Monthly Archives: نوفمبر 2017

Victims of Assassination in Iraq’s Insurance Sector & Life Insurance

ضحايا الاغتيالات في قطاع التأمين العراقي والتأمين على الحياة: محاولة في التعريف بهذا التأمين

 

 

نشرت هذه المقالة لأول مرة في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 394، تشرين الثاني 2017

 

 

من باب التقديم

 

نشرتُ قبل فترة مقالة عن اغتيال الأطباء في العراق والتأمين من المسؤولية المهنية والقيم العشائرية.[1]  ركّزت المقالة على انزياح التأمين أمام القيم العشائرية، وتهديد واغتيال الأطباء وغياب الحماية التأمينية من المسؤولية عن الأخطاء الطبية.  لم تتناول المقالة ظاهرة الاغتيالات التي ظهرت بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003.  في العهد الدكتاتوري كانت الاغتيالات تهدف إلى التخلص من المعارضين داخل حزب البعث والمعارضين خارجه، داخل العراق وخارجه.[2]  منذ 2003 تغيرت الصورة إذ تداخلت أسباب التخلص من العلماء والأكاديميين والأطباء والصحفيين وغيرهم لتتوزع بين النزعات الطائفية والانتقامية والإجرامية مع إبقاء العراق متخلفاً علمياً وكسيحاً.  لم تتوضح أسباب “مشروع الاغتيالات” حتى الوقت الحاضر رغم التحقيقات الصحفية المهمة المنشورة، فتارة هي “خيار السلفادور،”[3] وتارة هي السياسات المضمرة لدول الجوار ومنها إسرائيل، وتارة أخرى هي النَفس الطائفي الموروث لتسوية ثارات الماضي.

 

ما نتمناه هو أن يقوم أحد المؤرخين، في غياب التحقيق الحكومي الرسمي وسكوت سياسي الصدفة العراقيين وإخفائهم للمعلومات، ببحث هذه الظاهرة بموضوعية.  وليس لنا هنا سوى أن نسأل: كم سنة نحتاج لكي نحصل على عالم وطبيب ومهندس وغيرهم من أصحاب الاختصاص؟  وكم هو الهدر الاقتصادي الناتج عن اغتيال هؤلاء أو دفعهم للهجرة إلى الخارج؟  معظم هؤلاء هم من حَمَلة المعرفة ومن روافد خزين المعارف الوضعية في العراق التي يراد لها أن تجف.

 

سنحاول في هذه الورقة عرض خسارة قطاع التأمين من ضحايا الاغتيالات والقتل العمدي، ونماذج من وثائق التأمين على الحياة، المستخدمة في العراق، التي توفر مورداً مالياً لورثة الضحايا، ونعرض في ملحق التساؤل الذي يقول بأن التأمين على الحياة يحفز على القتل [قتل المؤمن عليه].

 

الأطروحة الأساسية المضمرة في هذه الورقة هي أن التأمين على الحياة أداة حضارية لتوفير مورد مالي للورثة أو ادخار لمشروع عائلي.  وهي أطروحة بانتظار من يقوم بدراستها.

 

خسارة قطاع التأمين من ضحايا الاغتيالات

 

لم تقتصر خسارة الاغتيالات والقتل على قطاع معين، وما اختيارنا لقطاع التأمين سوى معرفتنا القليلة به وجهلنا بغيرها من القطاعات.

 

لقد خسر قطاع التأمين العراقي عدداً من ممارسيه خلال فترة التهجير الأولى للكرد الفيلية، 1970-1971 بحجة التبعية الإيرانية،[4] ولم تخضع هذه الخسارة إلى التوثيق.  كما خسر أيضاً خلال فترة الاقتتال الطائفي عندما كان العراق تحت الاحتلال الأمريكي إذ صار البعض من أسرة التأمين من جملة المئات من ضحايا الاغتيالات، وانتهى غيرهم من الكفاءات في دول المهجر.[5]  ربما تعرَّض غيرهم إلى عجز كلي أو جزئي نتيجة لأعمال إرهابية أو لعمليات عسكرية.  وليس هناك معلومات إن كان هؤلاء يحملون وثائق تأمين للحوادث الشخصية التي كانت ستوفر بعض التعويض لما أصابهم.  لا نعرف أسماء كل الممارسين من ضحايا الطائفية أو القوات الأمريكية المحتلة ومرتزقتها لكننا استطعنا، بفضل مساعدة بعض الزملاء، رصد الأسماء أدناه ولعل زملاؤنا يوفرون المزيد من المعلومات عنهم وأسماء غيرهم من الضحايا:

 

  • ضرغام الغضنفري، كان مديراً للرقابة للداخلية في شركة التأمين الوطنية، قتل في 10 كانون الثاني 2008 في حادثة تفجير إرهابي في منطقة زيّونه في بغداد وهو يقدّم العزاء لأحدى العوائل.[6]
  • عبد الكاظم ابو جودت، مدير قسم التسويق، شركة التأمين الوطنية، اغتيل بعد سقوط النظام سنة 2003.  وقد جاء إلى الشركة لأسباب سياسية من خارج قطاع التأمين، لكنه كان بسيطاً في تعامله مع العاملين معه في الشركة.[7]
  • عدنان الربيعي، مدير عام شركة التأمين الوطنية، 11 أيلول 2005-21 تشرين الأول 2005 (كان يحمل شهادة ماجستير من جامعة ليدز في بريطانيا).
  • عماد الفرعون، محامي في شركة التأمين الوطنية.[8]
  • محمد حسين جعفر، مدير عام شركة التأمين الوطنية، 20 تشرين الثاني 1996-30 أيلول 2001.[9]
  • منذر حميد حسين العاني، مدير فرع تأمين السيارات في شركة التأمين الوطنية.  قُتل من قبل جنود أمريكان في الأيام الأولى من الغزو الأمريكي للعراق في آذار 2003.[10]
  • منقذ جميل روحي، عمل في شركة التأمين الوطنية، وبعدها مديراً مفوضاً لشركة الأمين للتأمين.

 

لقد ذكرنا هذه الأسماء دون أن نهتم بالبحث عن الانتماء السياسي أو الحزبي أو الديني أو القومي لأصحابها ذلك لأنهم اغتيلوا/قتلوا خارج سلطة القانون، أي اعتماداً على شريعة الغاب، وشريعة الانتقام الدينية، التي لا تبني دولة عصرية.  لا نعرف على وجه الدقة كيف صاروا ضحايا لأعمال عمدية على يد القوات الأمريكية ومرتزقتها وعلى يد ثلّة من ضحايا الأمس (ممن تعرض لعسف النظام الدكتاتوري السابق) الذين تحولوا إلى جلاّدين لتصفية الخصوم لأسباب طائفية، أو عشائرية، أو حزبية أو فكرية.  المهم هو أنهم بشر، من لحم ودم، يستحقون أن يذكروا بأسمائهم بدلاً من أن يضيعوا بين الأرقام المجردة للضحايا.

 

ربما لا يخطر على البال أن وثيقة التأمين على الحياة تدفع التعويض عند وفاة المؤمن عليه بسبب الأعمال الحربية والإرهابية للمستفيدين المحددين في وثيقة التأمين أو لورثته.  وقد حاولنا الحصول على معلومات عن ترتيب هؤلاء لوثائق للتأمين على حياتهم لكننا لم ننجح.  لو كان لهؤلاء وثائق للتأمين على حياتهم لكان بإمكان أسرهم الاستفادة من المنافع المالية التي توفرها هذه الوثائق للإبقاء على مستوى مقبول من العيش بعد فَقْد المُعيل.

