Category Archives: Uncategorized

A Glimpse of the History of TPL Motor Insurance in Iraq

شيء من تاريخ التأمين الإلزامي من حوادث السيارات

عبدالباقي رضا*

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

عبدالباقي رضا* شيء من تاريخ التأمين الإلزامي من حوادث السيارات – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

(1)

قرأت باهتمام في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين مقال “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات” للزميل مصباح كمال

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

أقدر وأكبر وأعتز باهتمام الكاتب ومتابعته لشؤون التأمين في العراق كما لم تحظ بمثله من قبل جميع من عمل في التأمين في العراق على الاطلاق.  قد ينطوي هذا التقييم على مبالغة لكن مجموعة أعماله المنشورة في موقع الشبكة تشهد على ما قدمه لقطاع التأمين العراقي من كتابات.

(2)

في المقال موضوع البحث جوانب عديدة بالغة الاهمية وجديرة بالدراسة للتوصل الى حلول مناسبة ولا أريد أن أبين رأيا فيها ولكنه ذكرني بشيء من تاريخ التأمين الإلزامي للمسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات.

حين بدأنا عام 1965 بتنفيذ قانون التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964 لم يسبق لي علم به، ولم يكن لي أي دور في اعداده.  وحين توليت ادارة شركة التأمين الوطنية في 1-2-1966 وجدت مئات استمارات طلب التأمين الطويلة تنتظر طبع الوثائق كوثائق التأمين الاخرى دون أي مراعاة لخصوصية هذا النوع من التأمين.  أتذكر ان قسط التأمين كان أربعة دنانير.[1]  خلال فترة قصيرة استحدثت نموذجا جديدا صغير الحجم يكتب باليد وعلى ظهره شروط التأمين ويكون بمثابة وصل قبض القسط والوثيقة واصداره لا يستغرق أكثر من دقائق مما نال رضى المراجعين.

من الامور المهمة التي طُبقت طريقة استيفاء رسم الطابع على وثائق التأمين.  كانت الطريقة المتبعة هي لصق الطابع المالي على كل وثيقة بنسبة معينة لا اتذكرها.  الطريقة التي اقترحتها واستحسنها مدير عام المحاسبات العامة المرحوم حنا رزوقي[2] وعُدّل القانون بموجبها هي استيفاء رسم الطابع على المجموع الشهري لأقساط التأمين وفق سجلات الشركة يُسدد بصك الى وزارة المالية.  علمت الآن انه يدفع سنويا باستثناء ما يرد للشركة لقاء التأمين الالزامي حيث لا يخضع لهذا الرسم.  ذكرت هذا لان وثائق الالزامي قبل قانون 52 لسنة 1980 كانت تخضع للرسم.

(3)

لعدم اهتمام الجمهور بأهمية والزامية هذا النوع من التأمين وضعف الاقبال عليه خطرت لي فكرة، عندما كنت أدير شركة التأمين الوطنية، اعتبار التأمين ساريا على جميع السيارات لقاء زيادة (surcharge) في أسعار الوقود.  تقدمت بهذا الاقتراح رغم ما سمعت من كثيرين باحتمال تعرضي لعقوبة لحساسية موضوع زيادة أسعار الوقود في تلك الايام وكان عزت ابراهيم وزيرا للداخلية حينذاك ولكن نجوت من العقوبة برفض الاقتراح!  لا أتذكر الآن كيف مُررت الفكرة فيما بعد بصدور القانون رقم 52 لسنة 1980.

لا أريد الدخول في تفاصيل ما أورده الكاتب في المقال، ووجود مشروع قانون مقدم من نقابة المحامين لجعل تحديد مبلغ التعويض من اختصاص المحاكم إلى جانب قضايا أخرى لم يذكرها الكاتب ولكني أقول إن أي تعديل لقانون 1980 أو استبداله بقانون تأمين إلزامي جديد يجب أن يلتفت إلى كيفية استيفاء قسط التأمين.  فإذا ترك أمره لأصحاب السيارات وما يميز الناس بعدم الاهتمام بإلزامية التأمين وأمامنا تجربة عدم الالتزام بإجراءات الوقاية من الكورونا مع خطورة الحالة فلا الحظر يراعى ولا لبس الكمامة!  المهم أن تؤخذ طبيعة وسلوك المواطن العراقي وعدم جديته في مثل هذه الامور بنظر الاعتبار خاصة في ظروفنا الراهنة.

مازلت أعتقد بأن استيفاء قسط التأمين عن طريق اضافة مناسبة الى أسعار الوقود هو الأعدل والأضمن، ذلك لان ارتفاع استهلاك الوقود يدل على ارتفاع ساعات استعمال السيارة وبالتالي ارتفاع احتمالات التسبب بالحوادث.  ان وجود سيارات الاجرة على الشوارع لوقت أطول من وجود السيارات الخاصة مثلا يحمل احتمالا أعلى لتسببها أو تعرضها للحوادث.

أرجو أن يستمر الكاتب على نشاطه واهتمامه بقطاع التأمين في العراق الذي يمر في ظروف لا تسر!

بغداد 11 تموز 2021

* المدير العام الأسبق لشركة التأمين الوطنية (1966-1978).  شغل مواقع قيادية مختلفة في قطاع التأمين العراقي وعمل وما يزال مستشاراً مالياً ومصرفياً.


[1] كانت للشركة مكاتب لإصدار وثائق التأمين الإلزامي في معظم المحافظات وكان لها أكثر من مكتب في بغداد، أكبرها كان يحمل اسم مكتب بغداد الذي كان يحتل مكانًا له في مقر مديرية المرور العامة.

[2] للتعريف بالمرحوم حنا رزوقي، راجع: إبراهيم خليل العلاف “حنا رزوقي الصائغ 1929-2013 ومذكراته،” جريدة الزمان:

Insurance against non-payment of credit

التأمين ضد خطر عدم السداد

إسراء صالح داؤد

المستشار القانوني المساعد

شركة التأمين الوطنية/فرع نينوى

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

اسراء صالح داؤد* التأمين ضد خطر عدم سداد القروض – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

إن منح الائتمان يعتبر من اهم المهام التي تقوم بها المصارف غير ان ضعف الملاءة المالية للعميل جعل عملية منح الائتمان عرضة لأخطار عالية.  إن خطر عدم سداد الديون يعتبر من الاخطار الائتمانية المصرفية البحتة، كما يعتبر من اهم المشاكل التي تعاني منها المصارف خلال عملية منح الائتمان، فهو ليس خطراً بالمفهوم التأميني.  وفي السنوات القليلة الماضية لجأت المصارف في العراق الى تأمين هذا الخطر لدى شركات التأمين كخطر اضافي لوثائق تأمين القروض الشخصية والاستهلاكية والاستثمارية دون الأخذ بنظر الاعتبار مفهوم الخطر التأميني.

لقد عرّفت المادة 983 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 التأمين كالآتي: “التأمين عقد به يلتزم المؤمن ان يؤدي الى المؤمن له او الى المستفيد مبلغا من المال او ايرادا مرتبا او اي عوض مالي اخر، في حالة وقوع الحادث المؤمن ضده، وذلك في مقابل اقساط او اية دفعة مالية اخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.”

وجاء في المادة 984/1 من القانون اعلاه “يجوز ان يكون محل التأمين كل شيء مشروع يعود على الشخص بنفع من عدم وقوع خطر معين …” 

فالخطر هو كل حادثة محتملة الوقوع لا يتوقف تحققها على محض ارادة أحد المتعاقدين وحدها وعلى الخصوص ارادة المؤمن له.  إذ يعد واقعة مستقبلية غير محققة الوقوع يترتب على وقوعها التزام المؤمِن “شركة التأمين” بالتسديد المتفق عليه في العقد للمؤمن له او للمستفيد من التأمين بشرط الا يكون لإرادة المؤمن له او المستفيد دور في وقوعها.  وعليه يجب ان تتوفر في الخطر الشروط التالية:

اولا: ان تكون حادثة احتمالية، اي غير مؤكدة الوقوع.  وعليه فإن الحادث المؤمن ضد وقوعه يجب ألا يكون مؤكدًا بل محتمل الوقوع مستقبلا.

ثانيا: الا يتوقف وقوع الخطر على محض ارادة أحد الطرفين.  ان العنصر الأساسي في الخطر هو عنصر الاحتمال او عدم التأكد او الشك فإذا انتفى هذا العنصر انتفى الخطر، وبانتفاء الخطر تنتفي الحاجة الى وجود التأمين لانعدام محله.

ثالثا: ان يكون الخطر مشروعا اي غير مخالف للقانون والنظام العام وحسن الآداب.  اي ان الخطر كي يكون قابلا للتأمين عليه فإنه يُشترط أن يكون الخطر مشروعا اي غير مخالف للقانون وللنظام العام او الآداب، وهو وضع طبيعي باعتبار ان الخطر يمثل ركن المحل في عقد التأمين، وعقد التأمين يخضع لأحكام القانون المدني.

لوحظ مؤخرا ان عددًا من شركات التأمين العراقية قد ضمنت وثائقها تغطية “خطر عدم السداد” لا بل “خطر عدم السداد لأي سبب كان” في تأمين القروض الاستهلاكية والاستثمارية الممنوحة من المصارف.  ومما تقدم يثار التساؤل التالي:

ما المقصود بالتأمين من خطر عدم السداد؟  هل يعد عدم السداد خطرا بالمفهوم التأميني؟  وهل نجحت شركات التأمين في تغطيته؟

من خلال اطلاعي على عدد من وثائق التأمين لاحظت انها لم تُعرّف هذا الخطر ضمن وثيقة التأمين بل جاء باعتباره خطراً اضافيًا غير محدد تُلزم شركة التأمين بدفع قيمة القرض او ما تبقى منه عند عدم قيام المقترض بتسديد اقساط القرض خلال مدة سريان وثيقة التأمين.  وهذا ما جعل المصارف تعتبر كل حالة تلكؤ في تسديد أقساط القرض بمثابة خطر عدم سداد متحقق، فضلا عن اعتبار شركات التأمين الكفيلة بالتسديد.  وهذا تفسير غير صائب.  إن احكام الكفالة تختلف اختلافا جوهريا عن احكام عقد التامين.  وهنا لابد من التمييز بين حالة التلكؤ وحالة خطر عدم السداد.

إن التلكؤ الذي يتعذر به المؤمن له عن الايفاء بالتزاماته لا يدخل ضمن مفهوم خطر عدم السداد، ولا يمكن اعتباره خطرًا بالمفهوم التأميني الذي بموجبه تنهض مسؤولية شركة التأمين بتسديد التعويض.  فالتلكؤ لا يعني عدم السداد والأخير لا يعد خطرا تأمينيا “اصلا” بل ان حالة التلكؤ تعد تقاعس او تباطؤ او تكاسل او عدم رغبة بتنفيذ المؤمن له التزاماته بمحض ارادته او بسبب قيام ظروف وقتية قد تدفع الى تأخير تنفيذ الالتزام، وبالتالي يسقط اي شرط او بند ينص شمول التلكؤ بالخطر التأميني ويعد باطلا.

وبالرجوع الى خطر عدم السداد الوارد في وثائق تأمين القروض الذي ورد مستقلا عن حالة تحقق الوفاة الطبيعية او بحادث التي تعد سببًا في تحقق عدم السداد، فلا يعد خطرا بالمفهوم الفني والقانوني للخطر في عقد التأمين للأسباب التالية:

  1. جاء مطلقا، والمطلق يجري على اطلاقه مالم يقيده شرط او نص الا إذا اقترن بعذر مشروع مثل خطر عدم السداد عند تحقق الوفاة او العطل الدائمي او الافلاس…. الخ.
  2. ان اعتبار خطر “عدم السداد او عدم السداد لاي سبب كان” يفقد مشروعيته والمشروعية امر جوهري بالخطر.
  3. ان اعتبار “عدم السداد” خطرا تأمينيًا يفقد صفة الاحتمالية لعقد التأمين وبالتالي يصبح العقد محقق الوقوع ومؤكدا.

تجدر الإشارة الى ان وثائق القروض الذي تضمنت تغطية خطر عدم السداد لم يتم اعادتها لدى شركة إعادة التأمين العراقية أو اي معيد آخر.  ان عدم تحقق مطالبات بالتعويض لا يعني انه خطر” جيد” لأنه ليس بخطر اصلا، بالإضافة الى انه سيجعل المركز المالي لشركات التأمين تحت الانذار عند تحققه إذا ما استمر ترويجه.[1]

8 تموز 2021


[1] تجدر الاشارة الى ان شركة التأمين الوطنية قد اوقفت ترويج هذا الخطر، وتقوم الآن بإعادة النظر ودراسة وثيقة تأمين القروض بالاستعانة بأساتذة الشركة من كبار موظفيها الافاضل ممن احيلوا للتقاعد.

Compulsory Motor Third Party Insurance in Iraq-invitation for discussion

ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات

مصباح كمال

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2021/07/05/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82/

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

(1)

يعتبر التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات موردًا مهمًا لشركات التأمين، وأضيف له في العقود الثلاثة الماضية التأمين الصحي.  نجد ذلك في العديد من أسواق التأمين العربية بعد أن صار التأمين في هذين الفرعين إلزاميًا، كما هو الحال في معظم أسواق الخليج.

بالنسبة للعراق فإن هذا المورد قد توقف مع صدور قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 (أصبح نافذًا اعتبارًا من 1 كانون الثاني 1981) إذ صار التأمين تلقائيًا دون الحاجة لتقديم طلب للتأمين أو إصدار وثيقة للتأمين.  لقد كان هذا القانون تشريعًا متقدمًا في فلسفته إذ اعتمد على مبدأ تحمل التبعة كأساس لالتزام شركة التأمين بدفع التعويض للطرف المتضرر بدلًا من اعتماد المسؤولية القائمة على أساس الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس.  وثبتّ القانون أطروحة قيام علاقة قانونية بين شركة التأمين والمؤمن له بدلًا من العلاقة العقدية إضافة إلى جوانب أخرى.

ويغطي هذا القانون المسؤولية الناشئة من حوادث السيارات تجاه الإصابات البدنية، بضمنها الوفاة، التي تلحق بالشخص الثالث.  أي أن نطاق القانون لا يشمل الأضرار المادية التي تلحق بممتلكات الشخص الثالث ومنها هيكل السيارة.

بفضل التعديلات التي أدخلت على هذا القانون فقد تم الاستغناء عن إصدار وثيقة تأمين، وفي سنة 1987 أنيطت جبابة “أقساط” التأمين الإلزامي للشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية، إحدى شركات وزارة النفط.  وتأخذ هذه الأقساط شكل إضافة زيادة بواقع 15 فلسا على كلفة شراء البنزين و 20 فلساً على زيت الغاز.  كانت الشركة تقوم “بتجميع مبالغ الزيادة على أسعار الوقود وتسديدها بعد استقطاع حصتها البالغة نصف بالمائة من هذه الزيادة بأقساط ربع سنوية بواقع 68% إلى شركة التأمين الوطنية وتبلغ 10,2 فلس من مبلغ الزيادة و 32% إلى الموازنة العامة (رسوم إجازة التسجيل) وتبلغ 4,8 فلس من مبلغ الزيادة.”[1]

أنيطت وظيفة تسوية المطالبات بالتعويض لشركة التأمين الوطنية، وكانت حتى أواخر ثمانينيات القرن المنصرم الشركة الوحيدة التي تمارس أعمال التأمينات العامة، ثم أجيزت الشركة العراقية للتأمين على الحياة، بعد تعديل اسمها إلى شركة التأمين العراقية، للاكتتاب بأعمال التأمينات العامة والحياة، كما أجيزت شركة التأمين الوطنية للاكتتاب بأعمال التأمين على الحياة.  وبفضل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 تأسست شركات تأمين خاصة (تأسست أول شركة خاصة سنة 2000).  لكن جميع الشركات، العامة والخاصة، لم يكن يحق لها، بسبب القانون رقم 52 لسنة 1980، الاكتتاب بأعمال التأمين على المسؤولية المدنية من إصابات الأشخاص الناشئة من حوادث السيارات.  وبذلك لم يعد تأمين هذه المسؤولية موضوعًا للتأمين التجاري.

لقد جاء تحميل قسط التأمين على وقود السيارات للتغلب على أعباء الجباية على شركة التأمين وعلى مالكي السيارات وما قد يترتب عليها من إجراءات إدارية وقانونية.[2]  وترافق ذلك مع وقف إصدار وثيقة للتأمين إذ انتفت الحاجة إليها بعد أن صارت المسؤولية مؤمنة بقوة القانون.

(2)

لكن تطبيق القانون، وكما كتبنا في مكان آخر، كشف عن بعض العيوب.  ومنها ضآلة التعويضات المدفوعة للمضرورين، فالتعويضات كانت بشكل عام دون القيمة الحقيقية لآثار الإصابة الفعلية.  وبهذا الشأن كتب المحامي بهاء بهيج شكري أن هناك عيباً أساسياً في قانون 1980 مقارنة بالقانون القديم (قانون التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964) فقد كتب أن

“ضآلة مبالغ التعويضات التي درجت اللجنة المذكورة [لجنة تقدير التعويض المكونة من قاضٍ من الدرجة الثانية وعضوين يمثلان شركة التأمين الوطنية ودائرة الرعاية الاجتماعية] على تقديرها لم تكن لتغطي 10% من الضرر الفعلي الذي يصيب الشخص المضرور، مما أعاد “النظام العشائري” المعروف بنظام “الفصل والدية” للظهور والذي سبب إعادة تطبيقه إرهاقاً كبيراً لمالكي المركبات.  هذا النظام الذي اختفى نهائياً بتشريع قانون التأمين الإلزامي القديم وما رافقه من إلغاء نظام دعاوى العشائر.”[3]

وهناك جوانب أخرى في قانون 1980 رصدها الأستاذ شكري في دراسته: إشكالية تحديد الخطأ الجسيم، الحوادث المسببة بسيارات مجهولة، اختزال تحديد قسط التأمين بعلاوة على سعر البنزين المستهلك مما يخلق إشكالية تتمثل بعدم وجود تناسب حقيقي بين حدة الخطر وكلفة التعويض حسب نوع المركبات واستعمالاتها وغيرها من العناصر الاكتتابية التي تؤخذ اعتيادياً بنظر الاعتبار لتحديد سعر التأمين   الخ.

(3)

يظل هناك سؤال حول كفاية حصيلة أقساط التأمين المُحوّلة إلى شركة التأمين الوطنية لتمويل مطالبات التعويض قائمًا.  ففي سنة 2018 كان حجم أقساط التأمين الإلزامي 8,560,070,000 دينار في حين بلغت التعويضات المسددة 9,530,558,000 دينار، أي بعجز مقداره 970,488,000 دينار، كما في الجدول أدناه.

اقساط تأمين الزامي سيارات (2018-2019) [4]

ألف دينار

20192018اسم الشركة / السنة
9,157,3678,560,070شركة التامين الوطنية

تعويضات تامين الزامي سيارات (2018-2019)

ألف دينار:

20192018اسم الشركة / السنة
6,620,7419,530,558شركة التامين الوطنية

وشهدت سنة 2017 أيضًا عجزًا بمقدار 2,032,976,000 دينار كما في الجدول أدناه.  في حين شهدت السنوات من 2013-2015 فائضًا نظرًا لهبوط عدد المطالبات بالتعويض.

اقساط تأمين الزامي سيارات (2016-2017)

ألف دينار:

20172016اسم الشركة / السنة
7,565,5878,190,273شركة التامين الوطنية

تعويضات تامين الزامي سيارات (2016-2017)

ألف دينار:

20172016اسم الشركة / السنة
9,598,5637,955,606شركة التامين الوطنية

إن التقلب في نتائج الاكتتاب بأعمال التأمين ظاهرة معروفة، وتلجأ شركات التأمين إلى التحوط منها وتصحيحها من خلال إعادة النظر بالسياسة الاكتتابية وتعديل الأسعار اعتمادًا على التجربة السابقة.  هذا هو الوضع في أسواق التأمين المفتوحة، ولكن عندما تقوم الحكومة بوضع الأسعار في تأمين المسؤولية من حوادث السيارات فليس أمام شركات التأمين غير الضغط على الحكومة لتعديل الأسعار لتتناسب مع خبرة الخسارة وعدم تعريض بعض شركات التأمين للعسر المالي.

