسم أول امرأة عملت في شركة تأمين.  ويرتبط بهذا اقتصار عمل النساء في خمسينيات القرن الماضي على أعمال السكرتارية والطباعة التي ينظر إليها، خطأً وبتعالٍ، على أنها أعمال “غير فنية.”  هي أعمال “روتينية” لكنها تتطلب مهارة فنية خاصة، وهي جزء أساسي من متطلبات أداء العمل التأميني في مظاهره المختلفة: في الاكتتاب والتعويض وإعادة التأمين .. الخ.[5]  ولا نعرف أيضاً إن تدرجت بعضهن نحو العمل “الفني.”  يقال ان أول امرأة عُينت للعمل في شركة التأمين الوطنية كان سنة 1952 لكن اسمها وموقعها الوظيفي ليس معروفاً.[6]

 

بدون توفر المعلومات لا يمكننا الإشارة إلى امرأة واحدة متميزة في القطاع “يشار إليها بالبنان.”  ونحن نميل إلى تغليب فكرة وجود صف متميز من النساء المتخرجات حديثاً من الجامعة في فترة ثورة الرابع عشر من تموز 1958 عملن في القطاع بالتوازي مع بعضهن.  كانت هدى الصفواني من هذا الجيل من النساء، من طبقة بثينه حمدي (الحسابات، التأمين الوطنية)، وسعاد نايف برنوطي (إعادة التأمين، التأمين الوطنية)،[7] وسهير حسين جميل (الشؤون القانونية، التأمين الوطنية)، ومي الخضيري (إعادة التأمين، التأمين الوطنية)، ونجيبه كاكا (التأمين الهندسي، التأمين الوطنية)، ومي مظفر (الإعادة العراقية)، ونيران ماهر الكنعاني (التأمين البحري، التأمين الوطنية؛ لم تكمل مشوار العمل في التأمين) مع الاعتذار لعدم تذكري أو معرفتي بأسماء النساء الأخريات من هذا الجيل ممن عملن في التأمين الوطنية، والتأمين العراقية، والإعادة العراقية وقبل ذلك في شركات التأمين العراقية الأخرى وكذلك فروع ووكالات شركات التأمين العربية والأجنبية.

 

كنَّ يشتركن بكونهن خريجات جامعيات، ويجمعن بين المعرفة الأكاديمية، واللغة الإنجليزية، إضافة إلى العربية، والمعرفة العملية بمفاهيم التأمين وتطبيقاتها في فروع التأمين المختلفة.  لم تكن هؤلاء النسوة شخصيات يؤدين مهام ذات طبيعة روتينية بل كن مساهمات، مع زملائهن ورؤسائهن، في التعامل مع قضايا معقدة في الاكتتاب وفي التعويض وفي إدارة العمل التأميني في مختلف وجوهه.  وهدى الصفواني خير مثال على ذلك كما يرد في كلمة باقر المنشيء التي أشرنا إلى رابطها في أحد هوامش هذه الورقة.

 

القول بأن النقلة النوعية في مكانة النساء في قطاع التأمين حصلت في أوائل ستينيات القرن الماضي، بعد تزايد عدد الخريجات الجامعيات، أطروحة بحاجة للتحقيق رغم أن كلية التجارة والاقتصاد، أحد المصادر المهمة في توفير الموظفات لشركات التأمين والمؤسسات الحكومية، تأسست في العام 1947 وتخرجت الدفعة الأولى من خريجاتها في العام 1950 ــ 1951.[8]  وسيمر وقت طويل قبل أن تشغل النساء موقع عضو في مجالس إدارات شركات التأمين.

 

عملت المرأة العراقية في مختلف فروع التأمين وكان حضورها كثيفاً في شركات التأمين العامة حتى ان البعض منهن كن يعملن في المجال الهندسي الذي كان يتطلب المشاركة في إجراء الكشف الميداني على مواقع الأخطار والأضرار المؤمن عليها.  أذكر هذا لأن الصورة النمطية عن المرأة هي انها تقوم بالوظائف الروتينية والمكتبية.  كان ذلك قبل أن تجبر المرأة العراقية على تغيير لباسها ضمن “الحملة الإيمانية” لـ “القائد الضرورة” ومن جاء بعده.[9]

 

(3)

 

من الصعب إجراء المقارنات بين عمل النساء في قطاع التأمين العراقي ونظيره في البلدان العربية بسبب غياب البيانات للحكم على مكانتهن في العراق.  وأجازف بالقول ان موضوع موقع المرأة في النشاط التأميني لم يكتب عنه ولم يبحث حتى الوقت الحاضر.[10]  ولا يكفي هنا ذكر الانطباع الشخصي بوجود تشابه في الوضع بين العراق ومصر، على سبيل المثال.  ومن الصعب أيضاً، دون القيام بالبحث، معرفة الأصول الاجتماعية والطبقية للنساء العاملات في القطاع، والدوافع وراء اختيار العمل في شركات التأمين.  ونزعم أن دور المرأة في التأمين، في دول أخرى، لم يحظى بدراسات مستقلة ولا يرد ذكره إلا من خلال إشارات عابرة.  يذكر مؤلفا كتاب عن مصادر البحث التاريخي في النشاط التأميني في بريطانيا أن شركات التأمين التي كانت تكتتب بوثائق التأمين الصناعي على الحياة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لجأت إلى استخدام النساء ككاتبات لإدخال بيانات الوثائق في بطاقات،[11] وهو عمل تفصيلي يحتاج إلى الصبر والدقة.

 

كما أن المرأة لم تشغل مواقع قيادية في شركات التأمين في الأسواق المتقدمة، بريطانيا على سبيل المثال، إلا في فترة متأخرة كما نقلنا من كتاب في تعليق كتبناه سنة 2009.  جاء في كتاب صدر في أوائل ثمانينيات القرن الماضي: [12]

 

“قبل اثنتي عشر سنة لم تكن أية امرأة عضواً في لويدز، ولم تطأ قدما سيدة قاعتها الاكتتابية The Room.  واليوم هناك ما يقرب من 4,000 اسم نسائي Name [العضو الاكتتابي المساهم في رأسمال النقابة الاكتتابية] في لويدز.  وبدأت النساء بارتقاء جُل المواقع الوظيفية في مجتمع لويدز.  فهناك نساء عاملات كمساعدات للمكتتبين يجلسن في المكتب الاكتتابي underwriting box [سمي المكتب بالإنجليزية بالصندوق box لصغر حجم المكاتب، وهي موجودة داخل القاعة الاكتتابية التي يرتادها وسطاء التأمين المعتمدين من قبل لويدز للتفاوض مع المكتتبين وإبرام عقود التأمين] وهناك سيدات يحتلن مواقع تنفيذية لدى شركات وساطة التأمين.”

 

تغيرت الصورة في الأسواق المتقدمة مثلما تغيرت في العراق إذ صارت المرأة تشغل عضوية مجالس الإدارة في بعض شركات التأمين ومنها شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية.  ورغم تزايد الثقل العددي للنساء في قطاع التأمين لم نشهد قيام تجمع خاص بهن كما هو الحال في الأسواق المتقدمة حيث توجد جمعيات للنساء العاملات في مجال التأمين والخدمات المالية.  قبل سنتين قامت إحدى المكاتب الحقوقية الأجنبية في دولة الإمارات العربية تأسيس جمعية للنساء العاملات في التأمين.  آمل ان تتحفز العاملات في قطاع التأمين العراقي لتكوين جمعية لهن لتأكيد حضورهن المهني في القطاع وتطوير مواقعهن من خلال رسم السياسات المناسبة.

 

وآمل أن يتحول موضوع دور المرأة في قطاع التأمين إلى أطروحة بحث جامعي، وإن لم يتحقق هذا الأمل أتمنى على زملاء وزميلات المهنة في العراق المساهمة بتعليقاتهم وإضافاتهم لوضع نواة أولية للمزيد من البحث.  سأكون شاكراً لأية تصحيحات وإضافات لتوثيق مكانة ودور المرأة في قطاع التأمين العراقي.