 

هناك تعويض من قبل الدولة بموجب القانون رقم (20) لسنة 2009، قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية،[11] إلا أن هذا القانون لا يلغي دور التعويض من خلال وثائق التأمين على الحياة وذلك لأن التعويض القانوني ربما لا يكون كافياً، ولأن التأمين على الحياة لا يتعارض مع هذا القانون.  ففي التأمين على الحياة، خلافاً لوثائق التأمين الأخرى التي تقوم على مبدأ اعادة المؤمن له الى سابق وضعه قبل تعرضه لحادث قدْر الإمكان وتحريم الاسترباح من التأمين، يمكن للمرء أن يستفيد من أكثر من وثيقة للتأمين على حياته طالما هو قادر على تسديد أقساط الوثيقتين، وهذا نابع من حُرمة الحياة وحقيقة أن استعادة الحياة (إرجاع المؤمن عليه إلى وضعه قبل الوفاة) مستحيلة.

 

الانتفاع من وثيقتين أو أكثر من وثائق التأمين على الحياة[12] ليس متيسراً لعموم الناس فالفقراء والفئات المهمشة، وهم يعدون بالملايين في العراق، غير قادرين على شراء التأمين على الحياة لأن الدخل المتوفر لديهم بالكاد يبقيهم على قيد الحياة، ناهيكم عن الجهل بمؤسسة التأمين.  وحتى التأمين المتناهي الصغر microinsurance لا يمكن له أن ينجح بدون أن يتوفر حد أدنى من الدخل للمشاركين فيه.

 

لقد كتبنا في مقالتنا “اغتيال الأطباء في العراق والتأمين من المسؤولية المهنية” أنه “ليس بإمكان مؤسسة التأمين التخلص من القيم العشائرية لكنها تساهم في التقليل من وقعها من خلال توفير آلية بديلة لهذه القيم متى ما انتشرت ثقافة التأمين في المجتمع.  يجب الإقرار بأن التأمين لا يوفر علاجاً لجميع العلل التي ابتلي بها العراق خاصة وأن مؤسسة التأمين العراقي ضعيفة.”  وضمن هذا الفهم يمكن القول إن التأمين على حياة ضحايا الاغتيالات سواء كان تأميناً فردياً أو جماعياً، لو كان هذا التأمين موجوداً، لكان قد استطاع أن يلعب دوراً في توفير مصدر مالي لورثتهم.  وهذا ما سنحاول أن نعرضه في هذه الورقة من خلال عرض سريع ومبسط لما تقدمه شركة التأمين العراقية من وثائق للتأمين على الحياة[13] كان بالإمكان الاستفادة من بعضها من قبل أسر الضحايا.  إن معظم ضحايا قطاع التأمين،[14] وكذلك الضحايا الآخرين من أكاديميين أطباء وعلماء ومهندسين، يمكن أن يصنفوا ضمن الطبقة الوسطى، أي أفراد لهم قدرة مالية مناسبة لشراء وثيقة تأمين على الحياة.  كما أن المؤسسات التي كانوا يعملون فيها قادرة على شراء وثيقة تأمين جماعية على حياتهم.

 

أنواع وثائق التأمين على الحياة

 

وثائق التأمين التي نستعرض أجزاء منها هي المعتمدة من قبل شركة التأمين العراقية، وقد كانت شركة متخصصة بأعمال التأمين على الحياة (1988-1964).  ونفترض أن شركات التأمين الأخرى، التي تمارس التأمين على الحياة، لها نماذج مماثلة من هذه الوثائق.

 

التأمين المؤقت على الحياة Term Assurance

 

وثيقة التأمين على الحياة قصير الأجل، وهي من أبسط عقود التأمين على الحياة.  تدفع هذه الوثيقة مبلغ التأمين المتفق عليه للمستفيد المُسمى في الوثيقة في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.  وفي حالة انتهاء المدة وبقاء المؤمن عليه على قيد الحياة فإن عقد التأمين ينتهي دون قيام أي التزام على شركة التأمين.

 

هذا هو الحال عند يكون وفاة المؤمن له طبيعياً أو بسبب حادث.  ما هو حكم هذه الوثيقة عندما ينفذ حكم الإعدام بالمؤمن عليه، أو يكون وفاته نتيجة انتحار، أو بسبب الأعمال الحربية؟  تنص الوثيقة على الآتي في هذه الحالات:

 

عقوبة الإعدام

إذا أعدم المؤمن عليه بسبب حكم قضائي فلا تكون الشركة ملزمة إلا بدفع الاحتياطي الحسابي[15] للعقد.

 

الوفاة نتيجة انتحار

تلتزم الشركة بدفع مبلغ التأمين إذا كانت وفاة المؤمن عليه نتيجة انتحار إلا إذا حدثت الوفاة نتيجة الانتحار خلال السنتين الأوليين لابتداء عقد التأمين أو إعادة مفعوله فعندئذ لا تلتزم الشركة إلا بدفع الاحتياطي الحسابي للعقد وقت الوفاة.

 

أما إذا كان سبب الانتحار أو الشروع فيه مرضاً عقلياً أفقد المؤمن عليه إرادته فإن التزام الشركة بدفع مبلغ التأمين يبقى قائماً في أي وقت خلال مدة سريان العقد.

 

الوفاة بسبب الأعمال الحربية

إذا توفي المؤمن عليه بسبب عمل من أعمال الحرب المعلنة أو غير المعلنة، فإن مسؤولية الشركة بمقتضى هذا العقد تحدد بقدر الاحتياطي الحسابي للعقد وقت الوفاة.  ويسري هذا الحكم على حالة وفاة العسكري بخطر من أخطار الطيران العسكري وقت السلم أيضاً.

 

يلاحظ من هذه الحالات الثلاث أن وثيقة التأمين لا تغطي الوفاة الناشئة عن اغتيال المؤمن عليه.  ويلاحظ أيضاً غياب ذكر الوفاة نتيجة للأعمال الإرهابية.  بعض شركات التأمين، ومنها شركة التأمين الوطنية، تعرض على طالبي التأمين على حياتهم توسيع غطاء التأمين ليشمل خطر العمليات الإرهابية كمنفعة إضافية مقابل سعر إضافي.  يمكن المُحاجّة بأن ديباجة الوثيقة تحصر دفع مبلغ التأمين المتفق عليه للمستفيد المُسمى في الوثيقة في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين دون تحديد سبب الوفاة.  وإذا كان هذا صحيحاً فإن عدم النص على الوفاة بسبب الأعمال الإرهابية لا يعفي شركة التأمين من مسؤولية دفع التعويض للمستفيد.[16]

 

وثيقة التأمين المختلط على الحياة Endowment Assurance

 

تعرف أيضاً باسم تأمين الوقفية، وسميت بالعربية “المختلط” لأنها تضم التأمين المؤقت Term Assurance والتأمين حال الحياة/الوقفية البحتة Pure Endowment Assurance.  بموجب وثيقة شركة التأمين العراقية فإن المؤمن عليه يستحق مبلغ التأمين في حالة بقاء المؤمن عليه على قيد الحياة حتى انتهاء مدة التأمين.  كما يستحق المستفيد مبلغ التأمين في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.

 

المادة الثامنة: عقوبة الإعدام

إذا أعدم المؤمن عليه بسبب حكم قضائي فلا تكون الشركة ملزمة إلا بدفع الاحتياطي الحسابي للعقد.

 

المادة التاسعة: الوفاة نتيجة انتحار

تلتزم الشركة بدفع مبلغ التأمين إذا كانت وفاة المؤمن عليه نتيجة انتحار إلا إذا حدثت الوفاة نتيجة الانتحار خلال السنتين الأوليين لابتداء عقد التأمين أو إعادة مفعوله فعندئذ لا تلتزم الشركة إلا بدفع الاحتياطي الحسابي للعقد وقت الوفاة.

 

أما إذا كان سبب الانتحار أو الشروع فيه مرضاً عقلياً أفقد المؤمن عليه إرادته فإن التزام الشركة بدفع مبلغ التأمين يبقى قائماً في أي وقت خلال مدة سريان العقد.

