Monthly Archives: نوفمبر 2016

Renewal of Iraq Re’s Treaties & Private Insurance companies

تجديد اتفاقيات شركة إعادة التأمين العراقية وشركات التأمين الخاصة

 

 

مصباح كمال

 

 

في الربع الرابع من كل سنة تبدأ شركة إعادة التأمين العراقية بالاستعداد لجولة مفاوضات تجديد اتفاقياتها لإعادة التأمين مع ممثلي معيد التأمين القائد لهذه الاتفاقيات، بالتعاون مع مستشارها في لندن ومجموعة وسطاء إعادة التأمين الثلاث التي قامت بتعيينها منذ سنوات.

 

وقد درجت العادة على أن يضم الوفد لهذه المفاوضات، التي تعقد خارج العراق أواخر تشرين الثاني أو أوائل كانون الأول، ممثلين عن شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية (وهي شركات تعود ملكيتها للدولة ممثلة بوزارة المالية). وحسب المعلومات المتوفرة لدينا لم يشترك ممثل عن شركات التأمين الخاصة في هذه المفاوضات، منذ سنة 2005، إلا مرة واحدة. وهنا ينشأ سؤال عام: لماذا؟ لنتوسع في التساؤل متقصدين الاستفزاز من باب الحصول على جواب من أصحاب الشأن.

 

  • هل أن ضعف، أو عدم مشاركة ممثلي شركات التأمين الخاصة، يعود إلى عدم توفر قدرة مالية لديها لتحمل نفقات إرسال ممثل أو أكثر عنها لاجتماعات التجديد خارج العراق؟

 

  • هل أن شركة إعادة التأمين العراقية لا توجه دعوات لشركات التأمين الخاصة لتسمية ممثلين لها للالتحاق بوفد الشركات الحكومية لاجتماعات التجديد؟

 

  • تُرى هل السبب يعود إلى اطمئنان شركات التأمين الخاصة بما توفره لها الإعادة العراقية من غطاء لإعادة التأمين، ولذلك لا ترى ضرورة لمشاركة ممثليها في مفاوضات التجديد؟أو ربما العكس هو الصحيح-سأم الشركات الخاصة من خدمات الإعادة العراقية والقبول بما هو موجود لحين توفر متطلبات إعادة التأمين الاتفاقي المستقل للبعض من هذه الشركات خارج نطاق الإعادة العراقية.

 

نعرف بأن شركتي التأمين الحكوميتين (التأمين الوطنية والتأمين العراقية) هما اللتان تغذيان أساساً اتفاقيات إعادة التأمين بالأقساط،[1] مقابل حصة صغيرة تقدمها شركات التأمين الخاصة المنضوية تحت هذه الاتفاقيات. (حسب المعلومات المتوفرة يزيد عدد هذه الشركات الخاصة المشاركة في هذه الاتفاقيات عن العشرين قليلاً تختلف في حجم رأسمالها، وعدد العاملين فيها، وحجم أقساطها المكتتبة)[2].

 

إن كانت مساهمة شركات التأمين الخاصة في تغذية اتفاقيات إعادة التأمين صغيرة فإن ذلك لا يعفيها، إن كانت جادة في الحفاظ على مصالحها وتعزيزها، من المشاركة في مفاوضات تجديد الاتفاقيات. ففي هذه المفاوضات تتقرر شروط الاتفاقيات، ومن الأولى أن تتعرف الشركات الخاصة على آراء المعيد القائد مباشرة، وما يجري التفاوض عليه، وكيفية التوصل إلى القرارات النهائية الخاصة بالتجديد، ودور مجموعة وسطاء إعادة التأمين في إدارة التفاوض والتقريب بين المواقف الخلافية وإيجاد الحلول المناسبة.

 

كما أن المشاركة في مفاوضات تجديد اتفاقيات إعادة التأمين توفر لهذه الشركات فرصة الإعداد للمستقبل حين تقوم بترتيب اتفاقيات إعادة التأمين الخاصة بها دون المرور من خلال شركة إعادة التأمين العراقية كلياً.

 

إن كانت شركات التأمين الخاصة ذاتها لا تعير اهتماماً حقيقياً عميقاً بما يتم الاتفاق عليه في مفاوضات تجديد اتفاقيات إعادة التأمين، فما بال الإعادة العراقية لا تبادر إلى حث شركات التأمين الخاصة لتعيين ممثل أو ممثلين عنها للمشاركة في المفاوضات خاصة وأن ادارتها تؤكد على أنها تقف على مسافة واحدة بين الشركات العامة والخاصة؟

 

كتبتُ في مقالة غير منشورة وفي سياق آخر أن مبادرات الإعادة العراقية “غير موجودة وأن إدارتها تفتقد عنصر الريادة والعمل لتطوير قطاع التأمين العراقي، إذ لا يكفي أن تكتفي بتوفير حماية إعادية للشركات المباشرة في العراق باعتبار أن هذا هو عملها الرئيسي … هذا الوضع بحاجة إلى دراسة مستقلة أتوقع من إدارة الإعادة العراقية القيام بها لكشف مكامن القصور والمراوحة في نفس المكان، وباختصار التقييم النقدي المتجرد من عقلية الرضا عن النفس. مراوحة الإعادة العراقية في مكانها، منذ أن فقدت هيبتها الماضية، لا تختلف عن غيرها من الشركات العامة، فكلها تعاني من المشاكل، وكذا الأمر بالنسبة للشركات الخاصة.”[3]

 

لقد اكتفينا بمجرد إثارة الأسئلة إذ أننا لا نتوفر على أجوبة مقنعة لها قائمة على حجة. وهمنا هو إثارة النقاش. ولعل الإعادة العراقية أو إحدى الشركات الخاصة تتقدم برأي. وعلى أي حال نأمل تقويم أي خطأ في معلوماتنا.

 

24 تشرين الثاني 2016

[1] بدون أقساط شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية لا توجد أرضية حقيقة لترتيب اتفاقيات إعادة التأمين. ولذلك فإن شركات التأمين الخاصة وحتى الإعادة العراقية “مدينة” للشركتين. ونزعم أن انسحاب الشركتين من اتفاقيات إعادة التأمين يؤدي إلى انهيار الإعادة العراقية.

[2] هناك عدد قليل من شركات التأمين الخاصة، في بغداد والسليمانية، لا تلجأ إلى الإعادة العراقية لتأمين احتياجاتها لإعادة التأمين الاتفاقي. وليس هناك إلزام قانوني على شركات التأمين المباشر لإسناد نسبة من أعمالها للإعادة العراقية.

[3] يجري الكثير من الحديث عن دور الشركات الخاصة في التنمية وتنويع الاقتصاد وفي ابتداع المنتجات وتقديم الخدمات إلا أن ما أنجزته هذه الشركات ضمن قطاع التأمين ضئيل ربما لا يتعدى توفير فرص بسيطة جداً للعمالة (لا نعرف الرقم الدقيق ونزعم بأنه يقل أو يزيد قليلاً عن 200 شخص)، ودرجة من المنافسة غير المنضبطة (منافسة غير قائمة على اعتبارات فنية مهنية ترمي إلى مجرد الحصول على الأعمال “بتكسير” الأسعار). البعض من هذه الشركات، وهي قليلة، تميَّز بكفاءة الأداء إلا أن تأثيرها لم يمتد على الشركات الأخرى. غياب ممثلي هذه الشركات من مفاوضات تجديد اتفاقيات إعادة التأمين يؤشر على وجود مشكلة لديها أو لدى الإعادة العراقية.

 

ويبدو لي أن الشركات الخاصة، يرجع تأسيس بعضها إلى سنة 2000، تنظر إلى نفسها ككيانات منعزلة عن بعضها لا يجمعها هدف سوى تحقيق الربح، وليس كهيئة جماعية تجمعها مصالح مشتركة تستحق الذود عنها. إن ضعف هذه الشركات يدلُّ على أنها ليست نداً للشركات العامة وأن أمامها شوط طويل للحاق بهذه الشركات.

Dr Kadhim Habib and Insurance

د. كاظم حبيب والتأمين في مقالته

“نقاش مفتوح حول الليبرالية والليبرالية الجديدة وواقع العراق”

مصباح كمال

نشرت هذه المقالة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/11/’Misbah-Kamal-Kadhim-Habib-and-Iraqi-Insurance-final.-article.pdf

مقدمة

قام د. كاظم حبيب في أوائل تشرين الثاني 2016 بتوزيع دراسة له في ست حلقات بعنوان “نقاش مفتوح حول الليبرالية والليبرالية الجديدة وواقع العراق” تطرق فيها أكثر من مرة إلى موضوع التأمين بمعناه الاصطلاحي.[1] لكن المقالة، الغنية في محتواها وحججها، ليست معنية بالتأمين على وجه الخصوص. اهتمام د. كاظم بالتأمين ليس جديداً لكنه هو من بين قلة من الاقتصاديين العراقيين الذين يولون اهتماماً خاصاً بالتأمين. وقد عرضت أفكاره وناقشته بشأن تعامله مع التأمين في مناسبات سابقة.[2] وفيما يلي سأعرض وأناقش إشاراته الجديدة للتأمين.

سأحاول، قدر الإمكان، وضع الإشارات للتأمين في السياقات التي وردت في دراسته رغم صعوبة ذلك بسبب ترابط الحجج والآراء لدى د. كاظم. ولذلك سأضطر إلى اقتباسات طويلة تسبق الإشارة إلى التأمين.

الليبرالية الجديدة والتخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين

في الحلقة الثانية بعنوان “ما هي الليبرالية الجديدة” يلجأ د. كاظم، بعد عرضه للتطورات التي تشكل خلفية قيام الليبرالية الجديدة إلى اقتباس فقرةٍ، باستحسان، من مقالة د. أشرف منصور حيث يرد فيها إشارة إلى التأمين:

” … ظهر خطاب الليبرالية الجديدة الذي رأى أن علاج الأزمة يتمثل في عودة اقتصاد السوق وتركه يعمل بحرية، والتخلص من العبء الثقيل للدولة وأجهزتها البيروقراطية التي تم النظر إليها على أنها من أسباب الأزمة، والتخلي عن كل الالتزامات السابقة للدولة مثل برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين وإعانة البطالة التي أدت إلى تضخم أجهزتها ودينها الوطني، ومع الليبرالية يعود مبدأ حرية المنافسة في الظهور، وتعود الفكرة القديمة عن التوازن التلقائي للمصالح بفعل قوانين السوق الضرورية، ويعود من جديد مبدأ “دعه يعمل” Laissez Faire، [راجع: أشرف منصور، الليبرالية الجديدة في ضوء النقد الماركسي للاقتصاد السياسي، موقع الحوار المتمدن، العدد 1787 بتاريخ 6/1/2007]

الإشارة إلى التأمين تأتي في سياق تخلي الدولة “عن كل الالتزامات السابقة للدولة مثل برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين وإعانة البطالة …” وهذ الإشارة إلى التأمين ذات طبيعة عامة لا تفصح عن برامج التأمين التي تخلت عنها الدولة في الغرب الرأسمالي. ربما يراد ببرامج التأمين هنا برامج التأمين الصحي كتلك التي شرعتها إدارة باراك أوباما في الولايات المتحدة أو النظام الصحي الوطني في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، فالدولة لا تمارس نشاطاً تأمينياً، تجارياً أو اجتماعياً، في غير مجال الصحة. (وهذه البرامج تنصبُّ على مساعدة الأفراد والأسر وقد تشمل إعانة البطالة، والرعاية الصحية، وكوبونات الطعام، وتوفير السكن، ورعاية الأطفال؛ وقد تمتد لتشمل المساعدة للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، وتقديم المساعدة لمواصلة التعليم الجامعي، والقروض الزراعية الميسرة وخدمات خاصة لقدامى المحاربين – كما هو الحال في الولايات المتحدة).

وعلى أي حال، فإن التخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية ليس مطلقاً إذ أن السياسات المطبقة تنحو إلى تقليص المنافع، وتصعيب شروط الانتفاع منها، وإشراك المنتفعين بجزء من الكلفة. وقد يأخذ حرمان مجموعات من الطبقة العامل من التأمين الصحي من قبل أرباب العمل وذلك من خلال محاربة قيام تنظيم نقابي في مصانعهم، فالمعروف أن العمال المنضوين في النقابات يحصلون على منافع عديدة: مستوى أجور أفضل، تأمين صحي، ومعاش تقاعدي.[3]

دور ونشاط شركات التأمين الموجهة لمصلحة الاستثمارات والنشاط الاقتصادي الأجنبي

في الحلقة الثالثة، تحت عنوان “ما هي مضامين برنامج “الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي؟ وماذا يراد منه للدول النامية؟” وعند عرضه لسياسات الدول الرأسمالية الأكثر تقدماً، في ظل الحرب الباردة (تقديم مساعدات مالية إلى الدول النامية، تقديم المزيد من القروض الميسرة إلى الدول النامية لشدها اقتصادياً إليها وزيادة تأثيرها في وجهة تطورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ربط تقديم تلك القروض بشروط اقتصادية وسياسية واضحة لا تقبل الخطأ في ما تسعى إليه، إبعاد هذه البلدان قدر الإمكان عن الأخذ ببعض جوانب النموذج السوفييتي في التنمية ودفعها لانتهاج سياسة السوق الحر وغيرها من السياسات) يعرض د. كاظم وثيقة “توافق واشنطن” (Washington Consensus). ويأتي على توضيح “المبادئ التي اعتمدتها هذه الوثيقة الأخيرة للتعامل مع الدول النامية وتقديم القروض المالية لها” ويلخصها في عشر نقاط:

(1- إصلاح المالية العامة لتخفيض العبء الضريبي على الدخول الأكثر ارتفاعاً، لحفز الأغنياء على القيام باستثمار إنتاجي، وتوسيع القاعدة الضريبية، وبوضوح، منع الإعفاءات الضريبية للأفقر، من أجل زيادة مقدار الضريبة. 2- أسرع وأكمل تحرير ممكن للأسواق المالية. 3 ـ ضمان المساواة في المعاملة بين الاستثمارات الوطنية والاستثمارات الأجنبية. 4 ـ تصفية القطاع العام بقدر الإمكان، وخصخصة المنشآت التي تملكها الدولة أو هيئة شبيهة بالدولة. 5 ـ أقصى حد من إلغاء الضوابط في اقتصاد البلد، من أجل ضمان الفعل الحر للمنافسة بين مختلف القوي الاقتصادية الموجودة. 6 ـ تعزيز حماية الملكية الخاصة. 7ـ تشجيع تحرير المبادلات بأسرع الوسائل الممكنة، بهدف تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 10 في المائة كل سنة. 8 ـ لما كانت التجارة الحرة تتقدم بواسطة الصادرات فينبغي في المقام الأول تشجيع تنمية تلك القطاعات الاقتصادية القادرة على تصدير منتجاتها. 9 ـ الحد من عجز الميزانية. 10 ـ خلق شفافية الأسواق: فينبغي أن تمنع معونات الدولة للعاملين الخاصين في كل مكان، وعلى دول العالم الثالث التي تقدم دعماً من أجل إبقاء أسعار الأغذية الجارية منخفضة أن تتخلى عن هذه السياسة، أما عن مصروفات الدولة فينبغي أن تكون للمصروفات المخصصة لتعزيز البني الأساسية الأولوية على غيرها.)

يعرض بعد ذلك نتائج البرنامج في اثنتي عشرة نقطة:

منح الدولة الحد الأدنى من القدرة على الحركة والنشاط في مختلف المجالات فيما عدا حماية القطاع الخاص والملكية الخاصة ونظام السوق الحر، خلق مجتمع طبقي شديد التمايز، الدفاع عن مصالح أصحاب رؤوس الأموال من خلال السماح لهم بتحقيق المزيد من الأرباح على حساب خزينة الدولة والمجتمع من خلال تخفيض الضرائب على الدخل (الضريبة المباشرة) وفرض ضرائب غير مباشرة على السلع والخدمات، حرمان الفئات الكادحة والمنتجة من أي دعم حكومي للسلع والخدمات ذات المساس المباشر بمستوى حياة ومعيشة تلك الفئات، ولكنها ستمارس باستمرار تخفيض الضرائب على أرباح رؤوس الأموال بذريعة توفير الفرص للاستثمار وإعادة التوظيف وتوسيع عملية إعادة الإنتاج وعدم فتح باب تهريب رؤوس الأموال، حرمان الدولة من إقامة المشاريع الاقتصادية، الإنتاجية منها والخدمية، حسب، بل ويطالب الدولة بخصخصة مشاريعها الاقتصادية القائمة فعلاً، منع الدولة من إقامة مشاريع صناعية أو تحديث الزراعة، بل جعلها معتمدة على التجارة الخارجية المستنزفة للدخل القومي والتي تحرم البلاد من إمكانية تحقيق التراكم الرأسمالي وتنمية الثروة الوطنية، تفاقم البطالة في المجتمع وإلى تنامي التوتر الاجتماعي والصراع الطبقي، والذي يقود بدوره إلى نزاعات سياسية واجتماعية لا مفر منها، إهمال الدولة، التي تأخذ بهذا البرنامج، مهماتها الاجتماعية والنفسية والثقافية، والتي تؤدي بدورها إلى بروز الكثير من المشكلات التي يعجز المجتمع على حلها وتغوص الدولة في وحل المشاكل العويصة، اعتماد الدولة على التجارة الخارجية يقود إلى انكشاف صارخ للاقتصاد الوطني على الخارج، أي التبعية للخارج والاستيراد من جهة، تطبيق سياسة الباب المفتوح ليس أمام التجارة الخارجية حسب، بل وأمام حركة رؤوس الأموال والأيدي العاملة والابتعاد عن تطبيق قوانين ملزمة لحماية العمل والعمال وسياسة جمركية عادلة لحماية الإنتاج الوطني من المنافسة الحادة، وضمان الحد الأدنى للأجور.. الخ ستقود إلى عواقب وخيمة من النواحي الاجتماعية والثقافية والنفسية على الفرد والمجتمع، ربط العملية الاقتصادية لاقتصاديات الدول النامية بالاقتصاد الرأسمالي العالمي عبر عملية إعادة الإنتاج بمراحلها المختلفة من جهة، وتوسيع الفجوة الفاصلة بين مستوى تطور الدول المتخلفة والدول المتقدمة لصالح الأخيرة من جهة أخرى.

