Monthly Archives: جانفي 2017

Challenges Faced by Iraq’s Insurance Sector

منعم الخفاجي:* التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق**

نشرت هذه الدراسة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

منعم الخفاجي: التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق

 

مقدمة

 

لا شك ان للتأمين دور مهم وفعّال في التنمية الاقتصادية بشكل عام إذ هو يوفر المال اللازم لإعادة إنشاء أو ترميم المشاريع المتضررة بسبب الحوادث، وكذلك ما ينتج من خسائر في الأرباح عن هذه الحوادث التي بسببها يضطرب أو يتوقف العمل كلياً لحين استئناف العمل كما كان قبل بدء الضرر واستئناف دور هذه المشاريع في عملية التنمية، وهو خير وسيلة لتشجيع التجارة، كما وله في الحياة الاجتماعية دور مهم حيث يوفر تعويضاً للأفراد عما يصيبهم من حوادث في أموالهم وأنفسهم وما قد تترتب عليهم من مسؤوليات تجاه الآخرين. وله أيضاً تأثير مهم في ميزان المدفوعات وهو خير وسيلة للادخار وضمان لمستقبل الفرد وعائلته. لكل هذه الفوائد وكثيراً غيرها، يصبح من الضروري الاهتمام بهذا المرفق الاقتصادي والاجتماعي المهم.

حالة سوق التأمين في العراق حاليا

 

قبل الدخول في بحث التحديات التي يواجهها قطاع التأمين في العراق من الضروري التطرق إلى الوضع العام لسوق التأمين العراقية.

 

يتكون قطاع التأمين في العراق حالياً من شركتين حكوميتين تزاولان العمل التأميني المباشر وأخرى حكومية لإعادة التامين وأكثر من ثلاثين شركة مساهمة خاصة، وهو بمجمله يعاني ويمر بمرحلة سلبية انعكست بشكل رئيسي على حجم أقساط التأمين المتحققة حيث بلغت خلال سنة 2014 المالية (217) مليون دولار منها (143) مليون دولار فقط أقساط التأمينات العامة و (74) مليون دولار اقساط التأمين على الحياة، بينما المعطيات تشير إلى وجوب أن تكون هذه الأقساط أكبر بكثير من هذا الرقم، وهذه الحقيقة تتجلى في المقاربة التالية.

 

في سنة 1982 كانت أقساط التأمينات العامة (عدا أقساط التأمين على الحياة) المتحققة من قبل شركة التأمين الوطنية، التي كانت آنذاك الشركة الوحيدة التي تزاول التأمينات العامة في العراق، قد بلغت (600) مليون دولار، في حين إن أي دولة من الدول العربية أو الإقليمية لم تحقق في حينه هذا القدر من أقساط التأمين في هذه الفترة.

 

لو قارنا أقساط التأمين المكتتبة (المتحققة) خلال سنة 2014 في الدول أدناه مع ما تحقق منها في العراق لأدركنا مدى التراجع الكبير في أقساط التأمين المتحققة فيه مع ما كان يجب أن تكون عليه وفقا للمعطيات السائدة، إذ كان مقدراً لها ان تكون بمليارات الدولارات سنويا، بسبب زيادة الناتج القومي الإجمالي (G.D.P.) وما تبعه من نمو التجارة وتوسع الاستيرادات بعد التحول إلى اقتصاد السوق وأسباب أخرى سيشار اليها تالياً، وبما أن هذه الحالة تنطبق على السنوات السابقة واللاحقة لسنة المقارنة (2014)، فلنا أن نقدر ضخامة المبالغ التي تم هدرها بالعملة الصعبة بصفة أقساط تأمين ذهبت إلى خزائن شركات تأمين أجنبية ولا زالت مستمرة ولو بوتيرة أبطأ بسبب تراجع الإيرادات.