 

 

لندن 17 كانون الأول 2012


[2] أنظر: نيران نعمان ماهر السامرائي، “عندما أتذكر هدى الصفواني،” وباقر المنشئ “كلمة وفاء للمرحومة هدى الصفواني في ذكرى وفاتها الثالثة”، مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2012/12/07/when-i-remember-huda-al-safwani/

https://iraqinsurance.wordpress.com/2012/12/07/a-tribute-to-huda-al-safwani/

 

[3] كما أخبرتني السيدة إيمان عبدالله شياع في رسالتها المؤرخة 11/12/2012.  خلود محمد سعيد تعمل في قسم الطيران، شركة التأمين الوطنية.

[4] مبجل بابان، “لمحات عن نساء عراقيات رائدات في تاريخنا المعاصر”، الاتحاد الديمقراطي العراقي، 19 ديسمبر 2009

http://www.idu.net/modules.php?name=News&file=article&sid=15771

وكذلك مبجل بابان “8 آذار يوم المرأة العالمي” الحوار المتمدن

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=164836

أنظر أيضاً: ا .د . إبراهيم خليل العلاف، “المرأة العراقية ودورها في بناء العراق المعاصر 1921-2003”

http://dr-ibrahim-al-allaf.com/details.php?id=261 دراسة مفصلة يسرد فيها قائمة من اسماء النساء في مجال الشعر والفن الإسلامي والموسيقى والغناء والطب والصحافة والقضاء والعمل الجامعي الأكاديمي واللغة وتنظيم الجمعيات والبحث التاريخي وغيرها.  لا نجد ذكراً في هذا الصنف لعمل المرأة في قطاع التأمين.

[5] في زماننا، ومع إدخال الحاسوب في أداء العمل صار الاعتماد على كتاب وكاتبات الطابعة أقل.  صارت الموظفة والموظف مجبرة على تعلم استخدامات الحاسوب، ولم تعد المهارة محصورة بالعاملات في قسم الطابعة.

[6] هذه المعلومة من السيدة باسمة البحراني التي عملت لفترة قصيرة في شركة التأمين الوطنية، فرع بغداد، وقد ذكرتها لي في حديث عابر معها في لندن بتاريخ 22 أيلول 2012..

[7] حصلت سعاد برنوطي في وقت لاحق على دكتوراه في ادارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا، لوس انجليس، وألفت وترجمت العديد من الكتب والدراسات ومنها الكتاب المنهجي ادارة الموارد البشرية – إدارة الأفراد الذي يُدرّس في بعض الجامعات العربية.

 

[8] مجلة الفردوس، دار الكتب والوثائق، بغداد، http://www.iraqnla.org/fp/alfrdos12/fadat.html

[9] في الفترة التي عملتُ فيها في شركة التأمين الوطنية (1968-1977) لم أشهد موظفة كانت تغطي رأسها بأية خرقة.  الوحيدة التي كانت تغطي رأسها هي المرأة المكافحة الأمية التي كانت تنظف المكاتب عند انتهاء الدوام الرسمي.  وكان لباسها جزءاً من التقليد الشعبي القائم وليس لباساً لما صار يعرف باللباس الشرعي المشكوك في أصوله.  ربما كانت مثل هذه المرأة تكدح كي تستطيع ابنتها إكمال تعليمها الجامعي، وهو ما أعرفه في حالات أخرى خارج شركة التأمين الوطنية.

[10] لعل ورقة إيمان عبدالله شياع “واقع المرأة في شركة التأمين الوطنية،” مجلة التأمين العراقي، 27 نيسان 2009، وقد كتبتَها باقتراح مني، هي الورقة الوحيدة من نوعها.  وتبعتها بورقة ثانية، “النصف الآخر: دراسة أولية لدور المرأة في شركة التأمين الوطنية” كلّفتُها بها لتكون فصلاً في كتاب عن شركة التأمين الوطنية يكتب خصيصاً على شرف عبدالباقي رضا.  لا يزال الكتاب مشروعاً تبنته إدارة شركة التأمين الوطنية في تشرين الثاني 2011 لكن المكلفين بكتابة فصوله لم يحركوا ساكناً باستثناء د. سليم الوردي وإيمان شياع!

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/04/blog-post_27.html

[11] H A L Cockerell & Edwin Green, The British Insurance Business: A Guide to its History & Records (Sheffield: Sheffield Academic Press, 1994.  First edition 1976), p 69-70.

 

“Industrial life assurance required the services of tens of thousands of agents who acted as canvassers and collectors.  In the early twentieth century as many as 80,000 were so employed all over the country.  The companies were faced with the problems of processing very large volumes of data.  In response, in 1872 the Prudential had begun to employ women as clerks, following the earlier example of the Post Office.  The Prudential at the time issued up to 20,000 policies each week, as a new policy was required whenever a policyholder decided or persuaded to pay more in weekly or monthly premiums… Each policy was entered on a handwritten card.”

 

[12] http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/07/blog-post.html

Godfrey Hodgson, Lloyd’s of London: a reputation at risk (Harmandsworth: Penguin Books, 1984) p 128.

 

Huda Al-Safwani: my role model

الست هدى الصفواني

استاذتي ومثلي الاعلى

خلود محمد سعيد

لم تفارقني ابداً في حياتها ومماتها منذ عرفتها عام 1980 وعملت معها في قسم الطيران في شركة التأمين الوطنية حيث كانت مديرته، وكانت وقتها تتمتع بإجازة امومة ابنتها الوحيدة هاله.  كنتُ اصغر موظفة في القسم لذلك احاطتني برعايتها وعلمتني ادق تفاصيل عملي كي أؤديها كما يجب.  كانت تشرح لي دائما ما استغلق عليَّ فهمه ولا تتوانى عن الاجابة عن أي سؤال، وكنت كثيرة السؤال.  كانت تحكي لي عن مسيرتها الوظيفية ربما بدافع توجيهي نحو الحرفية في العمل.  كانت تُحبُ عملها بشكل جدي.  علمتنا معنى السلوك الوظيفي والانضباط واحترام ساعات العمل، حيث نبدأ من الصباح الباكر وحتى انتهاء الدوام، ليس من خلال المواعظ وإنما من خلال ممارستها لمهامها الوظيفية.  بوجودها لم نكن نحس بالوقت فقد كانت معنا في كل خطوة.  كنا كخلية نحل وهي الملكة بيننا لكنها ملكة تحمل هموم القسم وتدير أعماله وتنسق مع إدارة الشركة.

كانت تتمتع بالهدوء والرقي والشخصية القوية وفي نفس الوقت التواضع والحنان.  كانت صبورة جدا ولها طول البال تجاه الأشخاص والأعمال.  شخصيتها المرحة تدخل القلب بسرعة وبدون استثناء.

اعطتني مرة تقرير ايفادها الى لندن وكان مطبوعا وموزعاً على الموظفين، وذلك في عام 1975، ضمن دورة مكثفة لمدة شهر جمعت بين الجانب النظري والعملي.  كان التقرير يضم تفاصيل وثائق تأمين الطيران مع شرح مفصل لكل وثيقة.  عندما تقرأه تحس وكأنك موجود في سوق لويدز.  وقتها اثنى عليها مدير عام الشركة.  ولا انسى العبارة المكتوبة على تقريرها من قبل الأستاذ عبدالباقي رضا: (انه حقا تقرير واف وهذا لا يستبعد عن هدى الصفواني لأنها جديرة بذلك).  وقد قرأت التقرير اكثر من مرة وانطبعت محتوياته في ذهني لما فيه من معلومات مفيدة لعملنا.

كانت معرفتنا بهدى مكسباً كبيراً فقد احاطتنا بالرعاية وامدتنا بالخبرة والمعرفة ولم تبخل علينا بالنصيحة والرأي.  ولن انسى ابدا عام 1984 عندما توفت والدتي فقد اتت الى بيتي لتواسيني، وكانت مواساتها بلسماً لوجع الفراق وقالت لي: انا امك من الان.  وفعلا احسستُ بذلك الى ان غادرتْ العراق.

كانت تهيء لقاءات في بيتها، تجمعنا موظفات وموظفين لشرب القهوة عصرا.  كان بيتها انيقاً وجميلاً يقع في منطقة الاعظمية قرب كلية بغداد.  كان اخر مرة رأيته عندما قدمت من نيوزلندا عام 2001 حيث التقيت بها وكانت ترومُ بيعه مع الاسف.  اقول: كانت تجمعنا في بيتها لتقوية علاقاتنا الاجتماعية وتحسسنا اننا اسرة واحدة، وتدير احاديث خاصة مع كل واحد منا لكي نتجاوز خلافاتنا التي كانت تحصل في القسم نتيجة زخم العمل والمنافسة بين الموظفين.  كم هي رائعة حقا.  كانت استاذة باللغة العربية والانكليزية، موسوعية في معارفها ولديها كم كبير من المعلومات.  وهذا ينمُّ عن شخصيتها ومدى ارتباطها بالعلم والتعلم وهو امتداد لتقاليد عائلتها الثقافية.

