Monthly Archives: فيفري 2012

Abdulbaki Redha: model leadership in a state company

أنموذج للدور القيادي في الوظيفة العامة:

السيرة الوظيفية للأستاذ عبد الباقي رضا

نشرت هذه المقالة في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 347-348، 2012، ص53-62.

أ. د سليم الوردي

لم يسبق لي وان كتبت في سير الرجال.  ولعلني لا أتوفر على أدوات ومداخل هذا الضرب من الكتابة.  واذ أتصدى للكتابة عن السيرة الوظيفية للأستاذ عبد الباقي هادي رضا، فلأنه يعزف عن الكتابة عن نفسه.  وربما يعود ذلك الى تواضعه واعتبار ان سيرته قد جرت ضمن السياقات المفترضة للوظيفة العامة، بينما نجد نحن فيها تجربة ثرّة ومتميزة، يمكن ان تفيد منها العناصر الشابة التي تتطلع الى ان تشغل مواقع قيادية في الوظيفة العامة او منظمات الأعمال.

يمثل الموقع القيادي في الوظيفة العامة في العراق عبئا كبيرا على من يتسنمه، نظرا للتغيرات السياسية والاجتماعية الدراماتيكية التي شهدها العراق في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي تتطلب من القيادي في الوظيفة العامة قدرة غير اعتيادية على الموازنة والحصافة في اتخاذ القرار وبعد النظر.  ولعل التكنوقراط الصرف غير القادر على استقراء الموازنات السياسية والاجتماعية يضيع في معمعة الإحداث التي شهدتها تلك المرحلة.  ان نجاح القيادي في الوظيفة العامة في كنف تلك الضغوط يشفّ عن ملكة غير اعتيادية.  ومثل هذه الملكة لا تتكون وتتبلور بين يوم وليلة، ولا تحكمها التطلعات الإرادية للقيادي وحسب، بل تعود بالدرجة الأولى الى الظروف والعوامل التي أثرت في نشأته وملكاته الفطرية. من هذه الزاوية سأحاول ان أتناول نشأة وتطور السيرة الوظيفية للأستاذ عبد الباقي رضا.

ولد الأستاذ عبد الباقي رضا في مدينة كربلاء المقدسة في 18 تموز 1930 وحين درج في الدراسة ابدي تفوقا في جميع مراحلها: الابتدائية والمتوسطة والثانوية ( الفرع العلمي ).  وفضلا عن تفوقه العلمي تميّز بمواهب مختلفة بين إقرانه من التلاميذ.  كان خطاط المدرسة ورسامها، واشرف على إصدار نشرة جداريه وتولى تحريرها، وفي عين الوقت عدّ شاعر الثانوية .ويذكر انه القى في حفل عام أول قصيدة من احد عشر بيتا من نظمه وهو في الصف الثاني المتوسط.  قبل سنوات اطلعت على كتاب يتناول شعراء مدينة كربلاء، أشار الكتاب الى أن الأستاذ عبد الباقي يعدّ من شعراء المدينة.  وكان يشارك في المطاردات الشعرية التي تقيمها المواسم الثقافية ويحصد الجوائز، الى جانب كونه خطيبا في الاحتفالات والمناسبات.  وحين تأسست مكتبة عامة في مدينة كربلاء تطوع مع نفر من الطلبة الى مساعدة مسؤولها، والدعاية للمكتبة.  وذكر لي انه قبل تأسيس المكتبة العامة كان يلجا إلى استعارة الكتب من مكتبات السوق لقاء اجر (أربعة فلوس) عن كل ليلة للكتاب الواحد، الأمر الذي كان يحفزه الى انجاز قراءة الكتاب في ليلة او نحوها، تفاديا للكلفة العالية!

انهى امتحان البكلوريا للدراسة الثانوية بتفوق، ما أهله للترشح لبعثة علمية لدراسة هندسة الري.  وأفادني أن ذلك الاختصاص لم يكن يلبي رغبته التي كانت تميل الى اختصاص الهندسة المعمارية بحكم موهبته في فن الرسم.  كما ان الظروف المعيشية وقت ذاك كانت تتطلب منه العمل، لكي يتاح له الجمع بين العمل والدراسة الجامعية مساءا.  فعمل في وظيفة كاتب في ذاتية معارف كربلاء.  ومن ثم تشبث لكي ينقل الى مثل الوظيفة في مخزن وزارة المعارف في بغداد سنة 1950، ما أتاح له الالتحاق بالدراسة المسائية لكلية التجارة والاقتصاد.  وتخرج منها بتفوق سنة1955  اذ كان الثاني على متخرجي دورته الذي تجاوز عددهم المئتين طالباً.  عند تخرجه انتقل الى وظيفة تدريسية مساءا في المعاهد المهنية للإدارة المحلية.  في عين الوقت عمل صباحا مدقق حسابات في أول مكتب لأول محاسب قانوني في العراق (مكتب نزهت محمد طيب).  واستمر ذلك لحين التحاقه بالبعثة الدراسية الى الولايات المتحدة الأمريكية في اختصاص محاسبة التامين سنة 1957.

الخلفية التأمينية

كان توجه مديرية البعثات ان يكون اختصاصه في محاسبة التامين بيد انه واجه في الجامعة مشكلة غياب مثل هذا الاختصاص، وان دراسة محاسبة التامين تتعلق بدراسة تامين الحياة، وهي دراسة اكتوارية متخصصة في رياضيات التامين على الحياة.  فما كان منه إلا أن يدرس مواد تامين الحياة والحوادث والحريق تلبية لمتطلبات عنوان بعثته.  وبعد إنهائه دراسة الماجستير سنة 1959 في اختصاص المحاسبة عين تدريسيا في كلية التجارة والاقتصاد (الدوام المسائي).  وعمل صباحا في شركة التامين العراقية، وهو ما يمثل بداية دروجه مباشرة في النشاط التأميني.

توجهت شركة التامين العراقية إلى الاكتتاب في وثائق التامين على الحياة من دون ان يكون لها سابق خبرة فنية واكتتابية في هذا النوع من التامين.  وتقرر ان يتولى الأستاذ عبد الباقي إدارة هذا القسم.  ويقول بهذا الصدد ان خلفياتي عن التامين على الحياة نظرية، اعتمدت على كتاب أمريكي قيم، ولكن ذلك لوحده لا يؤهل للتعاطي مع هذه المحفظة.  اتفقت شركة التامين العراقية مع شركة إعادة التامين السويسرية على البدء بممارسة التامين على الحياة، لتكون أول شركة عراقية تكتتب فيه.  انتدبت شركة إعادة التامين السويسرية السيد لاري كريانوف ( وهو ذو أصول روسية ونشأة إيرانية وثقافة اوربية ) فعمل في الشركة أشهراً لتهيئة متطلبات ممارسة التامين على الحياة.  في ذلك الوقت كان السيد عبد الباقي مسؤول إعادة التامين في الشركة العراقية، فكلف بملازمة الخبير كريانوف.  بذل كريانوف جهودا للعثور على شخص مناسب له خلفية رياضية لتعيينه مديرا للقسم الجديد بعد تأهيله.  ويتذكر السيد عبد الباقي انه صاحب الخبير كريانوف في زيارة لكلية العلوم لمقابلة احد أساتذة الرياضيات والاستعانة به.  ولكن تلك المساعي لم تفلح.  فقرر أخيرا اسناد الوظيفة الى السيد عبد الباقي، ورتب له منهاجا للتدريب في شركة إعادة التامين السويسرية (قسم الحياة حصرا) ودام ذلك المنهاج مدة أربعة اشهر من صيف سنة 1961.

بعد عودته من زيورخ تولى إدارة قسم التامين على الحياة وساعده موظفان هما: السيد سالم يوحنا والسيد زهير بطرس.  يقول السيد عبد الباقي: لكي اقنع الغير بالتامين على الحياة، كان لابد ان اشرع بنفسي.  وصدرت لي الوثيقة رقم 600001 للتامين على حياتي (من نوع التامين المختلط) لمدة عشرين سنة. واستحقت الوثيقة التسديد سنة 1981.  وتسلمت مبلغها في عهد إدارة المرحوم السيد مدحت الجراح مع هدية اعتز بها وهي كتاب (الاغاني لابي الفرج الاصفهاني) في 24 مجلدا.  ويمكن اعتبار تلك الوثيقة هي اول وثيقة حياة من نوع  (Endowment)تصدر عن شركة تامين عراقية.

وانا أتطرق الى هذه الرواية، أتذكر اننا في ثمانينات القرن الماضي تقصينا عن عدد العاملين في شركة التأمين الوطنية الذين يملكون إحدى وثائق التأمين، فتبين لنا ان عددهم ضئيل، والاكثرية لم تقتن ولا وثيقة واحدة.  علقت في حينه على هذه النتيجة ببيت شعر لشوقي على لسان قيس بن الملوح في مسرحية “مجنون ليلى “:

وشاة بلا قلب يداونني بها وكيف يداوي القلب من لا له قلب

وتيقنت في حينه ان خلق وعي تأميني متقدم في المجتمع العراقي مشواره طويل لان الحكمة تقول: ابدأ بنفسك!

الصفة القيادية

القيادة سمة من سمات عدد قليل من الناس، ولا يتأتى لها ان تتبلور إلا في بيئة تغذيها وتحفزها الى الظهور.  ويبدو ان السيد عبد الباقي وجد في شركة التأمين العراقية الوسط الإداري المؤاتي لظهور ملكته القيادية.  كما ويبدو ان المجموعة التي كانت تنتمي اليها الشركة كانت تتوسم فيه قائدا للشركة وتهيئه لهذا الموقع.  ومن المرجح ان الاوساط التأمينية في العراق كانت تقدر شخصيته القيادية، بما في ذلك الأوساط الرسمية.  وقد ترجم ذلك الى تعيينه مديرا عاما لشركة بغداد للتأمين على اثر صدور قرارات التأميم في 14 تموز 1964 وقد سمع القرار من المذياع كما افادني.  استمر عمله في هذا الموقع لحين عملية دمج شركات التأمين في العراق على اساس التخصص، فكان ان تخصصت ثلاث شركات هي: شركة التأمين الوطنية ( إعمال التأمين العام ) والشركة العراقية للتأمين على الحياة، وشركة اعادة التأمين العراقية، بوصفها منشآت ترتبط بالمؤسسة العامة للتأمين.  ونقل عندها الى مدير عام في المؤسسة العامة للتأمين.  في 1/2/1966 سمي مديرا عاما لشركة التأمين الوطنية.  وفي هذه الشركة الضخمة من حيث عدد العاملين والمسؤوليات تفتقت المواهب الإدارية والقيادية للاستاذ عبد الباقي رضا، واستمرت خدمته فيها اثنتي عشرة سنة .

دوره التأسيسي في شركة التأمين الوطنية

تأسست شركة التأمين الوطنية كشركة حكومية سنة 1950 للتامين على أموال دوائر ومنشآت الدولة، تعاقب على ادارتها في البداية مديران عامان يحملان جنسية أجنبية.  ومن ثم مدراء عامون عراقيون.  ويتجلى الطابع التأسيسي لشركة التأمين الوطنية بعد عملية الدمج في المسؤوليات الكبيرة التي انيطت بها بوصفها محتكرا لسوق التأمين العام في العراق بمختلف أنواعه ووثائقه.  وتمثلت الإشكالية الأولى التي واجهتها الشركة في إدارة محفظة تأمينية كبيرة، انحدرت اليها من محافظ الشركات المدمجة التي تتباين في أساليبها الاكتتابية والترويجية.  هذا فضلا عن اختلاف مستويات الكوادر التي كانت تعمل في الشركات الأهلية، ومرتباتهم التي صارت تحدد بموجب معايير الوظيفة الحكومية.  وكان دمجهم في كيان وظيفي يعمل بإيقاع موحد مهمة شائكة للغاية.  وإذا كانت عملية الدمج قد صدرت بقرار، فأن الاندماج الفعلي للكوادر العاملة قد استغرق وقتا أطول .

وجد الأستاذ عبد الباقي حرجا في موقعه الجديد، لأنه كان اصغر سنا من معظم قيادات الشركة.  وكان الفنيون منهم أوسع خبرة منه في مجالات اختصاصاتهم، وأطول خدمة.  وخشي ان يؤدي ذلك الى عدم تقبلهم القادم الجديد وعدم التعاون معه.  بيد أن هواجسه تلك لم تكن في محلها-  كما يبدو- فلم يواجه بمواقف سلبية بل بتعاون قيادات الشركة معه.  المشكلة التي واجهها كانت تكمن في سياقات الاتصالات الإدارية.  فقد الف المدراء في شركاتهم الصغيرة سابقا الاتصال المباشر مع المدير العام.  ولكن هذا أصبح يمثل عبئا إداريا كبيرا في شركة تضمّ مئات الموظفين.

وعلى هذا الأساس بات من الملحّ إعادة النظر في الهيكلية التنظيمية للشركة وسياقات الاتصال الإدارية.  وعلى هذا النحو نضجت فكرة فصل الإدارة العامة عن النشاط الفني الاكتتابي حسب محافظ التأمين المختلفة.  وتمخض عن ذلك استحداث فروع تمارس صلاحيات أوسع، ما يحقق انسيابية اكبر في انجاز الإعمال اليومية.  وكانت البداية مع الفرع الرئيسي الذي أوكلت إدارته إلى احد رؤساء الأقسام.  ثم تطور الأمر إلى هيكلية تنظيمية قائمة على إدارة عامة وفروع متخصصة وفروع ومكاتب جغرافية.

تأثر الأستاذ عبد الباقي من السنوات الأربعة والنصف التي أمضاها في شركة التأمين العراقية، وكان اول من عمل فيها، واستوعب طبيعة وديناميكية عمل القطاع الخاص.  فقد كان القائمون على مجموعة الشركة المالكون لأكثر أسهم رأسمالها من ذوي الخبرة والنشاط في مجال مشاريع القطاع الخاص، وذوي أفق وطموح الى التوسع في مختلف أوجه الاستثمار.  ويشيد الأستاذ عبد الباقي بهمة رئيس مجلس إدارة الشركة.  فهو الذي سعى الى شراء محفظة شركة يونيون الفرنسية في تأمين الحياة، وعمل على تعريق البنك العثماني الى بنك الاعتماد، وبنك انترا الى البنك العراقي المتحد.  ثم توجه الى الاستثمار خارج العراق.  كان الأستاذ عبد الباقي محل ثقة رئيس مجلس إدارة الشركة وقياداتها، اذ كانوا يتطلعون الى توليه إدارة الشركة.  لذلك لم يتردد في الاستقالة من وظيفته التدريسية في جامعة بغداد والتفرغ لأعمال الشركة، مع ما للوظيفة الجامعية من وجاهة اجتماعية، وضمان راتب تقاعدي عند الشيخوخة .

سافر سنة 1963 وبصحبة رئيس المجموعة الى ليبيا بهدف تأسيس شركة تأمين فيها.  وتم الاتصال ببعض رجال الإعمال الناشطين في ليبيا وقد كانت وقتذاك على أعتاب نهضة اقتصادية وعمرانية على اثر اكتشاف النفط فيها.  ولقد لقيت فكرة تأسيس شركة تأمين وطنية فيها ترحابا من قبل عدد من رجال الإعمال الليبيين.  ولم يكن في ليبيا في حينه شركة تأمين وطنية، بل فروع ووكالات لشركات تأمين عربية وأجنبية.  انتخب الدكتور نور الدين العنيزي أول رئيس لمجلس إدارة شركة ليبيا للتأمين.  وقد زار الأستاذ عبد الباقي ليبيا مرة أخرى سنة 1964 لمتابعة إجراءات التأسيس.  وكانت نسبة مساهمة شركة التأمين العراقية 40% من رأسمال الشركة، ووقع عن الجانب العراقي.  ويتذكر الأستاذ عبد الباقي انه دعي الى ليبيا سنة 1989 للاحتفال باليوبيل الفضي لتأسيس اول شركة تأمين وطنية في ليبيا.

على اثر قوانين التأميم في 14 تموز 1964 الذي شمل شركة التأمين العراقية فوجئت المؤسسة العامة للتأمين، بعدم قبول الدكتور العنيزي القطاع الحكومي شريكا في شركة ليبيا للتأمين، واستجابت المؤسسة لرغبته دون سعي منها لمحاولة اقناعه باستمرار التعاون.  فباعت شركة التأمين العراقية مساهماتها الى الليبيين.  وهكذا أجهضت تلك المحاولة .

