Monthly Archives: سبتمبر 2020

ذاكرة التأمين العربي-حوارات-الجزء الثاني

التعريف بكتاب تأميني جديد:

ذاكرة التأمين العربي-حوارات-الجزء الثاني

صدر عن دار منتدى المعارف – بيروت كتاب جديد للمجتهدين تيسير التريكي ومصباح كمال بعنوان ذاكرة التأمين العربي- حوارات، الجزء الثاني.

يقدم هذا الكتاب حوارات أجراها التريكي وكمال مع مجموعة من مخضرمي صناعة التأمين.  من ليبيا، يحاوران المخضرم إبراهيم فلفل الذي ارتبط اسمه بشركة المختار للتأمين وشركة الصحارى (قبل التأميم) وبعد إعادة إحياءها في أعقاب فتح سوق التأمين الليبي أمام القطاع الخاص.

ومن الأردن يحاور الكاتبان أحمد محمد الصباغ الذي يجمع بين المعرفة التأمينية الفنية والمعرفة العميقة بآليات التأمين الإسلامي وله فيها مصنفات مهمة.

ومن تونس هناك توفيق ادريس صاحب التاريخ الطويل في صناعة التأمين التونسية والحضور في منتديات التأمين العربية.

ومن لبنان كان لهما حوار شيق مع جورج زينة الذي ابتدأ حياته بالعمل في شركة تأمين ثم عمل في مناصب قيادية في شركات إعادة التأمين قبل أن ينتقل إلى مجال الوساطة في إعادة التأمين ليكون واحدًا من أبرز العاملين في هذا الحقل.

وفي مصر يلتقيان بـ حسن حافظ الذي بدأ عمله التأميني في مصر وعمل في سوق التأمين الليبي حيث ترك أثرًا طيبًا لدى الشباب الذي عمل معه.

وأخيرًا، كان للتريكي وكمال حوار مع فريد لطفي الذي عمل في أكثر من سوق تأميني خليجي ليمارس بعد ذلك دوره في العمل الجماعي التنظيمي لشركات التأمين في دولة الإمارات العربية المتحدة.  وكان لهما حوار متميز مع وليد الجشي، رئيس مجلس إدارة مجموعة المعاينون العرب في دولة الإمارات العربية حيث نطل على مكانة المعاينون العرب في حقل تسوية الخسائر.

إن مجموعة المحاورين (بفتح الواو) قد لعبوا أدوارهم المشهودة في مجال التأمين والوساطة وتسوية الخسائر في أسواقهم الوطنية وفي بعض الأسواق العربية لعدة عقود خلت ومعظمهم ما يزال ناشطًا في العمل.

وكما ذكر الكاتبان عند التعريف بالجزء الأول من ذاكرة التأمين العربي فإن قراءة الحوارات تؤشر إلى اهتمام المحاورين (بكسر الواو) بتاريخ تلك العقود التي بات يفصلنا عنها ما يربو على نصف قرن.  غير أن التريكي وكمال لم يضعا نصب أعينهما توفير منبر لكتابة تاريخ تلك الحقبة التأمينية.  ان التاريخ الذي يحاول الكاتبان ارتياده من خلال الحوارات مع مخضرمي صناعة التأمين العربية ما هو إلا تاريخ الفترة التي ابتدأت فيها شركات ومؤسسات التأمين العربية الوطنية بالظهور في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، مع الإقرار بوجود استثناءات محدودة، لتكوين ما يسميانه لمحة عن تاريخ التأمين في الحقبة آنفة الذكر.  لم يلجأ الكاتبان إلى الغوص في الوثائق والارشيفات العائدة لصناعة التأمين، بل آثرا أن ينقّبا عن المعلومة في ذاكرات نَفَر من رجال التأمين الذين عاصروا مرحلة تأسيس التأمين الوطني.

الكاتبان قريبان زمنياً إلى حدٍ ما من المرحلة التأسيسية التي يسعيان إلى الكشف عن النقاط المضيئة فيها.  فهما عملا في قطاع التأمين في سبعينيات القرن الماضي.  ويبدو أن ما يطرحانه من أسئلة تدفع باتجاه إسباغ نوع من التبجيل لتلك الفكرة.

أول المستهدفين بالكتاب هم جيل الشباب الذين يتولون مقاليد الأمور راهنا في قطاع التأمين العربي.  ذلك أن هذا الجيل قد لا يعرف كثيراً عن المرحلة التأسيسية لصناعة التأمين العربية وعن الشخصيات التي لعبت أدوارًا كبيرة في تلك المرحلة.  ومرد هذا النقص المعرفي في الأساس هو غياب الدراسات التاريخية عن التأمين.

يمكن أن ينظر إلى الكتاب على أنه محاولة للحفاظ على ذاكرة صناعة التأمين العربية ببناء جسر بين مرحلة التأسيس والتجربة المعاصرة الحية.  وهو فضلاً عن ذلك إشادة بجهود وتضحيات نَفَر من رجالات التأمين العرب الذين أعطوا عطاء وفيراً في ظروف صعبة بل ومريرة أحياناً، كما هو تذكير للمعاصرين بأن لمهنتهم تاريخ فيه ما يستحق العناية والدراسة كما هو تاريخ، في بعض وجوهه، يعتبر مصدرًا للاعتزاز لا بل وللإلهام.

لا يقف التريكي وكمال عند الأحياء من رجالات ذلك الزمن البعيد بل يمضيان إلى استذكار نَفَر من رجالات مرحلة التأسيس أو القريبين منها الذين لم يعودوا بيننا.  ويستذكران في هذا الجزء من ذاكرة التأمين العربي-حوارات: أحمد شكري الحكيم، أحمد عنان، أنطوان زخور، بديع أحمد السيفي، جان شدياق، جميل حجار، سابا نادر، علي نور الدين العنيزي، مؤيد الصفار، مع نبذة عن كل واحد منهم.  ومن باب الوفاء والاحترام لهؤلاء الراحلين فهما يهديان الكتاب لذكراهم العطرة.

هذا هو الجزء الثاني من الكتاب، ومن المؤمل أن يصدر الجزء الثالث في السنة القادمة.

أيلول/سبتمبر 2020

يمكن الحصول على كتاب ذاكرة التأمين العربي من الناشر مباشرة على العنوان التالي:

منتدى المعارف

بناية “طبارة” – شارع نجيب العرداتي – المنارة – رأس بيروت

ص. ب. 7494-113 حمرا – بيروت 11032030 – لبنان

بريد إلكتروني info@almaarefforum.com.lb

Texts on Insurance by Iraqi Religious Scholars

نصوص لبعض رجال التأمين العراقيين حول التأمين

مصباح كمال

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

مقدمة

(1)

أثناء بحثي لموقف آية الله السيستاني من التأمين[1] تعرّفت على بعض النصوص القصيرة لعدد من رجال الدين العراقيين حول التأمين.  وهذا ما أثار عندي مجدداً موضوع غياب دراسة تاريخ التأمين وتطور المواقف من مؤسسة التأمين في العراق.  إن مثل هذه الدراسة قد تفيد في الإجابة على سؤال: هل لدينا مواقف فكرية معينة تجاه هذه المؤسسة؟  ويفيد أيضاً في توفير أرضية لدراسة تأثير هذه المواقف على صناعة التأمين العراقية سلباً وإيجاباً.  وأعني بهذا دور هذه المواقف في تشكيل النظرة العامة ذات الأثر الشعبي تجاه مؤسسة التأمين.

ويأتي هذا المقال القصير، وبالأحرى المذكرة note، كمحاولة أولية لتقديم نصوص الكتابات الدينية العراقية هذه، وهي نصوص غير مكتملة لأن مؤلفي الكتاب، الذي يضم هذه النصوص التي اقتبستها منه، عمدوا إلى تلخيص أفكار أصحابها وليس النقل الحرفي لها.  كما أنهم لم يذكروا المصادر التي استقوا منها هذه النصوص وتاريخها.  آمل أن يأخذ الباحثون على عاتقهم مهمة الكشف عن هذه المصادر والعمل على دراستها نقدياً وتقديم استنتاجاتهم للقراء.