في وقتها كان قسمنا نموذجيا وهادئا والكل فيه يعمل بدون كلل.  عندما رأيتها اخر مرة في بغداد عام 2001 وكانت في زيارة للشركة احتضنتني والدموع تملأ عينها من الفرحة لسماعها خبر زواجي من جمال فريد الذي كان موظفا في نفس القسم، وكانت تحبه وتحترمه.  وقد اصرّت على ان تستقبلنا في بيتها وهيئت جلسة جمعتنا نحن الثلاثة وأختها نهى لتسألنا عن تفاصيل الزواج ورؤية الصور الخاصة به وكنا قد التقطنا الكثير من الصور.

وشاءت الظروف ان اكون انا مسؤولة قسم الطيران في شركة التأمين الوطنية حاليا.  كانت ستفرح بإشغالي لهذا الموقع فقد تتلمذتُ على يديها، ولكن لن يملأ مكان هدى احداً لفرادتها.

واخيرا اقول من كل قلبي (سقى الرحمن مثواها) وانسانة مثلها لا تنسى ابدا.  رحمة الله على روح ام هاله.

بغداد 12/12/2012

خلود محمد سعيد

* الست هدى الصفواني من مواليد عام 1938 وقد باشرت العمل في شركة التأمين الوطنية في 20/6/1963.

* أشكر زميلنا مصباح كمال على ما بذله من جهد في سبيل احياء ذكرى وفاة الست هدى الصفواني.

When I Remember Huda Al-Safwani-marginal note

على هامش مقالة نيران ماهر السامرائي “عندما أتذكر هدى الصفواني”

إعداد مصباح كمال

يعود الفضل في كتابة هذا الهامش إلى السيدة مي عباس مظفر، الشاعرة والأديبة.[1]  ففي تعليق لها بتاريخ 12 كانون الأول 2012 على مقالة نيران ماهر السامرائي “عندما أتذكر هدى الصفواني”[2] ذكرت “أن اختيارنا للعمل في لجنة السكرتاريا أنا وسهير حسين جميل ونيران ماهر وعنان سامي فتاح وهدى الصفواني كان لغرض متابعة وقائع اجتماعات المؤتمر العربي الأول لشركات التأمين الذي عقد في بغداد عام 1966 حسبما أذكر.  ويمكن مراجعة التاريخ الصحيح مع الأستاذ عبد الباقي رضا الذي كان مشرفا علينا وقام بصياغة المحاضر في شكلها النهائي وليس كما ورد في كلمة نيران من أن المؤتمر كان عن الخط الاستراتيجي.  كما أن قطاع التأمين في تلك المرحلة كان تابعا لوزارة التجارة وليس للمالية وقد ألحق فيما بعد بوزارة المالية.”

عرضت هذه المعلومات على الأستاذ عبدالباقي رضا والسيدة نيران السامرائي بهدف التوصل إلى التوثيق الصحيح.  وقد تفضل أستاذنا بكتابة الرسالة التالية:

“مرة أخرى أشيد وأكبر فيك هذا الوفاء الجميلللتأمين الوطنية ومن فيها وما فيها وماضيها وحاضرها ومستقبلها وما يتعلق بها ومن عمل فيها و .. الخ، رغم الفترة الوجيزة نسبيا التي احتضنتك وسعدت وسعد زملاؤك بوجودك معهم.[3]

عودا الى الملاحظة التي وردت من الاخت الفاضلة السيدة مي، التي حظيت بلقائها مؤخرا في الفور سيزن في عمّان بعد انقطاع طويل وكان لها الفضل في ان يكون لي آخر حديث هاتفي مع العزيزة الراحلة سهير.

أقولُ لقد استغربتُ من رواية السيدة نيران عن مهمة اللجنة التي ضمتها مع باقة رائعة من الزميلات الفاضلات.  ان رواية السيدة مي هي الصحيحة.  وقد كان انعقاد مؤتمر التأمين العربي الأول وآخر مرة في بغداد عام 1966 وقد نجح المؤتمر نجاحا باهرا كما نجحنا في جميع المناسبات التي تبناها قطاع التأمين العراقي.  وأنا أكتب اليك هذه الاسطر أتذكر باعتزاز احتفالات الوطنية بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسها وكنت أنت أحد نجومها ولم يتكرر مثلها لا في قطاع التأمين ولا في أي قطاع آخر على ما أتذكر.

المعلومة الاخرى الجديرة بالتعديل هي أن اسم الوزارة يومذاك كان وزارة الاقتصاد وليس التجارة.  في أواخر السبعينيات انقسمت الوزارة الى وزارتين: للتجارة الخارجية ووزيرها المرحوم حكمة العزاوي وللتجارة الداخلية ووزيرها المرحوم حسن علي وارتبط بها قطاع التأمين قبل أن ينقل الى وزارة المالية في منتصف السبعينيات في عهد وزيرها الرائع الدكتور فوزي القيسي رحمه الله الذي حضر شخصيا الى التأمين الوطنية لتوديعي يوم 3 آذار 1978 قبل انفكاكي بيوم واحد[4] لالتحاقي بعملي الجديد في المؤسسة العامة للتأمين مستشارا، وهو ما سعيت اليه.”

بعد أن شكرت الأستاذ عبدالباقي على تقويم المعلومات التي قدمتها نيران السامرائي ومي مظفر ذكرتُ له بأنني استلمت مقالة من السيدة خلود محمد سعيد، مديرة قسم الطيران في التأمين الوطنية، عن هدى الصفواني تشير فيه الكاتبة إلى تقرير لهدى يعود لسنة 1975 يضم ثناءً من المدير العام نقلته كالتالي: “انه حقا تقرير واف وهذا لا يستبعد عن هدى الصفواني لأنها جديرة بذلك.”  في هذه الفترة كنتَ المدير العام، وتعليقك يذكرني باهتمامك بتقارير الموظفين التي كنت تقرأها بعناية وتصحح ما فيها من أخطاء.  وكانت سياستك أن على الموظف الموفد الكتابة عن موضوع إيفاده.  ربما كان ذلك من باب التوثيق وتوفير أرضية للمساءلة ومن باب الاطمئنان على صحة اختيار الموفد للقيام بما يناط له من مهمات خارج العراق (كنتَ توفر الفرصة للعاملين لإثبات قدراتهم والكشف عنها ضمن التفكير الاستراتيجي في بناء كوادر الشركة).  ألاحظ أن هذه السياسة قد ضعفت من بعدك وصارت الاعتبارات غير الفنية هي الأساس.”

شكرني الأستاذ عبدالباقي على رسالتي ومرفقها كلمة السيدة خلود التي قال انها حازت اعجابه “العميق لأسلوبها البليغ الذي بات نادرا في أيامنا هذه.”[5]  وقال أيضاً “لم يكن شيئا استثنائيا أن أُعجب بتقرير المرحومة عن ايفادها الى انكلترا واثبت ذلك عليه فهي كانت تحسن بل وتجيد الكتابة باللغتين.”

في ذات الوقت كتبت للسيدة نيران السامرائي لأسألها إن كانت تستطيع التفريق في التفاصيل بين مؤتمر التأمين العربي الأول (1966) ومحادثات مشروع الخط الاستراتيجي (1973) اتماماً للفائدة واحتراماً لقراء مقالتها عن هدى الصفواني.

كان رد نيران “لا مشكلة في الأمر إذ يمكن إجراء التصحيح التالي: بالنسبة للعام1973 هو ما كلفت به والمرحومة هدى لغرض إعداد إضبارة كاملة عن مباحثات التامين الوطنية مع كل من شركة سايبيم الإيطالية وشركة ألمانية لا يحضرني اسمها، حيث كنا نعمل معا في قسم التامين البحري.  وفعلا على ضوء تلك الاجتماعات تم إجراء التأمين من قبل الوطنية على أساس Turnkey Project

أما بالنسبة لعملنا نحن الصديقات معا فكان في مؤتمر التأمين 1966.