 

جدول بأقساط التامين المكتتبة في بعض الدول العربية[1]

العملة مليون دولار

التسلسل الدولــــــــة أقساط التأمينات العامة (عدا الحياة) أقساط التأمين على الحياة المجموع الناتج القومي الإجمالي

G.D.P)) مليار دولار

1 العراق 143 74 217 5/223
2 البحرين 515 173 688 9/33
3 الكويت 592 325 917 6/172
4 الاردن 667 75 742 9/35
5 تونس 748 141 889 6/48
6 لبنان 1078 434 1512 -/50
7 مصر 1079 888 1967 4/286
8 الجزائر 1492 106 1598 /214
9 المغرب 2257 1123 3380 -/110
10 السعودية 8106 8106 -/746
11 الأمارات 9137 8107 -/399

 

إن هذا الانخفاض الكبير في أقساط التأمين في العراق سببه التحديات التي يواجهها قطاع التأمين العراقي وهي كالآتي:

 

أولا- تحديات عامة: تواجهها القطاعات كافة ومنها قطاع التأمين وأهمها:

 

1- الأمن غير المستتب. (Unstable Security)

هذا الأمر أدى إلى عزوف رؤوس الأموال الأجنبية عن الاستثمار في العراق بل وحتى قد أدى إلى انتقال رؤوس الأموال العراقية إلى دول أخرى، وبذلك يكون قطاع التأمين العراقي قد خسر توفير الأغطية التأمينية على هذه الاستثمارات وما يترتب على ذلك من اقساط تأمين.

2- المحاصصة. (Sectarianism/Quotas)

هذه الآفة عانى ويعاني منها قطاع التأمين حيث تم إشغال مناصب في هذا القطاع غاية في الأهمية من قبل أشخاص لا يمتلكون أي خبرة أو معلومات تتطلبها هذه المهنة التي تحتاج في إدارتها إلى معرفة بنظريات وشروط التأمين وإعادة التأمين وخبرة عملية في كيفية التعامل مع أسواق إعادة التأمين العالمية.

3- الفساد الإداري والمالي Management and Financial Corruption))

الفساد الإداري هو آفة لا تقل أضرارها عن المحاصصة وهو وليدها إذ أينما وجدت المحاصصة وجد الفساد الإداري أما الفساد المالي فحدث عنه ولا حرج.

 

إن معالجة هذه التحديات تقع بشكل رئيسي على عاتق الدولة والمجتمع بأكمله ومنها قطاع التأمين.

 

ثانيا- تحديات خاصة: وهي التي يواجهها قطاع التأمين، وعلى هذا القطاع وبالتعاون مع آخرين معالجتها وأهم هذه التحديات ما يلي:

 

التحدي الأول – شركات التأمين وإعادة التأمين

 

التأمين في العراق بشكله التجاري الحديث بدأت ممارسته في أواخر الحكم العثماني مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من قبل فروع ووكالات لشركات أجنبية أوربية، أمريكية وهندية. وبالتأكيد كانت هذه الوكالات تزاول هذا العمل التأميني بخبرة ونماذج وثائق ومستندات الشركات الأم، حتى سنة 1946 حيث تأسست أولى شركات التأمين العراقية برأسمال عراقي بواقع 40% وأجنبي 60% باسم شركة الرافدين للتأمين. وفي سنة 1950 تم تأسيس أول شركة تأمين برأسمال عراقي حكومي 100% هي شركة التامين الوطنية التي زاولت العمل سنة 1952. وفي سنة 1958 تم تأسيس أول شركة تأمين يمتلكها القطاع الخاص العراقي بالكامل هي شركة بغداد للتأمين تلتها في سنة 1959 شركة أخرى هي شركة التأمين العراقية. وفي سنة 1960 تم تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية وهي شركة مختلطة أصبحت بعد تأميمها حكومية، متخصصة بأعمال إعادة التأمين حصراً. ثم توالى تأسيس شركات تأمين عديدة من قبل القطاع الخاص العراقي حتى أصبح عددها سبع شركات عشية إصدار قرارات التأميم في تموز 1964 حيث تم تأميم جميع شركات التأمين الخاصة وشركتي التأمين الوطنية وشركة إعادة التأمين العراقية. تلت قرارات التأميم عمليات دمج لشركات التأمين مع بعضها باعتبار أن ملكيتها آلت في النهاية إلى جهة واحدة هي وزارة المالية، فاستقر قطاع التأمين العراقي على ثلاث شركات هي:

 

  1. شركة التأمين الوطنية. متخصصة في أعمال التأمينات العامة (عدا التأمين على الحياة)
  2. الشركة العراقية للتأمين على الحياة. تزاول أنواع التأمين على الحياة.[2]
  3. شركة إعادة التأمين العراقية. متخصصة في أعمال إعادة التأمين حصراً.

