Monthly Archives: جويلية 2016

Absence of Insurance in the Draft Programme of the Iraqi Communist Party

غياب التأمين في برنامج الحزب الشيوعي العراقي المعروض (للمناقشة)

 

 

نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 382، أيار 2016.

 

مصباح كمال

 

 

مقدمة

 

وصلني مؤخراً برنامج الحزب الشيوعي العراقي المعروض (للمناقشة)، المنشور في جريدة طريق الشعب، ص 5–8، الخميس 24/ 3/ 2016. وهو، كما جاء في الجريدة، “برنامج الحزب الذي اقره المؤتمر الوطني التاسع في عام 2012، والذي هو بمثابة مشروع البرنامج الجديد المطروح للمناقشة والاقرار في المؤتمر القادم.”

 

عندما نُشرت مسودة برنامج الحزب عام 2012 كتبت مقالة في كانون الثاني 2012 بعنوان “حاشية حول التأمين في مسودة موضوعات سياسية للمؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي”.[1] لكن أياً من المقترحات التي ضمتها لم تجد لها مكاناً في البرنامج الذي تبناه المؤتمر الوطني التاسع. وهو ما يؤسف له لأن الحزب الشيوعي العراقي كان متميزاً عن بقية الأحزاب العراقية لإيلاء موضوع التأمين اهتماماً. ففي تلك المقالة اقتبست الفقرة التالية التي وردت تحت عنوان “الطريق الى تنمية مستدامة” من الفقرة 84 من مسودة الموضوعات:

 

… اعادة الحياة للمنشآت والمؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية، عبر اصلاح الادارة الفنية والمالية لقطاع الدولة، وتوفير مستلزمات نهوضه واعادة بنائه على اسس المردود الاقتصادي والمنفعة الاجتماعية، وتشجيع ودعم القطاع الخاص، وتأمين الحماية له من الاغراق والمنافسة غير العادلة، وتوفير التسهيلات المصرفية والتأمين والخدمات، كي يستعيد هذا القطاع عافيته ودوره في رفد الاقتصاد الوطني.

 

وقلت في تعليقي:

 

بهذه الإشارة ربما يكون الحزب الشيوعي العراقي أول حزب سياسي في العراق يدخل كلمة التأمين، بمعناها الاصطلاحي، في واحدة من أدبياته المهمة. لكن التأمين في صورة التأمينات الاجتماعية ليس غائباً في أدبيات الحزب.[2] وقد وصفنا اهتمام الحزب بهذه التأمينات بالقول:

 

إن الحزب الشيوعي يبدي اهتماماً، مع بعض التفصيل، بموضوع التأمين ولكن ليس في صيغته التجارية في حماية الأفراد والشركات ضد الخسائر التي تصيبها، وليس أيضاً كآلية تمويلية للنشاط الاقتصادي الاستثماري، وإنما من منظور الأشكال المختلفة للضمان الاجتماعي التي يحصرها بالدولة إذ لا يرد أي دور للسوق بهذا الشأن.

 

تضمن برنامج الحزب المعروض الآن للمناقشة مواقف وسياسات حول قضايا مختلفة: بناء الدولة والنظام السياسي، السياسة الاقتصادية-الاجتماعية، المديونية الخارجية والتعويضات، ضوابط الاستثمار الخارجي، القطاعات الاقتصادية (القطاع النفطي الاستخراجي، الطاقة والكهرباء، الصناعة، الزراعة، التجارة الداخلية والخارجية، السياحة، التشييد والإعمار)، القطاعات الاجتماعية والخدمية، التربية والتعليم والبحث العلمي، الصحة، الموارد المائية، البيئة، الثقافة، الإعلام، الاتصالات، النقل، المواصلات، الرياضة، شؤون العمال والشغيلة، المرأة، الشبيبة والطلبة، حقوق الطفل، منظمات المجتمع المدني، القوات المسلحة، حقوق القوميات، العلاقات الخارجية.

 

ترى لم لم يرد ذكر التأمين ضمن هذه التفاصيل؟ الجواب هو عند اللجنة التي قامت بصياغة البرنامج. ولعلنا نقرأ رأياً لها بهذا الشأن. ويكفي هنا القول بأن التأمين لم يحتل مكاناً له في التفكير العام لواضعي برنامج الحزب.

 

مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق

 

ما يهمنا هو استعادة ما كتبناه في الماضي فيما يخص وضع سياسة مرحلية تجاه النشاط التأميني مع بعض الإضافات الجديدة. اقترحت الخطوط العامة لهذه السياسة كما يلي كي تتناسب مع الطبيعة العامة لبرنامج سياسي حزبي:

 

يستحق قطاع التأمين اهتماماً خاصاً نظراً للدور “الإنتاجي” الذي يلعبه في التعويض عن الأضرار والخسائر المادية التي تلحق بالأفراد والعوائل والشركات على أنواعها، والدور الاستثماري من خلال تجميع أقساط التأمين. وسيزداد هذا الدور أهمية مع التطور الاقتصادي والاجتماعي للعراق مع تعاظم حجم أقساط التأمين، وضرورة ضمان استفادة شركات التأمين العامة والخاصة المرخصة بالعمل في العراق من هذه الأقساط إذ أن قدْراً كبيراً من الأقساط يتسرب إلى الخارج. لذلك يجب العمل الآن على إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لتغيير الرؤية الخاطئة التي يقوم عليها هذا القانون وأحكامه الضارة بالقطاع، ورسم سياسة للقطاع يحول دون التسرب غير القانوني لأقساط التأمين خارج العراق.[3]

 

أما تفاصيل هذه السياسة ووسائل تحقيقيها التي أتيت على ذكرها فهي تضم مع بعض الإضافات الجديدة ما يلي:[4]

 

أولا – توطين التأمين

 

  1. اشتراط إجراء التأمين على الأصول المادية والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها حصراً لدى شركات تأمين مسجلة لدى الدوائر المختصة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين العراقي.
  2. تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها ديوان التأمين العراقي.
  3. اشتراط ان تكون استيرادات العراق بشروط الكلفة والشحن (سي أند اف – C & F) وليس بشروط الكلفة والتأمين والشحن (سي آي اف -CIF ) عند فتح الاعتمادات المستندية مع المصارف.
  4. فرض غرامات مالية وغير مالية عند مخالفة شرط التأمين لدى شركات مجازة من قبل ديوان التأمين العراقي على أي طرف عراقي أو اجنبي يعمل في العراق (أي المؤمن له)، وإلزام الطرف المخالف بشراء التأمين من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
  5. تعزيز الالتزام بهذه الشروط أعلاه وضمان تطبيقها من خلال التنسيق مع الإدارات الجمركية لتقييد إخراج البضائع المستوردة على أنواعها من الموانئ العراقية البرية أو البحرية أو الجوية وذلك باشتراط إبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
  6. عدم تقديم السُلف أو الدفع على الحساب أو إجراء التسوية النهائية لعقود المقاولات دون إبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
  7. النص في عقود الدولة على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة ومجازة في العراق. وكذلك وضع نماذج موحدة لشروط التأمين والتعويض في عقود الدولة مع شركات المقاولات العراقية والأجنبية.
  8. تأمين صناعة النفط والغاز، في جميع مراحلها، لدى شركات التأمين المسجلة في العراق العامة أو الخاصة منها.
  9. تشجيع تأسيس شركات تأمين كبيرة ذات قدرات مالية قوية وكوادر وظيفية عالية الكفاءة من خلال دمج شركات التأمين الخاصة الصغيرة.

 

ثانياً – تعزيز مؤسسات التأمين

 

  1. العمل على ضمان استقلالية ديوان التأمين العراقي رغم تابعيته لوزارة المالية وتكريس مكانته كمؤسسة شبه حكومية، وتعزيز جهازه الفني من خلال التدريب لدى هيئات الرقابة العربية المتمرسة في مصر أو الأردن على سبيل المثل؛ وكذلك ضمان عدم تضارب المصالح بينه وبين شركات التأمين.
  2. تحسين مستوى الرقابة التي يمارسها ديوان التأمين لضمان عدم تسرب أقساط التأمين، دون وجه حق، إلى الخارج؛ وكذلك التأكد من صحة عقود إعادة التأمين التي تبرمها شركات التأمين الخاضعة لرقابته.
  3. المساواة في التعامل مع شركات التأمين العامة والخاصة والوقوف على مسافة واحدة منها من قبل ديوان التأمين وشركة إعادة التأمين العراقية.
  4. جعل جمعية التأمين العراقية مؤسسة مفتوحة لجميع أعضائها من شركات التأمين، والتأكيد على الهوية غير الحكومية للجمعية، والمساواة بين شركات التأمين العامة والخاصة في تشكيل أجهزة الجمعية، وضمان استقلال عملها، واستكمال كادرها الفني ورفع مستوى البيانات والمطبوعات التي تصدرها.
  5. تكثيف التدريب المهني للعاملين والعاملات في قطاع التأمين.[5]
  6. دعم مكانة ودور شركة إعادة التأمين العراقية، أو التفكير بإعادة هيكلتها باستلهام ماضيها في الستينيات والسبعينيات.

ثالثاً – تأسيس سوق فيدرالي للتأمين

 

  1. معالجة إرث النظام السابق فيما يخص مصالح الأطراف المتضررة وخاصة أولئك الذين هُجّروا بذريعة التبعية، وحل أية إشكالات قائمة بين شركات التأمين العامة وحكومة إقليم كوردستان بغية التمهيد لرجوع فروع شركات التأمين العامة إلى الإقليم، وسماح حكومة الإقليم بتأسيس فروع للشركات العامة والخاصة في الإقليم.
  2. العمل على تأسيس سوق تأميني فيدرالي موحد من خلال نظام رقابي موحد على النشاط التأميني، لتجنب ازدواجية الرقابة وكلفتها الإدارية والمالية على شركات التأمين، وضمان حرية عمل شركات التأمين في جميع أنحاء العراق.
  3. اتخاذ خطوات جادة للبدء باستخدام اللغة الكردية في مجال التأمين في إقليم كوردستان.