لقد اقتبست مطولاً ما عرضه د. كاظم من مبادئ إجماع واشنطن والنتائج المترتبة عليها لأهميتها في التعريف بالليبرالية الجديدة، ولأن بعضها تنطبق على ما رسمته سلطة الائتلاف المؤقتة، 2003-2004، من مشاريع وحاولت تطبيقه عل قطاع التأمين في العراق، كما سنشير إلى جوانب منها فيما بعد.

وما يهمنا هنا هو الاستنتاج التالي:

ومن هنا يمكن القول بأن السياسة المالية والنقدية، بما فيها سياسة المصارف الاستثمارية ودور ونشاط شركات التأمين والسياسة الضريبية والجمركية والأسعار.. الخ، التي تضعها الدولة في هذا النموذج ستكون موجهة لمصلحة أصحاب الاستثمارات الأجنبية والنشاط الاقتصادي الأجنبي وسياسة الاستيراد المفتوحة، وكذلك في مصلحة الفئات المستغِلة في المجتمع وضد المستغَلين.

قد يبدو هذا الاستنتاج مبالغاً فيه لكن الضغط من قبل المؤسسات المالية الدولية ومراكز الأبحاث وشركات التأمين العالمية لفتح أسواق التأمين في الدول النامية مسألة معروفة، وتجد قبولاً لدى بعض هذه الأسواق أو قل الفئات الاجتماعية الصغيرة المنتفعة منها. فهناك دعوات لفتح هذه الأسواق أمام شركات التأمين الأجنبية، سواء من خلال الاستثمار المباشر (تأسيس شركات أو فروع) أو شراء حصص في رأسمال شركات التأمين المحلية أو الاكتتاب في هذه الأسواق خارج نظام المراقبة الداخلية على النشاط التأميني، أو رفع القيود على عمل هذه الشركات من خلال تعديل القوانين المنظمة للنشاط التأميني. ولنا في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الذي أعدته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مثالاً جيداً.[4]

إن شركات التأمين وإعادة التأمين العالمية لا تكتفي بأعمال إعادة التأمين التي تردها من أسواق الدول النامية خاصة وأن بعض هذه الأسواق النامية لها شركات وطنية لإعادة التأمين تحتفظ بجزء من الأعمال قبل الإقدام على شراء حماية إعادة التأمين من الخارج، وهذا يقلص الطلب المحلي على حماية إعادة التأمين بشقيها الاتفاقي والاختياري. إن الشركات العالمية اتجهت، تاريخياً، إلى التوسع خارج أوطانها، وهذا التوسع هو من سمات النظام الرأسمالي.

قبل بدء التراجع الكبير لقطاع التأمين في العراق مع بدء الحرب العراقية الإيرانية وانهياره بعد ذلك والذي ارتبط بالعقوبات الدولية الظالمة للإنسان العراقي إثر اجتياح العراق للكويت (1990) واستمرارها لحين الغزو الأنكلو-أمريكي للعراق (2003)، كان لوجود شركة إعادة التأمين العراقية دوراً مهماً في الحد من تصدير العملة الصعبة لشراء حماية إعادة التأمين من أسواق التأمين العالمية رغم وقف العمل بالإسناد الإلزامي لأعمال التأمين من قبل شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية. وما زالت الإعادة العراقية، رغم تراجع مكانتها وضعفها الحالي، تساهم في لعب دور “الوسيط” بين شركات التأمين العامة والخاصة وبين معيدي التأمين المحترفين في الخارج لتوفير حماية إعادية تتناسب مع أوضاع هذه الشركات (الحجم الصغير لأقساط التأمين المكتتبة، وضعف القاعدة المالية والكوادر المؤهلة).

في ظل هذا الوضع، الذي وصفته باختصار ويحتاج إلى تحليل وعرض أوسع مما تسمح به هذه المقالة، فإن الدولة في العراق، في الماضي والحاضر، لم ترسم دوراً لشركات التأمين وتحدد نشاطها وتوجيهها “لمصلحة أصحاب الاستثمارات الأجنبية والنشاط الاقتصادي الأجنبي وسياسة الاستيراد المفتوحة.” ولكن يمكن النظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة.

إن الاستثمارات الأجنبية والنشاط الاقتصادي الأجنبي في العراق يكاد أن يكون محصوراً في الوقت الحاضر في القطاع النفطي. والمطالب التأمينية لشركات النفط الأجنبية، التي تتبع الممارسات العالمية والمتطورة، هي من السعة والتعقيد بحيث أن قطاع التأمين المحلي غير قادر، ولأسباب عديدة ليس هذا بالمجال المناسب لعرضها، على تلبيتها إلا بحدود ضيقة. ومن جانبها عملت شركات النفط الأجنبية في إدخال المادة 24 (شروط التأمين والتعويض النموذجية) في نص العقود النموذجية مع الحكومة العراقية لتنظيم ترتيبات التأمين بما يتناسب مع مطالبها ومصالحها.[5]

بعض الشركات النفطية الأجنبية التزمت بتطبيق هذه المادة وعملت على تأمين أصولها ومسؤولياتها مع شركات تأمين عراقية مجازة من قبل ديوان التأمين العراقي (الجهاز الرسمي للرقابة على النشاط التأميني)، أي أنها لم تلجأ إلى التأمين خارج القواعد الرقابية لديوان التأمين. لكن الشركات النفطية، في حقيقة الأمر، عملت على تحويل شركات التأمين المحلية إلى واجهات وقلّصت حرية احتفاظ هذه الشركات بمخاطر التأمين إلى حدودها الدنيا. ولم تلعب وزارة النفط والشركات التابعة لها بدور فعّال في إدارة برامج التأمين الخاصة بها أو المشتركة مع شركات النفط الأجنبية، بسبب ضعف الوظيفة التأمينية في تنظيمها الإداري.[6]

هذه العلاقة غير المتكافئة بين شركات التأمين العراقية وشركات النفط الأجنبية ربما تعكس ما يرمي إليه د. كاظم حبيب في بعض استنتاجاته من حيث الحد من استقلال وحرية تصرف شركات التأمين العراقية في تحديد أسعار وشروط التأمين، وتحديد احتفاظها بالمخاطر، واختيار وسطاء إعادة التأمين ومعيدي التأمين.

وهكذا يُحرم قطاع التأمين العراقي من حرية التصرف، ويظل في موقع التابع لما تريده الشركات النفطية الأجنبية، وبالتالي يخسر فرصة تنمية أقساطها واحتفاظها وتطوير كوادرها وتقنياً.[7] وكنتيجة لذلك فإن ما يسميه د. كاظم بإشكالية التقدم والتخلف تظل قائمة مثلما تظل مساهمة قطاع التأمين في تكوين الدخل القومي ضعيفاً. ومع ذلك فإن تعديل هذا الوضع ليس مستحيلاً إذا توفرت رؤية لما يراد لقطاع التأمين من أهله ومن قبل الحكومة، وهي، أي الرؤية، مفقودة. أقول هذا لأنني على قناعة بأن العلاقة غير المتكافئة ليست بنيوية بحيث لا يمكن الخروج من أسارها.

التأمين في المشروع الاقتصادي لثورة تموز 1958

في الحلقة الرابعة، وتحت عنوان “دور الدولة في العراق حتى انقلاب البعث الثاني” يعرض د. كاظم تأسيس الدولة العراقية الملكية عام 1921 ونشوء العلاقات الرأسمالية في مجال التجارة والعقار “وفق ذهنية ليبرالية، ولكنها مقزمة   وفي صالح المصالح والهيمنة الاستعمارية البريطانية.” وبعدها ترتيب عقود امتيازات واستخراج وتسويق النفط مع الشركات الأجنبية، والذي تزامن في الثلاثينيات مع تطبيق نظرية كينز في السياسات الاقتصادية وبدء المشاريع الصناعية الحكومية، ودور مجلس الإعمار. يعرض بعدها التحولات التي ارتبطت بإقامة قطاع عام إلى جانب إنعاش نشاط القطاع الخاص ضمن السياسة الاقتصادية في الجمهورية الأولى كجزء مما يسميه الليبرالية الكينزية: “الدمج بين الاعتماد على الدولة لتنشيط القطاع الخاص لمعالجة مشكلة البطالة والتشغيل ومنح الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً بعض المعونات التي تساعد على تحسين ظروف حياتهم، إضافة إلى مشاركة الدولة في الخدمات الاجتماعية، ومنها الحياة الصحية والتعليمية والحياة الثقافية.. الخ.” إلا أن هذا الاتجاه لم يكتب له الاستقرار فقد سقط بانقلاب البعث عام 1963 وتأسيس نظام شمولي فاشي.

نلاحظ هنا غياب أي ذكر للتأمين، وهو أمر مفهوم لأن دراسة د. كاظم ليست معنية به. إثارتي لهذا الغياب هو التذكير بصدور قانون شركات ووكلاء التأمين رقم (4) لسنة 1960 (الذي ألغى قانون شركات التأمين وتعديلاته رقم 74 لسنة 1936) الذي يعكس السياسة الاقتصادية للجمهورية الأولى. وكنت قد كتبت في دراسة[8] لي أن

المشروع الاقتصادي لثورة تموز 1958 كان يستهدف توسيع دائرة مشاركة الرأسمال الوطني في مختلف القطاعات. وبالنسبة لقطاع التأمين فقد جاء في الأسباب الموجبة لتشريع القانون رقم 49 لسنة 1960

“إن هذا القانون يستهدف تشجيع استثمار رأس المال الوطني في حقل التأمين والسعي تدريجياً لإحلاله محل رأس المال الأجنبي على أن يلاحظ خلال ذلك كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق إليها وفي هذا الهدف تتصل لائحة شركات التأمين الجديدة مع قانون تأسيس شركة إعادة التأمين رقم 21 لسنة 1960 ويعتبر القانونان متكاملين في السعي لتعريف ميدان التأمين وفتحه أمام رأس المال الوطني.”

ولكن لاحظ كيف أن الإحلال التدريجي لرأس المال الأجنبي يرتبط في ذهن الشارع مع اشتراط “كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق إليها.”

كان هذا القانون محطة مهمة في تاريخ النشاط التأميني في العراق، وتم نسيانه وتجاوزه من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عندما قامت بصياغة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي ساهم في إضعاف دور شركات التأمين العامة والخاصة من خلال تسريب أقساط التأمين إلى الخارج، مثلما أضرَّ بخزينة الدولة من خلال حرمانها من رسوم الطابع والضريبة.[9]

تأميم شركات التأمين في العراق

في نفس هذه الحلقة الرابعة يكتب د. كاظم عن “فترة حكم الأخوين عارف” [1968-1963] والاتجاه نحو تخفيف الضغط على المجتمع مع “التركيز على قطاع الدولة” في

“محاولة التماثل والوحدة مع مصر، إضافة إلى اعتماد سياسة تقليم أظافر البرجوازية الصناعية، التي رفضت حكمها وطالبتها بدستور دائم وإقامة دولة مؤسسية حرة والفصل بين السلطات، بتأميم مشاريعها الاقتصادية في المصارف والصناعة والتجارة والتأمين، ولم يكن للدولة أي وجهة مدنية عقلانية، بل كانت دولة استبدادية قائمة على حكم الفرد …”

كان من المناسب أن يدلي د. كاظم برأي بشأن التأميم وأثاره على الاقتصاد العراقي. ورغم أن التأميم كان يعكس الإيديولوجية السائدة في ذلك الوقت، مثلما تعكس السياسات والقرارات في زماننا سيادة الليبرالية الجديدة، فإنها كانت، في الحالة العراقية، فكرة حمقاء لأنها لم تستند إلى دراسات موضوعية متجردة من الميول الإيديولوجية، ولم تبحث في جدوى التأميم وآثاره على تطوير الصناعة الوطنية. وكانت من سوء الإعداد بحيث أنها أممت بعض المنشآت ومن ثم تراجعت عنها، مثلما خلطت بين تأميم وكالات التأمين العراقية (وكالات لشركات تأمين أجنبية) واعتبرتها شركات تأمين أجنبية وهي لم تكن كذلك.[10]

وقد كتبت قبل سنوات[11]

وجاءت قوانين التأميم في تموز 1964، التي شملت شركات التأمين، لتجهز على القاعدة الاقتصادية الضعيفة للرأسمالية الوطنية إذ لم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو سياسية للتأميم وإنما جاء التأميم تقليداً لما جرى في مصر وهرولة نحو تطبيق مواقف إيديولوجية شعاراتية. ما ترتب على تأميم شركات التأمين من نتائج على بنية سوق التأمين وتطوره اللاحق، سلبياً أو إيجابياً، يستحق الدراسة الموضوعية المتأنية قبل الاستغراق في إطلاق الأحكام.

وفيما بعد قمت بدراسة تأميم قطاع التأمين مع استبعاد الحكم المسبق بحماقته.[12] واقتبس هنا الفقرات الأخيرة من هذه الدراسة لأنها، في رأي، رغم خصوصيتها في مجال التأمين، تلقي بعض الضوء على “مشروع” بناء نظام رأسمالي ذو بعد طائفي اثني، نظام اقتصادي هجين، في العراق.

لم تكن نتائج التأميم متجانسة: تقدمٌ من ناحية وحجرٌ على التطور من ناحية أخرى، استقلالٌ في الإدارة آناً وتدخلٌ سياسي وهكذا. وهذا يعلمنا أن لا نقاء في النظرية التي تنتظم التأميم وفي النتائج الفعلية المنظورة وغير المنظورة التي تترتب على التأميم. ولكن يظل هناك دائماً فسحة للتداول بشأن الخيارات المتوفرة في إدارة قطاع التأمين والاقتصاد الوطني. القول ان لا بديل هناك هو الموقف المتطرف عند اليمين واليسار معاً لإلغاء حرية المفاضلة بين البدائل.

كان بالإمكان التفكير بخيارات أخرى غير التأميم الذي كرّس سيطرة الدولة على ملكية مرافق اقتصادية كان الأفضل أن تترك تحت ملكية وإدارة القطاع الخاص. هناك دور للدولة وهناك دور للقطاع الخاص وبينهما نماذج أخرى للملكية لم تجرِ الاستفادة منها، وهي التي لم تلقَ الاهتمام المطلوب من الاقتصاديين ومن أصحاب القرار في الماضي أو الحاضر لإصلاح النظام الاقتصادي وتداخله مع السياسي والاجتماعي.

الفشل الأساسي للتأميم يكمن في عدم “تحقيق أغراض الاشتراكية العربية الرشيدة (بغض النظر عن هلامية الصفة العربية والرشيدة الملحقة بالاشتراكية) في زيادة الإنتاج وعدالة التوزيع” فلم ينشأ نظام اشتراكي ليحقق الزيادة في الإنتاج والعدالة في التوزيع. الانبهار بالشعار ليس بديلاً عن التحليل الملموس للواقع لفهمه أولاً ومن ثم صياغة خيارات وبدائل قابلة للتقييم ضمن ضوابط الكفاءة الاقتصادية والمعايير الاجتماعية التي تضع الطبقات الشعبية في المقدمة.

التأمين تحت نظام البعث

يكرس د. كاظم الحلقة الخامسة من دراسته تحت عنوان “دولة البعث والاقتصاد العراقي” لعرض السياسة والاقتصاد لدولة البعث، ويقدم الملامح الأساسية لدراسة التاريخ الاقتصادي للفترة 1968-2003.[13] ويذكر بهذا الشأن أن برنامج حزب البعث

سعى البعث إلى تكوين قطاع دولة رأسمالي يكون في خدمة الدولة البعثية وأهدافها وليس في خدمة المجتمع وتطور الاقتصاد الوطني وزيادة معدلات نموه، لقد أبدت قيادة حزب البعث ومجلس قيادة الثورة اهتمامهما الأكبر بالهيمنة على قطاع الدولة وجعله أداة بيد الحكم من أجل:

** السيطرة على وجهة تطور قطاع الدولة الاقتصادي والتحكم بالمشاريع التي يقيمها والوجهة التي يتطور نحوها.

** السيطرة على قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والمصارف وشركات التأمين، وبالتالي السيطرة على وجهة الاستثمارات ومن يحصل عليها وسبل استخدامها.

** التحكم بالبرجوازية الوطنية وفرض وجهة نظره عليها.

** إخضاع المجتمع بأسره لإرادة قيادة الدولة ومصالحها والوجهة التي تسعى إليها.

** إخضاع جميع مكونات الدولة لها وجعل كافة السلطات بيد مجلس قيادة الثورة ومن ثم بيد الفرد القائد، وهي دولة استبدادية ولا تقوم على مؤسسات دستورية بل تنطلق من إرادة ورغبات القائد وممثلة له وليس للشعب..

فيما يخص “سعى البعث إلى تكوين قطاع دولة رأسمالي يكون في خدمة الدولة البعثية” من خلال “السيطرة على قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والمصارف وشركات التأمين، وبالتالي السيطرة على وجهة الاستثمارات ومن يحصل عليها وسبل استخدامها” أرى أن موضوعة السيطرة على شركات التأمين بحاجة إلى مراجعة وتدقيق. لقد كانت شركات التأمين وهي شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية، ولم يوجد غيرها منذ 1964 ولغاية 2000، مملوكة أصلاً للدولة. لذلك فإن فكرة السعي للسيطرة عليها ليست واردة.

ثم يقول د. كاظم:

لقد أقامت دولة البعث قطاع دولة رأسمالي، ولكنه لم يعتمد على الربح في تسييره الذاتي، بل كان يعتمد على تحمل الدولة خسائر قطاعها الاقتصادي لأنها لم تكن بحاجة إلى أموال مشاريع الاقتصاد العراقي في ما عدا موارد النفط الخام التي تعاظمت منذ عملية التأميم وازدياد الطلب عليه وارتفاع أسعاره وبما أطلق عليها بالفورة النفطية.

كانت شركات التأمين الثلاث جزءاً من قطاع الدولة الرأسمالي (التأمين الوطنية تأسست كشركة حكومية عام 1950، والإعادة العراقية تأسست كشركة مختلطة عام 1960، والتأمين العراقية كشركة خاصة عام 1959 وأممت عام 1964)، لكن هذه الشركات تميزت باعتمادها على الربح في تسييرها الذاتي. وفي تاريخها الذي صار يمتد لأكثر من نصف قرن لم تلجأ هذه الشركات إلى الدولة لتمويل خسائرها (ليس معروفاً أن أياً منها تعرض لخسارة اضطرتها إلى الاستدانة من الدولة). لقد كانت هذه الشركات الثلاث دائماً مصدراً لتمويل خزينة الدولة من خلال الرسوم والضرائب التي كانت تدفعها. وقد تأكد استقلالها المالي مع تحويلها إلى شركات تمويل ذاتي عام 1997.