ليس لشركة التأمين الوطنية سلطة تقديرية لإعادة النظر بسعر تأمين المسؤولية المدنية للإصابات من حوادث السيارات إذ أن سلطتها مقيدة بقوة القانون.  ما تستطيع أن تقوم به هو الضغط على الحكومة لتعديل السعر أو زيادة النسبة المخصصة لها (68%) أو تقليص حصة الموازنة العامة (32%) لتوفير رصيد كافٍ لتسوية التعويضات.

(4)

ليس معروفًا إن كان تحميل أقساط التأمين على وقود السيارات قد خضع أصلًا لدراسات اكتوارية لخبرة الخسارة، وما يتعلق بها من تكاليف، في فرع التأمين من المسؤولية المدنية (الإصابات البدنية) الناشئة من حوادث السيارات، وإسقاط نتائج هذه الدراسات على كفاية أقساط التأمين، التي تجمعها الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية، لتقوم شركة التأمين الوطنية باستخدامها لتمويل التعويضات.  لقد اعتمدت اللجان التي درست الموضوع في الماضي على معادلة بسيطة، قد يعتبرها البعض ساذجة، تعتمد على “تقسيم أقساط التأمين السنوية على مجموع الاستهلاك السنوي من الوقود.”[5]

في مرحلة متأخرة قام اثنان من ممارسي التأمين العريقين، فؤاد شمقار ومنذر عباس الأسود، بتفكيك معيار مبلغ مبيعات الوقود كأساس لاستيفاء القسط في دراستهما لمشروع قانون تعديل بعض احكام قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 المعروض على مجلس النواب لإقراره والذي تم قراءته الاولى بتاريخ 2-5-2015.  ومما جاء في المادة ـ 4 ـ اولاً في مشروع التعديل الآتي:

يستوفى قسط التأمين الالزامي على المركبات بنسبة (0.003) ثلاثة بالألف من مجموع مبالغ المبيعات الفعلية لشركة توزيع المنتجات النفطية من البنزين وزيت الغاز عدا المجهز الى وزارة الكهرباء وتودع المبالغ لدى الشركة لحين توزيعها.

ومما جاء في ورقتهما النقدية:

ان المبلغ الواجب استيفاءه كقسط للتامين لقاء التلقائية في التأمين يكون بنسبة الفية من قيمة مبيعات المنتجات النفطية من البنزين وزيت الغاز ولا نجد من الصواب اعتماد اية نسبة سواءً أكانت مئوية او الفية على مبلغ المبيعات واعتماد ذلك كأساس لاستيفاء القسط ذلك للأسباب التالية:

1- ان اعتماد مبلغ قيمة المبيعات تجعل من مبلغ القسط متأرجحا غير ثابت مع رفع سعر اللتر الواحد من مادة البنزين وزيت الغاز او القيام بخفض السعر في حين ان القسط الواجب استيفاءه يجب ان يكون ثابتا غير متأرجح.

2- ان عدم ثبات القسط وتأرجحه بين الصعود والنزول طبقا لبيع اللتر الواحد من البنزين وزيت الغاز يؤدي الى عدم تحقق ثبات الرصيد المتحقق لدى شركة التامين الوطنية في المحفظة الخاصة بالتامين الالزامي لدى الشركة وينعكس ذلك سلبا على نتائج هذه المحفظة.

3- لقد جاء النص بالإعفاء المطلق لصالح وزارة الكهرباء من استيفاء النسبة المحددة على الكميات من البنزين وزيت الغاز التي يتم تجهيز الوزارة بها. ان الاعفاء المطلق غير المقيد غير صحيح، ويجب قيد هذا الاعفاء فقط بالكميات التي تجهز بها الوزارة والتي تستخدم فقط في تشغيل محطات توليد الطاقة اذ لا يستبعد استخدام جزء من المنتجات في سيارات الوزارة وبالتالي الاستفادة من تلقائية التامين دون تسديد القسط المستحق عن التلقائية والتغطيات التي يوفرها القانون عند ذلك نكون قد أفشلنا السبب الموجب للإعفاء الذي هو التخفيف من على كاهل الوزارة لجزء من الكلف والنفقات التي تصرف على توفير الطاقة.

4- ان الطريقة الواجب اتباعها في استثناء القسط المستحق على مالك السيارة يجب ان يكون بفرض مبلغ زيادة على سعر اللتر الواحد من البنزين وزيت الغاز بدلا من اعتماد نسبة من حصيلة البيع اذ ان زيادة حدة الخطر وحصول الحوادث لا علاقة لها بمبلغ سعر البيع بقدر ما لها من علاقة بالكميات التي تستخدم من البنزين وزيت الغاز، عليه لا بد من فرض القسط على اللتر الواحد من البنزين بمبلغ 1250 دينار عن كل لتر من البنزين ومبلغ 1500 دينار عن كل لتر من زيت الغاز. ولم يكن هذا الامر امرا غائبا على مشروع القرار (رقم 955)، تأريخ القرار 23-2-1987 الصادر عن مجلس قيادة الثورة (المنحل) وذلك بتوزيع مبلغ قسط التامين والرسم السنوي عن تجديد اجازة تسجيل السيارة بطريقة توزيعها على مقدار ما تستهلكه السيارة من الوقود.[6]

لقد أشارا في الفقرة 4 من ورقتهما إلى مبدأ مهم في الاكتتاب وهو:

ان زيادة حدة الخطر وحصول الحوادث لا علاقة لها بمبلغ سعر البيع بقدر ما لها من علاقة بالكميات التي تستخدم من البنزين وزيت الغاز.

إلا أنهما لم يتوسعا في الشرح والتعليل، على سبيل المثل، قولهما إن حدة الخطر تتأثر بكميات الوقود المستخدمة، فشراء المزيد من الوقود يعني اشتداد استخدام السيارة وبالتالي زيادة احتمال تعرضها للحوادث.  إن معايير الاكتتاب بتأمين المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات عديدة، وتشترك شركات التأمين بأخذ معايير معينة بعين الاعتبار ومنها: عمر السائق، مواصفات السيارة وقوة محركها، النطاق الجغرافي لاستعمال السيارة، أغراض الاستخدام: التنقل الشخصي أو لأغراض تجارية، وخبرة خسارة طالب التأمين― وكل ذلك مفقود في نظام فرض علاوة على سعر البنزين وزيت الغاز كمعادل لقسط التأمين.

إن الاعتماد على معيار واحد لتحديد قسط التأمين (كمية الوقود المستخدم) يساوي بين مالكي/سائقي السيارات كافة.  مثل هذا المقترب يلغي فرصة التقييم الاكتتابي لطلب التأمين وتطبيق أسعار وشروط مختلفة تعكس عدم التناظر في البيانات الاكتتابية الخاصة بالسيارة ومن يستخدمها.

بقوة القانون فإن تسعير خطر التأمين على المسؤولية المدنية ليس مهمة فنية اكتتابية لتقييم حدة الخطر المؤمن عليه وإنما أمراً خارجياً صادرًا من المُشرّع يفترض أن كل من يسوق سيارة متساوياً مع أقرانه.  هذه المساواة قسرية، متعسفة، بفضل تسعير أوامري لا ينهض به واقع الحال في المجال التأميني.

قد يكون تبرير/تعليل هذا الأمر الخارجي للتسعير قائمًا على مبدأ حماية المستهلك من سوء استخدام شركات التأمين لحقها في تطبيق ما تراه سعراً مناسباً ربما ينطوي على إجحاف بحق المؤمن له خاصة عندما يفتقر سوق التأمين إلى منافسة بين شركات التأمين فيما يخص الأسعار والشروط ومستوى الخدمات (في ظل المنافسة غير التامة أو الاحتكار).

ربما يقوم التبرير/التعليل على أن وظيفة مؤسسة التأمين هو تمويل الضرر الذي يصيب البعض من مساهمات مجموع المؤمن لهم― أي من أقساط التأمين التي تجمعها الشركة― وأن جباية أقساط مقطوعة ثابتة هي من باب الدعم المتبادل cross-subsidization بين أصحاب السيارات لخدمة هدف أعلى: تعويض ضحايا حوادث السيارات.  ولهذا يتعين على كل مالكي السيارات، بغض النظر عن مواردهم المالية ومدى مسؤوليتهم عن الضرر، المشاركة بالتساوي في تحمل عبء تعويض ضحايا حوادث السيارات.

في غياب التأمين فإن مسبب الضرر يكون مسؤولاً عن تعويض المضرور، ومن المرجح أن يتحمل كل من مسبب الضرر والطرف المتضرر العبء المالي للضرر الحاصل خاصة عندما يكون الوضع المالي لمُسبب الضرر ضعيفًا وعندها فإن تقليص حجم تعويض الضرر يصبح واردًا ليتناسب مع قدرته على الدفع.  ويأتي التأمين الإلزامي لتحقيق العدالة في تعويض المضرورين من حوادث السيارات.

بما أن السيارة مصدر لمخاطر متزايدة فإن تشريعات العديد من البلدان تقضي بتطبيق قواعد المسؤولية الصارمة strict liability حيث تنشأ المسؤولية بغض النظر عن خطأ مرتكب الضرر؛ وهكذا فإن مالك السيارة يصبح مسؤولًا عن الأضرار دون إخضاع المدعى (الطرف المتضرر) لاختبار الإهمال test of negligence.  وقد جاء قانون 1980 ليتماشى مع هذه القواعد ربما لقناعة أن السيارة تمثل خطرًا كامنًا ومصدرًا للحوادث.[7]

(5)

لقد مهّد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 لتأسيس الشركات الخاصة، وبفضله تأسست أول شركة تأمين خاصة سنة 2000 ثم تأسست شركات تأمين أخرى (أزيد من ثلاثين شركة خاصة في الوقت الحاضر، معظمها هزيلة فنيًا وماليًا).  لكن هذه الشركات وبسبب قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 لا يحق لها الاكتتاب بأعمال تأمين المسؤولية المدنية (الإصابات البدنية بما فيها الوفاة) الناشئة من حوادث السيارات.  لكنها تستطيع الاكتتاب بتأمين المسؤولية المدنية (الأضرار المادية لأموال الشخص الثالث) وكذلك تأمين السيارات التكميلي (الشامل).

لو كانت “الأقساط” التي تضاف إلى سعر الوقود تجبى من قبل شركات التأمين، كما كان عليه الوضع قبل صدور القانون 52 لسنة 1980 الذي ألغى قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964، لكانت شركات التأمين قد راكمت هذه الأقساط وربما ساهمت بالتنمية الاقتصادية بافتراض عدم تعرض محفظة التأمين على السيارات للخسارة.  ولكان هذا الوضع قد خلق تنافسًا بين شركات التأمين على الأسعار والخدمات التأمينية.  بالطبع، فإن اشتراك العديد من شركات التأمين بمزاولة تأمين المسؤولية المدنية من حوادث السيارات يخلق معه مشاكله الخاصة التي تحتاج إلى ضوابط صارمة من قبل المشرع ومن هيئة الرقابة للحيلولة دون الإجحاف بحقوق المؤمن لهم إضافة إلى إجراءات أخرى.

(6)

حسب علمي لم يخضع قانون سنة 1980 لمراجعة اقتصادية وقانونية نقدية من قبل شركات التأمين.[8]  ربما بالإمكان الجمع بين بعض أحكام قانون 1980 مع قانون جديد لتأمين المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات لإشراك جميع شركات التأمين في الاكتتاب بتأمين الإصابات من حوادث السيارات.  ربما آن الأوان لمناقشة الآثار الاقتصادية لقانون سنة 1980 على شركة التأمين الوطنية المفوضة بتسوية المطالبات بالتعويض وعلى شركات التأمين وتقييم السجل التاريخي لهذا القانون.

أرجو ألّا يفهم من هذا أنني ضد قانون 1980 بالمطلق، لكنني أتمنى من المهتمين بإصلاح قطاع التأمين العراقي الاستفادة من تجربة أسواق التأمين الأخرى والمفاهيم والممارسات التي تنتظم إدارة مطالبات التعويض فيها، والتركيز على النتائج الأولية ومآلات القانون التي كانت متوقعة وقت صاغتها وتلك التي كانت خارج التوقع.  لقد صدر قانون 52 لسنة 1980 عندما كانت التأمينات العامة، ومنها التأمين على السيارات والمسؤوليات المدنية الناشئة من حوادثها، محصورة بشركة واحدة هي شركة التأمين الوطنية إلى جانب شركة التأمين العراقية على الحياة التي اختصت بتأمينات الحياة.  مع تغيير بنية السوق بفضل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وتأسيس شركات تأمين خاصة حصل ما يشبه الاختلال في التوازن بين شركات التأمين من حيث حرمان شركات التأمين الأخرى من لعب أي دور في تأمين المسؤوليات.

ربما ليس المطلوب الآن إيجاد حل آني سريع لهذا الخلل لأننا لا نملك معرفة يقينية بمجرى التطور، بل العمل على بدء النقاش المفتوح في الموضوع ورفع مستواه، وخلق قناعة بضرورة مراجعة قانون 1980 وتشخيص المشاكل المهمة.

تموز 2021

ملحق

“خطر السيارة وخطر الذهنية خلف مقودها”

مستل من دراسة قديمة تناولنا فيها ما تمثله السيارة من خطر كامن تحت عنوان ثانوي “خطر السيارة وخطر الذهنية خلف مقودها،” تضمنت الدراسة أيضًا استطرادات حول حوادث السيارات.[9]  وهو يضم ملاحظات يمكن أن تنطبق على السيارات.  اقتبس من هذه الدراسة الفقرات التالية:

الإعلانات البراقة والجذابة في زماننا ترسم لنا صورة جميلة عن السيارة ننسى معها أن السيارة ماكنة تنطوي على مخاطر عديدة، وتحمل مع جمالها وفائدتها الوظيفية قدْراً كبيراً من التهديدات لسائقها وركابها والناس عموماً والبيئة وكذلك الأموال الخاصة والعامة.  ولعله من المناسب أن نتذكر بجانب الأسماء الناعمة والرقيقة التي تطلقها الشركات المصنعة على سياراتها الأسماء الموازية لها والتي توحي بالقوة والمنعة، وحتى العدوانية، لصاحبها ومستعملها.  كانت بعض السيارات، على سبيل المثال، تحمل أسماء البرّكودة barracuda أو اليَغْوَر jaguar أو المستنغ mustang وغيرها.  ولنا أن نتخيل ما تحمله هذه الأسماء، التي تبدو في ظاهرها بريئة، من مظاهر للسلوك قد لا نشارك فيها.

ربما يقال بأن هذه الأسماء لا تعني الكثير بالنسبة للإنسان العربي السائق للسيارة.  والأمر هو كذلك، ولكن هذا لا يعني إلغاء صفة الخطر والتهديد الذي ينتظم استعمال السيارة من خلال ماكنتها.  لنتخيل سائق السيارة خلف المقود.  تـرى أية رؤى تطرأ على مخيلته: القوة، الرغبة في تجاوز الزمن، الخروج من أسر الآخرين … الخ.  لعل رؤى متضاربة متداخلة تمتزج مع بعضها، صافية أحياناً ومُلَوثَةً أحياناً أخرى.  ولكنني أود التأكيد على صفات القوة والعدوانية، وكلاهما ينبعان من تركيبة السيارة ذاتها.  فبمجرد الضغط البسيط على دوّاسة البنزين يستطيع السائق تعجيل السرعة خلال بضع ثواني.  ترى أية قوة أخرى تعادل إنتاج مثل هذه القوة التي يمكن تحقيقها بحركة بسيطة من القدم!  هذه القوة حقيقية في ذاتها ولكن السيطرة عليها وهمية في ظل الاستعمال اليومي للسيارة.  ولذلك لا نشهد السرعة الهائلة للسيارات في التطبيق[10]، على العموم، إلا في السباقات وفي أماكن مخصصة لها.

إذا سلمنا بمقولة أن السيارة جهاز ينطوي استعماله على خطر وتهديد يقومان على القوة الكامنة في تصميم السيارة ذاتها، علينا أن نرسم ملامح الآثار السلبية لهذه القوة.  أول ملمح هو أن السيطرة على هذا الجهاز قد تكون خدّاعة وخاصة بالنسبة للسائق العادي الذي لا يمتلك غير بعض المهارات الأساسية لقيادة السيارة.  ثاني ملمح يرتبط بالأول هو أن استعمال هذا الجهاز الخطر لا يتم في فراغ أو خلاء وإنما ضمن محددات تتمثل أساساً بالناس، وهم على فئتين: المارة وسائقي السيارات الأخرى الذين يستعملون نفس الطرقات ويتزاحمون مع بعضهم لأتفه الأسباب.  وتتمثل كذلك بأنظمة المرور ― من تخطيط الشوارع، مروراً بسلامة هذه الشوارع وما عليها، إلى الأنظمة الآلية الضوئية لضبط حركة المرور.  والمحددات الأخيرة هذه ما وضعت إلا للحد من الآثار الضارة للسيارة وخاصة ما يسببه السائقون من أذى ووفاة لأنفسهم ولركابهم وللمارة، وكذلك الإضرار بالممتلكات.

مما يفاقم من خطورة السيارة هو كيفية تعاملنا معها كإحدى وسائل المدنية الحديثة.  أرجو ألّا أكون متجنياً إن قلت بأن تعاملنا مع السيارة لا يرقى إلى درجة الخطورة التي تنطوي عليها.  لربما أبدو متعسفاً إن قلت بأن قيادتنا للسيارة فيها بعض من آثار البداوة في تكويننا الثقافي.[11]  ولعل خير ما يشهد على الذهنية البدوية، كما تترجم نفسها في سياقة السيارة، هي عدد الحوادث في الطرقات الخارجية.  وتعليلي لذلك هو توهم الانبساط والخلاء الصحراوي في مثل هذه الطرقات، وفراغها من الآخرين.  فالسيارة هنا بمثابة الجمل أو الحصان الذي يمكن ركوبه والمطاردة به دون أية عوائق غير الكثبان التي يمكن تجنبها بيسر.  هنا لا نشهد أرصفة ولا سابلة ولا مباني على جانبي الطريق.  هذه الذهنية المترسبة في أعماق الوعي الباطن تطفو على السطح في أحيان كثيرة وعند العديد من الناس في تجاوز أنظمة السير، ومحاولة تجاهل وجود الآخرين، كسابلة[12] وكسائقين، في الطريق للتغلب على قيود السير بالاعتماد على قوة السيارة بنية الانطلاق من سجن الطريق ـ والتي تقود في غالب الأحيان إلى وقوع الحوادث المأساوية لتنتهي عند أبواب شركة التأمين كمطالبات للتعويض.  ولعل بعضاً من عنصر التغالب البدوي ينعكس في طريقة استخدام منبه السيارة: فهو يستعمل كدعوة للآخرين لإخلاء السبيل أمام السائق كي ينطلق بسيارته كما ينطلق الفارس في الصحراء دون أي عائق.

وضع الثقافة المرورية في المملكة العربية السعودية وآثارها تلقي بعض الضوء على النفور المترسخ في ذهن السائق عندما يجلس خلف المقود.  تحت عنوان مثير “الشوارع ساحات مفتوحة للسائقين المبتدئين والسيارات تحصد الأبرياء” نشرت جريدة الحياة مقالاً حول ضحايا حوادث السير في المملكة العربية السعودية.  يقول الكاتب جاسر الجاسر:

“التركيبة الاجتماعية العجيبة والمتناقضة في السعودية هي أحد أبرز الأسباب الظاهرية للحوادث لأنها تفتقد الثبات والاستقرار اللازمين لتبلور أي صيغة ثقافية إذ أن توالي دخول الجاليات وخروجها في فترات زمنية قصيرة وبأعداد كثيفة ساهما في تعميق الشتات الثقافي، وخلخلة بناء المنطلقات الأولية.”