وبالنسبة للعزيزة هدى فقد شاركت في كل اللقاءات المذكورة بالإضافة الى ما كُلفت هي به بعد اعتزالي العمل من الوطنية.”

اختتمت نيران رسالتها بالملاحظة التالية: “طالما خشيتُ من موضوع التدوين خوفا من خيانة الذاكرة.”

أشكر أستاذنا الفاضل عبدالباقي رضا والسيدتين الفاضلتين مي عباس مظفر ونيران نعمان ماهر السامرائي على مساهمتهم في تثبيت صحة تاريخ بعض النشاطات التي ارتبطت بعمل الراحلة هدى سلمان الصفواني.  آمل أن تتظافر جهود أعضاء مجتمع التأمين العراقي لتدوين نقدي لتاريخ تأسيس وتطور قطاع التأمين الذي استنفد بعضنا عمره فيه.  وبهذا الشأن، ومن باب الختلم، أود أن اقتبس من رسالة مؤرخة في 15 كانون الأول 2012 من زميلي محمد الكبيسي: “الوطنية .. خلع عليها روادها لقب المدرسة، وكثيرا ما سمعته ولازلت اسمعه من معظمهم.  اوحت لي محاولاتك التوثيقية لتاريخها وروادها على مختلف الأصعدة الانسانية والفنية فكرة ان تقوم، باعتبارك احد هؤلاء الرواد، بمفاتحة الباقين منهم على قيد الحياة ان يزودوك بمعلومات عمن زاملوهم من البارزين الذين احدثوا تغييرا فيها لأرشيفك او للنشر للترطيب في مدونتك قبل ان يأتي اليوم الذي لا تجد فيه معينا مهما لتلك المعلومات.  باعتقادي يظل الحديث عن السير الذاتية يلقى رواجا وتلقيا كبيرين على مر العصور ومن كل المهتمين حتى من خارج الوطنية لما فيها من تنوع حياتي وانساني وطرائف و غيرها.  فما رأيك؟”  وأنا بدوري أسأل: ما رأيكم؟

لندن 18 كانون الأول 2012


[1] عملت السيدة مي مظفر في شركة إعادة التأمين العراقية في الفترة 1961-1979.

[3] عملتُ في شركة التأمين الوطنية في بغداد في الفترة 1968-1977.

[4] شغل الأستاذ عبدالباقي رضا موقع المدير العام من 1 شباط 1966 – 4 آذار 1978.

[5] سأقوم بنشر مقالة خلود محمد سعيد “الست هدى الصفواني: استاذتي ومثلي الاعلى” في مرصد التأمين العراقي في الأيام القليلة القادمة.

محمي: Huda Al-Safwani – recollection

هذا المحتوى محمي بكلمة مرور. لإظهار المحتوى يتعين عليك كتابة كلمة المرور في الأدنى:

A Tribute to Huda Al-Safwani

كلمة وفاء للمرحومة هدى الصفواني في ذكرى وفاتها الثالثة

 

 

باقر المنشيء

 

 

لا زلت أذكر جيدا أول مرة وقعت عيني على خالدة الذكر أم هالة.  كان ذلك في تشرين الثاني من عام 1977 كنت وقتها قد نُقلت حديثا من قسم التأمين الهندسي الى قسم أعادة التأمين في شركة التأمين الوطنية.  أطلّتْ المرحومة هدى على القسم ببسمتها الساطعة ولونها البرونزي المتميز وحركتها النشيطة.  جاءت لتحية أخيها يحيى الصفواني وصديقتها الحميمة ثناء كنونه.  قدموني لها كموظف جديد في قسم إعادة التأمين حيث كانت تعمل في قسم التأمين البحري في بناية الشركة المطلة على ساحة حافظ القاضي في شارع الرشيد.

 

شاءت الظروف ان أعمل مع المرحومة هدى عن قُرب في شباط 1979 ولحين مغادرتي الوطن في أيلول 1991 للعمل في اليمن.

 

عندما قام الاستاذ موفق حسن رضا، مدير عام الشركة حينذاك، بإعادة تنظيم الشركة على اساس الفروع المتخصصة ترأست المرحومة هدى الصفواني قسم تأمين الطيران، وترأس الاستاذ وائل الطائي قسم تأمين السفن، وتوليتُ ادارة قسم اعادة التأمين بعد ترفيع المرحوم انطوان سليم (الذي شغل موقع قسم إعادة التأمين لسنوات طويلة) الى مدير فرع تأمين السفن والطيران واعادة التأمين.

 

في بداية عام 1982 تم نقل الاستاذ انطوان سليم الى المؤسسة العامة للتأمين وبعدها بفترة قصيرة هاجر الى امريكا.  عند ذاك اختارني الاستاذ موفق حسن رضا لتولي ادارة الفرع ولتصبح المرحومة هدى ذراعي اليمين بعد استدعاء الاستاذ وائل الطائي لخدمة الاحتياط.

 

في تشرين الثاني من عام 1982 رافقتني أم هالة في اول سفرة الى لندن لتجديد التغطية التأمينية للخطوط الجوية العراقية.  كانت المهمة صعبة جدا لان اسطول الخطوط يشمل طائرات نقل عسكرية وهذه الحقيقة كانت معروفة لسوق لويدز.  لكن المرحومة هدى تناولت الموضوع بمهنية عالية، وركزت على الامور الفنية والاحصائيات التي تؤكد جودة الخطر من الناحية التأمينية، وبالتالي حققنا شروط تجديد للتغطية كانت مدعاة للفخر بفضل الجهود الكبيرة للمرحومة هدى.

 

بعد الاجتماعات العاصفة مع وسطاء إعادة التأمين ومكتتبي أخطار الخطوط الجوية العراقية انبرت المرحومة أم هالة للجانب العائلي في حياتها إذ كانت حريصة على تصليح الة الابوا الموسيقية التي جلبتها معها من بغداد والخاصة بزوجها الاستاذ غازي بهجت.  وكانت فرحتها كبيرة عندما استلمت الالة الموسيقية بعد تصليحها.

 

موقف اخر كان في شارع اوكسفورد في قلب لندن وبالذات في متجر موذركير المتخصص ببيع ملابس الاطفال، اذ اسرعت في شراء اجمل الملابس لطفلتها هالة والابتسامة مرتسمة على وجهها.  وهذه احدى خصائصها المتميزة في الاهتمام أولاً بمهام عملها ومن ثم الالتفات للشؤون العائلية الصغيرة.

 

عقد الثمانينيات ربما كان من اصعب العقود التي مرت على العراق بسبب الحرب العراقية الايرانية (1980-1988).  وقد انعكست اثار الحرب على تأمين الطيران من خلال تشدد المعيدين في الأسعار والشروط.  وهذا الوضع المتشدد تطلب جهودا شخصية مضاعفة من المرحومة هدى لإنجاز العمل لاسيما بعد استدعاء موظفيها من الرجال لخدمة الاحتياط.  وكانت، كما عهدتها، صلبة ومثابرة، واثبتت كفاءة نادرة في انجاز عملها.

 

استمرت علاقتي بالعزيزة ام هالة بعد مغادرتي للعراق الى اليمن.  إذ كنت احرص على زيارتها في التأمين الوطنية للتحية خلال زياراتي السنوية الى بغداد.  وكنت الاحظ تأثير الحصار الاقتصادي السيء على محياها ونفسيتها.

 

في عام 2001 واثناء وجودي في عمّان علمت بوجود المرحومة ام هالة فيها وحاولت مهاتفتها الا اني لم افلح في التحدث اليها وهذا لايزال يحزّ في نفسي حتى الان.

 

في الذكرى الثالثة لوفاة المرحومة هدى الصفواني اسأل الغفّار العظيم ان ينعم عليها بالغفران وان يسكنها في جنات النعيم.  آمين يا رب العالمين.

 

 

الولايات المتحدة الامريكية

3 كانون الأول 2012

When I Remember Huda Al-Safwani

عندما أتذكر هدى الصفواني

 

 

نيران نعمان ماهر نيران السامرائي

 

 

 

الأخ مصباح الموقّر[1]

 

لا أدري من أين أبدأ فالكتابة عن زميلة مميزة ليست بالأمر السهل وخصوصا بعد أن تحولت تلك الزمالة الى صداقةٍ استمرت عشرات السنين.  التقينا في أوائل الستينيات بعد عودتها وأسرتها من القاهرة في غربة سنين قضتها هناك حيث درست الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة.  وكانت العلاقة التي تربط والدينا[2] وثيقة منذ سنين طويلة بسبب ميولهما السياسية واهتماماتهما الثقافية والأدبية المشتركة.