ويشير د. كاظم إلى “توسيع قاعدة نشاط قطاع الدولة الاقتصادي في مجال الإنتاج والخدمات ووضع قطاع النفط الخام بكامل ثروته وعوائده بيد هذه الدولة البعثية، والذي تم بقرارات التأميم في العام 1972.” إن هذا التوسع أدى إلى تعظيم الطلب على الحماية التأمينية من قبل الشركات الأجنبية والعراقية وكذلك الأفراد وخاصة من المنتفعين من نشاط الدولة الاقتصادي. وقد ارتبط ذلك، وكما يقول د. كاظم، في الفترة الأولى من حكم البعث “حيث تعاظم المورد النفطي وتوجهت السياسة نحو تنمية سريعة لقطاع الدولة وإقامة مشاريع صناعية وزراعية وري واسعة، إضافة إلى التوسع في الخدمات، فكانت السياسة مزيجاً من الليبرالية المنفتحة والتوجيه الحكومي المرتبط بإرادة مجلس قيادة الثورة أو المسؤول عن الاقتصاد العراقي حينذاك، صدام حسين.” هذه المشاريع خلقت طلباً للتأمين البحري والهندسي وتأمين المسؤوليات المدنية المرتبطة بها.[14]

ثم يأتي د. كاظم إلى توصيف الفساد ويؤكد التالي:

واتسعت في هذه الفترة ظاهرة الفساد المالي على نطاق واسع وفتحت الكثير من الحسابات في الخارج لتحويل العمولات إليها لعدد كبير من المسؤولين وكبار الموظفين المتعاملين في إقرار وتوقيع العقود مع الشركات الأجنبية، وسيطر صدام حسين نفسه على ألـ 5% حصة كولبنكيان في عوائد نفط العراق في أعقاب التأميم، إضافة إلى الأموال التي تسربت إلى القيادة القومية لحزب البعث والقوى المساندة لحزب البعث في الخارج من عرب وأجانب على حساب خزينة الدولة ومصالح الشعب.

ليس معروفاً أن الفساد المالي قد شمل شركات التأمين الثلاث. هناك من يقول إن الفساد المالي كان مستشرياً في كامل سوق التأمين في العراق، وإن عدي صدام كان يستحوذ على صندوق التأمين الإلزامي على السيارات.[15] وهو زعم لم أسمع به من أي من ممارسي التأمين في العراق. والصندوق هذا كان مكرساً بقوة القانون لتعويض الأطراف الثالثة المتضررة من حوادث السيارات، وكان وما يزال يدار من قبل شركة التأمين الوطنية التي كانت تستلم جزءاً من ثمن بنزين السيارات من الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية. وعلى أي حال، فإن هذا الزعم بحاجة إلى من يقوم بالتحقيق فيه لأن فيه افتئات على نزاهة شركة التأمين الوطنية.

وحتى التدخل السياسي في إدارة شؤون شركات التأمين لم يكن معروفاً وخاصة في عهد الأستاذ عبد الباقي رضا في شركة التأمين الوطنية (1978-1966). وقد سرد لي في رسالة لي تعامله مع مسألة تمديد وثيقة تأمين مشروع إنشاء جسر ديالى من قبل شركة فنلندية، دون وجه حق، إثر تدخل صالح مهدي عماش، وكان وقتها نائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً لمجلس التخطيط، وكيف ألتزم الأستاذ عبد الباقي بموقفه المهني الذي حظي بتفهم وزيري التخطيط د. جواد هاشم والاقتصاد د. فخري قدوري.

وفي نفس الرسالة المؤرخة في 26 آذار 2011 ذكر التالي:

ربما تعرف أن (ضابط الأمن) الحزبي الذي فرض في جميع الدوائر لم يكن له تأثير على أي عمل من أعمالي قط، وأتذكر أنه طلب مقابلتي مرة فأذنت له فتحدث في موضوع لا أتذكره الآن ولكني أتذكر اني قلت له بأن وقتي الرسمي لا يتسع لبحث هذا الموضوع وبإمكانك عرضه علي في دوامي المسائي. لم يكن يدخل عليَّ إلا بعد استئذان وعند الضرورة. أما بعد أن تركت الشركة عرفت انه كان يصول ويجول حتى ان أحد المدراء العامين ذهب إلى بيت ضابط الأمن في أحد الأعياد مدعواً على الغداء عنده. لم أتعرض لأي ضغط سياسي في أي من أعمال الشركة أو تعييناتها عدا الذين أعيد تعيينهم من المفصولين السياسيين كالأستاذ بديع السيفي.

لست في خلاف مع د. كاظم في توصيفه للاقتصاد السياسي لنظام البعث لكنني، فيما يخص قطاع التأمين، أرى أن هذا التوصيف لا ينطبق بالضرورة على هذا القطاع وفي جميع المراحل الممتدة من 1968-2003 خاصة إذا تعمقنا في التفاصيل، كما أتيتُ على ذكر بعضها. ومن رأي أن قطاع التأمين كان متميزاً عن غيره مالياً إلا أنه شهد في الثمانينيات وما بعدها إجراءات ذات بعد طائفي واثني لم تخضع للبحث بعد ومنها الاستحواذ على وثائق تأمين المؤمن على حياتهم من قبل شركة التأمين العراقية على الحياة، تهجير بعض الموظفين بحجة التبعية، وما تلا ذلك، بعد 2003، من إقحام الطائفية في سياسة الاستخدام وغيرها من مظاهر الفساد الإداري، وكان لوزارة المالية دورها في هذا الشأن كون الشركات الثلاث تابعة لها. وهذا ينقلنا إلى الجزء الأخير من دراسة د. كاظم.

التأمين بعد البعث وإسقاط الدكتاتورية

في الحلقة السادسة والأخيرة تحت عنوان “وماذا بعد البعث وإسقاط الدكتاتورية الغاشمة؟” يقدم د. كاظم تحليلاً سريعاً لسياسات بول بريمر الجاهل بتاريخ العراق والمتجاهل لتقارير الخبراء العراقيين مع تضييق الخناق عليهم. كان همه الأساس إقحام الليبرالية الجديدة في العراق ومارس من أجلها، كما يقول د. كاظم، جملة من السياسات ومنها:

  1. تدمير كامل لدولة البعث في العراق، دون أن يدرك دور الدولة وبعض مهماتها المشتركة في العراق، سواء أكانت بعثية أم غير بعثية.
  2. تدمير قطاع الدولة والدعوة للقطاع الخاص دون أن يعمل على توفير مستلزمات نهوض قطاع خاص فاعل ومؤثر وقادر على أخذ مهمات إعادة البناء والتنمية في البلاد.
  3. رفض عملية التنمية الاقتصادية ورفض التصنيع أو تطوير وتحديث القطاع الزراعي، بل ركز جل اهتمامه على قطاع التجارة الخارجية، أي تصدير النفط الخام واستيراد جميع أنواع السلع.
  4. [تأسيس] نظام سياسي طائفي يستند إلى محاصصة دينية وطائفية وقومية مدمرة لمفهوم الوطن والمواطن، وكانت بداية الخراب الفعلي الذي عم العراق في السنوات السبع المنصرمة، والذي وجد التأييد والمساندة من الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية، باعتبارها قد مسكت زمام الحكم بأكثرية أعضائها في مجلس الحكم الانتقالي، وفيما بعد ايضاً.
  5. ساعد بشكل مباشر أو غير مباشر على تعميق الفساد والإفساد الذي كان قائماً أساساً وعلى انتشاره في سائر أنحاء العراق.

هذه السياسات لم تترجم نفسها بوضوح في أوامر بول بريمر فيما يخص قطاع التأمين. من المفارقات أن الأمر رقم 39 لسنة 2003 (الخاص بالاستثمار الأجنبي) الصادر بتاريخ 19 أيلول 2003 من سلطة الائتلاف المؤقتة استثنى في القسم 6 شركات التأمين من مجالات الاستثمار الأجنبي، لكنه في القسم 9 سمح “للمستثمر الأجنبي الحصول على التأمين من أي شركة تأمين أجنبية أو عراقية يعتبرها المستثمر الأجنبي ملائمة ويتم بموجبه تأمين كافة الجوانب التي يقوم بها.”[16] (سيتكرر مفهوم حرية المستثمر الأجنبي في شراء التأمين في قانون الاستثمار الاتحادي وقانون الاستثمار في إقليم كوردستان!)

كان هذا الأمر استراحة مؤقتة قصيرة إذ أنه بحلول تشرين الثاني 2013 كان بريمر يعد العدة لخصخصة وتمليك شركتي التأمين وشركة إعادة التأمين لشركات أجنبية. وقد بينتُ ذلك في ورقة لي بعنوان “قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية” اقتبس منها الآتي:[17]

في تقريره الاقتصادي الأسبوعي في تشرين الثاني 2003 قال بول بريمر، المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة، ما يلي بشأن إصلاح قطاع التأمين:*

  • ثلاث شركات حكومية تسيطر على 98% من سوق التأمين العراقي.
  • قانون التأمين في العراق مشتق من نموذج إنجليزي يمتد عمره لبضعة عقود. يمكن العمل بجوهر هذا القانون لكنه بحاجة إلى تحديث وتخليصه من أحكام عهد صدام.
  • النشاطات التالية هي قيد التنفيذ من قبل خبراء العراق وخبراء سلطة الائتلاف المؤقتة:
  • تقييم وتدقيق شركات التأمين الحكومية لتقرير قيمتها السوقية الحقيقية (لفتح المجال أمام الامتلاك الأجنبي)؛
  • الاتفاق مع وزير المالية على تدقيق جميع شركات التأمين من قبل مجموعة معترف بها دولياً؛
  • تأسيس جهاز رقابي مقبول دولياً؛
  • تأسيس جمعية للتأمين لوضع السياسات وتثقيف العاملين في الصناعة [قطاع التأمين].]
  • *The Coalition Provisional Authority, Consolidated Weekly Economic Report, November 16, 2003, http://www.iraqcoalition.org/economy/consolidated/WEEKLY%20ECONOMIC%20REPORT%20November%2016,%202003.doc[
  • تلا ذلك مشروع كُتب باللغة الإنكليزية لإعادة هيكلة (خصخصة) شركات التأمين الثلاث، وهو لسبب ما لم يتحقق على أرض الواقع، وتبعه إعداد مسودة لقانون الرقابة على التأمين سنة 2004، كتب باللغة الإنكليزية أيضاً، فيه شطط تحوَّل، بعد ترجمتها وتعديلها، إلى الأمر رقم (10): قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.[18]وأراني هنا متطابقاً مع تحليل د. كاظم عندما كتبت:[19]نزعم أن الأسس الفكرية لهذا القانون الجديد قد تم وضعها من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: الخصخصة وفتح الباب أمام الملكية الأجنبية وحرية الشركات الأجنبية في العمل دون أن تتواجد في العراق. والواقع أن أوامر بريمر، التي بلغت المائة، كلها كانت جزءاً من مشروع وضع أسس لبرلة الاقتصاد العراقي وفتحه أمام الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment (FDI) من قبل الشركات المتعدية الجنسية. وهذا يفسر السياسات الكلية macro-policies حول خلق البيئة المناسبة للأعمال (لرأس المال): المؤسسات القانونية والسياسية لحماية الملكية، الشفافية والاستقرار المالي. وبالطبع لا نشهد في الوقت الحاضر تدافعاً بين الشركات الأجنبية للاستثمار المباشر في منشآت جديدة أو من خلال الاستحواذ والاندماج mergers & acquisitions (M&A) في العراق لكن الإطار القانوني قد وضع لذلك وهو المهم في المشروع الأمريكي للعراق، ومعظم أفراد الطبقة السياسية الجديدة في العراق قد تحولوا فكرياً نحو قبول إيديولوجية عدم وجود البديل there is no alternative (TINA) لما يسمى بالاقتصاد “الحر”[20] وما يلحق به ويتفرع عنه.[21] قانون التأمين الجديد هو جزء من هذا المشروع الأمريكي الكبير للعراق.
  • تنشيط قطاع التأمين وتطوير شركات التأمين وإعادة التأمين
  • في ختام دراسته يحدد د. كاظم بعض المسائل ذات العلاقة بسياسة اقتصاد السوق الاجتماعي ومنها، على سبيل المثل:
  • **تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي وكناظم سياسي واجتماعي وثقافي غير مؤثر سلباً على حرية الفرد وحركته الفكرية، بل منشطاً لها ودافعاً للمبادرة والإبداع.
  • ** تنظيم السياسات المالية والنقدية باعتبارها الأداة التنفيذية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية، وتنظيم سياسات الضريبة وفق أسس تصاعدية على الدخول المباشرة وتقليص الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، والعودة إلى بناء وتنشيط قطاع التأمين وإعادة التأمين لدوره المهم في عملية إعادة الإنتاج وفي توفير الاستثمارات للتنمية الاقتصادية ومواجهة الكوارث المحتملة.
  • **تأمين دور للدولة في التأثير على السياسة الاستثمارية والقروض والتسهيلات الائتمانية للمصارف العراقية بما يشجع على التصنيع وتحديث الزراعة وفرض الحماية للصناعة والزراعة الوطنية من خلال سياسات جمركية فعالة، إضافة إلى دعم وتطوير شركات التأمين وإعادة التأمين لتساهم بفعالية في دعم التنمية الاقتصادية وفهم دورها في مجمل العملية الاقتصادية.
  • سبق وأن عرض د. كاظم أفكاره بشأن اقتصاد السوق الاجتماعي والسياسات المالية والنقدية وتنشيط قطاع التأمين وتطوير شركات التأمين العاملة في العراق. وقد تعاملت معها في مقالتي “التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية”[22]. رؤيته لهذا الاقتصاد، وكما تبين المسائل أعلاه، تتجاوز النظرة الضيقة التي تحصرها بالتأكيد على “المنافسة (والوجه الآخر له هو منع الاحتكار)، توفير الشروط لتحقيق تكافؤ الفرص بين الكيانات الاقتصادية وتعطيل سيطرة فئة على مقاليد الاقتصاد الوطني، وتدخل الدولة عند فشل السوق في أداء دوره (دور اضطراري). وقد يضاف إلى هذه السياسات تدخل الدولة لتوجيه الإنفاق والاستثمار لتلبية حاجات اجتماعية (هياكل ارتكازية، مدارس، مستشفيات وغيرها من خلال مشاركة الدولة مع القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي أو الاستثمار المباشر وهذا الأخير هو الذي ينتظم دعوات الاستفادة من الريع النفطي لأغراض البنية التحتية، المادية وغير المادية، بما فيها التعليم والصحة والحفاظ على البيئة).”[23]وبالنسبة لقطاع التأمين، وهو لا يحصره بشركات التأمين العامة في هذا القطاع، فإن د. كاظم يدعو إلى “بناء وتنشيط قطاع التأمين وإعادة التأمين” وكذلك “تطوير شركات التأمين وإعادة التأمين” وكأنه بذلك يدعو إلى قيام الحكومة بوضع وتبني سياسة لقطاع التأمين إذ أن مثل هذه السياسة مفقودة في الوقت الحاضر رغم وجود مستشارين من خارج قطاع التأمين في جهاز رئاسة مجلس الوزراء. كما أن شركات التأمين، العامة والخاصة، منفردة أو مجتمعة من خلال جمعية التأمين العراقية، لم تعمل على دراسة وضع سياسة للقطاع. أما الأحزاب الطائفية والإثنية فإن التأمين لا يشكل موضوعاً لاهتماماتها.[24]وقد حاولت قبل بضع سنوات، وبدعوة من د. كامل العضاض، رسم أوليات لسياسة تأمينية يمكن لتنظيم سياسي الاستفادة منها وتطويرها، وكانت كالتالي:
  • يستحق قطاع التأمين اهتماماً خاصاً نظراً للدور “الإنتاجي” الذي يلعبه في التعويض عن الأضرار والخسائر المادية التي تلحق بالأفراد والعوائل والشركات على أنواعها، والدور الاستثماري من خلال تجميع أقساط التأمين. وسيزداد هذا الدور أهمية مع التطور الاقتصادي والاجتماعي للعراق مع تعاظم حجم أقساط التأمين، وضرورة ضمان استفادة شركات التأمين العامة والخاصة المرخصة بالعمل في العراق من هذه الأقساط إذ أن قدْراً كبيراً من الأقساط يتسرب إلى الخارج. لذلك يجب العمل الآن على إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لتغيير الرؤية الخاطئة التي يقوم عليها هذا القانون وأحكامه الضارة بالقطاع، ورسم سياسة للقطاع يحول دون التسرب غير القانوني لأقساط التأمين خارج العراق.وفيما بعد قمت بإدخال تفاصيل أخرى عليها، لكنه من المؤسف أن الموضوع لم يلقَ ما يستحقه من مناقشة سواء داخل قطاع التأمين أو خارجه.
  • إن دراسة د. كاظم حبيب تستحق المناقشة من أقرانه الاقتصاديين على المستوى النظري وعلى مستوى التفاصيل، وهذا الأخير هو ما حاولته فيما يخص مؤسسة التأمين بقدر تعلقه بواقعها في الماضي والحاضر. ورغم أنه لا يكتب عن التفاصيل التي تنتظم آلية التأمين وإعادة التأمين، والشركات والأطراف الأخرى المختصة بها، فإن توصيفه للاقتصاد السياسي لليبرالية الجديدة بشكل عام وحضوره في العراق بشكل خاص يوفر إطاراً، أرضية، لرؤية النشاط التأميني خارج حدوده الفنية الضيقة. ومن نافل القول ان النشاط التأميني، من خلال شركات تجارية أو مؤسسات عامة وكيانات أخرى، لا يتم في فراغ بل ضمن المعطيات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأفكار السائدة. ولنا في تاريخ التأمين العراقي خير شاهد على ذلك.
  • 23 تشرين الثاني 2016

[1] نشرت الدراسة في موقع الحوار المتمدن:

http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=536977&r=0&cid=0&u=&i=0&q=

[2] أنظر مثلاً: مصباح كمال، التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، أفردت فيه صفحات لمناقشة أطروحات د. كاظم حبيب حول التأمين.

https://www.academia.edu/7118197/Insurance_in_Iraqi_Economic_Writings

الكتاب متوفر في شبكة الاقتصاديين العراقيين أيضاً:

http://iraqieconomists.net/ar/2014/05/22/

وكذلك: “اليهود والنشاط التأميني في العراق،” مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/07/jews-of-iraq-and-their-role-in-iraqs.html

https://iraqinsurance.wordpress.com/2016/07/30/iraqi-jews-and-their-role-in-insurance-activity/

ونشرت أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

[3] Michael E. Tigar, “How Employers Limit Worker Rights, Using the Power of Government and Market Forces” in MRzine: http://mrzine.monthlyreview.org/2016/tigar181116.html

[4] راجع مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014). النسخة الإلكترونية للكتاب متوفرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2015/02/23/

وكذلك في الموقع التالي:

https://www.academia.edu/7539651/2005_Insurance_Law_-_critique

[5] راجع مصباح كمال، وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014). النسخة الإلكترونية للكتاب متوفرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2014/03/Misbah-Kamal-book-Ministry-of-Oil-Insurance1.pdf

[6] مصباح كمال، “وزارة النفط وتأمين التحكم بالآبار: تداعيات تأمينية عقب حريق بئر نفطي في كركوك،” شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/03/12/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%82%d8%a8-%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a8%d8%a6/

[7] إن تخصيص تعليقنا على تأمين جوانب من القطاع النفطي يقوم على إدراك حقيقة أن هذا القطاع هو الأكبر من حيث ضخامة مبالغ التأمين وأقساط التأمين ومتطلبات إدارة إعادة تأمين الأخطار المرتبطة به. ولا غرو فإن الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع هو الأكبر من غيره في العراق.

