Monthly Archives: فيفري 2011

دراسات الجدوى لتأسيس شركات التأمين في العراق وإقليم كوردستان

دراسات الجدوى لتأسيس شركات التأمين في العراق وإقليم كوردستان:

إسقاط فرض أم استناد على القواعد الاقتصادية والفنية؟

 

 

 

فؤاد شمقار

 

 

تم تشريع قانون الشركات رقم (21) لسنة 1997 ونشر في جريدة الوقائع العراقية – الجريدة الرسمية لجمهورية العراق- بالعدد 3689 في 29/9/1997 وتم تعديل عدد من مواد القانون وأوقف العمل بمواد أخرى من جانب سلطة الإتلاف المؤقتة بشخص المدير الإداري للسلطة – بول بريمر- بهدف إجراء التغييرات الاقتصادية اللازمة للاستفادة منها على نحو مقبول، كما تشير إلى ذلك الأسباب الموجبة للتعديلات.[1]  لقد كان الهدف من تشريع القانون رقم 21 تنظيم وتوثيق عمل الشركات الخاصة والمختلطة، وحماية الدائنين لها من الاحتيال، وحماية حاملي الأسهم من تضارب المصالح ومن سوء تصرف مسؤولي الشركة ومالكي أغلبية الأسهم فيها والمسيطرين على شؤونها فعلياً، وتعزيز توفير المعلومات الكاملة للمالكين ذات العلاقة بقرارات تؤثر على استثماراتهم وشركاتهم.[2]

 

         جاء في المادة -3- من القانون أنه يسري على الشركات المختلطة والشركات الخاصة وجميع المستثمرين والبنوك أيضاً.  كما أن أحكام المادة-6- بفقراتها الأربع حددت أنواع الشركات التي هي:

 

  • الشركة المساهمة المختلطة أو الخاصة.
  • الشركات الخاصة محدودة المسؤولية.
  • شركات التضامن.
  • المشروع الفردي.

 

واشترطت الفقرة – ثانياً- من أحكام المادة – 10- من القانون بأن تكون الشركات التي تمارس نشاطات التأمين وإعادة التأمين وشركات الاستثمار المالي وكذلك المصارف شركات مساهمة.  ومن مستلزمات تأسيس الشركة قيام المؤسسيين بإعداد عقد لها يتم توقيعه من جانبهم (المواد 13، 14، 15).  ويحدد في العقد المركز الرئيسي للشركة على أن يكون في العراق، والغرض الذي من أجله تم التأسيس، والطبيعة العامة للعمل الذي ستؤديها بالإضافة إلى نشاط الشركة المستمد من هدفها على أن يكون ضمن أحد القطاعات الاقتصادية وأي من القطاعات الأخرى ذات الصلة بنشاطها، ومقدار الرأسمال وتقسيمه إلى أسهم أو حصص، وعدد الأعضاء المنتخبين في مجلس إدارة الشركة المساهمة الخاصة وأسماء المؤسسيين وجنسياتهم ومهنهم ومحلات إقامتهم الدائمة وعدد أسهم كل منهم أو مقدار حصته.  كما حددت المادة 17 إجراءات التأسيس بتقديم طلب التأسيس إلى المسجل – ويقصد هنا بالمسجل – دائرة تسجيل الشركات المعنية – مرفقاً به مستندات معينة هي:

 

  • عقد تأسيس الشركة موقع من جانب المؤسسيين.
  • وثيقة اكتتاب المؤسسين موقعه من قبلهم.
  • شهادة من المصرف يؤيد بأن الرأسمال المكتتب به من جانب المؤسسين قد أودع لدى المصرف.
  • دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية في الشركة المساهمة والتي يجب إعدادها من جانب جهة ذات اختصاص وخبرة.