 

المادة العاشرة: الوفاة بسبب الأعمال الحربية

إذا توفي المؤمن عليه بسبب عمل من الأعمال الحربية المعلنة أو غير [الـ]معلنة أو الأعمال الإرهابية والانفجار الناتج عن الأسلحة الحربية والسيارات المفخخة، فإن مسؤولية الشركة تحدد بقدر الاحتياطي الحسابي للعقد وقت الوفاة ويسري هذا الحكم على حالة وفاة العسكري بخطر من أخطار الطيران العسكري وقت السلم أيضاً.

 

يلاحظ في هذه الوثيقة النص الصريح على تغطية وفاة المؤمن عليه بسبب الأعمال الإرهابية والانفجار الناتج عن الأسلحة الحربية والسيارات المفخخة، وهو ما لا نجد ذكراً له في وثيقة التأمين المؤقت والتأمين المؤقت مع رد الأقساط.  في حين أن الوثائق الثلاث تغطي وفاة المؤمن عليه بسبب عمل من الأعمال الحربية المعلنة أو غير المعلنة.

 

ويلاحظ أيضاً أن خطر وفاة العسكري وقت السلم ينحصر بأخطار الطيران العسكري (وليس الطيران المدني أو خطر الوفاة بسبب حادث عرضي في معسكر للجيش وقت السلم).  وهنا أيضاً، نأمل من أهل الاختصاص شرح ما يبدو مفارقة في نطاق تغطية العسكريين وقت السلم.

 

التأمين المؤقت على الحياة مع رد الأقساط Term Assurance with Return of Premiums

 

يستحق المؤمن عليه مبلغ التأمين في حالة بقاء المؤمن عليه على قيد الحياة حتى حلول أجل التأمين (انتهاء مدة التأمين) بما يعادل القيمة النقدية المضمونة guaranteed cash value للوثيقة وتساوي مجموع أقساط التأمين التي سددها المؤمن عليه.  كما يستحق المستفيد مبلغ التأمين في حالة وفاة المؤمن عليه قبل انتهاء مدة التأمين.

 

المادة الثامنة: عقوبة الإعدام

إذا أعدم المؤمن عليه بسبب حكم قضائي فلا تكون الشركة ملزمة إلا بدفع الاحتياطي الحسابي للعقد.

 

المادة التاسعة: الوفاة نتيجة انتحار

تلتزم الشركة بدفع مبلغ التأمين إذا كانت وفاة المؤمن عليه نتيجة انتحار إلا إذا حدثت الوفاة نتيجة الانتحار خلال السنتين الأوليين لابتداء عقد التأمين أو إعادة مفعوله فعندئذ لا تلتزم الشركة إلا بدفع الاحتياطي الحسابي للعقد وقت الوفاة.

 

أما إذا كان سبب الانتحار أو الشروع فيه مرضاً عقلياً أفقد المؤمن عليه إرادته فإن التزام الشركة بدفع مبلغ التأمين يبقى قائماً في أي وقت خلال مدة سريان العقد.

 

المادة العاشرة: الوفاة بسبب الأعمال الحربية

إذا توفي المؤمن عليه بسبب عمل من الأعمال الحربية المعلنة أو غير المعلنة، فإن مسؤولية الشركة بمقتضى هذا العقد تحدد بقدر الاحتياطي الحسابي للعقد وقت الوفاة.  ويسري هذا الحكم على حالة وفاة العسكري بخطر من أخطار الطيران العسكري وقت السلم أيضاً.

 

لقد اقتبسنا مطولاً من نصوص وثائق التأمين على الحياة كي يتعرَّف القارئ عليها.  النصوص تكاد أن تكون متشابهة إلا في بعض المواقع، كما بيّنا فيما يخص الوفاة بسبب الأعمال الإرهابية والسيارات المفخخة.  ويلاحظ أن التعويض في حالات الإعدام والانتحار والأعمال الحربية يتحدد بمقدار الحساب الاحتياطي لعقد التأمين وقت حصول وفاة المؤمن عليه.

 

 

الوثيقة العربية الموحّدة لتأمين الحياة الفردية

 

أصدرت لجنة تأمينات الحياة العامة في إطار الأمانة العامة للاتحاد العام العربي للتأمين باجتماعها الثامن في عمان/الأردن بتاريخ 1 آذار 1995 الشروط العمومية العربية الموحدة نموذج لوثيقة تأمين الحياة الفردية،[17] للاستفادة منها من قبل شركات التأمين الأعضاء في الاتحاد.  ونقتبس هنا الأخطار المستثناة كي يستطيع القارئ المقارنة بينها وبين ما يرد في وثائق شركة التأمين العراقية.

 

الأخطار المستثناة:

(تترك لكل سوق حرية تغطية أي منها برسم إضافي أو بدون) [كما في الأصل]

 

تلتزم الشركة بدفع مبلغ التأمين وغيره من المستحقات المنصوص عليها في هذه الوثيقة في جميع حالات الوفاة عدا الحالات الناشئة عن:

 

  • الانتحار إذا حدث خلال السنتين الأوليين من تاريخ سريان الوثيقة إلا إذا أثبت المستفيد أن سبب انتحار المؤمن له مرضي أفقده إرادته.
  • مسابقات السرعة بواسطة مركبات ذات آلات محركة سواء كانت أرضية أو مائية أو جوية.

ج-  الإعدام.

د-   المبارزة.

ه-  التنقلات أو الأسفار الجوية أو المائية إلا إذا قام بها المؤمن عليه باعتباره راكباً عادياً بخط ملاحي جوي أو مائي يقوم بخدمة منتظمة.

و-   أخطار الحرب والأعمال العسكرية إذا كان المؤمن عليه مجنداً أو تابعاً لإحدى هيئات القوات العسكرية المسلحة سواء كانت بسبب حرب خارجية أو داخلية وسواء كانت حرباً معلنة أو غير معلنة أو نشأت نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للتدابير العسكرية بما في ذلك المناورات والتدريب والأعمال الحربية أو الآثار الناشئة عنها.

ز-   أخطار أعمال الفتنة أو الاضطرابات أو الشغب أو الثورات.

 

وفي حالة الوفاة الناجمة عن أحد هذه الأخطار المستثناة تدفع الشركة قيمة الاحتياطي الحسابي للوثيقة إلى أصحاب الشأن/الحق.

 

ح-  القتل العمد: من قبل المتعاقد أو المستفيد بمشاركة أو بتحريض من أي منهما، وفي هذه الحالة يسقط حق المستفيد الذي يكون قد تسبب عمداً في القتل ويؤدى مبلغ التأمين إلى باقي المستفيدين إن وجدوا، وفي حالة عدم وجود مستفيدين يؤدى المبلغ إلى الورثة الشرعيين.

 

سيلاحظ القارئ بأن القتل العمد مستثنى من هذه الوثيقة.  سنعرض شرحاً لهذا الموضوع في ملحق هذه الورقة.  كما يستثني مسابقات السرعة بواسطة مركبات ذات آلات محركة سواء كانت أرضية أو مائية أو جوية، والمبارزة، والتنقلات أو الأسفار الجوية أو المائية إلا إذا قام بها المؤمن عليه باعتباره راكباً عادياً بخط ملاحي جوي أو مائي يقوم بخدمة منتظمة – وهذه الاستثناءات لا ترد في وثائق شركة التأمين العراقية.

 

من باب الختام

 

إن ما ينشر عن الربط بين الاغتيالات والتأمين معدوم في الكتابات التأمينية العراقية.  وورقتنا هذه ربما هي أول محاولة للكتابة عن الموضوع.  كما أن الكتابات المنشورة عن التأمين على الحياة هي الأخرى تكاد أن تكون غائبة في الوقت الحاضر، وهو ما دعانا إلى محاولة الكتابة عنه.  التأمين على الحياة لا يقع ضمن اختصاصنا ولذلك نأمل أن يقوم المختصون بتقويم أي خطأ في ورقتنا، وكذلك الكتابة عن واقع التأمين على الحياة في العراق، والدور المرتقب الذي يمكن أن يلعبه في الادخار والاستثمار والمعاشات إضافة إلى دوره الأساس في تعويض المؤمن عليهم وأسرهم وغيرهم من المستفيدين.