وتحت تأثير تجربته مع شركة ليبيا للتأمين، وبتوجيه من وزارة الاقتصاد تابع الأستاذ عبد الباقي فكرة استثمار قطاع التأمين العراقي خارج العراق.  وكانت البداية مع أسواق دول الخليج العربي.  فسافر ومعه المرحوم السيد عزيز مراد الى كل من الكويت والدوحة والبحرين وابو ظبي ودبي لاستطلاع الإمكانات المتاحة.  واستقر بهما الرأي بعد حملة الاستكشاف الى ترشيح البحرين لتأسيس شركة تأمين وطنية فيها، اذ لم يكن فيها سوى فروع ووكالات لشركات أجنبية مرتبطة برجال إعمال ذوي نفوذ.  زار البحرين عدة مرات، ومرة منها بصحبة رئيس المؤسسة العامة للتأمين [1].

يبدو ان وكالات وفروع شركات التأمين الأجنبية ( بامتداداتها الاقتصادية والسياسية ) لم ترحب بتأسيس شركة تأمين وطنية في البحرين.  بيد ان حكومة البحرين، متمثلة بأميرها الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة دعم بحماسة الفكرة.  وسعى التيار السلبي في أوساط رجال الإعمال البحرينية الى تقليص المساهمة العراقية في رأسمال الشركة الى 20% بدلا من 40%.  وتم الاتفاق في النهاية على نسبة 30 %وبدأت إجراءات التأسيس .

لم يكن في البحرين وقتذاك قانون للشركات، وكان التأسيس يتم بصدور (براءة) من الأمير، والتي تضمنت ما يتضمنه قانون الشركات، إضافة الى الإحكام الخاصة بطبيعة اعمال الشركة.  تولى الأستاذ عبد الباقي إعداد صيغة البراءة بنفسه، حين علم ان المحامي يستوفي مبلغا باهضا لقاء هذه الخدمة.  وأصبح اسم الشركة: شركة البحرين للتأمين برأسمال قدره 100000 دينار، حصة قطاع التأمين العراقي منها30000  دينار.  وقد وزعت المساهمة على شركات التأمين العراقية بواقع 40 %لشركة التأمين الوطنية و 30 % لكل من الشركة العراقية للتأمين على الحياة، وشركة إعادة التأمين العراقية.  اما مجلس إدارة الشركة فقد تكون من اربعة أشخاص من البحرين واثنين من العراق.  وانتخب الحاج خليل كانو رئيساً لأول مجلس إدارة للشركة.  وعين من العراق اول مدير عام لها، وهو السيد منيب خسرو، اعقبه السيد هشام بابان واخرهم كان السيد منعم الخفاجي الذي توقفت ادارته سنة 1991 بعد غزو العراق للكويت.

استمرت عضوية الاستاذ عبد الباقي في مجلس ادارة شركة التأمين للبحرين لحين مغادرته شركة التأمين الوطنية.  ودعي للاحتفال بمرور عشرين سنة على تأسيس الشركة سنه 1989.  وزار حينها حاكم البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفه، الذي يصفه بانه كان رجلاً ودوداً.  والجدير بالذكر انه قد تأسست بعد ذلك عدة شركات وطنيه مثل الشركه الكويتية البحرينية للتأمين.  ربما يسترعي الانتباه ان الجانب العراقي لم يحشر العراق في اسم الشركة حرصا منه على اسباغ الصفة الوطنية البحرينية الخالصه على اول مشروع في هذا القطاع .

رعاية الموظفين

اذا كانت احاطة رب العمل بشؤون العاملين تحت ادارته في القطاع الخاص ممكنا، نظراً لمحدودية عددهم فان هذه المهمة تتعقد عندما يكون عدد الموظفين بالمئات، وربما ناهز عددهم 1100 موظفاً في عشيه مغادرة الاستاذ عبد الباقي لشركة التأمين الوطنية سنه 1978.  يبدأ اهتمامه بالموظف مع تقديم اوراقه ثم خضوعه لاختبار القبول.  كان اهتمامه لا يقتصر على مضمون الاجابة وحسب، بل وبخطه وانشائه واملائه، ليقف على قدرته على تحرير الكتب والمذكرات والتقارير.  ادرك الآن اهمية الخط والانشاء لدى تصحيحي دفاتر الطلبة في الامتحانات الجامعية فكثير من الاجابات تكون مرتبكة بسبب رداءة الخط وضعف التعبير.  كنت فيما مضى اصحح الاخطاء اللغوية، وتوقفت مؤخرا بسبب كثرتها، ما يصرف تركيزي عن مضمون الاجابات.  وعلى وجه العموم يتعذر ايصال الفكرة، من دون حسن التعبير عنها.

كان الاستاذ عبد الباقي يبدي اهتماماً كبيراً في زجّ الموظفين وخاصه الجدد في منهاج تدريبي.  كان شرطاٍ ان ينخرط الموظف الجديد بدورة ابتدائية تأهيلية في انواع التأمين.  وبعد سنة او سنتين يضمّ الى دورة متقدمة في شؤون التأمين المختلفة: الفنية والتسويقية والاقتصادية.  اتذكر انني رشحت بعد سنتين من خدمتي في الشركة الى دورة متقدمة كانت تقيمها المؤسسة العامة للتأمين وقتذاك.  وحين اطلعت على مواد برنامج الدورة قرأت اسمي فيها محاضراً في مادة “اقتصاديات التأمين” ورأيت مفارقة ان اكون محاضراً وطالباٍ في آن.  اطلعت الاستاذ عبد الباقي على تلك المفارقة، فلم ير فيها مفارقة وقال لي ما معناه: تتعلم ما لا تعرفه وتعلّم ما تعرفه في اختصاصك.  وكانت ممارسة ممتعة، حظيت بارتياح المتدربين، حين كنت انسلخ عن رحلة الطالب واعتلي منصة التدريسي.  والآن وانا احمل لقب الاستاذ الجامعي ما زلت اتذكر تلك التجربة ما جعلني أؤمن ان الاستاذ هو طالب للمعرفة، ويحتاج بين الحين والاخر الى دورة او برنامج ثقافي ينعش فيه معارفه .

في صيف 1971 حصلت على مقعد دراسي في كلية الاقتصاد في صوفيا لدراسة الدكتوراه.  وتقدمت بطلب اجازة دراسية الى ادارة شركة التأمين الوطنية.  فلقيت ترحابا من لدن الاستاذ عبد الباقي، وشجعني على الالتحاق بالدراسة.  حين واجهت المعاملة عراقيل في وزارة المالية بحجة ان موازنة الشركة لم تتضمن نفقات اجازة دراسية قال لي الاستاذ عبد الباقي: لا علاقة لك بالأمر والسبب مناكفة بين الوزارة والشركة، وقعت انت ضحية لها.  وقال بتصميم: لا تفوت فرصة اكمال الدراسة حتى لو كلفك الاستقالة من الوظيفة، واضمن لك اعادة التعيين حين عودتك.  ولحسن الحظ المسألة سويت في وزارة المالية بعد عدة اشهر من المعاناة .

حين عدت بعد حصولي على شهادة الدكتوراه، شعرت بنفس متحسس ازائي من الخط الفني والاداري المتقدم في الشركة، خاصة حين حصلت على سيارة “المرسيدس” التي وزعت على اصحاب الكفاءات في حينه.  وذلك لان عنواني الوظيفي كان بدرجة ملاحظ، عدل بعدها الى رئيس ملاحظين.  بيد ان ذلك الموقف المتحسس الذي كنت استشعره لم يثنن عن مواصلة العمل والتطلع الى تطوير اعمال الشركة واساليب عملها خاصة لشعوري بدعم المدير العام لي وتقييمه لما احمله من تطلعات.  بعد عودتي بأشهر اقترحت على ادارة الشركة تنظيم دورة في الاحصاء التأميني للجهاز الاحصائي في الشركة، وتوليت القاء المحاضرات فيها.  وحضر الاستاذ عبد الباقي محاضرة الافتتاح، والقى فيها كلمة اشاد فيها بي وحرصي على توظيف معارفي لخدمه الشركة.  بعد تلك الدورة شعرت ان الموقف المتحسس ازائي بدأ بالتزحزح .

سنة 1976 تقدمت بدراسة تناولت ضرورة انتهاج الشركة اسلوب التخطيط في ادارة اعمالها.  تحمس الاستاذ عبد الباقي للفكرة وناقشها معي مراعيا ان التخطيط سيملي اساليب جديدة في الادارة، وقد يصطدم بضعف الوعي التخطيطي لدى ادارات الاجهزة مما يتطلب التدرج في الخطوات، تفاديا لردود فعل الادارات التي لم تألف التخطيط منهجاً في عملها.  كتبت ورقة عمل، وزعت على ادارات الاجهزة، ثم تمت دعوتهم الى ندوة لمناقشة الورقة، واستمرت الندوة ومناقشاتها نهاراً كاملاً.  وعلى اثرها أُعدت صيغة التعليمات التي تنظم آليات اعداد خطة الانتاج ومتابعة تنفيذها.  وشعرت ان ادارات الاجهزة قد تبنت التعليمات لأنها شاركت في مناقشتها، ولم تمل عليهم بأسلوب اداري فوقي، واصبح ذلك نهجاً اتبعه قسم التخطيط الذي توليت ادارته، وخاصة ما يتعلق بإعداد البرامج التسويقية لجهاز الانتاج الميداني.  وكانت تلك البرامج السنوية تمثل اختراقاً للأسلوب العشوائي الذي كان يسير عليه المنتجون، خاصه ان العمولات التي كانوا يحصلون عليها ترتبط بنتائج تنفيذ تلك البرامج.  وحين التقي هذه الايام ببعض المنتجين القدامى يستذكر باعتزاز تلك الحقبة التي كان المنتجون فيها يعملون كخلية نحل.

ان اهتمام الاستاذ عبد الباقي لم يقتصر على البرامج التدريبية والتأهيلية للمستويات الوظيفية كافة، بل تجاوزه الى التطوير النوعي الجماعي للمهارات الفنية والقانونية.  واذكر بهذا الصدد الندوات الاسبوعية التي كانت تعقدها الكوادر الفنية والقانونية في الشركة، تناقش خلالها اشتراطات الوثائق ونصوصها ومطالبات التعويض المعقدة.  وذكر لي السيد رفعت الفارسي الذي كان احد الناشطين في تلك الندوات، ان محاضرها اذا ما رتبت تصلح لان تكون مرجعاً فنياً وقانونياً ثراً للعاملين في شركات التأمين .

كان الاستاذ عبد الباقي يهتم بتحسين سمعة الشركة لدى الجمهور، وذلك عبر قنوات مختلفة تأتي في مقدمتها مشاركة الشركة في فعاليات اسبوع التأمين الذي كانت تنظمه المؤسسة العامة للتأمين: ندوات ولقاءات اذاعيه وتلفزيونية ومواد اعلامية في الصحف والمجلات.  وكانت اللقاءات تمتد الى طلبة المتوسطات والاعداديات والجامعات، لانهم يمثلون النشأ الجديد، وتوزع خلالها المواد الدعائية والترويجية.

السياسة التعويضية المنفتحة

كان الاستاذ عبد الباقي حريصاً على الاهتمام بجمهورالمؤمن لهم الذين يتعاملون مع الشركة بوصفهم نواة لجمهور واسع واعد من العملاء.  ومن نافلة القول ان العلاقة بين العميل وشركة التأمين تحكمها الثقة المتبادلة بينهما.  فان تزعزعت، يتحول العميل من داعية للشركة الى داعية ضدها يشكك بصدقيتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها.  وتتحقق مرحلة الاحتكاك المباشر بين العميل والشركة، عندما يطالب بالتعويض عن خسارة تحملها بموجب عقد التأمين.  فاذا كان الموظف متشدداً يعمد الى التشبث بمختلف الذرائع لحجب التعويض، لاسيما ان وثيقة التأمين تضمّ الكثير من الاشتراطات والتحذيرات التعاقدية التي غالباً ما تطبع بحروف ناعمة، ويندر ان يطلع المؤمن له عليها، فما بالك في ان يفقه مضامينها!

واذ ادرك الاستاذ عبد الباقي هذه الاشكالية راح يؤكد على اجهزة التعويض على تسهيل حصول العملاء على تعويضاتهم.  واتذكر توصيته المتواترة الى موظفي اقسام التعويض بالشركة: “فتشوا في الحروف الناعمة لوثيقة التأمين عن مسوّغ لتسديد التعويض وليس لحجبة عن المؤمن له.”

بعض مطالبات التعويض كان يتعذر الوصول فيها الى تسوية ترضي طالب التعويض، مما يحدو به الى اللجوء الى القضاء للبتّ في الموضوع.  كان الاستاذ عبد الباقي يفضل عدم لجوء طالب التعويض الى القضاء، ويعّد ذلك مثلبة في العلاقة بين المؤمن له وشركة التأمين القائمة على مبدأ حسن النيّة القصوى.  وكان ينصح اقسام التعويض بتفادى حالات لجوء المؤمن له الى القضاء، الا بعد ان تتيقن من عدم استحقاقه التعويض.  والجدير بالذكر ان قرار تسديد التعويض من عدمه ذو طبيعة اجتهادية تتباين بين هذا الموظف او ذاك، وبهذا الصدد كان يوجه بأن ترفع اليه المطالعات المؤيدة لتسديد المطالبات التي رجح قرار رفضها، على امل ان يجد في بعضها مسوغا لتسديد التعويض.  يجدر بأجهزة التعويض الحريصة على ادامة ثقة جمهور المؤمن لهم بشركة التأمين ان تتسم بالمرونة في قراراتها، ما يرجح تسوية مطالبة التعويض لصالح المؤمن لهم من حيث المبدأ، الاّ اذا انتهك بصورة فاضحة اشتراطات وتحذيرات عقد التأمين .

اننا نتحدث عن شركة التأمين الوطنية حينما كانت تمارس دوراً احتكارياً في سوق التأمين العام في العراق.  اما اليوم حين يعمل الى جانبها عشرات شركات التأمين الاهلية فان المرونة في تسوية مطالبات التعويض تمثل الميزة التنافسية الاساس لشركة التأمين، التي تحدد موقف جمهور المؤمن لهم منها .

وفي هذا السياق وجه الاستاذ عبد الباقي سنة 1974 بإجراء استبيان واسع النطاق للوقوف على انطباعات الجمهور من خدمات الشركة.  وتضمنت عينة البحث 5000 استمارة استبيان وزعت على مختلف الشرائح المهنية والطبقية للمجتمع العراقي.  وخلصت الى دراسة مستفيضة، كانت نتائجها وتوصياتها محل اهتمام مجلس ادارة شركة التأمين الوطنية، وترجمت الى توجيهات لأجهزة الشركة الفنية والتسويقية .

المتابعة

امتلك الاستاذ عبد الباقي قابلية غير اعتيادية في متابعة اعمال ومراسلات الاجهزة الكثيرة والمتنوعة.  وغالباً ما كانت ساعات الدوام الاعتيادية لا تكفيه فيأخذ معه الى البيت حقيبة مليئة بالمعاملات.  كان يعنى بالمراسلات التي تصدر عن الشركة، وينبه محرريها – بهوامشه – الى الاخطاء اللغوية والانشائية.  واتذكر انه ذات مرة عمم على الموظفين قواعد كتابة الارقام بالعربية.  وحينما كنا نرفع له مطالعات، نتشوق الى تصحيحاته وهوامشه التقويمية.  كنا نسجلها ونحرص على مراعاتها في مطالعاتنا اللاحقة.  كان لا يوقع كتاباً بعد طباعته الا بعد ان يقرأه بإمعان وحين يكتشف بعض الاخطاء الطباعية، سواء اكان النص عربياً او انجليزياً، يعيد الكتاب لتصحيحه في شعبة الطابعه .

بعد خدمته في شركة التأمين الوطنية

بعد 12 عاما امضاها في ادارة شركة التأمين الوطنية، نقل الاستاذ عبد الباقي سنه 1978 الى ديوان المؤسسة العامة للتأمين بوظيفة مستشار.  وبعد الغاء المؤسسة العامة للتأمين سنة 1987 نقل بوظيفة مستشار في وزارة المالية، واوكلت له مهمة الاشراف على القطاعين التأميني والمصرفي .

في عام 1994، احيل على التقاعد ببلوغ السن، بعد ما يتجاوز الاربعة عقود امضاها في خدمة الوظيفة العامة.  وفي عشية تقاعده وجه له وزير المالية وكالة ورئيس الوزراء في حينه كتاب شكر وتقدير قيّم فيه عاليا، مجمل المسيرة الوظيفية المعطاء الحافلة بالإخلاص والتفاني في اداء الوظيفة العامة.  كما وجه له رئيس مجلس ادارة شركة التأمين الوطنية كتاب شكر وتقدير على خدماته المتميزة للشركة ولقطاع التأمين العراقي.