وبعد استعراضه لمسببات أخرى للحوادث، يؤكد أن الأنظمة لن تنفع “ولن تثمر الاحتياطات لأنها تفترض شكلاً يغاير الواقع، وتتبنى حلولاً مباشرة لمشكلة ذات جذر ثقافي عميق الأثر …” 

أريد من هذا الاستعراض السريع التأكيد على أن الحد والتخفيف من حوادث السيارات وبالتالي حجم المطالبات بالتعويض لا يقع فقط ضمن الوضع القانوني لتسعير التأمين الإلزامي على السيارات، وأنظمة المرور، وترخيص استعمال السيارة والمهارات الفنية المتعلقة بقيادة السيارة، بل تتجاوز كل ذلك إلى إعادة تكييف الذهنية المسيطرة علينا عندما نجلس خلف مقود السيارة.  وبعبارة أخرى، يجب العمل من أجل إيجاد لغة مرورية مشتركة محورها الخطر الكامن في السيارة.

وإذا كان هناك ما يستوجب الإضافة هنا، فيما يخص الثقافة المرورية، فهو الاستهانة بحياة الإنسان.  وهنا علينا أن نسأل: ماذا يعني أن يموت إنسان ليبي من جراء الحوادث السخيفة للسيارات؟  هل فكرنا بالكلفة الاقتصادية للموت المجاني هذا؟  نحن نفكر بالتعويض المادي لورثة المضرورين ـ وهي الوظيفة التي تقوم بها شركة التأمين أو أي صندوق آخر معد لهذا الغرض بفعالية وفي معظم الأحيان بعدالة.  كم هو عمر تربية الإنسان؟  كم سنة نحتاج لكي نُخرّج طبيباً أو مهندساً أو غيرهم من أصحاب المؤهلات؟  هنا أحد مكامن الهدر الذي يجب أن لا يكون التأمين الوسيلة الوحيدة للتحوط منه.  أي أن المطلوب منا كجماعة التفكير بسبل التخلص من عقلية الاستهانة بالغير والكلفة الاقتصادية غير المنظورة والتي تختفي وراء الأرقام الخاصة بعدد الحوادث والتعويضات المسددة.

إن الاقتصار على الأرقام المباشرة تحجب التكاليف غير المنظورة، خارج التكاليف النفسية والعائلية، كضياع الوقت، والتأثير على الإنتاج، وتراكم المعرفة والمهارات في المجتمع عندما يموت بعض مالكيها في حوادث السيارات.  ما لم نضع ذلك نصب أعيننا نكون كمن يبحث في تخفيف الآثار بدل التبصر دراسة وبحثاً في جذور المشكلة وإيجاد الحل المناسب لها.


[1] فؤاد عبدالله عزيز، التأمين في العراق: الواقع وآفاق المستقبل (بغداد: موسوعة القوانين العراقية، [2005])، ص 89.

[2] عزيز، مصدر سابق، ص 88.

[3] المحامي بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)، ص 585-586.

[4] جمعية التأمين العراقية، إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام (2018 – 2019)، جدول خاص بشركة التأمين الوطنية.

[5] فؤاد عبدالله عزيز، التأمين في العراق: الواقع وآفاق المستقبل، ص 88.

[6] منذر الأسود ومحمد فؤاد شمقار، “ملاحظات حول مشروع قانون تعديل قانون التامين الالزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980،” مرصد التأمين العراقي:

وقد كانت لي وقتها تعليقات على آراء بعض أعضاء مجلس النواب في مناقشتهم لتعديل قانون 52 لسنة 1980.  راجع: مصباح كمال، “وقفة مع مداخلات مجلس النواب العراقي في القراءة الثانية لمشروع قانون تعديل قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980،” مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2015/07/iraqi-parliament-debates-amendment-of.html

[7] يضم الملحق ملاحظات حول خطورة السيارة وسائقها والحوادث الناشئة عنها اقتبستها من دراسة سابقة.

[8] بعض الدراسات المتوفرة عندي تضم الآتي:

هاني النقشلي، “أضواء على القانون الجديد للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980،” رسالة التأمين، العدد 42، تشرين الثاني 1980، ص 4-19.

بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمان: دار الثقافة، 2010)، فصل “مبحث خاص: ملاحظات حول قانون التأمين الإلزامي العراقي رقم (52) لسنة 1980،” ص 582-599.

تيسير التريكي ومصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب (بيروت منتدى المعارف، 2020)، ص 79-86، وكذلك ملحق “التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات (مسؤولية دون خطأ)،” ص 103-131.

[9] مصباح كمال، “مقتربات لدراسة آثار السيارة وتأمين المسؤولية المدنية،” مجلة التأمين العربي، العدد 63، 1999، ص 30-39.

كتبت هذه الدراسة للمشاركة في ندوة لشركة ليبيا للتأمين “ندوة التأمين الإجباري للسيارات: مشاكل الحاضر وآفاق المستقبل – بنغازي 23-24/10/1999.”

[10] يؤيد ذلك قوانين السير التي تحدد سرعة استعمال السيارة داخل المدن وفي الطرقات الخارجية، دون أن يعني ذلك أن الجميع يلتزم بالقانون لأن السيارة في تصميمها توفر الفرصة الآنية للتسابق مع الغير واختصار الزمن، إضافة لمنح السائق وَهْمْ القوة المرضية.

[11] استوحيت هذه الفكرة، أو بالأحرى الافتراض، من أطروحة عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي حول صراع البداوة والحضارة في كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي (ب.ن، طبعة 1996).  ليس هذا بالمجال الذي ينهض باستعراض هذه الأطروحة ويكفي القول بأن البداوة هنا تقوم على النفور من الدولة، ومحاولة عدم الخضوع لها ومؤسساتها إذ أن العصبية القبلية هي البديل.  والمركب الأساسي في الثقافة البدوية هو ما يسميه الوردي “التغالب” ـ فالبدوي يريد أن يغلب بقوة قبيلته، ويغزو بقوته الشخصية ويتفاخر بمروءته، أي بتفضله على الغير. ص 38.

[12] لاحظت اعتماداً على تجربتي الشخصية في المشي في مدينة طرابلس أن سائقي السيارات لا يتوقفون وهم يشاهدون أحد السابلة يحاول عبور الشارع في المنطقة المخصصة للعبور (zebra crossing).

Texts on Insurance by Iraqi Religious Scholars

نصوص لبعض رجال التأمين العراقيين حول التأمين

مصباح كمال

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

مقدمة

(1)

أثناء بحثي لموقف آية الله السيستاني من التأمين[1] تعرّفت على بعض النصوص القصيرة لعدد من رجال الدين العراقيين حول التأمين.  وهذا ما أثار عندي مجدداً موضوع غياب دراسة تاريخ التأمين وتطور المواقف من مؤسسة التأمين في العراق.  إن مثل هذه الدراسة قد تفيد في الإجابة على سؤال: هل لدينا مواقف فكرية معينة تجاه هذه المؤسسة؟  ويفيد أيضاً في توفير أرضية لدراسة تأثير هذه المواقف على صناعة التأمين العراقية سلباً وإيجاباً.  وأعني بهذا دور هذه المواقف في تشكيل النظرة العامة ذات الأثر الشعبي تجاه مؤسسة التأمين.

ويأتي هذا المقال القصير، وبالأحرى المذكرة note، كمحاولة أولية لتقديم نصوص الكتابات الدينية العراقية هذه، وهي نصوص غير مكتملة لأن مؤلفي الكتاب، الذي يضم هذه النصوص التي اقتبستها منه، عمدوا إلى تلخيص أفكار أصحابها وليس النقل الحرفي لها.  كما أنهم لم يذكروا المصادر التي استقوا منها هذه النصوص وتاريخها.  آمل أن يأخذ الباحثون على عاتقهم مهمة الكشف عن هذه المصادر والعمل على دراستها نقدياً وتقديم استنتاجاتهم للقراء.

(2)

لأن الهدف من المقال هو مجرد تقديم هذه النصوص الدينية للقراء، وخاصة الذين لم يتعرفوا عليها سابقًا، فإنني لن أقوم بتحليلها وتقييمها، وأكتفي بالإشارة السريعة إلى أن أصحاب هذه النصوص بعيدين عن آليات عمل التأمين الحديث، مثلما هم بعيدين عن الوظيفة الاستثمارية للنشاط التأميني ومساهمته في التنمية الاقتصادية.

تضم بعض النصوص كلاماً فيه من التعميم ما يفسد الأطروحة التي يرمي كاتبها إلى بيانها كالقول: “إذا كان التأمين على الأموال من خطر معين كالسرقة والغصب، فهذه المسئولية جائزة شرعاً، وإن كانت من الحوادث الكونية التي تجري فيها المقادير الإلهية السماوية فالكفالة بها من الميسر والقمار.” فهو يجيز التأمين على الأفعال التي يقوم بها الإنسان كالسرقة والغصب، لكنه يحرم التأمين على الخسائر الناشئة عن حوادث الطبيعة وهي التي يعزوها إلى المقادير الإلهية السماوية (وهو ما كان يصطلح عليه في بعض وثائق التأمين بعبارة Acts of God).  بمعنى آخر، فإنه يلغي العلم (نظرية الاحتمالات وقانون الأعداد الكبيرة) الذي يقف وراء فهم حوادث الطبيعة والحماية من آثارها من خلال التأمين مثلاً أو وسائل إدارة الخطر الأخرى.

إن الفرق بين القمار والتأمين هو أن القمار يخلق خطراً مصطنعاً لم يكن موجودًا قبل المقامرة، في حين أن التأمين لا يخلق الخطر بل يعمل على التخفيف من آثاره بتحويل عبء تمويلها على عاتق شركة التأمين.

أو الزعم، في أحد النصوص، بإجماع الفقهاء على منع التأمين وعدم جوازه مطلقاً (وهذا الإجماع ليس قائمًا)، لأن “فتح مثل هذا الباب خطورة على الشريعة.”  وهو قول فيه تعميم يُخِلّ بأطروحة صاحبها في رفض التأمين.  هل أن وجود مؤسسة التأمين والمؤيدين لها يرقى إلى مستوى التهديد للشريعة؟  وهل أن الشريعة هشّة بحيث لا تستطيع أن تتعامل مع هذه المؤسسة على المستوى النظري والعملي؟

(3)

أظن أن اتباع الأديان التوحيدية الأخرى، كاليهودية والمسيحية،[2] لم يكن يحتل شرعية التأمين عندهم حيزاً ملموسًا في تفكيرهم وكتاباتهم مقارنة بالكم الكبير من فتاوى رجال الدين الإسلاميين والكتب والأطاريح الأكاديمية التي تتناول موضوع التأمين وموقف الشريعة منه.

في الغالب يكتفي رجال الدين برفض “التأمين على الأشخاص وأرواحهم وحياتهم” (التأمين على الحياة) اعتمادًا على تفسيرات معينة للنصوص الدينية وعدم وجود أدلة شرعية عليه.  لم يستحضر هؤلاء دور نظام القيم في الابتعاد عن هذا التأمين، وهو ما اعتمد عليه البعض في الغرب.  فهذا النظام يدين تقييم حياة الإنسان وموته بالمعايير القائمة على النقود باعتبار أن الإنسان قيمة عليا وهذه القيمة ليست موضوعاً للتعريف من خلال النقود، أي لا يمكن اختزال الحياة البشرية إلى سلعة.  لكن هذا الموقف الفلسفي انحسر في الواقع نظرًا لتعقيد الحياة الاقتصادية وتطور العلوم الرياضاتية التي ساهمت في نشوء مؤسسات جديدة متخصصة بالتعامل مع الآثار الاقتصادية للوفاة لخدمة الحاجات العملية الحياتية للمُعالين بعد وفاة رب الأسرة.  وهذا قبل أن يتخذ التأمين بُعدًا آخرًا تمثًّل بالادخار وبتجميع أرصدة التأمين واستثمارها.

(4)

يمكن أن ننظر إلى هذه النصوص كجزء من دراسة تاريخ التعامل الفكري النظري مع مؤسسة التأمين في العراق.  إن هذه النصوص، من رأيي، لا تشكل مع بعضها موقفاً متجانساً من مؤسسة التأمين، وليس فيها ما يوحي بوجود مدرسة فكرية عراقية متجانسة للتأمين الإسلامي؛ فهي تشترك في العرض والحجة، على قلّتها، على ما عرضه أيضاً علماء دين آخرون وأساتذة شريعة وغيرهم خارج العراق.  ومثلُ غيرها تتوزع هذه النصوص ما بين تحريم وتحليل التأمين.  ربما هناك نصوص تضم مواقف دينية لآخرين يمكن الكشف عنها بالبحث لتضاف إلى النصوص أدناه.

اقتبست النصوص التالية من كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي للإمام النووي.  هناك عدة طبعات لكتاب المجموع شرح المهذب منها:

كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي[3] للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي،[4] تحقيق: محمد نجيب المطيعي (جدة: مكتبة الإرشاد، 1980).

تكملة المجموع شرح المهذب للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، تأليف الشيخ عادل أحمد عبد الوجود وآخرون (بيروت: دار الكتب العلمية).

لقد جاء إضافة كلمة “تكملة” للعنوان لأن المجموع كما وضعه الشيرازي وأكمله النووي ومن بعده السبكي ومن ثم المحررين والمحققين في القرن العشرين لم يضم العقود المستحدثة كعقد التأمين.

النصوص أدناه مقتبسة حرفياً من طبعة دار الكتب العلمية، ج 14، ص 518-520. [5]

النصوص

الشيخ نجم الدين الواعظ،[6] مفتي الديار العراقية

قال: إن التأمين الخاص الذي تقوم به الشركات على الأشخاص وأرواحهم وحياتهم، وأملاكهم، وعلى الأملاك والأموال التي يتعاطها التجار؛ خوفاً من الغرق أو الحرق أو السرق أو التلف في البر أو البحر – ليس إلا من باب الميسر والقمار، وليس له دليل شرعي يستند إليه في حله.

وقال: إن التأمين من المسئولية يسمى شرعاً: الكفالة، فيلزم الكفيل كل ضرر يقع على المتعاقد.

وقال: إنه إذا كان التأمين على الأموال من خطر معين كالسرقة والغصب، فهذه المسئولية جائزة شرعاً، وإن كانت من الحوادث الكونية التي تجري فيها المقادير الإلهية السماوية فالكفالة بها من الميسر والقمار.

وقال: إن الأموال والنقود والأوراق النقدية التي تودع لدى البنوك، فيسلفونها للغير ويتصرفون فيها تصرف الملاك، ليس لمن أودعها إلا رأس ماله، وما زاد يعتبر مالاً ضائعاً سبيله أن يوجه إلى الصدقة وأعمال الخير.

الشيخ أمجد الزهاوي[7] من علماء العراق

ذهب إلى أن التأمين محرم بجميع أنواعه، وتأباه القوانين الشرعية بإطلاق من ناحية تعليق الاستحقاق على الخطر، وهو ممنوع باتفاق الفقهاء، ولعدم وجود عوض ثابت، وأشار إلى ما قاله ابن عابدين، ثم قال: وعليه: فقد أجمع الفقهاء على المنع، ولا أرى لذلك جوازًا مطلقًا، وفي فتح مثل هذا الباب خطورة على الشريعة.

الشيخ عبد الله الشيخلي من علماء العراق

بين أن الشارع الحكيم إنما شرع الأحكام لمصلحة العباد، ولإقامة مجتمع سليم متماسك مهذب، تتوفر له أسباب السعادة والرفاهية، وبين مزايا التشريع الإسلامي وخصائصه وما سار عليه المجتهدون، وكيف رجع كثير منهم عن اجتهادهم على وفق ما وقفوا عليه من عرف وعادات.

وقال: إن عقد التأمين عقد مستحدث، وذكر التأمين على الأشخاص وعلى الأموال.

وقال: إنها ذات فوائد عظيمة للأشخاص وأرباب التجارة والأعمال، وليس فيها شيء من المحظورات، وفي القول بتحريمها أضرار كبيرة بالناس.

وقال: إن ما يكون فيها من غرر وجهالة لا يقتضي تحريمها، والقول بأنها مثل المقامرة والمراهنة، أو بأن فيها أكل أموال الناس بالباطل لا يخلو من تعسف.

ثم قال: لما كان هذا العقد خاليًا من الغرر والضرر والغش والاستغلال والربا والغبن وغير ذلك من الأسباب المحرمة، ونظرًا لعد وجود القاطع من كتاب أو سنة على التحريم، ونظرًا لحاجة المسلمين إليه، وتعارف الناس عليه – أرى: أن عقد التأمين على البضائع وما شابهه من العقود، لا إثم على الذين يلتزمون به.

آية الله الشيخ علي آل كاشف الغطاء، إمام من مجتهدي النجف الأشرف

قال: إن البحث يتطلب من الفقيه أن يعرض عقد التأمين على ما يحتمل تطبيقه عليه من المعاملات الشرعية، فإن لم يظفر بذلك رجع للقواعد العامة الشرعية، فإن لم تف رجع للأصول العملية العامة.

ورأى: أن من المعاملات ما يمكن تطبيقه على التأمين، ويحتمل أن يكون منه، وهو الضمان والهبة المشروطة والصلح المشروط.

وقال: إن التأمين تمام الشبه بالضمان، بل هو من صغرياته (أي جزئياته) لأن الضمان هو إدخال المضمون في عهدة الضامن، والقيام بكافة ما يترتب على ذلك، ولا مانع من شمول الضمان للتأمين، وتعليقه على بعض الشروط لا يبطله؛ لأن الشرط فيه من قبيل الإلزام في الالتزام، ولا يمنع هذا أنه لا يلفظ بالإيجاب والقبول في التأمين ويكتفى فيه بالتوقيعات؛ لأن الإيجاب والقبول من الأمور الانتزاعية التي توجد بأسبابها الموجبة لانتزاعها، وقد تنتزع من اللفظ، وقد تنتزع من الفعل.

ثم قال: إنه إن لم يسلم دخول التأمين في الضمان، أمكن إدخاله في الهبة المشروطة بتحمل الخسارة لا الهبة المشروطة بالضمان، ويتصور ذلك بأن يهب المستأمن للشركة من ماله، بشرط أن تتحمل الخسارة، وهو شرط جائز لا مانع منه.

كما قال: إنه إذا لم يسلم دخول التأمين في الهبة المشروطة، أمكن إدخاله في الصلح المشروط؛ لأن التأمين يتصالح فيه الطرفان، على أن يدفع أحدهما مالا، وأن يتحمل الآخر الخسارة عند وقوعها.

وقال: إن لم يسلم ذلك كله، اعتبر التأمين معاملة مستقلة، وقواعد المعاملات قاضية بصحتها؛ لقوله – تعالى – “أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”[8]، وقوله-تعالى: “إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ”[9]، ولمقتضى العموم في العقد والإطلاق في التجارة، ولأن الشارع في مقام البيان لا الإهمال والإجمال، فتصح معاملة التأمين؛ لأنه عقد من العقود، وتجارة وقعت عن تراض.

وقال: إن هناك نوعًا من التأمين غير صحيح، وهو الذي يشتمل على الفائدة؛ لأنه قرض للشركة يسترد مع فائدته.  ونفى أن يكون في التأمين قمار؛ لأن حقيقة القمار هي الملاعبة من الطرفين بقصد الغلبة، وذلك ليس في التأمين، وقال: إن الجهالة المبطلة للمعاملة هي: الجهالة من جميع الوجوه، والغرر المبطل للمعاملة هو: الغرر الذي لا يرتضيه العقلاء، وتعد المعاملة أشبه بالسفه، أما دعوى كونه من المعاملة الربوية، فهي دعوى فاسدة؛ لأن الربا يكون في مبادلة المال بالمال، وفي التأمين: جُعِلَ المال في مقابلة المحافظة عليه وتعويض الخسارة فيه، والفرق بينهما واضح، وأما دعوى حكم العقل بعدم صحته، فهي دعوى خالية من البرهان، ولا يسمعها ذوي الفهم والوجدان.

السيد الأستاذ كاظم الكفائي، عميد جامعة الإمام علي آل كاشف الغطاء الدينية بالنجف الأشرف

بدأ بالإشارة إلى كتابه: (بين النجف والأزهر) الذي وفى فيه موضوع التأمين حقه، كما أورد فيه رأي سماحة الإمام الشيخ على آل كاشف الغطاء، وذكر خلاصةً لما جاء بكتابه هذا، وهي لا تختلف في شيء مما لخصته آنفًا من إجابة الإمام المذكور.