 

28 آب 2017

 

 

الملحق (1)

إحصائية شركة التأمين العراقية (التعويضات المدفوعة عن التأمين على الحياة للأعوام 2014-2015-2016)[18]

 

تبين هذه الإحصائية استحقاق التعويض لمحفظة التأمين الفردي ومحفظة التأمين الجماعي حسب سبب الوفاة.  وفيها نكتشف وجود حالة واحدة للقتل في محفظة التأمين الفردي في سنة 2015 وواحدة في سنة 2016.  ونجد 3، و 6، و 5 حالات تعويض حوادث إرهابية في محفظة التأمين الجماعي في 2014، و 2015، و 2016.

 

ونلاحظ أن مبالغ التعويضات كانت 28,491,896,572 دينار عراقي (2014)، 3,110,456,012 (2015)، 25,702,629,123 (2016).

 

وبالطبع، يمكن قراءة هذه الإحصائيات بشكل أفضل لو عرفنا حجم أقساط التأمين الإجمالية والصافية.

 

يمكن الاستفادة من هذه الإحصائية في الرد على من يستخف بالتأمين على الحياة ودوره في توفير حماية للأفراد وورثتهم.

 

 

الملحق (2)

هل تغطي وثيقة التأمين على الحياة القتل العمد؟[19]

 

في العادة تسدد شركات التأمين على الحياة منافع وثيقة التأمين في حالة قتل المؤمن عليه بعد الأخذ بنظر الاعتبار جملة من الظروف المحيطة بالقتل.  وتضم هذه الاعتبارات ما يعرف بفترة التنازع، الغش، الانتحار، الفعل الإجرامي.

 

فترة التنازع/الاعتراض Contestability Period

تضم معظم وثائق التأمين على الحياة شرطاً يمنح شركة التأمين فرصة التحقيق في ظروف وفاة المؤمن عليه، وهذا الشرط يحمي الشركة من المستفيدين عديمي الضمير أو أخطاء في المعلومات الاكتتابية لم يجرِ الكشف عنها أو اكتشافها يمكن أن تكون وراء خسارة (مطالبة بالتعويض) غير صحيحة (لا تتوفر فيها الصفة العرضية).  لكن تطبيق هذا الشرط (التنازع حول صحة المطالبة بالتعويض) محدد بفترة زمنية كأن تكون سنتين[20] من بدء نفاذ وثيقة التأمين (وهو ما نجده في وثائق شركة التأمين العراقية وفي الوثيقة العربية الموحدة لتأمين الحياة الفردية)، فمتى ما انقضت هذه الفترة يتوجب على شركة التأمين تسديد التعويض ولا يحق لها التمسك بالشرط.

 

الاحتيال

في حالة حدوث الوفاة خلال فترة التنازع/الاعتراض واكتشاف شركة التأمين أن حامل الوثيقة قد أدلى بمعلومات غير دقيقة أو مضللة عمدا للحصول على التأمين، تستطيع الشركة أن تمتنع عن تسديد منافع الوثيقة.  إن تقديم معلومات مضللة في استمارة طلب التأمين هو بمثابة احتيال ويجعل عقد التأمين ملغياً إذا تم الكشف عن هذه المعلومات في وقت مبكر.  وبغض النظر عن الطريقة التي تحدث بها الوفاة، بما في ذلك القتل، فإن الوثيقة تصبح باطلة إذا تم الكشف عن الغش خلال السنتين الأوليين من التغطية.

 

الانتحار

إن عقود التأمين على الحياة تصبح لاغية في حالة الانتحار خلال فترة التنازع/الاعتراض ولا يحصل المستفيدون على منافع الوثيقة بسبب انتحار المؤمن عليه.  ومع ذلك، إذا حدث الانتحار بعد انقضاء هذه الفترة، فإن شركة التأمين مُلزمة بدفع المطالبة بالتعويض.

 

الفعل الاجرامي

تضم معظم عقود التأمين على الحياة شرطاً ينص على أن وثيقة التأمين تعتبر باطلة إذا كان الوفاة نتيجة مشاركة المؤمن عليه في الفعل الإجرامي.  في حالة القتل، فإن شركة التأمين قد تقوم بالتحقيق لتحديد مستوى مشاركة المؤمن عليه هذا إن كان قد قام فعلاً بالمشاركة في اقتراف الفعل الإجرامي، الذي أدى في النهاية إلى قتل المؤمن عليه.  إذا استقرت قناعة شركة التأمين أن المؤمن له كان مشاركاً حقيقياً في الجريمة ولم يكن مراقباً بريئاً، فإنها تمتنع عن تسديد استحقاقات التأمين على الحياة للمستفيدين.

 

الملحق (3)

هل التأمين على الحياة يحفز على القتل؟

 

يمكن تصور ذلك إلى الحد الذي يمكن للمستفيدين أن يفلتوا من مسؤوليتهم عن فعل احتيالي لقتل المؤمن عليه.

 

ولكن من الناحية العملية، توفر القواعد القانونية والممارسات الاكتتابية الأساس للحفاظ على سلامة إدارة التأمين على الحياة.  وتشمل هذه: المصلحة التأمينية، القاعدة القانونية بعدم جواز الانتفاع من الفعل الإجرامي، والمستفيد البريء من وثيقة التأمين.

 

المصلحة التأمينية

وهي التي تقضي بعدم جواز شراء وثيقة تأمين على حياة أي شخص كان، التقيته صدفة، أو التأمين على حياة شخص دون معرفة هذا الشخص بالتأمين على حياته.  وعلى أي حال، لا يمكن شراء وثيقة للتأمين من دون توفر مصلحة تأمينية في حياة المؤمن عليه.  وبعبارة أخرى، يجب على المستفيد أن يثبت أنه سيخسر مالياً عند وفاة المؤمن عليه، ويجب أن يكون المؤمن عليه طرفاً في التوقيع على استمارة الطلب على وثيقة التأمين.

 

قوانين تحريم الانتفاع من الجريمة

هذه القاعدة القانونية تشكل عائقاً أمام من يحاول اغتيال المؤمن عليه، فهي تمنع المستفيد من التأمين على الحياة من الحصول على منافع وثيقة التأمين إذا كان متورطاً عن عمد في وفاة المؤمن عليه.  وفي العديد من الدول، فإن شركة التأمين لا تحتاج إلى إدانة جنائية لمقترف الجريمة لتجنب دفع تعويضات للمستفيد المشتبه به.

 

المستفيد البريء

هو ذلك الشخص، عادة المستفيد “الطارئ” البريء المسمى في وثيقة التأمين للانتفاع منها عندما يكون المستفيد “الأساسي” غير مؤهل لاستلام منافع الوثيقة.  وفي حالة عدم تسمية مستفيدين محتملين، يحصل الورثة المؤهلون على استحقاقات الوثيقة من خلال تقسيم أموال المؤمن عليه من قبل محكمة مختصة.

 

 

28 آب 2017

[1] مصباح كمال، “اغتيال الأطباء في العراق والتأمين من المسؤولية المهنية،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/08/Misbah-Kamal-Medical-Malpractice-and-Insurance.pdf

[2] Samir Khalil (Kanan Makiya), Republic of Fear: The Politics of Modern Iraq (London: Hutchinson Radius, 1989), p 13, 19.