(2)

لأن الهدف من المقال هو مجرد تقديم هذه النصوص الدينية للقراء، وخاصة الذين لم يتعرفوا عليها سابقًا، فإنني لن أقوم بتحليلها وتقييمها، وأكتفي بالإشارة السريعة إلى أن أصحاب هذه النصوص بعيدين عن آليات عمل التأمين الحديث، مثلما هم بعيدين عن الوظيفة الاستثمارية للنشاط التأميني ومساهمته في التنمية الاقتصادية.

تضم بعض النصوص كلاماً فيه من التعميم ما يفسد الأطروحة التي يرمي كاتبها إلى بيانها كالقول: “إذا كان التأمين على الأموال من خطر معين كالسرقة والغصب، فهذه المسئولية جائزة شرعاً، وإن كانت من الحوادث الكونية التي تجري فيها المقادير الإلهية السماوية فالكفالة بها من الميسر والقمار.” فهو يجيز التأمين على الأفعال التي يقوم بها الإنسان كالسرقة والغصب، لكنه يحرم التأمين على الخسائر الناشئة عن حوادث الطبيعة وهي التي يعزوها إلى المقادير الإلهية السماوية (وهو ما كان يصطلح عليه في بعض وثائق التأمين بعبارة Acts of God).  بمعنى آخر، فإنه يلغي العلم (نظرية الاحتمالات وقانون الأعداد الكبيرة) الذي يقف وراء فهم حوادث الطبيعة والحماية من آثارها من خلال التأمين مثلاً أو وسائل إدارة الخطر الأخرى.

إن الفرق بين القمار والتأمين هو أن القمار يخلق خطراً مصطنعاً لم يكن موجودًا قبل المقامرة، في حين أن التأمين لا يخلق الخطر بل يعمل على التخفيف من آثاره بتحويل عبء تمويلها على عاتق شركة التأمين.

أو الزعم، في أحد النصوص، بإجماع الفقهاء على منع التأمين وعدم جوازه مطلقاً (وهذا الإجماع ليس قائمًا)، لأن “فتح مثل هذا الباب خطورة على الشريعة.”  وهو قول فيه تعميم يُخِلّ بأطروحة صاحبها في رفض التأمين.  هل أن وجود مؤسسة التأمين والمؤيدين لها يرقى إلى مستوى التهديد للشريعة؟  وهل أن الشريعة هشّة بحيث لا تستطيع أن تتعامل مع هذه المؤسسة على المستوى النظري والعملي؟

(3)

أظن أن اتباع الأديان التوحيدية الأخرى، كاليهودية والمسيحية،[2] لم يكن يحتل شرعية التأمين عندهم حيزاً ملموسًا في تفكيرهم وكتاباتهم مقارنة بالكم الكبير من فتاوى رجال الدين الإسلاميين والكتب والأطاريح الأكاديمية التي تتناول موضوع التأمين وموقف الشريعة منه.

في الغالب يكتفي رجال الدين برفض “التأمين على الأشخاص وأرواحهم وحياتهم” (التأمين على الحياة) اعتمادًا على تفسيرات معينة للنصوص الدينية وعدم وجود أدلة شرعية عليه.  لم يستحضر هؤلاء دور نظام القيم في الابتعاد عن هذا التأمين، وهو ما اعتمد عليه البعض في الغرب.  فهذا النظام يدين تقييم حياة الإنسان وموته بالمعايير القائمة على النقود باعتبار أن الإنسان قيمة عليا وهذه القيمة ليست موضوعاً للتعريف من خلال النقود، أي لا يمكن اختزال الحياة البشرية إلى سلعة.  لكن هذا الموقف الفلسفي انحسر في الواقع نظرًا لتعقيد الحياة الاقتصادية وتطور العلوم الرياضاتية التي ساهمت في نشوء مؤسسات جديدة متخصصة بالتعامل مع الآثار الاقتصادية للوفاة لخدمة الحاجات العملية الحياتية للمُعالين بعد وفاة رب الأسرة.  وهذا قبل أن يتخذ التأمين بُعدًا آخرًا تمثًّل بالادخار وبتجميع أرصدة التأمين واستثمارها.

(4)

يمكن أن ننظر إلى هذه النصوص كجزء من دراسة تاريخ التعامل الفكري النظري مع مؤسسة التأمين في العراق.  إن هذه النصوص، من رأيي، لا تشكل مع بعضها موقفاً متجانساً من مؤسسة التأمين، وليس فيها ما يوحي بوجود مدرسة فكرية عراقية متجانسة للتأمين الإسلامي؛ فهي تشترك في العرض والحجة، على قلّتها، على ما عرضه أيضاً علماء دين آخرون وأساتذة شريعة وغيرهم خارج العراق.  ومثلُ غيرها تتوزع هذه النصوص ما بين تحريم وتحليل التأمين.  ربما هناك نصوص تضم مواقف دينية لآخرين يمكن الكشف عنها بالبحث لتضاف إلى النصوص أدناه.

اقتبست النصوص التالية من كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي للإمام النووي.  هناك عدة طبعات لكتاب المجموع شرح المهذب منها:

كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي[3] للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي،[4] تحقيق: محمد نجيب المطيعي (جدة: مكتبة الإرشاد، 1980).

تكملة المجموع شرح المهذب للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، تأليف الشيخ عادل أحمد عبد الوجود وآخرون (بيروت: دار الكتب العلمية).

لقد جاء إضافة كلمة “تكملة” للعنوان لأن المجموع كما وضعه الشيرازي وأكمله النووي ومن بعده السبكي ومن ثم المحررين والمحققين في القرن العشرين لم يضم العقود المستحدثة كعقد التأمين.

النصوص أدناه مقتبسة حرفياً من طبعة دار الكتب العلمية، ج 14، ص 518-520. [5]

النصوص

الشيخ نجم الدين الواعظ،[6] مفتي الديار العراقية

قال: إن التأمين الخاص الذي تقوم به الشركات على الأشخاص وأرواحهم وحياتهم، وأملاكهم، وعلى الأملاك والأموال التي يتعاطها التجار؛ خوفاً من الغرق أو الحرق أو السرق أو التلف في البر أو البحر – ليس إلا من باب الميسر والقمار، وليس له دليل شرعي يستند إليه في حله.

وقال: إن التأمين من المسئولية يسمى شرعاً: الكفالة، فيلزم الكفيل كل ضرر يقع على المتعاقد.

وقال: إنه إذا كان التأمين على الأموال من خطر معين كالسرقة والغصب، فهذه المسئولية جائزة شرعاً، وإن كانت من الحوادث الكونية التي تجري فيها المقادير الإلهية السماوية فالكفالة بها من الميسر والقمار.

وقال: إن الأموال والنقود والأوراق النقدية التي تودع لدى البنوك، فيسلفونها للغير ويتصرفون فيها تصرف الملاك، ليس لمن أودعها إلا رأس ماله، وما زاد يعتبر مالاً ضائعاً سبيله أن يوجه إلى الصدقة وأعمال الخير.

الشيخ أمجد الزهاوي[7] من علماء العراق

ذهب إلى أن التأمين محرم بجميع أنواعه، وتأباه القوانين الشرعية بإطلاق من ناحية تعليق الاستحقاق على الخطر، وهو ممنوع باتفاق الفقهاء، ولعدم وجود عوض ثابت، وأشار إلى ما قاله ابن عابدين، ثم قال: وعليه: فقد أجمع الفقهاء على المنع، ولا أرى لذلك جوازًا مطلقًا، وفي فتح مثل هذا الباب خطورة على الشريعة.

الشيخ عبد الله الشيخلي من علماء العراق

بين أن الشارع الحكيم إنما شرع الأحكام لمصلحة العباد، ولإقامة مجتمع سليم متماسك مهذب، تتوفر له أسباب السعادة والرفاهية، وبين مزايا التشريع الإسلامي وخصائصه وما سار عليه المجتهدون، وكيف رجع كثير منهم عن اجتهادهم على وفق ما وقفوا عليه من عرف وعادات.

وقال: إن عقد التأمين عقد مستحدث، وذكر التأمين على الأشخاص وعلى الأموال.