السيد الأستاذ محمد مهدي الخالصي[10]

بدأ ببيان الفرق بين العبادات والمعاملات، وبيان أن أمر المعاملات يقوم على إصلاح المعاش، ومراعاة حاجة الناس، وأن الأصل فيها العرف، وأن حاجة الناس تقضي بإباحة استحداث العقود، على ألا تكون مما أبطله الإسلام، أو مشتملة على شيء من المحظورات الشرعية، وإذ ذاك تكون ملزمة ويجب الوفاء بها؛ لقوله تعالى: “أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” [المائدة: 1] وقوله سبحانه “إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” [المائدة: 29].

وقال: إن عقود التأمين جائزة وصحيحة، ونفى أن يكون فيها غرر أو جهالة يخشى من خطرها على المتعاملين، كما نفى أن يكون فيها شبه بالقمار أو المراهنة.

وقال: إن كلا من الكفالة والصرف لا يمكن انطباقه عليها.

وقال: إن ما يمكن أن تطبق أحكامه عليها هو: الضمان والهبة والصلح بتكييف خاص.  ونحى في ذلك منحى الإمام كاشف الغطاء، والسيد الكفائي.

ثم قال: إن الموضوع لا يزال في حاجة إلى دراسة وتحليل، وإن الخروج من الشبهات يكون بجعل هذا التأمين تأمينًا تعاونيًا.

8 تموز/يوليو 2020


[1] مصباح كمال، “علي السيستاني والتأمين: الشيطان في التفاصيل،” نشر في موقع https://www.academia.edu/43740070/Sistani_on_Insurance

وهو فصل من كتاب مخطوط التأمين: مقتربات تاريخية اقتصادية معاصرة.  من المؤمل أن يصدر هذا الكتاب عن دار النشر منتدى المعارف في بيروت قبل انتهاء سنة 2020.

[2] كتابات أحبار اليهود الربانيين المتمسكين بالتلمود هي الأقرب لبعض الكتابات الإسلامية حول جواز التأمين من عدمه.  وقد قام أحد الأساتذة الأمريكان باقتفاء بعض هذه الكتابات (المشابهة للفتاوى) في بحث تاريخي لحضور التأمين وممارساته وخاصة في مجال عقد القرض البحري.  وتشترك هذه الكتابات مع ما يقابلها عند علماء الدين الإسلاميين في موضوعة تحريم الفائدة (الربا) على مبلغ القرض.

S.M.Passamaneck, Insurance in Rabbinic Law (Edinburgh: Edinburgh University, 1974).

لم استهدي إلى كتاب مماثل بالنسبة للدين المسيحي لكن هناك دراسات تاريخية للموقف المسيحي اللاهوتي تجاه الخطر والتأمين والربا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.  فقد جاء في دراسة لاثنين من الأكاديميين في استراليا (ديفيد رويل و لوك ب. كونيلي) الآتي: “كانت الكنيسة في العصور الوسطى تعتبر الأحداث العشوائية random events نتائج للإرادة الإلهية، وبالتالي أحداثاً لا يمكن توقعها.  ونتيجة لذلك أصدر البابا غريغوري التاسع سنة 1234 المرسوم البحري Naviganti Decretal، الذي نصَّ على أن التأمين غير مشروع (Ceccarelli 2001).  لكن، ومع نمو اقتصادات أوروبا الغربية نمت الحاجة أيضاً للتأمين التجاري.  وسرعان ما ظهرت حجج لاهوتية مضادة للتأمين.  بالنسبة للبعض، فقد بدا التأمين بشكل مثير للريبة وكأنه شكل من أشكال الربا، الذي أُدينَ لأنه كان يُنظر إليه على أنه بيع زمن الله sale of God’s time.  ومع ذلك، فإن توما الأكويني (1225-1274) حاجج بما أن التأمين لا يؤثر على التملك ownership فإنه ليس ربا.  وحاجج دومينغو سوتو (1495-1560) بأن التأمين assecuratio يجب أن يكون مشروعاً لأنه يُمكّن ازدهار الأعمال المشروعة (Ceccarelli 2001).  وفي حين أن هذا الخطاب أنشأ فكرة مشروعية التأمين، واصل علماء الدين من كلا طرفي النقاش قبول [فكرة] أن الحوادث التي تقع بالصدفة chance events [الحوادث العرضية، الاحتمالية]، مثل غرق سفينة، هي نتيجة إرادة الله.  وطالما كان الاعتقاد الأساسي بالعناية الإلهية موجوداً فإن مفهوم الخطر المعنوي – الذي يفترض أن الأفراد يمكن أن يؤثروا على الحوادث التي تحصل بالصدفة – لا يمكن أن يتطور.  ومع ذلك، جادل فيفر Febvre (1956) بأنه مع نمو التأمين خلال العصور الوسطى فإن إدراك الطبيعة تغيّر أيضاً.  فلم تعد الحوادث المستقبلية تنسب فقط لإرادة الله؛ بدلاً من ذلك، تمَّ الاعتراف بالسلوك الفردي بوصفه أحد محددات co-determinant هذه الحوادث.”

راجع: مصباح كمال، ترجمة وإعداد، مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، الفصل السادس، وجهة نظر تاريخية حول مصطلح “الخطر المعنوي”، ص 99.

هناك مقالات متناثرة في الشبكة العنكبوتية حول الموقف المسيحي من التأمين العام والتأمين على الحياة.  على سبيل المثل:

http://4the10.net/what-does-the-bible-teach-the-christian-about-life-insurance.html

https://gotquestions.org/Christian-insurance.html

https://christianpf.com/christian-view-of-life-insurance/

وهناك مقالات مماثلة حول الموقف اليهودي من التأمين.  على سبيل المثل:

https://www.chabad.org/search/keyword_cdo/kid/9370/jewish/Insurance-Policy.htm

وتذكر إحدى الدراسات حول العلاقة بين القيم الأخلاقية والأسواق في الولايات المتحدة عدم معارضة الآراء اليهودية التقليدية للتأمين على الحياة.  أنظر:

Viviana A. Rotman Zelizer, Morals and Markets: The Development of Life Insurance in the United States (New York: Columbia University Press, 1979), pp 77-78.

[3] إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (1003-1083).

[4] أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (1233-1277).

[5] https://books.google.co.uk/books?id=6sR9DwAAQBAJ&pg=PT513&lpg=PT513&dq=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82&source=bl&ots=oewNPJSJcn&sig=ACfU3U3rHgHQ0MgyNg7tYL8arWnG-LqPcg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjF363_ur3qAhXCSRUIHfwYCfgQ6AEwAHoECAcQAQ#v=onepage&q=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82&f=false

إن نص هذا الجزء من الكتاب بصيغته الإلكترونية ليس كاملاً فالعديد من صفحاته مفقودة.

[6] نجم الدين الواعظ (1880-1976).

[7] أمجد الزهاوي (1882-1967).

[8] سورة المائدة، الآية 1.

[9] سورة النساء، الآية 29.

[10] محمد مهدي الخالصي، 1888-1963.

Statistics of Iraq’s Insurance Market, 2011-2018

إحصائيات سوق التأمين العراقي 2011-2018

مصباح كمال

نشرت في موقع التأمين للعرب

https://www.insurance4arab.com/2020/09/blog-post_22.html

مقدمة

تبادلت بعض الرسائل مع الزميل فلاح حسن، المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية، خلال شهر آب حول إمكانية قيام الجمعية بإعداد جدول بإحصاءات أقساط التأمين والتعويضات المدفوعة للفترة من 2005 حتى نهاية 2019، مبوبة لكل سنة.  إن مثل هذا الجدول البدائي يمكن أن يكون نواة لوضع جداول أكثر تفصيلًا في المستقبل، وأعني بذلك، على سبيل المثل، تبويب تطور البيانات منذ سنة 2005 لعرض إجمالي أقساط التأمين المكتتبة، صافي أقساط التأمين، صافي التعويضات المسددة، نسبة الخسارة الخ.

وكالعادة، لم يتلكأ زميلنا العزيز بالرد موضحًا أن تفعيل الجمعية [تأسست سنة 2005] لم يبدأ إلا في نيسان 2009، وأن الاحصائيات المتوفرة لدى الجمعية لحد الآن تقتصر على السنوات 2010-2018، وأن إحصائية 2019 لم تكتمل بعد، مع الأسف، بسبب عدم تزويد الجمعية بالميزانيات الختامية لمعظم الشركات.[1]  ووعد بإعداد إحصائية بأقساط التأمين والتعويضات حسب كل محفظة للسنوات 2011-2018.  وقد استلمت منه مؤخرًا جدولين: واحدة للأقساط والأخرى للتعويضات، يسرني أن أرفقها بهذه المقالة.

مقارنة بسيطة لأقساط التأمين

لن أتوقف طويلًا في تحليل هذه الإحصائيات واكتفي بالإشارة إلى مجموع أقساط التأمين المكتتبة للفترة 2011-2018 (ثماني سنوات) الذي بلغ 1,476,160,876,000 دينار (1,236,411,780 دولار أمريكي بسعر صرف 1,193.9 دينار مقابل دولار واحد)، أي بمعدل 154,551,472 دولار أمريكي سنويًا.  وهو رقم صغير عند مقارنته بحجم أقساط التأمين في بعض أسواق التأمين العربية.  على سبيل المثل، كان حجم الأقساط المكتتبة في دولة الإمارات العربية خلال سنة واحدة (2018) 11,903,320,000 دولار أمريكي.[2]

وإذا قارنا حجم أقساط التأمين على الحياة فإن مجموعها في العراق خلال ثماني سنوات بلغ 544,076,274,000 دينار عراقي (455,710,705 دولار أمريكي).  في حين كان حجم أقساط التأمين على الحياة في دولة الإمارات خلال سنة واحدة (2018) 2,580,000,000 دولار أمريكي.[3]

إن هذه المقارنة البسيطة تبيّن بؤس النشاط التأميني في العراق، والأرقام المسجلة بمليارات الدنانير العراقية لا تستطيع إخفاء التدهور المريع في هذا النشاط.  إن هذه الأرقام تبين بأنها لا تتناسب مع حجم إيرادات الدولة وما ينفق منها، على قلتها، على المشاريع الاستثمارية، كما أنها لا تتناسب مع حجم الاستيرادات التي تقوم بها الوزارات والمؤسسات التابعة لها وكذلك شركات القطاع الخاص، ناهيك عن عقود جولات التراخيص النفطية التي لم تنتفع شركات التأمين العراقية من تأمينها إلا قليلًا.

ملاحظات أولية لتطوير إحصائيات سوق التأمين العراقي

نحن لا نبخس ما تقوم به جمعية التأمين العراقية في إعداد الإحصائيات السنوية لنشاط التأمين في العراق.  إن عملها كان سيكون أفضل لو تعاونت شركات التأمين معها في تقديم ميزانياتها الختامية خلال مدة محددة.  ويبدو أن الجمعية لا تمتلك السلطة المناسبة لإلزام الشركات لتقديم البيانات المطلوبة.

هناك مجموعة من المؤشرات المعتمدة في تحليل البيانات التأمينية نرى أنه من المناسب أن تتولى الجمعية اعتمادها في عرض نشاط شركات التأمين العراقية لبيان أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني وأداء الشركات نفسها.  ليس معروفًا أن تطبيق بعض هذه المؤشرات كان موضوعًا للدراسة من قبل شركات التأمين العراقية أو الجمعية.  ربما هناك أطاريح ماجستير عنها لا معرفة لنا بها لأنها، إن كانت موجودة، فهي حبيسة في مكتبات الجامعات.

أحد هذه المؤشرات هو الكثافة التأمينية insurance density لرصد إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، ويعبر عن إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً إلى عدد السكان.  وبفضل هذا المؤشر يمكن قياس حجم الطلب على التأمين في الاقتصاد الوطني.  وتدل الإحصائيات على أن الكثافة التأمينية في البلدان المتقدمة تفوق كثيراً ما يماثلها في البلدان ضعيفة النمو ومنها العراق.

وهناك مؤشر التغلغل التأميني insurance penetration وهو يقيس نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي gross domestic product، وهو بذلك يبين مكانة التأمين في الاقتصاد الوطني وتطور نشاط التأمين مقارنة بتطور الاقتصاد الوطني ككل.  ويمكن تطبيق هذا المؤشر على تأمينات الحياة بشكل منفصل لبيان مكانتها في الاقتصاد خاصة وأنها تقوم بمراكمة أرصدة التأمين للمدى الطويل والاستفادة منها كمصدر استثماري.

وهناك أيضًا مؤشر معدل الخسارة loss ratio وهو يستخدم لقياس حجم التعويضات مقارنةً بحجم الأقساط المكتتبة.  وهو مؤشر مهم لأية شركة تأمين لأنه يبيّن قدرة الأقساط المكتتبة على تمويل المطالبات بالتعويض، وبالتالي فهو من أدوات تقييم أداء الشركة ومدى متانة مركزها المالي.  ويتخذ هذا المؤشر صيغة معادلة:

معدل الخسارة = مجموع التعويضات ÷ مجموع الأقساط المكتسبة

لكن التحليل لا يتوقف عند هذا المعدل العام فهو في التفصيل يأخذ بنظر الاعتبار عناصر أخرى: صافي أقساط التأمين، احتياطي الأخطار السارية، احتياطي الأخطار السارية للسنة السابقة، التعويضات المسددة، احتياطي التعويضات تحت التسوية، رصيد احتياطي التعويضات تحت التسوية المطلق من السنة السابقة.[4]

ومن الأدوات الأخرى معدل النفقات expense ratio وهو يمثل ناتج تقسيم أقساط التأمين على النفقات/المصاريف التي تتكبدها شركة التأمين.  وكذلك المعدل/النسبة الموحدة combined ratio الذي يمثل ناتج معدلين (أ) معدل الخسارة المتكبدة (الخسائر المتكبدة كنسبة من صافي الأقساط المكتسبة)؛ (ب) معدل النفقات.  إذا كان المعدل الموحد أقل من 100% فإن هذا يعني أن شركة التأمين قد حققت ربحًا ودون الأخذ بنظر الاعتبار الإيرادات المتحققة من استثمارات الشركة.

ومن المفيد اهتمام الجمعية بعرض عدد العاملين والعاملات في قطاع التأمين، مع توزيع العدد بين الجنسين، وكذلك ذكر أسماء رؤساء شركات التأمين (مدراء مفوضون، مدراء عامون).

إن تحليل سوق التأمين لا يتوقف عند هذه المؤشرات والمعدلات،[5] وبالطبع فإن الجمعية ربما لا تمتلك الكوادر الفنية المناسبة للاستغراق في تحليل سوق التأمين العراقي والتوسع في عرض البيانات.

لم تخرج الجمعية عن النمط التقليدي في عرض الإحصائيات.  من المناسب أن تقوم الجمعية بتطوير الإخراج الشكلي للإحصائيات باستخدام الأشكال المرئية كالمخططات والرسوم التخطيطية لتمثيل المعلومات والبيانات infographics

أرى أن تستفيد الجمعية من إصدارها “إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق” لكتابة مقدمة تكون بمثابة مسح عام للتطورات في سوق التأمين العراقي خلال السنة السابقة لإصدار الإحصائية (تطورات في التشريعات ذات العلاقة بالتأمين، قنوات توزيع المنتج التأميني، إدخال منتجات تأمينية جديدة، مطالبات التعويض الكبيرة المسددة، والتعليم المهني المستمر.  يمكن أن تضم المقدمة كذلك أمورًا ذات علاقة بالنشاط التأميني كالواقع السكاني (الزيادة في عدد السكان والوفيات)، ومعدل التضخم، وحجم الاستيراد والتصدير، ومؤشر تكلفة المعيشة، والموازنة العامة للدولة، وحجم التخصيصات لأغراض الاستثمار، والتغير المناخي، وتوصيف عام للسوق العالمية لإعادة التأمين وغيرها.

نتمنى على المختصين وخاصة العاملين في مجال الإحصاء المساهمة في تقديم الأفكار حول طريقة عرض البيانات التأمينية وأدوات تحليل هذه البيانات التي أتينا على ذكر بعضها.

30 آب 2020

أقساط تأمين الشركات حسب كل محفظة من 2011 الى 2018

ألف دينار

المحفظة/السنة20112012201320142015201620172018المجموع
بحري4,682,9175,247,4016,625,7355,113,7302,497,4911,252,7772,090,9942,334,16729,845,212
طيران/سفن15,174,43516,838,83513,758,57319,252,80716,255,87618,262,49216,919,37915,499,562131,961,959
حريق9,835,15914,123,13628,496,29334,335,74526,798,64918,292,88625,252,47325,339,100182,473,441
حوادث22,100,33027,182,83647,899,61250,442,49844,449,85836,572,34640,811,98944,671,502314,130,880
هندسي21,689,08334,808,27733,462,35727,607,0869,203,7184,862,90629,332,51417,639,504178,605,445
سيارات11,472,4938,827,81811,410,13713,199,44714,271,27816,011,6038,829,99811,044,89195,067,665
حياة29,950,17355,108,18775,180,26988,397,20676,301,98472,993,29365,116,74381,028,419544,076,274
المصدر: جمعية التأمين العراقية بغداد آب 2020  

جدول تعويضات الشركات حسب كل محفظة من 2011-2018

ألف دينار

المحفظة/العام20112012201320142015201620172018المجموع
بحري165,3661,413,4462,324,91060,90022,930*********9,73137,7264,035,009
طيران/سفن11,771512,638354,5733,085,449612,0851,459,743945,2611,622,3288,603,848
حريق1,593,5724,127,4392,503,1674,324,5386,873,7367,111,5674,041,64911,557,79442,133,462
هندسي67,174212,0001,529,186358,719372,1613,20927,2333,1882,572,870
حوادث2,077,8391,593,1464,858,432 2,346,8696,980,2585,495,2024,775,2365,918,64234,045,624
سيارات1,050,5341,286,4981,085,6931,553,2621,297,821727,666818,082380,4288,199,984
حياة18,160,73733,674,81047,085,84762,703,89567,732,22751,645,79948,335,28736,497,423365,835,661
المصدر: جمعية التأمين العراقية بغداد آب 2020

[1] هذه ظاهرة تتكرر سنويًا وتظل قائمة دون حل.

[2] Atlas Magazine, January 2020, https://www.atlas-mag.net/en/article/uae-insurance-market-in-2018-top-10-insurers-per-gross-written-premium

[3] Atlas Magazine, July 2019, https://www.atlas-mag.net/en/article/emirati-insurance-market-slightly-decreasing-premiums-in-2018

[4] بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، إنجليزي-عربي، الجزء الثاني (عمان: دار الثقافة، 2016)، ص 108.

[5] كمثل على ما يمكن القيام به من تحليل، رغم أن السياق يقع في دائرة الرقابة يمكن لديوان التأمين الاستفادة منها، راجع الدراسة التالية:

W. Jean Kwon and Leigh Wolfrom, “Analytical tools for the insurance market and macro-prudential surveillance,” OECD Journal: Financial Market Trends, Volume 2016/1.

May Muzaffar: My Experience at the Iraq Reinsurance Company

 

شهادتي عن

 

تجربتي في شركة إعادة التأمين العراقية

 

 

 

 

 

مي مظفر

 

 

 

 

 

نشرت لأول مرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

 

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/02/مي-مظفر-شهادتي-عن-تجربتي-في-شركة-إعادة-التأمين-العراقية.pdf

 

 

 

 

 

أجمل تحية وألف شكر على تحويل ما كتبه أستاذنا الفاضل الدكتور مصطفى رجب حول تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية،[1] ويسعدني، وأنا أسمع صوت الماضي قادماً من بعيد، أن أقدم شهادتي المتواضعة عن تجربتي في شركة إعادة التأمين العراقية ومواكبتي لتطورها الكبير بإدارة هذا الشخص الفذ. بل أعتقد أن من الواجب أيضا بيان وجه من وجوه مرحلة زمنية كان العراق فيها زاخرا بعلمائه ومبدعيه على كل صعيد، زمن تحلى نساؤه ورجاله بالروح الوطنية والتطلع إلى بناء مستقبل باهر. يومها كان للعراق أفق مستقبلي، يؤسفني القول أنه اختفى اليوم، أو يكاد، تحت ظلام الفوضى والدمار.

 

 

 

التحقت بالعمل في شركة إعادة التأمين في الأول من تشرين الأول 1961، عندما كانت مؤسسة فتية، ومشروعا رائداً في العراق، كانت مدخلي إلى الحياة العملية، محاطة بعدد قليل من الموظفين سرعان ما أصبحنا أسرة واحدة.