هذه الشركات قادت العمل التأميني، بإشراف المؤسسة العامة للتأمين[3] إلى مراحل متطورة حيث مارسته وفقاً لأسس ونظريات ومبادئ التأمين الصحيحة حتى أصبح قطاع التأمين العراقي هو والمصري خلال السبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي من أكبر وأهم والأكثر تطوراً بين قطاعات التأمين العربية إذ بلغت أقساط التأمين في العراق آنذاك مستويات قياسية، وعلى مستوى علمي متطور حيث أصبح العراق مركزاً لتدريب الكوادر التأمينية العربية والاستعانة بكوادره لتأسيس شركات تأمين في بعض الدول العربية ورفدها بالكوادر للمساعدة في إدارتها. ولكن للأسف وبسبب السياسات العامة وتوريط العراق بحروب هو في غنى عنها بدأ قطاع التأمين كما بقية القطاعات بالتراجع والتآكل بسبب الحصار والمقاطعة التي فرضت على العراق بعد اجتياح الكويت سنة (1990). ولكن، وبالرغم من الحصار والمقاطعة استمر العمل التأميني في الشركات الثلاث بدون إعادة تأمين مستخدِمةً وسائل العمل المتاحة لزيادة مبالغ الحد الأعلى للأغطية الممنوحة، كالتأمين المشترك (Co-insurance) والتأمين على أساس الخسارة الأولى (First Loss basis) وتقسيم محال التأمين الكبيرة إلى أخطار متعددة، وفي بعض الأحيان مضاعفة مبالغ التأمين المقبولة مستفيدة مما يعرف بأكبر خسارة ممكنة (Maximum Possible Loss) – كل ذلك بفضل الكوادر التأمينية العراقية التي هاجرت فيما بعد بسبب الوضع الاقتصادي المتردي.

 

 

تأسيس شركات القطاع الخاص

 

منذ تأميم شركات التأمين في تموز 1964 لم يكن مسموحاً لمزاولة أعمال التأمين وإعادة التامين إلّا من قبل الشركات الحكومية الثلاث حتى تم تشريع قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 الذي سمح للقطاع الخاص بتأسيس شركات مساهمة تزاول أعمال التأمين. وفعلا تم تأسيس أول شركة تأمين يمتلكها القطاع الخاص سنة 2000، وتوالى تأسيس هذه الشركات حتى أصبح عددها أربع قبل سقوط النظام سنة 2003، ثم توالى تأسيس شركات التأمين من قبل القطاع الخاص حتى أصبح عددها حالياً يفوق الثلاثين شركة والمزيد منها تحت التأسيس.

 

بالرغم من التفاؤل والأمل بأن تسير الأوضاع نحو الأحسن بعد سقوط النظام السياسي في سنة 2003 إلّا أن ذلك لم يتحقق، إذ اتضح ذلك بعد إصدار قانون تنظيم أعمال التأمين الصادر بالأمر رقم (10) لسنة 2005 الذي لم تراع فيه مصلحة شركات التأمين العراقية، (وهو يعتبر ثاني أهم التحديات التي يواجهها قطاع التأمين العراقي) فانعكس هذا الأمر سلباً على هذه الشركات.

 

الوضع العام لشركات التأمين حالياً

 

للأسف القول إن الأغلبية الساحقة لهذه الشركات تفتقد حالياً مقومات ممارسة العمل التأميني من حيث الحجم والكادر المؤهل لإدارتها بشكل صحيح وفقا لمبادئ ونظريات علم التأمين وما يتعلق به من انشطة مساندة ضرورية لتنفيذ عمل شركات التأمين وإعادة التأمين. فعدد كبير من هذه الشركات تفتقد قاعدة مالية رصينة، والمستوى الفني الذي تمتلكه متواضع جداً إن لم يكن معدوماً في اغلبيتها، فهي تدار من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالتأمين، والمشكلة تكمن من الاساس بظروف تأسيس هذه الشركات، حيث أن نية المشرع عندما اشترط في المادة (10- ثانيا) من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 المعدل، ان تكون شركات التأمين وإعادة التأمين وشركات الاستثمار المالي، شركات مساهمة. وتأكد ذلك في المادة (13- ثانيا) من قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 حيث نصَّت على عدم جواز ممارسة أعمال التأمين إلّا من الشركات العراقية المساهمة من بين مؤسسات اخرى إدراكاً لأهمية شركات التأمين وإعادة التأمين ودورها الحيوي في التنمية وحماية الفرد والمجتمع من الناحية الاقتصادية. إلّا أن الالتفاف على هذه القوانين حاصل بحيث تحولت، عملياً، الكثير من هذه الشركات إلى شركات تدار من قبل شخص واحد، لا خبرة له في العمل التأميني، كما لو انها شركات فردية.