 

         إن الإجراءات المرسومة بأحكام قانون الشركات رقم 21 لسنه 1997 وتعديلاته وفق أمر سلطة الإتلاف المؤقتة رقم 64 لسنة 2004 وقيام دائرة تسجيل الشركات المعنية بأمر تسجيل الشركة بالموافقة على طلب التأسيس، ما لم تجد دائرة التسجيل أن الطلب مخالف لنص في القانون، ومن ثم إصدارها لإجازة التأسيس لا يعني جواز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا بعد الحصول على إجازة بذلك من ديوان التأمين وفقاً لما جاء بأحكام الأمر رقم 10 لسنة 2005، قانون تنظيم أعمال التأمين، إذ ان الديوان لغاية اليوم هو الجهة التي تنظم أعمال التأمين في العراق والإشراف عليه بما يكفل تطويرها وتأمين سوق مفتوح وشفاف وأمن مالياً، وتعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الأشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية.  كل ذلك في سبيل حماية حقوق المؤمن لهم والمستفيدين من أعمال التأمين، ومراقبة الملاءة المالية لشركات التأمين لتوفير غطاء تأميني كاف لحماية هذه الحقوق، ورفع أداء شركات التأمين وكفاءتها، وإلزامها بقواعد ممارسة المهنة وآدابها لزيادة قدرتها لتقديم أفضل الخدمات للمواطن المستفيد من التأمين، وتوفير كفاءات بشريه مؤهله لممارسة مهنة التأمين.[3]  ومن المفيد إعادة ذكر مهام ديوان التأمين لأهميتها ولضعف تطبيقها في الوقت الحاضر:

 

  • تأمين سوق أمن مالياً.
  • تعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الأشخاص والممتلكات ضد المخاطر.
  • حماية الاقتصاد الوطني وإيجاد الاستثمارات لدعم التنمية الاقتصادية.
  • حماية حقوق المؤمن لهم من أعمال التأمين ومراقبة الملاءة المالية للشركات وتوفير أغطية تأمينيه كافيه لحماية حقوق المؤمن لهم.
  • وأخيراً وليس أخراً، وهو الأهم، رفع كفاءة أداء شركات التأمين وإلزامها بقواعد ممارسة المهنة وآدابها والزيادة في القدرة لتقديم أفضل الخدمات.

 

ولا يمكن تحقيق كل ذلك دون توفير كفاءات بشريه مؤهله لممارسة مهنة التأمين.  يا تُرى هل أن الدراسات التي تسمى “بدراسة الجدوى الاقتصادية والفنية” لتأسيس شركة للتأمين أو إعادة التأمين قد راعت هذه الجوانب جميعاً بصوره عمليه موضوعيه واقعيه وخاصة ما يتعلق منها بوجود الكادر الفني المؤهل، أم أن هذه الدراسات تقدم كواحدة من مستندات تأسيس الشركة وكمطلب قانوني فقط؟  وإذا كانت الغاية من الإعداد لا تعدو كونها مجرد تلبية مطلب أو، أسمحوا لي أن أقول، إسقاط فرض فماذا يبقى من قيمة لمثل هذه الدراسة؟  وسؤال آخر: هل أخذ معد الدراسة بعين الاعتبار الكفاءة المؤهلة لممارسة التأمين في إقليم كوردستان وباقي أنحاء العراق تطبيقاً لمتطلبات أحكام المادة -121- اولاً من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 التي تفرض بأن يكون لكل شركة مدير مفوض من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال نشاط الشركة؟  وطالما نحن بصدد شركات التأمين فيكون القصد بالخبرة والاختصاص هنا في مجال التأمين وليس أي مجال أخر.  إلى جانب ذلك فأن أحكام المادة -45- اولاً من الأمر رقم -10- لسنة 2005 قانون تنظيم أعمال التأمين تشترط توفر الكفاءة والخبرة في أعمال التأمين في كل من مدير المؤمِن – شركة التأمين- والقصد هنا بمدير المؤمن هو- المدير المفوض- ومدير فرعه ومنتسبيه الرئيسين، ويقصد بهم العاملين في الأقسام الفنية كمدراء أقسام الإصدار والتعويضات والكشف وإعادة التأمين.  بالإضافة إلى ذلك فإن تعيين هؤلاء جميعاً في مواقعهم الوظيفية يجب أن يتم بعلم وموافقة ديوان التأمين وهو الجهة الرقابية المنظمة والمشرفة على قطاع التأمين.  فضلاً عن كل ذلك فإن من شروط منح إجازة ممارسة أعمال التأمين وإعادة التأمين إرفاق عدد من المستندات مع الطلب المقدم للديوان لمنح الإجازة منها اسم المدير المفوض وسيرته الذاتية ومؤهلاته وخبرته، كما يرد في تعليمات منح إجازة ممارسة أعمال التأمين وإعادة التأمين رقم 8 لسنة 2006 الصادرة من ديوان التأمين.