وقد تحمس الكثير من الشركات الى استقطابه والافادة من خبراته.  وعلى راسها شركة التأمين الوطنية فسمي عضواً مزمناً في مجلس ادارتها، وما يزال نائبا لرئيس مجلس ادارتها (تشرين الأول 2011).  وفي عين الوقت عمل مستشاراً في القطاع المصرفي الاهلي، وما يزال، وعضوا في مجالس ادارة عدد من الشركات المساهمة.

واذا نوثق لشذرات من السيرة الوظيفية للاستاذ عبد الباقي رضا، سواء في القطاع الحكومي او القطاع الاهلي، فنحن نضرب مثلاً على الدور القيادي الذي نهض به والخبرة النوعية اللامعة التي تجاوز عمرها اكثر من نصف قرن.  ونتمى له طول العمر والصحة والعافية والذهنية المتيقظة التي ما يزال عليها وهو يتجاوز العقد الثامن من العمر.

 

 

 


[1] للمزيد من المعلومات راجع: مصباح كمال “مساهمة قطاع التأمين العراقي في تأسيس شركات تأمين عربية: لمحة أولية” مجلة التأمين العراقي، 18/8/2008

http://misbahkamal.blogspot.com/2008/08/30-1964-40-60-1969-30-70-1990.html

PM to challenge industry to reduce cost of motor premiums

رئيس الوزراء يواجه صناعة التأمين بتحدي وضع حد لتكلفة أقساط تأمين السيارات

 

الكاتب: مارتن فريل

Martin Friel

المصدر: Insurance Age ، الطبعة الإلكترونية، 14 شباط/فبراير 2012

http://www.insuranceage.co.uk/insurance-age/news/2152267/pm-challenge-industry-reduce-cost-motor-premiums

 

 

تقديم للترجمة

ربما لا يهم القارئ العراقي أن يعرف أن كلفة التأمين على السيارات أصبحت عالية جداً في بريطانيا وكذلك المبالغ التي تسددها شركات التأمين كتعويض عن مطالبات المؤمن لهم وبخاصة مطالبات الأطراف الثالثة عن الإصابات التي تتعرض لها في حوادث السيارات.  وأنا مع القارئ فهمومه مختلفة والاهتمام بها في العراق يكاد أن يكون مفقوداً.  لكنني قمت بترجمة هذا الخبر للتدليل على حضور التأمين في الحياة العامة في بريطانيا بحيث أن رئيس الوزراء يعقد اجتماع قمة مع ممثلي صناعة التأمين، والهيئات الاستهلاكية، ومجموعات الأعمال لبحث خفض تكاليف تأمين المركبات وسبل التعامل مع تعاظم مطالبات الأطراف الثالثة بالتعويض (وهي التي صارت تعرف بثقافة التعويض compensation culture) [1]

 

ربما لم أكتب ما يكفي عن الاستهانة بالنشاط التأميني في العراق من قبل السياسيين وتجاهل البرلمان والحكومة[2] وحتى وزارة المالية، الراعية لديوان التأمين العراقي، رغم اني رصدت بعضاً من تصريحاتهم ومواقفهم التي استطعت الحصول عليها ونشرتها في عدة مقالات.  وحتى الاقتصاديين لا يعيرون قطاع التأمين كثيراً من الاهتمام.

 

قد تكون المقارنة مع بريطانيا متعسفة لكنها مطلوبة لتأكيد الوعي بأهمية النشاط التأميني ودوره في الاقتصاد الوطني.  قد يمر علينا زمن طويل قبل أن نشهد رئيس وزراء عراقي يتحدث عن التأمين!

 

مصباح كمال

لندن 14 شباط 2012

 

نص الخبر

سيعقد [رئيس الوزراء البريطاني] ديفيد كاميرون اجتماع قمة مع ممثلي صناعة التأمين، والهيئات الاستهلاكية ومجموعات الأعمال في محاولة لخفض تكاليف أقساط التأمين ومواجهة ثقافة التعويضات المتزايدة في البلد.

 

ومن المتوقع أن تقوم الحكومة في الاجتماع بوضع سلسلة من التدابير للتصدي لثقافة التعويض، وتخفيض التكاليف القانونية، والحد من الإجراءات البيروقراطية في مجال الصحة والسلامة.

 

وفي حقيقة الأمر فإن رئيس مجلس الوزراء وضع صناعة التأمين أما تحدي العمل بنشاط لتخفيض تكلفة أقساط تأمين السيارات في مقابل قيام الحكومة بالحد من مطالبات الاصابات المَصعيَّة[3] [في الرقبة] whiplash claims

 

ومن بين التدابير المتوقع أن يتم طرحها، ستقترح الحكومة، للحد من هذه المطالبات، تصعيب المطالبة عن مثل هذه الإصابات، والطلب من صناعة التأمين بذل المزيد من الجهد لجعل كلفة شراء التأمين مناسباً للسائقين الشباب وذلك باستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات telematic في قيادة السيارات.

 

ومن المتوقع أيضا أن تتعهد الحكومة بمعالجة التكاليف القانونية من خلال تنفيذ كامل لإصلاحات لجنة جاكسون لتخفيض الرسوم البالغة 1200 باون التي يتقاضاها المحامين عن مطالبات الإصابة الشخصية ذات القيمة الصغيرة.

 

ومن المتوقع أن يقول رئيس الوزراء:

 

“لقد عقدت العزم على التصدي لثقافة التعويض المضرة التي تؤدي الى ارتفاع أقساط التأمين.  اريد وقف المطالبات التافهة، وتحرير الأعمال التجارية من قبضة البيروقراطية في مجالي الصحة والسلامة، والبحث عن الوسائل التي يمكن بها أن نخفض التكاليف.

 

“إن صناعة التأمين تلعب دورا مهما في حياتنا جميعا – وهي موجودة لمساعدة الناس في وقت هم فيه في أضعف وضع وفي أشد الحاجة إليها.

 

“لكنني أريد أن أضمن من أننا جميعاً نفعل كل ما في وسعنا لمساعدة الناس خلال هذا الوقت العصيب.”


[1]  من المفترض أن سوق التأمين في بريطانيا سوق مفتوح يقوم على المنافسة ومع ذلك نشهد تدخلاً من الحكومة للحد من زيادة أسعار تأمين المركبات، وإيجاد السبل للحد من تزايد مطالبات الأطراف الثالثة بالتعويض بسبب حوادث السيارات كمكافئ للحد من أسعار التأمين.  السوق الحرة لا توجد إلا في الكتب المدرسية.

[2]  أنظر، على سبيل المثال، مقالتنا “تعليق على غياب التأمين في برنامج الحكومة للسنوات 2011-2014”، شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://www.iraqieconomist.net/

نشرت أيضاً في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/09/07/absence-of-insurance-in-government-programme-for-2011-14/

 

[3]  قاموس حتّي الطبي الجديد: إنكليزي-عربي (بيروت: مكتبة لبنان، ط 3، 1996).

M Khafaji on Liability & Loss of Profit

منعم الخفاجي ومصباح كمال

أيهما ألأهم: تأمين المسؤوليات أم تأمين خسارة الأرباح

 

 

تقديم

 

الزميل منعم الخفاجي وأنا من الجيل القديم في قطاع التأمين العراقي، بدأنا العمل فيه في ستينيات القرن الماضي.  بدأ منعم احتراف التأمين عندما توظف سنة 1963 في شركة بغداد للتأمين، إحدى شركات التأمين الخاصة التي أممت سنة 1964 وتولت شركة التأمين الوطنية إدارة أعمالها.  وبدأت أنا العمل في شركة التأمين الوطنية سنة 1968.  لنا بعض الهموم التأمينية المشتركة ونتخاطب بشأنها على فترات متباعدة، وأنا أستفيد من خبرته الطويلة[1] لشحذ آرائي والمعلومات المتوفرة لدي.

 

الهدف من نشر هذه الرسائل القصيرة هو إثارة الاهتمام بمضمونها ومناقشتها للتوسع في النشاط التأميني خارج فروع التأمين التقليدية.  وقد يتوفر لكلينا الوقت للمساهمة في مثل هذه المناقشة.

 

منعم الخفاجي: موقف من تأمين المسؤوليات

 

في أوائل شهر شباط كتبت لمنعم طالباً تعليقات معينة على تأمين المسؤوليات القانونية في العراق، وكلها تقوم على توفر ركن الخطأ باستثناء قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات (1980) الذي يؤسس المسؤولية بحكم القانون.  وقد كتب لي، في 17 شباط 2012، عن هذه المسؤولية وذكر بأنها محصورة بالأضرار البدنية للطرف الثالث ويمكن توسيعها، من خلال التأمين التكميلي، ليشمل الأضرار التي تلحق بممتلكات الطرف الثالث.

 

وفي رسالته هذه تحدث أيضاً عن مسؤولية رب العمل، والطلب الضعيف عليها إلا من قبل الشركات الأجنبية وبالتحديد المقاولين الثانويين حيث يطلب منهم المقاول الرئيسي الأجنبي مثل هذا التأمين، وحتى طلبات الشركات الأجنبية ضعيفة إذ يبدو أن معظمها تتم خارج رقابة ديوان التأمين العراقي.

 

وفي تعليقه على تأمين المسؤولية المدنية ذكر بأن الطلب على هذا التأمين قليل جداً ووضعها شبيه بما هو سائد في تأمين مسؤولية رب العمل.  وعزى ضعف الإقبال على التأمين الى قلة مطالبة المتضررين لأسباب عديدة منها عدم وعي الناس بأن مسبب الضرر مسؤول عن فعله تجاه الأغيار، واللجوء الى الفصل العشائري وهو من المؤسسات التقليدية الذي ما زال له حضوراً في العلاقات الاجتماعية.

 

أما تأمين المسؤولية المهنية فإن وضعه لا يختلف عن تأمين الأنواع الأخرى للمسؤولية، إذ أن معظم من يستفيد من خدمات المهنيين يعتبرهم احترافيين ولا يحملونهم مسؤولية الخطأ.  كما أن العديد من المهنيين أنفسهم لا يعرفون أن هناك أغطية تأمينية لحمايتهم ضد نتائج خطأهم في أداء أعمالهم.

 

وفي تلخصيه لضعف الطلب على تأمين المسؤوليات وكيفية النهوض به قال إن “معالجة هذه الأمور وتطويرها تتم عن طريق رفع الوعي لدى الفئات المختلفة من المجتمع.  وهذا طبعا يتم بطرق عديدة يجب أن تتبناها هيئات وشركات التأمين.  وهذا أمر صعب جداً حالياً لعدم وجود الكادر المؤهل للقيام بهذا العمل، ولا الدافع أو الرغبة، أو حتى الوعي الذى يفتقر له أغلب المسؤولين عن هذا القطاع.”

 

مصباح كمال: دراسة تأمين المسؤوليات

 

عزيزي منعم

 

تحية طيبة وشكراً لهذه المعلومات التي لها فائدة معرفية وعملية بالنسبة لي.

 

عدا ذلك ألا ترى أن موضوع تأمين المسؤوليات تجاه الطرف الثالث، على أنواعها القانونية والتعاقدية، تستحق كتابة مقالة خاصة بها؟  إن ما كُتب عن الموضوع قليل ونمر عليه دون العناية الكافية بتفاصيله.  كتب الأستاذ بديع السيفي فصلاً عن التأمين من المسؤولية المدنية (الوسيع في التأمين وإعادة التأمين، ص 759-766) ويمكن الاشارة إليه، والتوسع في شرح ضعف الطلب على هذا النوع من التأمين (أشرتَ اليه في نهاية رسالتك)، والممارسة الحالية وفرص تطويره وإشاعته من منظور بناء مجتمع حديث يتجاوز الممارسات التقليدية لأن هذه الممارسات قد لا تُنصف في التعويض، وغير ذلك من عناوين فرعية.  أتمنى ذلك.

 

اعلمني إن كان وقتك يسمح لك بالكتابة في هذا الموضوع.

 

مع خالص تقديري.

 

مصباح

لندن 17/2/2012

 

منعم الخفاجي: تأمين المسؤوليات أم تأمين خسارة الأرباح؟

 

عزيزي مصباح

 

شكرا لرسالتك في 17/2.

 

اعذرني ان اعرب عن عدم اعتقادي بان مقالة حول موضوع المسؤولية المدنية ستجدي نفعا في تحريك الطلب على هذا النوع من التامين.  أقول هذا لأن اشهر وابسط انواعه، وهو التامين الالزامي من حوادث السيارات، لا يحقق هدفه ويكاد أن يكون غير معروف من قبل اكثرية افراد المجتمع في العراق فما بالك بالأنواع الاخرى من تامين المسؤولية، بينما هناك تأمينات اخرى اهم وتسويقها اسهل وهي من ضمن التأمينات المشمولة باتفاقيتي اعادة التامين من الحريق والهندسي الخاصتين بالسوق العراقية، واعني تامين خسارة الارباح.

 

هل تعلم عزيزي مصباح ان وثيقة واحدة من هذا النوع لم تصدر من قبل شركات التامين العراقية منذ عقود سوى واحدة قمت بإصدارها سنة 2007 عندما كنت في شركة الامين للتأمين، والسبب هو عدم معرفة كيفية احتساب مبالغ وأسعار هذا النوع من التامين وهي  غير صعبة.

 

اليس من الاجدر ان تبذل الجهود في هذا المجال وهي ستثمر اكثر بكثير من مقالة في شرح التامين من المسؤولية.  واني في هذا الصدد ادعوك اخي مصباح لما تتمتع به من تأثير في اوساط التامين وإعادة التامين ان تبادر الى مفاتحة بعض هيئات التامين العربية كالاتحاد العام العربي للتامين وبعض شركات التامين واعادة التامين العربية الخ ان تتعاون وتتبنى تنظيم ندوات ومحاضرات متخصصة في التامين من خسارة الارباح التي ستكون بلا شك  ذا فائدة اكبر في نشر هذا النوع من التامين الاكثر اهمية وفائدة.  واعتقد، ومن خلال اطلاعي، أن هذا الامر ينطبق على الكثير من اسواق التامين العربية.

 

تقبل فائق احترامي

 

منعم

بغداد 18/2/2012

 

المشترك في الطلب على تأمين المسؤوليات وتأمين خسارة الأرباح

 

عزيزي منعم

 

تحية طيبة

 

لا اختلف معك بشأن الاعتبارات العملية في تطوير هذا أو ذاك من فروع التأمين، فهناك أسبقيات تستدعي الكثير من الاهتمام الآني.  حقاً ان اشاعة تأمين خسارة الأرباح أهم بكثير من التنبيه إلى أهمية تامين المسؤوليات على أنواعها[2] ودور تأمين المسؤوليات في تطوير أواصر العلاقات البشرية في مجتمع مدني نتمناه أن يقوم على أسس تتجاوز التقليدي والعرفي.  وهذا ربما يكون أقرب إلى طموح نظري من كونه مشروعاً لإحداث نقلة في القيم الاجتماعية.  اقتراحي بالكتابة عن المسؤوليات هو من هذا المنظور، ولأن تأمينها لها بُعد اجتماعي أوسع بكثير من تأمين خسارة الأرباح.  قل هو نوعٌ من التطلع الشخصي عندي لأرى في العراق مجتمعاً يهتم بثقافة الحقوق ودور التأمين في تعزيز هذه الثقافة، ولم يدُر ببالي تحريك الطلب الآني على تأمين المسؤوليات فالدخل القابل على الإنفاق على شراء الحماية التأمينية لدى الأفراد ليس متوفراً.  وفيما عدا ذلك اتفق معك على ترويج تأمين خسارة الأرباح للشركات الخاصة والعامة، الصناعية والخدمية.

 

إن غضضنا النظر عن عدم وجود طلب حقيقي فعّال في الوقت الحاضر لتأمين خسارة الأرباح، بسبب جهل عام بأهميته ودوره في ديمومة الإنتاج فإن “البنية التحتية” لتأمين خسارة الأرباح غير متوفرة حالياً في العراق.  وتضم هذه البنية غياب القدرات الاكتتابية بضمنها ما ذكرتَه عن “عدم المعرفة في كيفية احتساب مبالغ وأسعار هذا النوع من التامين” يضاف له عدم توفر الخبرات المتعلقة بتسوية تعويضات خسارة الأرباح والتسهيلات الاتفاقية.  ودائماً ينهض السؤال: من أين نبدأ؟  وجوابه، كما أرى من قراءة رسالتك، هو “تنظيم ندوات ومحاضرات متخصصة في التامين من خسارة الارباح.”[3]  وأعرف أنك قد كتبتَ عن الموضوع وقدمت المحاضرات عنه في ندوات عربية.  وربما لو بحثتُ في ملفاتي القديمة لعثرت على نص محاضرة لك عن الموضوع.