[8] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 97.

النسخة الإلكترونية للكتاب متوفرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2015/03/History-of-Insurance-in-Iraq-selected-perspectives-electronic-edition.pdf

وكذلك في الموقع التالي:

https://www.academia.edu/4261042/History_of_Insurance_in_Iraq_Selected_Perspectives_-_by_Misbah_Kamal

[9] كتبت عن هذا الموضوع غير مرة. أنظر على سبيل المثل فصل “السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاَ” في التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 42-57.

[10] راجع بهذا الشأن بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2012)، ص 62-63.

[11] “مقاربة لتاريخ التأمين في العراق: ملاحظات أولية،” مجلة الثقافة الجديدة، العدد 328، 2008 ونشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/2009/04/328-2008-67-76.html

[12] “تأميم قطاع التأمين في العراق 1964: مقدمة نقدية،” مجلة التأمين العربي، العدد 109، حزيران/يونيو 2011. يمكن قراءة الدراسة في كتابي أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية

https://www.academia.edu/4261042/History_of_Insurance_in_Iraq_Selected_Perspectives_-_by_Misbah_Kamal

[13] واحدة من أهم الدراسات في هذا المجال كتاب د. صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث 1951-2006 (بغداد: دار المدى، 2009)، الفصل الثالث إلى الفصل العاشر.

[14] راجع: مصباح كمال، “الأستاذ عبد الباقي رضا- تقييم دور القائد الإداري في مؤسسة تابعة للقطاع العام،” شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2014/08/Assessment-of-Abdulbaki-Redha.pdf

مصباح كمال، “مؤيد الصفار: مكتتب ومدير في شركة تأمين عامة،” الثقافة الجديدة، العدد 380، كانون الثاني 2016، ص 57-66. يمكن قراءة هذه الورقة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين باستخدام هذا الرابط:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/04/Misbah-Kamal-Mouayyad-Al-Saffar-manager-and-undewriter-in-a-state-owned-insurance-com-final.pdf

[15] أنظر: http://www.worldwiderisksolutions.com/downloads/SpotFeb09_Iraq.pdf حيث ترد الفقرة التالية:

“Under Saddam Hussein the insurance market, like many things in the country, was abused. On the surface the industry carried on. However corruption from the top permeated through the whole market. As an example, the historic Motor Third Party Liability claims fund, collected from 2 cents in every dollar of fuel sold in state garages, reputedly ended up as Uday Hussein’s pocket money.”

“كان سوق التأمين في عهد صدام حسين، مثل أشياء كثيرة في البلاد، عرضة لسوء الاستخدام. في الظاهر كانت الصناعة [التأمين] تسير بشكل اعتيادي. ومع ذلك فإن الفساد قد تغلغل من فوق في السوق ككل. على سبيل المثل، صندوق تعويض مطالبات الطرف الثالث التاريخي، المكون من جمع 2 سنت من كل دولار من الوقود المباع في المرائب العائدة للدولة، أشيع بأنه انتهى ليتحول إلى مصروف جيب عدي [صدام] حسين.”

[16] لقراءة نص الأمر 39 استخدم هذا الرابط:

http://wiki.dorar-aliraq.net/iraqilaws/law/16391.html

[17] راجع مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، مصدر سابق، ص 80.

[18] لمتابعة التفاصيل أنظر: مصباح كمال، مصدر سابق، ص 57 وما بعدها.

[19] مصدر سابق، ص 83-84.

[20] إلصاق الحرية بالاقتصاد له وظيفة إيديولوجية دعائية فهي ليست موجودة بصيغتها الصرفة فهناك تدخُّل الحكومات القوي كما يظهر في السياسات النقدية والمالية ودعم أسعار معينة؛ ودور الشركات الصناعية والبيوتات التجارية العملاقة في تحديد الأسعار وحركة السوق؛ ودور نقابات العمال وغيرها. يعني هذا أن الاقتصاد ليس حراً في المطلق ومن الأفضل الحديث عن حرية نسبية. ولهذا السبب نضع كلمة “الحر” بين قويسين مزدوجين. [الهامش في الأصل]

[21] قراءة ما يصدر من السياسيين في العراق من تصريحات تكشف عن التزام غير قابل للنقاش بالخصخصة، الاستثمار الأجنبي المباشر، قبول سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي، تحجيم وتقليص دور الدولة .. الخ. وكمثال على ذلك، فإن وكيل وزارة المالية د. كمال البصري، يدعو إلى التخلص من سياسة دعم الدولة لبعض السلع ومنها الوقود والتموين الغذائي ضمن استراتيجية وطنية للتنمية دون الإشارة إلى أن رفع الدعم هو أحد شروط صندوق النقد الدولي التي تقوم وزارته بتنفيذها. (“العراق: رفع الدعم عن المحروقات يصحح أخطاء الماضي” الحياة، 17 نيسان 2006، ص 17). ويقول البصري: “إن سياسة دعم أسعار المشتقات النفطية التي أخذت بها الحكومة السابقة جزء من نهجها القائم على التخطيط المركزي لموارد الدولة. ولا شك في أن التجارب أثبتت عدم قدرة هذا النهج على تحقيق المصلحة العامة ..” ويتساءل المرء عن مكانة سياسة الدعم (وخاصة في مجال الإنتاج الزراعي) التي يتبعها الاتحاد الأوروبي ضمن سياق الاقتصادات الحرة لأوروبا أو ذات السياسة في الولايات المتحدة. ليست هناك دائماً علاقة سببيه بين سياسات الدعم والتخطيط المركزي فالحكومات الرأسمالية تلجأ إلى هذه السياسات لأغراض اجتماعية واقتصادية لرفع بعض الأعباء عن كاهل الفئات الفقيرة والمعوزة أو لتدعيم الموقع التنافسي في التجارة الدولية لقطاعات اقتصادية معينة. أما ما يسمى بالتخطيط المركزي للحكومة السابقة فإنه لم يكن إلا تلاعباً بالأرقام من قبل صدام حسين وأعوانه واقتصاديين مرعوبين. لم يتجاوز التخطيط الاستفادة القصوى من الثروة النفطية لتكون مرتكزاً للدكتاتورية وصيغة الدولة الريعية في أقبح وأسوأ أشكالها. [الهامش في الأصل]

[22] وهو فصل في كتابي التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 70-74.

[23] نفس المصدر، ص 70-71.

[24] ربما كان الحزب الشيوعي العراقي هو الوحيد الذي أبدى بعض الاهتمام بالنشاط التأميني. أنظر: مصباح كمال، الاحزاب العراقية والتأمين: قراءة أولية في موضوعة حضور وغياب التأمين: الحزب الشيوعي العراقي نموذجاً (مكتبة التأمين العراقي، 2016). الكتاب متوفر في المكتبة الاقتصادية لشبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/09/Iraqi-Political-Parties-and-Insurance-The-Communist-Party-as-a-Model.pdf

 

 

Merger of Iraqi State-Owned Insurance Companies-further comments

عودة إلى مشروع دمج شركات التأمين العامة

مصباح كمال

(1)

نشرتُ في شباط 2016 مقالاً بعنوان “مشروع دمج شركات التأمين العامة”[1] من باب التعليق على حديث دائر بين عدد قليل من المهتمين بترويج المشروع. وكنت أتمنى أن يحظى الموضوع بمناقشة لكن شيئاً من ذلك، كالعادة، لم يحصل. وفي أوائل تشرين الأول زودني زميلي المحامي منذر الأسود بصورة من مقال في الصفحة الاقتصادية لجريدة الصباح (العدد 3787 بتاريخ 4/10/2016)،[2] ذُكر فيه، اعتماداً على مصدر في ديوان التأمين، البدء بالإجراءات القانونية للاندماج. وجاء في المقال إن هذا الإعلان يأتي “بعد دراسات مستفيضة” أظهرت الحاجة “إلى اندماج شركتين [التأمين الوطنية والتأمين العراقية] تعدان أكبر شركات التأمين في البلد … لا سيما أن مقومات وشروط الاندماج متوفرة خصوصاً أن الشركتين تمتلكان ملاءة مالية عالية، ما سيوسع الإمكانات التأمينية للشركة الجديدة بعد اندماجهما.”

لن أتوقف كثيراً عند محتويات هذا المقال الصحفي وأكتفي بالقول إن الإشارة إلى “دراسات مستفيضة” ربما تقع في خانة المبالغات، من مروجي الدمج أو من المحرر الصحفي، فحسب علمي ليست هناك دراسة جادة، مخطوطة أو منشورة، عن الدمج. وكذا الأمر بالنسبة لدعوى توفُّر “مقومات وشروط الاندماج” فالقارئ لا يعرف ما هي هذه المقومات والشروط.

هناك عيب أساسي في الإعلان عن الإجراءات فهذه تفتقر إلى مسوّغ قانوني خاصة وأن مجلس إدارة الشركتين، كما يبدو، لم يُقْدِما على اتخاذ قرار للبدء بالدمج. وكما كتبتُ في مقالتي ” مشروع دمج شركات التأمين العامة” فإن “تحقيق الاندماج يتطلب قراراً من مجلس إدارة كل شركة بحل الشركة للتمهيد لتأسيس الشركة الجديدة. وفي الوقت الحاضر ليس معروفاً إن كانت الوزارة [وزارة المالية] (أو الشركة الراغبة في الاندماج) ستقوم بتكليف جهة مهنية مستقلة للتقييم المالي للشركات موضوع الدمج، أو أن ديوان التأمين سيشترط على الشركات الراغبة بالاندماج تقديم مثل هذا التقييم المستقل (البند ثانياً من المادة 50 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يكتفي بالقول إن “على المؤمنين الراغبين بالاندماج تقديم طلب للديوان مرفق به كافة التقارير والبيانات اللازمة التي يحددها رئيس الديوان بتعليمات يصدرها لهذا الغرض.” ربما تشمل “التقارير والبيانات اللازمة” كل ما يتعلق بذمم الشركات موضوع الدمج وغيرها من قضايا قد تكون مستترة؛ لكن الديوان، حتى كتابة هذه الورقة، لم يصدر تعليمات خاصة بدمج الشركات.”

وإذا كان ذلك صحيحاً فإن الإجراءات المعلنة هي عن عملية “استحواذ” وليس عملية “دمج”. ولو كانت هناك “دراسات مستفيضة” فإنها كانت ستشير إلى خيارات أخرى ومنها العودة إلى تخصص الشركتين العامتين، وكذلك ترويج الدمج بين شركات التأمين الخاصة لتكوين شركات قوية مالياً، أو هذا ما يفترض بمثل هذه الدراسات.

(2)

وقد ورد إلى علمي أن لشركة التأمين العراقية موقفاً قانونياً رصيناً مناقضاً لما أعلنه ديوان التأمين بشأن البدء بإجراءات الدمج، وأن للتأمين العراقية مشروعها الخاص باستعادة تخصصها السابق في التأمين على الحياة (الذي توقف بقوة القانون عام 1988). وعلمت أيضاً أن مجلس إدارة التأمين العراقية قد تبنّى قراراً بشأن التخصص (الخبر بحاجة إلى تأكيد) وأنه وجَّه كتاباً إلى وزارة المالية يفند فيه إعلان الدمج. وإذا كان مشروع التخصص صحيحاً فإنه يجب أن يكون قائماً على دراسة ويتم تحقيقه خلال إطار زمني مناسب.

وأرى أن يدرس موضوع استعادة تخصص الشركة في ضوء محافظ التأمين الحالية التي تتعامل معها التأمين العراقية وسبل التصرف بها، ومصير هذه المحافظ، والمحافظة على حقوق المؤمن لهم، وحقيقة أن الطلب الفردي على تأمينات الحياة ضعيف في الوقت الحاضر، وضرورة استنباط منتجات جديدة مرتبطة بالتأمين على الحياة والتوسع بالمنتجات القائمة ومنها الحوادث الشخصية والتأمين الصحي، وتحليل التحولات في التركيب السكاني ومدى تأثيرها على الطلب على التأمين على منتجات التأمين على الحياة، والدخل الفردي الفائض والمتوفر للإنفاق على الحماية التأمينية، والموقف الشعبي من التأمين، وغيرها. بعبارة أخرى، يجب إخضاع موضوع التخصص إلى دراسة موضوعية مستقلة وليس الاكتفاء بمجرد الرد الآني ضد مروجي الدمج.

(3)

إن الكشف عن مبررات الدمج، واتساقه مع معطيات سوق التأمين العراقي، ومدى مساهمته في تعزيز سوق وطني اتحادي متكامل قضية يجب أن لا تخضع للهوى أو مجرد تحقيق مكاسب آنية. ولكي لا أثقل على القارئ أكتفي بإثارة جملة من التساؤلات الانتقائية حول مشروع الدمج.

  • علينا أولاً إثارة سؤال جوهري: هل هناك ضرورة اقتصادية أو قانونية لدمج الشركتين؟ ترى هل أن شركات التأمين العامة فاشلة اقتصادياً ضمن السياق العراقي، وهي المصنفة قانوناً كشركات تمويل ذاتي؟ هي لم تُثقل خزينة الدولة بدفع رواتب موظفيها لا بالعكس هي التي تمول الخزينة بجزء من أرباحها إضافة إلى الضرائب والرسوم المختلفة.وهل أن وجودها يتعارض مع القوانين القائمة المنظمة لعمل الشركات العامة؟
  • هل أن مشروع الدمج يتساوق مع التوجه الاقتصادي المعلن لحكومات ما بعد 2003، وبغض النظر عن موقفنا الشخصي من هذه التوجه، لتعظيم فرص المنافسة؟ أليس من شأن خلق كيان تأميني عام جديد هو تعزيزٌ لوضعها شبه الاحتكاري في عرض التأمين؟هل جرى التفكير مما يجرّه تكوين شركة تأمين عملاقة، ضمن السياق العراقي، على أوضاع شركات التأمين الصغيرة؟ مثل هذه الشركة العملاقة من حيث حجم رأس المال والاستثمارات ودخل أقساط التأمين المكتتبة وعدد الموظفين العاملين فيها، تجعلها في وضع تنافسي قوي في مواجهة شركات التأمين الخاصة (وهي شركات عراقية وطنية) تؤثر على وجود الأخيرة.وقد أشرنا في مقالة سابقة لنا “ان مشروع الدمج الذي يجري الإعداد له قد يؤدي، في ظل البنية الحالية لسوق التأمين العراقي، إلى تقويض التنافس القائم وربما إلى تحكُّم الشركة الجديدة في فرض الأسعار والشروط، وهو ليس في صالح طالبي التأمين. وإزاء هذا الوضع قد تلجأ شركات التأمين الصغيرة إلى منافسة سعرية غير مقيدة، للحفاظ على حجم أعمالها. وهذا من شأنه أن يخلق فوضى في الأسعار قد يؤدي في النهاية، بالنسبة لبعض شركات التأمين الخاصة التي تمارس مثل هذه المنافسة، إلى إفلاسها عندما ترد عليها المطالبات الكبيرة بالتعويض دون أن تكون لديها القدرة المالية، الخاصة بها وتلك التي قد توفرها حماية إعادة التأمين (وقد تكون هذه الحماية غير موجودة أصلاً)، لتسديد أقيامها.
  • هل تمت دراسة المُعطيات الخاصة بالشركتين من حيث مصادر الإنتاج، وإمكانية تحول المؤمن لهم الحاليين والمرتقبين إلى شركات تأمين أخرى، وكذلك مصائر العاملين والعاملات في الشركتين؟
  • هل أن مروجي مشروع الدمج معنيون بالدمج، بالمعنى القانوني له وكما هو مقرر في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (راجع ملحق هذه المقالة)، أم انهم يبغون الاستحواذ takeover؟ وإذا كان الاستحواذ هو الهدف لِمَ لَمْ يفكر مروجو الدمج بالاستحواذ على شركة تأمين أخرى غير التأمين العراقية؟
  • هل تمَّ الاستئناس برأي شركة إعادة التأمين العراقية؟ وهل تمَّت دراسة الآثار التي ستترتب على الدمج وتأثيرها على مستقبل الإعادة العراقية؟ وبهذا الشأن كتبت في مقالتي أنه “بفضل القوة المالية للشركة الجديدة فإنها تستطيع أن تستغني عن شراء إعادة التأمين الاتفاقي من شركة إعادة التأمين العراقية، إذ أن حجم أعمالها سيكون مصدر جذب لاهتمام معيدي التأمين في العالم. إحدى النتائج السلبية لهذا الوضع هو خسارة الإعادة العراقية لأعمال الشركتين (إن قررت الشركة الجديدة إهمالها)، أي أن حجم الاعمال المتبقية لدى الإعادة العراقية سينحصر بأعمال شركات التأمين الخاصة، وهو حجم صغير لا يجذب اهتماماً من معيدي التأمين المحترفين. وبالتالي سيضعف مكانة الإعادة العراقية وعندها سيتمهد السبيل لتصفيتها أو دمجها مع الشركتين.”

(4)

نُقل إليَّ أن شركة التأمين العراقية لم توافق على الدمج مع شركة التأمين الوطنية، وقدَّمت تظلماً إلى رئاسة ديوان التأمين بهذا الشأن، وفي الوقت ذاته أوصى مجلس إدارتها بالرجوع إلى تخصصها في تأمينات الحياة. وليس معروفاً الإجراء الذي قام به ديوان التأمين أو زارة المالية سوى ما نقل عن تشكيل لجنة موسعة تضم ممثلين عن شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية وديوان التأمين ووزارة المالية.