[3]هناك العشرات من المقالات والتحقيقات الصحفية وخاصة في الصحافة الأجنبية يمكن الرجوع إليها ولا نرغب في إثقال هذه الورقة باقتباس روابطها، ونكتفي بمرجع واحد:

[4] Khalil, op. cit

[5] مصباح كمال، “ممارسو التأمين العراقيين في المهجر،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/04/iraqi-insurance-practitioners-in.html

[6] هذه المعلومات مستلة من:

أسعد سعد برهان الدين وسحر الحمداني،في ذكر المرحوم محمد حسين جعفر، مدير عام شركة التأمين الوطنية (20 تشرين الثاني 1996 – 30 كانون الثاني 2001)،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2017/04/11/remembering-muhammad-hussain-jafar-1946-2001/

باقر المنشئ، “محمد حسين جعفر … شهيد النزاهة،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2017/04/

[7] أفادني بهذه المعلومة زميلي مكي رزوقي مصطفى (19 آب 2013).

[8] برهان الدين والحمداني، مصدر سابق.

[9] برهان الدين والحمداني، مصدر سابق.

[10] أفادني بهذه المعلومة زميلي منعم الخفاجي (18 آب 2017).

[11] يمكن قراءة نص هذا القانون باستخدام هذا الرابط: http://www.iraq-lg-law.org/en/node/916

[12] في الاقتصادات المتطورة يمكن لبعض منتجات التأمين على الحياة أن تكون وسيلة لغسل الأموال.  هناك معلومات مفيدة بهذا الشأن في الموقع التالي: http://www.acamstoday.org/what-is-real-money-laundering-risk-in-life-insurance/

[13] أشكر القسم الفني في شركة التأمين العراقية لتوفيره نماذج من وثائق التأمين على الحياة المعتمدة من قبل الشركة.

نصوص هذه الوثائق قديمة.  اقترح على إدارة الشركة مراجعتها وتحديثها.

لم نستطع الحصول على نماذج من وثائق التأمين على الحياة من شركات تأمين أخرى.

[14] للتعرف على أسماء هؤلاء الضحايا راجع:

http://www.iraqsolidaridad.org/wordpress/wp-content/uploads/2013/11/List-of-Iraqi-academics-assassinated-November-2013.pdf

[15] رغم أن احتمالية وفاة المؤمن عليه تزداد بتقدم عمره إلا أن قسط التأمين يظل ثابتاً خلال فترة التأمين، ولذلك تقوم شركة التأمين باقتطاع مقدار من القسط ووضعه في الاحتياطي الحسابي، وتستثمر رصيد هذا الاحتياطي في مجالات معينة وتستفيد منه ومن فوائده في دفع استحقاقات وثيقة التأمين.

 

ولتقدير الاحتياطي الحسابي أو المخصص المحاسبي تستخدم شركات التأمين على الحياة خبيراً اكتوارياً يقوم بتقدير الاحتياطي/المخصص الكافي لمواجهة التزامات الشركة تجاه المؤمن عليهم.  ويظهر هذا المخصص في الجانب المدين من حساب الإيراد والمصروفات.

 

وبموجب المادة 2-ثالثا من تعليمات ديوان التأمين حول أسس احتساب المخصصات الفنية، الصادرة بتاريخ 18 أيار 2006:

 

يحتسب الاحتياطي الحسابي في التامين على الحياة وفقا للمفاهيم والاسس الاكتوارية المتعارف عليها، على ان لا يقل الاحتساب فيما يخص السنة المالية الاخيرة عن نسبة (40%) اربعين من المائة من صافي اقساط التامين على الحيات المسجلة للسنة المذكورة.

 

[16] نأمل من أهل الاختصاص التعليق على هذا الموضوع.

[17] أشكر الزميل عبد الرحمن صباح غني على إرسال هذه الشروط (8 آب 2017).

[18] أشكر قسم التخطيط والمتابعة والقسم الفني في شركة التأمين العراقية على توفير هذه الإحصائية.

[19] المعلومات الواردة في الملحق (2) والملحق (3) مستلة من مقالات منشورة باللغة الإنجليزية في الإنترنيت لم احتفظ بروابطها.

[20] تمتد فترة التنازع لدى بعض شركات التأمين الغربية إلى خمس سنوات.

Impact of UNSC Sanctions on Iraq’s Insurance Market

تداعيات عقوبات مجلس الأمن على إعادة التأمين في العراق

 

 

مصباح كمال

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/11/UNSC-Sanctions-Impact-on-Reinsurance-in-Iraq.pdf

 

 

مقدمة

 

كتب لي السيد مصطفى الهاشمي، محرر الصفحة الاقتصادية لجريدة الصباح، الرسالة أدناه طالباً الإجابة على مجموعة من الأسئلة.  وقد استجبت، شاكراً له طلبه، وكتبت هذه المقالة، وقام من جانبه بتلخيص ما ورد فيها، حسب ما تقتضيه القواعد التحريرية الفنية للجريدة، ونشره تحت عنوان “عقوبات مجلس الأمن وتداعياتها على سوق التأمين العراقي” في عدد الجريدة الصادر يوم 20 تشرين الثاني 2017:

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=147797

 

رسالة السيد مصطفى الهاشمي

 

العزيز مصباح

 

تحية طيبة وأرجو ان تكون بخير

 

أكتب لك مجددا راجياً منكم الاجابة على الاسئلة المدرجة أدناه. مع التقدير

 

لا يخفى عليك تداعيات قرارات مجلس الامن والعقوبات الدولية التي فرضت على العراق أبّان تسعينات القرن الماضي، فهل تأثر واقع اعادة التأمين في العراق بهذه العقوبات، وما مدى هذا التأثر؟

 

وكيف يمكن اعادة جسور التعاون والتنسيق مع شركات الاعادة التي كان يتعامل العراق معها في ظل وجود شركات تأمين أهلية يبلغ عددها نحو 30 شركة تعمل داخل البلد؟

 

تحياتي

مصطفى الهاشمي

13 تشرين الثاني 2017

 

(1)

ساهمت قرارات مجلس الأمن بفرض العقوبات الدولية على العراق بدءاً من آب 1990 ولغاية أيار 2003، إلى جانب غزو واحتلال العراق، في تدمير البنية التحتية وتهالك الأصول المادية، إذ أنها تجاوزت مجرد إنهاء احتلال العراق للكويت، ومن ثم التمهيد لتغيير النظام الدكتاتوري.  كان الهدف، كما قال جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، إرجاع العراق إلى فترة ما قبل الصناعة الحديثة إن لم يسحب قواته من الكويت.  واستمرت العقوبات الاقتصادية بذريعة الكشف عن أسلحة الدمار الشامل.  وهكذا فقد أدى نظام العقوبات، الحصار، الأقسى من نوعه والظالم للشعب العراقي، إلى نتائج مريعة في مختلف المجالات: الصحية والاجتماعية والتربوية والبيئية والاقتصادية مع خسارة الآلاف من ذوي الخبرة والاختصاص وحملة الشهادات الجامعية العليا من خلال الهجرة إلى الخارج.

 

لقد كانت العقوبات حرباً اقتصادياً شَلَّ الاقتصاد العراقي في جميع قطاعاته الإنتاجية والتوزيعية والخدمية، إذ امتدت آثار هذا الحصار لتشمل قطاع التأمين العراقي.  وقد اتخذت تداعيات هذا الحصار في القطاع الأشكال التالية:

 

تجميد أرصدة شركة التأمين الوطنية في الخارج[1]، والتي كانت تستخدم لتسهيل تسديد أقساط اتفاقيات إعادة التأمين غير النسبية، وكذلك تسديد حصة الشركة في الخسارات العمومية في التأمين البحري، وعموماً تسوية الحسابات مع الوسطاء ومعيدي التأمين.

تعليق ووقف إعادة التأمين، الاتفاقي والاختياري، لشركات التأمين العراقية (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية).  وهو ما جعل الشركات الثلاث مكشوفة أمام خطر عدم القدرة على الإيفاء بالتزاماتها عند وقوع خسائر ذات طبيعة كارثية.