مشروع المحاضرات والندوات من قبل أطراف من خارج العراق لا يمكن أن ينجح إذ أن الخبراء والمعيدين يتجنبون السفر إلى بغداد (لا يزال الهاجس الأمني مسيطراً على الأذهان) مما يعني التفكير في تنظيم المشروع في أربيل ولكنه قابل للنقاش.  وحتى لو أقنعنا الأمانة العامة للاتحاد العام العربي للتأمين لتبني مشروع ندوة أو مشغل عن تأمين خسارة الأرباح فإنه يحتاج إلى طرف عراقي كي يقوم بمهمات الإعداد والتنظيم المشترك في مختلف مراحل المشروع، وهي ليست بالبسيطة.  أستطيع مخاطبة الأمانة العامة، لعلاقتي المهنية بها وبالأمين العام الحالي ولكوني كاتباً في مجلة التأمين العربي، إلا أنني لا أدعي تمثيل قطاع التأمين العراقي فهذا تجاوز لا أرتضيه لنفسي.  لذلك أرى أن تقوم جمعية التأمين العراقية بهذه المهمة ومن موقع رسمي.  أترغبُ أن تطرح المشروع على الجمعية لتقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة؟

 

إن لم تكن هناك استجابة هل لك أن تقوم بتقديم محاضرات عن الموضوع بالتنسيق مع الجمعية؟  أو إن كان هذا صعباً هل لك أن ترسل لي ما عندك من كتابات عن الموضوع لأقوم بنشرها في مرصد التأمين العراقي؟

 

أحاول منذ بعض الوقت الكتابة عن موضوع أهمية شراء التأمين، يقوم على مشاركتي في مطبوع باللغة الإنكليزية لشركة يو آي بي، يتضمن إشارات إلى خسارة الأرباح (ربما تكون قد استلمت نسخة منه).  بعد الانتهاء من الكتابة ربما أحاول إصداره كمطبوع للشركة باللغة العربية، وإن تعذر ذلك أقوم بنشره في المرصد لتعميم الفائدة.

 

أشكرك ثانية على تنبيهي للأسبقيات فيما يخص تطوير النشاط التأميني في العراق.  وعلينا، وكذلك زملاء المهنة، التواصل بهذا الشأن.  وقد تنهض الفرصة، إن لم تمانع، لنشر رسائلنا في المرصد.  مجرد اقتراح.

 

مع الاحترام.

 

مصباح

لندن 18 شباط 2012

 

 

عزيزي مصباح

 

اشكرك على ما جاء في رسالتك من معلومات عملية قيمة واقعية، وآراء صائبة.

 

لا مانع من نشر رسائلنا في المرصد علها تكون ذا تأثير في تُذكّر المسؤولين عن مهمات تطوير قطاع التامين في العراق واعني بهم ديوان التامين وجمعية التامين العراقيين وغيرهم من المهتمين بهذا القطاع.  وانا من جانبي سأستجيب لأي طلب بالمساهمة بمثل هذه الندوات او المحاضرات.

 

اما عن نشر ما عندي من كتابات في المرصد، سبق وان طُلب مني كتابة موضوع خاص لمجلة “سوق المال” العُمانية اثناء وجودي في مسقط بضيافة صديقنا المشترك الاخ تيسير التريكي تحت عنوان “التحديات التي يواجهها التامين العربي”.  كتبتُ هذه الموضوع على عجالة وتم نشره.  وكتبتُ للمجلة موضوع آخر بعنوان “الاكتتاب“ ولم ينشر بعد على حد علمي.  اذا رغبتَ سأرسلها لك، ولك ان تنشرها في المرصد ان كان ذا فائدة او ان استفيد من ملاحظاتك.

 

اما عن كتاباتي الأخرى التي هي عبارة عن محاضرات فانا انتظر الفرصة لتنسيقها واخراجها على شكل كتاب تعليمي او غير ذلك.  ولا اعتقد اني سأستغني عن توجيهاتك ومشاركتك.

 

اما عن بقية ما جاء في رسالتك من رؤى وحقائق فلا اجد حاجة للتعليق لان كل ما جاء بها صائب وعملي.

 

مع اطيب تمنياتي.

 

منعم

بغداد 20 شباط 2012


[1]لفائدة الجيل الجديد من ممارسي التأمين في العراق أود الإشارة إلى أن منعم الخفاجي عمل في شركة التأمين الوطنية بعد تأميم شركة بغداد للتأمين، وشغل مواقع مهمة في التأمين الوطنية على مدى زمني طويل.  أعارت الشركة خدماته لشركة المختار للتأمين، طرابلس، ليبيا، 1973 – 1975.  وكان مديراً عاماً لشركة البحرين للتأمين، المنامة، دولة البحرين، 1989 – 1991.  بعد مغادرته للبحرين رجع إلى التأمين الوطنية ثم صار مديراً عاماً للشركة اليمنية العامة للتأمين، صنعاء، اليمن، 1998 – 25/2/2002.  وبعد استراحة قصيرة عين مديراً مفوضاً لشركة الأمين للتأمين سنة 2004.  ثم استراح ثانية ليعود سنة 2011 مديراً مفوضاً لشركة البادية للتأمين.  وللخفاجي باع طويل في كتابة وإلقاء المحاضرات والتدريب في العراق وفي بعض ادول العربية.

 

[2]تعرف بأن فرع التأمين على المسؤوليات يضم أغطية متنوعة ومنها المسؤولية المهنية (وهذه واسعة تختلف من مهنة إلى أخرى كمسؤولية الأطباء، والمهندسين، والمحاسبين، وغيرها من المهن)، مسؤولية المنتجات، مسؤولية رب العمل، مسؤولية المدراء، المسؤوليات التي تؤمن بموجب وثيقة تأمين المسؤوليات التجارية أو ما يعرف بالمسؤولية العامة أو الشاملة ويدخل فيها تأمين التلوث.  وبالطبع هناك المسؤوليات التي ترتبط بالتجارة البحرية وهياكل السفن والطيران والعقود الإنشائية.  وبعض هذه الأنواع معروفة في العراق ويجري التأمين عليها ولو أن التأمين الإلزامي من حوادث المركبات صار تلقائياً ولا يستوجب توفر ركن الخطأ لقيام المسؤولية.

 

[3]من المفيد أن نذكر أنفسنا بأن خسارة الأرباح يمكن أن تترتب على حادث حريق أو انفجار أو عطب ميكانيكي.  ولنا أن نضيف على ذلك تأمين خسارة الأرباح المتوقعة (Advance Loss of Profit or Delay in Start-Up) نتيجة حادث بحري أو حادث أثناء أعمال الإنشاء والتركيب.

“العراق يخلو من شركات التأمين الرصينة”

“البلاد تخلو من شركات التأمين الرصينة”

مناقشة لرأي اقتصادي

مصباح كمال

 

 

تحت عنوان “العراق يخطط لإحياء مناطق حرة وإنشاء أخرى” (بغداد – نصير الحسون/الحياة/الجمعة 20 يناير/كانون الثاني 2012) قرأنا خبراً نقتبس منه الآتي فيما يخص موضوع هذه الورقة:[1]

 

“وضعت الهيئة العامة للمناطق الحرة في العراق خطة لاستحداث مجموعة من المناطق الحرة وإحياء المناطق الحرة الثلاث التي تتعرض للإهمال منذ سنوات.  وأثارت الخطة، التي أعلنها رئيس مجلس إدارة الهيئة، صباح صالح القيسي، مخاوف بعض خبراء الاقتصاد من تعرض تلك المناطق إلى تهديدات بسبب الوضع الأمني غير المستقر في البلاد، وإلى محاولات استغلال من سياسيين نافذين…  

 

الخبير الاقتصادي باسم أنطوان أكد لـ «الحياة» عدم إمكانية تسمية المناطق التي استحدثها النظام السابق بالمناطق الحرة بالمعنى الحقيقي، فالعراق لا يملك البيئة المناسبة لقيام تلك المناطق من حيث القوانين التي تحمي نشاطها والقوانين المشجعة على الاستثمار ودخول الأموال من الخارج.  وقال: «لا يملك العراق الخبرات الكافية لإدارة تلك المناطق ولا البنية التحتية مثل المصارف التي تعمل بأنظمة حديثة، كما أن البلاد تخلو من شركات التأمين الرصينة».  وسأل: «كيف ستعمل المناطق الحرة والأجهزة الأمنية حتى الآن غير قادرة على وضع حد لنشاط عصابات ومافيات السلب؟  من سيحمي الأموال التي سيستثمرها رجل الأعمال المحلي أو العربي أو الأجنبي؟”

 

مرة أخرى نلتقي مع الخبير الاقتصادي د. باسم أنطون لمناقشته بشأن النشاط التأميني في العراق، ففي تصريح سابق تحدث عن قلة شركات التأمين كأحد أسباب ركود سوق التأمين العراقي.[2]  والآن يقول إن “البلاد تخلو من شركات التأمين الرصينة.”  ويبدو أنه يقربنا من فهم واقع النشاط التأميني بالتدريج.

 

نفترض أن د. أنطون يختار كلماته بعناية، و “الرَّصِينة” هي واحدة من هذه الكلمات التي نود أن نتوقف عندها قليلاً في هذه الورقة القصيرة وندخل بها لمناقشة موضوعة خلو البلاد من شركات التأمين الرصينة.  لعله تعرّف على العديد من الشركات القائمة، الخاصة والعامة، فوجدها تفتقر إلى الرصانة، قبل أن يطلق هذه الصفة عليها.

 

لم يعرّف لنا د. أنطون معنى الرصانة ولهذا لا يعرف القاري أية قيمة، اقتصادية أو غيرها، مضمره في هذا التوصيف.  لنحاول الاجتهاد في تفكيك ما نراه بعض عناصر الرصانة ومن مقترب قاموسي.  تذكر القواميس العربية بأن الرصين هو المُحكم الثابت، الرزن، الجاد، المُتَّزن، الوقور.  وهي صفات للشخص ولمواقفه ويمكن إطلاق بعض منها على الشخص المعنوي كالشركات والمؤسسات.  لنا في العراق في الوقت الحاضر ما يقرب من ثلاثين شركة تأمين مسجلة لدى ديوان التأمين العراقي ربما يقول البعض بأنها لا تتميز بالجدية إذ هي مجرد واسطة للتأمين على الأصول المادية لأصحابها والقليل من الأصدقاء والأفراد خارج نطاق المساهمين، وليس لها برنامج واضح للمستقبل.  وبعضها ليست متزنة في انتقائها الاكتتابي للأخطار التي تؤمن عليها وفي التنافس عليها مع غيرها من الشركات.  وهي وغيرها من الشركات ليست مُحكمة في إدارتها، أو قل إن ادارتها تميل نحو الفردية وتحوم حول المدير العام، ولا تتوفر على كوادر وظيفية عليا ومتوسطة مؤهلة جيدة التدريب، وليس لها أهداف واضحة.  وقد لا نتوقع من الشركات الرزانة والوقار في سوق قائم على التنافس غير المنضبط (بمعنى انه لا يعير اهتماماً حقيقيا بمصالح المؤمن لهم) مثلما لا نتوقع منها الثبات في سياستها الاكتتابية إذ هي تنتهز الفرص للاكتتاب بما هو متوفر، أي أنها تفتقر، على سبيل المثال، لسياسة في التسويق.

 

هذا توصيف ناقص مُتخيل للاقتراب من معنى الرصانة يعوزه البحث الميداني للتعرف على شركات التأمين العراقية كما هي لا كما نتخيلها.  وعدا ذلك فإنه ينطوي على أحكام تقييمية تقع في خانة مناطق الخلاف، وقد تستثير الرفض من العديد من إدارات التأمين ومن له دراية بواقع شركات التأمين.

 

ومع ذلك نرى أن الرصانة مقياس غير قابل للقياس الكمي، واستخدامها يتطلب تفكيك العناصر التقييمية المضمرة فيها من قبل د. أنطون إذ أن اجتهادنا قد لا يكون صائباً.  ونضيف إلى ذلك أن الرصانة ليست مقولة اقتصادية متداولة.  إن كان ما نقوله صحيحاً ربما كان من الأفضل استخدام معيار الكفاية efficiency في الحكم على شركات التأمين.

 

لا نعني هنا بالكفاية الاقتصادية طريقة توزيع الموارد لإنتاج السلع والخدمات (وهو موضوع اقتصاد الرفاهية) بل الكفاية الانتاجية.  والكفاية هنا تعني التحديد الأفضل لكمية المستخدمات (المدخلات) input الانتاجية والجمع بينها لإنتاج حجم معين من الانتاج باستخدام تكنولوجيا الانتاج المتوفرة في “صناعة” التأمين بموجب أسعار السوق لهذه المستخدمات.  الكفاية هنا هي تحقيق الانتاج output الأفضل بأقل التكاليف.

 

الكفاية الاقتصادية ليست غاية مجردة بذاتها بل أداة لتحقيق أكبر ربح بأقل التكاليف.  هناك قيود معينة يجب أخذها بنظر الاعتبار لتحقيق الكفاية نظراً لطبيعة “الإنتاج” التي تقوم به شركات التأمين.  فالتكنولوجيا الأساسية في الإنتاج هي قوة العمل (إحدى المدخلات) و “السلعة” المنتجة، ممثلة بوثيقة التأمين، ليست سلعة مادية بل وعداً عقدياً بتقديم منفعة محددة في المستقبل أن تحققت شروط قيامها.  هذا الموضوع، المدخلات والمستخرجات في قطاع التأمين، لم يحظ بدراسة نظرية أو تطبيقية ولعل اقتصادياً جامعياً شاباً يتولى دراسته.

 

لماذا لا توجد شركات تأمين “رصينة” في “مقياس” د. أنطون الذي حاولنا أن نبرز بعض عناصره؟  حقاً، لماذا؟  لم يُخبرنا بذلك لأن السياق قد لا يحتمل الشرح، ولعله يستجيب لدعوتنا في الخوض عميقاً في الموضوع.  ربما يكمن السبب وراء عدم الرصانة الحالية في عوامل داخلية تنظيمية وإدارية للشركات ومنها ضعف الكوادر.  ربما يعود السبب إلى عوامل خارجية بمعنى البيئة العامة التي تعمل فيها الشركات، وضعف تسهيلات إعادة التأمين الاتفاقي، وسلبيات قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وتعليمات وزارة التخطيط بشأن تأمين الاستيرادات، وإطلاق التنافس بين الشركات .. الخ وكلها مجتمعة ساهمت في تقزيم تطور الشركات وفي إضعاف قدراتها.

 

عندما كان سوق التأمين العراقي مقيداً (السنوات 1964-1997 وهي عمر قطاع التأمين المؤمم) نزعم أن شركتي التأمين المباشر وشركة إعادة التأمين العراقية كانت جميعها تتمتع بدرجة عالية نسبياً من “الرصانة”: من حيث حجم أقساط التأمين، وحجم الاحتفاظ، والمستوى العالي للكوادر العاملة، والسمعة التي كانت تتمتع بها على مستوى العالم العربي وحتى الأوروبي.  وقد بدأت هذه “الرصانة” بالضمور تدريجياً مع تصاعد الآثار الاقتصادية للحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وبعد ذلك الحصار الأممي (1990-2003) وما ترتب عليه من تهجير وهجرة، وانقطاع عن عالم التأمين خارج العراق، وتآكل قيمة الاحتياطيات بسبب التضخم، ومن ثم الاحتلال الأمريكي .. الخ.

 

توصيف جميع شركات التأمين بأنها ليست رصينة فيه تعسف في التقييم.  ونسأل ما الذي يكمن وراء إطلاق هذه الصفة؟  أحقاً هذا هو حال جميع الشركات؟  ترى ما هي مشكلة د. أنطون مع قطاع التأمين العراقي: تأكيده على قلة عدد الشركات مرة وخلو القطاع من شركات رصينة مرة أخرى؟  أهي تجربته الشخصية السلبية مع شركات التأمين أم أن تقييمه يقوم على دراسته للقطاع؟  هذه الأسئلة فيها نبرة خطابية وربما الاستفزاز البريء لكننا لا نستهدف منها غير الدفع باتجاه تقديم مسح لشركات التأمين قائم على البيانات الحالية وتاريخ قطاع التأمين العراقي.

 

ننتهز هذه الفرصة لنشكر د. باسم أنطون على استمراره في التعليق على نشاط التأمين في العراق.  ونأمل أن نقرأ المزيد له.

 

 

لندن 31 كانون الثاني 2012

misbahkamal@btinternet.com

 


[1]يرد في الخبر تأكيد رسمي على عدم “وجود القيود على جنسية المستثمر أو رأس المال، وتصل فرص الاستثمار الأجنبي إلى 100 في المئة فلا ضرورة لوجود الشريك المحلي، وهناك حرية في تحديد أسعار المنتجات ونسب الأرباح وحرية تحويل الأرباح والأموال المستثمرة.”  وهذه تستحق الدراسة من المختصين بالمناطق الحرة ومن الاقتصاديين ومن يعنيهم مستقبل الاقتصاد العراقي.