 

رابعاً – إضافات للمشروع

 

يمكن إضافة عناوين ثانوية أخرى للسياسة التأمينية كالتأسيس لثقافة تأمينية على مستوى المؤسسات والأفراد؛ والتأمين الاجتماعي في مختلف أشكاله ووضع القواعد المناسبة لتمويله؛ والتأمين الصحي ونظام طبيب الأسرة؛ وإعادة النظر في إدارة قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات (القانون رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته)؛ ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة وبأسعار تأمينية لا تثقل كاهل المستقرضين الصغار؛[6] بناء صندوق حكومي للتعويض عن الأضرار المادية التي تلحق بالأفراد نتيجة للكوارث الطبيعية؛[7] دراسة جعل التأمين من الحريق على منشآت الأعمال التي تستخدم عدداً معيناً من العاملين أو رأسمالاً بحد معين إلزامياً، إضافة إلى جعل التأمين على المُنْتَجْات والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة اجبارياً وذلك لحماية حقوق المستهلك؛[8] وغيرها من الموضوعات.

 

خاتمة

 

يبدو أننا نشهد موسماً جديداً لغياب التأمين في الفكر العراقي. فقبل فترة قصيرة جرى تداول مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي، وكلا المشروعين أهملا ذكر التأمين في الهيكل التنظيمي المقترح للشركة والصندوق.[9]

 

ربما لم نكن نعير غياب التأمين في برنامج لحزب سياسي عريق مُعد للمناقشة لولا أن الحزب كان قد أبدى اهتماماً في الماضي بالتأمين، وهو ما أثنينا عليه كما جاء في مقدمة هذه المقالة، مثلما رحبت مجلة الثقافة الجديدة مشكورة لانفتاحها على نشر العديد من المقالات حول التأمين. نأمل أن يسترجع التأمين شيئاً من أهميته في برنامج الحزب الشيوعي العراقي ليكون بذلك أول حزب سياسي عراقي يتبنى موقفاً تجاه مؤسسة التأمين.

 

مصباح كمال

 

لندن 24 آذار 2016

[1] طريق الشعب، الخميس 18 آب/أغسطس 2011.

http://www.iraqicp.com/2010-12-30-11-08-49/5959-2011-08-18-19-43-31.html

النص الأصلي لهذه المقالة متوفرة بصيغة بي دي إف لدي لمن يرغب الحصول عليه.

 

[2] مصباح كمال، “التأمينات الاجتماعية في العراق: قراءة لموقف الحزب الشيوعي العراقي”، الثقافة الجديدة، العدد 338، 2010. نشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.com/2010/08/338-2010-56-65.html

[3] جبار عبدالخالق الخزرجي، سعدون الربيعي، فؤاد شمقار، محمد الكبيسي، مصباح كمال، منعم الخفاجي، مساهمة في نقد ومراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، تحرير: مصباح كمال، (مكتبة التأمين العراقي، 2013).

 

مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

 

[4] معظم هذه التفاصيل كانت موضوعات لدراسات ومقالات منشورة في الثقافة الجديدة، شبكة الاقتصاديين العراقيين، مرصد التأمين العراقي ومجلة التأمين العراقي. سأشير إلى بعضها في الهوامش.

[5] مصباح كمال، التدريب المهني بين الجمعية والديوان: ملاحظات أولية، مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/12/03/training-professional-development/

[6] مصباح كمال، برنامج البنك المركزي للقروض الصناعية والزراعية والإسكان ومكانة التأمين، مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/09/7-2015-2015.html

 

[7] مصباح كمال، خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين، شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2014/10/09/

 

[8] مصباح كمال، التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية، الثقافة الجديدة، العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63

[9] للاطلاع على موقفي من هذا الغياب مشروع قانون شرطة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي راجع:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/03/iraq-national-oil-co-draft-law-absence.html

 

http://iraqieconomists.net/ar/2016/03/23/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86

 

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/03/absence-of-insurance-in-draft-law-on.html

 

http://iraqieconomists.net/ar/2016/03/23/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86/

Iraqi Jews and their Role in Insurance Activity

اليهود والنشاط التأميني في العراق

 

 

مصباح كمال

 

 

في آذار 2012 كتبت مقالة بعنوان “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق”[1] اعتمدت فيها على الدليل التجاري العراقي عام 1936، ومما ذكرته فيها إن

 

الرصد السريع لقائمة الوكالات يبين ان ما يقارب نصف عدد الوكالات عراقية وهذا مؤشر على ان التجار وأصحاب المال العراقيين، يهود ومسيحين ومسلمين، كانوا آنذاك مهتمين بالنشاط التأميني كمتمم للنشاطات الأخرى التي كانوا يقومون بها.  من ذلك أن اشتغالهم في تجارة الاستيراد لحسابهم أو لحساب أطراف أخرى (كوكلاء بالعمولة) ولّدَّ الاهتمام بإجراء التأمين المناسب كالتأمين البحري على البضائع.

 

وجاء تأكيدي على تقديم دور التجار وأصحاب المال من اليهود العراقيين اعتماداً على أسماء بعض وكالات التأمين التي عرضت بعضها في المقالة.[2]  وقتها لم أتوفر على مصادر أخرى لإثبات هذا القول.  وقد تسنى لي مؤخراً قراءة كتاب موسوعي مهم للدكتور كاظم حبيب يهود العراق والمواطنة المنتزعة[3] أفرد فيه مبحثاً لـ “فئة البرجوازية التجارية وأصحاب الأموال (الصرافون) اليهود” أورد فيه بعض المعلومات المؤيدة لما كتبته.  كتب د. حبيب أنه

 

على وفق المعلومات المتوفرة فإن الفترة الواقعة بين 1921-1936 شهدت توسعاً مهماً في النشاط التجاري ليهود العراق في أغلب المجالات الاقتصادية، وخاصة في مجال الاستيراد، وبمستوى أقل في قطاع التصدير، حيث تركز على سلع قليلة ولكنها مهمة.

 

لو توسعنا في تعريف مجال الاستيراد ليشمل الخدمات عندها نستطيع القول بأن النشاط التأميني أرتبط باستيراد الحماية التأمينية من خارج العراق سواء من خلال وكالات التأمين أو فروع شركات التأمين الأجنبية العاملة في العراق، أي أن رأس المال المحلي، حسب اجتهادنا، لم يكن موظفاً لتحمُّل الأخطار المؤمن عليها من قبل فروع الشركات الأجنبية.  وكالات التأمين، بفضل طبيعتها، تنوب عن شركات التأمين ولا تتحمل نتائج الأخطار المؤمن عليها (التعويضات) لحسابها الخاص، ودورها يقتصر على إنتاج وثائق التأمين لصالح شركات التأمين الأجنبية أو فروعها في العراق، وربما يتمتع البعض من الوكالات بتفويض اكتتابي underwriting/binding authority لإصدار وثائق التأمين وتسوية المطالبات بالتعويض وضمن حدود معينة تحددها شركة التأمين الأجنبية أو فرعها في العراق.

 

عرضَ بعدها جدولاً لتقديم صورة “عن العدد الكبير للتجار اليهود عل نطاق العراق” (ص 12-13) استقطعُ منه التالي فيما يخص النشاط التأميني:

 

القطاع إجمالي عدد التجار عدد التجار اليهود نسبتهم %
الصيارفة 11 9 81.8%
شركات التأمين 18 9 50.0%

 

يستدلُّ د. حبيب من الجدول،[4] وفيما يخص موضوع التأمين، على ما يلي:

 

إن التجار والصيارفة من المواطنين اليهود قد سيطروا بشكل واضح على أهم فروع التجارة والصيرفة والتأمين، إضافة إلى التجار العامين ووكلاء العمولة أو القومسيون. (ص 97)

 

كما أن التجار اليهود العراقيين هم الذين أسسوا شركات التأمين وإعادة التأمين بالعراق وتعاونوا في ذلك مع شركات التأمين والتجارة البريطانية. (ص98)

 

حقاً ان الجدول يؤكد سيطرة التجار اليهود على التأمين، لكن شكل هذه السيطرة غير معروفة؛ أهي من خلال امتلاك أسهم شركات التأمين أو وكالات التأمين أو عدد العاملين فيها- هذا بافتراض وجود شركات تأمين عراقية وطنية، بالمعنى الضيق، قبل الحرب العالمية الثانية. ما نعرفه هو أن التجار اليهود، اعتماداً على مير بصري، “أسسوا أيضاً شركة تأمين عراقية”[5] لاحظ أن التأسيس ينصب على شركة واحدة وليس عدة شركات. كما أن اسم وتاريخ تأسيس الشركة وأسماء مؤسسيها والمشاركين في رأسمالها ليس معروفاً. ولا نعرف على وجه الدقة عدد العاملين من اليهود وغير اليهود والمواقع التي كان يشغلونها في الشركات التي كانوا يعملون بها. مما لا ريب فيه أنه وبسبب تحريم اشتغال اليهود في مؤسسات الدولة، ومنها شركات التأمين الحكومية في وقت لاحق، فإن البعض منهم اتجه بحكم الضرورة إلى العمل في الشركات الخاصة اليهودية وغير اليهودية. المتداول في أدبيات التأمين العراقي أن أول شركة تأمين عراقية تأسست عام 1946 باسم شركة الرافدين للتأمين برأسمال عراقي بنسبة 40% ورأسمال أجنبي بنسبة 60%. ترى هل كانت إشارة مير بصري لهذه الشركة؟[6]

 

القول بأن التجار اليهود العراقيين هم الذين أسسوا شركات إعادة التأمين بالعراق يحتاج إلى دليل قد يمكن الحصول عليه من خلال بحث أساسي في تاريخ التأمين. نحن نشك بوجود شركة عراقية متخصصة لإعادة التأمين قبل عام 1960 عندما تأسست شركة إعادة التأمين العراقية. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الحاضر لم يتأسس غيرها. قبل ذلك كانت شركات التأمين العراقية تشتري حماية إعادة التأمين، الاتفاقي والاختياري، من شركات إعادة تأمين أوربية عريقة في لندن وزوريخ وميونيخ.