 

وحدث ولا حرج عن مخالفات قانونية وفنية لأسس وآليات العمل التأميني، وفي مجال الحسابات الختامية أيضاً دون أن يتم التطرق اليها من قبل مدقـقي حسابات تلك الشركات.

 

كل هذه الأمور تعتبر تحديات يجب مراجعتها من قبل كل المعنيين بها بهدف تصحيح مساراتها. ومن أجل إيجاد شركات تأمين وإعادة تأمين قادرة على مواكبة تطور العمل التأميني واستمرارية عملها بنجاح محققة فوائد التأمين تتوجب معالجة التحديات أعلاه، بحيث تمتلك شركات التأمين وإعادة التأمين الصفات التالية ضمانا لديمومتها والإيفاء بالتزاماتها تجاه حملة الوثائق:

 

1- الحجم المناسب (Appropriate Size)

لا شك أنه كلما كان حجم شركة التأمين، أي القاعدة المادية كبيراً، كلما كانت مؤهلة لبناء كادر متخصص يدير وينفذ العملية التأمينية بنجاح، وكذلك إمكانية الاحتفاظ بنسب عالية من مبالغ تأمين الوثائق التي تكتتب بها الشركة وبالتالي التقليل من الاعتماد على إعادة التأمين وبالأخص مع شركات إعادة تأمين اجنبية. وهذا سيؤدي بدوره إلى توفير جزء من العملة الصعبة التي تدفع كثمن لشراء أغطية إعادة التأمين الضرورية، وأن تكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها في تسديد التعويضات.

 

 

2- الكادر المؤهل (Efficient Staff)

لإدارة العملية التأمينية بنجاح يتوجب على شركات التأمين وإعادة التأمين أن تهتم بأركان أو محاور العمل الأساسية الثلاث التالية وتوفير الكوادر المؤهلة لإدارتها، باعتبار أنها المقومات الضرورية لعمل هذه الشركات:

 

أ- الاكتتاب وتسوية التعويضات (Underwriting and Claims Adjustment)

لا شك أن الاكتتاب الصحيح المتوازن غير المنفلت أو المتزمت وتسوية التعويضات بعدالة وفقاً لمبادئ التأمين وشروط عقد التأمين وممارسات الدول المتقدمة في هذا المجال هما خير وسيلة لضمان الاستمرار وديمومة عمل أي شركة تأمين أو شركة إعادة تأمين بنجاح.

 

ب– التسويق (Marketing)

من المعروف أن شركات التأمين لا تبيع سلعاً أو خدمات تلبي حاجة آنية ملموسة إذ هي تسوق وتبيع وعوداً قد تلبي حاجة أو منفعة مستقبلية إن تحقق الضرر الناتج عن خطر مؤمن منه، وعليه فإن تسويق الخدمات التأمينية يحتاج إلى مسوقين أكفاء لهم القدرة على توضيح نوع الخدمة التي يسوقونها وإقناع من يحتاجها بضرورة شرائها. وهذا يعني أن مقدم الخدمة التأمينية هو الذي يذهب إلى من يحتاجها من اجل بيعها ومن هنا صحت المقولة “بأن التأمين يباع ولا يُشترى”. لذلك يتوجب على شركات التأمين ان تهتم ببناء جهاز تسويق نشط وكفؤ قادر على اقناع وكسب ثقة الزبائن باعتباره واجهة للشركة.