 

إضعاف القاعدة المالية لشركات التأمين، وقد ارتبط ذلك بالتوسع في طبع النقود الورقية والتضخم المفرط الذي نشأ عنه (نشأ التضخم أصلاً بسبب شحة المنتجات).  أدى التضخم إلى تدهور قيمة رأسمال واحتياطيات شركات التأمين الثلاث.  وكان من آثار هذا التدهور لجوء الشركات إلى استثمار مواردها النقدية في استثمارات عينية تقوم بتأجيرها لتحقيق تدفق نقدي مستمر.

 

التأثير السلبي على حجم الأقساط، وقد جاء هذا بسبب تدهور النشاط الإنتاجي والاستثماري وتوقف حركة الاستيراد والتصدير (ما كان قائماً منها كان يؤمن خارج العراق، وينطبق هذا على تأمين نقل النفط الخام من العراق إلى الأردن)، وعزوف المواطنين عموماً عن التأمين لعدم كفاية الدخل لتوفير الحاجات الأساسية.

 

تدهور مستوى الخطر المعنوي والمادي، مع استفحال الإهمال على مستوى الأفراد العاملين وسوء الإدارة وعدم الشعور بالمسؤولية (اللامبالاة).  أضف إلى ذلك النقص الشديد في قطع الغيار، والهبوط في الصيانة الدورية والوقائية وتجديد ما هو قائم.

 

تدهور المعارف والمهارات، الذي اتخذ شكل تسرب أصحاب المهارات التأمينية إلى الخارج، وضعف وربما انعدام التدريب، والانقطاع عن التواصل مع صناعة التأمين العالمية وندرة الحصول على المطبوعات والصحافة التأمينية.  وقد أدى هذا الوضع إلى تآكل الموارد البشرية المؤهلة.

 

لقد امتدت هذه التداعيات خلال فترة الحصار على شركة إعادة التأمين العراقية.  ولكن كان لها الفضل، بالتعاون مع شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية، في توفير الحدود الدنيا من حماية إعادة التأمين من خلال الاستفادة العظمى من الموارد الداخلية المتاحة.  وعندما تأسست شركات تأمين خاصة، بموجب قانون الشركات لسنة 1997، توسعت الإعادة العراقية في توفير إعادة التأمين لهذه الشركات أيضاً.  وعلى أي حال، لم يكن باستطاعة هذه الشركات الحصول على اتفاقيات إعادة لتأمين لوحدها نظراً لصغر رأسمالها وحجم أعمالها.[2]

 

(2)

لقد ظل قطاع التأمين منقطعاً عن العالم الخارجي لثلاث عشرة سنة بسبب الحصار الاقتصادي كان خلالها يزداد ضعفاً، عاكساً ضعف قطاع التأمين برمته.  بدأت محاولات إعادة تأسيس العلاقات مع شركات إعادة التأمين ووسطاء إعادة التأمين العالميين عام 2004، وتتوجت هذه المحاولات عام 2005 بقيام شركة إعادة التأمين العراقية بعقد اتفاقيات لإعادة التأمين مع واحدة من شركات إعادة التأمين العريقة في ألمانيا[3] لتقوم بقيادة هذه الاتفاقية التي وفَّرت الحماية الإعادية لشركتي التأمين العامتين، التأمين الوطنية والتأمين العراقية، ولمجموعة من شركات التأمين الخاصة.

 

من المفترض أن وجود شركات تأمين أهلية يساهم في تغذية أقساط التأمين التي تكتتب بها شركة إعادة التأمين العراقية.  لكن هناك بعض الإشكاليات ومنها أن الشركات هذه المرخصة من قبل ديوان التأمين ليست كلها منضوية ضمن اتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها الإعادة العراقية (بعض هذه الشركات مسجلة في إقليم كوردستان).  ومنها أن بعض شركات التأمين الأهلية لا تتعامل بالقدر الكافي من الشفافية في إعادة تأمين أعمالها مع الإعادة العراقية (من ناحية التصريح بالأقساط بشكل خاص).  وهناك أيضاً عدم توازن من حيث حجم الأعمال التي تكتتب بها هذه الشركات مقارنة بالشركتين العامتين يترجم نفسه في امتيازات معينة للشركتين العامتين في غطاء اتفاقيات إعادة التأمين.  يضاف إلى ذلك محدودية المعرفة بإعادة التأمين لدى بعض الشركات الأهلية، وضعف الريادة المهنية لدى الإعادة العراقية.  كما أن ديوان التأمين، الجهاز الرقابي، لا يُسائل شركات التأمين الأهلية فيما يخص توفر إعادة التأمين لديها أو كفايتها.

 

هذه وغيرها مسائل فنية يمكن معالجتها بعد دراستها وتوثيقها لو توفرت الرؤية المناسبة والإرادة لتطوير قطاع التأمين العراقي.  إن مكانة شركة إعادة التأمين العراقية ستتعزز عندما تستحضر الشركة بعضاً من ريادتها الماضية كي ترسم سياستها الحالية والمستقبلية، وعندما يزداد حجم الأعمال التي تكتتب بها (وهي في الوقت الحاضر أعمال محلية صرفية)، وعندما تأخذ زمام المبادرة في توجيه وإعانة الشركات المنضوية تحت اتفاقياتها.

 

وهي تستطيع أن توسع من تعاونها مع وسطاء إعادة التأمين الثلاثة الذين يديرون وينسقون ترتيب اتفاقياتها مع معيدي التأمين.  كما يمكنها الاستفادة من برامج التدريب التي يقدمها وسطاء إعادة التأمين، وهي شركات عالمية مقيمة في لندن، وكذلك معيد التأمين القائد في باريس.  ومن رأينا ان التدريب المهني مطلب أساسي لكنه لا ينال ما يستحقه من اهتمام.  ولكون الإعادة العراقية تتعامل مع الوسطاء والمعيدين في الخارج فإنها بحاجة إلى تطوير المهارات اللغوية الإنجليزية لدى كوادرها.  هكذا كان الوضع في الماضي، ومن المؤسف أن نذكّر به.

 

إن التطور اللاحق لقطاع التأمين العراقي، ممثلاً بازدياد حجم الأعمال المكتتبة وتوسع الاحتياطيات الحرة والفنية لشركات التأمين العامة والأهلية، ربما ستدفع بالبعض منها للتخلي عن حماية إعادة التأمين الاتفاقي التي توفرها شركة إعادة التأمين العراقية وترتيب اتفاقيات خاصة بها بشكل منفرد.  وما لم تأخذ الإعادة العراقية إمكانية حصول هذا التغيير (حجم الأعمال والموارد المالية بضمنها تعظيم رأس المال لدى شركات التأمين الأهلية) فإنها ستُجابه بفقدان مصدر مهم للأعمال.

 

إن خسارة شركة إعادة التأمين العراقية لمحافظ أعمال مجموعة من شركات التأمين المستفيدة من اتفاقياتها ستقلل من قيمتها الاقتصادية في نظر معيدي التأمين إذ أن هؤلاء لهم معايير معينة في توفير الحماية الإعادية منها أن يكون حجم الأعمال التي تتعامل معها مناسبة اقتصادية.  إن فقدت الإعادة العراقية حماية إعادة التأمين العالمية فإنها ربما لن تكون في وضع تستطيع معه الاستمرار في أداء وظيفتها كمعيد تأمين للشركات المحلية.[4]

 

مستقبل الإعادة العراقية مرهون بما تقوم به الآن، وما لم تحقق نقلة نوعية في إدارتها الفنية وتعزيز دورها بما يُرضي شركات التأمين فإن الاحتمالات مفتوحة لتحديد مصائرها في ظل التوجهات الاقتصادية للدولة وتوجيهات صندوق النقد الدولي.  إن هذا الموضوع بحاجة إلى مناقشة من قبل أركان التأمين العراقي ضمن رؤية موسعة لتطوير قطاع التأمين.