         أن بحثنا هذا مخصص لموضوع دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية.  حين نتكلم ونبحث عن الدراسات التي تُعد لبيان الجدوى الاقتصادية والفنية لتأسيس شركة للتأمين لابد لنا أن نوضح للقارئ والقارئة ماهية الأسس والمعلومات والضوابط التي يجب أن تكون متوفرة لاعتمادها كأساس لبناء وإعداد الدراسة.  أقول ذلك لوجود رغبة كبيره من جانب الكثير من أصحاب رؤوس الأموال استثمار ما لديهم من أموال في حقل صناعة التأمين بالرغم من وجود فرص استثماريه أخرى أمامهم، ولكن التوجه إلى تأسيس البنوك وشركات التأمين في العراق هو الأكثر رواجاً من البدائل الأخرى المطروحة من المشاريع التي تستهدف إعادة بناء البنى التحتية التي تعرض الكثير منها إلى الخراب بسبب الأحداث المعروفة وسنوات العزلة والحصار والحروب المختلفة.  والغريب في الأمر هو ان الراغبين في تأسيس شركات في العراق هم من البعيدين عن التأمين وصناعة التأمين.

         في مقالة سابقة لنا، نشرت على موقع مرصد التأمين العراقي[4] قلتُ بأن التأمين حاجه من الحاجيات اليومية الملحة، وقد أصبحت هذه الحاجة لدى الكثير من المجتمعات موضع البحث والتحري إذ ليس من الضروري فقط للإنسان الحصول على حاجياته بما فيها الخدمات كيفما كانت.  وفي حقل التأمين فإن الحصول على الخدمات التأمينية يجب ان لا تكون مجرد خدمه ومن أي مؤمن، بل أصبحت الحاجة والخدمة المطلوبة هي اختيار الأفضل بين الخدمات المطروحة في السوق، ومن مؤمن معروف بالاستقامة والمحافظة على شرف المهنة ومتجدد في تقديم الخدمة.  والأهم من كل ذلك أنه قد بنى مشروعه في تأسيس شركة التأمين على أسس اقتصادية وفنية بوجود كادر فني مؤهل لأداء الخدمة وبتصور كامل عن المشروع ونجاحه عند التطبيق العملي وذلك قبل المباشرة بخطوات التأسيس.  ولا يخفى على القارئ بأن نية المباشرة بأي مشروع استثماري، زراعيا كان أم صناعيا أم تجاريا أم عقاريا وغيره، يجب أن يسبق تأسيسه دراسة جدوى المشروع من النواحي الاقتصادية والفنية والتسويقية وفي بعض الأحيان القانونية أيضاً وقبل وضع المشروع قيد التنفيذ ليكون اختيار أصحاب الرأسمال لهذا المشروع اختيارا سليماً مبنياً على أسس علميه واقتصادية وفنيه من الواقع المحيط.

         إن دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية لتأسيس شركة للتأمين في الوقت الحاضر في العراق يجبُ أن تأخذ بعين الاعتبار حاجة السوق إلى الخدمة التأمينية الإضافية، مع وجود عدد ليس بالقليل من شركات التأمين إذ أن العدد الآن أكثر من عشرين شركة في السوق معظمها متركزة في بغداد.  وقبل ذلك التأكد من وجود مساحه شاغرة في الحجم المعروض من الخدمات التأمينية من جانب هذه الشركات والطلب عليها على أن يؤخذ بعين الاعتبار معرفة الطلب على أنواع مختلفة من الحماية التأمينية من جانب طالبي التأمين وعدم تغطية ما هو معروض حالياً من خدمات في تلبية هذه الأنواع من الحماية.  بعبارة أخرى رصد وتحليل حاجة السوق إلى منتجات تأمينية جديدة.