 

ج – الاستثمار (Investment)

بما أن شركات التأمين وشركات إعادة التأمين تعتبر من شركات تجميع الأموال وذلك لأن رؤوس الأموال والاحتياطيات الرأسمالية لهذه الشركات لا تستخدم في إدارة العملية التأمينية، بل وحتى أقساط التأمين وأقساط إعادة التأمين التي تستلم مقدما، (منها تسدد التعويضات والمصاريف الأخرى والفائض منها هو الربح الذي تحققه الشركة يوزع وفق القوانين)، هي الأخرى لا تستخدم إلّا بعد فترة من تسلمها، فمن غير المعقول أن تبقى هذه الأموال حبيسة في خزائن الشركة دون عائد. بل إن الضرورة والحكمة أن تستثمر هذه الأموال الاستثمار الأمثل الذي يحقق العائد ألأفضل الذي ينعكس بدوره على تعزيز مركز الشركة ويؤهلها للتنافس باعتبار أن هذا العائد يمكن أن يؤدي إلى تخفيض أسعار التأمين مما يسهل التسويق للحصول على أعمال أكثر.

 

هذه الأركان أو المحاور الثلاث التي يكمل بعضها البعض الآخر تحتاج إلى كوادر متخصصة لإدارتها وبما أن أحجام أغلب شركات التأمين العراقية الخاصة صغيرة جداً فهي غير مؤهلة للنهوض بتطوير هذه المحاور الأساسية لعمل تأميني ناجح حيث انها تفتقر إلى الحد الأدنى من الكادر المتخصص ولا تستطيع بناء وتطوير كادر مؤهل بسبب ضعف إمكانياتها المالية، إذاً فإن هذه الشركات تحتاج إلى إعادة تنظيم جذري.

 

ومن هنا تنطلق الدعوة لإيجاد كيانات كبيرة الحجم تستطيع استخدام الخبراء وبناء كوادر محلية قادرة على ادارة الشركة بكفاءة.

 

ومن أجل تذليل كل ما تقدم من تحديات خاصة بشركات التأمين وإعادة التأمين، ينبغي الاهتمام وتنفيذ الإجراءات التالية:

 

  1. أن لا تمنح إجازة التأسيس لأي شركة من قبل دائرة تسجيل الشركات في وزارة التجارة ولا رخصة مزاولة أعمال التأمين من قبل الهيئة المختصة (ديوان التأمين حالياً)، إلّا بعد أن يتم التأكد من أن شروط التأسيس وشروط منح رخصة مزاولة العمل وفي مقدمتها الكادر المؤهل متوفرة بالطلب من ناحية قانونية وفعلية نصاً وروحاً وفقا لنية المشرع.
  2. زيادة الحد الأدنى لرؤوس أموال هذه الشركات إلى مستوى مقبول، ويطبق على الشركات التي تؤسس مستقبلاً والموجود منها حالياً على أن تمنح هذه الأخيرة فترة معقولة لتسوية أوضاعها، وتشجيع دمج الشركات مع بعضها لتحقيق هذا الهدف.

 

  1. الاحتفاظ بكادر كفوء متخصص بأعمال الشركة وتطويره وفق خطة مدروسة بتعاون الشركات والمؤسسات المشرفة عليها.

 

  1. يشترط أن تكون أقساط التأمين المكتتبة (written premium) خلال السنة المالية (financial year) لا تقل عن مبلغ محدد يتناسب مع رأس المال.

 

  1. الاهتمام بالحسابات الختامية للشركات ومراقبتها بحيث تكون متطابقة مع القوانين والمعايير المحاسبية السائدة الخاصة بشركات التأمين وإعادة التأمين.
  2. التشديد على وجوب أن تدار هذه الشركات كشركات مساهمة فعلاً وفقاً لما نصت عليه القوانين وليس شكلاً كما هو حاصل الآن، كأن يكون لها مجلس إدارة منتخب من قبل هيئة عامة حقيقية، يقوم بمهامه وفقاً لنية المُشرّع وما حددته القوانين والأنظمة العامة والخاصة.

 

التحدي الثاني – قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10 لسنة 2005)

 

إن أول قانون لتنظيم اعمال التأمين تم تطبيقه في العراق هو قانون (السيكورتا) العثماني الصادر سنة 1905 (وقت ما كان العراق تحت الحكم العثماني)، الذي يعتبره بعض الباحثين ما يزال ساري المفعول والبعض الآخر يعتبره ملغياً. ولكن مهما كان الحال فإن هذا القانون يعتبر معطلاً من الناحية العملية لأن كل مواده الـ(25) جاءت ركيكة ونصوص أغلبها ناقصة ولا تتطابق مع الشروط المعتمدة حالياً، ثم لا أحد يستند إليه بوجود نصوص القوانين الأحدث والأكثر صحة ووضوحا.