وقال: إنها ذات فوائد عظيمة للأشخاص وأرباب التجارة والأعمال، وليس فيها شيء من المحظورات، وفي القول بتحريمها أضرار كبيرة بالناس.

وقال: إن ما يكون فيها من غرر وجهالة لا يقتضي تحريمها، والقول بأنها مثل المقامرة والمراهنة، أو بأن فيها أكل أموال الناس بالباطل لا يخلو من تعسف.

ثم قال: لما كان هذا العقد خاليًا من الغرر والضرر والغش والاستغلال والربا والغبن وغير ذلك من الأسباب المحرمة، ونظرًا لعد وجود القاطع من كتاب أو سنة على التحريم، ونظرًا لحاجة المسلمين إليه، وتعارف الناس عليه – أرى: أن عقد التأمين على البضائع وما شابهه من العقود، لا إثم على الذين يلتزمون به.

آية الله الشيخ علي آل كاشف الغطاء، إمام من مجتهدي النجف الأشرف

قال: إن البحث يتطلب من الفقيه أن يعرض عقد التأمين على ما يحتمل تطبيقه عليه من المعاملات الشرعية، فإن لم يظفر بذلك رجع للقواعد العامة الشرعية، فإن لم تف رجع للأصول العملية العامة.

ورأى: أن من المعاملات ما يمكن تطبيقه على التأمين، ويحتمل أن يكون منه، وهو الضمان والهبة المشروطة والصلح المشروط.

وقال: إن التأمين تمام الشبه بالضمان، بل هو من صغرياته (أي جزئياته) لأن الضمان هو إدخال المضمون في عهدة الضامن، والقيام بكافة ما يترتب على ذلك، ولا مانع من شمول الضمان للتأمين، وتعليقه على بعض الشروط لا يبطله؛ لأن الشرط فيه من قبيل الإلزام في الالتزام، ولا يمنع هذا أنه لا يلفظ بالإيجاب والقبول في التأمين ويكتفى فيه بالتوقيعات؛ لأن الإيجاب والقبول من الأمور الانتزاعية التي توجد بأسبابها الموجبة لانتزاعها، وقد تنتزع من اللفظ، وقد تنتزع من الفعل.

ثم قال: إنه إن لم يسلم دخول التأمين في الضمان، أمكن إدخاله في الهبة المشروطة بتحمل الخسارة لا الهبة المشروطة بالضمان، ويتصور ذلك بأن يهب المستأمن للشركة من ماله، بشرط أن تتحمل الخسارة، وهو شرط جائز لا مانع منه.

كما قال: إنه إذا لم يسلم دخول التأمين في الهبة المشروطة، أمكن إدخاله في الصلح المشروط؛ لأن التأمين يتصالح فيه الطرفان، على أن يدفع أحدهما مالا، وأن يتحمل الآخر الخسارة عند وقوعها.

وقال: إن لم يسلم ذلك كله، اعتبر التأمين معاملة مستقلة، وقواعد المعاملات قاضية بصحتها؛ لقوله – تعالى – “أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”[8]، وقوله-تعالى: “إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ”[9]، ولمقتضى العموم في العقد والإطلاق في التجارة، ولأن الشارع في مقام البيان لا الإهمال والإجمال، فتصح معاملة التأمين؛ لأنه عقد من العقود، وتجارة وقعت عن تراض.

وقال: إن هناك نوعًا من التأمين غير صحيح، وهو الذي يشتمل على الفائدة؛ لأنه قرض للشركة يسترد مع فائدته.  ونفى أن يكون في التأمين قمار؛ لأن حقيقة القمار هي الملاعبة من الطرفين بقصد الغلبة، وذلك ليس في التأمين، وقال: إن الجهالة المبطلة للمعاملة هي: الجهالة من جميع الوجوه، والغرر المبطل للمعاملة هو: الغرر الذي لا يرتضيه العقلاء، وتعد المعاملة أشبه بالسفه، أما دعوى كونه من المعاملة الربوية، فهي دعوى فاسدة؛ لأن الربا يكون في مبادلة المال بالمال، وفي التأمين: جُعِلَ المال في مقابلة المحافظة عليه وتعويض الخسارة فيه، والفرق بينهما واضح، وأما دعوى حكم العقل بعدم صحته، فهي دعوى خالية من البرهان، ولا يسمعها ذوي الفهم والوجدان.

السيد الأستاذ كاظم الكفائي، عميد جامعة الإمام علي آل كاشف الغطاء الدينية بالنجف الأشرف

بدأ بالإشارة إلى كتابه: (بين النجف والأزهر) الذي وفى فيه موضوع التأمين حقه، كما أورد فيه رأي سماحة الإمام الشيخ على آل كاشف الغطاء، وذكر خلاصةً لما جاء بكتابه هذا، وهي لا تختلف في شيء مما لخصته آنفًا من إجابة الإمام المذكور.

السيد الأستاذ محمد مهدي الخالصي[10]

بدأ ببيان الفرق بين العبادات والمعاملات، وبيان أن أمر المعاملات يقوم على إصلاح المعاش، ومراعاة حاجة الناس، وأن الأصل فيها العرف، وأن حاجة الناس تقضي بإباحة استحداث العقود، على ألا تكون مما أبطله الإسلام، أو مشتملة على شيء من المحظورات الشرعية، وإذ ذاك تكون ملزمة ويجب الوفاء بها؛ لقوله تعالى: “أَوْفُوا بِالْعُقُودِ” [المائدة: 1] وقوله سبحانه “إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” [المائدة: 29].

وقال: إن عقود التأمين جائزة وصحيحة، ونفى أن يكون فيها غرر أو جهالة يخشى من خطرها على المتعاملين، كما نفى أن يكون فيها شبه بالقمار أو المراهنة.

وقال: إن كلا من الكفالة والصرف لا يمكن انطباقه عليها.

وقال: إن ما يمكن أن تطبق أحكامه عليها هو: الضمان والهبة والصلح بتكييف خاص.  ونحى في ذلك منحى الإمام كاشف الغطاء، والسيد الكفائي.

ثم قال: إن الموضوع لا يزال في حاجة إلى دراسة وتحليل، وإن الخروج من الشبهات يكون بجعل هذا التأمين تأمينًا تعاونيًا.

8 تموز/يوليو 2020


[1] مصباح كمال، “علي السيستاني والتأمين: الشيطان في التفاصيل،” نشر في موقع https://www.academia.edu/43740070/Sistani_on_Insurance

وهو فصل من كتاب مخطوط التأمين: مقتربات تاريخية اقتصادية معاصرة.  من المؤمل أن يصدر هذا الكتاب عن دار النشر منتدى المعارف في بيروت قبل انتهاء سنة 2020.

[2] كتابات أحبار اليهود الربانيين المتمسكين بالتلمود هي الأقرب لبعض الكتابات الإسلامية حول جواز التأمين من عدمه.  وقد قام أحد الأساتذة الأمريكان باقتفاء بعض هذه الكتابات (المشابهة للفتاوى) في بحث تاريخي لحضور التأمين وممارساته وخاصة في مجال عقد القرض البحري.  وتشترك هذه الكتابات مع ما يقابلها عند علماء الدين الإسلاميين في موضوعة تحريم الفائدة (الربا) على مبلغ القرض.

S.M.Passamaneck, Insurance in Rabbinic Law (Edinburgh: Edinburgh University, 1974).