فضلاً عن ذلك وعند إعداد الدراسة لإنشاء شركة للتأمين يجبُ أن ينظر بشكل جدي إلى وجود العناصر الفنية التأمينية المدربة لأنها من العناصر الأساسية لتأسيس الشركة ولأن السوق العراقي يفتقر إلي هذه العناصر بشكل كبير وخاصة سوق التأمين في كوردستان فعدد هذه العناصر، مع الوافدين منهم وتحت جميع المسميات، أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.  وهنا يجبُ أن نوضح بأن القصد بالعناصر الفنية التأمينية لا يعني كل من عمل بصفة موظف في شركة  للتأمين وإنما من عمل في الأقسام الفنية وتدرب على تقدير وتقييم الخطر وفرض الشروط والاستثناءات على أنواع التأمين المختلفة وتحديد السعر والقسط المطلوب وغيرها من الجوانب الفنية الأخرى وانتهاءً بإصدار وثيقة التأمين.  ومن لا يشاركني الرأي في ذلك ويقول بخلافه أرجو منه تصحيح مقولتي هذه وأنا على استعداد تام لسماعه مع تقديم الشكر له ومن ثم تصحيح فكرتي بهذا الشأن.

إن أهمية دراسة الجدوى تكمن في النتائج التي يتم عكسها كأساس لفكرة تأسيس المشروع (الشركة) إذ هي التي تؤخذ بعين الاعتبار من جانب الأشخاص الراغبين في الاكتتاب بأسهم الشركة عند طرحها في الأسواق. إن أحكام المادة-40- ثالثاً من قانون الشركات تتطلب إعطاء نسخه من عقد تأسيس الشركة ونسخة من دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية الخاصة بها إلى المكتتب بالأسهم.  وهنا لابد لنا من تأكيد أهم العناصر المؤثرة في دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية لتأسيس شركات التأمين وهي:

 

  • خبرة سوق التأمين السابقة وحجم أقساط التأمين المتوقع إنتاجها.
  • معدلات الخسائر السابقة لكل نوع من أنواع التأمين.
  • المساحة التي يمكن للشركة الجديدة تغطيتها في السوق، أو جزء منها إلى جانب باقي الشركات القائمة.
  • الوعي التأميني والوقائي لدى المجتمع ضمن الحدود الجغرافية لعمل الشركة.
  • مقدار الطلب على التأمين وعلى الأنواع الجديدة من التغطيات التأمينية، وإمكانية طرح تغطيات جديدة.
  • التوسع في تغطية مساحات أخرى جديدة.
  • الكلف والنفقات الإدارية ومقادير ونسب الرسوم والضرائب الأخرى.
  • وأخيراً توفر العناصر الفنية المدربة القادرة على تغطية الجوانب الفنية لأعمال الشركة.

 

اذا كان أمر إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية متعلقاً بالنواحي والعناصر التي أشرنا إليها فهل أن جميع الدراسات التي أعدت وقدمت ضمن المستندات المطلوبة لتأسيس الشركة قد راعت هذه العناصر أم أن الدراسات التي قدمت عباره عن استنساخ لدراسة سابقة قدمت من قبل مؤسسي إحدى الشركات القائمة وحصّلَ مُعدُ الدراسة لتأسيس شركة جديدة بصوره ما على نسخة منها وقام (بعد تعب وجهد!) بتعديل بعض فقراتها وبما ينسجم مع اسم وموقع ورأسمال ومعلومات أخرى للشركة المنوي تأسيسها فقط؟  هذا هو سؤالي.  إن الجواب لدي هو الأخير، أي النقل الفض غير المدروس، ومن لا يشاركني قناعتي ويقول بخلاف ذلك فليحاول أن يقوم بتدقيق الدراسات المقدمة ولا يتعجب عندها على طرحي حينما يجد بأن الدراسات عبارة عن نسخه “مكربنه” واحده مشابهه للأخرى.