 

فيما يخص التعاون مع شركات التأمين والتجارة البريطانية ربما كان يدور في ذهن د. حبيب شركات محددة كشركة أندرو ويير& Co Ltd Andrew Weir التي كانت تجمع بين نشاطات متعددة من بينها التأمين واحتكار تجارة تصدير التمور (1939-1952).[7] وقد عرضنا التداخل بين النشاطات المتنوعة للوكالات في مقالتنا “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق.” وخير مثال على ذلك أيضاً ما جاء في كتاب حنا بطاطو حول أعضاء “الدرجة الأولى” في غرفة تجارة بغداد للعام 1938-1939 حيث يأتي على ذكر شركة إ. [إبراهيم] و ش. [شفيق] عدس المحدودة ويحدد طبيعة عملها: “تجار ووكلاء سيارات وتأمين.”[8]

 

إن تاريخ النشاط التأميني في العراق لم يخضع للبحث الأكاديمي وليس هناك كتاب مكرَّس لهذا التاريخ.[9] ولذلك لا نعرف إلا النزر اليسير عن دور اليهود في النشاط التأميني- كما جاء أعلاه. هناك مصادر ومراجع وأرشيفات شركات التأمين لم يتم الاستفادة منها سواء في البحث عن التاريخ العام للنشاط التأميني في العراق أو دور اليهود العراقيين فيه.[10] ونحن نفترض أن دور اليهود (في العمل في وكالات وشركات التأمين) قام على أساس المهارات اللغوية التي كانوا يتمتعون بها بفضل الدراسة في المدارس اليهودية التي كان منهاجها يتضمن تدريس اللغة الإنجليزية والفرنسية وأساسيات العلوم الحديثة،[11] وعلى أساس الثروة المالية لدى بعض التجار اليهود (الموظفة في تأسيس الوكالات والشركات). ربما ساهم عدم وجود موقف ديني يهودي واضح رافض لآلية التأمين إلى ولوج العديد من اليهود المتعلمين في العمل التأميني.

 

إن الموضوع بانتظار من يقوم بالبحث فيه، سواء من منظور شخصيات تأمينية وسلوك هذه الشخصيات في إطار المتغيرات السياسية والقانونية، أو من منظور المشروع التجاري، أي شركات التأمين ذاتها، إذ أن محتوى الأدبيات المتوفرة عنه ضعيف جداً. إن البحث والكتابة عن دور اليهود ومكانتهم في النشاط التأميني هو في نفس الوقت بحث عن تاريخ التأمين في العراق. من المؤسف أن هذا النوع من التاريخ الاقتصادي الذي يركز على الشركات والقائمين عليها ليس معروفاً في العراق. يقول المؤرخ الأمريكي جيرالد فيلدمان “إن العمل على ترويج تاريخ نقدي للأعمال [تاريخ الشركات] يقع في خانة المسؤولية العامة مثلما يُعبّر عن سياسة حكيمة فمجتمع الأعمال هو المستفيد من التقييم الرصين لتاريخه.”[12]

 

 

19-23 تموز/يوليو 2016

 

 


 

الملحق رقم 1

روايات شفهية حول النشاط التأميني لليهود العراقيين

 

(1)

 

أثناء كتابة هذه المقالة استعنت بالسيد أميل كوهين بفضل اتصالاته الواسعة مع المجتمع اليهودي العراقي في الخارج. وقد أفادني بأن صديقاً له، صباح عقيرب، كان يعمل في ستينيات القرن الماضي في إحدى شركات التأمين في بغداد. وقد اتصلت به إلا أنني لم أحصل منه على معلومات ملموسة عن اليهود الذين عملوا في وكالات وشركات التأمين العاملة في العراق وأسماء هذه الوكالات والشركات. وتبين لي من خلال متابعات أميل كوهين أنه كان يعمل في شركة ناشونال إنشورنس كومباني أوف نيو زيلاند National Insurance Company of New Zealand، وهي فرع للشركة الأم في نيوزيلندا، ولكن دون معرفة الفترة التي عمل فيها والموقع الذي كان يشغله.

 

وأعلمني أميل كوهين أن أبوه، منشي كوهين، عمل لبعض الوقت في ستينيات القرن الماضي مع شركة ﮔارديان للتأمين Guardian Assurance Co وهي فرع للشركة الأم في بريطانيا وقد بدأت العمل في العراق عام 1920.

 

(2)

 

أوصلني أميل كوهين إلى السيد منشي سوميخ الذي كتب لي دون إبطاء، رغم كبر سنه، الرسالة التالية بتاريخ 21 تموز 2016:

 

قرأت رسالتك، وتصفحت كذلك المواد المرفقة، واني أقدر الجهد الذي بذلته في اعداد هذه الدراسة التي تتناول فرعا هاما من فروع النشاط الاقتصادي في العراق. واني اذ أتمنى لك النجاح في مواصلة هذه الدراسة ارجو ان اعلمك باني غادرت العراق عام 1951 بعد ان امضيت معظم اوقاتي في السنوات الست بعد انهاء الدراسة الثانوية، في نشاطات سياسية وصحفية، ولم يكن لي في حينه اية علاقة بالنشاطات التجارية والاقتصادية، ولا أتذكر ان أحدا من اقربائي او معارفي كان يمارس عملا في شركات التأمين او كانت له علاقة بشؤون التأمين. واليوم وانا في التسعين من عمري لا امل في أن أجد في محيطنا أشخاصا يمكن ان استقي منهم معلومات تخص النشاط التجاري والتأميني في الفترة المقصودة بسؤالك من تاريخ العراق الاقتصادي. ان كل ما اتذكره عن موضوع التأمين في العراق هو تلك اللوحة الصغيرة الملونة التي كانت تلصق في واجهة البيوت المؤمنة ضد الحريق، ولا أدرى ماذا كان اسم شركة التأمين ومن هم الأشخاص الذين اداروها او كانت لهم وظائف فيها.

 

وأخيرا، لا يسعني الا ان أعرب لك عن اسفي لعدم تمكني من تزويدك بالمعلومات التي طلبتها متمنيا لك النجاح والتوفيق في كل ما تصبو اليه.

 

المعلومة الصغيرة التي وردت في هذه الرسالة عن “اللوحة الصغيرة الملونة التي كانت تلصق في واجهة البيوت المؤمنة ضد الحريق” معلومة أصيلة لأنني لم أجد في قراءاتي أي ذكر لها. ومن المعروف أن تثبيت مثل هذه اللوحات كان قائماً في القرنين السابع عشر والثامن عشر في بريطانيا.[13] هذه المعلومة بذاتها تضيف شيئاً جديداً للمعرفة التاريخية بالنشاط التأميني في العراق.

 

آمل أن تشجع هذه المعلومات الصغيرة غير المكتملة المهتمين بالموضوع على كشف المزيد لتكوين صورة أفضل عن الواقع التاريخي للنشاط التأميني في العراق، كالسبب وراء تثبيت هذه اللوحات، وهل أن ذلك يعني بأن شركات التأمين كانت تمتلك خرائط تفصيلية عن المدن الرئيسية كبغداد والبصرة، وهل هناك صورة لبيت تظهر فيها مثل هذه اللوحة.

 

وكتب التالي في رسالة ثانية بتاريخ 22 تموز 2016:

 

شكرا على رسالتك وعبارات الاطراء التي تضمنتها. إني في الواقع اشعر بأسف شديد لعدم تمكني من المساهمة في البحث عن المعلومات المطلوبة للدراسة التي تعمل على اعدادها. اما عن المعلومة الخاصة بلوحة التأمين فمن الطبيعي أنك تستطيع استعمالها وليس من حاجة لان تنسبها اليّ.

 

واني، كما قلت في رسالتي السابقة، لم تكن لي اي علاقة بشؤون التأمين، ومع ذلك فان من الأمور التي اتذكرها، ان البضائع التي كانت تستورد من الخارج كانت تخضع اثناء شحنها للتأمين أوتوماتيكياً، وإذا حدث ان أصيبت باي ضرر اثناء شحنها فان شركات التأمين تكشف عليها وتحدد مدى الضرر الذي أصابها والتعويض الذي عليها ان تدفعه لأصحابها. والمهم هنا هو ان الشركات والتجار كانوا يستعملون في موضوع التأمين مصطلحات مشتقة من اللغة الإنكليزية. فشركات التأمين تسمى شركات السيكورته، والبضائع المؤمنة هي بضائع مسوكرة. وكانت كلمة مسوكر تستعمل عادة لأمور مؤمنة ومضمونه وهي مشتقة طبعاً من الكلمة الإنكليزية (secure – security)،[14] وكانت البضاعة المتضررة تسمى – دامج – المشتقة من الإنكليزية (damage). وهناك بالتأكيد مصطلحات أخرى مشتقة من الإنكليزية يعرفها الذين مارسوها في الأسواق التجارية.

 

وفي غضون ذلك سأواصل البحث عن اشخاص كانت لهم علاقة بشؤون التأمين لعل وعسى ان احصل على المزيد من المعلومات.

 

تحياتي وتمنياتي لك بالخير والسعادة والفلاح.

 

(3)

 

في أواخر عام 2015 بعث لي السيد ميرزا مراد مجيد خان، أحد ممارسي التأمين المخضرمين في بغداد، رسالة قصيرة[15] ذكر فيها أنه عمل في أوائل خمسينيات القرن الماضي في شركة ستريك[16] Strick House ضمن طاقم الموظفين staff.  وذكر أيضاً أن

 

“كان معظم الموظفين في الشركة من الإنكليز أو العراقيين اليهود وكنت المسلم الوحيد بينهم. لم أشعر ولم يشعر غيري بالتفرقة الدينية.

 

كان قسم التأمين يديره شخص يهودي اسمه سليم عوبديا، أو بالحقيقة شالوم. كان ذو أخلاق عالية تساعده موظفة يهودية تزوجها لاحقاً بالرغم من فارق العمر الكبير بينهما. لم أشعر بأي تمييز وهم لم يمارسوا أي تمييز ضدي لا بل علموني المبادئ الأساسية للتأمين والعمل المصرفي وعمليات النقل إذ أن الشركة كانت تمتلك وتدير خطاً ملاحياً بحرياً باسم Strick and Ellerman.”

 

القول إن “معظم الموظفين في الشركة من الإنكليز أو اليهود العراقيين” يؤكد حضوراً قوياً لليهود في قطاع التأمين، وهو ما يؤكده أيضاً العدد الكبير نسبياً من وكالات التأمين التي أسسها يهود عراقيون في ثلاثينيات القرن الماضي كما عرضتها في الملحق رقم 2 أدناه. وسيلاحظ القراء أن هذه الشركة تستخدم عراقية يهودية. وهذا جانب يؤكد على سبق النساء اليهوديات في العمل في الشركات.