لم استهدي إلى كتاب مماثل بالنسبة للدين المسيحي لكن هناك دراسات تاريخية للموقف المسيحي اللاهوتي تجاه الخطر والتأمين والربا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.  فقد جاء في دراسة لاثنين من الأكاديميين في استراليا (ديفيد رويل و لوك ب. كونيلي) الآتي: “كانت الكنيسة في العصور الوسطى تعتبر الأحداث العشوائية random events نتائج للإرادة الإلهية، وبالتالي أحداثاً لا يمكن توقعها.  ونتيجة لذلك أصدر البابا غريغوري التاسع سنة 1234 المرسوم البحري Naviganti Decretal، الذي نصَّ على أن التأمين غير مشروع (Ceccarelli 2001).  لكن، ومع نمو اقتصادات أوروبا الغربية نمت الحاجة أيضاً للتأمين التجاري.  وسرعان ما ظهرت حجج لاهوتية مضادة للتأمين.  بالنسبة للبعض، فقد بدا التأمين بشكل مثير للريبة وكأنه شكل من أشكال الربا، الذي أُدينَ لأنه كان يُنظر إليه على أنه بيع زمن الله sale of God’s time.  ومع ذلك، فإن توما الأكويني (1225-1274) حاجج بما أن التأمين لا يؤثر على التملك ownership فإنه ليس ربا.  وحاجج دومينغو سوتو (1495-1560) بأن التأمين assecuratio يجب أن يكون مشروعاً لأنه يُمكّن ازدهار الأعمال المشروعة (Ceccarelli 2001).  وفي حين أن هذا الخطاب أنشأ فكرة مشروعية التأمين، واصل علماء الدين من كلا طرفي النقاش قبول [فكرة] أن الحوادث التي تقع بالصدفة chance events [الحوادث العرضية، الاحتمالية]، مثل غرق سفينة، هي نتيجة إرادة الله.  وطالما كان الاعتقاد الأساسي بالعناية الإلهية موجوداً فإن مفهوم الخطر المعنوي – الذي يفترض أن الأفراد يمكن أن يؤثروا على الحوادث التي تحصل بالصدفة – لا يمكن أن يتطور.  ومع ذلك، جادل فيفر Febvre (1956) بأنه مع نمو التأمين خلال العصور الوسطى فإن إدراك الطبيعة تغيّر أيضاً.  فلم تعد الحوادث المستقبلية تنسب فقط لإرادة الله؛ بدلاً من ذلك، تمَّ الاعتراف بالسلوك الفردي بوصفه أحد محددات co-determinant هذه الحوادث.”

راجع: مصباح كمال، ترجمة وإعداد، مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، الفصل السادس، وجهة نظر تاريخية حول مصطلح “الخطر المعنوي”، ص 99.

هناك مقالات متناثرة في الشبكة العنكبوتية حول الموقف المسيحي من التأمين العام والتأمين على الحياة.  على سبيل المثل:

http://4the10.net/what-does-the-bible-teach-the-christian-about-life-insurance.html

https://gotquestions.org/Christian-insurance.html

https://christianpf.com/christian-view-of-life-insurance/

وهناك مقالات مماثلة حول الموقف اليهودي من التأمين.  على سبيل المثل:

https://www.chabad.org/search/keyword_cdo/kid/9370/jewish/Insurance-Policy.htm

وتذكر إحدى الدراسات حول العلاقة بين القيم الأخلاقية والأسواق في الولايات المتحدة عدم معارضة الآراء اليهودية التقليدية للتأمين على الحياة.  أنظر:

Viviana A. Rotman Zelizer, Morals and Markets: The Development of Life Insurance in the United States (New York: Columbia University Press, 1979), pp 77-78.

[3] إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (1003-1083).

[4] أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (1233-1277).

[5] https://books.google.co.uk/books?id=6sR9DwAAQBAJ&pg=PT513&lpg=PT513&dq=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86+%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82&source=bl&ots=oewNPJSJcn&sig=ACfU3U3rHgHQ0MgyNg7tYL8arWnG-LqPcg&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjF363_ur3qAhXCSRUIHfwYCfgQ6AEwAHoECAcQAQ#v=onepage&q=%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82&f=false

إن نص هذا الجزء من الكتاب بصيغته الإلكترونية ليس كاملاً فالعديد من صفحاته مفقودة.

[6] نجم الدين الواعظ (1880-1976).

[7] أمجد الزهاوي (1882-1967).

[8] سورة المائدة، الآية 1.

[9] سورة النساء، الآية 29.

[10] محمد مهدي الخالصي، 1888-1963.

Statistics of Iraq’s Insurance Market, 2011-2018

إحصائيات سوق التأمين العراقي 2011-2018

مصباح كمال

نشرت في موقع التأمين للعرب

https://www.insurance4arab.com/2020/09/blog-post_22.html

مقدمة

تبادلت بعض الرسائل مع الزميل فلاح حسن، المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية، خلال شهر آب حول إمكانية قيام الجمعية بإعداد جدول بإحصاءات أقساط التأمين والتعويضات المدفوعة للفترة من 2005 حتى نهاية 2019، مبوبة لكل سنة.  إن مثل هذا الجدول البدائي يمكن أن يكون نواة لوضع جداول أكثر تفصيلًا في المستقبل، وأعني بذلك، على سبيل المثل، تبويب تطور البيانات منذ سنة 2005 لعرض إجمالي أقساط التأمين المكتتبة، صافي أقساط التأمين، صافي التعويضات المسددة، نسبة الخسارة الخ.

وكالعادة، لم يتلكأ زميلنا العزيز بالرد موضحًا أن تفعيل الجمعية [تأسست سنة 2005] لم يبدأ إلا في نيسان 2009، وأن الاحصائيات المتوفرة لدى الجمعية لحد الآن تقتصر على السنوات 2010-2018، وأن إحصائية 2019 لم تكتمل بعد، مع الأسف، بسبب عدم تزويد الجمعية بالميزانيات الختامية لمعظم الشركات.[1]  ووعد بإعداد إحصائية بأقساط التأمين والتعويضات حسب كل محفظة للسنوات 2011-2018.  وقد استلمت منه مؤخرًا جدولين: واحدة للأقساط والأخرى للتعويضات، يسرني أن أرفقها بهذه المقالة.

مقارنة بسيطة لأقساط التأمين

لن أتوقف طويلًا في تحليل هذه الإحصائيات واكتفي بالإشارة إلى مجموع أقساط التأمين المكتتبة للفترة 2011-2018 (ثماني سنوات) الذي بلغ 1,476,160,876,000 دينار (1,236,411,780 دولار أمريكي بسعر صرف 1,193.9 دينار مقابل دولار واحد)، أي بمعدل 154,551,472 دولار أمريكي سنويًا.  وهو رقم صغير عند مقارنته بحجم أقساط التأمين في بعض أسواق التأمين العربية.  على سبيل المثل، كان حجم الأقساط المكتتبة في دولة الإمارات العربية خلال سنة واحدة (2018) 11,903,320,000 دولار أمريكي.[2]

وإذا قارنا حجم أقساط التأمين على الحياة فإن مجموعها في العراق خلال ثماني سنوات بلغ 544,076,274,000 دينار عراقي (455,710,705 دولار أمريكي).  في حين كان حجم أقساط التأمين على الحياة في دولة الإمارات خلال سنة واحدة (2018) 2,580,000,000 دولار أمريكي.[3]

إن هذه المقارنة البسيطة تبيّن بؤس النشاط التأميني في العراق، والأرقام المسجلة بمليارات الدنانير العراقية لا تستطيع إخفاء التدهور المريع في هذا النشاط.  إن هذه الأرقام تبين بأنها لا تتناسب مع حجم إيرادات الدولة وما ينفق منها، على قلتها، على المشاريع الاستثمارية، كما أنها لا تتناسب مع حجم الاستيرادات التي تقوم بها الوزارات والمؤسسات التابعة لها وكذلك شركات القطاع الخاص، ناهيك عن عقود جولات التراخيص النفطية التي لم تنتفع شركات التأمين العراقية من تأمينها إلا قليلًا.

ملاحظات أولية لتطوير إحصائيات سوق التأمين العراقي

نحن لا نبخس ما تقوم به جمعية التأمين العراقية في إعداد الإحصائيات السنوية لنشاط التأمين في العراق.  إن عملها كان سيكون أفضل لو تعاونت شركات التأمين معها في تقديم ميزانياتها الختامية خلال مدة محددة.  ويبدو أن الجمعية لا تمتلك السلطة المناسبة لإلزام الشركات لتقديم البيانات المطلوبة.

هناك مجموعة من المؤشرات المعتمدة في تحليل البيانات التأمينية نرى أنه من المناسب أن تتولى الجمعية اعتمادها في عرض نشاط شركات التأمين العراقية لبيان أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني وأداء الشركات نفسها.  ليس معروفًا أن تطبيق بعض هذه المؤشرات كان موضوعًا للدراسة من قبل شركات التأمين العراقية أو الجمعية.  ربما هناك أطاريح ماجستير عنها لا معرفة لنا بها لأنها، إن كانت موجودة، فهي حبيسة في مكتبات الجامعات.

