ملاحظات عن الاكتتاب بأخطار السرقة والحريق والسيارات في ظل الظروف غير الاعتيادية
محمد الكبيسي
يتحدث الخبر الذي نقله الزميل مصباح عن أعمال السطو المسلح والسرقة للمحلات العامة ودور السكن وسرقة السيارات وما شابه، ويشير زميلنا إلى أهمية رصد تأثيرات هذه الأحوال على عملية الاكتتاب في الأخطار التي تقوم بها شركات السوق في فروع التامين المختلفة لتسعير ما معروض عليها لما له من أهمية في التوصل إلى القسط الكافي لتغطية التعويضات المتوقعة والآخذة بالازدياد الناجمة عن الزيادة في حدة الخطر موضوع البحث، ولا بد لأي مراقب ان يتحرى الأسباب أو المسببات فليس التحكم بالنتائج كافيا لوحده في تصوري ولابد من العمل على معالجة الأسباب إلا ان هذه المعالجات غير متيسرة لقطاع التامين فهي خارجة عن إرادة شركات التامين وليس من اختصاصها فهي من اختصاص السلطات، بمعنى إننا سنظل نواجه مثل هذه الزيادة في حدة الخطر في سوقنا لحين استقرار الأوضاع العامة إلى المستويات الطبيعية وعلينا ان نقرر إما نستمر في منح التغطيات بأسعار معدله وبشروط خاصة مشددة أو نتوقف عن منحها.
لنعد إلى التاريخ القريب، إلى قبل عشرين أو ينوف من السنين أي إلى عقد الحصار من 1991-2003 ففي سنة 1993-1994 وكنت آنذاك وكيلا لشركة التامين العراقية وأمارس بيع التأمينات العامة إلى جانب تأمين الحياة لاحظنا جميعا كثرة السرقات في:
1. السيارات
2. محلات بيع قطع غيار السيارات
3. محلات بيع الأجهزة الكهربائية المنزلية وسواها
4. محلات الصاغة وبيع المجوهرات
وأقتبس لكم بعضا من القيود والتحديدات التي خرجت بها الشركتين الوحيدتين في السوق آنئذ وهما شركة التامين الوطنية وشركة التامين العراقية فيما يتعلق بالاكتتاب بهذه الأخطار وأذكركم (فكلكم يعلم ربما باستثناء الأخ مصباح) بالسقوف والأسعار الجديدة (العالية) التي وضعت في تعرفتهما لتحديد مسؤولية الشركات القصوى نتيجة الضغط غير العادي الناشئ عن: ليس ارتفاع حدة الخطر وحسب وإنما عن فقدان برامج الحماية الاعادية الأجنبية كذلك بسبب الحصار واعتماد الإعادة العراقية والوطنية على صافي احتفاظها من الأخطار في محاولتهما استيعاب الأخطار المحلية بما فيها من التردي في النوعية والارتفاع في حدة الخطر.
الاقتباس من تعريفة الوطنية لسنة 1993 (لست متأكدا من السنة!)
ملاحظات حول التأمين من السرقة
1. من الممكن التأمين من السرقة فقط ، حسب مقتضى الحال وتقدير المكتتب .
2. لا يقبل التأمين للأبنية القديمة غير المحكمة والمشيدة بالخشب والحصران .
3. التأمين على محلات الفيديو كاسيت ومحلات تصليح الراديو والتلفزيون و C.D من
صلاحية الشركة فقط حسب مقتضى الحال وتقدير المكتتب .
4. تستثنى الأدوات الاحتياطية من التأمين في محلات تصليح الثلاجات والمكيفات والغسالات .
5. يشترط أحكام واجهات التكييف بأقفاص حديدية .
6. لا يقبل التأمين على المخازن والمعامل ما لم تكن هناك حراسة خاصة ودائمية .
7. لا يمسقفة.ين محلات بيع الأدوات الاحتياطية إلا بموافقة الشركة .
8. لا يقبل تأمين محلات بيع المواد الإنشائية ومحلات الحدادة والنجارة إلا إذا كانت مسقفة .