 

 

 

كنت قد تخرجت حديثا من كلية الآداب حاصلة على بكالوريوس الأدب الإنجليزي، مليئة بالطموح إلى الدخول إلى عالم الأدب. لكن الظروف المتاحة آنذاك وضعتني داخل هذا المسار الغريب عني اسما وطابعا. فقد كانت الشركة بحاجة إلى من يحسن الإنجليزية، وكنت بحاجة إلى عمل. قبل التوجه إلى لقاء مديرها العام، أخبروني بأنني سأعمل مع قامة علمية عالي الكفاءة، نبيل الخلق من أهل البصرة.

 

 

 

في أول مقابلة معه، أحسست أنه لم يكن مقتنعاً بي، وأعتقد أن الحاجة الماسة جعلته يمنحني فرصة للعمل. فكان ذلك عامل تحدٍ دفعني إلى أن أثبت له جدارتي، أو إخفاقي. كنت ورقة بيضاء، مثل الكثيرين الذين جاءوا بعدي وربما قبلي. فكان الدكتور مصطفى أول من وجهني، ووضع لي منهجا أسير عليه من الجانبين العملي والنظري.

 

 

 

في تلك المرحلة المبكرة كنا نتدرب مع خبيرة تأتينا من شركة التأمين الوطنية وهي الآنسة سعاد برنوطي، التي حصلت فيما بعد على بعثة حكومية ونالت الدكتوراه في مجال التأمين من أمريكا. ثم جاءنا خبير من الشركة السويسرية لإعادة التأمين يدعى ألبرت كونز، تولى التدريب العملي كما عقد دورة نظرية، ضمت الموظفين الفنيين غير أن الدورة لم تستمر بسبب تفاوت قدراتهم اللغوية. فرأى الدكتور مصطفى أن من الأفضل إيفاد الموظفين للتدرب في الشركة السويسرية لإعادة التأمين. في الوقت نفسه، ولاهتمامه بالجوانب العلمية، كان يوجه الموظفين للدراسة عن طريق المراسلة من أجل الحصول على شهادة مهنية Chartered Insurance Certificate بإشراف المعهد الثقافي البريطاني في بغداد. فقد كان الطموح العلمي واحداً من معايير الترقية في سياسة الشركة تحت إدارته، بل أصبح من الواضح أن من لا تتسم به شروط اللحاق بالمستوى المطلوب يظل على الهامش.

 

 

 

حين راهن الدكتور مصطفى على إقامة مؤسسة تضاهي الشركة السويسرية لإعادة التأمين، ربح الرهان خلال زمن قياسي. وظلت الشركة تنمو وتتوسع محافظة بشدة، في ظل إدارته، على الدقة في العمل والأمانة والحرفية العالية. فهو لم يكن مجرد رئيس عمل، بل كان مُعلماً حريصاً على إيصال المعرفة إلى العاملين معه، كما كان أحيانا أبا موجهاً لهم من أصغر شيء إلى أكبره بما في ذلك السلوك والهندام. معاييره في الاختيار كانت صارمة، وبذكائه الفذ وذهنه المتقد يدرك مكامن طاقات العاملين معه ويعرف كيف يستثمرها ويطورها. بل كان يراجع كل صغيرة وكبيرة ينتجها العاملون، وسبحان الله سرعان ما كان يلتقط الخطأ ولو كان بين مئات السطور وعشرات الجداول.

 

 

 

أتحدث عن خبرة شخصية من خلال عملي القريب معه على مدى ثمانية عشر عاماً. كان قد نسّبني لمتابعة شؤون قسم الأبحاث الذي كان شديد الاهتمام به كونه مركز وثائق الشركة برمتها، ويحتوي على المكتبة وعلى الدوريات المتخصصة والصحف الأجنبية، وتوزيعها على الأقسام حسب ما يرد فيها من دراسات كل حسب تخصصه. وكنت أوثق كل شيء ضمن بطاقات خاصة.

 

 

 

في منتصف الستينيات قرر إصدار مجلة شهرية، وبطبيعة الحال كان هو رئيس تحريرها، وكنت أقوم بالمهام التي يقوم بها عادة سكرتير التحرير في المتابعة والمراسلة مع المتخصصين العراقيين والعرب، وتحرير الجزء الخاص بالأخبار المهمة على الصعيدين العربي والعالمي، كما تردنا في دوريات التأمين، فضلا عن ترجمة المقالات المنتقاة، ودائما تحت إشرافه وتوجيهاته. كانت المجلة التي عرفت بنشرة التأمين متواضعة في إخراجها، تطبع بطريقة الرونيو، ويجري جمعها وتصحيفها في قسم الأبحاث بعدد لا يتجاوز 500 نسخة، ثم ترسل بالبريد إلى جهات كثيرة منها الجامعات. وسرعان ما نالت رواجاً كبيراً وأصبحت رافداً ومرجعاً للباحثين والطلاب. حين يكتمل العدد، ويرتب، يأتي الدكتور مصطفى للتحقق من سلامة العمل. كان يسحب نسخة من بين كومة النسخ بلا تحديد، وقلوبنا، أنا وزملائي في القسم، واجفة راجفة، وإذا به يجد في تلك النسخة خطأ في التصحيف أو في اسم ما مثلا، إن لم يجد أخطاء أخرى. وكان الله في العون.

 

 

 

أنا مدينة لهذه المؤسسة بالكثير، وللدكتور مصطفى رجب شخصياً في توجيهي نحو كيفية القيام بالبحث والعمل الدؤوب والتزام الدقة (أُسميه ساعة سويسرية)، الأمر الذي ساعدني على صياغة حياتي والتحكم بالوقت. وهذه حقيقة أكررها دائماً حين أسأل عن طبيعة حياتي المنظمة. لم أتعلم منه النظام فقط، وإنما الكمال في الأداء، حتى أدمنته.

 

 

 

حين حتّمت عليَّ ظروفي الشخصية أن أترك العمل للتفرغ للأدب، وكان ذلك في تشرين الأول 1979، كانت شركة إعادة التأمين قد حققت ذروة نجاحها، وأصبحت شركة عالمية بامتياز، وأرقى مؤسسة عربية بلا منازع.

 

 

 

ألف تحية له، وبارك الله بعمره وجهوده.

 

 

 

مي عباس مظفر

 

عمّان 15 شباط 2017

 

 


[1] بعد نشري لرسالة الدكتور مصطفى رجب حول أصول شركة إعادة التأمين العراقية  (أنظر الروابط أدناه)

http://iraqieconomists.net/ar/2017/02/12/%d8%af-%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d8%b1%d8%ac%d8%a8-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a5%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84/

 

https://iraqinsurance.wordpress.com/2017/02/12/dr-mustafa-rajab-on-the-origins-of-iraq-reinsurance-company/

 

كتبت السيدة مي مظفر شهادتها عن تجربتها في الإعادة العراقية رفقة هذه الرسالة بتاريخ 15 شباط 2017:

 

“عزيزي مصباح

 

كل الشكر والامتنان على هذه الفرصة التي أتحتها لي للتحدث عن جانب من تجربتي في شركة إعادة التأمين العراقية.

 

ويشرفني أن أرفق هنا هذه الشهادة المتواضعة بحق أستاذنا الدكتور مصطفى رجب، عالم من علماء العراق الأفذاذ، ونموذج للتفاني في العمل الدؤوب من أجل إعلاء شأن البلاد.

 

وبارك الله بجهودك ومسعاك لتوثيق تاريخ هذا الرافد الاقتصادي الحيوي.

 

تقبل مني أجمل تحياتي

 

مي مظفر”

 

وجواباً على سؤالي فيما إذا كان زوجها المرحوم رافع الناصري قد كلف من قبل إدارة شركة إعادة التأمين العراقية برسم لوحات لتزيين بناية الشركة في ساحة الخلاني كتب التالي:

 

اسعد الله أوقاتك عزيزي مصباح

 

يشرفني ان تنشر شهادتي فقد كتبتُ من اجل تنبيه الأجيال وإعلامهم عن الجوانب المضيئة للعراق ولا سيما الأجيال التي لم تَر غير الوجه المظلم منه.

 

اما عن سؤالك حول الاعمال الفنية في الشركة فالجواب هو نعم ولكن لم يكن رافع وحده.

 

كانت مناقصة تشيد مبنى للشركة قد رست على مكتب المعماري المعروف هشام منير، وكان من ضمن التصميم ادخال أعمال فنية لتكون جزءا من التصميم الداخلي للمبنى، واقترح تكليف كل من الرسامين ضياء العزاوي ورافع الناصري والنحاتين إسماعيل فتاح الترك ومحمد غني حكمت، وجميعهم من الفنانين المحدثين الذين ذاع صيتهم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وكانت بادرة غير مسبوقة حسب علمي. كما حدد لهم استيحاء موضوعهم من فكرة التأمين والأمان.

احتل تمثال اسماعيل، الذي يعد واحدا من اهم واجمل ما أنتج على واجهة المبنى، وهو من البرونز ويتألف من قطعتين متكاملتين احداهما نحت مدور معلق وخلفه لوحة برموز مسمارية ثبتت على الحائط، وقدم محمد غني جدارية من البرونز بنحت بارز عليها أشكال رمزية ايضا احتلت الجدار الداخلي لمدخل العمارة، كما وضعت لوحة رافع الناصري التي امتدت على عرض الجدار في الطابق السادس، وكان لسعة حجمها قد نفذها في الموقع نفسه، ووضعت لوحة العزاوي على جدار في الطابق الثامن، حيث يقع مكتب المدير العام، وسرعان ما رفعت بسبب غموض تكوينها. وبعد بضعة أعوام رفعت لوحة رافع ايضا ولم يعد يعرف مصيرهما.

 

لقد ثبت هذه المعلومات في كتابي الذي صدر في ٢٠١٦ عن الفن الحديث في العراق، حين تحدثت عن التعاون الذي نشا بين المعماريين والفنانين.

 

كل الشكر باهتماماتك الدقيقة، مع تحياتي واحترامي.

 

مي مظفر”

 

للتعرف على الفن المعماري لمكتب هشام منير راجع: د. خالد السلطاني “عمارة مكتب هشام منير: مهنية المنجز… وحداثته (2-2)” المنشور في موقع إيلاف حيث يشير إلى مبنى شركة إعادة التأمين العراقية مع صورة له.

http://elaph.com/Web/Culture/2011/5/656803.html

 

 

Dr Mustafa Rajab: On the Origins of Iraq Reinsurance Company

د. مصطفى رجب:

أصول شركة إعادة التأمين العراقية

 

 

نشرت هذه الورقة لأول مرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

د. مصطفى رجب*: أصول شركة إعادة التأمين العراقية

 

 

تقديم لرسالة الدكتور مصطفى رجب

 

كتبتُ أكثر من مرة بأن تاريخ التأمين في العراق لم يُبحث، والمحاولات القليلة التي قمتُ بها بهذا الشأن لا ترقى إلى مستوى البحث التاريخي الأكاديمي. وكان من بين هذه المحاولات مشروع للتحقق من جذور شركة إعادة التأمين العراقية الذي بقي معلقاً بانتظار الوصول إلى بعض المعلومات رغم تأكدي من الدور الأساس للدكتور مصطفى رجب بهذا الشأن. فقد ذكرتُ في الجدول رقم 2 في مقالتي “ممارسو التأمين العراقيين في المهجر” المنشور في مجلة التأمين العراقي (نشرت آخر نسخة منقحة منه بتاريخ 18 آب 2014)

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2014/08/iraqi-insurance-practitioners-in_18.html

أن مصطفى رجب هو “من مؤسسي شركة إعادة التأمين العراقية وكان مديراً عاماً لها لعدة سنوات. ترك العراق وعمل في إدارة شركة تأمين إماراتية وطنية، وبعد تقاعده عن العمل صار يعمل استشارياً في مجال التأمين في دولة الإمارات العربية حيث يقيم.”

 

إن المعلومات المتوفرة عن شركة إعادة التأمين العراقية لا تتجاوز سنة التأسيس والقانون الخاص بالشركة والأطراف المساهمة في رأسمالها. مع بدء 2017 تبادلت بعض الرسائل مع زميلي جون ملكون وسمير عبد الأحد (نعمل معاً كهيئة طوعية غير ربحية باسم التجمع التأميني العراقي) عن اسم/أسماء الشخص الذي فكَّر بتأسيس شركة إعادة التأمين العراقية. كان رأي جون ملكون أن سؤال التعرُّف على صاحب فكرة تأسيس الإعادة العراقية يجب أن يوجَّه للدكتور مصطفى رجب، مضيفاً أنه “كان للمرحوم واركيس بوغوص دوراً في قيادة الشركة على الصعيد الدولي.” وكان رأي سمير عبد الأحد أنه لم يكن للمرحوم واركيس أي دور في الفكرة أو التأسيس، وأن الفكرة، في اعتقاده، “بدأت أولاً لدى الوزارة حيث اختير الدكتور مصطفى لإدارتها ووضع أساليب العمل واختيار الموظفين ومن ضمنهم المرحوم واركيس. مع ذلك أرجو التأكد من الدكتور مصطفى توخياً للأمانة.”

 

في تعليقي على ما ذكره سمير كتبت التالي: “اتفق معك بأن الفكرة بدأت لدى وزارة الاقتصاد ولكن دون أن نعرف من كان صاحب الفكرة. ليست هناك معلومات منشورة بهذا الشأن. ما يؤيد أن الفكرة بدأت لدى الوزارة ما قرأته مؤخراً في كتاب د. حافظ شكر التكمجي، مذكرات إنسان وتحديات الحياة والزمان (دون ناشر، 2016)، ورد فيه أن حكومة ثورة تموز 1958 عينته معاوناً لمدير الاقتصاد العام في وزارة الاقتصاد، وأن الوزارة حققت إنجازات كبيرة ومنها “ربط شركة التأمين بالوزارة [اعتقد أن الشركة المعنية هي شركة التأمين الوطنية]، وإنشاء شركة إعادة التأمين وأصبح مديرها العام الدكتور مصطفى رجب.” (ص 126-127). وبالطبع، فإن هذا الاقتباس لا يضم تشخيصاً أو معلومات تفصيلية يمكن الاستفادة منها لأغراض البحث التاريخي.

 

وهكذا توجهت إلى الدكتور مصطفى رجب مباشرة للتحقق من الموضوع. ومن بين ما كتبته في رسالتي له بتاريخ 30 كانون الثاني 2017 الآتي:

 

“… وجودك حاضر معي دائماً كلما جاء ذكرٌ لشركة إعادة التأمين العراقية أو عندما يُشار إلى من أسماهم أحد أصحابي بعمالقة التأمين في العراق وهو القائل بأننا نهلنا المعرفة التأمينية والمهارات العملية المرتبطة بها بفضلهم ولأننا كنا نعمل في ظلهم، وأنت من هؤلاء العمالقة إضافة إلى آخرين، مع حفظ الألقاب، كبهاء بهيج شكري وعبد الباقي رضا.

 

بودي أن أتابع التحقيق في موضوع تأسيس الإعادة العراقية معك، إن كنت لا تمانع في ذلك. ربما يسهل عليك الأمر لو أنني قمت بتوجيه مجموعة من الأسئلة لك بهذا الشأن. وعدا ذلك سأكون ممتناً لك لو كتبت شيئاً عن تأسيس الإعادة العراقية التي ارتبط وجودها وتطورها وتعزيز مكانتها داخل وخارج العراق بك لعقدين. آمل ذلك.”

 

وقد كان الدكتور كريماً معي فكتب رسالته أدناه. هي بمثابة الوثيقة التاريخية المكتوبة بتجرد وتواضع في عرض شديد الاختصار لخلفية تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية ودوره الأساس فيها منذ لحظة ولادتها كفكرة. وفي ظني أن لديه الكثير الذي يمكن أن يقوله عن الإعادة العراقية، فهو صانعٌ ماهر لتاريخ هذه الشركة لحين ابتعاده عنها عام 1980 ولأنه شاهدٌ على قضايا التأمين في العراق. ومن رأي أن الدكتور مصطفى رجب ليس هو فقط المؤسس الفعلي لإعادة التأمين كنشاط اقتصادي متميز وإنما الرائد لمؤسسة إعادة التأمين العراقية. من المؤسف والمحزن أنه أسس وبنى ليأتي غيره، من داخل وخارج العراق، ليضعضع البنيان الناجح الذي اسمه شركة إعادة التأمين العراقية – “مدرسة” تخرج منها مجموعة خيرة من ممارسي إعادة التأمين انتشروا، كرائدهم الدكتور رجب، خارج العراق.

 

ويسرني أن أنقل رسالة الدكتور مصطفى رجب للقراء بعد الحصول على موافقته. آمل أن تلقى ما تستحقه من تعليقات نقدية وإضافات في سياق تحديد جوانب من التاريخ الاقتصادي لقطاع التأمين في العراق. فعندما قام بتأسيس الإعادة العراقية عام 1960 لم تكن هناك شركات متخصصة بأعمال إعادة التأمين في دول “العالم الثالث.” كانت هناك مللي ري التركية (1929)، وبالنسبة للعالم العربي، الشركة المصرية لإعادة التأمين (1957، باشرت العمل سنة 1958)، والشركة التونسية للتأمين وإعادة التأمين (1959). كان ذلك قبل تأسيس الأونكتاد (1964) التي أخذت وقتها تشجع على تأسيس الشركات الوطنية والمجمعات الإقليمية لتطوير صناعة التأمين وإعادة التأمين في هذه الدول.

 

مصباح كمال

9 شباط 2017

 

 

نص رسالة الدكتور مصطفى رجب

 

أبو ظبي في 4/2/2017

 

الأخ الأستاذ / مصباح كمال المحترم

 

تحية طيبة وبعد،

 

أشكركم لما حوته رسالتكم من مشاعر أخوية أثارت في نفسي ذكريات دفينة، وكما تعلم فإن كبار السن يعيشون على الذكريات حلوها ومُرَّها.

 

في أواسط سنة 1959 (وكنت حينها أشغل وظيفة مسجل الشركات في وزارة الاقتصاد بعد فترة قصيرة قضيتها مستشاراً قانونياً لمجلس الإعمار في بغداد) اتصل بي وزير الاقتصاد وسألني السؤال الآتي: يُقال ان بعض الشركات تسمي نفسها شركات إعادة التأمين، ما هي هذه الشركات؟ أجبته أنني سأبحث الموضوع وأعود إليه. وبعد عدة إيام من البحث والتقصي جمعت المعلومات المطلوبة وقدمتها إليه في اجتماع في الوزارة. فبادرني بالقول: لماذا لا نؤسس شركة إعادة تأمين في بغداد؟ وكلفني باتخاذ الإجراءات المقتضية.

 

وقمت خلال ثلاثة أشهر بإعداد الدراسات وتنظيم عقد التأسيس والنظام الأساسي على أساس أنها ستكون شركة ذات رأسمال مختلط (قطاع عام وقطاع خاص)، تُؤسس بقانون خاص يُلزم شركات التأمين العاملة في الدولة بإسناد حصة إلزامية في إعادة التأمين من القعر، أي حصة من وثائق التأمين وليس من اتفاقيات إعادة التأمين الصادرة.

وبالنظر لعدم وجود أية خبرة في أعمال إعادة التأمين في العراق في حينه فقد اتصلت بالشركة السويسرية لإعادة التأمين لتقديم المساعدة الفنية وقيادة اتفاقيات إعادة التأمين (Retrocession) الخاصة بالشركة حيث بادرت الشركة السويسرية بإرسال أحد موظفيها المختصين وأعتقد أنه كان (Mr Kunz) حيث أمضى معنا فترة ثلاثة أشهر في بغداد وكان مثالاً للسويسري الجدّي والدقيق في عمله والحميم في علاقاته الشخصية.

 

وأذكر أن وزير الاقتصاد كلفني، بعد تأسيس الشركة، بالبحث عمن يمكن أن يتولى إدارة الشركة حيث أجريت الاتصالات بالعديد من المختصين العاملين في سوق التأمين العراقية فلم يقبل أحد منهم هذه المهمة. كما أجريت الاتصالات بسوق التأمين المصرية (بسبب أنهم سبق وأن أسسوا الشركة المصرية لإعادة التأمين في سنة 1958 م) فلم يقبل أحد منهم.