 

نقترح على زملاء المهنة متابعة موضوع المناطق الحرة وتداعياته بالنسبة لشركات التأمين القائمة خاصة في ظل “الفلتان” المُضمّخ ببركات قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.  ومن يدري، ربما لن يحق لشركات التأمين القائمة مزاولة التأمين في المناطق الحرة أو يسمح لها بذلك ضمن ضوابط معينة، وعسى أن لا تتحول هذه المناطق، التي ستتمتع بتسهيلات وإعفاءات غير مسبوقة، كما ورد في الخبر، إلى بؤر للفساد المالي ولغسل الأموال.

 

[2]مصباح كمال “ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي” نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010:

http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=50803&spell=0&highlight=%E3%D5%C8%C7%CD+%DF%E3%C7%E1

نشرناها بعد ذلك في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/

 

The World Bank & Iraq’s Insurance Sector

قطاع التأمين العراقي 

مناقشة لتقرير البنك الدولي ورأي الدكتور مهدي حافظ

 

 

 

مصباح كمال

 

 

عنوان هذه المقالة مستوحى من مقابلة أجرتها جريدة «الحياة» مع د. مهدي الحافظ، وزير التخطيط العراقي السابق، نشرت تحت عنوان “تقرير للبنك الدولي يوصي بتطوير القطاع المالي في العراق” (بغداد، هشام عبد الوهاب، الحياة، السبت 7 يناير/كانون الثاني 2012).  لم يتجاوز ما ذكره الدكتور الحافظ عن قطاع التأمين العراقي خمسة عشر كلمة من تقرير تجاوزت كلماته ستمائة كلمة.  قال:

“ان قطاع التأمين لا يزال محدوداً، ويخضع لهيمنة مؤسسات تابعة للدولة وغير مشمولة بالرقابة المطلوبة”

وكما قلنا في مقالات سابقة لنا فإن قطاع التأمين لا يشغل سوى حيّز مفرط في الصغر، وأحياناً غير دقيق، في تفكير الاقتصاديين العراقيين.[1]  وما التصريح أعلاه إلا نموذجاً آخراً لقلة الاهتمام بالموضوع والمرور السريع عليه.  وما جاء في التصريح هو ترديد لما ورد في تقرير البنك الدولي الذي ينطوي على مغالطات فيما يخص قطاع التأمين وهو مما لا يليق بمؤسسة تضم الخبراء ولها من الموارد البحثية مما لا يتوفر عند غيرها.

نرحب بتصريح الدكتور الحافظ وذكره لقطاع التأمين وهو أول من يقوم بذلك، وبسرعة، بعد صدور تقرير البنك الدولي.  ونأمل أن يقوم غيره من الاقتصاديين العراقيين، وكذلك المعنيين بالنشاط التأميني وممارسيه، مناقشة تصريحاته، وكذلك مناقشة تقرير البنك وما ورد فيه من وصف واستنتاجات وتوصيات بشأن قطاع التأمين تقوم على إدخال الخصخصة وتطبيق تجارب أسواق أخرى على العراق ولاعتبارات إيديولوجية – وهو ما سنحاول إبراز جوانب معينة منه في هذه الورقة.

لنستعرض مصادر تصريح الدكتور الحافظ كما وردت في تقرير البنك المعنون القطاع المالي العراقي[2] بإشراف الخبيرة المصرية سحر نصر، [سحر وليس سهر] كما ورد في الحياة، الصادر في أول كانون الثاني 2011.  ومن خلال الاستعراض نناقش الأفكار الواردة في التقرير.

 

محدودية قطاع التأمين

يذكر تقرير البنك التالي حول محدودية الانتاج في قطاع التأمين:[3]

لا يمكن تقييم حجم سوق التأمين بصورة مناسبة من جراء قلة البيانات المتوفرة.  يعتقد بعض المشاركين في السوق أن قيمة الإجمالي السنوي الكلي لأقساط التأمين المسجلة لكل شركات التأمين تتراوح بين 60-80 مليون دولار أمريكي بالنسبة لشركات التأمين غير المملوكة للدولة، وحوالي أربع أو خمس أضعاف هذه القيمة لشركات التأمين المملوكة للدولة.  إعادة التأمين غير منتشرة بصورة كبيرة، ويُعتقد أن أقساط إعادة التأمين تساوي 16-25% من إجمالي أقساط التأمين المسجلة.

صحيح أن البيانات الاحصائية عن حجم السوق قليلة لكن معدو التقرير كان بإمكانهم مراجعة شركة إعادة التأمين العراقية، التي تدير اتفاقيات إعادة التأمين نيابة عن معظم شركات التأمين المرخصة بمزاولة النشاط التأميني، للحصول على بيانات ومعلومات أخرى.  أو كان بإمكانهم طلب البيانات من الاتحاد العام العربي للتأمين حيث يقدم وفد سوق التأمين العراقي تقريره كل سنتين لمؤتمر الاتحاد.  لكنهم لم يفعلوا إما قصداً أو جهلاً بهذين المصدرين.  أو كان بإمكانهم أيضاً الاستفادة من التقارير السنوية لشركة التأمين الوطنية، المملوكة للدولة منذ تأسيسها سنة 1950، وهي الأكبر والأغنى بين جميع شركات التأمين العراقية، لتقييم حجم أقساط التأمين وتطورها على مدى السنوات الماضية، والاستفادة منها في رسم سيناريوهات نموها في المدى القصير.  وهنا أيضاً ينهض السؤال: أهو تقصير أم جهل من جانب معدي التقرير؟

لم يذكر التقرير، في نسخته العربية المترجمة، عدد شركات التأمين العاملة في العراق التي صارت تقرب من ثلاثين شركة (عدد الشركات في النسخة الإنجليزية للتقرير  23 شركة).  أما “أقساط التأمين المسجلة”، سواء ما تعلق منها بأقساط شركات التأمين الخاصة أو شركات التأمين المملوكة للدولة، فهي من نتاج الخيال أو قائمة على افتراضات غير مدروسة وغير واقعية، ولا علاقة لها بواقع النشاط التأميني والإنتاج الحقيقي لأعمال التأمين.

في دراسة لم تنشر بعد بعنوان “ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي” (كانون الأول 2011) ذكرنا ما يلي عن أقساط التأمين المكتتبة:

وإذا كانت شركة التأمين الوطنية، شركة عامة، هي الأقدم والأغنى بين شركات التأمين العراقية الأخرى العامة والخاصة قد حققت دخلا بلغ 60,561,538 ألف دينار عراقي سنة 2010[4] (ما يعادل 51,761,998 دولار أمريكي، بضمنه 11,030,013 دولار يمثل صندوق التأمين الإلزامي، البحري-هياكل، الطيران، السيارات التكميلي، الزراعي، الحياة، فردي وجماعي، ترانزيت وإعادة تأمين وارد) فالدخل المتحقق لدى الشركات الأخرى أقل بكثير منه.  فقد بلغ مجموع دخل أقساط إحدى شركات التأمين الخاصة، النشطة، سنة 2010، ما يزيد قليلاً عن مليار ونصف المليار دينار عراقي.[5]  وحسب معطيات شركة إعادة التأمين العراقية بلغ دخل الأقساط المكتتبة سنة 2010 للشركات 8,463,031,129 دينار (ما يعادل 7,233,356 دولار أمريكي) في فروع الحريق، والحوادث العامة، والهندسي والبحري-بضائع، في حين اكتتبت شركة التأمين الوطنية لوحدها في تلك السنة ٍ16,047,835 دولار في هذه الفروع الأربعة.  وهكذا نرى كم هي ضئيلة نسبة دخل التأمين إلى الموازنة.

ترى لماذا أهمل معدو التقرير مثل هذه البيانات المتوفرة خاصة وأن أحدهم قابل مدير عام شركة التأمين الوطنية العامة؟

القول بأن “إعادة التأمين غير منتشرة بصورة كبيرة” كلام فضفاض.  ترى هل المقصود به أن شركات التأمين المباشر لا تشتري حماية إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري أم أنه افتئات على شركات التأمين العراقية؟  كيف يستقيم هذا القول مع ذكر شركة إعادة التأمين العراقية كواحدة من الشركات المملوكة للدولة المهيمنة على قطاع التأمين؟ (ص 67 من التقرير).

ويذكر التقرير أن “أقساط إعادة التأمين تساوي 16-25% من إجمالي أقساط التأمين المسجلة” دون أن يعرف القارئ إن كانت هذه النسبة تمثل أقساط إعادة التأمين التي تمر من خلال شركة إعادة التأمين العراقية إلى شركات إعادة التأمين العالمية أو تمثل هذه الأقساط مضافاً إليها أقساط إعادة التأمين الاختياري التي تحولها شركات التأمين المباشر إلى هذه الأسواق لشراء الحماية المطلوبة.

ربما يكون السبب وراء القول بعدم انتشار إعادة التأمين بصورة كبيرة هو الرغبة الدفينة في تحويل شركات التأمين العراقية إلى شركات واجهة تقوم بإصدار وثائق التأمين للشركات الأجنبية العاملة في العراق، والنفطية منها بشكل خاص، لقاء قسط بسيط (هو في الواقع أجر لقاء خدمة)، ودون الاستفادة من اتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية.  بهذا المعنى فإن انتشار إعادة التأمين مُقيّد، وهذا يحرم شركات التأمين العراقية من تطوير قدراتها الاكتتابية فنياً ومالياً وهي الخاسر الأكبر في علاقة غير متكافئة مع الشركات الأجنبية.

لا يقدم لنا التقرير سبباً لمحدودية إنتاج التأمين: إرث سنوات العقوبات الأممية (1990-2003)، حروب النظام والغزو والاحتلال وما ترتب عليه من تفكيك وتحطيم للبنى الارتكازية، واقتتال طائفي، وغياب للأمن، تدهور الطبقة الوسطى وقلة الدخل المتوفر للإنفاق على التأمين، والدور التخريبي لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) في توفير الغطاء القانوني لتسريب أقساط التأمين إلى الخارج، واشتراطات الشركات الأجنبية العالمية العاملة في العراق والنفطية بوجه خاص على شركات التأمين العراقية، الخاصة والمملوكة للدولة، بعدم الاحتفاظ بأقساط التأمين أو بحدودها الدنيا ولصالح شركات التأمين المقبوضة وشركات إعادة التأمين الدولية.  وغيرها من أسباب تفسر ضعف الطلب للحماية التأمينية.

 

هيمنة شركات التأمين المملوكة للدولة ومشروع خصخصتها

قول الدكتور الحافظ ان “قطاع التأمين .. يخضع لهيمنة مؤسسات تابعة للدولة” يقوم على ما جاء في التمهيد للتقرير حول النتائج الرئيسية للدراسة.  فبالنسبة لقطاع التأمين، كان الاستنتاج أن هذا القطاع “صغير تهيمن عليه الشركات المملوكة للدولة وغير خاضع للرقابة.” (ص vii).  وجاء بعض التفصيل في ص 67:

تهيمن شركات التأمين المملوكة للدولة على هذا القطاع.  وسبب هيمنة شركات التأمين الثلاث المملوكة للدولة (شركة التأمين الوطنية العراقية، شركة التأمين العراقية، الشركة العراقية لإعادة التأمين) يعود إلى أن كل أو معظم العقود الحكومية لخدمات التأمين يتم منحها لشركات التأمين المملوكة للدولة.  وعلى الرغم من أن المادة 81 من قانون تنظيم شركات التأمين تقضي بأن العقود الحكومية للتأمين يتم الحصول عليها من خلال مناقصة (منافسة) عامة، يتم فيها السماح لجميع شركات التأمين المرخصة بالمشاركة، ولكن المفهوم السائد هو أن شركات التأمين المملوكة للحكومة يتم منحها عادةً عقود التأمين الحكومية.

شركات التأمين الخاصة لها مشاكلها بعضها ناشئ عن ضعف قاعدة رأس المال والاحتياطيات المالية والكوادر المدربة وغيرها، وصغر حجم دخل الأقساط المكتتبة.  بعضها يتشكى من غياب الرعاية الحكومية لها بدلاً من تأكيد وجودها الفاعل في السوق القائم على التنافس.  وتتشكى أيضاً من حصر تأمين منشآت الدولة ومؤسساتها، وكذلك عقود شركات النفط الأجنبية، لدى شركات التأمين العامة.  ولها الحق في ذلك لأنه يتعارض مع متطلبات التنافس، ومع أحكام المادة 81 – ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي نصت على ما يلي:

 

يجري التامين على الاموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات او دوائر الدولة في التامين ضدها بالمناقصة العلنية وفقا لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.

 

وقد تدخل ديوان التأمين العراقي من خلال مخاطبة شركات النفط العراقية، الشريكة لشركات النفط الأجنبية، لضمان التزامها بأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين.  وبهذا أصبح التأمين على عقود جولة التراخيص النفطية مفتوحة لجميع شركات التأمين الأعضاء في الديوان.  لكن الفرق بين شركات التأمين الخاصة والعامة يظل قائماً فيما يخص دخل أقساط التأمين وحجم رأس المال وعدد الموظفين والمهارات الفنية المتوفرة وهو يميل لصالح الشركات العامة، بفضل متانتها المالية أساساً، لكن عدداً قليلاً جداً من الشركات الخاصة تتمتع بكفاءة متميزة في إدارة أعمالها.  ولعل المنافسة في تقديم الخدمات، وليس الأسعار، بين الشركات الخاصة والعامة كفيلة بالكشف عن ضعف بنيوي لشركات تأمين خاصة لا تتوفر على عناصر تُعينُها على نمو حقيقي في حجم أعمالها.  التركيز “البازاري” لبعض هذه الشركات على الاكتتاب بأسعار غير فنية، للحصول على الأعمال، يخدمها في الأمد القريب لكنه لا يساهم في بناء سوق متين للتأمين.

 

من المفارقات أن شركات التأمين الخاصة تتشكى من هيمنة شركتي التأمين المملوكتين للدولة (تنتجان 80% من أقساط التأمين) لكنها تطلب دعماً من الحكومة لتعزيز مكانتها في السوق – أي تطلب من الحكومة أن تحتضنها كي تنجح في المنافسة السوقية!  وعدا ذلك لم تقم هذه الشركات بدراسات معمقة لأوضاعها وأوضاع السوق، ولم تثابر في تعزيز الجهد الجماعي للضغط على صانعي القرار، وفضح الممارسات الضارة لدى طالبي التأمين، من العراقيين والأجانب، ولدى شركات التأمين ذاتها.

ويعزي تقرير البنك الدولي بطء نمو سوق التأمين إلى هيمنة شركات التأمين الحكومية (ص 68) دون توضيح العلاقة السببية بين بطء النمو والهيمنة، ويكتفي، بعد الفقرة التي اقتبسناها أعلاه عن هيمنة الشركات المملوكة للدولة، باستنتاج غير منطقي وغير مؤسس على وقائع وأرقام فيما يخص العراق، بهذا الزعم:

اتضح أن هيمنة شركات التأمين الحكومية أبطأت من نمو سوق التأمين، ولذا من أجل أن ينمو سوق قطاع شركات التأمين بالسرعة الطبيعية، يجب التفكير في خصخصة شركات التأمين المملوكة للدولة.

بيت القصيد هو الخصخصة بغض النظر عن ضرورته من عدمه فيما يخص شركات التأمين المملوكة للدولة العراقية.  وبهذا الشأن نقتبس هنا مطولاً من دراسة حديثة لنا تلقي بعض الضوء على مطلب الخصخصة.[6]

نُقرٌّ أن إيقاع العصر يستدعي التغيير والتعامل مع الضرورات والشروط المستجدة ولكن شريطة أن يكون التعامل من منظور تأسيس اقتصاد “رأسمالي” مُنتج يحافظ على المصالح الوطنية.  ويقتضي ذلك إعادة تعريف الوظيفة الاقتصادية للدولة للتحول من الاقتصاد الريعي، وتقويض طفيلية القوى السياسية الماسكة بمقاليد السلطة (سلطة المال من خلال الريع والفساد والإفساد وسلطة السياسة من خلال التمثيل البرلماني وكذلك سلطة الأمن).  وهي ذات القوى التي قزّمت الدولة، ككيان محايد، من خلال إقحام المحاصصة في بناء مؤسساتها.