أحد هذه المؤشرات هو الكثافة التأمينية insurance density لرصد إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، ويعبر عن إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً إلى عدد السكان.  وبفضل هذا المؤشر يمكن قياس حجم الطلب على التأمين في الاقتصاد الوطني.  وتدل الإحصائيات على أن الكثافة التأمينية في البلدان المتقدمة تفوق كثيراً ما يماثلها في البلدان ضعيفة النمو ومنها العراق.

وهناك مؤشر التغلغل التأميني insurance penetration وهو يقيس نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي gross domestic product، وهو بذلك يبين مكانة التأمين في الاقتصاد الوطني وتطور نشاط التأمين مقارنة بتطور الاقتصاد الوطني ككل.  ويمكن تطبيق هذا المؤشر على تأمينات الحياة بشكل منفصل لبيان مكانتها في الاقتصاد خاصة وأنها تقوم بمراكمة أرصدة التأمين للمدى الطويل والاستفادة منها كمصدر استثماري.

وهناك أيضًا مؤشر معدل الخسارة loss ratio وهو يستخدم لقياس حجم التعويضات مقارنةً بحجم الأقساط المكتتبة.  وهو مؤشر مهم لأية شركة تأمين لأنه يبيّن قدرة الأقساط المكتتبة على تمويل المطالبات بالتعويض، وبالتالي فهو من أدوات تقييم أداء الشركة ومدى متانة مركزها المالي.  ويتخذ هذا المؤشر صيغة معادلة:

معدل الخسارة = مجموع التعويضات ÷ مجموع الأقساط المكتسبة

لكن التحليل لا يتوقف عند هذا المعدل العام فهو في التفصيل يأخذ بنظر الاعتبار عناصر أخرى: صافي أقساط التأمين، احتياطي الأخطار السارية، احتياطي الأخطار السارية للسنة السابقة، التعويضات المسددة، احتياطي التعويضات تحت التسوية، رصيد احتياطي التعويضات تحت التسوية المطلق من السنة السابقة.[4]

ومن الأدوات الأخرى معدل النفقات expense ratio وهو يمثل ناتج تقسيم أقساط التأمين على النفقات/المصاريف التي تتكبدها شركة التأمين.  وكذلك المعدل/النسبة الموحدة combined ratio الذي يمثل ناتج معدلين (أ) معدل الخسارة المتكبدة (الخسائر المتكبدة كنسبة من صافي الأقساط المكتسبة)؛ (ب) معدل النفقات.  إذا كان المعدل الموحد أقل من 100% فإن هذا يعني أن شركة التأمين قد حققت ربحًا ودون الأخذ بنظر الاعتبار الإيرادات المتحققة من استثمارات الشركة.

ومن المفيد اهتمام الجمعية بعرض عدد العاملين والعاملات في قطاع التأمين، مع توزيع العدد بين الجنسين، وكذلك ذكر أسماء رؤساء شركات التأمين (مدراء مفوضون، مدراء عامون).

إن تحليل سوق التأمين لا يتوقف عند هذه المؤشرات والمعدلات،[5] وبالطبع فإن الجمعية ربما لا تمتلك الكوادر الفنية المناسبة للاستغراق في تحليل سوق التأمين العراقي والتوسع في عرض البيانات.

لم تخرج الجمعية عن النمط التقليدي في عرض الإحصائيات.  من المناسب أن تقوم الجمعية بتطوير الإخراج الشكلي للإحصائيات باستخدام الأشكال المرئية كالمخططات والرسوم التخطيطية لتمثيل المعلومات والبيانات infographics

أرى أن تستفيد الجمعية من إصدارها “إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق” لكتابة مقدمة تكون بمثابة مسح عام للتطورات في سوق التأمين العراقي خلال السنة السابقة لإصدار الإحصائية (تطورات في التشريعات ذات العلاقة بالتأمين، قنوات توزيع المنتج التأميني، إدخال منتجات تأمينية جديدة، مطالبات التعويض الكبيرة المسددة، والتعليم المهني المستمر.  يمكن أن تضم المقدمة كذلك أمورًا ذات علاقة بالنشاط التأميني كالواقع السكاني (الزيادة في عدد السكان والوفيات)، ومعدل التضخم، وحجم الاستيراد والتصدير، ومؤشر تكلفة المعيشة، والموازنة العامة للدولة، وحجم التخصيصات لأغراض الاستثمار، والتغير المناخي، وتوصيف عام للسوق العالمية لإعادة التأمين وغيرها.

نتمنى على المختصين وخاصة العاملين في مجال الإحصاء المساهمة في تقديم الأفكار حول طريقة عرض البيانات التأمينية وأدوات تحليل هذه البيانات التي أتينا على ذكر بعضها.

30 آب 2020

أقساط تأمين الشركات حسب كل محفظة من 2011 الى 2018

ألف دينار

المحفظة/السنة20112012201320142015201620172018المجموع
بحري4,682,9175,247,4016,625,7355,113,7302,497,4911,252,7772,090,9942,334,16729,845,212
طيران/سفن15,174,43516,838,83513,758,57319,252,80716,255,87618,262,49216,919,37915,499,562131,961,959
حريق9,835,15914,123,13628,496,29334,335,74526,798,64918,292,88625,252,47325,339,100182,473,441
حوادث22,100,33027,182,83647,899,61250,442,49844,449,85836,572,34640,811,98944,671,502314,130,880
هندسي21,689,08334,808,27733,462,35727,607,0869,203,7184,862,90629,332,51417,639,504178,605,445
سيارات11,472,4938,827,81811,410,13713,199,44714,271,27816,011,6038,829,99811,044,89195,067,665
حياة29,950,17355,108,18775,180,26988,397,20676,301,98472,993,29365,116,74381,028,419544,076,274
المصدر: جمعية التأمين العراقية بغداد آب 2020  

جدول تعويضات الشركات حسب كل محفظة من 2011-2018

ألف دينار

المحفظة/العام20112012201320142015201620172018المجموع
بحري165,3661,413,4462,324,91060,90022,930*********9,73137,7264,035,009
طيران/سفن11,771512,638354,5733,085,449612,0851,459,743945,2611,622,3288,603,848
حريق1,593,5724,127,4392,503,1674,324,5386,873,7367,111,5674,041,64911,557,79442,133,462
هندسي67,174212,0001,529,186358,719372,1613,20927,2333,1882,572,870
حوادث2,077,8391,593,1464,858,432 2,346,8696,980,2585,495,2024,775,2365,918,64234,045,624
سيارات1,050,5341,286,4981,085,6931,553,2621,297,821727,666818,082380,4288,199,984
حياة18,160,73733,674,81047,085,84762,703,89567,732,22751,645,79948,335,28736,497,423365,835,661
المصدر: جمعية التأمين العراقية بغداد آب 2020

[1] هذه ظاهرة تتكرر سنويًا وتظل قائمة دون حل.

[2] Atlas Magazine, January 2020, https://www.atlas-mag.net/en/article/uae-insurance-market-in-2018-top-10-insurers-per-gross-written-premium

[3] Atlas Magazine, July 2019, https://www.atlas-mag.net/en/article/emirati-insurance-market-slightly-decreasing-premiums-in-2018

[4] بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، إنجليزي-عربي، الجزء الثاني (عمان: دار الثقافة، 2016)، ص 108.

[5] كمثل على ما يمكن القيام به من تحليل، رغم أن السياق يقع في دائرة الرقابة يمكن لديوان التأمين الاستفادة منها، راجع الدراسة التالية:

W. Jean Kwon and Leigh Wolfrom, “Analytical tools for the insurance market and macro-prudential surveillance,” OECD Journal: Financial Market Trends, Volume 2016/1.

Thomas Malthus, Marquis de Condorcet & Social Insurance

توماس مالثوس والماركيز دو كوندورسيه والتأمين الاجتماعي[1]

مصباح كمال

نشر أصلًا في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 415، أيلول 2020، ص 71-78.