9. يفترض عند تقديم طلب تأمين محل ضد السرقة وجود تحكيمات للأبواب والشبابيك بأقفال محكمة أيضا” وفي حالة عدم وجود كتائب يشار إلى ذلك ويكون قبول التأمين من صلاحية الشركة فقط حسب مقتضى الحال وتقدير المكتتب.
10. بالإمكان النظر في قبول التأمين على المحلات داخل القيصرية على أن تكون هناك بوابة حديدية وحراسة للبناية و حسب مقتضى الحال وتقدير المكتتب.
11. يكون سعر السرقة لمحلات البيع حسب نوع البضاعة وكالآتي:
نـوع البضاعة |
السعر لكل ألف دينـار
|
الملاحظـات |
1. بيع طوابع الهواة |
6 |
– |
2. أقلام حبر وقداحات بيع وتصليح |
10 |
– |
3. الأقمشة والألبسة والكماليات والعطور وتجهيزات الرياضة |
10 |
– |
4. التأسيسات الكهربائية |
8 |
– |
5. التجهيزات واللوازم المنزلية |
10 |
– |
6.التحف واللوحات الفنية |
10 |
تحدد قيمة أغلى تحفة |
7. الصور المائية أو الزيتية |
5 |
= = = صورة |
8. الدراجات بيع وتصليح |
5 |
– |
9. السبح والأحجار الكريمة |
10 |
= = = مسبحة أو حجر |
10. العدد التجارية |
6 |
– |
11. الكرستال
|
10 |
–
|
—————————-(انتهى الاقتباس)———————–
قيود أخرى في التامين من خطر الحريق
لم يكن خطر السرقة لوحده هو المشمول بالقيود والأسعار المشددة بل حتى الحريق هنالك شرط أتذكره جيدا ولكني لا أتوافر عليه في حاسبتي ومفاده عدم قبول التامين ضد حريق المخزن بدون وجود لحارس / حراس على مدار الساعة في الموقع ، ومواقع التخزين في العراق لا تقتصر على المخازن المخصصة قياسيا لخزن البضائع وهو ما يعرف بالـ (Warehouse) وإنما كانت ولا زالت الدور السكنية أيضا تستخدم كمواقع لخزن شتى أنواع البضائع ومن الطبيعي ان هذه المخازن تقبع وسط الأحياء السكنية المنتشرة في العاصة والمدن الأخرى وليس بالضرورة في مناطق صناعية محددة كالمخازن التخصصية المشار إليها آنفا.
قيود أخرى في التامين الشامل على السيارات
1. تحديد مسؤولية الشركة في حالة الخسارة الكلية نتيجة السرقة بسقف يصل أحيانا إلى أكثر من 50% من مبلغ التامين ووصل نهاية عام 1994 إلى ما لا يزيد عن 10% من قيمة السيارة أو المركبة (التطبيق العام حاليا يحدد مسؤولية الشركة بـ 75% من مبلغ التامين المثبت في جدول الوثيقة)
2. الشركة ليست مسؤولة عن سرقة عجلات السيارة المركونة في الشارع كما انها ليست مسؤولة عن فتح صندوق السيارة عنوة وسرقة محتوياته المؤمن عليها من عدة وإطار احتياطي .. الخ
3. الشركة ليست مسؤولة عن سرقة جهاز التسجيل والراديو المثبتان في داخلها.
4. وضع سقف لمسؤولية الشركة في حالة الخسارة الكلية بحيث لا يمثل أكثر من 10% من قيمة
السيارة وخاصة سنة 1994 مع العلم ان التضخم أوصل سعر صرف الدولار في حينها إلى ثلاثة ألاف دينار مقابل الدولار الواحد مما جعل سعر السيارات يصل إلى ملايين الدنانير .. الخ بينما المسؤولية القصوى لا تزيد عن مائتي ألف دينار حسبما أتذكر. الأمر الذي نتج عنه
عزوف الجمهور عن التامين على أموالهم إلا في حدود ضيقة جدا وبمستويات متدنية حتى ان شركة البيبسي كولا أمنت على معملها في بغداد عام 2000 بمبلغ يقل كثيرا عن قيمة بوابة الاستعلامات في مدخل الشركة ثم بدأ بعدها ما يعرف بتامين الشريحة الاولى في سوقنا ولحد الآن هذا الواقع موجود إنما يتحسن بصورة مضطردة مقتربا شيئا فشيئا من القيمة الحقيقية (السوقية) للأموال.