 

وحينما اقترب موعد بدء الشركة بأعمالها الرسمية ولم يكن قد تم تعيين من يديرها، كلفني وزير الاقتصاد بإدارة الشركة وكالة. لقد ترددت في حينه إذ أنني وإن كنت أعمل في وزارة اقتصاد إلا أنني كنت أتطلع (منذ عودتي من الدراسة في سويسرا) إلى التدريس في كلية الحقوق (هكذا كان اسمها). وقبلت المهمة بشرط أن تكون المدة ستة أشهر، وانقضت الأشهر الستة ولم نُفلح في العثور على المدير المنشود فكلفني وزير الاقتصاد بالانتقال إلى إدارة الشركة بشكل نهائي، وهكذا كان لكي يستمر عملي في ميدان التأمين وإعادة التأمين 55 سنة!

 

وكانت المهمة الدقيقة هي البحث عن مجموعة من الشباب العراقيين ممن أتوسم فيهم الكفاءة والإخلاص (أو الإخلاص والكفاءة) وممن يتقنون اللغة الإنجليزية لأنها لغة إعادة التأمين. اتصلت بإدارة (جامعة الحكمة) لترشيح مجموعة من الشباب ممن كانوا في الصف المنتهي حيث تمَّ ذلك، واتصلت بالمرشحين وأقنعتهم بالالتحاق بالشركة، ثم التحق بالشركة عدد آخر من الشباب الأكفاء من خريجي الجامعة في بغداد حيث جرت عملية تدريب مكثفة داخل العراق وفي سوق التأمين في لندن.

 

وبدون ذكر أية أسماء خوفاً من نسيان أحدهم أقول:

 

لقد كانت مجموعة الشباب الذين عملوا معي في شركة إعادة التأمين العراقية مجموعة متميزة: خُلقاً وكفاءة، عملوا بكل تفان ونكران ذات، بذلوا جهوداً مضنية وكرَّسوا كل وقتهم من أجل اكتساب الخبرة في ميدان جديد، وقد اكتسبوها عن جدارة. وكان يقال في حينها: هناك جهتان تبقى مكاتبها مُضاءة في بغداد حتى الساعة العاشرة والحادية عشر ليلاً: البنك المركزي وشركة إعادة التأمين العراقية.

 

وفي سنة 1963 (إن لم أكن ممن تخونهم الذاكرة) كانت شركة إعادة التأمين العراقية أول شركة إعادة تأمين من الدول النامية تفتح لها مكتب اتصال (Contact Office) في لندن. وكانت الفكرة من وراء تأسيس المكتب ليس فقط الوجود الفعلي في سوق عالمية هي سوق لندن وإنما لإرسال مجموعة من الشباب للعمل في مكتب وسوق لندن ثم العودة بعد عدة سنوات لاحتلال مراكز متقدمة في الشركة.

 

ولقد كان واضحاً لديَّ منذ البداية أن أعمال إعادة التأمين لا تتلاءم مع القيود المفروضة في العديد من الدول على تحويل النقد الأجنبي التي يفرضها البنك المركزي فأجريت الاتصالات مع المسؤولين في البنك المركزي وبإسناد من وزارة الاقتصاد تم إعفاء الشركة من القيود على تحويل النقد إلى الخارج.

 

وأذكر أن ممثلاً لإحدى شركات إعادة التأمين العالمية والمسؤول عن المنطقة قال لي يومها: حينما يتقرر أن أزور المنطقة للاجتماع مع شركة إعادة التأمين العراقية فإنني أقوم بتحضير معلوماتي وأوراقي بشكل دقيق لأنني أعلم أنني سألتقي بأشخاص مختصين.

 

لقد كان هدف جميع العاملين في الشركة إثبات أن ممارسة أعمال إعادة التأمين ليست حكراً على الدول المتقدمة.

 

أرجو أن أكون قد أعطيت معلومات موضوعية عن تجربة تستحق الذكر.

 

مع خالص تقديري ومودتي.

 

الدكتور مصطفى رجب

World Insurance: The Evolution of a Global Risk Network

عرض كتاب

نشر ترجمة هذا العرض في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

عرض كتاب: بيتر بورشايد، ونيلز فيجو هويتر، المحررين، التأمين العالمي: تطور شبكة الأخطار العالمية. أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 2012. عدد الصفحات 16+ 729 (تجليد فني)، السعر 180 دولار، ردمك: 978-0-19-65796-4.

بيتر بورشايد، ونيلز فيجو هويتر، المحررين، التأمين العالمي: تطور شبكة الأخطار العالمية. أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 2012.  عدد الصفحات 16+ 729 (تجليد فني)، السعر 180 دولار، ردمك: 978-0-19-65796-4.

Peter Borscheid and Niels Viggo Haueter, editors, /World Insurance: The Evolution of a Global Risk Network/. Oxford: Oxford University Press, 2012.  xvi + 729 pp. $180 (hardcover), ISBN: 978-0-19-65796-4.

Published by EH.Net (August 2013)

All EH.Net reviews are archived at http://www.eh.net/BookReview

عرض

جيفري كلارك، قسم التاريخ، جامعة ولاية نيويورك في بوتسدام

ترجمة

مصباح كمال

هذا الكتاب الضخم حول انتشار وتكامل خدمات التأمين على المستوى العالمي يأتي في أعقاب صدور مجموعتين من المقالات الأقل شمولاً بكثير حول عولمة التأمين خلال القرنين الماضيين.[1] الدراستين السابقتين كانتا واعيتين بكونهما جهوداً رائدة لرسم معالم مشهد تاريخي معقد ومترامي الاطراف والتي نادراً ما قام الباحثون بسبر أغوارها حتى الآن.  ومع صدور التأمين العالمي: تطور شبكة الأخطار العالمية فإن تطور وانتشار التأمين في جميع أنحاء العالم قد تم تناوله بوضوح قاطع على الرغم من أنه ليس دراسة نهائية.  ولأول مرة فإن المؤرخين، الذين يبحثون عبر مجموعة من الموضوعات تشمل المالية والتحديث الاقتصادي والرعاية الاجتماعية وحتى الدين، صار بإمكانهم الاستفادة من دراسة منهجية لكيفية تحويل صناعة التأمين لبيئة المخاطر التي يواجهها بلايين الناس في مختلف أنحاء العالم، وكيف أن هذه العملية قد جمعت معاً اقتصاديات وثروات المجتمعات والثقافات النائية.

وبرغم هذا القول فإن قلة من القراء لديها المثابرة لقراءة هذا الكتاب من أوله إلى آخره، وهو ما توقعه المحررين بحكمة من خلال عرضهما لموضوعه.  فقد قدّم بيتر بورشايد ملخصاً موجزاً رائعاً للمواضيع الأساسية في مقدمة عامة، متبوعاً بستة أقسام مخصصة تباعاً لتغطية التطورات في أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والشرق الأقصى والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. كل إقليم من هذه الأقاليم يخضع لنظرة تمهيدية عامة بقلم بورشايد، تليها عدد من المقالات تركز على بلدان معينة.

هذا التنظيم في عرض المقالات يسمح بسهولة للقراء لتكوين صورة للميزات العريضة لأعمال التأمين العالمية أو الغوص في تجربة منطقة معينة أو أمة واحدة. التغطية الجغرافية ليست موحدة – وربما لا يمكن أن تكون كذلك في ضوء حقيقة أن خدمات التأمين في العصر الحديث انطلقت إلى حد كبير من المملكة المتحدة وتم تبنيها أولاً وبقوة في أوروبا وأمريكا الشمالية. وتنعكس الفروق الشاسعة في الثروات على مستوى العالم والاختراق التأميني الذي لا يزال مستمراً حتى وقتنا الحاضر في سرد يتوزع في ثمانية فصول تغطي الدول الأوروبية على انفراد بينما يتناول فصل واحد فقط التاريخ الوطني للدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وهي الحالة الاستثنائية جداً لجنوب أفريقيا. وتتضح هذه الفجوة أيضاً في الملاحظة المذهلة لبورشايد أنه (لو تركنا جنوب أفريقيا جانباً) فإن مجموع أقساط التأمين المدفوعة حالياً في جميع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعادل مجرد 1.5 مرة من أقساط التأمين المنفقة في إمارة ليختنشتاين الصغيرة (ص 324).

أحد المواضيع المحورية الذي ينتظم المقالات في كتاب التأمين العالمي، ويجادل بورشايد بقوة بشأنه، هو أن انتشار التأمين في جميع أنحاء العالم ارتبط ارتباطاً وثيقاً بهجرة الأوروبيين أنفسهم بدلاً من مجرد تصدير فكرة التأمين وحدها.[1]  فقد تركزت خدمات التأمين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أساساً على الممتلكات وأرواح الأوروبيين الذين استقروا في الخارج.  وحتى عام 1950، للاستشهاد بمثال صارخ في هذا الوقت المتأخر، فإن 99 في المائة من حاملي وثائق التأمين في إثيوبيا كانوا من المقيمين الأجانب (ص 316).  وتُقدم هذه المقالات عدة تفسيرات للاعتماد البطيء لعادة التأمين من قبل السكان الأصليين.  فانتشار الفقر على نطاق واسع في العديد من المناطق جعلت من شراء بوالص التأمين ببساطة أمراً بالغ الصعوبة، في حين أن استمرار الشبكات المجتمعية والقرابية للمساعدات المتبادلة قلّلت الحاجة إلى التسهيلات التي توفرها مرافق التأمين على النمط الأوروبي.

من ناحية أخرى، وكما يشير بالاچاندران، فإن الأحكام الاستعمارية المسبقة دفعت شركات التأمين الغربية إلى أن تكون حذرة من مد مظلة الحماية التأمينية للسكان الأصليين.  واحدة من مجلات التأمين الصادرة في عام 1891 اعترضت بأن الهنود يشكلون مخاطر [تأمينية] سيئة لأنهم عرضة للموت المبكر وأنه من الصعب تشخيصهم بشكل إيجابي، وأن هذه الحقيقة تشجع على الاحتيال لأن “سكان البلد الأصليين، كقاعدة عامة، … ينقصهم الحس الأخلاقي في مسألة إقرار الحقيقة” (ص 447). وفي الختام، فإن الوازع الديني قد حال أحياناً دون قبول التأمين، وخاصة في شبه الجزيرة العربية المحافظة، وذلك لأن الشريعة الإسلامية لا تعترف بعقود التأمين وتحظر المضاربة على حياة الإنسان.  وفي خطوة تذكرنا بالمحاولات الأوروبية السابقة للتحايل على الحظر المفروض على الربا، فإن شركات التأمين في البلاد الإسلامية ابتكرت التكافل، وهو شكل من أشكال التأمين التبادلي يتوافق مع الشريعة الإسلامية.[2]

على الرغم من أن أحد الأهداف المعلنة لكتاب التأمين العالمي هو توفير السياق الثقافي لسرعة انتشار التأمين في جميع أنحاء العالم (ص 1)، إلا أن الانتباه يتركز على الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذا التطور. وقد تم تدشين الموجة الأولى لعولمة التأمين في عصر الليبرالية مع قيام القوى الأوروبية بإنشاء المرافق الاكتتابية في الجيوب الاستيطانية ومن ثم بدأت بتطوير السوق المحلية لتأمين أخطار الحريق، والممتلكات والحوادث، وإلى حد أقل بكثير، التأمين على الحياة.

نحو نهاية القرن التاسع عشر بدأت الدول الأوروبية بإقامة حواجز حمائية ضد شركات التأمين الأجنبية، وهي خطوة تم تكرارها في العقود التالية في بلدان آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، التي فرضت قيوداً مختلفة على [مستوى] الاحتياطيات التي يجب الاحتفاظ بها، والعملة، والضرائب التمييزية على الشركات الأجنبية، لمنع تدفق رأس المال نحو الخارج، وتعزيز صناعات التأمين المحلية.  وفي كثير من الحالات نجحت هذه الجهود في تطوير السوق المحلية، لكن ذلك كان على حساب أشياء أخرى: فالعديد من الشركات التي دخلت في هذه الأسواق الناشئة كانت دون رسملة كافية وكانت سيئة في الإدارة، مما دفع الحكومات في أوروبا وحول العالم للبدء بغربلة تنظيمية دورية للشركات الضعيفة.

وعلى أي حال، فإلى أي مدى يمكن حقاً أن تكون أسواق التأمين الوطنية معزولة عن الاقتصاد العالمي كان مقيداً بفائض المخاطر [وهي المخاطر التي تزيد عن القدرات المالية للشركات المحلية لاستيعابها لحسابها الخاص] المسندة من قبل شركات التأمين المحلية إلى شركات إعادة التأمين الدولية مثل الشركة السويسرية لإعادة التأمين (وليس من قبيل الصدفة، أن هذه الشركة هي الراعية لهذه الدراسة التاريخية حول تدويل التأمين).  لقد وصل هذا العصر الحمائي إلى نهايته في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مع ما تصفه هيرونيا بونز بتدشين الموجة الثانية من عولمة التأمين، التي انطوت على تخفيف القيود على شركات التأمين الأجنبية؛ وسلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ؛ وإنشاء شركات تابعة أجنبية؛ وتحقيق مزيد من الكفاءة نتيجة المنافسة القوية.

تقلبت فرص انتشار التأمين أيضاً مع المد والجزر في برامج خصخصة التأمين أو تحويله لملكية المجتمع.  ويوفر إنشاء الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية أكثر الأمثلة إثارة لتحويل ملكية خدمات التأمين [من القطاع الخاص] لسيطرة الدولة. ولكن سواء تم تحويل الملكية باسم الاشتراكية أو الفاشية أو الديمقراطية الاجتماعية أو القومية المناهضة للاستعمار، فإن تسنم الدولة مسؤولية توفير الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية، أو التعويض عن الخسائر الناجمة عن الحرائق والفيضانات، أو الخسائر في الأرواح، كل ذلك قلّص من أو قضى على حرية القيام بأعمال التأمين العابرة للحدود الوطنية.[1]

إن العودة مؤخراً إلى التركيز على المشاريع الخاصة الأقل خضوعاً للرقابة في توفير غطاء التأمين، فضلاً عن تقديم الخدمات المالية الأكثر تكاملاً والتي تجسدت في التأمين عبر المصارف (bancassurance)، هو مجرد أحدث تأرجح للبندول في اتجاه سيطرة القطاع الخاص، متمثلاً الآن بسلطة الشركات متعددة الجنسية وأيديولوجية الليبرالية الجديدة.  وفيما إذا كانت الكارثة المالية بعد عام 2008 ستدفع باتجاه العودة إلى بيئة رقابية أكثر صرامة وإلى نمط جديد من نهج الدولتية في مجال التأمين هو السؤال الذي يجب أن ينتظر تكملة لكتاب التأمين العالمي لبورشايد وهويتر الفخم الذي وضع معايير البحث في مجاله.

ملاحظة:

Note:

  1. Peter Borscheid and Robin Pearson, editors, Internationalisation and Globalisation of the Insurance Industry in the 19th and 20th Centuries (Marburg: Philipps-University, 2007).

Robin Pearson, editor, The Development of International Insurance (London: Pickering & Chatto, 2010).

Geoffrey Clark is Professor of History at the State University of New York at Potsdam. He is the author of Betting on Lives: The Culture of Life Insurance in England, 1695-1775 and co-editor of The Appeal of Insurance. He is working on a study of slavery insurance in the late medieval Mediterranean.

[1] ارتبطت بعض موجات الهجرة بالتوسع الاستعماري “فخلال المرحلة العاصفة من العولمة في أوائل القرن العشرين أثبتت التجارة والهجرة كونهما الوكيلين الأكثر كفاءة لصناعة التأمين.  ففي عصر الإمبريالية الأوروبية … احتل التجار كل ركن من أركان الكرة الأرضية يعد بالربح، وجاء التأمين في اعقابه.” (ص 62).  [المترجم]

[2] يرد في الكتاب (ص 85) أن الجماعة الإسماعلية، وقائدها الروحي آغا خان الثالث، قامت عام 1937 بتأسيس شركة تأمين في ميناء مومباسا، وهي أول شركة تأمين أفريقية وطنية، فتحت فروعاً لها في دار السلام، وكمبالا، وزنجبار، وموريشيوس، وبومباي، وكراتشي.  ويعلل بيتر بورشايد اهتمام هذه الجماعة الإسلامية بالتأمين بالقول انها أكثر ليبرالية في إيمانها من غيرها، وتسمح بالتفسير الفردي للقرآن، وهي بذلك، خلافاً لغالبية المسلمين، لم ترى في تسديد شركات التأمين للفوائد سبباً لرفض التأمين.  [المترجم]

[1] تنصب الإشارة إلى حرية العمل عبر الحدود على حرية شركات التأمين الغربية، دون الاهتمام بالتوجهات المحلية لتطوير الصناعات والخدمات الوطنية ومنا تكوين وتطوير سوق وطني للتأمين.

كما أن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لم يكن دائماً موضوعاً للتساؤل، والكتاب الحالي يعرض هذا الدور فيما يخص الخدمات التأمينية وتأسيس دولة الرفاهية الاجتماعية (ص 93-96) [المترجم]

Floods in Iraq: the role of the state and insurance

خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين

مصباح كمال

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
http://iraqieconomists.net/ar/2014/10/09/

[1] تقديم

هذه الورقة هي محاولة أولية للاقتراب من موضوع الفيضانات والسيول في العراق لفتح باب النقاش لوضع حلول تأمينية للتعويض من الخسائر والأضرار المادية الناجمة عنها تشترك فيها الدولة وقطاع التأمين. وكما سأوضح فيما بعد فإن فكرة المقالة قديمة بعض الشيء.

سيلاحظ القراء إن الاقتباسات طويلة وهذا مقصود لأنها تضم معلومات مهمة، كما أنها تؤشر إلى أن رصد ما ينشر في الصحافة العراقية يشكل مصدراً جيداً للمعلومات الآنية للمتابعة اليومية لكنها لا تغني عن البحث العلمي والاستفادة من البيانات المتوفرة في المحافظات والدوائر النوعية الاتحادية وفي الإقليم التي لم يجري الاستفادة منها في بحوث أكاديمية وتطبيقية. ولشحّة ما يكتب عن موضوع الفيضانات في العراق فإن التغطية الصحفية يظلُّ مصدراً مفيداً لتوليد بعض الأفكار وترجمتها تأمينياً رغم أن هذه التغطية لا تقدم أرقاماً وبيانات عن حجم الخسائر وأنواعها والفئات المتضررة منها.

[2] أخبار صحفية عن الفيضانات

“نشرت الإندبندنت [البريطانية] موضوعاً تحت عنوان “أمطار الرعب في العراق”… وتصف الجريدة الأوضاع السيئة في بعض القرى والمدن العراقية حيث كونت الأمطار مستنقعات في الشوارع وأثارت حالة استياء بين المزارعين … وتقول الجريدة إن كثافة الأمطار التي هطلت على مناطق وسط وجنوب العراق وشمال شرق المملكة العربية السعودية غير مسبوقة موضحة أنها أزاحت أمامها منازل ومبان ومنشآت وجرفت طرقاً وسيارات.

وتقول الجريدة إن العراقيين البسطاء في مدينة النجف جنوب العراق لم يكن أمامهم فرصة كبيرة للنجاة من الأمطار دون خسائر حيث جاءت السلطات في وقت متأخر وطالبتهم بترك منازلهم والرحيل. ورغم ذلك فإن سيدة وأبناءها الثلاثة غرقوا داخل منزلهم ولم يتمكنوا من الفرار.

وفي قرى أخرى يؤكد المزارعون إن قطعاناً كاملة من الماشية قد جرفتها السيول ولا يعرفون عنها شيئاً ويقول مختار أحد القرى “عشت هنا منذ عام 1973 ولم أر شيئا كهذا من قبل”.

ويقول المواطنون العراقيون الذين دمرت منازلهم إنهم لم يتلقوا شيئا من الحكومة ويعانون من الجوع والبرد بينما يلقي رئيس الوزراء نوري المالكي باللائمة على المعارضين السياسيين الذين خربوا على حد قوله أنظمة الصرف الصحي في العاصمة ما تسبب في السيول التي اجتاحت بغداد.