وبالنسبة لقطاع التأمين فإن

“نشاط التأمين سيبقى مرتبطاً بالدرجة الأولى بمقدار التطور الاقتصادي المحلي بصورة عامة، وما يتبعه من تطور في قطاع البنوك كمصدر لتمويل الاستثمار وكوسيط في النشاط التجاري بصورة خاصة.  وفي الحالتين، فإن التوقعات تعتمد بالدرجة الأساسية على مقدار النجاح المحقق في إحداث التغيير الاقتصادي الجذري (الاستراتيجية والسياسات وإقامة البنية الأساسية المادية والاجتماعية والبيئية العامة) وليس فقط تحقيق زيادة في الإيرادات النفطية.  ومن واقع التطورات الراهنة والمحتملة في المدى القريب، فإن من المستبعد أن تزداد فعاليات التأمين على المستوى الكلي كما يتمثل في نسبة حجم أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كثافة سوق التأمين، كما في معدل إنفاق الفرد على التأمين كالذي تظهره ميزانية الأسرة.”[7]

اعتماداً على هذه الرؤية هل ستساعد إعادة هيكلة شركات التأمين في زيادة دور هذه الشركات ضمن الاقتصاد المُنتج؟  وهل هي فقرة من مشروع تقليص الاعتماد على الموارد الريعية أم انها واحدة من الإجراءات غير المنتظمة في رؤية متكاملة لتوجيه الاقتصاد العراقي (كما هو الحال مع رأسمالي ما بعد 2003، من العرب والكرد، ممن يعملون في أكثر من مجال دون أن يكون لديهم رؤية لتحقيق التكامل بين هذه المجالات؟  وذات التفكير ينطبق على سياسات القوى السياسية الحاكمة).  البديل المرتجى هو المشروع الوطني المتكامل للتنمية القائم على إعادة النظر في توزيع الريع النفطي، وتحديداً تقليص الاعتماد عليه والذي من شأنه أن يحدد معالم السياسات الاقتصادية التفصيلية التي تصب في المشروع.  وخلاف ذلك سيسود الاستغراق في الجزئيات كما هو حال الرأسماليين الجدد.

لنلاحظ أن الريع النفطي الذي يتكدس لدى المصرف المركزي العراقي (وقد بلغ الآن، آب 2011، 58 بليون دولار) لا يمثل دخلاً لقوة عمل المنتجين أو الفائض المتحقق للرأسماليين لقاء تشغيلهم لاستثماراتهم الإنتاجية أو الضرائب التي يدفعونها لخزينة الدولة.  هو ليس إلا إيرادات النفط الخام المُصدر.  ولأن استقلال المصرف المركزي له الأولية العظمى، كما رسمها مستشارو بول بريمر، انحسر وبالأحرى ألغي دور المصرف في المساهمة في التنمية الاقتصادية وما يترتب عليها من دور لقطاع التأمين.  هو الآن ليس إلا حارساً للإيرادات النفطية ولا دور له في التنمية الاقتصادية.  وقد كتبنا في مكان آخر:[8]

“أن الهوس بالسياسة النقدية، كما يمارسها المصرف المركزي، لا يساعد في إعطاء دفعة لبدء عملية النمو الاقتصادي.  فتركيز السياسة على احتواء التضخم من خلال رفع القيمة التبادلية للدينار العراقي مع الدولار الأمريكي لم يؤدي إلى النتيجة المطلوبة في الوقت الذي تم فيه زيادة أسعار المحروقات وتأثيرها المتنامي على أسعار السلع والخدمات.  وبدلا من أن يكون عاملا فاعلا في التنمية الاقتصادية تم إعادة تكييف المصرف المركزي على أسس نيوليبرالية:[9] التأكيد على استقلالية المصرف (لإلغاء أي دور للمصرف في تمويل الحكومة أو تمويل العجز)، الحد من التضخم (لتحويل أنظار المصرف من الاهتمام بأهداف أخرى كالمساهمة في تحقيق استخدام كامل للعمالة، ودعم السياسة الصناعية أو تخصيص الاعتمادات لقطاعات اجتماعية معينة كالإسكان والتطبيق غير المباشر للأدوات النقدية (معدلات الفائدة للمدى القصير).”

إن لم يكن تجاوز الريع هو المطلوب فقد تكون إعادة الهيكلة من الخطوات المطلوبة لدخول العراق كعضو في منظمة التجارة العالمية من خلال التمهيد لرفع القيود والضوابط ومنها (بالنسبة لشركات التأمين): التخلي عن إلزامية إسناد حصة من الأخطار لشركة الإعادة الوطنية (وبالنسبة للعراق فإن الحصة الإلزامية قد ألغيت أواخر ثمانينيات القرن الماضي)، وإلغاء تعرفات الأسعار (ولكن ليس هناك تعرفات حقاً في العراق)، والسماح للشركات الأجنبية للمساهمة بكامل رأسمال الشركات – أي دون الحاجة لشراكة عراقية.  هناك شركات تأمين خاصة يساهم فيها رأس المال العربي والأجنبي.

هل تقتضي إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي خصخصة شركات التأمين العامة بعد أن فقدت هذه الشركات سنة 1997 موقعها الاحتكاري الذي كان مفروضاً بقوة القانون.  كانت هذه الشركات حتى ذلك الوقت، وبالأصح منذ سنة 2000 عندما تأسست أول شركة تأمين خاصة، تتمتع بريع داخلي بفضل التحكم في منافذ التوزيع أو قل احتكار هذه المنافذ.  ولا يزال بعض من هذا التحكم قائماً فيما يخص إدارة تعويضات التأمين الإلزامي إذ ليس لشركات التأمين الخاصة دور في هذا المجال، ولها الحق في المشاركة مما يتطلب مراجعة لقانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 وتعديلاته.

قد تكون إعادة الهيكلة من متطلبات التحديث كي يكون السوق العراقي على مستوى أسواق التأمين الأخرى في العالم العربي.  وهذا يتناغم أيضاً مع شروط صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي – إخراجه من الإرادوية في تسيير الاقتصاد الوطني وإخضاعه لقوى السوق.  لكن هذا التبرير ضعيف ولا ينهض به واقع سوق التأمين العراقي في الوقت الحاضر فالمنافسة بين الشركات العامة والخاصة قائمة، والسوق يخضع لقوى العرض والطلب خاصة بعد أن أكد ديوان التأمين العراقي على الشركات النفطية الالتزام بأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في استدراج عروض التأمين من جميع شركات التأمين العراقية من خلال المناقصات.  وكان عدم الالتزام بالأحكام موضوع مساءلة وانتقاد من قبل شركات التأمين الخاصة.

لكن التحديث مطلوب بحد ذاته لمواكبة التغيرات الحاصلة في العالم دون أن يتطلب ذلك خصخصة شركات التأمين العامة.  وقد رصدنا بعض ملامح التحديث في دراسة سابقة لنا[10] نقتطف منها العناوين الفرعية التالية مع القليل من التعليق:

 

الإطار القانوني – إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين اسمة 2005.

الإطار التنظيمي – تنظيم الهيكل الهرمي والشفافية والمساءلة، إضافة إلى أمور أخرى، تنطبق على الشركات الخاصة والعامة على حد سواء.

سياسة الاستخدام.

الاستقلال المالي لشركات التأمين العامة – تحقيق استقلال ذاتي مالي حقيقي للشركات لتعمل دون الرجوع إلى وزارة المالية في أمور صغيرة وكبيرة على حد سواء.

المهارات اللغوية والتدريب المستمر.

تكنولوجيا المعلومات – إدخال واستعمال تكنولوجيا المعلومات بشكل واسع (information technology) يمثل الشكل الأكثر وضوحاً لعملية تحديث قطاع التأمين.

الأغطية التأمينية – مراجعة وثائق التأمين وإعادة صياغتها لتكون سهلة الفهم على المؤمن لهم وتتماشى في نطاق تغطيتها مع ما هو متوفر في أسواق التأمين المتقدمة.

التعامل مع جمهور المؤمن لهم – التخفيف من البيروقراطية الثقيلة في التعامل مع المؤمن لهم لتعزيز الثقة بالفائدة المرجوة من الحماية التأمينية.

ويتطلب تحديث التعامل مع المؤمن لهم إيجاد دائرة مظالم لهم يمكنهم من الرجوع إليها في حالات التجاوز والاختلاف والإهمال من قبل شركات التأمين.

ومن الوسائل الأخرى لتعزيز ثقة الجمهور وكذلك الالتزام بالمعيار الأخلاقي والفني للعمل إصدار مدونة لقواعد السلوك code of conduct لقطاع التأمين برمته لتكون شركات التأمين خاضعة للمساءلة بموجبها.

تعزيز التغلغل التأميني والكثافة التأمينية – وهما معياران لقياس مساهمة قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني.

ربما يكون التبرير تحرير الدولة من أعباء كونها أكبر رب عمل.  وهو صحيح وآخذ بالتضخم بفضل سياسة تكريس المحاصصة الاثنية والطائفية بإقحام المزيد من الموظفين في مؤسسات الدولة حتى ولو بشهادات مزورة.  لكن شركات التأمين العامة، رغم أنها توظف ما يزيد عن الف وخمسمائة موظف إلا أن هؤلاء لا يشكلون أي عبء على خزينة الدولة لأن الشركات تحقق فائضاً يكفي لتمويل الرواتب والمصاريف الأخرى زيادة عن تمويل الخزينة بأرباحها ورسم الطابع ولها استثماراتها العقارية وغيرها.

لقد شهد قطاع التأمين تدهوراً كبيراً بسبب الحروب والعقوبات الدولية افقدته الموارد المالية والبشرية للتحديث من الداخل.  هل لذلك صار التوجه نحو إعادة الهيكلة واستدراج الشركات الأجنبية، وهو ما تشجع عليه الحكومات العراقية، هو الحل للنهوض من الواقع الراكد؟  أي أن إعادة الهيكلة ضرورية لإدخال التكنولوجيا (المعرفة الجماعية عن كيفية إنتاج السلع والخدمات بأسوب أكثر كفاءة) وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمستهلك، حتى إذا تطلب الإصلاح إزاحة المُنتِج، الرأسمالي، الوطني، كما هو حاصل في قطاع النفط من خلال تقزيم دور شركة النفط الوطنية المرتجاة وحصر دور الرأسمال الوطني في أعمال هندسية صغيرة.

مناصرو القطاع الخاص يؤكدون على ريادية القطاع في ابتكار المنتجات وتعظيم الانتاج ورفع كفاءته.  لكن شركات التأمين الخاصة، التي تأسست بموجب قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، لم تقدم حتى الآن لسوق التأمين العراقي ما يشهد على مثل هذه الريادية.

هل الوصول إلى تأمين أعمال مؤسسات الدولة هي ما ترغب به هذه الشركات؟  هي حقاً تريد ذلك دون أن تدعو إلى خصخصة شركات التأمين المملوكة للدولة، فهي قادرة على التعايش معها لا بل ان الشركات الخاصة تستمد شيئاً من قدرتها الاكتتابية من خلال اتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية المملوكة للدولة.  وما استمرار هذه الاتفاقيات وتحسين شروطها سنوياً إلا بفضل دخل أقساط التأمين التي تكتتب بها شركة التأمين الوطنية والشركة العراقية للتأمين.  وكذا الأمر بالنسبة لمجمعات التأمين المشتركة بين الشركات الخاصة والعامة.

مجرد تحويل أقساط تأمين أعمال الدولة من شركات التأمين العامة إلى شركات التأمين الخاصة لا يستلزم بالضرورة نمو أقساط التأمين فالطلب على الحماية التأمينية لا يتحدد بعدد شركات التأمين أو بملكية هذه الشركات.  هناك عوامل اقتصادية واجتماعية وأخرى قانونية تؤثر على مستوى الطلب.  وبعد أن تحقق مطلب المساواة في التنافس مع الشركات المملوكة للدولة لِمَ لا تعمل شركات القطاع الخاص على تطوير الانتاج خارج أعمال الدولة؟

الخصخصة ليست عصا سحرية لحل مشاكل شركات التأمين الخاصة أو زيادة إنتاج أقساط التأمين.  علينا البحث عن أسباب أخرى وراء عدم التطور السريع لشركات القطاع الخاص ونمو حجم أقساط التأمين المكتتبة لجميع الشركات.

من المغالطات الفجة في تقرير البنك الدولي أنه

لا يوجد تأمين إجباري، والتأمين الإجباري على السيارات شائع جداً في العالم كله، تماماً مثل الأشكال الأخرى من التأمين الإجباري مثل التأمين على العمال ضد الإصابات والحوادث في مكان العمل، ولكن لم يتم إنشاء تأمين إجباري في العراق.  يجب تطوير التأمين الإجباري على السيارات لكي يوفر حماية للأشخاص المصابين في حوادث السيارات.  بمجرد سريان التأمين الإجباري على السيارات، فسوف يكون خطوة هامة لمساعدة قطاع التأمين على النمو.

هذا الكلام فيه إساءة لذكاء ممارسي التأمين في العراق وإغفال أو جهل مفرط من خبراء البنك الدولي بقوانين التأمين الإلزامي على حوادث السيارات في العراق التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي (قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964) وتتوجت بإصدار القانون رقم 52 لسنة 1980 (قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات) وتعديلاته.

 

غياب الرقابة المطلوبة على النشاط التأميني

جاء في التمهيد للتقرير أن النتائج الرئيسية، بالنسبة لقطاع التأمين، أن هذا القطاع “صغير تهيمن عليه الشركات المملوكة للدولة وغير خاضع للرقابة.” (ص vii)

لنا أن ننقد ديوان التأمين العراقي وقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وقد قمنا بذلك في العديد من دراساتنا المنشورة في مجلة التأمين العراقي، ومجلة الثقافة الجديدة وفي مراسلات مع أركان التأمين في العراق.  كما كتب زملاء لنا في العراق عن ذات الموضوع وكتاباتهم منشورة في مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي وبعض كتاباتهم كانت بصيغة خطابات موجهة للديوان ووزارة المالية التي لم تحظ بالاهتمام.  ولكن لم يجر الانتباه إلى أيٍ من هذه الكتابات واكتفى معدو التقرير بلقاء مع مدير عام شركة التأمين الوطنية، السيد صادق فاضل عليوي، وربما آخرين في سوق التأمين العراقي لم يرد اسمهم في صفحة الشكر والتقدير في التقرير (ص xi).[11]

انتقد معدو التقرير قانون تنظيم أعمال التأمين والديوان وجمعية شركات التأمين إلا أنهم لم يذكروا أن القانون والمؤسسات التي تمخضت عنه هو من صنع أمريكي قام بتحرير مسودته مفوض التأمين في ولاية أركنساس لحساب شركة بيرنغ بوينت المُعينة من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.  والقول أن قطاع التأمين ليس خاضعاً للرقابة بحاجة إلى تكييف.  الديوان ضعيف في رئاسته وطاقمه الوظيفي.  فمنذ سنوات والديوان يُدار من رئيس بالوكالة، بعدما هرب الرئيس الأول من العراق خوفاً على حياته، ربما لأن الرئاسة يخضع لبازار المحاصصة وتجاذباته.  تابعية الديوان لوزارة المالية يشل من إرادة رئيسها بالوكالة لتنفيذ مهامه في استخدام الكوادر وتفعيل الرقابة ولو عن بُعد (الرقابة الموقعية ليست مقررة في القانون).  ومع هذا أصدر الديوان مجموعة من التعليمات تنفيذاً لبعض أحكام القانون.

وإذا كان لنا أن نفرد نقداً أساسياً للديوان، من غير ما أتى تقرير البنك الدولي على ذكره اعتماداً على المبادئ الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، فهو فشله في تعديل العيب الأساسي في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وهو السماح المضمر فيه لتجاوز إجراء التأمين مع شركات تأمين عراقية.  وهذا السكوت عن التأمين مع هذه الشركات يفسر تدني أقساط التأمين المكتتبة.[12]

غياب الرقابة المطلوبة على النشاط التأميني صورة خاصة من حالة عامة تنطبق على جميع مجالات الحياة في العراق ومنها النفط الخام المصدر والمهرب.

تقييم عام

مما يؤسف له أن الدكتور الحافظ لم يتقدم بموقف نقدي خاص به واكتفي بترديد ما جاء في تقرير البنك الدولي تجاه قطاع التأمين خاصة وأنه من بين القليل من الاقتصاديين الذين يتابعون الشؤون الاقتصادية بدقة معرفية وتجربة عملية.