 

ويشاء الحظ أن نتزامل في شركة التامين الوطنية حيث كانت هدى قد سبقتني للعمل في بداية ستينيات القرن الماضي.  لا أتذكر التاريخ على وجه الدقة لكنه كان قبل 1965.  صارت الزمالة سببا في تعميق علاقتنا وتحويلها الى صداقةٍ رائعة تنتظمنا بكل ما فيها من فهمٍ مشترك، ومن اهتمامات متشابهة، ومن علاقات إنسانية خاصة، ومن شعور عالٍ بالمواطنة واعتزازٍ بالهوية الوطنية بكل أبعادها المحلية والإقليمية، وبكل أبعادها الإنسانية.  أما على صعيد العمل فقد تدرجتْ في المواقع الوظيفية حتي أصبحت رئيسة قسم التامين البحري والطيران الذي يعتبر أحد اهم أقسام العمل في شركات التأمين، وكان ذلك في أوائل الثمانينيات.  وقتها كان رئيس فرع التأمين البحريالمرحوم ناظم الخضيري.  وتميزت هدى عن الكثير من الموظفين، بل والمسئولين، بكفاءتها العالية وإجادتها للغتين العربية والإنكليزية إجادة تامة بالإضافة الى بعض الألمانية حيث درسناها معا في المعهد الألماني في بغداد.  وقد جاء تقدمها، مثل تقدم زميلات وزملاء آخرين، بفضل مقياس الكفاءة في أداء العمل التي كانت إدارة الشركة تلتزمه.  ولذلك لم نشعر بوجود أية تفرقة في المعاملة بين الجنسين.  وكان الاحترام سيد الموقف في العلاقات بين الموظفات والموظفين، وكانت الزمالة الجميلة تربط الجميع لاسيما أفراد القسم الواحد ناهيك عن مساعدة الموظفين بعضهم البعض في سبيل إنجاز المعاملات المهمة بسرعة.  كنا نعمل أحيانا ثلاث ساعات إضافية بدون مردود مالي خلال فترة التقشف التي سادت الوطن بعد حرب 7319.

 

كانت إنسانةً بكل ما فيها من نُبلٍ وعطاء.

كانت مشرقةً بكل ما فيها من بهاء.

كانت وفيةً بكل ما فيها من صفاء.

وكانت .. وكانت نسمة هواء صيفية تشيع الهدوء والراحة لكل من حولها إذا ما تعسرت الأمور وضاقت الصدور.

 

لقد كنتُ محظوظة بالعمل مع صديقتي، وهو امرٌ لا يتوفر دائما للأصدقاء.  والأبعد من ذلك أن حظنا وفر لنا فرصة نادرة للعمل معا وصديقاتنا المقربات الثلاث (المحامية سهير حسين جميل وكانت معنا في التأمين الوطنية، السيدة عنان سامي فتاح والسيدة الشاعرة مي مظفر وكانتا تعملان في شركة إعادة التأمين العراقية) عندما تم اختيارنا نحن الخمسة عام 1973 من قبل المؤسسة العامة للتأمين، بعد موافقة وزارة المالية، لنكون سكرتيرات وفد العراق الرسمي المكلّف بالتفاوض في بغداد مع كبريات مؤسسات النفط العالمية المعنية بمدّ خط أنابيب النفط العراقي الاستراتيجي، كما سمي آنذاك.[3]  وكنا سعيدات جدا على هذه الشرفية التي مُنحت لنا مما يدل على ثقة المسئولين العالية بنا ذلك أن الموضوع كان في غاية السرية.  كان الوفد العراقي المؤلف من ممثلي البنك المركزي العراقي ووزارة النفط والمؤسسة العامة للتأمين وخبراء اقتصاد كبيرا ومهما.  هذا الأمر قرّبنا جدا من بعضنا البعض، وصار لنا يوم معين نجتمع فيه استمر طوال سنين وجودنا في بغداد ذلك أننا غادرنا الوطن تباعا لظروف خاصة بكل واحدة منا لكن علاقتنا لم تنقطع.

 

في أوائل الثمانينيات تزوجت هدى من غازي بهجت بعد أن جمعت زمالة العمل بينهما في أروقة شركة التأمين الوطنية.  وكان غازي عازف أبوا في الفرقة السمفونية الوطنية التي كانت تقدم حفلاتها الموسيقية في المسرح الوطني ببغداد.  وكنا نحضر تلك الحفلات بفضل اهتماماتنا الفنية والثقافية المشتركة.  زمالة العمل والاحتكاك اليومي تطور الى اهتمام خاص بين الاثنين انتهى بهما الى الزواج.

 

قبل وفاتها بفترة كلمتها من لندن حيث أقيم واستمر الحديث عبر الهاتف أكثر من ساعة صاحت بي أخيرا قائلة: نيران كم ستكلفك هذه المكالمة ما بين لندن ونيوزيلندة؟  ورغم تحذيرها استمر الحديث.  تكلمنا عن ذكرياتنا، عن أفراحنا وأحزاننا وانكساراتنا.  وتكلمنا عن أحلامنا التي لم تتحقق.

 

سألتني عن أخبار الوطن فأجبت بسؤال: أي وطن؟

قالت: حشرجة صوتك هي هي يوم طلبنا منك بإلحاح الاتصال بعمو نعمان (أبي) وكان وكيل وزارة الإعلام ليخبرنا بالحقيقة بعد أن حدث وجوم علني في الإذاعة العراقية في اليوم الثالث لحرب حزيران 1967 (وهي أساسا لم تكن حربا).

قاطعتها: يا صديقتي لا عشت وشفت هذين اليومين.

أكَمَلت: وكان الموظفون يحيطون بك وأنت تمسكين سماعة الهاتف بيد واليد الأخرى تمسح دموعا مدرارة.  ما ادري من وين جبتيها بلحظة قلت: نكسة حزيران 1967!  وكيف ننساها!

 

ثم كررتُ قولي: لا عشت وشفت هذين اليومين. غزو إسرائيل لأراضينا يوم النكسة وغزو الأمريكان للوطن، وهي نكسة اخرى ظالمة.

 

رحلتْ هدى فجأة بعد تدهور حالتها الصحية خلال اسابيع ولم يستطع قلبها الصغير الصمود أكثر أمام إحباطات الزمن وهموم الحياة.  ورغم رحيلها عن بغداد كانت حاضرة معنا نحن الأربعة (سهير حسين جميل وعنان سامي فتاح ومي مظفر) كلما التقينا حيث تأتي سهير من بغداد (وهي الوحيدة التي ظلت تقضي معظم الوقت هناك)، ونحرص على اللقاء في عمّان حيث تقيم عنان وميّ.  وفي أواخر مايس من هذا العام أفجعنا القدر باختطاف عنان فجأة بعد تناول إفطار الصباح.  وبفقدها فقدنا الوجه الجميل والبسمة الحانية.  حضرت سهير من بغداد وجلسنا جميعا مع شقيقتي عنان نتحامل على آلامنا تارة ونستذكر حكاياتنا تارة أخري، ولم تفارق جلستنا ذكرى الصديقتين الراحلتين.  وفي ليلة باردة من ليالي شهر أكتوبر يفجعني الهاتف من عمّان بخبر رحيل سهير بعد ساعات من إحساسها بعدم الراحة وفقدان القدرة على التنفس حيث نقلت الى المستشفى لكنها وصلتها بعد أن فارقت الحياة.  يرحمهم الله جميعا برحمته الواسعة.

 

واليوم، بعد مرور ثلاث سنوات على رحيلك، كيف أذكرك وماذا اقول بحقك يا سيدة الدهشة، واتساع عيناك المدهش، عندما تكتشفين الأشياء، يحلق أمامي في الفضاء.

 

يا صاحبة القلب الجميل والحسن الأصيل

يا أيقونة تتدلى لتضيء المكان

وفرحةً باسمةً تغني الزمان

 

يا صديقتي المُتعبة آن لك أن تستريحي وأن لليلك الطويل أن ينقضي وآن للحزن العميق المقيم أن ينتهي.