 

ولكن ما يعنينا من قانون (السيكورتا) هذا هو التأكيد على أن التأمين بشكله التجاري الحديث قد تمت مزاولته في العراق قبل إصداره أي قبل سنة (1905).

 

وأول قانون ينظم أعمال شركات التأمين في العراق صدر رسمياً من قبل حكومة عراقية برقم 74 لسنة 1936. بموجبه تم تنظيم أعمال شركات التأمين الأجنبية الممثلة بالفروع والوكالات التابعة لها التي كانت عاملة في العراق.

 

ثم توالى إصدار القوانين العراقية التي تنظم أعمال التأمين والرقابة على شركات التأمين وحماية حقوق المؤمن لهم، ولعل أهمها ما جاء في القانون المدني العراقي رقم (40 لسنة 1951) حيث خصص هذا القانون المواد من (903 إلى 1007) لموضوع التأمين، وفي معرض حمايته لحملة وثائق التأمين (المؤمن لهم) جاء في نص المادة (985) منه بطلان عدد من الشروط التعسفية التي ترد في وثائق التأمين.

 

مراحل وظروف إصدار قانون تنظيم اعمال التأمين

ما يهمنا في هذا البحث هو التحدي الذي يتعرض له قطاع التأمين بسبب إغفال قانون تنظيم أعمال التأمين أمور مهمة، ونصه على أخرى هي في غير صالح قطاع التأمين العراقي، سنأتي على ذكرها بعد أن نستعرض الظروف والمراحل التي مر بها إصدار هذا القانون.

 

بعد احتلال العراق وإسقاط النظام السياسي سنة (2003) وفي معرض إخضاع الاقتصاد العراقي إلى الهيمنة الأمريكية أُنتدب شخصان أحدهما انكليزي والآخر امريكي للتدريب وكتابة قانون التأمين الذي تم من قبل هذ الأخير (الخبير الأمريكي) إعداد مسودة باللغة الانكليزية لمشروع قانون تنظيم أعمال التأمين عُرضت للنقاش مع المدراء التنفيذيين لشركات التأمين ومن خلال هذا النقاش تفاجأ الخبيران المنتدبان لهذا الغرض بالإضافات المقترحة من قبل ممثلي الشركات والتي تصب في صالح قطاع التأمين العراقي وحذف ما هو في غير صالحه، وإذ يبدو إن الخبير المكلف بأعداد مسودة القانون غير مخول بأجراء أي تعديل على نصوص المسودة ولأن مقترحات المدراء التنفيذيين العراقيين كانت منطقية ومعترف بها دولياً ومطبقة في بلدي الخبيرين بشكل أو بآخر وهما على علم بذلك، أعلنا في آخر اجتماع لمناقشة هذه المسودة إن فترة مهمتهما في العراق قد انتهت وستحال مسودة القانون إلى وزارة المالية للتصرف وإصدار القانون.

 

اُحيلت هذه المسودة من قبل وزير المالية آنذاك السيد عادل عبد المهدي الى الأستاذ عبد الباقي رضا ولصعوبة ترجمة هذه المسودة إلى اللغة العربية بالدقة التي يجب ان تكون، أقترح الأستاذ عبد الباقي اعتماد قانون تنظيم أعمال التأمين الاردني رقم 33 لسنة 1999 المعدل وهو مشابه إلى حد كبير لمسودة القانون المقدمة من قبل الخبير الأمريكي إلى وزارة المالية.

 

أُهمل إصدار مشروع هذا القانون، لحين عودة رئيس مجلس الوزراء آنذاك السيد أياد علاوي من زيارة لأمريكا عندما طَلَبَ وبشكل مستعجل التوقيع على قانون التأمين.

 

وهذه العجالة يبدو انها على الأرجح كانت بطلب من رجال أعمال أمريكان حيث أن مراسلات كان قد تم تبادلها خلال سنة 2004 بين شركة (AIG) الامريكية[4] وشركة الأمين للتأمين عندما كان كاتب هذا البحث مديراً مفوضاً لهذه الأخيرة، وختمت المراسلات بالاتفاق على أن تعقد مشاركة بين الشركتين بانتظار تشريع قانون عراقي يسمح بالاستثمار الأجنبي.