لا أدري بأي صفة سيشترك مدير عام التأمين الوطنية أصالة، وهو في ذات الوقت رئيس الديوان وكالة، في اللجنة الموسعة التي ستشكلها وزارة المالية في ضوء التضارب الفاضح في إشغاله لموقعين لا يمكن الجمع بينهما (إذ أن له مصلحة في الدمج وليس صحيحاً أن يكون المرء قاضياً وجلاداً في نفس الوقت). من رأي أن لا يُدعى الديوان للمشاركة في هذه اللجنة، حتى عند توفر النية الحسنة، إلا بصفة مراقب لتجنب إشكالية التضارب خاصة وأن مشروع الدمج يجب أن تتقدم به إحدى الشركتين أولاً بعد صدور قرار من مجلس إدارتهما بشأنه. وعلى أي حال، فإن مشاركة التأمين العراقية في اللجنة سيوفر لها فرصة دحض ما تقدم به رئيس الديوان وكالة وفي ذات الوقت ربما يوفر فرصة إعادة عرض مشروعها للتخصص في تأمينات الحياة.

إن الجيل العامل حالياً في قطاع التأمين لا يضم رجالات للتأمين يتمتعون بالخبرة المعمقة في قضايا تنظيم قطاع التأمين ومنها عمليات الدمج. عرف القطاع الدمج في الفترة التي أعقبت تأميم شركات التأمين (تموز 1964) إذ تم دمج الشركات، بقرارات فوقية، في أربعة كيانات هي: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية (وكانت تضم شركة الاعتماد للتأمين، وشركة الرشيد للتأمين)، شركة بغداد للتأمين (وكانت تضم شركة التأمين التجاري العراقي)، وشركة الرافدين للتأمين (وكانت تضم شركة دجلة للتأمين). من المعاصرين للدمج في الستينيات، المراقبين والمنتقدين له أيضاً، هناك الأستاذ عبد الباقي رضا (بغداد) والأستاذ المحامي بهاء بهيج شكري (عمّان)، وكلاهما كانا يشغلان مواقع قيادية في شركات التأمين آنذاك. ولنا أن نضيف لهما زميلنا منعم الخفاجي رغم أنه لم يشغل موقعاً قيادياً في ذلك الوقت. ترى هل فكَّر القائمون بتشكيل اللجنة الموسعة ضمُّ مثل هؤلاء إلى عضوية اللجنة؟ وإن تعذَّر ذلك، لأسباب شخصية وغيرها، أليس من المناسب أن تضم اللجنة أستاذاً جامعياً له دراية بأعمال الدمج شرط أن يكون محايداً ولا يحمل أفكار مسبقة لصالح المؤيدين أو المعارضين لمشروع الدمج. الصوت المستقل في هذه اللجنة سيكون للصالح العام.

آمل أن تحتل المصالح العامة وما هو مشترك بين الشركات العامة والخاصة مكانتها في مداولات اللجنة الموسعة.

7 تشرين الثاني/نوفمبر 2016

ملحق

الضوابط القانونية لاندماج شركات التأمين[3]

ترد القواعد الضابطة لاندماج شركات التأمين في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 تحت الباب الخامس، تحويل الوثائق وتملك واندماج وتصفية المؤمنين، في الفصل الثالث: اندماج المؤمنين. تتناول المادة 50 اندماج المؤمنين كما يلي:

 

أولا-    يجوز اندماج مؤمن أو معيد تأمين في مؤمن أو معيد تأمين اخر بما في ذلك المؤمنين او معيدي التأمين المملوكين للدولة.

ثانيا-    على المؤمنين الراغبين بالاندماج تقديم طلب للديوان مرفق به كافة التقارير والبيانات اللازمة التي يحددها رئيس الديوان بتعليمات يصدرها لهذا الغرض.

ثالثا-    يدقق رئيس الديوان التقارير والبيانات والوثائق المقدمة، وله الموافقة على الاندماج أو رفضه بقرار مسبب.

رابعا-   إذا وافق رئيس الديوان على طلب الاندماج فينشر أعلانا على نفقات طالبي الاندماج في صحيفة يومية واسعة الانتشار في العراق لمدة (5) خمسة أيام متتالية، ولكل ذي مصلحة التظلم من القرار خلال (30) ثلاثين يوما من تاريخ اخر نشر لإعلان الموافقة على الاندماج.

خامسا-   يبت رئيس الديوان في التظلمات المقدمة وفقا لأحكام البند (رابعا) من هذه المادة خلال (30) ثلاثين يوما من تاريخ انتهاء مدة تقديمها، ولكل ذي مصلحة الاعتراض على القرار الصادر نتيجة التظلم أمام محكمة البداءة المختصة خلال (7) سبعة أيام من تاريخ التبلغ به.

ويرد في الباب الرابع، رقابة رئيس الديوان على المؤمنين، في المادة- 47- الإجراءات التي يستطيع رئيس الديوان اتخاذها في حالات محددة وهي:

  1. تخلف المؤمن او عجزه عن الوفاء بالتزاماته أو احتمال تخلفه او عجزه عن ذلك او عدم قدرته على الاستمرار بأعماله.
  2. ارتكاب المؤمن مخالفة لأحكام هذا القانون أو الانظمة أو التعليمات الصادرة بموجبه.د-     إذا خالف المؤمن برنامج العمل الذي قدمه للديوان وحصل على الاجازة بموجبه.و-     توقف المؤمن عن أعماله مدة لا تقل عن سنة دون سبب مبرر أو مشروع.عندها يستطيع رئيس الديوان اتخاذ ما يلزم من إجراءات بحق المؤمن المخالف ومنها البند ثانياً-ح: “دمج المؤمن في مؤمن اخر بموافقة المؤمن الذي سيدمج معه.”البند الأول يشرع جواز اندماج مؤمن أو معيد تأمين في مؤمن أو معيد تأمين اخر بما في ذلك المؤمنين او معيدي التأمين المملوكين للدولة (التأكيد من عندي). اي أن الأساس القانوني لمشروع الوزارة جاهز، لكن هذا لا يعفي الوزارة من عرض الدافع أو الدوافع لمشروعها.إذا ما تحقق مشروع الدمج بين شركات التأمين العامة فإنه سيعتمد على أحكام هذا القانون. وقد اقتبستها بالكامل لفائدة القراء. سينتظر المرء بكثير من الاهتمام التعرف على موقف ديوان التامين من هذا المشروع للتثبت إن كان جهازاً تابعاً وخاضعاً لوزارة المالية أم إنه يتمتع بالاستقلالية (كما هو معرّف في الموقع الإلكتروني لوزارة المالية) في اتخاذ قرارته.
  3. هـ-     إذا زادت مجموع خسائر المؤمن على خمسين بالمئة من رأسماله المدفوع.
  4. ج-    عدم اتخاذ المؤمن الاجراءات اللازمة لإعادة التأمين على المخاطر التي يتحملها او عدم كفايتها.

[1] نشرت المقالة في مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/02/proposed-merger-of-state-owned.html

وكذلك في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/02/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%af%d9%85%d8%ac-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9/

[2] وقبل ذلك وبتاريخ 18 أيلول 2016 نشرت جريدة الصباح الإعلان التالي: “وزارة المالية/ديوان التأمين، إعلان. استناداً إلى المادة (50) من قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005 وبناء على قرار السيد رئيس ديوان التأمين بالموافقة على طلب اندماج شركة التأمين العراقية العامة بشركة التأمين الوطنية ولكل ذي مصلحة التظلم من القرار خلال (30) يوماً من تاريخ آخر نشر في الصحيفة بالموافقة على الاندماج.”

[3] هذا الملحق مستل من مقالتي “مشروع دمج شركات التأمين العامة.”

 

 

Proposed Merger of State-Owned Insurance Companies in Iraq

مشروع دمج شركات التأمين العامة

 

 

مصباح كمال

 

 

نشرت هذه المقالة في مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/02/proposed-merger-of-state-owned.html

وكذلك في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2016/02/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%af%d9%85%d8%ac-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9/

 

 

تمهيد وإشارات

 

ليست لدينا معلومات بوجود مشروع ملموس واضح التفاصيل لدمج شركات التأمين وإعادة التأمين العامة، لكننا نستشف وجود نية لإدخال تغيير (أو ما يسمى اصطلاحاً هيكلة) هذه الشركات. فقد نُقل عن رئيس الوزراء حيدر العبادي تأكيده، في مؤتمر إطلاق استراتيجية تطوير القطاع الخاص في العراق 2014-2030 تحت شعار (التحول نحو القطاع الخاص ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد العراقي)، على أن “إحدى القضايا المهمة للنهوض بالقطاع الخاص هي إعادة هيكلة الشركات العامة للدولة لتكون فعالة أكثر في القطاع الاقتصادي”، لافتاً إلى أن “مجلس الوزراء أقر خلال الاجتماع الأخير للمجلس هيكلة الشركات العامة للدولة.” ونفى العبادي “وجود نية للاستغناء عن العاملين في الشركات العامة للدولة”، مُحذراً من “انهيار هذه الشركات وخسارة البلد اقتصادياً إذا ما بقيت على هذا الحال.”[1] وربما يمتد هذا التأكيد ليشمل شركات التأمين العامة، ذات التمويل الذاتي، رغم أنها ليست من الشركات الآيلة للانهيار، وحالها لا علاقة له بحال الشركات العامة الأخرى المهملة، عن قصد، من قبل حكومات ما بعد 2003.

 

وقد قرأنا عن موافقة مجلس الوزراء في تشرين الأول 2015 على دمج شركات وتقليص عدد شركات وزارة الصناعة والمعادن، من 76 إلى 32 شركة. وحسب التقارير الصحفية فقد انتهت الوزارة من عملية الدمج في أوائل شباط 2016. يشير هذا إلى أن عملية إعادة الهيكلة (بناء اقتصاد رأسمالي) قد بدأت.

 

وقد ورد لعلمي في الأيام القليلة الماضية أن وزير المالية وجه خطاباً إلى شركات التأمين العامة يطلب فيه إبداء وجهة نظر مجالس إدارات الشركات بمشروع الدمج. وذكر لي أن بعض رؤساء هذه المجالس هم من دعاة ومؤيدي الدمج. لكن المعلومات ليست متكاملة ودقيقة، ولذلك لن أعلق عليها قبل معرفة التفاصيل، واكتفي ببعض الملاحظات العامة عن الدمج بين الشركات لفتح باب للمناقشة.

 

ومن المناسب هنا التأكيد على أن خطاب الوزير إلى الشركات هو تصرف قانوني صحيح متبع في مختلف الاختصاصات القضائية في العالم، إذ أن تحقيق الاندماج يتطلب قراراً من مجلس إدارة كل شركة بحل الشركة للتمهيد لتأسيس الشركة الجديدة. وفي الوقت الحاضر ليس معروفاً إن كانت الوزارة (أو الشركة الراغبة في الاندماج) ستقوم بتكليف جهة مهنية مستقلة للتقييم المالي للشركات موضوع الدمج، أو أن ديوان التأمين سيشترط على الشركات الراغبة بالاندماج تقديم مثل هذا التقييم المستقل (البند ثانياً من المادة 50 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يكتفي بالقول إن “على المؤمنين الراغبين بالاندماج تقديم طلب للديوان مرفق به كافة التقارير والبيانات اللازمة التي يحددها رئيس الديوان بتعليمات يصدرها لهذا الغرض.” ربما تشمل “التقارير والبيانات اللازمة” كل ما يتعلق بذمم الشركات موضوع الدمج وغيرها من قضايا قد تكون مستترة؛ لكن الديوان، حتى كتابة هذه الورقة، لم يصدر تعليمات خاصة بدمج الشركات.

 

عدا خطاب وزارة المالية لشركات التأمين العامة (لم نطلع على نصه) فليس معروفاً إن كان لمستشاري الوزارة أو مستشاري مجلس الوزراء هدفاً محدداً وراء مشروع الدمج ضمن استراتيجية حكومة العبادي لهيكلة الشركات العامة للدولة. ولم يقع في أيدينا أي نص صادر منهم للتعرف على مواقفهم، وهل أن ما يدور في بالهم يجد سنداً له في تاريخ تطوير قطاع التأمين العراقي بغض النظر عن اختلاف الاتجاهات الفكرية بين الماضي والحاضر.[2]

 

كنت من المشجعين على الدمج بين شركات التأمين الخاصة،[3] الضعيفة في رأسمالها واحتياطياتها المالية وكوادرها (بعضها أقرب ما تكون إلى شركات عائلية ومصادر رأسمالها مثار تساؤل)، لخلق شركات متينة مالياً تعمل على تكوين كوادر متقدمة مؤهلة كي تكون في وضع تستطيع معه التنافس مع شركتي التأمين العامتين على أعمال التأمين، الحكومية والخاصة، وتمهد الطريق لبناء مواردها المالية، من رأس المال والاحتياطيات، كي تقوم بترتيب اتفاقيات لإعادة التأمين خاصة بها بشكل مستقل.[4] وفي الوقت ذاته كنت أثير الشكوك حول مدى ضرورة إعادة هيكلة (خصخصة) شركات التأمين العامة.[5]

 

يمكن تبرير الاندماج بين شركات التأمين الخاصة (هناك 30 حوالي شركة تأمين خاصة مرخصة بمزاولة أعمال التأمين) كوسيلة للتغلب على معضلات ضعف القدرة التنافسية (سوى التنافس الذي يعرف بتكسير الأسعار: الاكتتاب على أساس غير فني يهدد وجود الشركة في المستقبل)، والقدرة على التوسع في الإنتاج، وتعظيم الاحتياطيات المالية، وإعادة تدوير الأرباح لتمويل رأس المال المطلوب من قبل الجهاز الرقابي.

 

ولكن هل هناك ضرورة لدمج الشركات العامة؟ بالمقاييس العراقية السائدة في الوقت الحاضر فإن هذه الشركات ناجحة، فهي، كشركات تمويل ذاتي، لا تعتمد على خزينة الدولة، وتحقق ارباحاً سنوية، وتوزع جزءاً منها على العاملين كحوافز بعد تسديد حصتها من ضريبة الدخل والرسوم. لذلك ينهض السؤال: لم التفكير بدمجها الآن وهي المساهمة في حالة التنافس القائمة بينها وبين شركات التأمين الخاص؟ أهو بداية لخصخصتها؟[6] “المستبد بأمره” بول بريمر الثالث لم يجرؤ، لسبب ما، على خصخصة شركات التأمين العامة رغم أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID قد تقدمت بعد الاحتلال بفترة قصيرة بمشروع متكامل ظاهرياً أعدته شركة بيرنغ بوينت إنك BearingPoint Inc لإعادة هيكلتها، كأربع شركات متخصصة في التالي: التأمين على السيارات، التأمين غير البحري، التأمين البحري والطيران، والتأمين على الحياة والتقاعد.[7] لا بل أنه استثنى في أحد أوامره (الأمر رقم 39، أيلول 2003، القسم السادس، مجالات الاستثمار الأجنبي) قطاع التأمين من الاستثمار الأجنبي.

 

يلاحظ في الأسواق العالمية، التي تشهد منافسة قوية بين الشركات، أن الدافع وراء الاندماج قد يكون الحد من المنافسة وربما إخراج المنافسين وخاصة المنافسين الصغار، أو تحقيق تكامل في عرض المنتجات، أو الحفاظ على حصة الأعمال في السوق وإبقاء هامش الربح عالياً لصالح رأس المال، أو غيرها من الأسباب. لكننا لم نعثر على الدافع وراء توجه وزارة المالية وتدخلها في تقرير مصير شركات التأمين العامة ذاتية التمويل من خلال الدمج. ترى هل أن مشروع الدمج هو الآلية التي تعمل وزارة المالية على تحقيقه تماشياً مع مروجي سياسة التجارة الحرة في الداخل والخارج، وإزالة العوائق التجارية والقانونية أمام الشركات المتعددة الجنسيات لدخول سوق التأمين العراقي، والتمهيد لانضمام العراق إلى منظمة التجارة الدولية مع النمو (المرتقب) للاقتصاد العراقي؟ هل صارت الوزارة تخطط للمستقبل؟

 

من المعروف انه رغم تدخل الأجهزة الرقابية فإن الميل نحو تأسيس شركات قوية قادرة على التصدي لتقلبات النظام الرأسمالي، داخل البلد الواحد وعلى المستوى العالمي، يظل قائماً من خلال الاستفادة من آليات الاندماج والاستحواذ. وقد ارتبطت موجات الاندماج في الغرب مع ازدياد حرية التجارة في الخدمات والانفتاح الاقتصادي عموماً مما شكل تحدياً للعديد من شركات التأمين.[8]

 

لفائدة القراء فإن شركات التأمين العامة تضم شركة التأمين الوطنية (تأسست سنة 1950 كشركة حكومية)، شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960 كشركة مختلطة) وشركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959 كشركة خاصة وخضعت للتأميم سنة 1964). ولكل شركة نظامها الداخلي.

 

 

 

 

الضوابط القانونية لاندماج شركات التأمين

 

ترد القواعد الضابطة لاندماج شركات التأمين في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 تحت الباب الخامس، تحويل الوثائق وتملك واندماج وتصفية المؤمنين، في الفصل الثالث: اندماج المؤمنين. تتناول المادة 50 اندماج المؤمنين كما يلي:

 

أولا-    يجوز اندماج مؤمن أو معيد تأمين في مؤمن أو معيد تأمين اخر بما في ذلك المؤمنين او معيدي التأمين المملوكين للدولة.

ثانيا-   على المؤمنين الراغبين بالاندماج تقديم طلب للديوان مرفق به كافة التقارير والبيانات اللازمة التي يحددها رئيس الديوان بتعليمات يصدرها لهذا الغرض.

ثالثا-   يدقق رئيس الديوان التقارير والبيانات والوثائق المقدمة، وله الموافقة على الاندماج أو رفضه بقرار مسبب.

رابعا-  اذا وافق رئيس الديوان على طلب الاندماج فينشر أعلانا على نفقات طالبي الاندماج في صحيفة يومية واسعة الانتشار في العراق لمدة (5) خمسة أيام متتالية، ولكل ذي مصلحة التظلم من القرار خلال (30) ثلاثين يوما من تاريخ اخر نشر لإعلان الموافقة على الاندماج.

خامسا-   يبت رئيس الديوان في التظلمات المقدمة وفقا لأحكام البند (رابعا) من هذه المادة خلال (30) ثلاثين يوما من تاريخ انتهاء مدة تقديمها، ولكل ذي مصلحة الاعتراض على القرار الصادر نتيجة التظلم أمام محكمة البداءة المختصة خلال (7) سبعة أيام من تاريخ التبلغ به.