لا نشارك الدكتور الحافظ  حماسته بأن دراسة البنك الدولي «تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة إلى تطوير الحياة الاقتصادية في البلاد، وتقدم مساهمة كبيرة لجعل القطاع المالي في جميع اركانه عنصراً مشجّعاً للتغلب على الصعوبات التي تواجه الاقتصاد».  لقد كان الوقت الممتد منذ الغزو الأمريكي حتى اليوم حساساً في “تطوير الحياة الاقتصادية” وغيرها من مجالات الحياة فيما يخص المصالح العامة للناس، وإدارة الموارد الريعية صوب تنمية الاقتصاد وليس مجرد مراكمة الأرقام عن النمو و”الإنجازات” غير المترابطة.  وقد فشل المشروع الأمريكي ومن يمثله في العراق في التغلب على الصعوبات، الموروثة والجديدة، التي تواجه الاقتصاد.  وفيما يخص ركن التأمين فإنه لن يكون “عنصراً مشجّعاً للتغلب على الصعوبات التي تواجه الاقتصاد” إن هو ظل على حاله أسيراً لفوضى التنافس المُقامِر من قبل العديد من دكاكين (عفواً شركات) التأمين والغطاء القانوني لتسريب أقساط التأمين خارج العراق.

لنكرر هنا ما ثبتناه في مكان آخر:

لا نأتي بجديد في القول ان الاقتصاد وكذلك النشاط التأميني المرتبط به يخضع للتغير إلا أنه في المرحلة الحالية لا يتمتع بالدينامية الكافية لتحقيق نقلة نوعية كتجاوز طبيعته الريعية ليحتل القطاع المالي (المصرفي والتأميني كمثال) مكانة أكبر في التنمية الاقتصادية.  هذا الوضع يعكس غياب الرؤية الاقتصادية والسياسات الموجهة مثلما يعكس حالة “الحصار” غير المعلنة على نشاط القطاع: قوانين وعقود غير ملائمة (قوانين التأمين والاستثمار وشروط التأمين في عقود الدولة)، ضعف الحماية الإعادية، غياب سياسة تأمينية وطنية، يضاف لها هشاشة الثقافة التأمينية على المستوى المؤسسي والشعبي.[13]

 

لندن 9 كانون الثاني 2012

misbahkamal@btinternet.com

 

[1]آخر مقالة كتبناها بهذا الشأن هو “ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي” نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010:

http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=50803&spell=0&highlight=%E3%D5%C8%C7%CD+%DF%E3%C7%E1

نشرناها بعد ذلك في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/

 

[2]البنك الدولي، القطاع المالي العراقي، نيويورك، 2011.

[3]البنك الدولي، القطاع المالي العراقي، ص 67.

[4]شركة التأمين الوطنية، قسم التخطيط والتسويق، تقرير مجلس الإدارة كما في 31/12/2010، ص 15.

 

[5]الشركة المعنية هي شركة الحمراء للتأمين (رسالة من منذر الأسود المحامي في 18/12/2011).

[6]مصباح كمال، “هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟”، الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011، 43-53.

[7] مقتطف من رسالة من د. صبري زاير السعدي للكاتب مؤرخة في 27 تشرين الأول 2010.

[8]مصباح كمال، “النفط والدولة والسياسة الاقتصادية في العراق” الثقافة الجديدة، العدد322-323، 2007، ص 12-13.  كتب النص الأصلي بالإنجليزية ونشرت نسختها المحررة في مجلة ميس MEES, Vol 50: 23, 4th June 2007.

[9]Gerald Epstein, “Central Banks as Agents of Economic Development,” Political Economy Research Institute, University of Massachusetts Amherst, September 2005.  http://www.peri.umass.edu/Publication.236+M5d9a4547bec.0.html

 

[10]مصباح كمال، “د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي،” مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html

 

[11]اكتفى معدو التقرير بدراسة واحدة عن التأمين في الشرق الأوسط ليست لها علاقة مباشرة مع قضايا وإشكاليات قطاع التأمين العراقي المتوارثة، تلك المستجدة بعد الاحتلال الأمريكي وبفضل قانون تنظيم أعمال التأمين الذي قامت الإدارة المدنية للاحتلال بصياغته.  وهذه الدراسة المذكورة بالنص في التقرير هي:

Rodney Lester, The Insurance Sector in the Middle East and North Africa Region: Challenges and Development Agenda, World Bank, November 2010.

[12]لمن يرغب في قراءة آراء نقدية عن قانون 2005 الرجوع إلى مدونتي مجلة التأمين العراقي و مرصد التأمين العراقي.  وقد قمنا بجمع عدد من دراساتنا النقدية عن القانون مع مقدمة في كتاب من المؤمل أن ينشر في بغداد سنة 2012.

[13]مصباح كمال “ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي” نشر في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/

نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010:

Insurance in Trading Between Iraq & its Neighbour

أين أختفى التأمين في التبادل التجاري بين العراق وجيرانه

  

يؤكد الكاتب ان هذه الورقة تمثل موقفه الشخصي البحت ولا علاقة لها البتة بشركة وساطة التأمين التي يعمل فيها.

يشكر الكاتب الزميل محمد فؤاد شمقار على تقديمه لبعض التوضيحات والتصحيحات.

مصباح كمال

 

نقرأ في خبر أن “حجم التبادل التجاري مع الأردن بلغ 2 ملياري دولار خلال 2011 وشمل جميع النشاطات التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات ما عدا النفطية.  وأن الحكومة العراقية تسعى إلى رفع التبادل التجاري بين البلدين الجارين إلى أكثر من أربعة مليارات دولار بسبب التقارب الاقتصادي بين الجانبين”.  وأن “الحكومة العراقية تسعى إلى بذل قصارى جهدها لتتحول الفترة المقبلة العلاقة مع الدول الإقليمية إلى دول اقتصادية واستثمارية[1] [العبارة الأخيرة غير واضحة.  ربما المقصود أن العلاقة مع الدول الإقليمية ستشهد تحولاً نحو العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، أو ما يشبه هذا المعنى]

 

وفي خبر آخر[2] “اعلن السفير الكويتي في بغداد، الجمعة، أن بلاده بدأت بوضع إجراءات إدارية وقانونية لتسهيل دخول التجار العراقيين إلى الكويت بهدف توسيع التبادل التجاري بين البلدين.  وقال علي المؤمن .. “إن الحكومة الكويتية قررت التفاهم مع غرفة التجارة العراقية بشأن اجراء تسهيلات دخول التجار العراقيين للعمل في الكويت بهدف توسيع التبادل التجاري بين البلدين.”  وأضاف أن “اجراءات دخول التجار العراقيين ستختصر بين غرفة التجارة العراقية وغرفة التجارة الكويتية ودائرة الهجرة الكويتية ،وسيتم تسهيل وتسريع اجراءات (الفيزا) ليسمح لهم بمزاولة الاعمال التجارية في الكويت في اقصر فترة.”  وتضيف وكالة الأنباء أن حجم التبادل التجاري مع الكويت بلغ 250 مليون دولار خلال عام 2011.[3]

 

نزعم أن “جميع النشاطات التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات” الوارد في الخبر الأول و “مزاولة الاعمال التجارية في الكويت” في الخبر الثاني لا يشمل النشاط التأميني.  وهذا ما نحاول إبرازه في هذه المقالة القصيرة اعتماداً على المعلومات المتاحة لنا.  ونود التنبيه إلى أن بعض المعلومات الواردة هنا، رغم تداولها الشفاهي وحتى التحريري، ينقصها التوثيق وهي قد تكون غير صحيحة.  ونتمنى لذلك لو تقدم القراء بما لديهم من معلومات وبيانات تفند أو تؤيد أو تصحح ما ورد في المقالة.

 

التبادل التجاري، أي المتاجرة خارج بلد المنشأ، الذي يجري الحديث عنه في مثل هذه الأخبار هو تبادل السلع العينية، ولبيان أهمية التبادل التجاري، ذو الاتجاه الواحد فيما يخص العراق، نقتبس التالي، مترجماً، من مقالة صحفية عن الواقع المزري للقطاع المصرفي تلقي الضوء على البعد الواحد للتبادل التجاري.

 

كل شيء لتناول الافطار – اللبن والمربى وسلطة الفاكهة – هو من تركيا، وحتى الخبز في بعض الأحيان”  كما يقول صالح [د. مظهر محمد صالح، مستشار البنك المركزي العراقي].  وسأل [المستشار] مراسلاً زائراً: “هل تريد بعض الماء؟”  وبابتسامة مرر زجاجة بلاستيكية للمياه من الكويت.  “تركيا لديها المياه.  لكن الكويت هي واحدة من تلك البلدان من دون ماء.  ونحن هنا في بلاد ما بين النهرين، وهي بلد فيه اثنين من الأنهار الكبرى، نستورد المياه من الكويت.”[4]

 

المواد الغذائية مستوردة من تركيا ومياه الشفة من الكويت.  وأين التأمين عليها؟  من يدري!  لعل إحدى شركات التأمين العراقية تتبرع بالجواب.

 

ليس معروفاً حجم أقساط التأمين في الملياري دولار مع الأردن والـ 250 مليون دولار مع الكويت.  وزيادة حجم التبادل التجاري، الذي تعمل له الحكومة العراقية كما يقول الخبر، ربما لن يستفيد منه قطاع التأمين العراقي ما لم يقترن بسياسة للتبادل التجاري واضحة تأخذ التأمين بعين الاعتبار من منظور مصالح الاقتصاد العراقي الآنية والمستقبلية كي لا يخسر قطاع التأمين العراقي حقوقه بالمشاركة في ضمان التجارة البينية، بدلاً من الاستسلام لإيديولوجية التبادل التجاري الحر دونما أي اعتبار لنتائجه السلبية، والاستمرار في الحط من شأن نظام الحماية[5] كما فعل بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق عندما رفع الحواجز الجمركية.

 

ربما يكون ضبط التحويل الخارجي، لأغراض مكافحة غسيل الأموال بموجب قانون سنة 2004، أحد الوسائل المهمة للتعرف على حجم أقساط التأمين المصدرة خارج العراق للمبالغ التي تتجاوز قيمتها عشرة آلاف دولار.  ولعل مثل هذه البيانات متوفرة لدى البنك المركزي العراقي.[6]

لا يرد في هذه الأخبار ذكر للتبادل التأميني بين العراق وجيرانه، ويبدو أن السبب يعود إلى عدم إيلاء النشاط التأميني ما يستحقه من اهتمام المسؤولين، ويترك الاهتمام إلى أركان التأمين في العراق ودول الجوار، ومع هذا فهؤلاء أيضاً لا ينشرون بيانات عن حجم أعمال التأمين المتداولة ربما لأن النشاط التأميني غير موجود أو أن البيانات بشأنها غير موجودة أصلاً وهو ما نميل إليه.  لنأخذ مثلاً تجارة الاستيراد العراقية فهذه تكاد أن لا تخضع للتأمين لدى شركات تأمين عراقية وذلك لأن توجيهات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي لم تنص على التأمين بموجب عقد البيع على أساس الكلفة والشحن Cost & Freight (C&F) وهكذا صار عقد البيع ينظم على أساس الكلفة والشحن والتأمين CIF أي أن المشتري يترك أمر التأمين للمجهز.

 

لا تستفيد شركات التأمين العراقية من عقود النقل البري للنفط الخام العراقي إلى الأردن إذ أن مسؤولية المجهز العراقي، الشركة العامة لتسويق النفط، تنتهي عند التسليم للشاحنة البرية.  وحسب علمنا، لم يطلب الطرف العراقي تأمين النقل داخل الأراضي العراقية وحتى الحدود الأردنية لدى شركات تأمين مسجلة في العراق.  وهذه مسألة تستحق المزيد من الدراسة لضمان حقوق الأطراف الثالثة داخل العراق التي قد تتضرر من عمليات التحميل والنقل، ولتوفير الفرصة لشركات التأمين العراقية الانتفاع من تأمين حركة النقل داخل الأراضي العراقية.  والحديث هنا ينصب على المسؤولية المدنية خارج البطاقة البرتقالية،[7] أو ما يعرف في سوق التأمين العراقي بالترانزيت، وكذلك تأمين الشحنات النفطية ذاتها.[8]

 

في الحالة الأردنية يبيع العراق النفط الخام إلى الأردن ولكن بأقل من أسعارها في الأسواق العالمية.  وعدا ذلك ربما لا يبيع العراق سلع أخرى أو خدمات معينة في الأردن.  التبادل التجاري في هذه الحالة ذو اتجاه واحد، من الأردن إلى العراق، والمستفيد الأعظم هي الدولة المصدرة.  ولكننا لا نعدم شكوى المصدرين، في الأيام الأخيرة، من أن “عمليات التصدير للبضائع الأردنية إلى تركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية لابد أن تمر عبر الأراضي السورية، وعليه فإن قطع العلاقات سيؤثر بشكل كبير على الصادرات الأردنية، التي سيتوجب عليها إيجاد خطوط تجارية جديدة عبر العراق مما سيزيد النفقات في أجور الشحن والتأمين وعليه التأثير على الأسعار المنافسة للسلع الأردنية في الأسواق الخارجية.”[9]

شركات تأمين دول الجوار تستطيع، وبفضل التسهيلات القانونية، شراء حصة في رأسمال شركة تأمين عراقية خاصة.[10]  مثل هذا الامتياز غير متوفر للرأسمالين العراقيين للصعوبات التي يواجهونها في دول الجوار.  شركة تأمين كويتية، مثلاً، تستطيع أن تستثمر في شركة تأمين عراقية.  وليس هناك عوائق قانونية لدخول سوق التأمين العراقي كاشتراط أن لا يزيد حصة المالك الأجنبي عن نسبة معينة مثلاً.

 

يذكر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) أن حضور شركات التأمين الأجنبية هو من خلال فروعها المسجلة في العراق، أي أنها لا تحتاج إلى تأسيس شركة تأمين مستقلة لمزاولة النشاط التأميني في العراق.  فالمادة 2 (البند السابع عشر) تُعرّف المؤمِن بأنه “القائم بالتامين او اعادة التامين الذي تسري عليه احكام هذا القانون، وهو قد يكون شركة تامين عراقية، او فرع شركة تامين اجنبية، او اي كيان او جهة مخولة ممارسة اعمال التامين في العراق.”  [التأكيد من عندنا].  والفصل السادس من القانون مكرس للالتزامات الخاصة بالمؤمن الأجنبي (المادة 46)

 

والملاحظ أن الضوابط المفروضة على شركات التأمين العراقية أكثر صرامة من الضوابط التي تطبق على فروع شركات التأمين الأجنبية.  يرد في البند ثانياً من المادة 37 أن “لرئيس الديوان تكليف موظف او اكثر من موظفي الديوان للتثبت او للتدقيق في اوقات مناسبة منتظمة او غير منتظمة في اي من معاملات المؤمِن او سجلاته او وثائقه، وعلى المؤمِن ان يضع أيا منها تحت تصرف الموظف المكلف والتعاون معه لتمكينه من القيام بأعماله بشكل كامل، ولرئيس الديوان الاكتفاء بإجراءات وتقارير فاحصي مراقبي التامين في بلد المؤمن الاجنبي اذا كانوا ملتزمين بمعايير ومبادئ التامين الدولية.[11]  [التأكيد من عندنا].  وتؤكد المادة 38 – البند الخامس على أن “لرئيس الديوان الاكتفاء بالتقارير المالية والبيانات والوثائق التي يقدمها المؤمن الاجنبي الى مراقب التامين في بلده شرط التزامهم بمبادئ التامين الدولية.”

 

تسريب أقساط التأمين العراقية إلى دول الجوار ودول أخرى أصبحت صفة ملازمة للنشاط التأميني في العراق منذ 2003، أحد “بركات” الأمر رقم 10.

 

ومن تبريرات تهريب الأقساط أن شركات التأمين العراقية لا تمتلك الموارد الاكتتابية والمالية لإجراء التأمين معها.  وفي أحسن الحالات، عندما تقوم الشركات الأجنبية بإجراء التأمين مع شركة تأمين عراقية، من خلال مناقصة أو بالتعيين، فإنها تشترط على شركة التأمين القبول بأقل احتفاظ وربما عدم الاحتفاظ بأي حصة من موضوع التأمين.  مثل هذا التبرير قابل للنقاش ويقع عبء ذلك على ديوان التأمين العراقي وشركات التأمين العراقية ممثلة بجمعيتها.

 

إضافة إلى الأردن والكويت، المستفيدة من التبادل التجاري ومن تسريب أقساط التأمين، هناك تركيا وإيران[12] ولبنان والإمارات العربية المتحدة وليس معروفاً إن كانت أقساط التأمين العراقية تُسرّب إلى سوريا أو المملكة العربية السعودية.

 

العراق، بضمنه إقليم كوردستان، ومنذ 2003، أصبح مستورداً لمعظم احتياجاته من السلع المصنعة والزراعية والغذائية حتى بات أمنه الغذائي مرهوناً خارج حدوده ويعمل الريع النفطي على تغطيته.  وهو “يستورد” التأمين وإعادة التأمين، غير المعلن عنه، من خلال تسريب أقساط التأمين التي تقوم بها شركات التأمين العراقية ذاتها وكذلك الشركات والمؤسسات الأجنبية العاملة في العراق.