إذاً عرف السوق العراقي للتامين في الماضي أوضاعا شاذة تشبه إلى حد ما يحصل اليوم مما يحتاج إلى المعالجات الوقتية لحالة ارتفاع حدة الخطر. إلا ان الأمر اليوم لا يقتصر على ذلك وحده فهناك من العوامل الأخرى مما يقع خارج نطاق سيطرة قطاع التامين وذلك هو التدهور الأمني المستمر منذ سبعة سنوات (ولا احد يدري إلى متى سيستمر) مصحوبا بتداعيات أوضاع سياسية شائكة ومعقدة انعكست سلبا وبشدة حتى على مستوى العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع الواحد (صغيرا كان أم كبيرا) بالإضافة إلى تفشي حالات الفساد الإداري والمالي، وتعاظم بروز ظاهرة التقارير غير الموثوق فيها (المزورة أو المجافية للحقيقة). كما إن حالات استهداف الشركات بالانتقاء المضاد من قبل بعض طالبي التامين هي الأخرى يتوجب الانتباه إليها (فعلى المكتتب اليوم أن يتقمص شخصية شرلوك هولمز ويتخيل نفسه متحريا لا يثق بأقرب الناس إليه للأسف لكي يستطيع أن يتفادى الإشكالات الناجمة عن مثل هذه الأحوال!).
إذا كان الاستنتاج هو وجود عوامل داخلية يقدر عليها القطاع، فالقطاع لا يقد ر على العوامل الخارجية بدون أدنى شك وهو من ناحية أخرى لن يستطيع، باعتقادي، ان يستمر بفرض هذه القيود التي ستدفع بالناس إلى الانصراف عن التامين بشروط مشددة خصوصا اذا ما استمرت لفترة طويلة لا يعرف مداها.
ان التطبيق المار ذكره يؤدي إلى نزاعات مع جمهور المؤمن لهم والاستثناءات الكثيرة في حالة تعتيم المسوق عليها يؤدي عاجلا أم آجلا إلى مثل هذه النزاعات التي لا تصب إطلاقا في مصلحة الشركات وتمثل بوقا دعائيا مضادا لإعمالها فالمؤمن له عندما يتحدث عن رفض الشركة لتعويضه أو تعويضه بأقل مما يشتهي لن يكون موضوعيا بالقدر الذي يجعله يعترف بتقصيره في التوقيع على عقد لم يطلع على شروطه كما ينبغي بل يطلق سيلا من الاتهامات التي سرعان ما تنتشر بين الجمهور كانتشار النار في الهشيم وشيئا فشيا يترسيخ في السوق انطباع ان شركات التامين لا تقوم بالتعويض كما التزمت فهي تتقاضى الأقساط وتتهرب من دفع التعويضات . وقد مر السوق بمثل هذه الحالات ولا يزال إلى اليوم يعاني منها كما يعاني أصلا من ضعف كبير في الوعي التأميني. وقناعتي الشخصية هي أن تبتعد الشركة عن إبرام أية عقود تأمينية تتعاظم فيها احتمالات الدخول في نزاعات مع المؤمن لهم.