 

14 تشرين الثاني 2017

 

[1] ليست لدي معلومات كافية عن أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية في الخارج، وأظن أنها، مثل شركة التأمين الوطنية، كانت لها حساباً في فرع مصرف الرافدين في لندن.  بعد أن كتبتُ هذا الهامش أفادني الزميل والصديق سمير عبد الأحد أن شركة إعادة التأمين العراقية كانت لها حساباً مصرفياً في فرع مصرف الرافدين في لندن للإنفاق على كل ما يتعلق بإيجار وإدارة ومصاريف ورواتب مكتب الشركة في لندن، وحساباً مصرفياً آخراً أيضاً لدى فرع مصرف الرافدين، مكرس لإيداع أقساط إعادة التأمين التي كانت الشركة تكسبها، والاستفادة منها في تمويل الحساب الخاص لمكتب الشركة في لندن وكذلك مقابلة التزاماتها التعاقدية للشركات العالمية التي كانت تتعامل معها.

[2] يمكن التعرف على تفاصيل آثار الحصار في: مصباح كمال: “التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة” فصل في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 80-81.  يمكن قراءة النص في مدونة مجلة التأمين العراقي:

Iraq Insurance Review http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2008/06/2002-73-96.html

 

[3] كانت هذه الشركة الألمانية من المعيدين القادة لشركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية قبل عام 2003.  آثر معيد التأمين هذا التخلي عن هذه الاتفاقية فيما بعد، وتحولت قيادة اتفاقيات الإعادة العراقية إلى شركة إعادة تأمين فرنسية مرموقة.

[4] هددت إدارة شركة التأمين الوطنية في الماضي، وهي شركة التأمين الأكبر في العراق، بالخروج من اتفاقيات الإعادة العراقية وترتيب اتفاقيات إعادة تأمين خاصة بها مباشرة دون المرور من خلال الإعادة العراقية.  وقتها طلب مني المدير العام للإعادة العراقية الكتابة عن الموضوع لثني التأمين الوطنية من تطبيق تهديدها.  يمكن قراءة موقفي بهذا الشأن في مقالتي “إعادة التأمين الاتفاقي لسوق التأمين العراقي: إلتماس شخصي” المنشور في مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2008/09/1-2008.html

Reserves in Insurance Accounts

الاحتياطيات في حسابات التأمين

منعم الخفاجي

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

النقر للوصول إلى منعم-الخفاجي-الاحتياطيات-في-حسابات-التأمين.pdf

الاحتياطيات في حسابات التأمين نوعين:

أولاً- الاحتياطيات الرأسمالية

من المعروف إن هذه الاحتياطيات تُعتمد من قبل الشركات على أنواعها ومنها شركات التأمين وشركات إعادة التأمين وتستقطع من الأرباح الصافية للشركة. وهي على نوعين: الزامية، تحدد بنسبة من الأرباح الصافية مقدارها ووظيفتها وإطلاقها ينص عليها بموجب القانون. واختيارية، تحتجزها الشركات لأغراض توسعية ومواجهة ما يحدث من خسائر غير متوقعة او انخفاض في الأرباح احتجازها وإطلاقها يتم بقرار من إدارة الشركة.

ثانياً- الاحتياطيات الفنية (Technical Reserves)

تنفرد شركات التأمين وشركات إعادة التأمين باحتجاز مثل هذه الاحتياطيات التي تعتبر في حقيقتها مخصصات تقابلها التزامات ترتبت على شركة التأمين تجاه حملة الوثائق وعلى شركات إعادة التأمين تجاه شركات التأمين المسندة (Ceding Companies) وتعتبر حسابياً من حقوق حملة الوثائق في حسابات شركات التأمين ومن حقوق المسندين في حسابات إعادة التأمين. وهي على نوعين:

1- احتياطي أقساط التأمين غير المكتسبة ((Unearned Premiums Reserve تخصص لمواجهة المسؤوليات التي تتحقق خلال فترات وثائق التأمين الممتدة خلال السنة التالية لسنة اصدارها.
إن الاحتساب الدقيق لهذا الاحتياطي يتم على اساس الاقساط النسبية المقابلة للفترة المتبقية الممتدة بعد السنة المالية لكل وثيقة من الوثائق الصادرة خلال السنة المالية. وهذا طبعاً يحتاج الى عمل اداري ومصاريف كبيرة غير مبررة، كان هذا قبل فترة التقدم التقني وتوظيف برامج الحواسيب المتطورة حيث يمكن برمجة هذه الطريقة في احتساب هذا الاحتياطي بسهولة. ولكن تبقى هذه الطريقة في الاحتساب غير عملية ولا تخدم عمليات التدقيق اللاحقة للحسابات المختلفة لهذه الشركات، لذا فقد تم التوافق على احتساب هذا الاحتياطي كما يلي:

أ‌- ابتدءاً كان الاحتساب يعتمد طريقة (1/24) حيث يتم استقطاع جزء واحد من (24) من الاقساط المكتسبة المتحققة خلال الشهر الأول من السنة المالية (نفترض كانون الثاني/يناير) و 3/24 من الاقساط المكتسبة المتحققة خلال الشهر الثاني (شباط/فبراير) وصولاً الى الشهر الثاني عشر (كانون الأول) حيث يستقطع 23/24 من صافي الأقساط المكتسبة المتحققة خلال هذا الشهر. ومبلغ الاحتياطي هذا هو مجموع هذه الأقساط المستقطعة. ولأن هذه الطريقة لا تخلو من تعقيدات فقد نصَّت اغلب قوانين التأمين على اعتماد الطريقة التالية.
ب‌- استقطاع نسب محددة من صافي الاقساط المكتسبة خلال السنة المالية وتم الاتفاق على ان تكون هذه النسب 40% من أقساط التأمينات العامة و25% من اقساط التأمين البحري/بضائع. اما بالنسبة للتأمين على الحياة فحساب احتياطياتها يختلف.

مع ملاحظة ان الاقساط المكتسبة اعلاه تتضمن احتفاظ الشركة من اقساط وثائق التأمين المكتتبة مباشرة من قبل الشركة او تلك التي تقبل اختيارياً.

2- احتياطي التعويضات الموقوفة ((Outstanding Claims Reserve
هذا الاحتياطي واحد من الاحتياطيات الفنية التي يجب ان تتضمنها الحسابات الختامية لشركات التأمين وإعادة التأمين وهو مخصص لإيفاء الشركة بالتزاماتها المترتبة على تعويضات تحققت وبُلّغَ عنها ولكنها لم تسدد خلال السنة أو السنوات المالية التي تحققت فيها وتدعى (RBNS) Reported But Not Settled) ويتم احتساب هذا الاحتياطي بكامل المبالغ التقديرية للأضرار المتحققة.
وهناك نوع آخر من هذا الاحتياطي عن حوادث وقعت خلال السنة المالية ولكن لم يبلغ عنها وتحتسب وفق التجارب والخبرات السابقة، ويدعى احتياطي حوادث وقعت ولم يبلغ عنها Incurred But Not Reported (IBNR)

مع العرض بأن الاحتياطيات الفنية أعلاه بنوعيها الزامية على شركات التأمين وإعادة التأمين. ويتعين عليها الالتزام بها وبالتفاصيل المنصوص عليها في القانون المعني وإن لم تُعتمد بشكلها الصحيح في الحسابات الختامية يُعرّض الشركة الى المساءلة القانونية.

ولكن وللأسف وبالرغم من النصوص الخاصة بهذا الاحتياطي الواردة في قانون تنظيم أعمال التأمين العراقي رقم (10) لسنة 2005 حيث نصت المادة (32- أولاً، ثانياً، وثالثاً)

“على كل مؤمِن مجاز في العراق ان يحتفظ وحسب نوع التأمين بمخصصات فنية أو احتياطيات بالمبالغ الآتية:

اولاً- (40%) من صافي اقساط التأمين المسجلة للسنة المالية، وتكون النسبة (25%) من صافي الاقساط المذكورة في التأمين البحري .
ثانياً- (100%) من مجموع التعويضات الموقوفة المسجلة للسنة المالية.
ثالثاً- ما يتناسب مع مقدار التعويضات الواقعة غير المسجلة يحتسب …الخ.”