 

وتظلين في الذاكرة أبدا ويظل اسمك الجميل أحلى الأسماء.

 

هدى سلمان الصفواني ابنة واحد من كبار أعلام الصحافة الوطنية مؤسس جريدة اليقظة اليومية، ووزير الإرشاد عام 1966. 

 

 

لندن 29 تشرين الثاني – 2 كانون الأول 2012


[1] بتاريخ 27 تشرين الثاني 2012 كتبتُ رسالة إلكترونية قصيرة لنيران قلت فيها ان “يوم 3 كانون الثاني 2013 يصادف الذكرى الثالثة لوفاة هدى الصفواني في نيوزيلنده.  وبودي دعوة الزملاء والزميلات الذين عملوا معها، أو يعرفونها، المساهمة في إعداد ورقة بهذه المناسبة إذ أن قلة المعلومات وقت وفاتها قد حالت دون أن ننشر نعياً لها في مرصد التأمين العراقي، المدونة التي أديرها.  وقد تحدثنا قبل فترة عنها وطلبتُ منك الكتابة عنها إذ انك كنت قريباً منها في موقع العمل في شركة التأمين الوطنية.  أتمنى أن تكتبي عنها وعملها بالصيغة التي ترغبين بها.”  واستجابة لهذه الدعوة تفضلت نيران بإرسال هذه الكلمة في حق صديقتها. 

الهوامش للمحرر (مصباح كمال). 

[2] نعمان ماهر الكنعاني، والد نيران، وسلمان الصفواني، والد هدى.

[3] انبوب ناقل للنفط الخام يعمل شمالاً باتجاه حديثه وجنوباً باتجاه الميناء العميق في.  أنجز عام 1976 من قبل شركة إيطالية وافتتح رسمياً عام 1977.

On the ‘Independence’ of the Diwan and its Presidency

في “استقلالية” ديوان التأمين العراقي ورئاسته

مصباح كمال

 نشرت هذه المقالة في مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/12/on-independence-of-diwan-and-its.html

لماذا لا يزال الديوان يدار بالوكالة؟

منذ تأسيس ديوان التأمين العراقي سنة 2005 لم يُشغَلْ موقع رئيس الديوان بالأصالة، فقد تناوب على الموقع بالوكالة فؤاد عبدالله عزير (2005) وضياء حبيب الخيون (2006-2009) وفيصل منهل تايه الكلابي (2011) الذي لا يزال يشغل الموقع وكالة حتى تاريخ كتابة هذه الورقة.  خلفية عزيز تأمينية، وخلفية الخيون مصرفية، وخلفية الكلابي محاسبية، وهي خلفيات لا تتعارض مع إشغال موقع رئاسة الديوان، وجميعهم يتمتعون بخبرات عملية طويلة.

وقد استعلمتُ من فؤاد عبدالله عزيز، باعتباره أول رئيس بالوكالة، عن تاريخ إشغاله للموقع وما آل إليه وضعه فأفادني بالتالي في رسالة إلكترونية بتاريخ 29 تشرين الأول 2012:

“استلمت رئاسة الديوان بالوكالة منذ تأسيسه ولغاية تقاعدي في 31 / 12 / 2005.  وقد كتب وزير المالية قبل التقاعد بثلاثة اشهر تقريبا لغرض تثبيتي بما يعني التعاقد لخمسة سنوات أو ثلاثة وفق القانون ولم يصل رد بالموافقة او الرفض لحين مغادرتي الوظيفة.

كما تعلم فاني عملت في الوطنية منذ 14 / 9 / 1966 وقد اصبحت مديرها العام بداية عام 1992 وفي 18 /11 / 1996 نقلت الى وزارة المالية كمدير عام فيها بعدها نقلت الى مدير عام المركز التدريبي المالي والمحاسبي ثم الى مدير عام شركة اعادة التامين العراقية منذ عام 1998.  نقلت بعد التغيير، عند استيزار عادل عبد المهدي للمالية، الى مستشار فني للوزير وبقائي مشرفا على الاعادة العراقية وعند تأسيس الديوان عينت رئيسا له بالوكالة ثم وكيلا لوزارة المالية عندما اصبح علي عبد الامير علاوي وزيرا للمالية وعندها تركت ادارة الاعادة العراقية لتعارض ذلك مع رئاستي للديوان.”

والسؤال الذي يثيره هذا الوضع هو لماذا لم يُعّين رؤساء الحكومات (اياد علاوي، إبراهيم الجعفري، نوري المالكي) رئيساً أصيلاً للديوان؟  هل هو عدم قناعة الرؤساء بوجود شخص مؤهل قادر على احتلال الموقع؟  لا نعتقد ذلك لأن الوكلاء الثلاثة أصحاب اختصاصات في النشاط التأميني أو قريبون منه ولهم خبرة طويلة.  هل أن التوافق المحاصصي لم يتحقق طيلة السنوات الماضية وحال دون تعيين رئيس بالأصالة؟  يعتقد البعض بذلك، لأن المحاصصات الطائفية–الاثنية هو النظام العام لدولة عراق ما بعد 2003، وهو ذات النظام الذي يكمن وراء الازمة السياسية-الاقتصادية القائمة.

وقد قرأنا مؤخراً أن البرلمان سيناقش “مشروع قانون إنهاء إدارة المناصب الحكومية بالوكالة، في محاولة للحيلولة دون تعيين رئيس الحكومة نوري المالكي مُقربين منه في المناصب الشاغرة.  ويشغلُ العشرات من المناصب المدنية والأمنية أشخاص يديرون عملهم بالوكالة، من دون موافقة البرلمان.”

موقع رئيس ديوان التأمين العراقي يصنف ضمن الدرجات الخاصة.  وبهذا الشأن تنص المادة 61 من الدستور على أن “أصحاب الدرجات الخاصة من الموظفين الذين تعينهم الحكومة في المناصب العليا المهمة، يجب أن تعرض أسماؤهم على مجلس النواب للحصول على الثقة.”  (حسين علي داود، الحياة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢).[1]

وينص قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 على الدرجة الخاصة لرئيس الديوان في المادة التالية:

“المادة -7-

أولا- يدير الديوان رئيس بدرجة خاصة يعين بناء على اقتراح الوزير خلال مدة لا تتجاوز (30) ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون، لمدة (4) أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.”

الحكومات العراقية الأربع منذ 2003 (أياد علاوي، وإبراهيم الجعفري ودورتين لنوري المالكي) أخلّت بمتطلبات القانون واكتفت بتعيين رئيس للديوان بالوكالة.  عدم إشغال موقع رئيس الديوان بالأصالة ينعكس سلباً على أداء الديوان، وهو ما يدل عليه افتقار الديوان إلى الكوادر، ومحدودية نشاطه في الوقت الحاضر.

ومن المفيد هنا اقتباس فقرة من رسالة فؤاد عبدالله عزيز مؤرخة في 14 تشرين الثاني 2012 تفصح الكثير عن الديوان وتغني عن الإفاضة في التعليق:

“[فيما يخص] ديوان التامين لا بد لي ان اورد حقيقية تاريخية عنه اساسها اصدار قانون التامين حينها بضغط مستعجل من ادارة الاحتلال ايام وزارة اياد علاوي وعادل عبد المهدي، وزيرا للمالية.  وكان واضحا ان القانون يهدف الى رفع احتكار [شركة التأمين] الوطنية و[شركة التأمين] العراقية للأعمال الحكومية، اضافة الى ادخال صناعة التامين ضمن اقتصاد السوق رغم ان اعمال التامين البحري لشحنات سلطة الاحتلال كانت تسند الى شركة ألأي آي جي[2] [AIG] جهارا.  والعقدة هنا كيف ستتعامل [وزارة] المالية مع كيان للديوان تحـت التأسيس باعتباره هيئة رقابية مستقلة لابد وان تخصص له الاموال اللازمة ضمن الموازنة العامة، وهو ما حاولت حينها بإصرار بتعاون مع الزميل العزيز فاضل النجار ولكننا لم نفلح، وبقيت التشكيلة البسيطة للديوان عبارة عن رئاسة بالوكالة وتنسيبات عدد من الموظفين من شركات التامين.  ويبدو ان افهام الوزارة وما فوقها بدور الديوان اصبح امرا عسيرا.”