اذا كانت خبرة سوق التأمين السابقة وحجم الأقساط المتوقعة إنتاجه ومعدلات الخسائر لكل نوع من أنواع التأمين من العناصر التي تُعتمد في إعداد الدراسة، فهل أن هذه المعلومات كانت أمام معد الدراسة عند قيامه بأعداد دراسة الجدوى، وإذا كان الجواب بنعم فهل أن تلك المعلومات التي توفرت وأصبحت بين يديه معلومات صحيحة مبنية على إحصائيات دقيقة من واقع السوق العراقي؟  قد نقول بأن الكثير من هذه العناصر كانت متوفرة بصورة ما أمام مُعدّي دراسات الجدوى للشركات التي تم تأسيسها في باقي محافظات العراق عدا محافظات إقليم كوردستان، فهل أن معدي الدراسة للشركات التي تأسست، أو في طريقها إلى التأسيس في إقليم كوردستان، كان أمامهم فرص للأخذ بالعناصر التي أشرنا إليها آنفاً في دراستهم خاصة ونحن هنا في كوردستان محرومين منذ قرابة عشرين سنة من الخدمات التأمينية، حتى أن جيلاً بالكامل من الشباب قد نسوا اسم التأمين في التداول فيما بينهم بسبب غلق مناطق الحكم الذاتي (كما سُمي في حينه) وعدم الاعتراف بما يقدم من مطالبات وتقارير ومستندات أخرى وذلك منذ 13/أيلول/1993 وقيام شركات التأمين بقطع جميع صلاتها مع فروعها ومكاتبها في منطقة الحكم الذاتي.  فضلاً عن ذلك وبناءً على توجيهات الوزارة فإن شركة التأمين الأم قد قررت في حينه بتاريخ 23/7/1992 عدم قبول طلبات التأمين من منطقة الحكم الذاتي وقامت بإلغاء الوثائق التي كانت سارية والتجديدات والوثائق قيد الإصدار منذ 1/1/1992 لمحافظتي أربيل والسليمانية.  ولعلم القارئ والقارئة فإن الحال الآن هو نفسه وكما كان عليه في ظل النظام السابق.[5]

نكتفي بهذا كي لا نتوسع خارج أطروحتنا لهذا البحث ونأتي إلى فقره أخرى وهي توفير المعلومات عن المساحات التي يمكن للشركة الجديدة تغطيتها في السوق أو جزء من تلك المساحات إلى جانب باقي الشركات القائمة والتوسع في تغطية باقي المساحات الأخرى إلى جانب الطلب على أنواع أخرى من التغطيات التأمينية.  وهي أيضاً من الأمور الصعبة التي لا يمكن التوصل فيها بسهولة إلى نتائج حقيقية بسبب عدم وجود المسوحات الميدانية، وعدم التفكير أساساً من جانب الجمهور بالتأمين كخدمة ضرورية لضمان الأشخاص والممتلكات من المخاطر المحيطة بهم، واعتبار مثل هذه الخدمات من كماليات الحياة وذلك لغياب الوعي التأميني والوقائي والثقافة التأمينية التي نحن بحاجه كبيره إلى نشرها بين مختلف طبقات وفئات الشعب.  وهنا لابد وأن يكون للطبقة المثقفة والواعية والهيئات والمنظمات والنقابات والاتحادات والجامعات الدور الكبير في هذا المجال وهم مدعون إلى لعب هذا الدور.  ومن المؤسف هنا أن أقول بأن الحوادث المؤلمة التي وقعت وتقع يومياً لم تكن حافزاً ليشعر الناس بحاجتهم إلى التأمين.

أما عن موضوع الكلف والنفقات الإدارية والرسوم والضرائب فلا نغالي إن قلنا أنه بالإمكان التوصل إلى بعض الأرقام بسبب وضوح الرسوم والضرائب ونسبها ومقاديرها كونها منظمة ومفروضة بالقوانين والتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية بالقطاع.  كما ويمكن التوصل إلى النفقات الإدارية المطلوبة طبقاً لحجم الكادر والرواتب المقدرة واختيار مواقع الشركة ومكاتبها والإيجارات السائدة وباقي النفقات الأخرى.  إلا أن الطلب الذي هو صعب المنال هو توفر العناصر الفنية التأمينية المدربة القادرة على إدارة الشركة وأقسامها الفنية طبقاً لشروط ومتطلبات قانون تنظيم أعمال التأمين والتعليمات الصادرة بموجبه، لأن الكوادر الفنية المؤهلة والتي تعلمت الجانب الفني للعمل التأميني خرجت من الشركات العامة العاملة في السوق لإكمالهم مدة الخدمة أو لأسباب أخرى أو أخذت مواقع وظيفية في الشركات الخاصة القائمة وليس هنالك المزيد منهم بسبب عدم خلق الكوادر في القطاع في السنوات الأخيرة.  وكان للمقاطعة والحصار والظروف التي مَرَّ بها العراق الأثر الكبير على ذلك.