 

وأخيرا صدر قانون تنظيم أعمال التأمين بالأمر رقم 10 لسنة 2005 ونشر في الجريدة الرسمية، العدد (3995) في 3 آذار 2005 وأصبح نافذاً اعتباراً من 3 حزيران 2005 وكان في مجمله مخيبا للآمال ولا يلبي طموحات قطاع التأمين العراقي عكس ما كان متوقعاً.

 

من أبرز سلبيات هذا القانون وأشدها تأثيراً على تدني أقساط التأمين في العراق ما يلي:

 

1-       إغفال ذكر أي مادة تنص على عدم جواز التأمين على الأموال والمسؤوليات الموجودة في العراق والبضائع الواردة إليه مع غير شركات التأمين المسجلة في العراق مع العلم إن هذا الأجراء معمول به في كل الدول العربية ومنها الأردن حيث نص قانون تنظيم أعمال التأمين الاردني رقم (33) لسنة 1999 المعدل في المادة (27) منه على ما يلي:

 

المادة -27- أ “لا يجوز التأمين لدى شركة تأمين خارج المملكة على المسؤولية والأموال المنقولة وغير المنقولة الموجودة في المملكة وذلك باستثناء تأمين الطائرات العاملة لدى شركة عالية/الخطوط الجوية الملكية الاردنية وطائرات الشركات الاردنية على أن يتم ذلك بقرار من مجلس الوزراء.”

 

وهو أيضاً مطبق بصيغة أو بأخرى في أغلب دول العالم التي تعمل على حماية قطاع التأمين فيها ومنها ولاية اركنسو الأمريكية التي كان الخبير المكلف بتنظيم قانون تنظيم أعمال التأمين العرقي، السيد بيكنس، يشغل فيها منصب مفوض هيئة التأمين.

 

  • المادة (4 – ثانيا) من هذا القانون سمحت لكل من هب ودب من شركات التأمين في العالم بممارسة التأمين في العراق بإجراء غريب وغير مسبوق نصها ما يلي:استثناءا من أحكام البند (أولا) من هذه المادة لرئيس الديوان ان يسمح بممارسة اعمال التأمين في العراق قبل منح الاجازة وفقا لأحكام هذا القانون لأي مؤمن او فرع معيد تأمين أو فرع مؤمن أو معيد تأمين أو مؤمن تابع من المجازين في بلدان تطبق أفضل السبل المثبتة في مبادئ التأمين الاساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، على أن يلتزم أي من المذكورين بإكمال شروط الحصول على اجازة ممارسة أعمال التأمين في العراق خلال (90) يوما من تاريخ صدور موافقة رئيس الديوان بالسماح له بممارسة اعمال التأمين.”3-       قانون الاستثمار. هو الآخر أعطى الحق للمستثمر العرقي والأجنبي الحق في تأمين المشروع الاستثماري لدى أي شركة تأمين وطنية أو أجنبية، وهذا أمر لا يغير ولا يؤثر في قرار الاستثمار لأنه أمر معروف لدى كل المستثمرين بأن التأمين على ممتلكات موجودة في العراق يجب أن تؤمن في العراق ثم يمكن ان يطمئن المستثمر وخاصة الاجنبي إذا علم ان التأمينات الخاصة به ستتم بطريقة وشروط تضمن حقوقه وهي ليست غريبة على قطاع التأمين العراقي إذ كانت مطبقة وبنجاح تام من قبل شركة التأمين الوطنية في سبعينات القرن الماضي أيام عز قطاع التأمين العراقي.

 

  1.  

4-       مواد أخرى في هذا القانون تحتاج إلى تعديل

 

المعالجة المقترحة

ان معالجة هذه التحديات والعقبات التي أفرزها قانون تنظيم أعمال التأمين والمتمثلة بما جاء أعلاه تتم طبعاً بتعديل القانون تعديلاً شاملاً، ولكن هذا التعديل سيحتاج إلى وقت طويل وبالأخص في الظروف الاستثنائية الحالية، لذا فالمقترح أن تتم معالجة أهم ما أهمله هذا القانون وهي:

 

1- وجوب حصر التأمين مع الشركات العراقية على الأموال الموجودة في العراق والبضائع الواردة إليه والمسؤوليات التي قد تتحقق فيه.