أعيد نشره في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2020/09/2توماس-مالثوس-وكوندورسيه-والتأمين-الاجتماعي-1.pdf

ترتبط شهرة توماس مالثوس (1766-1834) بكتابه مقالة في مبدأ السكان An Essay on the Principle of Population وهو كتاب لا علاقة له بالتأمين بتاتاً، وقد صدر الكتاب بعدة طبعات منقحة.  يرد ذكر التأمين مرة واحدة في الطبعات اللاحقة لكتابه الذي نشره لأول مرة في عام 1798 بدون أن يحمل اسمه، إذ أن الطبعة الأولى لم تذكر التأمين.  وله كتاب بعنوان مبادئ الاقتصاد السياسي (1836) لا يرد فيه ذكر للتأمين.

(1)

تأثير الحرب على أسعار التأمين

يرد التأمين في مقالة في مبدأ السكان في الفقرة التالية:

الآن فإنه من المؤكد أنه لم تكن الصناعة والتجارة وتجارة المستعمرات للبلاد، في أي فترة، في وضع لاستيعاب الكثير من رأس المال كما هو الحال خلال العشرين عاماً المنتهية عام 1814.  ومنذ عام 1764 ولغاية معاهدة اميان [1802]، فإنه من المعروف عموماً أن التجارة والصناعة في البلاد ازدادت بوتيرة أسرع من الزراعة، وأنها أصبحت تدريجياً أكثر وأكثر اعتماداً على الحبوب الأجنبية [المستوردة من الخارج] لمعيشها.  ومنذ معاهدة اميان فإن حالة احتكارها الاستعماري وصناعاتها كانت في وضع يتطلب كمية غير عادية من رأس المال؛ ولولا أن الظروف الخاصة للحرب اللاحقة، وأسعار الشحنات والتأمين العالية، ومراسيم بونابارت،[2] التي جعلت استيراد الحبوب الأجنبية صعبة للغاية ومكلفة، فإنه كان علينا في هذه اللحظة، وفقا لجميع المبادئ العامة، أن نكون عاملين على دعم جزء أكبر بكثير من سكاننا عليه [على رأس المال]، أكثر من أي فترة سابقة من تاريخنا.[3]

ويرد ذكر التأمين أيضاً في الهامش 15 من الطبعة المنقحة من كتاب مقالة في مبدأ السكان (1803)[4] كما يلي:

ووفقًا للأدلة المعروضة على مجلس اللوردات (التقارير، ص 49)، كان الشحن والتأمين لوحدهما على كوارتر [= 28 باوند = 12.7 كيلوغرام][5] quarter من الحبوب أكبر بمقدار 48 شلناً في عام 1811 عن عام 1814.  وبدون أي تدخل مصطنع، يبدو أن الحرب لوحدها قد تؤدي بالضرورة إلى زيادة مذهلة في السعر.

إن هاتين الإشارتين للتأمين تأتيان في سياق تأثير الحرب على زيادة مستوى الأسعار ومنها بشكل خاص أسعار التأمين على الشحن البحري والسفن.  وتفيدنا الدراسات التاريخية أن الطلب على التأمين يزداد خلال فترات الحرب من قبل أصحاب الأموال، وبالنسبة لموضوع هذه الورقة هناك دراسة مهمة حول التأمين والحرب في القرن الثامن عشر.[6]  يعالج كاتب هذه الدراسة، جيفري كلارك، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية نيويورك، “الميل الكبير جداً للتجار لشراء التأمين البحري في زمن الحرب.  هناك كمٌ كبير من الشواهد تبين انه في حين أن عادة شراء التأمين كانت تنتشر بثبات في القرن الثامن عشر فإن هذا النمو الدائر كان يتخلله زيادات مفاجئة حادة في طلب أصحاب السفن للتأمين مع اندلاع الحرب، متبوعاً بهبوط حاد في طلب التغطية مع حلول السلام.”

وقد اختبرنا الزيادة في أسعار التأمين البحري في البلدان العربية مع بدء الحرب العراقية الإيرانية عندما قامت لجنة تسعير أخطار الحرب[7] War Risks Rating Committee في لندن برفع أسعار التأمين على البضائع والسفن المتجهة إلى الموانئ العربية وبخاصة في منطقة الخليج.  وقتها أثارت هذه الزيادة عدم قبول من شركات التأمين العربية فقامت بتأسيس الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب لتضمن تطبيق أسعار عادلة ومناسبة.  وما زال هذا الصندوق يمارس عمله بنجاح من مقره في البحرين.

توماس مالثوس هو الأقل اهتماماً بالتأمين من أقرانه من الاقتصاديين الكلاسيكيين كآدم سمث، وديفيد ريكاردو وكارل ماركس، على سبيل المثل.  واهتمامه بالتأمين لا يتجاوز الرصد، ولمرة واحدة، لظاهرة زيادة أقساط التأمين البحري في زمن الحرب.  فقد كان اهتمامه منصباً على مسألة تزايد السكان بموجب متوالية هندسية (مضاعفة الرقم الأخير في سلسلة حسابية: 2-4-8-16 …) وتزايد إنتاج الغذاء بموجب متوالية عددية (مضاعفة الرقم الأول في سلسلة حسابية: 1-2-3-4 …).  وباعتبار أن الموارد الاقتصادية محدودة سيأتي اليوم الذي لا تجد فيه الأعداد المتزايدة من السكان ما يكفيها من إنتاج هذه الموارد.

ولكن “خلافاً لمعظم التفسيرات، لم تكن نظرية مالثوس تدور حول خطر “الاكتظاظ السكاني” الذي قد يحدث في وقت ما في المستقبل.  ذلك أن حجته أن هناك ضغطاً مستمراً من السكان على الإمدادات الغذائية، وهو ما كان قائماً وسيظل كذلك.  وهذا يعني انه لا يوجد في الواقع ما يسمى “اكتظاظ سكاني” بالمعنى التقليدي … إن الفكرة الأساسية وراء هذه الحجة هي محاولة إثبات أن التحسينات المستقبلية للمجتمع، وبشكل أكثر جوهرية تحسين وضع الفقراء، أمرٌ مستحيل.”[8]

وهذا يقودنا إلى فهم مناقشته ورفضه لأفكار ونظم المساواة الاجتماعية وتوفير الضمانات للطبقات الفقيرة، كما عرضها في نقد أفكار ومشاريع الضمان الاجتماعي للفلاسفة والمصلحين ومن بينهم الماركيز دو كوندورسيه.  فقد ربط مالثوس الفقر والحرمان والبؤس بالتزايد السكاني.

(2)

نقد مالثوس للتأمين الاجتماعي

في عرضه المختصر لبعض الكُتّاب الذين وردت اسماؤهم في مقالة في مبدأ السكان، يذكر محرر الكتاب اسم عالم الرياضيات والفيلسوف الفرنسي الماركيز دو كوندورسيه (1743-1794).

يقول المحرر بأن مالثوس انتقد كتاب كوندورسيه.[9]  إذ يظهر كوندورسيه في كتاب مالثوس كشخص يؤمن بالكمال العضوي للإنسان، وصاحب مقترحات لتكوين صندوق للتأمين الاجتماعي، ومن دعاة ما اسماه مالثوس بالطرق “غير الطبيعية” لتحديد النسل.[10]

كان مالثوس أميناً في نقل أفكار كوندورسيه:

من خلال تطبيق حسابات احتمالات الحياة، والفائدة على النقود، يقترح [كوندورسيه] إنشاء صندوق لضمان المساعدات للمسنين، يتكون جزئياً من مدخراتهم السابقة، وفي جزء منها من مدخرات الأفراد، الذين يقومون بنفس التضحية [الادخار] ويموتون قبل أن يجنوا فائدة منها.  وينبغي أن يقوم نفس الصندوق أو صندوق مماثل بتقديم المساعدة للنساء والأطفال، الذين يفقدون أزواجهن أو آبائهم؛ ويوفر رأس المال لأولئك الذين كانوا في عمر يؤهلهم لتأسيس أسرة جديدة، كافية للتطوير السليم لكدهم.  هذه المؤسسات، كما يلاحظ، قد تكون باسم، وتحت حماية المجتمع.  ويذهب إلى أبعد من ذلك، بالقول إنه من خلال التطبيق العادل للحسابات، يمكن العثور على وسائل للحفاظ على حالة من المساواة بشكل كامل، من خلال منع الائتمان من الامتياز الحصري لأصحاب الثروات الكبيرة، ومع ذلك يعطيها أساساً متساوياً بشكل متين، من خلال جعل تقدم الصناعة، ونشاط التجارة، أقلّ اعتماداً على الرأسماليين الكبار.[11]

بعد تلخيصه لأفكار كوندورسيه التي انتقدها بشدة واستنتاجه المليء بالسخرية من الصورة التي رسمها كوندورسيه يقول مالثوس:

قد تظهر هذه المؤسسات والحسابات واعدة على الورق؛ ولكن عند تطبيقها على الحياة الواقعية، سيُكتشف بأنها باطلة بشكل مطلق.