ولذلك فإن العنصر الأول الواجب التفكير فيه عند الرغبة في تأسيس شركة جديدة للتأمين يجبُ أن يكون الاطمئنان إلى وجود الكادر الفني المؤهل المدرب لاستلام المسؤولية وليس تأسيس الشركة والحصول على إجازة ممارسة أعمال التأمين وبناية في موقع تجاري معروف ولوحة أنيقة باسم الشركة والتأثيث الفاخر للمكاتب.  ومن يفكر بالاعتماد على الوافدين في قطاع التأمين واهم بسبب عدم الاستقرار من جهة وارتفاع الكلف والمطالب من جهة أخرى، وعدم الاستفادة من الوافد إلا للأعمال المكتبية دون جوانب العلاقات والتسويق والإنتاج.  وهنا يبرز دور الجامعات والمعاهد في المساهمة في خلق الكوادر الفنية التأمينية بمساعدة الشركات القائمة.  وفي كوردستان، وبالنظر لعدم وجود مادة دراسية خاصة بالتأمين عدا بعض المواد الهامشية، فإن على الجامعات التفكير في وضع منهاج دراسي خاص للتأمين في كليات الإدارة والاقتصاد وكليات التجارة.

إن ما نستخلصه من هذا البحث هو أن دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية المطلوبة لتأسيس شركات التأمين في إقليم كوردستان ومحافظات العراق الأخرى غير مستنده على أسس وقواعد اقتصادية وفنية رصينة تأخذ الواقع القائم بعين الاعتبار.  إن افتقار معد دراسة الجدوى في جوانبها المتنوعة إلى الأسس والضوابط التي يمكن أن تعكس الوقائع بشكل عقلاني، وثقافة رجال الأعمال والمستثمرين المحدودة في مصادرها الفكرية والعملية،  تجعل هذه الدراسات في صيغتها الحالية إسقاطاً لفرض بقوة القانون ليس إلا.  السؤال في العنوان بحاجة إلى جواب أو إجابات أو تعليقات نقدية، غير ما كتبته، من زملاء وزميلات المهنة بشأن الموضوع.  سأكون مسروراً لو تقدم البعض منهم ومن القراء المشاركة في زيادة توضيح الصورة القائمة والمساهمة في إعادة الاعتبار لدراسات الجدوى كما يجب أن تكون عليه.

 

فؤاد شمقار

أربيل 25 شباط/فبراير 2011

shamkar1939@yahoo.com

 


[1]           لا تهدف هذه الورقة التعليق على القرارات التي اتخذتها سلطة الإتلاف المؤقتة التي كانت ترمي إلى “العلاج بالصدمة” وهي مثار جدل وآثار بعضها كانت سيئة على تطور الاقتصاد العراقي.

 

[2]           المادة 1 من القانون بفقراتها الأربعة.

 

[3]           المادة 6 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.

[4]           فؤاد شمقار، “التأمين كحاجة من الحاجيات اليومية الملحة،” مرصد التأمين العراقي: https://iraqinsurance.wordpress.com/2010/12/07/insurance-a-necessity/

 

[5]                  ربما كان زميلنا مصباح كمال أول من أثار قضية المطالبات المعلقة في كوردستان العراق إثر سحب الحكومة المركزية لجميع مؤسساتها من كوردستان العراق، وتلك التي ارتبطت بتهجير أعداد كبيرة من العراقيين وخاصة الكرد الفيلية إبان الحرب العراقية الإيرانية.  أنظر، على سبيل المثال: مصباح كمال: “متى تستطيع شركات التأمين العراقية العمل في إقليم كوردستان العراق؟” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2008/02/blog-post_26.html

 

Rifaat Alfarisi: an appreciation

رفعت عزت الفارسي

تقديم من باب التعريف الأولي

 

 