 

ويرد في الباب الرابع، رقابة رئيس الديوان على المؤمنين، في المادة- 47- الإجراءات التي يستطيع رئيس الديوان اتخاذها في حالات محددة وهي:

 

  1. تخلف المؤمن او عجزه عن الوفاء بالتزاماته أو احتمال تخلفه او عجزه عن ذلك او عدم قدرته على الاستمرار بأعماله.
  2. ارتكاب المؤمن مخالفة لأحكام هذا القانون أو الانظمة أو التعليمات الصادرة بموجبه.د-     اذا خالف المؤمن برنامج العمل الذي قدمه للديوان وحصل على الاجازة بموجبه.و-    توقف المؤمن عن أعماله مدة لا تقل عن سنة دون سبب مبرر أو مشروع.عندها يستطيع رئيس الديوان أتخاذ ما يلزم من إجراءات بحق المؤمن المخالف ومنها البند ثانياً-ح: “دمج المؤمن في مؤمن اخر بموافقة المؤمن الذي سيدمج معه.”البند الأول يشرع جواز اندماج مؤمن أو معيد تأمين في مؤمن أو معيد تأمين اخر بما في ذلك المؤمنين او معيدي التأمين المملوكين للدولة (التأكيد من عندي). اي أن الأساس القانوني لمشروع الوزارة جاهز، لكن هذا لا يعفي الوزارة من عرض الدافع أو الدوافع لمشروعها.إذا ما تحقق مشروع الدمج بين شركات التأمين العامة فإنه سيعتمد على أحكام هذا القانون. وقد اقتبستها بالكامل لفائدة القراء. سينتظر المرء بكثير من الاهتمام التعرف على موقف ديوان التامين من هذا المشروع للتثبت إن كان جهازاً تابعاً وخاضعاً لوزارة المالية أم إنه يتمتع بالاستقلالية (كما هو معرّف في الموقع الإلكتروني لوزارة المالية) في اتخاذ قرارته.بعض تداعيات الاندماجعلى المستوى النظري يمكن الإشارة إلى بعض أوجه التآزر synergies الاستراتيجية المترتبة على الاندماج. وهذ تتمثل بالوفورات الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق بفضل الاندماج. فيما يلي سنستعرض ما نراه مفيداً لأغراض هذه الورقة.خلق شركة تأمين “عملاقة.” مع دمج شركتي التأمين العامتين ستتشكل شركة تأمين، تعتبر في السياق العراقي الحالي، شركة عملاقة من حيث حجم رأس المال والاستثمارات ودخل أقساط التأمين المكتتبة وعدد الموظفين العاملين فيها، تجعلها في وضع تنافسي قوي في مواجهة شركات التأمين الخاصة.بفضل القوة المالية للشركة الجديدة فإنها تستطيع أن تستغني عن شراء إعادة التأمين الاتفاقي من شركة إعادة التأمين العراقية، إذ أن حجم أعمالها سيكون مصدر جذب لاهتمام معيدي التأمين في العالم. إحدى النتائج السلبية لهذا الوضع هو خسارة الإعادة العراقية لأعمال الشركتين (إن قررت الشركة الجديدة إهمالها)، أي ان حجم الاعمال المتبقية لدى الإعادة العراقية سينحصر بأعمال شركات التأمين الخاصة، وهو حجم صغير لا يجذب اهتماماً من معيدي التأمين المحترفين. وبالتالي سيضعف مكانة الإعادة العراقية وعندها سيتمهد السبيل لتصفيتها أو دمجها مع الشركتين.الإشكالية هنا هي أن الشركة المدمجة تستطيع، نظرياً، توفير حماية إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري لشركات التأمين الخاصة إلا أن تضارباً في المصالح سينشأ من خلال تنافس الشركة المدمجة وشركات التأمين الخاصة على أعمال التأمين المباشر. هذه قضية تحتاج إلى عناية خاصة. وما مراجعة تجربة الدمج في مصر من قبل أصحابها، بعد عقد، إلا دليلاً على أهمية التفكير بما سينشأ عن دمج يتأسس لاعتبارات إيديولوجية غير قائمة على أسس اقتصادية لها علاقة بتطوير السوق الوطني المتكامل للتأمين.ميزة أخرى للاندماج هي تعظيم القوة الشرائية تجاه المجهزين، ونعني بهذا تعزيز القدرة التفاوضية للشركة الجديدة مع مجهزي إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري. وسيكون هذا تطوراً مهماً لأنه يوفر الفرصة ليس فقط للاستغناء عن خدمات شركة إعادة التأمين العراقية بل التخلص مما يراه البعض العبء الذي تمثله محافظ معظم شركات التأمين الخاصة على الاتفاقيات الحالية التي تديرها الإعادة العراقية (الشك بأن شركات التأمين الخاصة تنتقي ما تسنده من أعمال للإعادة العراقية).تعظيم الإيرادات (دخل أقساط التأمين). توسيع محفظة تأمين فروع معينة، فربما يكون لدى شركة التأمين الوطنية استراتيجية لتعظيم محفظة التأمين على الحياة (بدأت تمارسها أواخر ثمانينيات القرن الماضي)، وهي المحفظة الرائدة في أعمال شركة التأمين العراقية ولأسباب تاريخية تعود إلى تخصصها الأساسي في مجال التأمين على الحياة (1964-1988).باندماجها (استحواذها) على شركة التأمين العراقية تصبح شركة الـتأمين الوطنية (وهي الشركة الأكبر) قادرة على توسيع قنوات توزيع منتجات التأمين، والتوجه نحو السيطرة على سوق التأمين، وبالتالي المحافظة على حجم الأرباح والتوسع فيه. وقد يكون أحد نتائج هذا الوضع إضعاف مكانة شركات التأمين الخاصة وشلّ قدرتها على التنافس.الاقتصاد في التكاليف. ويتحقق هذا كنتيجة لوفورات الحجم، من خلال تقليص عدد العاملين والتخلص من الازدواجية في إشغال الوظائف. المشكلة هنا هي أن الموظف الحكومي العامل في شركات التأمين العامة لا يخضع للفصل او الاستغناء عن الخدمات، إلا في حالات يحددها القانون. ربما تستطيع إدارة الشركة الجديدة المنبثقة عن الدمج تشجيع التقاعد المبكر، أو تشجيع على استقالة موظفيها للتحول إلى العمل في الشركات الخاصة، وهو توجه ضعيف لأن موظف الشركة العامة، بفضل نظام الحوافز، يتمتع بمكافآت ليست متوفرة في الشركات الخاصة.[9] لكننا نلاحظ أن المتقاعدين عن العمل في شركات التأمين العامة يميلون إلى الاستمرار في العمل لدى شركات التأمين الخاصة.ويمكن أن يتخذ الاقتصاد في التكلفة شكل التخلص من التسهيلات الفائضة من خلال الاستخدام المشترك للمدخلات، كاستخدام الخبرات الفنية والإدارية، والتقنيات وقوائم المستهلكين (طالبي التأمين المرتقبين أو المؤمن لهم). وكذلك توزيع المصاريف التشغيلية الثابتة (تكاليف الإنتاج) على قاعدة أكبر من المستهلكين (طالبي التأمين وحملة وثائق التأمين)ويفترض أن الاقتصاد في التكاليف وتعزيز الوضع التنافسي، في الظاهر، سيقترن، كما ينبغي، بتحسين جودة المنتج التأمين والخدمات المرافقة له سواء بتحسين مستوى الأداء وكفاءة ومؤهلات العاملين الفنية واللغوية أو إدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة.هل هناك ضرورة للاندماج في الوقت الحاضرفي غياب الشفافية وعدم معرفة الدافع/الدوافع وراء مشروع وزارة المالية، من رأينا ان الاندماج بين شركات التأمين العامة ليس مطلوباً في الوقت الحاضر. فهذه الشركات لا تعاني من مصاعب مالية وإدارية وفنية وقدرة على التنافس مع بعضها ومع شركات التأمين الخاصة. لنتذكر ان اللجوء إلى آلية الاندماج قد يفرضه المشكلات المالية وغيرها التي تواجهها الشركات وهي مما لا تعاني منها الشركات العامة.لو كان واضحاً وبما لا يقبل الشك أن مشروع الدمج يراد منه خلق كيان تأميني وطني قوي لمواجهة منافسة أجنبية يراد إدخالها إلى سوق التأمين العراقي، مع انفراج الوضع الأمني وبدء الانتعاش الاقتصادي، فإنه في هذه الحالة يستحق التأمل. لكننا نعرف بأن مستشاري الحكومة، في الداخل والخارج، يؤكدون باستمرار على تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد.ومن رأينا ان مشروع الدمج الذي يجري الإعداد له قد يؤدي، في ظل البنية الحالية لسوق التأمين العراقي، إلى تقويض التنافس القائم وربما إلى تحكُّم الشركة الجديدة في فرض الأسعار والشروط، وهو ليس في صالح طالبي التأمين. وإزاء هذا الوضع قد تلجأ شركات التأمين الصغيرة إلى منافسة سعرية غير مقيدة، للحفاظ على حجم أعمالها. وهذا من شأنه أن يخلق فوضى في الأسعار قد يؤدي في النهاية، بالنسبة لبعض شركات التأمين الخاصة التي تمارس مثل هذه المنافسة، إلى إفلاسها عندما ترد عليها المطالبات الكبيرة بالتعويض دون أن تكون لديها القدرة المالية، الخاصة بها وتلك التي قد توفرها حماية إعادة التأمين (وقد تكون غير موجودة أصلاً)، لتسديد أقيامها.نأمل أن تكون وزارة المالية وديوان التأمين العراقي وشركات التأمين العامة مدركة للمعايير/الأهداف الموضوعية لعملية الاندماج بعيداً عن أية دعاوى إيديولوجية. ونرى أن بعض هذه المعايير/الأهداف، وضمن شروط سوق التأمين العراقي في الوقت الحاضر، هي:المحافظة على الوضع التنافسي، وتجنب الآثار السلبية على شركات التأمين الخاصة (وهي شركات عراقية وطنية)، واستنباط وسائل حمايتها من المنافسة القوية المحتملة للشركة المؤسسة نتيجة للدمج.تحقيق نقلة نوعية لرفع مستوى الأداء من خلال تحسين جودة المنتج التأميني، تحسين مستوى الخدمات التأمينية، رفع كفاءة العاملين في شركات التأمين، بناء الكوادر، زيادة الإنتاج، إدخال التكنولوجيا المتقدمة في أداء العمل وفي الإنتاج.الكشف عن مبررات الدمج، واتساقه مع معطيات سوق التأمين العراقي، ومدى مساهمته في تعزيز سوق وطني اتحادي متكامل.في تاريخها الذي يمتد لما يزيد عن نصف قرن عملت شركات التأمين العامة على خدمة الاقتصاد العراقي، وبدرجات متفاوتة، ضمن الإطار العام للتحولات الاقتصادية والسياسية التي كانت خارج إرادتها. لم تشكل هذه الشركات في يومٍ ما عبئاً على خزينة الدولة بل على العكس كانت توفر إيراداً للخزينة من خلال الضرائب والرسوم.أملي أن تساهم هذه الورقة في إثارة نقاش عام مفتوح، بين ممارسي التأمين والمهتمين بقطاع التأمين، بشأن مصائر شركات التأمين العامة، والكشف عن ما يخطط لها.
  3. 21 شباط/فبراير 2016
  4. هـ-   اذا زادت مجموع خسائر المؤمن على خمسين بالمئة من رأسماله المدفوع.
  5. ج-    عدم اتخاذ المؤمن الاجراءات اللازمة لإعادة التأمين على المخاطر التي يتحملها او عدم كفايتها.

[1] جريدة المدى، 13 شباط 2015:

http://www.almadapaper.net/ar/news/481605/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A3%D9%82%D8%B1%D8%AA-%D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84%D8%A9-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84#.VN6W5RVoh28

[2] ذكرت في مقالة لي أن إعادة الهيكلة كانت معروفة في الماضي ولكن ليس بهذا الاسم. “هي حقاً ليست بالأمر الجديد بالنسبة لشركات التامين العراقية، فقد عرفتها أولاً في ستينيات القرن الماضي (عمليات الدمج والتأميم)؛ وفي الثمانينيات (إلغاء المؤسسة العامة للتأمين وإطلاق حرية العمل لشركتي التأمين العامتين لمزاولة أعمال التأمين على الحياة وغير الحياة، وإلغاء إسناد حصص إلزامية لشركة إعادة التأمين العراقية)؛ وفي التسعينيات (فتح السوق أمام تأسيس شركات تأمين خاصة وتحويل شركات التأمين العامة إلى شركات ذات تمويل ذاتي). وبعد سقوط الدكتاتورية صدر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتأسس بموجبه ديوان التأمين العراقي وجمعية التأمين العراقية. وهذه كلها محطات مهمة في تاريخ هيكلة قطاع التأمين العراقي تستحق الدراسة المستقلة.” أنظر: مصباح كمال، “هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟”، في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011؛ وكذلك مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/01/restructuring-state-owned-insurance.html

 

وقد شهدت الفترة التي أعقبت تأميم شركات التأمين (تموز 1964) دمج الشركات في أربعة كيانات هي: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية (وكانت تضم شركة الاعتماد للتأمين، وشركة الرشيد للتأمين)، شركة بغداد للتأمين (وكانت تضم شركة التأمين التجاري العراقي)، وشركة الرافدين للتأمين (وكانت تضم شركة دجلة للتأمين).

 

ليس عيباً أن نراجع تاريخ تطور قطاع التأمين العراقي، وليس مفيداً لأغراض البحث والتوثيق أن نتقصد إحداث قطيعة معه لأسباب إيديولوجية.

 

[3] حول تشجيع الاندماج بين شركات التأمين، كجزء من مشروع وضع سياسات للتأمين، أنظر: مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 26. ويمكن قراءتها أيضاً في “السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً،” الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009 وكذلك مدونة مجلة التأمين العراقي

http:misbahkamal.blogspot.com/2009/12/2009.html

 

[4] في الوقت الحاضر تقوم شركة إعادة التأمين العراقية بترتيب اتفاقيات إعادة التأمين باسمها لصالح جميع شركات التأمين، العامة والخاصة. وبفضل دخل أقساط التأمين التي تكتب بها الشركتين العامتين تستفيد معظم شركات التأمين الخاصة من هذه الاتفاقيات.

 

[5] أنظر بهذا الشأن مقالتي “هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟”، في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011؛ وكذلك مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/01/restructuring-state-owned-insurance.html

 

[6] كتب الكثير عن محاولات الخصخصة وتصفية القطاع العام، وقد كتب مؤخراً صائب خليل مقالاً نقدياً حاداً يعرض ويحلل فيه بعض أفكار الفئة الحاكمة. أنظر: صائب خليل “فرص العبادي “السانحة” وتعليمات دافوس” باستخدام هذا الرابط:

http://almothaqaf.com/index.php/araa2016/903007.html

 

[7] أنظر مصباح كمال: “نقد مشروع إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي”، MEES, Vol. 47, No. 19, 10 May 2004, pp D1-D5. نشر النص العربي المنقح والمزيد بعنوان “ملاحظات نقدية حول إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي”، الثقافة الجديدة، العدد 314، 2005، ص 48-58.

 

[8] تاريخ التكتلات الاقتصادية والمالية يمتد لأكثر من قرن خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. لمتابعة الجوانب المختلفة لموجات الاندماج والاستحواذ في قطاع التأمين راجع:

M&A in insurance: start of a new wave?, sigma No 3/2015, Zurich: Swiss Re.

[9] قد تكون هذه فرصة للتخلص من التخمة في الاستخدام نتيجة لسياسات المحاصصة وإعادة المفصولين إلى وظائفهم (البطالة المقنعة). أنظر: مصباح كمال،” آثار إعادة المفصول السياسي إلى وظيفته في شركات التأمين،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/03/reinstatement-of-politically-dismissed.html

Jews & Insurance Activity in Iraq: insurance in the memory of Ezra Hakkak

اليهود والنشاط التأميني في العراق:

التأمين في ذاكرة عزرا حكّاك

 

 

مصباح كمال

 

 

نشرت هذه الورقة أصلاً في هذا الموقع:

النقر للوصول إلى Jews_and_Insurance_Activity_in_Iraq_-_What_Ezra_Hakkak_Remembers.pdf

 

 

كتبتُ هذه المقالة بمساعدة من السيدين عزرا حكاك وأميل كوهين، فلهما أجزل الشكر.

 

 

[1]

 

ليست هناك دراسات مخطوطة أو منشورة عن دور اليهود في تاريخ التأمين العراقي،[1] وحتى الإشارات القليلة التي ترد عرضاً في بعض المقالات والكتب عن يهود العراق فإنها فقيرة في محتواها لأنها لم تكتب من منظور تأميني؛ ومع ذلك، تحتفظ هذه الإشارات على قلتها بأهميتها.[2]

وقد كتبت مقالة عن الموضوع اعتمدت فيها على ما توفر لي من معلومات.[3] وكان صديقي أميل كوهين قد أبدى اهتماماً بالموضوع، كما أشرتُ إلى ذلك في مقالتي. وقام مؤخراً بترتيب لقاء لي مع السيد عزرا حكاك (من مواليد بغداد 1929) الذي كان لوالده وكالة تأمين في بغداد: شركة عزرا مير حكاك وأولاده. [4]

 

وللاستفادة القصوى من هذا اللقاء وضعتُ قائمة طويلة من الأسئلة المتفرقة (66 سؤال) لتحفيز ذاكرة السيد عزرا حكاك لتنوير جوانب من دور اليهود العراقيين في مجال التأمين وتوثيقها لأغراض البحث. وكان أملي أن توفّر هذه الأسئلة الفرصة لإثارة المزيد من الأسئلة معه والتوسع في الحديث وكذلك التوسع في مضمون مقالتي السابقة.

 

وقد التقينا فعلاً بتاريخ 15 أيلول/سبتمبر 2016 في مطعم معجنات غرب لندن. وكان لقاءً ودياً حميماً وفيه بعض الشجون. كان السيد عزرا حكاك متواضعاً وصريحاً في إجاباته، ولكنه كان مُقلاً أيضاً لأنه لم يمارس النشاط التأميني في وكالة أبيه.