وأحد أسباب ذلك هو تخفيف “مهماز الضرورة”: “إذا كان تأسيس هذه المؤسسات يؤدي إلى نزع هذا الحافز للعمل، وإذا تمَّ وضع الخاملين والمهملين في نفس المستوى فيما يتعلق بالائتمان، والدعم المستقبلي لزوجاتهم وأسرهم، فهل يمكن أن نتوقع أن نرى الناس يبذلون ذلك النشاط الدائب في تحسين أوضاعهم، والذي يشكل الآن الدعامة الأساسية للازدهار العام؟”  والسبب الآخر، و”إلى حد بعيد أكبر صعوبة،” هو مبدأ السكان ذاته.  “عندما يكون كل واحد متأكداً من توفر مؤونة كافية للعائلة، وأن كل شخص تقريباً سيحصل عليها؛ وإذا كان الجيل الصاعد متحرراً من “الصقيع القاتل” للبؤس، فلا محيص من تزايد السكان بسرعة.”[12]

إن الوجه الآخر لهذا القول يؤكد الموقف الطبقي لمالثوس في الدفاع عن منافع التفاوت الاقتصادي ونقد نظام إعانة الفقراء ونظرته الدونية لهم – كما يعرضه في الصفحات اللاحقة من كتابه (ص 45-55).

إن تأسيس شبكة للأمان الاجتماعي تقوم بتوفير معاش تقاعدي مدى الحياة مآله الفشل، من وجهة نظر مالثوس، حتى لو أن مثل هذه الشبكة تقوم على تطبيق مناهج الاحتمالات وقيمة المال عبر الزمن time value of money التي كانت قائمة في القرن الثامن عشر، وذلك بسبب الميل الطبيعي للبشرية للتكاثر.  وهو يرى بأن هناك حدود طبيعية لتقدم البشرية كامنة في هذا الميل.  ففي الأوقات الجيدة، سيتكاثر السكان وسيتنافسون في نهاية المطاف على الموارد المحدودة، وعليه فإن نظام التأمين الاجتماعي الذي يستهدف إزالة معاناة البشر يجلب معه خفض معدل الوفيات وزيادة النمو السكاني المدمر، والقضاء على حافز العمل الذي بدوره يؤدي إلى إبطاء إنتاج الغذاء والنمو الاقتصادي بالنسبة للنمو السكاني.  وقد أثبت التاريخ خطل هذه الحجة في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى التي قامت بتطبيق أنظمة الضمان الاجتماعي.

(3)

كوندورسيه والتأمين الاجتماعي

فيما يلي نعرض بعض أفكار كوندورسيه حول الضمان الاجتماعي.[13]

لقد طور كوندورسيه نظرية عامة للضمان الاجتماعي في الفترة التي ترافقت مع قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 وارتباطاً بالتحولات والأفكار الاقتصادية.  كان موقفه متقدماً في نظرته إلى الإعانة الاجتماعية، ضمن النظام الرأسمالي الناشئ، كمسألة قائمة على العدالة وليس الشفقة.  وقد ضمّن أفكاره في كتابه مخطط تاريخي لتقدم العقل البشري (1794).[14]

يُعرِّف كوندورسيه الرفاهية بأنها “عدم التعرض للبؤس والإذلال والقمع”.  وبهذا المعنى، فإنها هدف حكومي مناسب، أو “واجب تقتضيه العدالة”: “هذا هو الرفاه الذي تدين به الحكومات للشعب”.  “أن يكون لجميع أفراد المجتمع مورد رزق مضمون في كل موسم، وكل عام، وأينما كانوا يعيشون؛ وأن أولئك الذين يعيشون على أجورهم، قبل كل شيء، يجب أن يكونوا قادرين على شراء قوُتهم الذي يحتاجون إليه: هذه هي المصلحة العامة لكل أمة.”

اقترح كوندورسيه اثنين من السياسات الرئيسية لمنع الفقر.  الأولى، التي ربطها مراراً وتكراراً مع آدم سميث، كانت إشاعة التعليم العام.  إذ قال إنه من بين جميع أسباب الفقر، هناك سبب واحد فقط ينشأ نتيجة للتقدم الاقتصادي وليس لوجود المؤسسات السيئة.  وهذا هو الفقر الناتج عن “اختراع الآلات”، الذي يؤدي إلى البطالة بين “العمال الذين لا يعرفون سوى كيفية فعل شيء واحد.”  ولكن إذا تمَّ تعليم العمال بشكل أفضل، فإن سبب الفقر هذا سيكون مؤقتاً.  فالتوازن التنافسي العام لن يتحقق بكفاءة إلا إذا استطاع الناس الانتقال من صناعة إلى أخرى ومن وظيفة إلى أخرى: “سيستغرق الأمر بعض الوقت لإعادة تأسيس التوازن، ولكن سيكون الوقت أقصر طالما أن هناك حرية أكبر [في التحول من عمل إلى آخر].”

ومثل آن روبير جاك تورغو (1727-1781) الاقتصادي والسياسي، كان كوندورسيه يصرُّ على أن النساء والرجال يجب أن يكونوا متعلمين، ولا يكفي تدريبهم بل إعادة تدريبهم: “نحن نقترح تعليماً مشتركاً للرجال والنساء، لأننا لا نرى أي سبب ليكون مختلفاً”.  إضافة إلى ذلك فإن التعليم له أهميته السياسية والاقتصادية.  فالأشخاص الذين لا يعرفون الحساب، أو الذين لا يفهمون القوانين المحلية، يعتمدون على الآخرين: “يجب على المؤسسات الاجتماعية أن تقاوم، قدر الإمكان، عدم المساواة هذا الذي ينتج التبعية.”  فالتعليم ضروري، قبل كل شيء، “لإضفاء الحقيقة على التمتع بالحقوق التي يضمنها القانون للمواطنين”؛ “هل يستمتع الشخص بحقوقه، عندما يكون جاهلاً بها، عندما لا يستطيع معرفة ما إذا كانت هذه الحقوق عرضة للهجوم؟”

كانت سياسة كوندورسيه الثانية للحد من الفقر، وتعزيز المساواة الاجتماعية، النتيجة المباشرة لتجربته وتجربة تورغو مع أزمات الغذاء في سبعينيات القرن السابع عشر.  إن أحد أسباب الفقر، كما قال، هو الفقر نفسه: “كل أسرة لا تملك أرضاً، ولا ممتلكات منقولة، ولا رأس مال، مُعرَّضة للوقوع تحت طائلة البؤس بسبب أصغر حادث.  وبالتالي، كلما ازداد عدد العائلات المحرومة من هذه الموارد، زاد عدد الفقراء.”  وكان اقتراحه، في ظل هذه الظروف، إنشاء نظام لبنوك الادخار الاجتماعي: “من خلال فتح بنوك ادخار، يمكن عن طريقها توفير مدخرات صغيرة للمساعدة في المرض وفي الشيخوخة، بحيث يمكن للمرء أن يمنع البؤس.”