قدّم لنا الزميل فؤاد شمقار في مقالته المحامون والتأمين: استعادة المنشورة في مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/01/27/lawyers-insurance-a-recollection-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b0%d9%83%d8%a7%d8%b1/

عرضاً بأسماء الحقوقيين والحقوقيات العاملات في قطاع التأمين العراقي في الماضي والحاضر، وذكر شيئاً عن الدورات التدريبية والنشاط القانوني في شركة التأمين الوطنية، وبذلك ساهم في إغناء جوانب من مقالتنا المحامون والتأمين في العراق: فصل مهمل في تاريخ قطاع التأمين العراقي

https://iraqinsurance.wordpress.com/2011/01/09/lawyers-insurance-in-iraq-a-neglected-chapter-in-the-history-of-iraqi-insurance/

 

مقالة شمقار تدعو القارئة والقارئ إلى التوسع في إضافة الأسماء والتفاصيل وإكمال ما فاته من معلومات.  وأود هنا أن أذكر التالي عن الحقوقي المرموق رفعت عزت الفارسي الذي شغل منصب معاون المدير العام للشؤون الفنية في شركة التأمين الوطنية تحت إدارة مديرها العام عبد الباقي رضا.  ورضا أحد أركان صناعة التأمين في العراق يستحق وقفة خاصة به من قبل مجايليه والموظفين والموظفات اللاتي عملن معه.

 

كان الفارسي يمتلك ناصية اللغتين العربية والإنجليزية، ولي تجربة معه في تصحيح بعضٍ من هفواتي اللغوية الإنجليزية أثناء عملي في قسم التأمين الهندسي في الإدارة العامة في بغداد.

 

وقد كتبت في ورقة غير منشورة: مقاطع غير مكتملة من سيرة العمل في شركة التأمين الوطنية 1968-1977 (2007) ما يؤشر على مكانة الفارسي وجانباً من دوره في الشركة:

 

“قبل أن ينيخ نظام الحزب الواحد الدكتاتوري بثقله الكريه وهيمنته على المؤسسات بأنواعها، التجارية والصناعية وحتى الدينية، كانت إدارة الشركة تخطط للمستقبل.  كانت لها سياسة في الاستخدام وسياسة في الاستثمار (لا أعرف عنها إلا القليل) وسياسة في التدريب وتطوير الكوادر.  كانت تعتمد على معيار الجدارة والمؤهل في الاستخداموتجربتي الشخصية تؤكد تطبيق هذا المعيار.  فرغم أني كنت أحمل شهادة بكالوريوس شرف من جامعة بريطانية أُخضعت لامتحان تحريري في اللغة الإنجليزية ومقابلة مطولة أجراها معي رفعت الفارسي، المعاون الفني للمدير العام، قبل أن تقرر إدارة الشركة استخدامي.”

 

وذكرت أيضاً ما يفيد دور الفارسي في التأليف والتدريب:

 

“بعد تعييني بفترة قصيرة التحقت بدورة تدريبية ابتدائية مسائية للمؤسسة العامة للتأمين استمرت لعدة شهور.  وبفضلها تعرفت على فروع عديدة للتأمين ومكونات عقد التأمين.  كان ما تعلمته أساساً صلداً للمزيد من المعرفة العملية.  تعلمت من محاضرات رفعت الفارسي (يقيم الآن في الأردن) القواعد الأساسية للتأمين ومنها عقد التأمين ومبادئ التأمين (محاضرة في إحدى الدورات التدريبية تقع في 61 صحة فولسكاب ما زلت محتفظاً بها) ومنه تعرفت على ركن التراضي، وركن المحل وركن السبب، ومبادئ حسن النية القصوى والمصلحة التأمينية والتعويض .. الخ التي تنتظم عقد التأمين.”

 

ولي الآن أن أضيف بأن رفعت الفارسي كتب إلى جانب عقد التأمين ومبادئ التأمين مطبوعتين هما: التأمين البحري – بضائع والتأمين البحري –هياكل كانتا من جملة المطبوعات التي وزعت على المشاركين في الدورات التدريبية وعلى موظفي الشركة.[1]  لم يقتصر دوره على التأليف بل كان يشمل إلقاء المحاضرات، وتقييم أداء المحاضرين.  كما أنه ساهم في تدريب وتخريج عشرات المشاركين في الدورات التدريبية التي كانت المؤسسة العامة للتأمين تقيمها.  لقد كان الفارسي الشخص الثاني بعد بديع السيفي في هذه الدورات.