مفارقات في استقلالية الديوان

يرد في موقع الديوان التعريف التالي للديوان:

“تأسس ديوان التأمين العراقي واستمد صلاحياته بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وهو هيئة مستقلة يرأسها رئيس الديوان.”

والسؤال الذي ينهض هنا هو: ما المقصود بالاستقلالية؟  وهل ان الديوان مستقل حقاً؟

ديوان التأمين العراقي لا يرد له ذكر في الدستور الذي حدد الهيئات المستقلة بالاسم في المادتين 102 و 103 كما سنذكر لاحقاً.  لعل التعريف يستمد مفهوم الاستقلال من المادة 5 من قانون 2005:

المادة-5-

أولا-

يؤسس بموجب هذا القانون ديوان يسمى (ديوان التأمين) يتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والاداري، وله تملك الاموال المنقولة وغير المنقولة اللازمة لتحقيق أهدافه والقيام بجميع التصرفات القانونية ويمثله رئيس الديوان أو من يخوله.”  [التأكيد من عندنا]

لكن هذا الاستقلال مُقيّد وقابل للتساؤل في ضوء العمل الفعلي للديوان منذ تأسيسه،[3] وكما يرد في الموقع أيضاً حيث نقرأ، في مجال تحقيق أهداف الديوان فقرة عن “القيام بأية وظائف أخرى ذات صلة بقطاع التأمين يقترحها رئيس الديوان ويوافق عليها وزير المالية لغايات تنظيم سوق التأمين.”  ونضيف إلى ذلك أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، فالديوان يرتبط بوزير المالية ووزارته بصيغ مختلفة، والمواد التالية من القانون توضح ذلك دون الحاجة إلى شرح [كل التأكيدات من عندنا]:

المادة-5-

ثانيا- يكون مقر الديوان في بغداد وله أن ينشئ فروع له في ارجاء العراق بقرار من رئيسه بموافقة الوزير.

ثالثا- ينظم هيكل وتشكيلات الديوان بتعليمات يصدرها الوزير بناء على اقتراح رئيس الديوان.

المادة-6-

يهدف الديوان الى تنظيم قطاع التأمين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:

سادسا- أي مهام اخرى تتعلق بقطاع التأمين يقترحها رئيس الديوان ويوافق عليها الوزير لتنظيم سوق التامين.

المادة -7-

أولا- يدير الديوان رئيس بدرجة خاصة يعين بناء على اقتراح الوزير خلال مدة لا تتجاوز (30) ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون، لمدة (4) أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.

رابعا- لا يجوز اعفاء رئيس الديوان من منصبه قبل انتهاء مدته الا بقرار من رئيس الوزراء وموافقة مجلس الرئاسة بناء على اقتراح من الوزير أو مفوضيه النزاهة العامة ولأسباب مبررة.

المادة-8- يتولى رئيس الديوان:

خامسا- اعداد برامج وخطط لتطوير قطاع التامين ورفع مستوى خدماته بالتشاور مع الوزارة.

سادسا- اعداد مشاريع القوانين والانظمة والتعليمات المتعلقة بأعمال التامين ورفعها الى الجهات المعنية.

سابعا- اعداد الموازنة السنوية للديوان ورفعها الى الوزارة.

المادة-11-

يعد الديوان خلال شهر حزيران من كل سنة تقريرا عن أعمال ونشاطات التأمين في العراق عن السنة المالية السابقة لإعداد التقرير، على أن يقدم هذا التقرير الى الوزير في موعد اقصاه نهاية شهر أيلول من كل سنة لإبداء ملاحظاته عليه.

المادة-103-

لرئيس الديوان بموافقة الوزير إصدار أنظمة داخلية تلزم الأشخاص بالتأمين ضد أخطار معينة.”

يذكر الديوان في موقعه الإلكتروني “الروابط المفيدة” التالية:

دائرة تسجيل الشركات

وزارة التجارة

الهيئة العامة للضرائب

البنك المركزي العراقي

ولكن الموقع لا يذكر وزارة المالية رغم ارتباطه بها!

والغريب أيضاً أن موقع وزارة المالية الإلكتروني لا يأتي على ذكر ديوان التأمين العراقي كدائرة أو هيئة مرتبطة بالوزارة!  وعندما أجرينا بحثاً عن الديوان في الموقع لم نعثر على نص بشأنه.  ولكن، وتحت باب القوانين والأنظمة، في نفس الموقع، يرد ذكر “تعليمات إجازة وسيط التأمين وتنظيم أعماله وتحديد مسؤولياته.”  [تعليمات رقم 10 لسنة 2006، أصبحت نافذة اعتباراً من 26/3/2007]

ضمان استقلالية الديوان عن وزارة المالية

دعونا ضمن مشروع صياغة سياسة لقطاع التأمين إلى “تعزيز مؤسسات التأمين” وحددنا ضمن ذلك “العمل على ضمان استقلالية ديوان التأمين العراقي عن وزارة المالية وتكريس مكانته كمؤسسة شبه حكومية.”  وقتها علق الأستاذ عبد الباقي رضا على هذه الدعوة قائلاً:

“قبل ضمان استقلالية ديوان التأمين تعزيز جهازه الفني بعناصر مؤهلة وتدريبهم لدى سلطات الرقابة في الدول العريقة في اعمالها كمصر والاردن.  ان دور الرقابة على شركات التأمين الخاصة التي كثر عددها دون تعزيز امكانياتها الفنية مهم جدا حمايةً لحقوق المؤمن لهم.”[4]

وكتب السيد ضياء هاشم مصطفى:

ان ضمان استقلالية ديوان التأمين العراقي عن وزارة المالية قد لا اجده نافعا في الوقت الحاضر وخاصة ان الديوان لا يتوفر فيه الحد الادنى للكفاءة التأمينية مما يعني انه لأجل ان يقوم بدوره الرقابي، كما نص عليه قانون التأمين رقم 10 لسنة 2005، فسيحتاج الى كوادر ومستلزمات عديدة وبالتالي ارتفاع كبير في المصاريف الادارية له، قد لا تغطيها نسبة 1% من اقساط التأمين للشركات العاملة والتي تسددها للديوان، وان أية زيادة في هذه النسبة ستشكل عبئا اضافيا على شركات التأمين.  عليه فإنني ارى ان يبقى ديوان التأمين تابعا لوزارة المالية في الوقت الحاضر على ان تتولى الوزارة دعمه ماديا وايجاد هيكلية واضحة وبكوادر متقدمة ولا باس ان تكون بعقود مع بعض الكوادر التي خرجت من القطاع بسبب السن القانوني لكي يستطيع الديوان القيام بواجبه الرقابي الهام وقطع الطريق امام فوضى المنافسة غير الفنية الحاصلة الان في السوق.[5]

في الدعوة إلى الاستقلال كان في بالنا الاستفادة من نموذج البنك المركزي العراقي – أي النموذج الذي لا يخضع للمصالح السياسية.  ويبدو الآن بأننا لم نكن واقعيين في دعوتنا خاصة بعد إقالة د. سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي، من منصبه وما رافقها من تعيين محافظ بالوكالة وتطورات أخرى تثير الكثير من التساؤل حول نوايا رئيس الوزراء والنخبة الحاكمة.  وكان الأستاذ عبدالباقي والسيد ضياء هما الصحيحان بشأن تعزيز الديوان من خلال تطعيمه بالكوادر المدربة وإيجاد هيكلية تنظيمية مناسبة له للقيام بوظيفته الرقابية، فقد أصبح المناخ السياسي ملوثاً ومحتقناً أو قل زاد تلوثاً واحتقاناً بحيث انه الغى فرصة الدعوة إلى “استقلال” الديوان.  لنقرأ، على سبيل المثال ما أوردته إحدى وكالات الأنباء بهذا الشأن:

وصفَ ائتلاف دولة القانون من اعتبر قرار استبدال الشبيبي بغير الدستوري بأنه يجهل الدستور ومضامينه، مقرا في الوقت نفسه بان الحكومة تعمل على اعادة هيكلة الهيئات المستقلة لتعزيز ارتباطها به.  واشار الائتلاف الى ان هناك مشاريع عدة قوانين تخص جميع الهيئات المستقلة مطروحة امام مجلس النواب، وتنتظر التصويت عليها، من شأنها ان تضفي الطابع القانوني والدستوري على ارتباطها الكامل بالسلطة التنفيذية عند اقرارها. (حيدر جواد علي، وكالة أنباء براثا، 22/10/2012)

ونقرأ تحت عنوان “توجه حكومي لإعادة هيكلية الهيئات المستقلة وتغيير اداراتها” نقلاً عن مصدر غير معرّف:

إن “الهيئات المستقلة عملت بالضد من توجهات الحكومة العراقية طيلة الفترة الماضية رغم طلب مجلس الوزراء أكثر من مرة من هذه الهيئات مساندته في توجهاته”.