ويقول خبراء إن أنظمة الصرف الصحي وبعض السدود قد تكلفت ما يزيد على 7 مليارات دولار منذ عام 2003 لكنها أنظمة مشلولة تماماً ولا تعمل بسبب ما يقولون إنه “فساد حكومي””.

رأي اليوم، 28 تشرين الثاني 2013
http://www.raialyoum.com/?p=25834

++++++++++

“طالب نائب محافظ الديوانية مجلس النواب، الخميس، بزيادة التخصيصات المالية المخصصة للطوارئ للعام المقبل 2014 بعد ما وصفه بـ “اخفاق” الحكومة بتعويض المتضررين والمنكوبين.

وقال … ان “على أعضاء مجلس النواب زيادة تخصيصات الطوارئ ضمن موازنة عام 2014 التي قدمها مجلس الوزراء للبرلمان هذا الأسبوع وإعطائها للمحافظات وحسب النسب السكانية بهدف تحقيق أهدافها في إغاثة المواطنين في حالات الكوارث الطبيعية”. وأضاف “ان دعوتنا جاءت للبرلمان بعد إخفاق الحكومة في تعويض المتضررين من الأمطار والسيول في مطلع العام الجاري ولغاية الآن لم تصل الأموال للمتضررين في المحافظة رغم اكتمال كافة الإجراءات الأصولية”، مردفا “وتكرر فشلها في توفير الأموال المخصصة للكوارث الطبيعية والطارئة في موازنة 2013 بعد كارثة الأمطار الشهر الماضي”.”

أصوات العراق، 12 كانون الأول 2013

++++++++++

“أعلنت محافظة صلاح الدين، الأربعاء، اعتبار منطقة المسحك شمال تكريت “منكوبة” بعد غرق أكثر من ألفين منزل فيها بمياه نهر دجلة بسبب الامطار ونفوق أعداد كبيرة من الأغنام، فيما أكدت أن الأجهزة الأمنية تواصل عمليات إجلاء الأسر من تلك المنطقة.”

السومرية نيوز/ صلاح الدين، 30 كانون الثاني 2013

++++++++++

“أعلنت محافظة صلاح الدين، الخميس، عن إجلاء أكثر من 3000 أسرة جراء السيول التي جرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية شرق تكريت، فيما قدرت الخسائر المادية التي سببتها تلك السيول بالمليارات.

“السيول تسببت كذلك بجرف مساحات زراعية واسعة، وإلحاق أضرار مادية بالمنازل والسيارات”، مؤكدا أن “الخسائر التي خلفتها السيول تقدر بالمليارات في عموم المحافظة”.

السومرية نيوز/ صلاح الدين، 31 كانون الثاني 2013

+++++++++

“أعلنت مديرية الدفاع المدني في كركوك، اليوم الخميس، انهيار نحو 20 منزلاً وإلحاق أضرار كبيرة بـ 50 منزلاً أخرى في أحياء متفرقة وقرى في المحافظة، جرّاء الفيضانات والإمطار التي هطلت عليها، في حين أكدت عدم تسجيل أي أصابات أو وفيات.”

المدى برس / كركوك 31 كانون الثاني 2013

+++++++++

“ألغى مجلس محافظة بغداد، تخصيصات الطوارئ للعام الجاري، لقلة الموازنة المخصصة لهذا العام، مشيراً إلى أن إلغاء هذه التخصيصات جاء بتصويت من أعضاء المجلس.”

الإعلام العراقي، 14 أذار 2014
http://www.imn.iq/news/view.39192/

هذه الأخبار الصحفية تكشف، بعبارات عمومية، الأضرار التي طالت الناس، وفي ذات الوقت تكشف عن ضعف، أو قُل فشل، الحكومة في التصدي لأخطار الفيضان، وفي توفير أموال مخصصة للطوارئ والقدرة على صرفها بانتظام، وفي تعويض المتضررين دون تلكؤ.

[3] الموقف الرسمي من الفيضانات

لم تصدر الحكومة بياناً رسمياً لتطمين الناس بأنها ستقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لحمايتهم وأموالهم من الفيضان. واعتماداً على ما تنشره الصحافة ليست هناك إرشادات رسمية مدروسة للتعامل مع أخطار الفيضان. وتكتفي الحكومة برصد احتياطي طوارئ في الموازنة للصرف منها، بدون انتظام، على المتضررين من كوارث الطبيعة أو العمليات العسكرية. وليس لدى المؤسسات الرسمية المعنية استعدادات جاهزة للتعامل مع أخطار الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى. وقد لا نكون مبالغين بالإشارة إلى غياب إدارة حقيقية للأخطار على المستوى المادي والتمويلي لوسائل الحماية.

نقرأ التالي في مشروع قانون موازنة 2014:

“يخصص مبلغ مقداره (150000000) ألف دينار (مائة وخمسون مليار دينار) احتياطي الطوارئ ضمن اعتمادات المصروفات الاخرى لموازنة وزارة المالية الاتحادية من أصل التخصيصات الواردة بالبند (اولا ـ ب) المشار اليها اعلاه.”

الفصل الثاني من نص مشروع قانون موازنة 2014 المرسل الى البرلمان
جريدة الصباح
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=62527

ثم نقرأ ما قرره مجلس الوزراء:

“وأوعز المجلس بإعادة تخصيص المبالغ اللازمة لتعويض المتضررين من جراء هطول الامطار في محافظة بغداد والبالغ عددهم 20 ألف معاملة ضمن موازنة عام 2015.”

قرارات مجلس الوزراء للجلسة رقم 2 يوم الثلاثاء الموافق 16 ايلول 2014

وهكذا يبدو الموقف الرسمي محصوراً في تعويض المتضررين. والأمل معقود على تنفيذ المشاريع الهندسية القادرة على التعامل مع أخطار الفيضانات والسيول عند وقوعها، للحد من آثارها الاقتصادية والبيئية. ونعني بهذا التوسع في بناء مجاري التصريف، وكذلك تطوير نظام الإنذار المبكر لمساعدة الناس والمنشآت الصناعية والتجارية للتحوط من الفيضان، وهذه من وظيفة الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي.

[4] مشروع تكوين قاعدة بيانات إحصائية للفيضانات

ترجع فكرة هذه المقالة إلى رسالة وجهتها بتاريخ 1 شباط 2013 إلى المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية ذكرت فيها الآتي:

“تعرضت بعض مناطق العراق الجنوبية إلى هزات أرضية )زلازل صغيرة لم تصل، إن لم تخني الذاكرة، إلى 5 درجات حسب مقياس ريختر) خلال العام الماضي، وتتعرض هذه الأيام مناطق عديدة، بما فيها بغداد، إلى السيول والفيضانات. حسب المعلومات القليلة التي اطلعت عليها فإن الهزات الأرضية لم تحدث أضراراً بشرية أو مادية في حين أن السيول والفيضانات قد أدت إلى خسائر مادية للممتلكات لا يعرف حجمها وربما لم يجري تقديرها … وليس معروفاً إن كانت بعض هذه الممتلكات مؤمن عليها وأصبحت أضرارها موضوعاً للتعويض (insured losses). ومهما يكن الأمر فهناك خسائر اقتصادية (خسائر غير مؤمن عليها economic losses) لو جرى البحث فيها لأمكن لشركات التأمين التفكير بتوفير أشكال من الحماية التأمينية لها وتعظيم إيراداتها الاكتتابية، وكذلك توسيع دور التأمين في الاقتصاد والمجتمع.

هذا الموضوع يشغل بالي منذ سنوات لكنني لا أتوفر على البيانات الإحصائية للكتابة بشأنها. أعرف أن الزميل المهندس سمير شمعان كتب دراسة في أوائل سبعينيات القرن الماضي عن أخطار الفيضان في العراق عندما كان يعمل في شركة إعادة التأمين العراقية (لا أتوفر على نسخة من هذه الدراسة). ومنذ ذلك الوقت لم يُكتب عن موضوع الفيضانات والزلازل رغم حضور هذين الخطرين بدرجات متفاوتة في انحاء مختلفة من العراق.

أود أن اقترح على الجمعية القيام بمهمة رصد ما ينشر عن مثل هذه الظواهر الطبيعية لتكوين قاعدة بيانات مبوبة تستفيد منها شركات التأمين والباحثين. وهي ستكون، كذلك، مادة مفيدة لأغراض التفاوض مع معيدي التأمين. ولعل الجمعية تستطيع التوسع في هذا العمل من خلال التنسيق مع هيئات الإرصاد للاستفادة من البيانات التي افترض توفرها لديها. مثل هذا العمل سيعزز مكانة الجمعية.”

وقد شَكَرنا المدير المفوض للجمعية لاهتمامنا وإلفات نظر الجمعية إلى أهمية هذا الموضوع، وأن الجمعية ستجهد ضمن الإمكانيات المتاحة لتوفير إحصائيات شاملة للموضوع الذي أثرته.

من المؤسف حقاً أن لا تتوفر إحصائيات عن الخسائر المادية المباشرة المترتبة على الكوارث الطبيعية (الجفاف، الفيضان، الحالوب، الزلازل) المؤمن عليها أو غير المؤمن عليها والخسائر المالية التبعية (خسارة الدخل نتيجة لتوقف الإنتاج). وحتى قطاع التأمين لم يأخذ على عاتقه بعد رصد الكوارث الطبيعية المعلن عنها في أجهزة الإعلام وغيرها من المصادر الرسمية التي لم نتعرف عليها، أعني الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي.

[5] بعض الآثار الاقتصادية للفيضانات

نقص دراسة آثار الفيضانات والسيول في العراق
المقتطفات الصحفية تذكر بعض الأضرار الاقتصادية للفيضانات ومنها: جرف الطرق والسيارات، نفوق الأغنام والمواشي، تدمير منازل، جرف مساحات من الأراضي الزراعية، إجلاء الأسر من مناطق سكناهم وغيرها. ومما يؤسف له عدم وجود تقديرات عن حجم هذه الأضرار المادية المباشرة. هناك أضرار أخرى، غير مباشرة، تتمثل بوقت العمل الضائع، وبخسارة الدخل (بسبب توقف الأعمال عقب الفيضان) لبعض الفئات المتضررة. كل هذا يُشكّل هدراً اقتصادياً يستدعي دراسة كمية.

ليست هناك إحصائيات رسمية أو سجل للفيضانات في العراق تفصل فيها المساكن والمحلات التجارية والمعامل وغيرها المتضررة بالفيضان. والانطباع العام هو ان الكوارث الطبيعية في العراق تبدو صغيرة في حجمها وآثارها مقارنة بمثيلاتها في دول أخرى. فهي لا تُصنّف ككوارث كبيرة عند مقارنتها مع ما يحدث في دول أخرى (تايلند، بعض الدول الأوروبية، الولايات المتحدة).

الآثار المباشرة وغير المباشرة
تجمع الدراسات على أن الفيضانات تترك آثاراً على البيئة والاقتصاد والناس. فقد تؤدي الفيضانات إلى جرف مواد كيمياوية خطرة إلى الأنهار والمسطحات المائية مما يؤدي إلى تلويثها. وقد تغير الفيضانات توازن النظام البيئي (الإيكولوجي( (ecosystem): نفوق الحيوانات وظهور الحشرات في المناطق المتضررة.

كما تؤدي الفيضانات في بعض الأحيان إلى وفاة الناس، وإصابة البعض الآخر، واضطرارهم إلى هجر مساكنهم. وقد تؤدي إلى انقطاع الكهرباء ومياه الشفة. وتخلق شروطاً مناسبة للأمراض وعدوى الانتقال.

ويمكن النظر إلى الفيضانات من حيث آثارها المباشرة المتمثلة بالوفيات، وتضرر السيارات والمساكن والمباني والمنشآت الأخرى كالجسور، انظمة الصرف الصحي، الطرق، القنوات (وعرقلة تعبئة الموارد لمكافحة آثار الفيضان)، تضرر خطوط نقل القدرة الكهربائية (سقوط الأبراج) وبالتالي خسارة الطاقة لمعالجة مياه الشرب، أو تلوث هذه المياه، والتسبب بالأمراض (الكوليرا والتيفوئيد وغيرها)، انغمار الأراضي الزراعية مما يتسبب بعدم القدرة على الحصاد والغرس، وتضرر السيارات.

ومن الآثار غير المباشرة كلفة إعادة البناء، والنقص في عرض المواد الغذائية نتيجة لتدمير المحاصيل، والآثار النفسية على المتضررين (الوفاة، الأضرار البدنية، فقدان الممتلكات)، زيادة الرطوبة في البيوت (قد تؤدي إلى مشاكل في التنفس).

يضاف إلى ذلك أن الفيضانات تستدعي تعبئة موارد مختلفة لإسعاف الناس والمناطق المنكوبة. كما أن ما يدمر يحتاج إلى وقت للتصليح قد يمتد لفترة طويلة حسب نوع الضرر.

أثر إيجابي
لا نعدم أن نجد أثراً إيجابياً للفيضانات (وبخاصة الفيضانات المتكررة والصغيرة غير المدمرة) في المناطق السهلية (plains) والأراضي الزراعية إذ أن مياه الفيضان تحمل معها مغذيات (nutrients) تستقر في السهول وهذه مفيدة لزراعة محاصيل معينة. ويمكن أيضا أن تعمل على إعادة شحن المياه الجوفية، وعلى توفير موارد مائية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة حيث يكون توزيع هطول الأمطار غير متساو على مدار العام.

[6] دراسة حلول تأمينية لخطر الفيضان

التأمين التجاري المتوفر في الوقت الحاضر
بعض وثائق التأمين المعتمدة في العراق تغطي خطر الفيضان ومنها: وثيقة التأمين الهندسي (وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين، ووثيقة تأمين كافة أخطار النصب، ووثيقة عطب المكائن فيما يخص المكائن الموجودة في الأماكن المفتوحة)، وثيقة التأمين الزراعي المركبة، وثيقة الحريق (بعد توسيع غطاءها بملحق التأمين على الفيضان إذ أن الوثيقة النموذجية الأساسية توفر تأميناً من أخطار الحريق والصواعق فقط)، وثيقة كافة الأخطار للممتلكات. لكن هذه التغطيات محصورة بفئات محددة لها القدرة المالية على شراء وثيقة تأمين في حين أن الجمهور الواسع من الناس لا يمتلك موارد مالية كافية للإقدام على شراء الحماية التأمينية.

كتبت في هامش على ورقة الزميل عبد القادر فاضل، المذكورة أعلاه، تعليقاً اقتبس منه الآتي:

“اقترحت على السيد صادق الخفاجي، رئيس جمعية شركات التأمين العراقية، والسيد فلاح حسن، المدير المفوض للجمعية، أوائل أيار 2013 دراسة موضوع تكوين صندوق من قبل شركات التأمين وبعض المؤسسات الرسمية لتعويض المتضررين من الكوارث الطبيعية. وقد كتب لي السيد صادق الخفاجي بأن مشروع الصندوق يلقى العناية وربما يستفاد من تجربة الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب في تشكيله وإدارته.

كما كتب لي السيد فلاح حسن بأنه سعى إلى تأسيس مُجمّع يغطي الكوارث الطبيعية، وعمم طلباً بهذا الشأن على كافة اعضاء الجمعية (شركات التأمين العاملة في العراق) إلا انه لم يحصل على موافقة الاعضاء على تأسيس هذا المجمع سوى موافقة شركتين. وأعلمني أيضاً بأنه طلب في وقت سابق من هذا العام [2013] من وزارة الموارد المائية تزويد الجمعية بخارطة تبين أو تحدد المناطق الأكثر تعرضاً للسيول والفيضانات في العراق، لكنه لم يستلم أي رد من الوزارة!

وأضاف انه رغم ذلك سيستمر في بحث موضوع تأسيس مجمع يغطي الكوارث الطبيعية واستحصال موافقة الشركات على تأسيسه. وفي حالة موافقة الاعضاء سيقوم بمخاطبة الجهات المعنية، من الوزارات ومجالس المحافظات، للتنسيق بشأن تمويل مثل هذا الصندوق وكيفية تشغيله.”

ولا يزال موضوع المجمع معلقاً.

محدودية دور الدولة الحالي
ليس للدولة، في الوقت الحاضر، دور في توفير نظام للتأمين من الفيضان كتأسيس صندوق تأمين لا يستهدف الربح، أو صندوق تشارك فيه الدولة وشركات التأمين، أو قيام الدولة بتقديم الإعانة لشراء التأمين لمن تتعرض أموالهم لخطر الفيضان. دورها الحالي يقتصر على تعويض المتضررين من خلال ما يخصص للطوارئ في الموازنة العامة. فعلى سبيل المثال، فإن قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2013 أفرد مبلغ (500) مليار دينار كتخصيصات اضافية لاحتياطي الطوارئ ولمتضرري الفيضانات والكوارث الطبيعية وخوّل مجلس الوزراء صرفها عند الحاجة دون تقديمها في موازنة تكميلية لمجلس النواب.

الجمع بين دور الدولة وشركات التأمين: مقتربات لتوفير الحماية التأمينية من أخطار الفيضان

يميز بعض الباحثين بين نموذجين للتعامل مع تأمين خطر الفيضان. نموذج التأمين الفردي الذي عادة ما تقوم به أسواق التأمين التجارية المفتوحة بموجب عقد مع المشتري الفرد. ويعتمد مستوى غطاء التأمين في هذا النموذج على القدرة المالية للفرد وما يستطيع شرائه من غطاء. وبفضل طبيعته فإن هذا التأمين يكون طوعياً إذ أن طالب التأمين له حرية تحديد حجم الغطاء التأميني الذي يرغب به ويستطيع شراؤه.

وهناك النموذج التأميني التضامني وهو ما تقوم به أو يجب أن تقوم به الدولة. وهنا يكون مستوى الغطاء التأميني مستقلاً عن القدرة المالية للأفراد لتسديد قسط شراء الحماية التأمينية وبفضل طبيعته فإن الفرد لا يحدد مستوى الحماية المرغوبة فهو نظام يقوم على المساواة ومتاحاً للجميع، وهو بهذه الصفة يشبه نظام التأمين الصحي التي توفره الدولة في المملكة المتحدة.

في بريطانيا، هناك مشروع لفرض مبلغ قدره 10.50 عشر باونات وخمسين بنساً على أقساط جميع وثائق تأمين المساكن سواء في المناطق المعرضة لخطر الفيضان أو المناطق التي لا يشكل فيها الفيضان خطراً ملحوظاً، تسدد لمجمع تأميني مختص لا يستهدف تحقيق ربح (Flood Re) يبدأ العمل به في العام القادم. هذا النوع من الجباية يقوم على مبدأ تضامني هو الدعم المتبادل cross subsidization بين فئات المجتمع المختلفة، وبالتخصيص تقديم إعانة لقسط تأمين حوالي 500 ألف مسكن في المناطق الأشد تعرضاً للفيضان. وهناك محاولات مماثلة في ألمانيا وهولندا لإلزام المالكين للتأمين ضد خطر الفيضان وأخطار الطبيعة الأخرى، وربما في دول أوروبية أخرى لم يتسنى لنا بحثها، وذلك لتوزيع كلفة تغطية هذه الأخطار.

وتشترط حكومة الولايات المتحدة منذ عدة عقود تأمين الفيضان، خاصة في المناطق المعرضة للفيضان.

اشتراك المؤمن لهم وشركات التأمين والدولة في مجابهة خطر الفيضان
حددت دراسة تأمينية حديثة عن خطر الكوارث موقفاً يقوم على التشارك في الخطر وفي وسائل التخفيف من آثاره، من خلال ربط ودمج دور كل من المؤمن لهم (المتضررون الأصليون)، وصناعة التأمين (الممولة التجارية للتعويض عن الخسائر والأضرار) والدولة (الملاذ الأخير لتحمل الأعباء المالية المترتبة على خطر الكوارث).

فالمؤمن لهم مسؤولون عن:

 شراء الغطاء التأميني.
 القيام بتنفيذ وسائل الحماية والصيانة ضد خطر الفيضان.
 إدارة الخطر المتكاملة.
 ولهم حق الحصول على المعلومات.