 

كان من تواضعه عندما كتب تأمين أخطار الحرب (دورة الاتحاد العام العربي للتأمين، عمّان، أيلول 1987) أن لا ينسب التأليف لنفسه ويقتصر على ذكر إعداده لهذه الورقة (47 صفحة) رغم باعه الطويل في التأمين البحري وتاريخه.

 

عُرف عن الفارسي استقلاليته الفكرية وشجاعته في الاشتباك مع سياسات عامة للحكومة كان يعتبرها مجحفة بحق الناس.  ولنا أن نذكر هنا صولاته مع المرحوم أديب جلميران، رئيس المؤسسة العامة للتأمين، في التأكيد على احتفاظه بلقبه “الفارسي” رغم قرار مجلس قيادة الثورة في سبعينات القرن الماضي بإلغاء الألقاب.  وكانت حجته في ذلك أن “الفارسي” ليس دليلاً على الانتماء القومي أو الجغرافي بل إشارة إلى مهنة الترجمة لأجداده في العهد العثماني.  لكن جهوده لم تفلح وصار اسمه الثلاثي رفعت عزت رفعت.

رغم جهده ومساهمته في تقدم الشركة إلا أن تجربته فيها لم تكن سعيدة، كما ذكر في رسالة قصيرة، بل مبعثاً لخيبة الأمل بسبب التسييس الذي اعتمده النظام الديكتاتوري آنذاك في سياسة الاستخدام.  ربما كانت خيبة الأمل الكبرى هو تجاوزه لشغل منصب المدير العام لشركة التأمين الوطنية بعد عبد الباقي رضا، وتعيين شخص آخر، رغم كفاءته، بديلاً عنه اُستقدم من شركة إعادة التأمين العراقية.

 

لم يكن الفارسي متخاذلاً أو محابياً للنظام الاستبدادي، وهو ما يفسر عدم تقدمه في موقعه الوظيفي، فالمكافأة ليست على قدر المشقة والعلم والمهارة الفنية بل بقدر الولاء الطائفي وما يسمى بالاستحقاق الإثني والقومي، وهو ما نلحظه في سياسة الاستخدام التي اعتمدتها حكومات ما بعد 2003.

بعد أن غادر العراق في تسعينات القرن الماضي استقر في الأردن وما زال يعيش هناك ويكرس وقته لمتابعة الشأن العام في العراق والكتابة عنه من موقف وطني نقدي.

هذه الإضافات عن رفعت الفارسي ليست مكتملة وهي لا تعطيه حقه، وتجاربه أكبر منها، ولذلك أدعو من يعرف عنه المزيد الكتابة عنه.  وأتمنى على الفارسي أن يقوم هو بالكتابة عن تجربته في شركة التأمين الوطنية والكشف عن ممارسات وسياسات حزبية ضيقة أضرت بأشخاص مثلما ساهمت، ربما، في تعطيل تقدم الشركة.[2]

 

مصباح كمال

لندن شباط/فبراير 2011

misbahkamal@btinternet.com

 

[1] وكتب نصوصاً بالإنجليزية ومنها:

“The New Hull and cargo Policies of the Institute of London Underwriters,” paper presented by Rifaat I. Rifaat from Iraq on the convening of the fifteenth General Conference of the General Arab Insurance Federation in Baghdad, 27th – 29th March 1984 [mimeograph, 27 pages].

 

[2] أتمنى على زملاء وزميلات المهنة في العراق وخارجه التعريف بأنفسهم وبغيرهم من العاملين في قطاع التأمين العراقي لتوفير مادة يستفاد منها في البحث في تاريخ التأمين في العراق.  وقد يكون من المناسب، ضمن هذا المسعى، إجراء مقابلات مع البعض وخاصة ممن تقدم به العمر لتسجيل تجربته/تجربتها في العمل في قطاع التأمين.

 

أود الإشارة إلى أنني أذكر الأسماء مع حفظ الألقاب.