أثناء الثورة، طوّر كوندورسيه أفكاره حول المدخرات الصغيرة إلى نظام رئيسي للضمان الاجتماعي.  ووصف الآفاق المروعة للمرأة التي يعتمد وجودها “بشكل مطلق على طول حياة الزوج”، و”العدد الكبير من المعوَّقين والمسنين والنساء والأطفال الذين تتدهور أوضاعهم من حالة من الراحة إلى حالة من الفقر والبؤس.”.. وقال إن من الضروري، بالنسبة لرجل يعتمد عيشه على عمله، “أن يضمن من خلال مدخراته وسائل العيش في سن الشيخوخة،” فضلاً عن الموارد لزوجته وأطفاله في حالة مرضه أو وفاته.  وهذا يتطلب وجود وسائل آمنة لوضع مدخرات صغيرة للغاية – حتى يومية.  وقال إنه يمكن توفير مثل هذه الوسائل من خلال “جمعيات الأفراد أو الشركات أو حتى الدولة.”  لكن الجمعيات صغيرة جداً بحيث لا تستطيع تقديم منافع على المستوى الوطني، في حين أن الشركات الخاصة ترى أن الأعمال غير مربحة بما فيه الكفاية.

على النقيض من ذلك يمكن للدولة إنشاء مؤسسات للتأمين الاجتماعي بالاستفادة من “جداول الوفيات العامة” لأعداد كبيرة جداً من الأفراد المؤمن عليهم.  وبهذا الشأن كتب كوندورسيه إن الجمعيات والشركات الخاصة لديها خيار قبول “الأشخاص الذين يقرّر طبيبهم، والذين تثق بهم، أنهم قد يصلون إلى متوسط العمر المتوقع للناس في عصرهم.”  ولكن هذه الوسيلة لا يمكن أن تكون مناسبة لمؤسسة أنشأت لعموم الناس.

سيكون الناس في المستقبل آمنين في شيخوختهم، مع زيادة مدخراتهم بفضل مدخرات الآخرين الذين ماتوا قبل التقاعد.  وسوف تحصل العائلات على بعض “التعويض” إذا نكبوا بالوفاة المبكرة للأب.  ويمكن إنشاء مؤسسات التأمين “باسم السلطة الاجتماعية،” ولكن يمكن أيضاً أن تتشكل كـ”جمعيات للأفراد،” لأن مبادئ التأمين الاجتماعي ستكون مألوفة بشكل أكبر.  “إن تطبيق الحساب على احتمالات العمر المتوقع، وعلى التوظيفات المالية” ستستخدم، من الآن فصاعداً، لصالح “المجتمع بأكمله.”  ومن رأيه أن الحقبة القادمة لن تكون حقبة للمساواة الاقتصادية “الكاملة” – التي اعتبرها غير ملائمة للصناعة – ولكن حقبة “المساواة الاجتماعية” التي ستنشأ في أعقاب التعليم والتأمين الاجتماعي.  ومن رأيه أيضاً أن “المساواة الاجتماعية كافية، بحد ذاتها، للتخلص من سببين رئيسيين للفساد والإجحاف corruption and prejudices، وهما الخمول والمثال السيئ.”

(4)

موقف من الدخل الأساسي الشامل والتأمينات الاجتماعية

في مناقشة للدخل الأساسي الشامل كتبت إيما روتشايلد، مديرة مركز التاريخ والاقتصاد في كلية كنغز في جامعة كمبردج، الآتي:

لقد كانت سياسات الاقتصاديين في القرن الثامن عشر الخاصة بزيادة الضمان الاجتماعي مختلفة إلى حد كبير عن مفهوم الدخل الأساسي الشامل لجميع المواطنين Universal Basic Income (UBI).  ففي تسعينيات القرن الثامن عشر، اقترح كوندورسيه حزمة تضم التأمينات الاجتماعية، والتعليم، والإغاثة في حالات الطوارئ، ونظام شامل لمصارف الادخار، حيث يمكن حتى إيداع أصغر المدخرات اليومية بأمان (نوع من الائتمان الصغير micro-credit، حيث يكون الفقراء بمثابة الدائنين).  إن السياسات الاجتماعية من هذا النوع هي مكملة للدخل الأساسي الشامل للجميع، وستظل هذه السياسات مهمة حتى لو تم تنفيذ UBI.  إن هدف زيادة الضمان الشامل للإعانة لا يتطلب وجود UBI لا بل أن الـ UBI قد يزيد من عدم المساواة فعلاً، إذا تم تمويله من خلال تخفيض النفقات الاجتماعية، أو في المدفوعات للمسنين والعجزة، أو الإعانة في حالات الإغاثة الطارئة.[15]

إن أفكار مالثوس حول السكان ما زالت تثير النقاش، أما أفكار كوندورسيه فقد تُرجمت فلسفتها في أنظمة الضمان الاجتماعي المختلفة التي تبنتها معظم الدول الرأسمالية.


[1] فصل من كتاب بعنوان التأمين في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي لم ينشر بعد.

[2] كانت هذه المراسيم جزءاً من الحرب الاقتصادية ضد بريطانيا بدأها نابليون سنة 1806 و 1807 والتي فرضت الحظر على التجارة مع بريطانيا.

[3] T. R. Malthus, An Essay on the Principle of Population, edited by Donald Winch (Cambridge: Cambridge University Press, 1992), p 175.

[4] المصدر السابق، ص 176.

[5] تورد الموسوعة الحرة التفاصيل التالية عن هذا المقياس:

https://en.wikipedia.org/wiki/Quarter_(unit)

In measures of weight and mass at the time of the Magna Carta, the quarter was ¼ ton or (originally) 500 pounds. By the time of the Norman French copies of the c. 1300 Assize of Weights and Measures, this had changed to 512 lbs.[6] These copies describe the “London quarter” as notionally derived from 8 “London bushels” of 8 wine gallons of 8 pounds of 15 ounces of 20 pence of 32 grains of wheat, taken whole from the middle of an ear;[7][8] the published Latin edition omits the quarter and describes corn gallons instead.[9]

The quarter (qr. av. or quartier) came to mean ¼ of a hundredweight: 2 stone or 28 avoirdupois pounds [10] (about 12.7 kg).

[6] Geoffrey Clark, “Insurance as an Instrument of War in the 18th Century,” The Geneva Papers on Risk and Insurance, Vol. 29, No. 2 (April 2004) 247-257.

قمت بترجمة هذه الدراسة إلى العربية لكنها لم تنشر بعد.

[7] تمَّ حل لجنة تسعير أخطار الحرب في تموز/يوليو 2004 كونها تتنافى مع قوانين المنافسة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والاكتفاء بإصدار النشرات الخاصة للمكتتبين حول المناطق الساخنة التي تنطوي على خطر الحرب.

[8]John Bellamy Foster, “Malthus’ Essay on Population at Age 200,” Monthly Review (December, 1998)

وهي منشورة أيضاً كفصل في كتابه:

Ecology Against Capitalism (New York: Monthly Review Press, 2002), pp 137-154>

[9] Antoine-Nicolas De Condorcet, A Sketch for a Historical Picture of the Progress of the Human Mind.

[10] Malthus، مصدر سابق، ص xxvii.

[11] Malthus، مصدر سابق، ص 47.

[12] Malthus، مصدر سابق، ص 47.

[13] اعتمدنا في كتابة هذا القسم على ترجمة ما ورد من نصوص لكوندورسيه (وبعضها مذكور في كتاب مالثوس) في دراسة:

Emma Rothschild, “The Debate on Economic and Social Security in the Late Eighteenth Century, Lessons of a Road Not Taken,” United Nations Research Institute for Social Development Dp 64 (1995)

وكذلك الاقتباسات المختارة من كتابات كوندورسيه المنشورة في موقع Humanistic Texts

http://www.humanistictexts.org/condorcet.htm

[14] للتعريف بكوندورسيه وكتابه راجع: د. السيد محمد البدوي، مخطط تاريخي لتقدم العقل البشري (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995)، سلسلة تراث الإنسانية.

file:///C:/Users/Misbah%20Kamal/Downloads/Booksstream_k33_BookK2RTFTF6.pdf

[15] Emma Rothschild, “A response to “A Basic Income for All” by Philippe van Parijs,” Boston Review http://bostonreview.net/archives/BR25.5/rothschild.html