 

وذكر أيضاً بأن

 

“كان النقل البحري هو الاختصاص الرئيسي للشركة ولكنها كانت تضم أقساماً تجارية أخرى مثل التأمين، ووكالات للمشروبات الكحولية كالويسكي والبراندي (Johnny Walker, Haig, Hennessey)، والسكائر (Players)، وتجارة الشاي والرز، والمدافئ النفطية المنزلية (Valor)، والأدوية الطبية لشركة كلاكسو (Glaxo)، والمنظفات (Unilver) … الخ. إضافة الى كونها تمثل فرعاً لشركة التأمين البريطانيةRoyal Insurance وكان يشرف عليه، بالإضافة إلى المدير اليهودي، شخص إنكليزي اسمه Duddly.”

 

وقد ورد اسم الشركة ضمن وكالات التأمين في بغداد، في الملحق رقم 2، تحت اسم Strick, Frank C & Co (Busrah) Ltd وأفادنا السيد خان هنا أنها كانت تمثل “فرعاً” لشركة رويال للتأمين، وهذه معلومة جديدة.

 

(4)

 

أطلع السيد فاروق يونس، بغداد، على مسودة مقالتي فكتب التالي بتاريخ 25 تموز 2016:

 

بحثكم التاريخي المهم القيم لا تتوفر عنه، حسب ظني، معلومات منشورة. لدى بعض الملاحظات الصغيرة أوجزها كما يلي:

 

اهمية العراق الاستراتيجية قبل افتتاح قناة السويس (راجع كتاب الاستاذ عبد الفتاح إبراهيم، الطريق الى الهند، منشورات الأهالي) طيلة العهد العثماني وحتى بعد الاحتلال البريطاني للعراق وقيام المملكة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى. كان الطرف الرئيسي الذي يتعامل على صعيد التجارة الخارجية قلة من العراقيين معظمهم يهود. وكانت هناك علاقات وطيدة بين البيوتات التجارية الانكليزية والهندية مع العراقيين اليهود — هنا توكيدي على عراقية اليهود، وهذا هو أصل البحث، وليس عن يهود العراق كأقلية دينية مارست التجارة والزراعة وتولى اعيانهم مراكز مرموقة في الدولة العثمانية والحكومة العراقية بعد تأسيسها — نحن نتحدث عن عراقيين شركاء في مختلف العمليات التجارية استيراداً وتصديراً وفى الصيرفة والنقل والتامين وفى بناء المدارس والمستشفيات وممارسة الاختصاصات في الطب والصيدلة والهندسة … الخ.

 

المهم ان نقول لم يكن للتجار المسلمون في القرن 19 وأوائل القرن العشرين دور مهم في التجارة الخارجية والخدمات المتعلقة بها من تامين ونقل بحري وبرى. وكانت غرفة تجارة بغداد، التي تأسست عام 1924، بيد اليهود واول رئيس لها مستر وايت إنكليزي ورئيس بنك. محور التجارة هو بريطانيا – الهند – بغداد – بصرة – موصل، مسيراً من قبل المصارف الانكليزية ومصرف إنكلترا. وكان الاستيراد من دول الكومنويلث (بلدان العملة السهلة – الباون) غير مقيد اما بلدان العملة الصعبة (الدولار) فهو محدود التخصيصات وخاضع لقيد الاجازة.

 

مارس المسلمون تجارة التصدير للتمور والقطن والحنطة والشعير. كان الشعير يستورد من تجار انكليز مطروح في الموصل FOB ويصل الى ميناء ليفربول وعند التفريغ تحصل عجة فيعرف وصول باخرة الشعير من العراق. والتامين البحري يجريه المشترى – الشركة الإنكليزية.

 

خلاصة القول: العراقيون من يهود ومسيحيين كانوا يملكون المال ويملكون المعرفة العلمية والتجارية ولديهم علاقات وطيدة مع شركائهم في الخارج وبالأخص البريطانيون والهنود والاتراك (لا تنسى دور اليهود في السياسة والاقتصاد ايام الإمبراطورية العثمانية ودور مدحت باشا، اليهودي الأصل، في الاصلاحات التي قام بها في العراق. انظر كتاب اليهود والدولة العثمانية – الدكتور احمد نوري النعيمي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 1990).

 

دور شركة الهند الشرقية مهم أيضاً يجب الاطلاع عليه، وكذلك بيت لنج، واليهود العراقيون المقيمون في الهند دورهم مهم ايضا (اموال اليهود العراقيون كانت تحول للهند خوفا عليها – لم يحصل تراكم رأسمالي لثروات اليهود في العراق).

 

لقد كان اليهود والمسيحيون وكلاء بالعمولة حيث يتم تجهيزهم بالسلع من بريطانيا والهند وان الاصيل هو الذي يقوم بالتامين البحري وليس الوكيل. [17]  المطلوب تعريف معنى وكيل تامين الوارد في المسودة فهو طبعا ليس بالضرورة شركة تامين بل وسيط ووكيل بالعمولة لشركة اجنبية.[18]

 

خلاصة: انظر الى اليهود من منظور هويتهم العراقية وانظر الى المسلمين الذين اتخذوا من المتعلمين اليهود كتابا ومراسلين لهم مع الجهات الاجنبية المستوردة والمصدرة ومع شركات النقل والتامين والسياحة وذلك لافتقار المسلمين مع الاسف للتعليم والتعلم بل رفضهم بعد الاحتلال البريطاني ادخال ابنائهم في المدارس الحديثة وتفضيل الكتاتيب عليها، ولكن في النهاية انتشرت المدارس الحديثة وعمت الثقافة الغربية

 

خلاصة أخيرة: العراقيون مارسوا النشاط التأميني، ونظرا لان ممارسة هذا النشاط يتطلب معرفة باللغة الانكليزية ومعرفة بفنون هذا النشاط الحديث نسبيا على الصعيد العالمي فقد كان العراقيون من اليهود من خريجي المدارس اليهودية، في بغداد خاصة، هم السباقين لممارسة هذه المهنة الجديدة نسبيا. المسلمون كانوا خارج قوس واليهود والمسيحيون هم العارفون بالتامين وباللغة الإنكليزية. (انظر كتاب الدولة والقطاع الخاص في العراق – الادوار – الوظائف – السياسات 1921-1990 – الدكتور عماد عبد اللطيف سالم – بغداد 2001)


 

الملحق رقم 2

دور اليهود في وكالات التأمين

 

عرضت في مقالتي “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق” أسماء بعض وكالات التأمين المنشورة كإعلانات في الدليل التجاري العراقي عام 1936. سيلاحظ القارئ تكرار بعض الأسماء وقد أبقينا عليه نظراً لأن البعض منها تضم معلومات عن شركات التأمين الأم التي كانت هذه الأسماء تمثلها في المدن الرئيسية للعراق. وبمساعدة من الصديق أميل كوهين تم تحديد أسماء الوكالات التي تعود ملكيتها إلى يهود عراقيين. لم تجرِ محاولة جرد كهذه سابقاً، لذلك أتمنى أن يقوم المتخصصون بتعديل أي خطأ في التشخيص.

 

فيما يلي أسماء الوكالات التي ذكرتها في المقالة مع بيان إن كانت مملكة ليهود عراقيين. أبقيت أسماء الوكالات باللغة الإنكليزية كما وردت في دليل 1936.

 

ملكية الوكالة- ملاحظات اسم الوكالة
يهودية تعود لعائلة عدس I & C Ades

Head Office: Baghdad

Agents for [over 40 companies including]

L’Union Insurance Co Ltd – Life, Fire, Accident, etc.

Branches: Basrah, Mosul, Kirkuk

ملكية هذه الوكالة غير معروفة ومن المحتمل أن تكون يهودية African & Eastern (Near East) Ltd

Basrah, Baghdad, Mohammerah

Head Office: London

Agents for The Atlas Insurance Co Ltd, Northern Assurance Co Ltd, London (Fire, Marine, Motor, Accident Insurance, etc.

مسيحية تعود لعائلة إدوار فرام Edward M Fram

Importers of: Glassware, Bedsteads [and other goods]

Insurance, Securities and Shares Agent

Basrah

يهودية. رغم أن اسم الشركة، شركة التأمين العراقية المحدودة، إلا أنها تصف نفسها في الإعلان كوسطاء تأمين وكوكلاء لشركة ﮔارديان للتأمين (بريطانية)، ومكتتبي لويدز (دون تحديد لأسماء النقابات الاكتتابية في سوق لويدز اللندنية) ومكتتبين فرنسيين (أيضاً دون تحديد الأسماء) The Iraq Insurance Ltd

(Incorporated in Iraq)

Insurance Brokers

Agents for:

The Guardian Assurance Co, Ltd

Lloyd’s and French Underwriters

يهودية Khedouri E. Ani

Ashar, Basrah

Import, Export and Commission Agent

Agent for: Insurance of All Kinds

يهودية، ممثلة من خلال وكالة سي لايبنثول و إي صوفر Victoria of Berlin

General Insurance Co Ltd, Est 1853

Capital and Reserve: £32,000,000

Amount Assured: £77,000,000

Most favourable terms for life insurance/with participation of the company’s profit

 

Head Office for Iraq:

C. Liebenthal & E Soffer

Baghdad, 230/1 Rashid Street

شركة تجارية بريطانية. Andrew Weir & Co

Baghdad & Basrah

Established in Iraq since 1905

Shipowners, Import & Export Agent, General Merchants, Insurance Agents, etc.