 

نعرف بأن العديد من شركات إعادة التأمين الأجنبية تعمل على احترام قوانين البلدان الأخرى وخاصة ما يتعلق منها بقوانين التأمين.  إن كانت هذه القوانين تُحرّم التأمين خارج القواعد الرقابية prohibition of non-admitted insurance فإنها تمتنع عن إجراء التأمين المباشر.  ولكن عندما تكون هذه القواعد هشّه، كما هو الحال في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 حيث يسكت القانون عن التحريم، فإن شركات إعادة التأمين الأجنبية لا ترى ضيراً في إجراء التأمين.  وهذا هو السائد في الوقت الحاضر.

 

هناك دافع آخر لدى شركات إعادة التأمين الأجنبية، ذو طابع عملي، وهو عدم قدرتها على تقديم الخدمة المطلوبة في أسواق أخرى بيسر ما لم تكن هناك فجوات قانونية يمكن النفاذ منها، كما ذكرنا أعلاه، أو يمكن الاستعانة بالمؤمن له لتوفير واسطة الوصول إلى موقع وموضوع التأمين المؤمن عليه.  ويتم هذا من خلال خبراء تسوية المطالبة اللذين يظهرون في الساحة وكأنهم من العاملين لدى المؤمن له أو ضيفاً عليه.

 

التأمين سلعة غير منظورة والكشف عنها ليس سهلاً ما لم تتوفر آليات رقابية لذلك.  ومن رأينا أن كفة التبادل التجاري في الوقت الحاضر تميل لصالح دول الجوار وهي المستفيدة الكبيرة منه.  وهكذا يبقى قطاع التأمين العراقي، أو بعض الشركات، مغيباً وفي أحسن الحالات خاضعاً لشروط خارجة عنه.

 

 

لندن 28 كانون الأول 2011

misbahkamal@btinternet.com


[1] تصريح المستشار الاقتصادي في الحكومة العراقية سلام القريشي لوكالة كردستان للأنباء، بغداد، 23 كانون الأول/ديسمبر (آكانيوز).

http://www.aknews.com/ar/aknews/2/279969/

 

[2]بغداد 23 كانون الأول / ديسمبر(آكانيوز).

 

[3]القواعد المنظمة للدخول والخروج بين البلدان هي من اختصاص الحكومات لكننا نقرأ هنا، نقلاً عن السفير الكويتي، أن الحكومة الكويتية تقرر “التفاهم مع غرفة التجارة العراقية،” (والغرفة ليست مؤسسة رسمية) بدلاً من الحكومة العراقية.  هل أن هناك سوء نقل للتصريح أو عدم اكتمال للفكرة التي أرادها السفير؟  نرجو ذلك.

[4]Roy Gutman, “Dysfunctional banking sector helps keep Iraq in economic shambles,” McClatchy Newspapers, published in The Kansas City Star: http://www.kansascity.com/2011/12/25/3337377/dysfunctional-banking-sector-helps.html#storylink=cpy#storylink=cpy

 

هناك تبادل تجاري غير رسمي ذو اتجاه واحد من العراق إلى الخارج كما جاء في خبر تحليلي (وسيم باسم/ايلاف، الثلاثاء 27 كانون الأول/ديسمبر 2011): “يربط خبراء اقتصاد عراقيون ومواطنون، بين ارتفاع أسعار اللحوم والماشية المضطردة في البلاد وبين تهريب المواشي إلى دول الجوار، والذي استفحل إلى درجة كبيرة عبر عصابات وجدت في الفراغ الأمني عبر الحدود المشتركة مع دول الجوار، فرصة لتحقيق أرباح طائلة من جراء عمليات التهريب.  وما يثير للانتباه، بحسب الخبير الزراعي، فوزي تركي، أن عملية التهريب تحدث باتجاه واحد، من العراق إلى الخارج.  أما التهريب المعاكس فيحدث بكميات ضئيلة جدًا.”  اقتصاد التهريب هذا لم يلق ما يستحقه من دراسات في الماضي والحاضر إلا قليلاً، وما يعنيه من خسارة في الضرائب للخزينة، والتراكم لأغراض الاستثمار، وفرص التامين.  أنظر:

Michiel Leeznenberg, “Refugee Camp or Free Trade Zone?  The Economy of Iraqi Kurdistan since 1991” in Kamil A Mahdi (editor), Iraq’s Economic Predicament (Reading: Ithaca Press, 2002), pp 306-311.

 

وليس معروفاً إن كان غسيل الأموال الوارد إلى العراق يدخل ضمن معطيات التبادل التجاري.  وهذا النشاط يختفي خلف الاستثمار كما يبدو.  ففي خبر نقلته وكالة السومرية نيوز، بغداد ، د كانون الأول 2011، جاء فيه أن “عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية عزيز شريف المياحي [كشف] عن قيام شركات عربية وأجنبية بتبييض الأموال في العراق من خلال إيداع أموالها في البنك المركزي تحت ذريعة الاستثمار، مؤكدا أن هناك شركات ترسل مبالغ أكثر من المبالغ المطلوبة ولا تنفذ في الوقت نفسه المشاريع المتفق عليها.”

 

وجاء في الخبر أيضاً أن “هيئة الاستثمار الوطنية وهيئات استثمار المحافظات تتعاقد مع شركات استثمارية عربية وأجنبية وتمنحها إجازات استثمار، في حين أن هذه الشركات لا تنفذ المشاريع المتفق عليها مع هيئة الاستثمار الوطنية وأغلبها تستغل منحها هذه الإجازة لتحويل اموال من الخارج الى العراق لغرض تبييضها”.

 

[5]ها-جون تشانغ، “من نظام الحماية الى التبادل التجاري الحر،” لوموند ديبلوماتيك، النشرة العربيّة، يونيو/حزيران2003.

http://www.mondiploar.com/article1673.html?PHPSESSID=438eb9524449baf519c8dad457f1e776

 

[6]يضع البنك المركزي العراقي قيوداً على التحويل الخارجي:

 

“1- يجب أن يقدم إلى البنك سبب تحويل المبلغ وبصورة رسمية بشكل كتاب أو إشعار مدين بالمبلغ المراد تحويله.

2- إذا كان المبلغ أكثر من 10000$ تخضع لتعليمات غسيل الأموال

تخضع الفقرتين أعلاه إلى تعليمات البنك المركزي العراقي وتعرض عليه.

3- ممنوع تحويل أي مبلغ مهما كان إلى إيران وسوريا أو منهما إلى العراق حيث تعتبر هذه المبالغ دعما للعمليات الإرهابية.

والقيود أعلاه تطبق كذلك فيما يخص تحويل أقساط التامين وإعادة التامين.”

المصدر: رسالة مؤرخة في 12/12/2011 من الزميل المحامي منذر عباس الأسود.

 

[7] البطاقة البرتقالية هي بطاقة التأمين الموحدة عن سير السيارات عبر البلاد العربية بموجب اتفاقية عربية تم توقيعها في تونس بتاريخ 26/4/1975.  وتغطي هذه البطاقة مسؤولية المركبة أو سائقها عن الأضرار الجسدية والمادية التي قد تلحقها هذه المركبة بالغير خلال فترة وجودها في البلد المزار والمنتسب للاتفاقية.  ويقوم المكتب الموحد المتواجد في البلد المزار بتسوية هذه المطالبة والرجوع بكامل ما دفعه من تعويض على المكتب الموحد الصادرة منه البطاقة البرتقالية.  وتقوم شركة التأمين الوطنية حالياً بإدارة المكتب الموحد في العراق.

 

للمزيد من المعلومات أنظر: موقع الاتحاد العام العربي للتأمين:

 http://www.gaif-1.org/page.php?Page=achives&Sublink=1

 

ويكون تعويض الحوادث الناجمة عن السيارات المؤمنة بموجب البطاقة البرتقالية طبقاً للشروط والاوضاع التي يقررها قانون التأمين الاجباري (الالزامي) في الدول التي يقع فيها الحادث.  اي ان القانون النافذ يحدد نوع التعويض.  (من رسالة إلكترونية بتاريخ 27 كانون الأول 2011 للزميل محمد فؤاد شمقار).

 

[8]لا نستسهل مسألة تأمين الشحنات النفطية من قبل الطرف العراقي لأن عقد البيع يجنبه تحمل متابعة مسؤولية ما يلحق الشحنات من خسائر.  نحن نثير الموضوع للإشارة إلى عدم اهتمام مؤسسات الدولة بدور غيرها من المؤسسات العراقية العامة والخاصة.

 

[9] نقلاً عن المتحدثة باسم هيئة تنظيم قطاع النقل البري في الأردن، إخلاص يوسف، لشبكة CNN العربية، 26 كانون الأول 2011.

 

[10]تم تعديل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 لمنح الشركات الأجنبية والأشخاص الحق في تأسيس الشركات وحيازة الأسهم والسندات في الشركات العراقية. وجاء قانون الاستثمار رقم. 13 لسنة 2006 لتشجيع الاستثمار الأجنبي في العراق. و بموجب المادة 10 من القانون يحق للكيانات والأشخاص الأجنبية بالاستثمار في العراق والتمتع بنفس الحقوق والامتيازات التي تمنح للكيانات العراقية.  ويضمن القانون عدم مصادرة الاستثمار الأجنبي، وحرية حركة رؤوس الأموال الأجنبية.

 

[11]ترى ما هي علاقة  “إجراءات وتقارير فاحصي مراقبي التامين في بلد المؤمن الاجنبي” بنشاط فرع هذا المؤمن في العراق؟  يبدو أن الأجنبي منزّه عن الإخلال بالقواعد الرقابية ويكفي الديوان أن يقرأ إجراءات وتقارير مراقب آخر وكأن هذه التقارير جاهزة للتوزيع حسب الطلب.  الخبير الأمريكي الذي وضع القانون أراد أن يخفف الضوابط على شركات التأمين الأجنبية في العراق، عن طريق فروعها، إلى أقصى حد ممكن.  وهذا يستقيم مع فلسفة الحد من الرقابة أو إلغائها deregulation في الفكر الليبرالي الجديد.

 

[12]ذكر الزميل محمد فؤاد شمقار في خطاب طويل مؤرخ في 6 تموز 2011 إلى رئيس مجلس وزراء حكومة إقليم كوردستان العراق (غير منشور) شكوى تهريب أقساط التأمين من الإقليم إلى خارج كوردستان، وذكر فيه أيضاً اسم ثلاث شركات أجنبية.

Pool for Terrorism

دعوة لتشكيل مجمع لتأمين خطر الإرهاب

 

 

المحامي منذر عباس الأسود

 

 

اقترحَ علي الزميل مصباح كمال في رسالة له التعليق على بعض جوانب تأمين خطر الإرهاب في العراق.[1]  فقد نقل لي أنه قرأ مقابلة[2] مع السيد صادق عبد الرحمن الخالدي، رئيس ومدير عام شركة التأمين العراقية، جاء فيها أن “المطلوب في العراق هو التأمين ضد الإرهاب ونحن نبيعه منفردين دون غطاء المعيد وتغطيته القصوى بحدود 50 مليون دينار عراقي ونحن نحقق في هذا النوع من التأمين أرباحاً جيدة.”

 

وذكرَ لي أن خلفية طلب التعليق تقوم على معلومات، غير دقيقة، لديه بشأن الحد الأقصى للغطاء تفيد بأنه بحدود 100 ألف دولار أمريكي، وسأل إن كانت هناك حالات خاصة تمنح فيها شركة التأمين غطاءاً بهذا الحد أم أن هناك خطأً في التقدير بين الرقمين (الرقم الذي أورده السيد صادق والرقم الذي ذكره الزميل مصباح).

 

قد يكون هناك توارد خواطر بيني وبين الزميل مصباح إذ انني ومنذ فترة كنت افكر بكتابة موضوع حول تكوين مجمع لتأمين خطر الارهاب أسوة بباقي المجمعات التي أنشئت في العراق.  وهذه المجمعات هي: مجمع تامين النقد اثناء النقل، مجمع تامين النقد اثناء الحفظ، ومجمع تامين المخازن.

 

هناك طلب على تأمين خطر الإرهاب من أفراد وشركات وبخاصة التأمين على المخازن بكافة أنواعها والمعارض وغيرها من المنشآت التجارية.  ولكون حدة خطر الإرهاب عالية في ظل الظروف الأمنية القائمة، ونظراً لاستثناء معيدي التأمين هذا الخطر من اتفاقيات إعادة التأمين، فإن شركات التأمين لا تمنح تغطية لخطر الإرهاب.  شركة التأمين العراقية هي من أوائل الشركات التي قامت بتوفير الغطاء.  وقد قامت الشركة بوضع حد أقصى للتأمين على هذا الخطر (50 مليون دينار للحادث الواحد).  وهي تكتتب بالخطر منفردة وتحتفظ به لحسابها من دون حماية إعادية.[3]

 

وخارج تأمين خطر الإرهاب بالنسبة للممتلكات، يمكن إضافة غطاء تأمين خطر الإرهاب إلى وثيقة تامين السيارات التكميلي (الوثيقة الشاملة) لقاء استيفاء قسط إضافي بنسبة 35% من مجموع القسط الأساسي لتأمين السيارة.  كما يمكن إضافة الخطر إلى وثيقة تأمين الحوادث الشخصية الجماعية لقاء سعر إضافي بنسبة 7 بالألف من مبلغ التامين.

 

خطر الإرهاب، كغيره من أخطار التأمين، قابل للتأمين باعتباره خطر احتمالي أي أن وقوعه ووقت وقوعه ليس مؤكداً إضافة إلى العناصر الأخرى التي تنتظم الخطر التأميني.  وكما تدل تجربة شركة التأمين العراقية فإن تأمين هذا الخطر، ومتى ما تم ضمن ضوابط سعرية عادلة وبحدود تأمينية معقولة وشروط واضحة، يمكن أن يتوسع لولا أن الموارد المالية والقدرات الاكتتابية لشركات التأمين غير متساوية.  ومن هذا المنطلق اقترح على شركات التامين العاملة في العراق أن تقوم بإنشاء مجمع لتأمين خطر الإرهاب إسوة ببقية المجمعات.

 

مثل هذا المجمع سينجح إذ من المعروف أن تجميع الطاقات الاستيعابية لشركات التامين في مجمع سيمكن من قبول أخطار اكبر مع زيادة الاحتفاظ، وفي النتيجة سيحقق المجمع الفائدة التي يتوقعها طالبو التأمين وأيضاً لشركات التامين.  ومتى ما تطورت التجربة وصار بالإمكان رسم صورة جيدة عن خبرة المجمع صار بالإمكان مفاتحة معيدي التأمين الاتفاقي لإدراج خطر الإرهاب ضمن التغطيات الاتفاقية أو العمل على تكوين تسهيلات إعادية أخرى لهذا الخطر.

 

ويمكن أن يدار المجمع من قبل شركة الإعادة العراقية وجمعية شركات التامين، وتحديد حصة ومساهمة كل شركة في المجمع حسب الموقف المالي للشركات من جهة ومساهمات الشركات الأخرى من جهة أخرى، مع رسم آلية تطبيق المشاركة من كل جوانبها حيث هناك حقوق والتزامات من نواحي الإسناد وحدود المسؤولية والتسعير.  يضاف إلى ذلك ضوابط الالتزام بالمعايير الاكتتابية التي سيقوم المجمع بصياغتها، وتقليص المنافسة السعرية بين الشركات الأعضاء في المجمع إلى أقصى حد وحصرها بمجال الخدمة.

 

وإنني آمل أن يتحقق تكوين هذا المجمع وأدعو لذلك كل من يهمه تطوير إمكانيات سوق التأمين العراقي أن يتقدم بآرائه للنشر في مرصد التأمين العراقي.

 

لقد تكونت لدينا خلال السنوات الماضية تجربة جيدة في تكوين وإدارة المجمعات، وهذه التجربة ستكون خير معين لنا في تكوين مجمع تأمين خطر الإرهاب.  ولعل شركة إعادة التأمين العراقية وجمعية شركات التأمين تقومان بدراسة هذا المقترح.  أرجو ذلك

 

 

بغداد 1 شباط 2012


[1] رسالة من الزميل مصباح كمال مؤرخة في 30 كانون الثاني 2012.

[2] مجلة البيان الاقتصادية، العدد 482، كانون الثاني 2012، ص 676.

[3] ليست لدينا معلومات تفصيلية عن معايير الاكتتاب وشروط التأمين على خطر الإرهاب.  نأمل أن تساهم شركة التأمين العراقية في عرض تجربتها على من سيقوم بالعمل على تحقيق مقترحنا بتكوين مجمع تأمين خطر الإرهاب.