صناعة التأمين (التأمين المباشر وإعادة التأمين) مسؤولة عن:

 تقديم حلول تأمينية توازن بين الحاجات التأمينية وفي نفس الوقت إدارة محفظة تامين الفيضان بتحوط/باحتراس بحيث تستطيع شركة التأمين تلبية جميع المطالبات بالتعويض من أضرار الفيضان في الوقت المناسب.
 الحفاظ على تنظيم كفوء لإدارة العمل
 إدارة خطر متكاملة
 تعزيز الوعي بأخطار الكوارث واستنباط الدروس منها، وتبادل المعلومات التفصيلية الخاصة بالخسائر لتحسين التقييم الاكتتابي لأخطار الكوارث

أما الدولة، فتكون مسؤولة عن:

 إدارة المخاطر المتكاملة.
 وضع القواعد التوجيهية.
 الاهتمام بتأسيس وإدامة تدابير الحماية من الكوارث.
 تخطيط استخدام الأراضي بشكل مناسب.
 تحديد موارد مخصصة للتدخلات والأنشطة ذات العلاقة والطوارئ.
 تحسين مستوى الوعي بأخطار الكوارث.
 وتحديد الإطار القانوني للتأمين.

تنطوي حزمة الإجراءات هذه، في الإطار العراقي، على بعد اقتصادي، طبقي، يفترض توفر الإمكانية المالية للمعرضين لخطر الفيضان لشراء الحماية التأمينية المناسبة. الانطباع السائد هو أن أكثر الناس تضرراً من الفيضان هم الفئات الفقيرة والمهمشة. مثل هؤلاء لا يملكون ما يكفي من الدخل النقدي لشراء أي شكل من أشكال الحماية التأمينية. وبالنسبة للفئات الاجتماعية الأخرى، التي تتوفر على دخل صغير لكنه مستمر، فإنها تميل إلى الانفاق على المقتنيات المادية، ولا يظهر التأمين في سلم أولياتهم. ولذلك لا مناص لتدخل الدولة بالتعاون مع قطاع التأمين لإيجاد حلول اقتصادية تعتمد مبادئ التضامن الاجتماعي.

أما ما يتعلق بدور قطاع التأمين في العراق، فأنا على قناعة بأن الإمكانيات الأساسية، على قلتها، متوفرة محلياً ويمكن تطويرها بالتعاون مع أطراف أخرى خارج القطاع للبدء بتطبيق فعلي للإجراءات المذكورة أعلاه. وقد يحتاج القطاع إلى استدراج مساعدات فنية تأمينية وحماية إعادة التأمين من خارج العراق. وتحقيق بعض هذه الإجراءات يقع على عاتق جمعية التأمين العراقية. ومن المفيد جداً دراسة نماذج التعامل مع أخطار الفيضان في دول أخرى.

بالإضافة إلى الحلول التأمينية المتاحة تجارياً يتعين على مؤسسات الدولة المعنية تعبئة بعض الموارد لإدارة أخطار الفيضانات (وهذه مسألة هندسية ولوجستية كبناء مجاري لتصريف مياه الأمطار والسيول) ولا تكتفي بتعويض المتضررين وقت الاستحقاق من احتياطي الطوارئ في الموازنة. وذلك لأن التعويض لا يلغي أسباب تحقق الأخطار والتسبب بالخسائر والأضرار في المستقبل.

ليست لديناً حلولاً جاهزة للتعامل الحكومي والتأميني مع اخطار الفيضان والكوارث الطبيعية الأخرى. ويتطلب التوصل إلى حلول مناسبة دراسة واقع الحال ومشاركة أطراف عديدة (تأمينية وحكومية ونقابية ومنها اتحادات الصناعيين) في الرصد والتقييم وتقديم التوصيات وصولاً إلى وضع الحلول.

لندن 24 أيلول/سبتمبر 2014

Scientific Research, Future of Insurance

البحث العلمي، مستقبل التأمين[1]

كرستوف كورباج و باتريك م. ليدتكه

ترجمة ياسر نهاد غازي عسكر

نشر هذا المقال في اقتصاديات التأمين العدد 56، تموز 2007، وهي من مطبوعات المؤسسة البحثية المعنية بالخطر واقتصاديات التأمين، المعروفة باسم جمعية جنيف The Geneva Association

Christophe Courbagé and Patrick M. Liedtke, “Scientific Research, Future of Insurance,” Insurance Economics, No. 56, July 2007.

في سنة 1973، قررت مجموعة صغيرة من المؤمِنين الأوربيين بقيادة فابيو بادوا Fabio Padoa رئيس مجموعة جنراليالايطالية (Generali group)آنذاك وبدعم من رايموند بار (Raymond Barre)تشكيل جمعية جنيف (The Geneva Association). كان هدف الجمعية في ذلك الوقت تكوين بنية هيكلية تدعو للبحث في مجالي الخطر والتأمين. لقد أدرك الأعضاء المؤسسون لجمعية جنيف قبل ثلاثين سنة مضت الدور الفاعل الذي سيلعبه التأمين وإدارة الخطر في اقتصاد السوق. وبتشكيل هذه الجمعية عبر أعضاؤها عن رغبتهم ليس فقط في المشاركة من أجل فهمٍ أفضل لتطور مجتمعاتنا بل في تحفيز الدارسين والباحثين في دراسة أنشطة التأمين أيضاً. في الوقت نفسه أتاحت لهم هذه المبادرة  تكييف الإدارات الخاصة بشركاتهم لتتماشى مع متطلبات عصرنا.

حداثة البحث في التأمين

من الجدير بالذكر انه في بداية السبعينيات كانت البحوث في إقتصاديات الخطر والتأمين لاتزال في طور التحديث. كان ينظر للتأمين كنشاط اجتماعي غير مهم، ولم تلقَ وظيفته الاقتصادية الاهتمام الكافي، والأسئلة المتعلقة به كانت تُحل على أساس الرياضيات الاكتوارية والقانون. ومع مرور الثلاثين سنة المجيدة(Trente Glorieuses) [2] وبداية نمو اقتصادي مطرد، ظهرت أهمية التأمين تدريجياً كعامل فعـّال في أي استراتيجية للتنمية الاقتصادية. فقد استطاع الباحثون من خلال دمج مبدأ عدم التأكد (uncertainty) في النظرية الاقتصادية والاستفادة من تطور النظرية المالية ونظرية اتخاذ القرار، فَهْم القضايا ذات العلاقة باقتصاديات التأمين وبإدارة الخطر، مثل: توازن التأمين في السوق، والطلب الفردي للتأمين، ومشكلة التباين في المعلومات، وبنية عقود التأمين، وتنظيم الأسواق .. الخ. في أيامنا هذه ازدادت البحوث الأكاديمية في اقتصاديات التأمين. ونجد الآن مجلات أكاديمية تأمينية متخصصة وتم نشر موسوعات في التأمين. لقد أصبح هذا المجال مادة تُدّرس في أفضل الجامعات، ويمكننا التجرؤ بالقول ان جمعية جنيف شاركت في هذا التطور.

ماذا يعني البحث العلمي؟

بالرغم من وجود المعرفة الاكاديمية والنتائج النظرية والعملية في إقتصاديات التأمين بكثرة في الوقت الحاضر فمن العدل ان نتساءل حول مدى فائدتها لقطاع التأمين. هذه التساؤلات تشير بشكل كبير إلى ضرورة البحث العلمي. فالبحث العلمي، قبل كل شيء، يلعب دوراً فاعلا في تطور الابتكار والإبداع. وبهذه الطريقة سيخدم البحث العلمي هدفين: من جهة، تطوير معرفة جديدة قائمة على اكتشاف المجهول من خلال البحوث الأساسية. ومن جهة اخرى، تطوير معرفة موجودة لتكوين نتائج جديدة من خلال البحوث التطبيقية. هذان الهدفان مكملان لبعضهما لأن البحوث الأساسية بدون تطبيقات ممكنة ستكون ذات فائدة محدودة وفي الوقت نفسه فإن البحث التطبيقي بحاجة إلى البحوث الأساسية.

وهكذا فإن قطاع التأمين يستفيد بصورة كبيرة من البحث العلمي لفهمٍ أفضلَ لآلية التأمين وعمله، حيث يمكنه [البحث العلمي] تقديمَ منتجاتٍ تعكس بدقة تقريباً الخطر المراد تحمله ويساعد في تكوين القرارات المتعلقة به من خلال تصميم نماذج (models) غاية في الدقة لتقييم الأخطار والتنبؤ بها. ويمكنه أيضاً تشخيص أخطار جديدة تكون الحاجة للحماية منها عالية. أخيراً، لا حاجة للتأكيد على العلاقة القوية بين البحث والتعليم. البحث العلمي هو استثمار للمستقبل. نحن نعلم ان دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تستطيع مع الوقت زيادة قابليتها الإنتاجية إذا قام أفراد منها بإكمال دراساتهم العليا حيث لا يمكن الاستهانة برأس المال البشري. التوجهات الديمغرافية الحالية تشير إلى نقص العاملين في مجال التأمين ويظل تدريب الأفراد في هذا القطاع يُشكّل تحديا كبيرا.

إن هذه الاعتبارات تقودنا بالتأكيد إلى أسئلة متنوعة في حيثيات تمويل البحوث. هل نستطيع خصخصة البحوث الأساسية مع الحفاظ على جعل نتائجها بمتناول الجميع؟ هل من الضروري جعل العلوم التطبيقية حكراً خاصاً بالشركات أو نرضى بإدراجها في مشاريع عامة؟ هل من الممكن إيجاد أرضية تعاون بين القطاعين العام والخاص قادرة على أن تحافظ على مصالح الشركات والمجتمع بنفس الوقت؟ يبدو أن القطاع المصرفي قد نجح في الإجابة على هذه الأسئلة من خلال تفاعله مع الوسط الأكاديمي. ومن حقنا أن نتساءل عن عدم اهتمام صناعة التأمين باقتصاديات التأمين والعلوم الاكتوارية. الجواب الأول يأتي من وجود منتجات مالية معقدة تستدعي نماذج وتقنيات جديدة لتقييم الأصول المالية. ومن غير الواضح إذا كانت الطرق الإحصائية والمنتجات التأمينية قد تعرّضت لنفس التطورات. ثانيا، استفادت البحوث في قطاع المال من مجموعة كبيرة من المعطيات لتقييم نماذجه، واختبار نتائجه وتطبيقه مباشرة من قبل العاملين فيه. لسوء الحظ مثل هذه المعطيات عن التأمين غير متوفرة، مما يؤثر على توسيع  البحث.

توجهات البحث في مجال التأمين

إن البيئة الاقتصادية الحالية تتمثل بالترابط المتزايد بين الأخطار والنشاطات مما يؤدي إلى زيادة الإحساس بالانكشاف أمام الأخطار والحاجة إلى الحماية. لذلك سيلعب التأمين دورا كبيرا في عدد من القطاعات الاقتصادية. ماهو المتوقع من البحث العلمي في حقل التأمين؟ ماهي مجالات البحوث الملائمة التي تلتقي مع الاهتمام المتزايد بقطاع التأمين مستقبلا؟ الإعتبار الأول يكون بتمييز البحث الذي نتائجه ليست محددة بالتأمين فقط، مثل البحوث المتعلقة بالابتكار، والأخطار المتعلقة بالبيئة، والديموغرافيا … الخ، مِن البحوث المتعلقة بالتأمين كما يجري تطويرها في إطار العلوم الاكتوارية واقتصاديات الخطر والتأمين. وقد حددت جمعية جنيف، من خلال برامجها البحثية، عدداً من التوجهات التي تستحق تحليلاً مكثفاً واستثماراً للبحث الأكاديمي، والتي يمكن أن توفر تطبيقات للمزيد من البحوث الأساسية. لن نقدم قائمة مسهبة هنا لكننا سنطرح بعض التوجهات التي لها الأولوية.

قطاع المال، الملاءة والمحاسبة

إن المقاربة المالية لقطاع التأمين مرت بتطورات ملحوظة من خلال قياس الملاءة والمحاسبة (solvency and accounting). وقد تم تعزيز هذه القضايا مؤخراً بالتعديلات التي أدخلت على قواعد الملاءة المصرفية (Basle II)، والاصلاحات في معايير المحاسبة الدولية (IAS) واطلاق الاصلاحات في الإطار الاوربي للتأمين (Solvency II). السؤال المهم هنا هو الفهم الأفضل لهذه المتغيرات وعواقبها لقطاع التأمين. بصورة عامة، من الضروري فهم كيفية توزيع رأس المال وإدارته في المؤسسات المالية. ومن الضروري أيضا معرفة مصادر عدم الكفاءة في المجموعات المالية. وأخيراً، فهم الابتكارات المالية الاخيرة في مجال توريق (securitization) صنوف معينة من الخطر تحتاج إلى تطوير.

القانون والمسائل الرقابية

مع التطور الحالي في تنظيم أسواق التأمين، يمكننا التساؤل عن القيمة التي أضافتها قوانين تنظيم الخدمات المالية في عالم يكون فيه عرض الخدمات وطبيعة المنتجات المالية في الغالب معقداً ومبهماً. هل هناك ضرورة لمنظم [مراقب] واحد لجميع الخدمات المالية أو وجود عدة منظمين اعتماداً على نوع الخدمة؟ هذا بدوره سيدفعنا للتساؤل حول فعالية نظام [للمراقبة] مقارنة بنظام آخر. بنفس الطريقة، كيف يمكننا أن نُقدّر الكلفة لشركة التزامها بالقوانين التنظيمية غير متكامل ومساعدة صناع القرار [في مثل هذه الشركات] لكي يفهموا بشكل أفضل عواقب اختيارهم؟ من وجهة نظر قانونية، فإن قضايا المسؤولية لاتزال في الواجهة، وتحديداً في القطاعات الطبية والبيئية حيث أسعار التغطية التأمينية لأخطار المسؤولية قد تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة. إن خطر المسؤولية حالة خاصة من حيث المبدأ إذ أن الفترة بين تحديد الخطر ودفع التعويض عن الضرر غالباً ما تكون  طويلة. مثل هذه العقود الطبية والبيئية تمر بدورات مهمة مما يجعل من تقدير الخسائر مسألة حساسة جدا.

الشيخوخة، التقاعد والتأمين الصحي

تبين الاتجاهات الديموغرافية الجديدة ظهور تغيرات جوهرية من حيث ادارة المخاطر المتعلقة بالحياة. كيف يمكننا تغطية هكذا خطر؟ من الضروري استيعاب القرارات الاستهلاكية خلال فترة حياة الفرد وبذلك يتم تقليل العبء على افراد المجتمع الذين قد يتخذون خيارات خاطئة وباهظة الثمن. هذا بدوره يتطلب فهماً افضلَ للعواقب المتأتية من رسملة أكبر لأنظمة الحماية الاجتماعية. كيف يمكن تصميم الآليات الخاصة والعامة لتمويل الأنظمة الصحية لدعم الابتكار (بدون توليد نفقات اضافية)، وتحسين نوعية العناية وتقليل الأخطاء الطبية؟ من المهم أيضاً أن نفهم بشكل أفضل المؤثرات الديموغرافية على الأنظمة الصحية، من حيث تدريب الكادر الطبي، وأنواع الرعاية الصحية، وتوزيع وتمويل العناية. أخيراً، هذه الاتجاهات الديموغرافية يجب أن تعزز التفاعل بين الأنظمة التقاعدية والصحية مما يحتاج إلى وقفة عالمية.

إدارة الخطر

مع ازدياد الترابط بين النشاطات البشرية، أصبحت الأخطار مرتبطة ببعضها أكثر فأكثر مثل أحجار الدومينو. كيف يمكننا قولبة [وضع نموذج] وقياس وإدارة هذه الأخطار؟ ما هي الصعوبات النظرية والعملية؟ إن الأخطار التشغيلية مثالٌ واضحٌ وتحتاج إلى معالجة خاصة من قبل المؤسسات المالية وغير المالية. وإذا كانت طرق إدارة الخطر الحالية غير مثالية، يجب التفكير في الاستفادة من النظريات والمناهج والممارسات المعتمدة في فروع المعرفة الأخرى في هذا المجال. هل سنستفيد من سبر مجالات أخرى مثل علم المناخ، علم الاجتماع، علم الانسان (الأنثروبولوجيا) والهندسة العالية؟ أخيراً، يمكننا التساؤل عن امكانية إدارة خطر المؤسسة [المشروع، الشركة] Enterprise Risk Management بشكل تطبيقي ليتم استخدامه بشكل مباشر من قبل الشركات أو الافراد.

القابلية التأمينية والمزج بين القطاعين العام والخاص

هذا الموضوع [القابلية التأمينية أو التأمينية اختصاراً insurability][3] هو من كلاسيكيات اقتصاد التأمين الذي ارتبط مع أول دراسة قام بها برلينر Berliner(1982) حول مفهوم القابلية التأمينية. وتظل هذه الدراسة دائماً أساسية وتثير الكثير من الأسئلة المهمة مثل: كيف يمكن تكوين إطار نظري ووضع مجموعة من المبادئ تشمل القطاعين العام والخاص لأغراض توزيع الخطر؟ كيف يمكن أيضاً تعويض الضحايا من الأضرار الناتجة عن الأخطار طويلة الأمد مثل التعرض للمواد السامة والخطرة؟ كيف يمكن تحسين آلية إدارة الخطر المرتبط بالأحداث الطبيعية والارهاب وغيرها من الأخطار الكارثية؟

الخاتمة

هذا المقال المختصر بـيّن أهمية البحث العلمي لقطاع التأمين، ليس فقط لكون البحث حيوياً لتحفيز الباحثين للعمل على مواضيع متعلقة بالتأمين بل تقديم الوسائل للقيام بذلك. ان التخصيص الحديث لمقاعد اكاديمية لدراسة الخطر في الجامعات الفرنسية ومراكز البحوث الممولة من قبل شركات التأمين هي خطوة مهمة في هذا الاتجاه، وهي علامة قوية على اهتمام صناعة التأمين يعكس صورة طويلة الأمد على أهمية دور ووظيفة التأمين وإدارة الخطر في الاقتصاد. وعطفاً على ما تقدم فإن جمعية جنيف تدعم هكذا مبادرات وتنوي ان تصبح أحد المشاركين الأساسيين فيها. ويجب ان لا ننسى أن عملية خلق الأفكار وتوزيع المعرفة في مجال التأمين كان من الأهداف الأساسية لمؤسسي الجمعية.

المصادر

Berliner, B., Limits of Insurability of Risks, Englewoods Cliffs, 1982.

Dionne, G. (Ed); Handbook of Insurance, Kluwer Academics Publishers, 2000.

Liedtke, P. (Ed); Ventures in Insurance Economics and Strategy, Blackwell Publishing, 2003.

Liedtke, P. et Courbage, C. (Eds); Insurance and September 11 – One Year After, PWS Publishing, 2002.

Loubergé, H.; “Risk and insurance economics – 25 years after”, The Geneva Papers on Risk and Insurance – Issues and Practices, no 89, 1998, p. 540-567.

Authors: Christophe Courbage and Patrick M. Liedtke are respectively Head of Research Programme andSecretary General and Managing Director of The Geneva Association.

تمت الترجمة في 9 نيسان/أبريل 2014

[1]هذا النص هو نسخة مختصرة من مقالة منشورة في Risques – Les cahiers de l’assurance, vol 69, 2007, pp. 111-115

[2]وهي السنوات الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى عام 1975 (المحرر).

[3]للتعريف بالتأمينية من منظور تاريخي أنظر: جيفري كلارك، “وجهة نظر تاريخية عن التأمينية”، نص مترجم في كتاب مصباح كمال، مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية (مصباح كمال: مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 60-76.

في تقديمه لترجمة هذه الدراسة ذكر المترجم أنه “ليس لنا في اللغة العربية مقابل واضح وسهل للمفردة الإنجليزية (insurability) ولذلك استخدمنا كلمة “التأمينيّة” (بدلاً من قابلية الخطر للتأمين من عدمه) كمصدر صناعي (ياء مُشددة وتاء تأنيث في آخر الكلمة).  والقارئ اللبيب يعرف كيف يُفرّق بين استعمال هذه المفردة حسب السياق الذي ترد فيه كمصدر صناعي وكأسم منسوب (صفة) كما في قولنا الحماية التأمينية.  وأتمنى على من هو ضليع باللغة العربية أن يُسعفنا في بيان صحة هذا الاستخدام أو تقديم بديل مناسب.” ص 60-61 (المحرر)