 

[2]

 

ولد عزرا في بغداد ودرس في يفاعته في طهران في مدرسة يديرها الآباء اليسوعيين فقد كانت لشركة عزرا مير حكاك وأولاده شركة مستقلة في شارع لالزار Lalezar في سراي أمير (خان أمير) في العاصمة الإيرانية في ثلاثينيات القرن الماضي (أنظر الصور في آخر المقالة). ويقول عزرا إن هذه الشركة عندما بدأت العمل كانت تركز على استيراد وبيع الأسطوانات وأجهزة الـﮔرامافون، ثم توسعت لتشمل سلعاً أخرى. لكنه لا يعرف إن كانت الشركة تمارس نشاطاً تأمينياً لوحدها أو بالتعاون مع الشركة في بغداد.

 

يقول بأنه بدأ العمل وكان عمره سبعة عشر عاماً عندما وظفه أبوه للعمل في شعبة تجارة المفرّق في شركة والده في خان الزرور،[5] لكي يتعلم المهارات الأساسية للعمل التجاري. ويذكر بأن العاملين في الخان كانوا يُجلّونه وينادونه باسم عزرا أفندي لكونه ابن مير حكاك. وتركّز عمله في البدء (تدريبه) على البلانجو (مسك الدفاتر الحسابية). ويقول بأن مسك الدفاتر كان يعتبر أساسياً للعمل في الشركات التجارية، ولذلك كان هناك إقبال كبير على تعلم أصوله وخاصة من قبل الشباب اليهود وبتوجيه من آبائهم؛ وهو ما حصل له. إن ما كان يدفع اليهود للعمل في مجال التأمين، وفي مجالات تجارية أخرى، هو الانحسار المستمر لفرص العمل في مؤسسات الدولة والقطاع العام.[6] لذلك كان اكتساب المهارات العملية أو الشهادة المدرسية والجامعية مسألة مهمة للأسر اليهودية.

 

تخصصت شركة عزرا مير حكاك وأولاده في تجارة الجلود أساساً، ونشطت في استيراد مكائن الخياطة، والدراجات الهوائية، وأجهزة الـﮔرامافون والخزائن الحديدية steel safes. ويذكر عزرا ان تقليد الزواج في الماضي كان يقضي تقديم ماكينة خياطة كهدية للعروس، وان الشركة كانت المجهز الرئيسي لهذه المكائن إذ أنها كانت وقتها المستورد والموزع الرئيسي لهذه المكائن.

 

بدأت الشركة العمل، كما يقول، في الخانات، وتمَّ فتح أول دكان لها في باب الأغا في شارع الرشيد، ثم تحوَّل إلى محل قريب من جسر مود.

 

[3]

 

كان التأمين يشكّل جزءاً من نشاط الشركة. وكان عدد العاملين في الشركة في بغداد 15 شخصاً، وكلهم من اليهود)، ويعمل أربعة منهم في وكالة التأمين بإدارة صالح شماش وأنور بيخور. لم يكن بين العاملين أي امرأة[7] إذ أن التقاليد ما كانت تسمح للمرأة بالعمل، خارج البيت، في الشركات ولكن الأحوال تبدلت نسبياً فيما بعد. ولم يعمل في الشركة موظفون من جنسيات أجنبية. كانت معرفة العاملين باللغة الإنجليزية جيدة، وكانت مطلوبة لأن وثائق التأمين كانت تصدر باللغة الإنجليزية. لم يعمل عزرا في وكالة التأمين لكنه كان على علم بها وإجراءاتها والعاملين فيها بفضل الاحتكاك بين الموظفين.

 

بسبب خصوصية العمل التأميني كانت وكالة التأمين مستقلة عن بقية الشركة ولها مكتب خاص بها في مقر الشركة، لكن ذلك لم يمنع مدير التأمين أن يسأل والده أو عمّه، أيهما كان حاضراً في الشركة، عن اجتماعات خاصة بالتأمين لأن الوالد والعم كانا الممثلين الرسمين للشركة.

 

تعاطت الوكالة بأنواع مختلفة من التأمين ومنها التأمين من الحريق، والسرقة، والتأمين البحري-بضائع؛ لكنها لم تمارس التأمين على السيارات في زمانه[8] (وكان عدد السيارات في الثلاثينيات قليلاً) وكذلك لم تمارس التأمين على الحياة (أول شركة تأمين على الحياة في العراق، حسب ما يتذكر عزرا، كانت إيطالية إلا أنه نسي اسمها ويعرف بأن الاسم تضمن كلمة أسكيوراتسيوني Assicurazioni). ويقول عزرا إن التأمين على الحياة كان موضوعاً للمزاح وإن البعض كان يعتبر من يشتريه مخبولاً. وهذا يؤشر، في رأي، على المستوى الهابط للوعي بأهمية هذا النوع من الحماية التأمينية والنظر إليها باستخفاف بناءً على الإيمان الديني بأن الأعمار بيد الله. وهذه القناعة ما زالت مستمرة ويشهد عليها العدد القليل لوثائق التأمين الفردي على الحياة.

 

كان زبائن الشركة من المؤمن لهم خليطاً من اليهود والمسلمين.

لم يكن للشركة فرع خارج بغداد سوى الموصل حيث كان لها وكيلاً مسيحياً.

 

كانت الشركة الوكيل الرسمي لشركة أللاّينس أشورنس Alliance Assurance Co Ltd وهي شركة بريطانية. وكانت الوكالة تتولى إصدار وثائق التأمين وتسوية المطالبات بالتعويض.[9]

 

تُرى لماذا اختارت عائلته تأسيس وكالة للتأمين؟ يقول عزرا إن جده، عزرا، كان تاجراً وقد تعرَّض مسكنه إلى حادث حريق كبير دمر محتويات البيت ومن بينها صكوك وأوراق مالية ووثائق أخرى مهمة ولم يُبقي الحريق إلا على بعض الليرات الذهبية العثمانية. وظل تأثير هذا الحادث قوياً في ذهن أبيه وعمه، ولذلك اتجها بعد تأسيس الشركة إلى تأسيس وكالة للتأمين إيماناً بأهمية التأمين في التعويض من حوادث الحريق. وهذا يؤشر على أن الدافع لتأسيس وكالة التأمين كان نابعاً من تجربة شخصية وليس مجرد التوسع في العمل التجاري القائم على الاستيراد والتصدير ليشمل التأمين.

 

لا يتذكر عزرا متى بدأت وكالة التأمين في العمل. ربما كان ذلك في أواخر عشرينيات أو أوائل ثلاثينيات القرن العشرين. ولكن ليس هناك دليل على ذلك.[10]

 

السؤال الآخر الذي يستحق البحث هو كيف استهدت عائلة حكاك إلى شركة أللاينس للتأمين أو استهدت الأخيرة للعائلة لتكون وكيلاً لها. لا يعرف عزرا خلفيات التأسيس ولا تاريخ تأسيس الشركة أو وكالة التأمين. ربما يكون رابط الدين مهماً في الاختيار، كما أرى. فالمعروف أن شركة أللاّينس أشورنس البريطانية “تأسست سنة 1824 وكانت وراءها مصالح مصرفية ومالية يهودية قوية. فقد دعى ناثان روتشيلد والسير موسيس مونتيفيوري أحد الأعضاء المتنفذين في جمعية الأصدقاء، صاموئيل غورني، للارتباط معهما وكذلك جون إيرفنغ وفرانسيس بيرنغ وكانا يشغلان مواقع قيادية في ميدان الصيرفة والمال.”[11] لتأسيس شركة تأمين برأسمال كبير. وقد يكون رابط حسن سمعة عائلة حكاك وعلو أخلاقيات العمل لديها عنصراً إضافياً ساهم في اختيارها لتكون وكيلة عن شركة أللاينس للتأمين.

 

لا يتذكر عزرا إن قام ممثلو شركة أللاينس للتأمين بزيارة مكتب وكالة التأمين، أو أن أبيه أو عمه قد سافرا إلى لندن بغرض التباحث مع الشركة حول سير أعمال وكالة التأمين وما يتعلق بها من أمور أخرى.

 

[4]

 

هناك تفاصيل فنية في العمل التأميني وأخرى ذات طابع تاريخي ضمنتُها في قائمة الأسئلة إلا أن عزرا كان صريحاً ومتواضعاً في القول بأنه لا يعرف عنها شيئاً أو ليس متأكداً منها ويفضل عدم إبداء رأي. من جملة هذه الأسئلة على سبيل المثل:

 

  • كيفية تسوية أقساط التأمين ومبالغ التعويضات مع شركة أللاّينس للتأمين.
  • هل كان تسعير وثائق التأمين من خلال تعرفات لفروع التأمين المختلفة؟
  • هل كانت الوكالة تعتمد على تعرفة لجنة مكاتب الحريق (الأجنبية) في بريطانيا (Fire Offices Committee-Foreign) بالنسبة لفرع التأمين على الحريق، إذ أن شركة أللاينس كانت تعتمدها في الاكتتاب بأعمالها في لندن؟
  • هل كانت شركة التأمين الأجنبية تقوم بمراقبة أعمال وكالة التأمين؟
  • دور شركة أللاينس للتأمين في تحديد الصلاحيات الاكتتابية للوكالة (فيما يخص مبلغ التأمين، وتسوية مطالبات التعويض).
  • هل كانت وثائق التأمين تصدر بالدينار العراقي أم بالجنية الإسترليني أو أية عملة أجنبية أخرى؟
  • هل كانت الوكالة تقوم بالتأمين البحري على البضائع التي كانت تستوردها والبضائع التي كانت تقوم بنقلها براً في أنحاء العراق؟[12]
  • هل كانت دور العبادة والمدارس اليهودية وغيرها من المؤسسات اليهودية مؤمن عليها؟ وهل كان للوكالة دور في ذلك؟

وبالنسبة لبعض الأسئلة الأخرى كسؤالي فيما إذا كانت بعض المحلات التجارية والبيوت التي تعرضت للفرهود (2-1 حزيران 1941) مؤمنة لم يستطع عزرا الجواب لأنه كان وقتذاك في طهران.[13] وكان جوابه فيما إذا كان التحويل الخارجي سهلاً هو أن القيود الرقابية على التحويل الخارجي كانت مرنة ولم تنشأ الصعوبات إلا خلال الحرب العالمية الثانية.

 

عندما ساءت أوضاع اليهود في العراق، مع الفرهود وإصدار قانون ذيل مرسوم إسقاط الجنسية العراقية رقم 62 لسنة 1933، الوقائع العراقية، العدد 2816 بتاريخ 9 آذار 1950) وما لحقه من قوانين لتجميد أموال اليهود المسقطة عنهم الجنسية العراقية (كالقانون رقم 5 و12 لسنة 1951) قرر والده تسجيل جميع أمواله باسم ابن عمته. لكن حكاك لا يتذكر ما حلَّ بوكالة التأمين.[14]

[5]

 

لقد حاولت في هذه الورقة عرض جوانب من النشاط التأميني في العراق من خلال التركيز على دور يهود العراق في هذا النشاط اعتماداً على قناعتي بأن دراسة دور اليهود هو في ذات الوقت دراسة لتاريخ تطور التأمين في العراق. وهنا تلعب الرواية الشفهية والشهادات الشخصية دوراً في البحث التاريخي خاصة إذا كانت صادرة من قبل أكثر من شخص، نزيه وخالٍ من الغرض، أو يمكن التثبت من صحتها بالكشف عن الأدلة عليها. آمل أن أستطيع تسجيل شهادات أخرى فلربما نستطيع أن نخرج بفهم أفضل لدور يهود العراق في مجال التأمين وفي ذات الوقت نُقيّم تاريخ تطور النشاط التأميني. البحث الأكاديمي بهذا الشأن ليس سهلاً إلا أن من يقوم به سيكشف لنا الكثير عن هذا التاريخ المهمل.

 

أيلول-تشرين الثاني 2016

 

موقع شركة عزرا مير حكاك وأولاده في شارع الرشيد. هذه الصورة مستنسخة من الأنترنيت.

 

الصور الثلاث التالية لمكاتب الشركة في طهران هي من الأرشيف الشخصي للسيد عزرا حكاك.

 

 

 

[1] الوضع ذاته ينطبق على تاريخ التأمين في البلدان العربية (المغرب، تونس، مصر، على سبيل المثل). فبالنسبة لمصر هناك إشارات سريعة لدور يهود مصريين وخاصة بالنسبة لإنشاء شركة التأمين الأهلية عام 1900.

 

[2] ليست هناك معلومات تفيد متى وأين بدأ بعض يهود العراق العمل في مجال التأمين (وكالات أو شركات تأمين أجنبية أو عراقية) ولكن يرد التالي في أحد كتب المذكرات (سلمان درويش، كل شيء هادئ في العيادة (حيفا: رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق، 1981).

 

“عندما استولى الجيش البريطاني على بغداد (11 آذار 1917) وأنهى حكم الاتراك وجد الانكليز الكثير من اليهود الذين سبق ان تخرجوا من مدارس الاليانس وأملوا الوظائف فكان منهم المستشارون، ومديرو الشركات التجارية، ومراقبو الحسابات العامة، والحكام، والكتاب، والمترجمون وامتلأت بهم دوائر السكك الحديدية والميناء والبريد والبنوك والتأمين وضريبة الدخل وحتى مؤسسات الشرطة والجيش لم تخل منهم، واستمروا بجد واخلاص عندما قامت الحكومة الملكية الوطنية أيضاً حتى اذا ما تخرج عدد من غير اليهود من المدارس الرسمية اخذوا يحلون محل اليهود تدريجياً حتى كادت الدوائر تخلو منهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وصدور قانون اسقاط الجنسية رقم 1 لسنة 1950.”

 

وكان الموظف اليهودي خلال هذه الفترة 1917-1950 موضع ثقة رؤسائه ورضاهم سواء أكانوا من الانكليز ام من الوطنيين العراقيين لما عرف عنه من اخلاص وتفان في العمل.” [التأكيد من عندي]

 

النص مقتبس من الإنترنيت: http://iraq.iraq.ir/vb/showthread.php?t=181305

[3] كتبت ورقة حول الموضوع بعنوان “اليهود والنشاط التأميني في العراق” نشرت في مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/07/jews-of-iraq-and-their-role-in-iraqs.html

https://iraqinsurance.wordpress.com/2016/07/30/iraqi-jews-and-their-role-in-insurance-activity/

ونشرت أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

 

وقد ذكرت في المقالة اسم وكالة تأمين حكاك Hakkak, E M & Sons Ltd, Rashid Street ضمن أسماء الوكالات كما وردت في الدليل التجاري العراقي 1936.

 

[4] ليس هناك معلومات متداولة عن شركة عزرا مير حكاك وأولاده ولكن يرد النص التالي في أحد المواقع الإلكترونية مع صورة لموقع الشركة، وقد اقتبسته بنصه كما هو منشور:

 

“والموقع شارع الرشيد الحيدرخانه ويافظة [يافطة] شركة عزرا مير حكاك واضحة بالصورة وهي شركة لااستيراد [لاستيراد] الكراموفونات والدرجات الهوائية وفوانيس اللوكس.”

 

[5] حسب المعلومات المتوفرة على الإنترنيت فإن خان الزرور من الخانات القديمة في بغداد (شُيدَّ عام 1534)، ويُعرف أيضاً باسم خان الدوﮔمة (الزر في اللهجة العراقية) أو خان المرادية. أنظر، على سبيل المثل:

http://almadasupplements.com/news.php?action=view&id=9169#sthash.AyDtY

 

[6] ذكر عزرا حكاك أن اليهود العاملين في الدوائر الرسمية والمؤسسات العائدة للدولة كدائرة البريد والبرق والسكك الحديدية قد تعرضوا للفصل من وظائفهم اعتباراً من العام 1947.

 

[7] عند إثارتي لسؤال حول عمل المرأة في وكالة التأمين، قال مبتسماً إن مكان المرأة في ذلك الزمان هو البيت، لكن الوضع تغير فيما بعد. ويؤكد هذا التغيير ما ورد في مقالة الزميل ميرزا مراد مجيد خان، “أيامي الأولى في التأمين،” مرصد التأمين العراقي، حيث يقول بأنه أثناء عمله في خمسينيات القرن الماضي في شركة Strick and Ellerman في بغداد “كان قسم التأمين يديره شخص يهودي اسمه سليم عوبديا، أو بالحقيقة شالوم. كان ذو أخلاق عالية تساعده موظفة يهودية تزوجها لاحقاً بالرغم من فارق العمر الكبير بينهما.”

https://iraqinsurance.wordpress.com/2016/07/26/my-early-days-in-insurance/

 

[8] عندما سألته فيما إذا كانت الوكالة تقوم بالتأمين على السيارات على خلفية ما قرأته في إحدى القنوات الإلكترونية أن الشركة كانت تقوم باستيراد الباصات الصغيرة، نفى أن تكون الشركة قد قامت باستيراد السيارات إذ كانت هناك وكالات متخصصة في هذا المجال.

 

وقد اكتشفت فيما بعد أن شركة عزرا مير حككاك وأولاده كانت تمارس التأمين على السيارات أوائل أربعينيات القرن الماضي. أنظر مصباح كمال، “التأمين في الأرشيف اليهودي العراقي: قراءة أولية،” مجلة التأمين العراقي.

https://www.academia.edu/29134567/Insurance_in_the_Iraqi_Jewish_Archives

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/10/httpswww.html

 

[9] وقد استمرت هذه الصيغة حتى صدور قانون تأميم بعض الشركات والمنشآت المرقم 99 لسنة 1964. يقول الأستاذ بهاء بهيج شكري، معلقاً على بعض جوانب هذا القانون الذي ينطوي على عيب كما يوضح بالتفصيل، وفيما يخص وكالة فؤاد حبه، إن ” السيد فؤاد حبه بصفته وكيل تأمين كان يقوم بإصدار وثائق التأمين نيابة عن شركة أطلس ويحول لها أقساط التأمين بعد أن يستقطع عمولته المتفق عليها منها. وعند حصول طلب تعويض يدفعه من حسابه ويطالب الشركة بتحويله له أو يستوفيه مقاصة من أقساط التأمين المستحقة للشركة.” أنظر: بهاء بهيج شكري: بحوث في التأمين (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2012)، ص 62.

 

[10] قرأت في الكتاب الذي أصدرته شركة أللاينس للتأمين بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسها أسماء فروع الشركة خارج المملكة المتحدة، ومن بينها الهند ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا، ولم يرد فيه أي ذكر للعراق.

 

William Schooling, Alliance Assurance, 1824-1924 (London: Alliance Insurance Company, Limited, 1924).

 

[11] Harold E. Ray, A History of British Insurance (London: Sir Isaac Pitman & Sons Ltd, 2nd Ed. 1964. First published 1948), pp 234-235.