ربما تكون هذه الوكالة يهودية.   يلاحظ أنها كانت تعمل وكيلاً لشركة تأمين بريطانية Asfar & Co

Basrah, Iraq

Date Growers, Merchants and Exporters

Agents for:

The Northern Assurance Co Ltd

Fire, Marine and all Risks

  وكالات التأمين في بغداد
يهودية، وقد ورد ذكرها أعلاه Ades, I & C, Naman Street
ربما تكون يهودية African & Eastern (Neat East) Co Ltd, Mustansir Street
  Antoin & E, Aris, Khan Khedairi, Mustansir Street
  Antrassian, Rashid Street
  Awanis Malkonian, Khan Dalla
  Bashir Kazandji, Rashid Street
  Dwyer & Co Ltd, Rashid Street
يهودية Edward Aboodi & Co, Khan Shashona, Samawal Street
  Faik Obeyda, Rashid Street
  Fowler & Co, Rashid Street
  Ghani, Sayid, Rashid Street
يهودية Hakkak, E M & Sons Ltd, Rashid Street
  India Life Insurance Co, Rashid Street
يهودية Iraq Insurance Office (The), Rashid Street
يهودية Khedhoori, A Zilkha, Rewaq Street
يهودية Liebenthal, (C & E Soffer), Khan Abdul Hadi Chalabi, Rewaq Street
يهودية Meir Tueg & Y Moshi, Mustansir Street
  Mesopotamia Persia Corporation (The), Mustansir Street
يهودية Pedroni, P O Box No. 98
يهودية Saatchi, S & D N, Mustansir Street
  Strick, Frank C & Co (Busrah) Ltd, Mustansir Street
  Weir, Andrew & Co, Rewaq Street
  الوكالات في البصرة
  Alliance Insurance Co, Pharmacists Street
  Asfar & Co, Strand Road, Ashar
  Fowler & Co, Ltd, Church Street
لا يمكن الجزم إن كانت ملكية هذه الوكالة يهودية أو مسيحية Iraq Insurance Co (The), A. Rufail (Agent), P O Box 24
  Shark Insurance Co, E M Fram, Agent, P O Box 24[19]
  الوكالات في الموصل
  Jabrail Zebouni, Ghazi Street
  Muhammad Najib al-Jadir, Nineveh Street

 

[1] لقراءة نص هذه المقالة استخدم هذا الرابط:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/05/1936-19-2012-1936-1936-883.html

[2] راجع الملحق رقم 2.

[3] د. كاظم حبيب، يهود العراق والمواطنة المنتزعة (ميلانو: منشورات المتوسط، 2015). حسب علمي فإن د. كاظم حبيب هو الأكثر اهتماماً بين الاقتصاديين بمكانة التأمين في الاقتصاد الوطني. وتراه كلما نهضت الفرصة يشير إلى النشاط التأميني.

[4] يذكر د. كاظم حبيب بأنه اعتمد في هذا الجدول على كتاب فاضل البراك، المدارس اليهودية والإيرانية بالعراق: دراسة مقارنة (بغداد: الدار العربية، ط2، 1985)

 

[5] مير بصري، “ملحق تأريخ يهود العراق في القرن العشرين” لكتاب يوسف رزق الله غنيمة، نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق (لندن: دار الوراق للنشر، 1997، ط1 1924)، ص 266.

[6] ما خلا نسبة المشاركة العراقية والأجنبية في رأسمال الشركة، لا نعرف أسماء المساهمين العراقيين فيها، عدد العاملين فيها، أنواع التأمين التي كانت تزاولها … الخ.

[7] Joseph Sassoon, Economic Policy in Iraq, 1932-1950 (Oxford: Frank Cass & Co Ltd, 1987), p 153.

https://books.google.co.uk/books?id=oTE-leY6QxMC&pg=PA153&lpg=PA153&dq=Andrew+Weir+co+iraq&source=bl&ots=iGXhPl1xub&sig=92Fg4hBTeOoipf_qDQToyFsWUqg&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwja0uyvq_bNAhXlDsAKHVpKBXMQ6AEIKjAC#v=onepage&q=Andrew%20Weir%20co%20iraq&f=false

 

[8] حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الكتاب الأول، ترجمة عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1990)، الجدول رقم (9-4)، ص 283 (ص 246 في الأصل الإنجليزي للكتاب).

[9] هناك دراسة غير منشورة للسيد ستار كرمد عيدان، سوق التأمين العراقية: دراسة تحليلية في الجذور التأسيسية (بغداد: شركة إعادة التأمين العراقية، 2012)، 84 صفحة (قياس 21X29.7 سم)، إلا أنها ليست تاريخاً، بالمعنى الضيق، للنشاط التأميني. أنظر عرضنا النقدي لهذه الدراسة في الثقافة الجديدة، العدد 366، أيار 2014، ص 62-68.

 

كما أن كتابنا أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011) هو الآخر لا يرقى إلى سرد تاريخي مفصل. النسخة الإلكترونية لهذا الكتاب متوفر في الموقع التالي:

https://www.academia.edu/7540006/History_of_Insurance_in_Iraq_selected_perspectives

[10] رغم أن التوثيق ضعيف فيما يخص النشاط التأميني ربما بالإمكان الكشف عن معلومات كثيرة من خلال البحث في الأعداد القديمة من مجلة غرفة تجارة بغداد الشهرية، دائرة تسجيل الشركات، مصلحة الضرائب، البنك المركزي العراقي، الأمانة العامة لمراقبة وإدارة أموال اليهود المسقطة عنهم الجنسية العراقية، المكتبة الوطنية.

[11] يذكر يوسف رزق الله نعيمة، مصدر سابق، ص 200، تأسيس مدرسة يهودية في بغداد عام 1865 “نظمت منهجها على مثال المدارس الابتدائية الأوروبية وأدخلت فيها تعليم الفرنسية والإنكليزية من اللغات الأوروبية والعبرية والعربية والتركية من اللغات الشرقية. والتاريخ والجغرافيا والحساب والطبيعيات وعلم الأشياء والكيمياء من العلوم الحديثة.” ثم توالى تأسيس المدارس للمراحل المتقدمة للذكور والإناث.

[12] Gerald D. Feldman, Allianz and the German Insurance Business, 1933-1945 (Cambridge: Cambridge University Press, 2001), p ix.

[13] للمزيد من المعلومات، راجع:

Brian Wright, Insurance Fire Brigades, 1680-1929 (Gloucestershire, England: Tempus Publishing, 2008), especially pp 39-59.

[14] من رأينا أن الكلمة وردت إلينا من التركية وهو ما ذكرته في هامش لمقالة لي بعنوان “إطلالة على بواكير التأمين والرقابة على النشاط التأمين في العراق” (الثقافة الجديدة، العدد 331، 2009 – http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/09/331-2009-44-52.html) عند تعليقي على قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 حيث يرد التأمين متبوعاً بكلمة سيغورطة:

 

“الكلمة “سيغورطه” أو “سيكورته” أو “سيكورتاه” تركية sigorta (من الأصل الإيطالي sicurta) وتعني التأمين، وهناك قانون عثماني يحمل هذه الكلمة وهو قانون [شركات] الضمان (السيكورتاه) الصادر عام 1322 (1905) [صدر في 21 جمادي الآخر 1323 ونشر كملحق لقانون التجارة البرية العثماني].  وتكتب الكلمة أحياناً سوگره أو صوگرة.  وقد دخلت كلمة صوگرة في التداول الشعبي العراقي كمقابل للضمان أو ما هو مؤكد.  وترد الكلمة في نص القانون وكأنها شرح لعبارة “أعمال التأمين” الواردة قبلها.”

 

[15] نشرت كمقالة تحت عنوان “أيامي الأولى في التأمين،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2016/07/26/my-early-days-in-insurance/

[16] للتعرف على المزيد من المعلومات الخاصة بهذه الشركة الملاحية البريطانية ومؤسسها فرانك كلارك ستريك (Frank Clarke Strick, 1849-1943) راجع:

http://collections.rmg.co.uk/archive/objects/492026.html

[17] أي أن عقد البيع بين المجهزين والوكلاء بالعمولة يقضي بقيام المجهز في بريطانيا أو الهند بالتأمين البحري على البضائع من مخازن المجهز إلى مخازن الوكيل أو إلى ميناء التسليم في العراق. (م كمال).

 

[18] يمكن القول، ومن باب التعميم، أن وكيل التأمين كان يقوم بإصدار وثائق التأمين نيابة عن شركة التأمين الأجنبية ويقوم بتحويل أقساط تأمين هذه الوثائق إلى شركة التأمين الأجنبية، في بريطانيا أو في غيرها من البلدان، بعد استقطاع عمولته المتفق عليها مع الشركة.  وبالنسبة لتسوية المطالبات بالتعويض فإن وكيل التأمين قد يدفع مبالغ التعويض من حسابه الخاص ومن ثم يطالب شركة التأمين الأجنبية التي يمثلها بتحويل مبالغ التعويضات لحسابه أو يحصل عل هذه المبالغ من خلال المقاصة من أقساط التأمين المستحقة لشركة التأمين. (م كمال).

[19] لا نعرف إن كانت هذه الشركة هي شركة الشرق للتأمين، وهي شركة مصرية تأسست سنة 1931.

My Early Days in Insurance

أيامي الأولى في التأمين

 

 

ميرزا مراد مجيد خان

 

 

في يفاعتي أوائل خمسينيات القرن الماضي، وقبل أن أفكر في متابعة الدراسة الجامعية، جربتُ العمل الميداني. كان والدي يعمل في شركة ستريك Strick House بوظيفة “خانچي” أي حارساً في المخزن الرئيسي للشركة. وبفضله تعيّنت في هذه الشركة ضمن عمال الدكسيون (حديد زاوية) وكان عمري وقتها 15 سنة. ومن ثم ترقيتُ إلى وظيفة رئيس عمال بفضل معرفتي للغة الإنكليزية وافتقار بقية العمال لها. بعد ذلك وبفضل المدير الإنكليزي Mr Newland وزوجته تمَّ ترقيتي عام 1956 إلى طاقم الموظفين staff في قسم النقل Shipping Department الذي كان يديره مدير يهودي اسمه شاؤول شكر.

 

كان الموقع الرئيسي للشركة في شارع السموأل قرب مقر غرفة تجارة بغداد القديم. وكان للشركة فرع كبير في البصرة وعلى شط العرب لإدارة أعمال الشحن لشركة Strick and Ellerman.[1]

 

كان معظم الموظفين في الشركة من الإنكليز أو العراقيين اليهود وكنت المسلم الوحيد بينهم. لم أشعر ولم يشعر غيري بالتفرقة الدينية.

 

كان قسم التأمين يديره شخص يهودي اسمه سليم عوبديا، أو بالحقيقة شالوم. كان ذو أخلاق عالية تساعده موظفة يهودية تزوجها لاحقاً بالرغم من فارق العمر الكبير بينهما. لم أشعر بأي تمييز وهم لم يمارسوا أي تمييز ضدي لا بل علموني المبادئ الأساسية للتأمين والعمل المصرفي وعمليات النقل إذ أن الشركة كانت تمتلك وتدير خطاً ملاحياً بحرياً باسم Strick and Ellerman. وهنا تعلمت أساسيات العمل بفضل تنقلاتي بين الأقسام المختلفة للشركة؛ وحسنت كذلك مستوى معرفتي للغة الإنكليزية إلى حدٍ ما.

