The Central Bank & Implications of Insuring a New Iraqi Dinar

البنك المركزي وبعض تداعيات تأمين الدينار العراقي الجديد

 

مصباح كمال 

منذ مدة ونحن نقرأ أخباراً وتصريحات صحفية حول مشروع حذف الأصفار الثلاثة من الدينار العراقي، وقد ورد في أحد هذه الأخبار أن الطبعة الجديدة للدينار ستكون باللغات العربية والكردية والانكليزية، وان طباعة الدينار ستحال إلى واحدة من أربع شركات عالمية متخصصة بكلفة 150 مليون دولار تشمل أعمال الطبع والنقل والتأمين وكذلك إتلاف العملة القديمة داخل البنك المركزي.[1]

إصدار الطبعة الجديدة للدينار بثلاث لغات لا يتعارض مع أحكام الدستور لا بل أنه يؤكد على تعزيز النظام الاتحادي قيد التشكل.  هذا الجانب من الخبر سياسي بامتياز ولا يحتاج إلى مزيد من التعليق إذ أن ما يهمنا منه هو ورود عبارة “التأمين” ضمن تكاليف إصدار الطبعة الجديدة للدينار.  إن صحت مفردات الخبر فإن التأمين، دون معرفة تفاصيله، يبدو وكأنه أمر مفروغ منه، وأن مهمة القيام به منوط بواحدة من الشركات العالمية الأربع المتخصصة.[2]

من المفروض أن تَلْقى هذه الأخبار اهتمام شركات التأمين العراقية كي تلعب دوراً ما في الحماية التأمينية للطبعة الجديدة للدينار أثناء النقل والتخزين.  فهذه الشركات توفر الحماية ضد الخسارة أو الضرر المادي جراء أخطار النقل، جواً أو بحراً أو براً من المنشأ إلى موقع الوصول النهائي، والتخزين في الأقبية المنيعة وغيرها من أشكال الحماية التأمينية بضمنها وثائق خاصة بالتأمين على الأشياء الثمينة specie insurance.

حتى وقت كتابة هذه المقالة لم يردنا ما يُفيد أن واحدة من شركات التأمين العراقية قد قامت بمفاتحة البنك المركزي فيما يخص توفير التأمين لطبعة الدينار الجديدة.  لو قامت بذلك يكون البنك عندها عالماً بإشعار يستوجب منه إبداء موقف تجاه ما تقدمت به شركة عراقية للتأمين.

نعرف أن البنك المركزي العراقي ليس بعيداً عن أهمية التأمين فقد أثار في أواسط عام 2011 مسألة حماية ودائع المدخرين في المصارف العراقية في محاولة لإشراك شركات التأمين مع البنك في تحمل عبء حماية أموال المودعين لدى المصارف العراقية في حالة تعرض أحد المصارف لأزمة سيولة أو غيرها من الصعوبات، وهو توجه لا ينهض به واقع شركات التأمين العراقية الذي يتسم بضعف مواردها المالية.  كما أن الودائع في البنوك في العديد من الدول تتمتع بحماية الدولة، وبحدود قصوى، من خلال مؤسسات مختصة مستقلة أو تعمل بإشراف البنك المركزي للبلاد.

وقد ذكر لي الأستاذ عبد الباقي رضا، عضو مجلس إدارة مصرف المنصور، في رسالة له بتاريخ 11 آب 2011 بعض المعلومات المهمة بهذا الشأن ومنها ان

 

ما ذكرته عن دور البنك المركزي في حماية الودائع الخاصة صحيح، وقد جرت محاولة قبل سقوط النظام لتوفير تشريع، كما في الدول الاخرى، لتأسيس صندوق لهذا الغرض يشترك في تمويله البنك المركزي.  واتذكر ان المشروع كان يقضي بان تكون مساهمة المركزي بنسبة خمسين بالمئة فرفضه محافظ المركزي يومذاك ورفض مشاركته بأية نسبة فمات المشروع.  وقد جددت المحاولة قبل مدة دون جدوى.  و يبدو لي ان المركزي عاد الى الموضوع بسبب الازمة التي يمر بها مصرفان.

 

وقتها ذكرتُ ان الهدف من حماية ودائع المدخرين من قبل الدولة هو ضمان استمرار البنوك “التعبانه” (على شفا الإفلاس) في أداء أعمالها ومقابلة بعض التزاماتها لحين استرداد عافيتها.  ولهذا تلجأ الدولة إلى خلق مؤسسات متخصصة لهذا الغرض، وهو الحال في معظم الدول الغربية وحتى في أفغانستان!.  وذكرتُ أيضاًً ان الحكومات تتدخل في وقت الأزمات التي تتعرض لها البنوك (bank run) وقد يتخذ التدخل شكل تأميم هذه البنوك والمؤسسات المماثلة للحفاظ على النظام المصرفي وحقوق المودعين، وهو ما أقدمت عليه الحكومة البريطانية سنة 2008 عند فشل بنك Northern Rock

ترى هل سيقوم البنك المركزي بالاستفادة من شركات التأمين العراقية، العامة أو الخاصة، من خلال استقدام العروض لتأمين نقل وخزن الطبعة الجديدة للدينار، أم أنه أرسى أو سيُرسي مهمة التأمين على الشركة العالمية التي ستقوم بطبع الدينار الجديد؟  من سيقوم بتوفير الحماية التأمينية ليس معروفاً في الوقت الحاضر وليس هذا بالغريب إذ أن تفاصيل البرنامج التأميني السنوي للبنك المركزي ليست معروفة أيضاً، بافتراض وجود مثل هذا البرنامج، إذ أن البنك لا يعلن عن مناقصة لتأمين موجوداته من مباني ومحتويات، والنقد أثناء الحفظ والنقل من المركز إلى الفروع، والحوادث الشخصية للعاملين، وقريباً مشروع البناية الجديدة للبنك ـ كما تقضي بذلك الفقرة الثالثة من المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي تنص على ما يلي:

 

يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.

 

ليس الهدف من إثارة السؤال الكشف عن معلومات سرية فما هو سرّي يجب أن يبقى كذلك ما لم تقضي المحاكم المختصة بغير ذلك.  والبنك المركزي ليس فريداً من هذه الناحية (غياب البرنامج التأميني) بين مؤسسات الدولة الأخرى فهذه لا تمتلك برنامجاً واضحاً للتأمين على موجوداتها ومسؤولياتها القانونية والأخطار الأخرى التي قد تتعرض لها.  ونزعم أن مؤسسات الدولة لا تضم قسماً أو مكتباً مختصاً بإدارة الخطر والتأمين، ولذلك فإن غياب البرنامج التأميني هو تحصيل حاصل.

ويظل الطموح أن يقوم البنك المركزي، وكذلك مؤسسات الدولة العراقية وإقليم كوردستان العراق والمحافظات، بإجراء التأمين دائماً لدى شركات تأمين مسجلة ومرخصة في العراق.  وهذا من شأنه دعم قطاع التأمين على مستوى الاتحاد والإقليم.

 

 

لندن 28 آذار/مارس 2012

misbahkamal@btinternet.com

 


[1] نصير الحسون “العراق يعدّ لحذف الأصفار من ديناره ورفع قيمته أمام الدولار”، الحياة، الأحد، 25 مارس 2012.

[2] ورد إلى علمنا من مصدر موثوق في بغداد أن هذا الخبر الصحفي غير دقيق فيما يخص التأمين.

أضف تعليق