في عام 1959 تم دمج شركة صن للتأمين Sun Insurance مع شركة أللاينس للتأمين وتكوين شركة جديدة باسم شركة صن أللاينس للتأمين المحدودة Sun Alliance Insurance Ltd وهي الآن ضمن مجموعة RSA Insurance Group

  1. G. M. Dickson, The Sun Insurance Office, 1710-1960 (London: Oxford University Press, 1960), Foreword by C. G. Randolph, p vii.

https://www.rsagroup.com/who-we-are/history/

 

[12] بعد قراءته لمقالتي “يهود العراق ودورهم في النشاط التأميني” ذكر لي الصديق إسماعيل الجاسم (14 آب 2016) بأنه كان يذهب أثناء العطلة الصيفية للمدارس في بغداد [في أواخر ثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن الماضي] إلى محل أبيه، عبد الحسين جاسم، وكان متخصصاً بأعمال النقل [البري داخل العراق]. وذكر بأن شخصاً لا يتذكر اسمه على وجه الدقة، ربما هو اسحق، كان يتردد إلى المحل ويعرض على والده التأمين على البضائع التي كان يقوم بنقلها لصالح التجار. ولما كان عدد التجار الذي يقوم بنقل بضائعهم يتجاوز الخمسين أو الستين وبضائعهم مختلفة فإنه لم يستطع تقدير قيمة البضائع الإجمالية لأغراض التأمين أو احتساب متوسط قيمة البضائع المنقولة وتقديم معلومات أخرى تطلبها شركات التأمين كعدد الرحلات، ووسائط النقل المستخدمة، وحمولة البضائع، ونمط تغليفها، وخبرة الخسارة. لذلك فإنه لم يؤمن عليها. وإن حصل ضرر أو فقدان لبضاعة أحد التجار فإن أبوه كان يعوض صاحبها من ماله الخاص. وقد أشتهر عنه بأن من يريد نقل بضائعه ما عليه إلا أن يعهد بنقلها إلى عبد الحسين جاسم لأن النقل “مصوﮔر” أي مضمون في حالة الفقد، إذ أنه كان يعوض صاحب البضاعة المتضررة أو المفقودة بسرعة وبدون تساؤولات. وهكذا فإن أبوه كان نقلاً ومؤمناً في ذات الوقت!

 

تؤكد هذه الرواية أن يهوداً كانوا يشتغلون في بيع وثائق التأمين لأصحاب المحلات التجارية (الإنتاج المباشر)؛ وتشير في نفس الوقت إلى قبول فكرة التأمين لدى هؤلاء ولكن دون التمكن والاستعداد لتقديم البيانات الضرورية لرجل البيع كي يقوم بترتيب غطاء التأمين لصالحهم.

 

[13] كتب لي الصديق أميل كوهين الملاحظة التالية بعد قراءة مسودة المقالة:

 

“حسب علمي لم تكن المحلات التجارية والبيوت التي تعرضت للفرهود مؤمنة وحتى لو كانت مؤمنة فأعتقد أن شركات التأمين ترفض إعطاء التعويضات على أساس أنه لم تكن هناك حكومة في يومي الفرهود، أي أن الدولة في حالة فوضى. أتذكر أن السفارة البريطانية في بغداد تعرضت للحريق بعد مظاهرة شعبية عقب ثورة 14 تموز 1958 بكم يوم ورفضت شركة التأمين أن تعوض السفارة البريطانية او بالأحرى صاحب البناية. فأقام صاحبها دعوى ضد شركة التأمين في إحدى المحاكم العراقية واستُدعى والدي كشاهد خبير أمام المحكمة وكانت شهادته أن الثورة انتهت وأن البلد كان له حكومة مسيطرة على إدارة الدولة وليس هناك فوضى، وإن ما حصل ليس حرباً بل هو مظاهرة وهذا، حسب قواعد التأمين لدى شركة التأمين لا يعتبر حالة استثنائية. وافقت المحكمة على شهادته وصدر القرار بتعويض صاحب المبنى.”

 

جرت العادة في التأمين غير البحري على الممتلكات (هناك شروط خاصة بالنسبة لغطاء الحرب في التأمين البحري) على استثناء “الحرب، الغزو، أعمال العدو الأجنبي، العدوان أو العمليات العسكرية (سواء أعلنت الحرب أو لم تعلن) والحرب الاهلية.” وكذلك “التمرد، الشغب، الهيجان الشعبي، الانقلاب العسكري، الفتنة، العصيان، الثورة، القوة العسكرية أو القوة الغاشمة أو حالة الحصار أو أي من الحالات أو الأسباب التي تدعو إلى إعلان أو استمرار حالة الحصار أو الأحكام العرفية.” وليس لنا أن نقيَّمَ أو أن نحكم على رأي الشاهد الخبير من دون التعرف على شروط وأحكام واستثناءات وثيقة التأمين وكذلك الواقعة موضوع المطالبة بالتعويض.

 

حاولت الحصول على معلومات إضافية من أميل عن هذا الموضوع ودور والده للكشف عن الأبعاد التأمينية والكتابة عنه إلا أن ذاكرته لم تتعدَ ما كتبه. وليس هناك الكثير عن المظاهرة أمام السفارة البريطانية والضرر الذي أصاب بعض المباني ومقتل الملحق العسكري للسفارة. وقد استهديت إلى الكتاب التالي الذي يقدم وصفاً وتحليلاً لما جرى لكنه لا يذكر التأمين:

Juan Romero, The Iraqi Revolution of 1958: A Revolutionary Quest for Unity and Security (Lanham, MD and Plymouth, UK: University Press of America, 2010), pp 124-125.

 

https://books.google.co.uk/books?id=CMY4DIKBcGkC&pg=PA124&lpg=PA124&dq=attack+on+british+embassy+in+baghdad+1958&source=bl&ots=KrJDjfWAP9&sig=31KDBIDa7kB4J7xfwAiBli5_Js4&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwje_aSjyZfPAhViJsAKHYPSBHoQ6AEIKDAC#v=onepage&q=attack%20on%20british%20embassy%20in%20baghdad%201958&f=false

 

بتاريخ 13 تشرين الأول 2016 كتب أميل كوهين رسالة، تعليقاً على ورقتي “التأمين في الأرشيف اليهودي: قراءة أولية”، جاء فيها:

 

“… you mention Iraq Insurance Office as agents of Guardian Assurance Co. which is the one my father, Menashe Cohen, was one of its directors. His partner and sole owner, until joined by my father, was Selim Tawfiq who you mention in Page 8*. I am not sure whether there is any further information but my belief is that my father was in charge for a short period during Qassim’s time as Selim Tawfiq was dealing with it part time.”

* الإشارة هي للصفحة 8 من مقالتي “التأمين في الأرشيف اليهودي العراقي: قراءة أولية.”

 

[14] وكالات وشركات التأمين خضعت للتأميم في تموز 1964 ويبدو لي أن وكالة الحكاك وقتذاك كانت قد توقفت عن العمل إذ أن اسمها لا يرد في قائمة شركات ووكالات التأمين المؤممة.

 

وقد كتب لي الزميل منعم الخفاجي في رسالة له بتاريخ 20 أيلول 2016 التالي:

 

“ناقشت مع الأستاذ عبد الباقي [رضا] موضوع وكالات التأمين العراقية في سنة 1964 وتوصلنا حسب الذاكرة، أن لا وجود لمثل هذه الوكالات في ذلك التأريخ. أتذكر ان منتجين (Two Agents) كانا متعاقدين مع شركة بغداد للتأمين بالعمولة أحدهما اسمه محمد علي خيري وهو فلسطيني الجنسية والآخر عراقي مسيحي لا أتذكر اسمه.”

 

وكتب بتاريخ 30 أيلول 2016:

 

“اما عن اليهود العراقيين فليس لدي معلومات لكن الأستاذ عبد الباقي أخبرني ان شخص يهودي اسمه “إحسان صدْقَه” [الاسم الصحيح هو اسحق، كما ذكر لي الأستاذ عبد الباقي رضا في رسالته لي بتاريخ 19 تشرين الأول 2016] كان يدير وكالة باسم “حمزة وعباس الدرزي” تابعة لشركة (National Insurance of New Zealand) وكانت هذه الوكالة من انشط الوكالات وفروع الشركات الأجنبية العاملة في العراق آنذاك بفضل الطريقة التي كانت تدار بأسلوب يهودي! أعلمني مرة أحد العاملين مع هذه الوكالة بأن سياستهم في دفع التعويضات كانت سهلة جداً بحيث يتم دفع التعويض وبالأخص تعويضات التأمين البحري بمجرد تقديم القوائم دون أي تأخير مما اكسب هذه الوكالة ثقة السوق.”

 

استمر حضور اليهود في قطاع التأمين بأشكال مختلفة ربما حتى أواخر ستينيات القرن الماضي. ففي مقابلة مع المحامي شوع جيجي، تم تسجيله في كانون الأول 2006 من قبل السيد إيلي تمن، يذكر فيه بأنه ووالده كانا يمثلان خمس شركات تأمين. وكان شوع جيجي قد تخرج من كلية الحقوق عام 1955 ورحل عن العراق عام 1965. رابط المقابلة:

Shoua Jiji 1 by Eli Timan

 

وجاء في رسالة من أميل كوهين بتاريخ 15 تشرين الأول 2016 أن والده استمر في العمل التأميني حتى قبل فترة قصيرة من هروبه من العراق عام 1970 إلى إنكلترا بعد أن ضاقت به السبل وتدهورت أحواله المالية. وذكر فيها أيضاً أن صباح عقيرب، أبوه إلياس عقيرب، ظل يعمل في التأمين حتى بعد تأميم شركات التأمين والوكالات عام 1964. [كانت هناك وكالة تأمين باسم إيتش[هارون] دي شوحيط و إي [إلياس] عقيرب H D Shohet & E Akereb Ltd. وكانت هذه الشركة وكيلة لشركة Legal & General Assurance Society and The South British Insurance Company Ltd]

 

Rating of State-Owned Insurance Companies of Iraq

هل هناك مشروع حقيقي لتصنيف شركات التأمين العامة في العراق؟

 

 

مصباح كمال

 

 

نشرت أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.net/ar/2016/11/01/

 

(1)

 

أثناء البحث عن بعض المعلومات الخاصة بسوق التأمين العراقي وقع نظري مؤخراً على صفحة “الإيفادات الرسمية لعام 2016” في الموقع الإلكتروني لوزارة المالية. وتضم هذه الصفحة جدولاً بالإيفادات وفيها معلومات عن أسماء الموفدين، دوائرهم، الأمر الصادر لإيفادهم، مدة الإيفاد، الجهة التي تتحمل نفقات الإيفاد، الغرض من الإيفاد.

 

وقرأت فيها أن وفداً ضم المدراء العامون لشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية وممثلاً عن وزارة المالية، عُيّنَ مؤخراً عضواً في مجلس إدارة شركة التأمين الوطنية، يزور دبي في أوائل آب 2016 للتباحث في موضوع تصنيف الشركات الثلاث. [1]

 

سررت باطلاعي على هذا الجدول لأنه يدل على درجة من الشفافية في مجال إيفادات مدراء وكبار موظفي الوزارات والشركات العامة. ويمكن من خلال هذه الجداول تتبع إيفادات أشخاص معينين ومعلومات أخرى عن إيفادهم. في ذات الوقت، وفيما يخص شركات التأمين العامة[2] تحديداً، فإنها ملزمة باستحصال الموافقات الأصولية من وزارة المالية قبل أن تستطيع إرسال موفديها إلى الخارج رغم أنها شركات تمويل ذاتي تسدد نسبة من أرباحها إلى خزينة الدولة لكنها لا تستطيع البتَّ، لوحدها وباستقلالية، على إيفاد موظفيها إلى الخارج. وهذه مسألة بيروقراطية موروثة مُكلفة وفيها تبذير للموارد. لعل الشركات المعنية تقوم بمعالجة هذا الموضوع مع الجهات المعنية في الدولة بما يكفل حريتها في اتخاذ قراراتها ومنها المتعلقة بسفر موظفيها بدون الموافقة المسبقة لوزارة المالية.

 

 

 

(2)

 

ما يهمني من الخانات العديدة في جدول الإيفادات تلك المتعلقة بغرض الإيفاد: المناقشة أو التفاوض مع شركات التصنيف المتخصصة. أول سؤال يخطر بالبال في هذا الشأن هو اختيار شركات التصنيف في دبي، وهي ليست شركات عربية[3] بل فروع لشركات غربية، أمريكية تحديداً، وليس الشركات الأم في الولايات المتحدة أو بريطانيا. ومن المعروف أن أهم الشركات المتخصصة في هذا المجال هي: Standard and Poor’s, A. M. Best, Moody’s, Fitch وتعتبر ستاندرد أند بورز وأي إم بيست الأكثر شيوعاً بين شركات التأمين. ربما اختارت شركات التأمين العامة الثلاث دبي لقربها من العراق، أو توفر تسهيلات باللغة العربية، أو سعر تنافسي لتقديم خدمة التصنيف.

 

ليس معروفاً إن قامت كل شركة، قبل الإيفاد، بمخاطبة واحدة أو أكثر من شركات التصنيف في دُبي، أم انها قامت بالتنسيق فيما بينها لتعرض طلبها على شركات التصنيف كمجموعة بهدف الحصول على سعر تنافسي أفضل.[4] وليس معروفاً إن قامت بالاستئناس برأي مستشارها في لندن أو مجموعة وسطاء إعادة التأمين لتقديم بعض المعلومات الأولية بشأن التصنيف.

 

ليس معروفاً أيضاً لماذا ومتى شرعت الشركات الثلاث بالتفكير للحصول على درجة تصنيف من شركة/شركات متخصصة في هذا المجال.[5] هل أن الدافع له كان ذاتياً، أو بتوجيه من مكتب الخبراء في وزارة المالية، أو ربما تماشياً مع توصيات مؤسسات مالية عالمية، صندوق النقد الدولي مثلاً.

 

ترى هل أن الشركات الثلاث مرتاحة للتصنيف الائتماني للعراق أو ترى أن هذا التصنيف جيد (رغم التضارب بشأنه من قبل شركات التصنيف) وهذا هو الوقت المناسب للحصول على تصنيف لها أيضاً، إذ أن التصنيف الائتماني للبلد يُؤخذ بنظر الاعتبار عند تصنيف شركات التأمين، إضافة إلى عوامل أخرى كأهلية الإدارة، والبيانات المالية للشركات وغيرها من معايير التصنيف التي تتبعها شركات التصنيف.

 

لعل هذا وغيره سيكون مثبتاً في تقرير الوفد لوزارة المالية حول مفاوضاتها مع شركة/شركات التصنيف في دبي.

 

(3)

 

إن شروع شركات التأمين العامة الثلاث في الحصول على تصنيف لها من شركة/شركات متخصصة أمر محمود ومطلوب، ومتى ما حصلت على التصنيف، إن كانت درجة التصنيف جيدة، فإن ذلك سيعزز من مكانتها في سوق التأمين العراقي وفي ذات الوقت يقوي من قيمتها ومن مركزها التفاوضي مع شركات إعادة التأمين الدولية. ومن الآثار الأخرى للتصنيف هو دفع شركات التأمين الخاصة نحو التفكير بالحصول على تصنيف لها، ذلك لأن التصنيف الجيد هو أحد أدوات التسويق، كما أن درجة التصنيف الجيدة تبعث على اطمئنان المؤمن لهم الحاليين على المكانة المالية لشركات التأمين وقدرتها على تسديد المطالبات بالتعويض وتشجع طالبي التأمين المرتقبين لإجراء تأميناتهم معها.

 

وبغض النظر عن الموقف المؤيد أو المشكك في أهمية التصنيف فإنه صار من لوازم العمل في الأسواق المتقدمة وحتى في بعض أسواق التأمين العربية. وحتى أن بعض شركات التأمين تلجأ إلى الحصول على درجة تصنيف من شركتين متخصصتين ليس من باب المباهاة ولكن لاختلاف درجة التصنيف بينهما والمعايير المستخدمة في تقدير التصنيف، وتأثير ذلك على موقف المؤمن لهم. فمن المعروف أن تخفيض درجة تصنيف شركة التأمين يؤثر على قدراتها في الحصول على أعمال جديدة أو الاحتفاظ بالأعمال التي اكتتبت بها.

 

أتطلع إلى الوقوف على خلفيات موضوع التصنيف، ونتائج المباحثات في دبي، إن كان ذلك ممكناً. أتمنى على من له معرفة بالموضوع الكتابة عنه لأنه جديد على قطاع التأمين العراقي، ولعل الشركات الثلاث تُقدم على بيان موقفها لتعريف ممارسي التأمين في العراق به وكذلك جمهور المؤمن لهم وخاصة الشركات.

 

1 تشرين الثاني/نوفمبر 2016

[1] www.mof.gov.iq/pages/ar/efaad.aspx قد يلاقي القارئ بعض الصعوبة في فتح الجدول بأكمله، كما حصل معي، إذ أنه انفتح في محاولتي الأولى واقتصر الفتح فيما بعد على إيفادات شهر كانون الثاني 2016 مما فوّتَ عليَّ استعادة المعلومات التي أرغب بها ومنها مدة الإيفاد.

 

[2] عندما نستعمل عبارة “شركات التأمين العامة” فإننا، من باب الاختصار، نعني بها التأمين الوطنية والتأمين العراقية والإعادة العراقية.

[3] ليست هناك شركات عربية متخصصة بالتصنيف سوى شركة الخبير الإكتواري اللبناني إبراهيم مهنا: شركة أ. أ. مهنا وشركاه (أكتواريين وإستشاريين) i. e. Muhanna & Co Actuaries & Consultants

[4] عرضت مسودة هذه المقالة على مدراء الشركات الثلاث للاطلاع عليها وإعلامي بأية ملاحظات بشأنها. وقد وردني توضيح من المدير العام وكالة لشركة التأمين العراقية، الآنسة هيفاء شمعون عيسى، بعد قراءة مسودة المقالة، بأن الشركات الثلاث اعتمدت شركة أي إم بست لتصنيفها.

[5] في مقالة لي بعنوان “مهام جديدة-قديمة أمام شركة إعادة التأمين العراقية” ذكرت بأن هناك العديد من الموضوعات المطروحة على الإعادة العراقية ومن بينها “الإعداد للحصول على تصنيف rating classification من قبل إحدى شركات التصنيف المتخصصة.” المقالة منشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين ومرصد التأمين العراقي ومجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/12/new-tasks-before-iraq-reinsurance-co.html