 

كان الفضل الآخر لإدارة الشركة هو منحي فرصة للدراسة في كلية التجارة والاقتصاد، تخرجت منها عام 1961-1962، وحصلت على شهادة بكالوريوس تجارة واقتصاد وذلك قبل أن أنتقل للعمل في شركة التأمين العراقية.

 

كان النقل البحري هو الاختصاص الرئيسي للشركة ولكنها كانت تضم أقساماً تجارية أخرى مثل التأمين، ووكالات للمشروبات الكحولية كالويسكي والبراندي (Johnny Walker, Haig, Hennessey)، والسكائر (Players)، وتجارة الشاي والرز، والمدافئ النفطية المنزلية (Valor)، والأدوية الطبية لشركة كلاكسو (Glaxo)، والمنظفات (Unilver) … الخ. إضافة الى كونها تمثل فرعاً لشركة التأمين البريطانيةRoyal Insurance وكان يشرف عليه، بالإضافة إلى المدير اليهودي، شخص إنكليزي اسمه Duddly.

 

كانت تجربة العمل في هذه الشركة غنية في تنوعها وهي التي أكسبتني مهارات متعددة في أكثر من مجال ساعدتني فيما بعد في عملي الأساسي التأميني في شركة التأمين العراقية منذ عام 1964 ولحد عام 2000. بعدها أسست شركة تأمين خاصة باسم شركة دار السلام للتأمين بفضل عوائل عريقة مثل عائلة الخضيري. وما زلت أعمل بها مديراً مفوضاً، ويظهر بأنني سأستمر في العمل إلى أجل غير مسمى.

 

بغداد 26 تموز 2016

[1] إلى جانب هذه الشركة كان هناك شركة نقل بحري أخرى منافسة لشركة ستريك وهي شركة لينج Lynch وتعرف باسم بيت لينج.

Insurance Thoughts in the Wake of the Karrada-Baghdad Terrorist Act

تأملات تأمينية في أعقاب العمل الإرهابي في الكرادة-بغداد

 

 

فلاح حسن*

 

 

إن ما يحدث من أعمال ارهابية وما ينتج عنها تخرج عن المعايير والضوابط والقواعد المتبعة في تقييم أداء أي خطر من الاخطار التي تغطيها الحماية التأمينية لكون وسائل الارهاب ليس لها سياق أو نمط يمكن تحديد طبيعته. لكن يمكن أن نقلل من حجم الخسائر الناجمة عن حوادثه وخصوصاً في مجال خطر الحريق.

 

إحدى وظائف التأمين هي كيفية وضع الأسس المناسبة لتقليل الخسائر والتعامل مع آثارها المالية بعد وقوعها، وهي بهذا تتقاطع مع إدارة الخطر، آخذين بنظر الاعتبار أن التأمين هو الآلية الأخيرة من وسائل إدارة الخطر- أي تحويل عبء الخطر. ولكي نصل إلى هذه الغاية يجب معرفة ما يلي:

 

1 ــ      تحليل مصادر الخطر

2 ــ     الشروط والضوابط والوسائل الكفيلة التي يمكن وضعها وتطبيقها للتقليل من حجم الخسائر أو التقليل من فرص تحقق الخطر. وهذه الوسائل عديدة ومتشعبة حسب نوع الخطر وطبيعته، وهي تُستنبط ميدانياً أحياناً من خلال الكشف الموقعي له.

3 ــ     ما هي وسائل مكافحته ومنع انتشاره وهل تفي بهذا الغرض؟

4 ــ     حجم الخسائر المتوقعة عند تحقق الخطر.

 

إن تحليل العوامل الأولية لهذه الخطوات تعطينا موقفاً على مدى انطباق القواعد العامة لقبول مثل هذا الخطر تأمينياً.

 

وتعليقاً على حوادث الحريق، سواء أكانت بسياقها وظروفها الطبيعية أو بفعل الأعمال الإرهابية، أود ان أسلط الضوء على شروط السلامة والأمانة في المنشآت المعروضة على شركات التأمين ومنها المجمعات التسويقية. إن الاغلبية المطلقة من المجمعات أو الأبنية الضخمة المشيدة، تفتقر لهذه الشروط.

 

إضافة إلى دخول عامل آخر وهو رداءة الاجهزة الكهربائية المستوردة، وعدم كفاءة عملها، وعدم مطابقتها للمواصفات العالمية، وكذلك حالة تذبذب التيار الكهربائي من مصادر التوليد، ولا فرق إن كانت من الشبكة الوطنية أو من المولدات الكهربائية الاهلية المنتشرة في كافة انحاء مدن العراق وازقتها. هذا التذبذب في التيار يشكل عاملاً مهماً في حصول حالات عديدة من حوادث الحرائق. كما أن انتشار الأسواق العشوائية الملاصقة للأبنية والمجمعات التسويقية على الأرصفة وداخل الفروع الرئيسية أمام وبين وداخل المجمعات التسويقية، إن هذه العشوائيات أدخلت عاملاً مساعداً وفعالاً في الكثير من حالات اندلاع النيران في تلك المجمعات. وهذه الوضعية معروفة ومشخصة من قبل الجهات ذات العلاقة ومنها أجهزة الدفاع المدني.

 

إن اغلب هذه المجمعات العشوائية، وخصوصاً في بغداد، غير قابلة للتأمين ما عدا منطقة الشورجة لخصوصيتها وتاريخها الطويل وأهميتها الاقتصادية وربط جسور التعامل معها ومع قطاع التأمين بنظرة مستقبلية.[1]

 

إن شروط السلامة والأمان في تشييد الأبنية، مع شديد الأسف، غير متحققة أو متبعة عند تشييدها، والمفروض على أمانة بغداد أن تفرضها فرضاً عند منح إجازة البناء. ومن أهم هذه الشروط توفير مداخل ومخارج أبواب أو ملاجئ الطوارئ. ولكن الملاحظ أن مثل هذه المداخل والمخارج غير متوفرة في أغلب الأبنية وإن توفرت فيها فإنها لم تُشيّد على أسس صحيحة وسليمة لمواجهة كافة حالات الطوارئ.

 

كما أن من المفروض عند تصميم تشييد الابنية الضخمة أو المجمعات التسويقية الكبيرة مراعاة أهم شرط من شروط السلامة وأعني به أخذ المصمم لمثل هذه الأبنية الضخمة بنظر الاعتبار في مرحلة التصميم عزل وتحجيم نطاق وتوسع النيران وحصرها في حالة اندلاعها في أضيق مساحات ممكنة، وذلك من خلال تصميم مواقع مختلفة التناظر ضمن مساحات فراغية لمنع انتشار الحريق في وسطه المادي. وعلى سبيل المثال:

 

  • أن تكون السلالم المفضية إلى الطوابق العلوية في مواقع مختلفة ومعزولة بمساحة فراغية يخلو وسطها المادي من انتقال النيران عبرها إلى الطابق العلوي وهكذا في الطوابق العلوية الأخرى.
  • أن تكون الأبواب والشبابيك في الأبنية والمجمعات من النوع المقاوم للنيران.
  • ونصب اجهزة الإطفاء والإنذار بشكل يستوفي المكافحة الفعالة.
  • استخدام مصادر التغذية الكهربائية من بوردات وأسلاك ومصابيح من الانواع الجيدة وذات كفاءة عالية وليست من الانواع الرديئة التي تكون مصدراً رئيسياً من مصادر اندلاع النيران. كما أنه من الضروري نصب البوردات الكهربائية في مواقع معزولة ولا تحيطها أجسام قابلة أو لها استجابة سريعة للنيران، وتزويدها بأجهزة تهوية لطرد الحرارة منها نحو الخارج، وضمان خلوّها من الاتربة والغبار. ويفضل نصب اجهزة (ساحبات هواء صغيرة) لغرض سحب ودفع الهواء عند ابوابها بغية طرد الحرارة منها وأن تكون مغلقة على مدار الساعة وتكون مواقع اسلاكها معزولة وغير مكشوفة ولا تصل لها القوارض.

إضافة إلى كل ذلك فقد دخل عامل آخر زاد من حدة الخطر وزاد من نسب تحققه وهو إدخال المواد الديكورية المتمثلة بالسقوف الثانوية والواجهات وكثرة استعمالها في الأبنية. وما يزيد حدة خطورة هذه المواد هي نصب مصابيح الإنارة فيها من نوع (Spot Light). وهذه الأنواع، في أغلبها، ليست من الأنواع الكاتمة للشرارات الكهربائية، وتنبعث منها حرارة، كما أن عوازل اسلاكها ضعيفة ونسبة استهلاكها عالية حيث من المفروض أن يتم استبدال أسلاكها كل خمس سنوات.

 

إن تجربتنا تشير إلى أن نسبة من الحرائق تعود إلى هذه المواد البتروكيماوية التي تكون استجابتها للنيران المباشرة عالية، وهي أداة فعالة لانتشار الحريق وتوسعه. لذلك فإن التقليل منها في الأبنية يساعد على تقليل فرص انتشار الحريق مع مراعاة ما تم ذكره انفاً.

 

خلاصة القول، إن الجهات المختصة مطالبة بوضع ومراقبة شروط السلامة والأمان في كافة الأبنية المشيدة أو التي سيتم تشييدها في المستقبل؛ وأن تضع ضوابط ومعايير عند تشييد الأبنية الضخمة والمجمعات لشروط السلامة والأمان والوسائل الكفيلة لمنع انتشار الحريق فيها عند تصميمها ورفع العشوائيات من قرب المجمعات التسويقيــــــة وتحريم تواجدها.

 

تموز/يوليو 2016

 

* المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية

 

[1] يوجد مجمع محلي لتأمين منطقة الشورجة، المستثناة من اتفاقية تأمين الحريق التي تديرها الإعادة العراقية، وفق شروط وحدود مسؤولية محددة للمحل الواحد وللحادث الواحد.