وأوضح المصدر أن “الهيئات المستقلة التي رفض مدراؤها أو مرؤسيها دعم توجهات الحكومة العراقية سيتم تغيير إداراتها”.

وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد ربح في 18 كانون الثاني الماضي ا قرارا من المحكمة الاتحادية أجازت وضع الهيئات المستقلة تحت إشراف رئيس الوزراء، وهو ما أثار ردود أفعال وسجالات.[6]

الهيئات المستقلة مصدر إزعاج للحكومة وهناك ميل قوي لإخضاعها للحكومة.  فكما يرد في الأخبار والتعليقات الصحفية فإن ان رئيس الوزراء قد حصل في 18 كانون الثاني 2011 قراراً من المحكمة الاتحادية، أجاز وضع الهيئات المستقلة تحت إشراف رئيس الوزراء، وليس تحت اشراف مجلس النواب.  في حين أن المادة 102 من الدستور “تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، هيئات مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون.”  فيما تنص المادة 103 من الدستور “أولاً- يُعد كل من البنك المركزي العراقي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، ودواوين الأوقاف، هيئات مستقلة مالياً وإدارياً، وينظم القانون عمل كل هيئة منها.  ثانياً- يكون البنك المركزي العراقي مسؤولا أمام مجلس النواب، ويرتبط ديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات بمجلس النواب.”

في ظل هذا الوضع يصبح الحديث عن استقلال الديوان ترفاً فكرياً خاصة وان الديوان ليس مصنفاً كهيئة مستقلة أصلاً ولا يجد موضوعة الاستقلال سنداً لدى أركان التأمين العراقي.  إن ما يحول دون الاستقلال الحقيقي للعديد من الهيئات هو الخلل في النظام السياسي-الاقتصادي القائم والذي “يعود إلى جملة عوامل من بينها على سبيل المثال:

“أ. الصراع المحموم بين القوى المتنفذة لاقتسام وإعادة اقتسام الحصص في مواقع السلطة والنفوذ، وللسيطرة على المال العام ومصادر الإثراء، وتضارب المصالح المادية للقوى السياسية وعناصرها.

ب. الصراع على الزعامات السياسية للطائفة والكتل التي تدعي تمثيلها.

د. غياب المشروع السياسي الوطني العابر للطوائف والقوميات.

فالخلل يكمن، إذن، في بنية النظام السائد وفي طبيعة المشاريع والاستراتيجيات التي طبقت بعد 2003 والتي لا يمكن أن تنتج غير هذه البنية.  وبهذا المعنى فان هذه البنية تعاني من تناقض بنيوي لا يمكن حله إلا بتفكيك نظام المحاصصات وخلق الارضية لنظام جديد هو النظام الوطني والديمقراطي في آن.”[7]

تعزيز الوظيفة الرقابية للديوان

هل يعني هذا الكف عن التفكير بواقع الديوان ومستقبله؟  رغم التطورات الحالية التي نالت من استقلالية الهيئات المستقلة، فإن الطموح يظل قائماً كي يكون الديوان هيئة مستقلة أو شبه حكومية دون أن يعني ذلك فك ارتباطه بالكامل عن وزارة المالية.  ولعل استقرار البولطيقا العراقية سيساعد في النظر إلى الديوان من موقع فني فالوظيفة الأساسية للديوان هو ضمان حقوق المؤمن لهم ووضع الضوابط المناسبة لتحقيق ذلك، وليس المشاركة في صنع السياسة النقدية والمالية رغم ارتباط النشاط التأميني بالقطاع المالي.

دعوتنا لاستقلالية الديوان لا يقوم على إلغاء الضوابط التنظيمية لقطاع التأمين بل “تحرير” الديوان من عبء المحاصصة كي يستطيع استكمال هيكله التنظيمي، وأداء مهامه المعطلة في الوقت الحاضر.  هناك حاجة لمناقشة موسعة لمختلف جوانب عمل الديوان ولكن ليس من النمط الذي يفتقر إلى الموضوعية في نقد الديوان منذ تأسيسه وسوء فهم لدوره وضرورة وجوده.[8]

تاريخياً، كان ارتباط شركات التأمين العامة بإحدى الوزارات ومثلها أجهزة الرقابة كالمؤسسة العامة للتأمين (1964-1988)، ومراقب التأمين بعد ذلك (1989-2003)، والآن ديوان التأمين العراقي.  هناك استمرارية في ربط الوظيفة الرقابية بالحكومة رغم اختلاف الانظمة السياسية-الاقتصادية، ولا ضير في ذلك إن لم تتحول هذه الوظيفة إلى موضوع للمساومة والصفقات الإثنية-الطائفية.

لا نود هنا مناقشة المفاضلة بين ما يعرف بقواعد التنظيم الذاتي (الرقابة الذاتية self-regulation) والرقابة الحكومية (رقابة الدولة) وهو موضوع أصبح يشغل حيزاً كبيراً في النقاش العام منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي (مع نهوض الليبرالية الجديدة) لتحجيم أو تقليص أو إلغاء دور الدولة ليس في المجال الاقتصادي فقط وإنما أيضاً في إلغاء دورها في وضع الضوابط التنظيمية (regulation) وخاصة في القطاع المالي.  وهو ما صار يعرف بتحرير النشاط الاقتصادي والمالي من القيود (deregulation).

ويكفي القول أن النشاط التأميني لا يمكن أن يستمر في غياب الضوابط الرقابية المنظمة للنشاط.  فلولا هذه الضوابط لكانت العشرات من شركات التأمين العالمية قد انهارت تحت وطأة الأزمة المالية الكبرى للرأسمالية العالمية، فبفضلها لم تتوقف شركات التأمين من تسديد التزاماتها للمؤمن لهم من الأفراد والشركات.  ولم تتدخل الحكومات لإسناد شركات التأمين إلا في حالات قليلة كإنقاذ الإدارة الأمريكية لشركة أي آي جي AIG بسبب اشتغالها في نشاطات غير تأمينية أو لا علاقة مباشرة لها بالتأمين (نشاطات قريبة من تلك التي تمارسها المصارف).  لقد صمدت شركات التأمين أمام تأثيرات أزمة رأس المال بفضل المطابقة الدقيقة بين أصولها ومطلوباتها close matching of assets and liabilities.  وهذه المطابقة تقوم على ثلاثة عناصر: إدارة أخطارها، الامتثال لمتطلبات هيئات التصنيف، والأهم من ذلك الامتثال للقواعد الرقابية.

المطلوب من ديوان التأمين العراقي أن يعزز مكانته لتطبيق الضوابط الرقابية، ولكي يتحقق ذلك وجب إخراجه من منظومة المحاصصة وتعيين رئيس بالأصالة كي يبدأ ببناء الهيكل التنظيمي ويطعمه بالكوادر المؤهلة ليمارس الديوان عن حق مهامه الرقابية ولا يكتفي بإصدار التعليمات.

لندن 9/30 تشرين الثاني 2012


[2] شركة تأمين أمريكية عملاقة.

[3] هناك من هو أدرى مني بهذا الجانب، وأتمنى أن يقوم بتقييم العمل الحقيقي للديوان منذ تأسيسه.

[4] مصباح كمال، “نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2012/08/06/a-policy-for-iraqs-insurance-sector/

[5] ضياء هاشم مصطفى “إضافات لمشروع صياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2012/08/07/a-supplement-to-misbah-kamals-paper-a-policy-for-iraqs-insurance-sector/

[6] شفق نيوز، “توجه حكومي لإعادة هيكلية الهيئات المستقلة وتغيير اداراتها”، الأحد، 21 تشرين1/أكتوير 2012

http://www.shafaaq.com/sh2/news/iraq-news/47375-

[8] مصباح كمال، “نحو رفض مقترح تأسيس اتحاد لشركات التأمين العراقية: حوار مهني مع السيد عبد السادة الساعدي،” مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/07/blog-post_09.html