إلاّ ان أغلب شركات التأمين العاملة في العراق لا تلتزم بتطبيق هذه المادة وإن طبقت من بعض الشركات فلم تكن بالطريقة الصحيحة التي تؤدي الغرض أو الوظيفة المطلوبة. فعلى سبيل المثال، وبقدر تعلق الأمر باحتياطي اقساط التأمين غير المكتسبة لا يتضمن هذا الاحتياطي الأقساط الواردة عن طريق الاكتتاب غير المباشر (اقساط إعادة التأمين الواردة) وهي كثيرة جدا، حيث تبلغ في بعض الحالات أكبر من تلك المكتتب بها مباشرة من قبل الشركة، ومصدرها القبول الفردي أو تلك الواردة عن طريق المجمعات الداخلية وهي كثيرة. أما احتياطي التعويضات الموقوفة فإن العديد من شركات التأمين الأهلية لا تُضَمن حساباتها الختامية هذا الاحتياطي نهائياً، كما ان بعض الشركات، عندما تحتجز أي من هذين الاحتياطيين، لا تقوم بإطلاقه في السنة التالية كما يقضي به الواقع المحاسبي السليم.

وثمة خطأ آخر ترتكبه بعض الشركات حيث تعتبر الاحتياطيات الفنية جزءاً من حقوق المساهمين عكس حقيقتها التي تعتبر من حقوق حملة الوثائق. وفي هذا الخصوص وعندما كنت ادير احدى شركات التأمين الأهلية ناقشت هذا الموضوع مع مدقق الحسابات القانوني للشركة وبعد شرح لطبيعة الاحتياطيات الفنية هذه تم الاقتناع بأنها مخصصات تقابلها التزامات على الشركة الإيفاء بها ولكن أصرّ المدقق على إظهار هذا الحساب ضمن مدرجات حقوق المساهمين معللاً ذلك بأن النظام المحاسبي الموحد للمصارف وشركات التأمين ينص على ان الحساب (215) هو احتياطيات فنية وليس مخصصات وبالتالي وجوب إظهاره ضمن حساب حقوق المساهمين. لا شك إن هذه الحالة تعتبر خللاً في معايير الإفصاح الدولية وتلك التي يجب ان تكون معتمدة من قبل سوق العراق للأوراق المالية والمديرية العامة للضريبة وإلّا سيكون هناك نوع من التضليل وخطأ في احتساب ضريبة الدخل. عليه أدعو لتقويم هذا الخطأ.

ان هذه الأخطاء في مثل هذه الامور لا تعتبر بسيطة انما يمكن اعتبارها أخطاء جسيمة وتقصير في الواجب لسببين. الأول، ان ميزانية الشركة العامة لن تعكس حقيقة الوضع المالي للشركة وهذا يترتب عليه تعقيدات. والثانيً، تعتبر مخالفات قانونية ترتب على الشركة مساءلة قانونية وربما عقوبات مختلفة.

ان سبب هذه الاخطاء في رأي يعود أولاً، وهو الاكثر ترجيحاً، إلى عدم توفر الخبرة الكافية وعدم معرفة معالجتها محاسبياً من قبل إدارة ومسؤولي الحسابات في تلك الشركات ومدققيها القانونيين. والأهم من ذلك غياب الرقابة الواعية من قبل ديوان التأمين وبقية الجهات المختصة. وثانياً، ربما تعمداً لغرض التلاعب بالنتائج الحسابية تقليلاً لحجم لأرباح وبالتالي تأجيل دفع جزء من الضريبة أو تضخيماً مؤقتاً للأرباح تبجحاً. ولكن لا أعتقد ان يكون هذا هو السبب في هذه الخطأ. (راجع الملحق أدناه).

وعلى أي حال فإن البنك المركزي العراقي قرر، استجابة لتسهيل منح القرض من البنك الدولي، الانتقال من النظام المحاسبي الموحد للمصارف وشركات التأمين الى معايير الافصاح الدولية وألزم شركات التأمين والمصارف اعتماد معايير الإفصاح الدولية واعداد حساباتها لسنة 2016 على هذا الاساس.

3 تشرين الثاني 2017

ملحق: مسودة تعميم حول الاحتياطيات الفنية

خلال فترة عملي القصيرة جداً في ديوان التأمين العراقي بصفة خبير عملت جهدي على تصحيح هذه المفاهيم ووجهت مسؤولي اعداد الحسابات في بعض هذه الشركات شفاهةً وتحريرياً لاعتماد الأسس الصحيحة. وقد تمَّ توجيه كتب لهذه الشركات توضيحاً لهذه الأخطاء مع الطلب بوجوب اعتماد هذه الاحتياطيات عند اعداد الحسابات القادمة حتى أنى اعددت تعميماً بهذا الخصوص على امل تعميمه على كافة الشركات ولكن لإنهاء عملي في الديوان (لأسباب ظاهرها معروف وحقيقتها غير معلنة) لم يتم تعميمه. أنشر هنا نصه عسى ان يكون ذا فائدة.

الى / شركات التأمين كافة

الموضوع: تعميم حول الاحتياطيات الفنية

تحية طيبة

بعد الاطلاع على الحسابات الختامية لشركات التأمين وجدنا أن اغلب هذه الحسابات لم تتضمن تخصيص لحساب الاحتياطيات الفنية وان وجدت فلم يتم احتسابها بالطريقة واجبة الاتباع. لذا نورد فيما يلي كيفية معالجة هذا الحساب.

– الاحتياطيات الفنية

هي مخصصات لالتزاماتٍ على شركات التأمين تجاه حملة الوثائق. وهذه الاحتياطيات هي:

أولا: احتياطي الأخطار الممتدة (الأقساط غير المكتسبة).

تحتسب وفقاً للآتي:
– مجموع الأقساط المكتتبة خلال السنة المالية.
يطرح منها
– أقساط أعادة التأمين الصادرة.
يضاف اليها
أقساط إعادة التأمين الواردة.

من هذا المجموع الذي يمثل صافي احتفاظ الشركة يحتجز ما نسبته 40% من رصيد الاقساط للتأمينات العامة و25% من رصيد اقساط التأمين البحري/بضائع.

ثانياً: احتياطي او (تخصيص) التعويضات الموقوفة

يحتجز تخصيص لهذا الحساب بواقع 100% من مجموع التعويضات الموقوفة المسجلة خلال السنة المالية وما قبلها ولم يتم تسديدها. وذلك استناداً الى نص المادة (32) من قانون تنظيم اعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005، مع ملاحظة ما يلي:

1- الارصدة اعلاه في أولا- الخاصة باحتياطي الأخطار الممتدة وفي ثانيا-احتياطي التعويضات الموقوفة تعتبر من مصاريف عمليات التأمين.
2- تطلق الارصدة المحتجزة لهذين الحسابين وتعتبر إيراداً للسنة المالية التالية).
3- نتيجة الفرق بين (1 و2) أعلاه سيؤثر بمثابة مصروف أو إيراد، حسب الحالة، على حسابات السنة المالية التالية.

كما لاحظنا إن الحسابات الختامية لعدد من الشركات قد اعتبرت الحسابات الفنية هذه ضمن حقوق المساهمين وهذا غير صحيح لأن هذين الحسابين (احتياطي الأخطار الممتدة والتعويضات الموقوفة) لا يعتبران من حقوق المساهمين بل هما التزام على شركة التأمين أي انهما من حقوق حملة الوثائق.

نأمل أتباع ما جاء أعلاه في حساباتكم القادمة.

نرحب بأي استفسار أو تعليق عن ما جاء اعلاه.

مع التقدير