Insurance Implication of a Fire in the Karrada District of Baghdad

تداعيات تأمينية حول حريق في محلات تجارية في الكرادة

 

 

مصباح كمال

 

 

[1]

 

نشرت العديد من وسائل الإعلام خبراً عن حادث حريق في مخازن شارع العطّار في الكرادة نقتبس واحداً منها تمهيداً لعرض بعض الآراء التأمينية الرسمية قبل عرض مواقف عامة لنا حول مكانة التأمين:

 

“أمنية بغداد تروي تفاصيل حريق الكرادة

2016/6/12

كشف نائب رئيس لجنة الأمن في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي عن اسباب اندلاع الحريق الذي نشب في مخازن شارع العطار وسط العاصمة بغداد. وقال الربيعي في تصريح للصحف اليوم، ان “{10} فرق للإطفاء برئاسة مدير عام الدفاع المدني اللواء كاظم سلمان بوهان تمكنت من محاوطة الحريق أولا كي لا يصل إلى المنازل القريبة من الحريق”.

 

واضاف ان “الحريق كان إثر تماس كهربائي وسوء خزن المواد الكهربائية، وصعوبة السيطرة على النار بسبب العشوائيات المركونة فيها مخازن من الاجهزة الكهربائية والالكترونيات”، مبينا “الحريق تم اخماده بصعوبة بعد ساعتين ونصف من اندلاعه”.

 

واشار إلى ” وقوع خسائر مادية كبيرة جدا تقدر بالمليارات ولا يوجد من يعوض التجار لخسارتهم بسبب عشوائية الخزن غير المؤمنة في مخازن رسمية ومعروفة لدى الدوائر الحكومية المختصة”، لافتا إلى” عدم وجود خسائر بشرية تذكر”.

 

وأوضح انه “منذ 10 سنوات ونحن كمجلس بلدي في الكرادة، طالبنا جميع الجهات المسؤولة إلى منع التجاوز الذي بدأ يتمادى بتحويل المنازل السكنية إلى مخازن عشوائية في احياء سكنية، وكنا نحذر دائما من اندلاع حرائق بسبب فوضى الخزن العشوائي”.

 

واندلع في وقت متأخر من ليلة أمس السبت حريق كبير في مخازن شارع العطار بالكرادة وسط العاصمة بغداد، وانتشرت جميع فرق الاطفاء القريبة من منطقة الكرادة لإخماد الحريق الذي اندلع في تلك المخازن.”[1]

 

[2]

 

جرى بشأن هذا الخبر تبادل للآراء مع السيد فلاح حسن، المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية. ففي رده على إعلامنا له بالخبر كتب عن أمور مهمة منها وصف طبيعة المحلات التجارية في الكرادة، عشوائية هذه المحلات، ومدى قابلية التأمين عليها، ومدى انطباق مفهوم التراكم عليها مقارنة بتراكم الأخطار في سوق الشورجة. كتب قائلاً:

 

شارع العطار هو شارع فرعي يفضي مدخله ومخرجه إلى الشارع الرئيسي العام، والشارع الرئيسي ذاك أغلب محلاته المطلة عليه هي محلات تجارية لبيع الاجهزة الكهربائية المنزلية (ثلاجات / تلفزيونات). الشوارع الفرعية للشارع الرئيسي، ومنها شارع العطار، أغلبها دور سكنية اتخذت من بعض الدور القريبة من الشارع العام مواقع خزن لتلك الاجهزة لقربها من منافذ البيع. قسم من هذه المواقع المتخذة كمواقع خزن هي غير نظامية ولا مستوفية شروط السلامة والأمان، وقسم منها فيها خطر تراكمي وتشكل بمجموعها خطراً واحداً مستقلاً لتداخل وقرب الواحد من الآخر لتشكل بذلك حلقة متسلسلة ومتصلة في وحدة تحقق خطرها. ومعظم هذه الوحدات ذات الخطر التراكمي تفتقر إلى شروط الأمان والسلامة هي غير قابلة للتامين عليها بوضعها الذي هي عليه لكون نسبه احتمالية تحقق الخطر ومقدار الخسارة هي أعلى من نسبه الدرجة الحرجة لخطها البياني من احتمالية عدم تحققه، ولهذا فهي غير مستوفية لشروط منح غطاء الحريق.

 

إن كافة الاغطية الممنوحة للمحلات والمخازن يجرى الكشف عليها من قبل أغلب شركات التأمين من خلال موظفيها لتقييم خطرها قبل منح الغطاء. مع العلم بأن المخازن التي شب فيها الحريق، حسب المعلومات لدينا لحد الان، غير مؤمن عليها لدى شركات التأمين.

 

وعلقنا على رسالته باقتضاب بما يلي:

 

نشكرك على ملاحظاتك الدقيقة حول حادث الحريق في منطقة الكرادة وموقف شركات التأمين تجاه تأمين المحلات والمخازن التي يبدو أنها تخضع للكشف الموقعي من قبل أغلب شركات التأمين – كما ذكرتَ – قبل القبول بالتأمين عليها. هذه المحلات والمخازن، من النوع المتركز في منطقة الكرادة، ليست قابلة للتأمين لأنها تصنف على أنها أخطار رديئة sub-standard، إضافة إلى أن تركزها يؤدي إلى احتمال قيام التراكم وانتشار الحريق. تُرى كيف تُقارن منطقة الكرادة مع الشورجة التي نتذكر بأنها كانت تعتبر خطراً واحداً لأغراض إعادة التأمين؟

 

هل بإمكان الجمعية التعاون والتنسيق مع الجهات الرسمية (أمانة العاصمة مثلاً في بغداد والمجالس المحلية في المحافظات) والمهنية (غرف التجارة وما يماثلها) لوضع قواعد لتنظيم وإدارة المحلات خاصة وأن ما يحصل فيها ولها من حوادث حريق وغيرها تؤثر على مصالح الآخرين (المحلات الأخرى) وكذلك الأطراف الثالثة (وخاصة الدور السكنية).

 

على إثر ذلك كتب لنا رسالتين تلقيان المزيد من الضوء على جوانب الموضوع.

 

بعد 2003 ظهر في كافة أنحاء العراق عشوائيات تجاوزت على التصميم الأساسي للمدن بحكم وجود بطالة واسعه، إضافة إلى فتح الاستيرادات الواسعة للبضائع الاستهلاكية والمنزلية، والتراخي والسماح من قبل البلديات عن هذه التجاوزات. هكذا ظهرت هذه العشوائيات إلى الوجود وهي لا تقتصر على الاسواق فقط وانما ظهرت مجمعات سكنيه عشوائية.

 

وبما يتعلق الموضوع بقطاع التأمين، لا يسمح بالتأمين على هذه العشوائيات حيث أن حوادثها كارثيه واحتمالات فرصة تحقق الخطر فيها عالية.

 

قد تكون حدة الخطر في بعض الاسواق عالية بحكم وجود عناصر التراكم والانتشار ولكون هذه الأسواق، خصوصا منطقة الشورجة المستثناة من الاتفاقية،[2] تم تأسيس مجمع لها من قبل الجمعية وفق شروط صارمه واسعار عالية وحدد مسئوليه للمحل الواحد بمبلغ (50) مليون دينار. ولحد الان لم تحصل خسارة في هذا المجمع الذي مضى عليه أكثر من ثلاث سنوات.

 

إن الجمعية والشركات ترصد تلك الحوادث وتدرس ظواهر تكرارها وتضع الشروط لها أو الامتناع عن تأمينها مثل منع منح الغطاء لشركات الصيرفة الأهلية تأمين النقد لديها نتيجة حوادث السرقة التي استهدفت محلات الصيرفة مؤخرا.

 

علما بأن الجمعية هي لتقديم النصح والارشاد وليس للرقابة على القطاع، إضافة إلى ان التأمين كونه يمارس عملا فنيا فإنه في نفس الوقت يمارس عملا تجاريا من خلال مبد المقاصة.

 

أود ان أوضح أن ليس كل المحلات والمخازن في منطقه الكرادة متسمة بخواص الاخطار التراكمية والانتشار وانما بعض اجزاء هذه المنطقة فيها هذه الخاصية اما معظمها فهي محلات أو مخازن لا تشكل اخطارها ولا تتسم بخاصية التراكمية والانتشار فأغلب المخازن أو المحال يمثل كل واحد منها خطراً مستقلاً بذاته. وهي لذلك تختلف اختلافاً جوهرياً عن منطقة الشورجة التي يكاد ان يكون كل زقاق فيها، والذي يضم بداخله ما يقارب (300) محلا، خطر واحد مستقل بحكم تلاصقها وتداخلها الواحد مع الآخر. وهي بهذه الحالة تتسم بخاصيه التراكم والانتشار – أي أن حوادثها، إن وقعت، تكاد ان يطلق عليها كارثية.

 

اما موضوع تنظيم تلك المناطق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة وخصوصا امانه بغداد ففي الوضع الحالي فإن تنظيمها خارج عن قدرة امانة بغداد وهي على علم بها.

 

[3]

 

رسائل المدير المفوض لجمعية التأمين العراقية تلقي الكثير من الضوء على خلفية قيام العشوائيات السكنية والتجارية في أعقاب 2003، مثلما توضح الموقف التأميني من تأمين/عدم تأمين هذه العشوائيات وغيرها. وبودنا هنا أن نتوسع قليلاً في الكتابة عن أبعاد تأمينية أخرى يكشفها خبر اندلاع الحريق اعتماداً على بعض مفرداتها ومنها:

 

أسباب اندلاع الحريق

كاد الخبر يقترب من مفهوم السبب المباشر أو القريب في المصطلح التأميني والذي على ضوئه يتقرر إن كان الحادث مغطى بوثيقة تأمين الحريق أو غيرها من وثائق التأمين على الممتلكات. جاء في الخبر، رغم سوء صياغته أن السبب يعود إلى تماس كهربائي. وهو كما يبدو السبب المباشر إذ أن “سوء خزن المواد الكهربائية”، كما ورد في الخبر، ليس سبباً بعينه وإنما العامل المساعد على شدة الحريق وتسهيل انتشاره وهو ما ذكر في الخبر: “صعوبة السيطرة على النار بسبب العشوائيات المركونة فيها مخازن من الاجهزة الكهربائية والالكترونيات.”