أما فيما يتعلق بجمعية شركات التامين فهي الجهة المسؤولة عن الرصد وجمع المعلومات من الشركات وعرض التحليلات على مجلس إدارتها والتنسيق بين شركات السوق وتنفيذ التوصيات الخاصة بالمعالجات التي يتم التوصل إليها واتفق هنا مع الزميل مصباح على هذا الدور ولكني أثير تساؤلا وهو هل إن الجمعية ومنذ انتخاب مجلس إدارتها الحالي قبل سنتين قد تمكنت من تقديم الدليل على قدرتها على انجاز مثل هذه المهام وهل لديها الكادر المؤهل لذلك ؟ أو ليست الجمعية كسواها من الأجهزة الأخرى العاملة في البلد قد تداعى لديها الأداء بسبب الظرف الراهن ؟ فمن أين لها أن تنوء بهذه المهام والمسؤوليات؟ ولماذا يتوجب عليها دون غيرها أن تعتلي قمة الأداء ؟
اذا كنا بحاجة إلى ان تشيع بيننا ثقافة الاهتمام وملاحقة الظواهر ورصدها واشتراك الجميع في مناقشتها وبحثها ووضع المعالجات لها ، علينا ان نكون ممن يتمتع بقدر كافي من الحماس، بينما تجدنا اليوم جميعا وقد شغلتنا هموم اكبر مما نحتمل ، هموم تتعلق ببقائنا على قيد الحياة وهموم تتعلق بتامين أساسيات عوائلنا وتطمين قلقنا على أفرادها وهموم تتعلق بالتفكير بمستقبلنا وبتقاعدنا وشيخوختنا وهرمنا ومرضنا ومتطلبات كل منا عندما تتوقف عنده القدرة على الاستمرار في العمل إلى آخر ما يشغلنا اليوم من هموم يستنفذ حماسنا لمعالجة هذه الأوضاع ومثيلاتها.
لا أريد أن ابدوا كما الغارق في التشاؤم ولكنه واقع قائم لا احد يستطيع تجاهله أو إنكار تأثيراته. أو لسنا اليوم ونحن في سن التقاعد نعمل أكثر مما كنا نعمل ونحن شبابا في العشرينات من أعمارنا ؟ هل هناك من يملك القدرة على تجاوز هذا الواقع؟ هل يستطيع أي منا ان يتوقف عن العمل أو الكسب ويعيش هو وعائلته على راتبه التقاعدي؟ فإذا كان أي منا وهو في أواخر الستينات من عمره ويرغب بالتقاعد فمن أين له ما يقيم أوده والراتب التقاعدي الذي يتقاضاه لا يزيد على ثلاثمائة وخمسون دولارا شهريا بالنسبة للمتقاعدين القدامى وحتى المشمولين بالنظام الجديد لن يستطيعوا ذلك ، أما الذي لا يملك دارا للسكن لحد الآن فالله وحده هو القادر على أن يعينه على القادم من أيامه . والسؤال إذن كيف يمكن لإنسان أن ينفتح ويعمل ويجتهد تحت وطأة هموم من هذا النوع ؟ من أين له أن يأتي بالراحة النفسية اللازمة للإبداع ؟ كنا في الستينات والسبعينات نسهر ونمرح ونبتهج وننتظر الصباح التالي للذهاب إلى العمل بفارغ الصبر وكنت تجد الحماس في أوجه وكثيرا ما نتج عن ذلك الكثير من الإبداع والابتكار والتفوق أليس كذلك أبو سلام! ويشهد نادي التأمين وسولاف وشريف وحداد ونقابة المهندسين وجمعية الاقتصاديين عندما كنا حتى في جلساتنا الخاصة المرحة نناقش عملنا ومجرياته ويومياته!! فالمعنويات كانت بأعلى درجاتها .
يكفي أن نقوم اليوم بما نقدر عليه ، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ولا نسقط اللوم لا على الجمعية ولا على الشركات و لا على غيرهما فالوضع الراهن برأيي خارج عن إرادة الجميع وباعتقادي أن “المرصد العراقي للتامين” والجهود المشابهة هو اليوم الوسيلة الصحيحة المتاحة لإثارة هذه الإفرازات وهذه التداعيات وتوثيقها ومناقشتها علنا وإثارة اهتمام الزملاء الآخرين بها قدر المستطاع حتى يأتي اليوم الذي تنتهي فيه معاناتنا العامة وتعود الأمور إلى سابق عهدها وتتحسن بإذن الله معنوياتنا عندها ستستعيد كل الجوانب عافيتها ولا يبقى لأحد عذرا.
محمد الكبيسي
أربيل في 20/9/2010