 

محاوطة الحريق أولا كي لا يصل إلى المنازل القريبة من الحريق

عندما ينتشر الحريق ويسبب أضراراً للجيران ومنها الأضرار لسكنة المنازل فإن صاحب المحل الذي اندلع فيه الحريق يكون مسؤولاً أمام الجيران لتسبب الحادث بالأضرار لمنازلهم كبناء وربما لمحتوياتها أيضاً. وهذه المسؤولية قابلة للتغطية من خلال توسيع غطاء وثيقة تأمين الحريق أو الممتلكات أو من خلال شراء وثيقة تأمين المسؤولية المدنية المتخصصة.[3]

 

وقوع خسائر مادية كبيرة جدا تقدر بالمليارات ولا يوجد من يعوض التجار لخسارتهم

لم يجري تقدير كلفة الخسائر المادية المباشرة (تضرر البناء وتلف المحتويات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية وغيرها). كما لم يُشر إلى ما يعرف في المصطلح التأميني بخسارة الأرباح نتيجة لتوقف العمل في المحلات موضوع الحريق. وهذه تغطى بموجب وثيقة تأمين الأرباح (ولها تسميات أخرى). ربما لن تعرف القيمة النقدية للخسائر لأنها لم تكن أصلاً موضوعاً للتأمين.

يذكر الخبر بأنه “لا يوجد من يعوض التجار لخسارتهم” أي أن التجار يتحملون الخسارة. لو كانت لديهم وثيقة تأمين ضد الحريق أو وثيقة شاملة لتأمين المحلات التجارية[4] (لتغطية حوادث الحريق والسرقة وخسارة الأرباح وكسر الألواح الزجاجية والمسؤولية تجاه الجيران) لكانت شركة التأمين الطرف الأساس في تعويضهم – هذا بافتراض أن نوعية المحلات التجارية لها من المواصفات المقبولة ما تجعلها قابلة لتكون محلاً للتأمين. فالمعلومات المتوفرة عنها أن هذه المحلات هي، بلغة التأمين، أخطار رديئة يصعب التأمين عليها وحتى إن تم التأمين عليها فسيكون ذلك بأقساط تأمين عالية وبشروط إضافية. وهذه، كلفة التأمين العالية، قد تحول دون قيام أصحاب هذه المحلات بالتأمين.

 

المجلس البلدي للكرادة طالب بمنع التجاوز الذي بدأ يتمادى بتحويل المنازل السكنية إلى مخازن عشوائية في احياء سكنية

يقول الخبر بأن المجلس البلدي طالب الجهات المسؤولة بمنع التجاوز بتحويل المنازل السكنية إلى مخازن عشوائية. لا نعرف من هي الجهات المسؤولة. ربما هي الجهات المسؤولة عن منح الترخيص بمزاولة التجارة أو أمانة العاصمة. ما يهمنا من هذا الجزء، على أي حال، هو أن التأمين على منازل سكنية تمَّ تحويلها إلى مخازن عشوائية في أحياء سكنية تزيد من حدة الخطر – أي عدم ملائمة المنازل لتكون مخازن – وتأثير ما يحصل في مثل هذه المخازن على المنازل الأخرى في الحي السكني. وهنا أيضاً قد يصعب التأمين على مثل هذه المخازن وإن تم التأمين عليها فبأسعار عالية وشروط إضافية.

 

ترى ما هي وظيفة المجلس البلدي إن لم يكن بينها ضمان السلامة في الأحياء السكنية، وتسهيل حركة الناس دون تعريضهم لأخطار إضافية من المحلات التجارية ومن حركة السيارات المرتبطة بها.

 

نائب رئيس لجنة الأمن في مجلس محافظة بغداد: نحذر دائما من اندلاع حرائق بسبب فوضى الخزن العشوائي

ضعف مؤسسات الدولة المركزية والمحلية وعدم الالتزام بالقوانين والضوابط الخاصة بإشغال المحلات التجارية وعملها، وكذلك عدم الاكتراث بقواعد السلامة وبمصالح الآخرين (السابلة، والمنازل السكنية، وحركة مرور السيارات) هي التي تسمح بقيام ما يسمى بفوضى الخزن العشوائي. هذا الوضع، يوصف بلغة التأمين hazard، وهو غير الخطر risk،[5] ينطوي على إمكانية التسبب في إحداث أضرار بالممتلكات والبيئة المحيطة بها وخسائر اقتصادية أخرى وتكاليف إضافية يتحملها المجتمع، مثلما ينطوي على إمكانية إلحاق الضرر البدني بالناس.

 

نحن هنا أمام نموذج سيء للمبادرة الخاصة التي تدعمها الحكومة وتدعو لها كرديف للقطاع العام تمهيداً للحلول محله، وسنشير إليه لاحقاً.

 

ترى أيكفي تحذير لجنة الأمن في مجلس محافظة بغداد من اندلاع الحرائق أم أن الأمر يستوجب ضمان الالتزام بقواعد التخطيط السليم، والسلامة، وحقوق الناس.

 

[4]

 

غالباً ما نركز على الجزئيات ونغفل عن الصورة النظامية systemic. لكن نشاط رجال الأعمال لا يجري في عزلة فهو يرتبط ويعكس طبيعة النظام system القائم في الاقتصاد والسياسة والاجتماع. ومن ميزات هذا النظام الفساد المالي والإداري الذي يتيح قيام المخازن العشوائية، ويساهم في التجاوز على ضوابط تخطيط المدن، وقواعد البناء، والتجارة، وهضم حقوق الناس (حرمان السابلة من استخدام الأرصفة كمثل) والإضرار بالبيئة. رجال الأعمال هؤلاء يقدمون صورة سيئة عن القطاع الخاص المهوس بتحقيق الربح/العائد دون مراعاة لقيم أخرى.

 

قد تكون الصورة أكثر تعقيداً من هذا التوصيف العام[6] فمن رأينا أن العراق لم يخضع لعملية تحديث modernization حقيقية سواء ما تعلق بها من أشكال التكنولوجيا المتقدمة، وأنماط الحياة الحديثة غير المرتبطة بثقل الموروث الديني، والقيم الأخلاقية الكونية التي لا تقتصر في مرجعيتها على استعادة القديم.

 

هناك قيم values تحكم النظام السائد في العراق وهذه تجد انعكاساً لها في سلوك الجماعات. فقيم الصدق والشرعية في مجال الأعمال والسياسة غائبة، مثلما التدابير ضد الخداع والغش والفساد التي لم تترجم نفسها في إجراءات قانونية صارمة لا تستجيب للمحاباة ولا تتكيف مع صراعات المصالح المحاصصية. وجرياً على هذا المنوال، هناك غياب للأمن، وعدم القدرة على التنبؤ بما يخبئه الغد للناس، وفشل الحكومة بالوفاء بوعودها ونتيجة لذلك بطلان مصداقيتها.[7]

 

ضمن هذا الوضع تجد معظم شركات التأمين نفسها غير قادرة على توفير الحماية التأمينية لأن محل التأمين نشأ عشوائياً، خارج القوانين والقواعد الانضباطية، ولا يلتزم بشروط السلامة في إدارته. ولكن من يدري، لعل الاتكال على الغيب بدلاً من التأمين هو المعوّل عليه في الإدارة بين تجار شارع العطار في الكرادة وغيرهم، وهو أحد العوامل التي تفسر ضعف الكثافة التأمينية في العراق.

[5]

 

ليست هناك إحصائيات تاريخية عن عدد حوادث الحريق، المؤمنة وغير المؤمنة، والخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة الناتجة عنها، وكذلك حالات الإصابات البدنية بما فيها الوفاة، وأضرارها البيئية. وبدون مثل هذه الإحصائيات لا يمكن تكوين صورة دقيقة عن تكرارية حوادث الحريق وشدتها وآثارها التبعية. كما أنه ليست هناك دراسات تفصيلية لحوادث حريق كبيرة يستفاد منها في استنباط الدروس سواء بالنسبة للاكتتاب التأميني بخطر الحريق أو إدارة هذا الخطر من قبل أصحاب المحلات والمصانع والمؤسسات التجارية العامة والخاصة.

 

نحن نأمل من جمعية التأمين العراقية أن تقوم بالعمل بتصنيف مثل هذه الإحصائيات في فرع التأمين وغيره. كما نأمل من الجمعية أن تكون استباقية في مسألة التنوير بدور التأمين في توفير الحماية المالية للمتضررين من أصحاب المحلات والمصانع والمؤسسات، والتنسيق مع الجهات الحكومية والبلدية والمهنية لتعمل هذه الجهات على تطبيق القوانين والالتزام بالقواعد التنظيمية في ممارسة الأعمال، وكذلك تحديثها في ضوء الخبرة المتراكمة عن حوادث الحريق لدى الشركات الأعضاء في الجمعية والدفاع المدني وغيرها.

 

30 حزيران/يونيو 2016

[1] http://www.iraqicp.com/index.php/sections/news/44155-2016-06-12-08-36-06

 

[2] المقصود بها اتفاقية إعادة تأمين الحريق التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية لصالح معظم شركات التأمين العاملة في العراق، الخاصة والعامة.

[3] راجع بهذا الخصوص: بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)، ص204-205.

[4] الوثيقة الشاملة لتأمين المحلات التجارية ليست شائعة في العراق.

[5] تترجم كلمة hazard على أنها خطر risk، وغالباً ما يجري الخلط بينهما في حين أن هناك فرقاً بين الاثنين فالأول يشير إلى حالة أو وضع ينطوي على إمكانية التسبب بضرر أو خسارة في حين أن الثاني هو “توليفة تجمع بين احتمالية أو تكرارية تحقق مؤثّر خطر hazard محدّد وحجم العواقب المترتّبة على تحققه.” للتعرف على الفرق بين المفهومين بشكل مفصل أنظر:

Nael G Bunni, Risk and Insurance in Construction (London & New York: Spon Press, 2nd Ed 2003), Ch 2, Hazards and Risks, pp26-51.

قام تيسير التريكي ومصباح كمال بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية ومن المؤمل أن تنشر الترجمة العربية في بيروت (منتدى المعارف) قل انتهاء 2016.

[6] من المفيد هنا الاستفادة من دراسات د. علي الوردي لطبيعة المجتمع العراقي، وكذلك رصد حالات الاعتداء على الأماكن العامة كالحدائق والمتنزهات والشوارع وتشويه معالم الأبنية بالصور والشعارات، سوء تجديد بعض بنايات مدينة بابل الأثرية من قبل الدكتاتور السابق للعراق، وركوب أسد بابل من قبل الأطفال والشباب وغيرها من الحالات في مجالات أخرى، ونزعة التغالب العصبوي الطائفي.

[7] هذه الأفكار منقولة بتحوير من

János Kornai, By Force of Thought (Cambridge, Massachusetts and London, England, The MIT Press, 2006), p 373.