 

2- أن تتضمن شروط المقاولات الحكومية مهما كان نوعها شرطا يفيد بوجوب إجراء التأمين الذي يناسب طبيعة المقاولة مع شركات التأمين العراقية وذلك بإصدار توجيه أو أمر من رئاسة مجلس الوزراء يفيد ذلك، يعمم على الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة كافة ويتابع التنفيذ من قبل ديوان التأمين.

 

الحالات السلبية في شركات التأمين وفي بعض مواد قانون تنظيم أعمال التأمين التي تطرقنا اليها فيما تقدم أفرزت ما يلي:

 

 

 

 

1- نصوص وثائق التأمين ((Insurance Policy Wordings

نصوص وثائق التأمين المعتمدة في شركات التأمين العراقية قديمة جداً مصدرها الوثائق البريطانية التي كانت قد صيغت خلال النصف الأول من القرن الماضي ولم تجر عليها أي تعديلات جوهرية تتطلبها المرحلة.

 

على سبيل المثال، إن وثيقة التأمين من الحريق المعتمدة في شركات التأمين العراقية، وأيضاً في أكثر الدول العربية، أصلها وثيقة صُممت خلال ثلاثينيات القرن الماضي من قبل شركات التأمين البريطانية لاعتمادها خصيصاً في الدول المستعمرة من قبل بريطانية العظمى. وسميت من قبلهم بوثيقة الحريق لدول ما وراء البحار (overseas fire policy) تختلف في بعض جوانبها عن الوثيقة النموذجية المطبقة في أغلب شركات التأمين البريطانية، إذ ان وثيقة التأمين من الحريق المعتمدة في شركات التأمين العراقية تتضمن نوعاً من التضييق في الغطاء الذي يصعب ادراكه حتى من قبل أغلبية العاملين في قطاع التأمين. وكذلك تتضمن هذه الوثيقة كما وثائق أخرى، شروطاً مضى عليها الزمن تحتاج إلى تحديث.

 

وبسبب تناقل نماذج هذه الوثائق من شركة إلى أخرى طوال الفترة الماضية بداية الستينات لحد الآن فقد أدى ذلك إلى أن تتضمن هذه الوثائق أخطاء تحتاج إلى تعديل، وكذلك من حيث الشكل هي الأخرى تحتاج ان تكون متطابقة مع نصوص القوانين العراقية. لذلك فإن أغلب هذه الوثائق تحتاج إلى إعادة صياغة ضمانا لحقوق المؤمن لهم وتلافياً للاختلاف بين المؤمنين والمؤمن لهم وبالأخص في حالة حصول حادث.

 

2 – عدم مزاولة أنواع مهمة من عقود التأمين

أنواع التأمين التي تجري مزاولتها حالياً من قبل شركات التأمين العراقية مقتصرة على بعض الأنواع التقليدية كالحريق، السرقة، السيارات، بعض أنواع التأمين الهندسي، التأمين البحري وتأمين النقد أثناء النقل وأثناء الحفظ، بينما هناك أنواع تأمين مهمة جداً كتأمين خسارة الأرباح الذي يضاهي في أهميته التأمين من الحريق وتأمين عطب المكائن … الخ والتأمين من المسؤولية بأنواعها والوثيقة المصرفية الشاملة وغيرها. والسبب الرئيسي في ذلك هو قلة المعرفة بهذه الأنواع من التأمين مما يؤدي إلى عدم مقدرة شركات التأمين لتسويقها.

 

الحل لهذا التحدي هو تأهيل كادر ذي معرفة متخصصة وخبرة بهذه الأنواع من التأمين واعتماد جهاز تسويقي متمكن لتسويقها.

 

3-تراجع في عمليات الاكتتاب وتخفيض أسعار التأمين إلى مستويات متدنية جداً وعدم إسناد اخطار عديدة وكبيرة وبالأخص في التأمين الهندسي (تأمين المقاولات من كافة الأخطار C A R) والاحتفاظ لحساب الشركة بمبلغ التأمين كاملا.

 

التحدي الثالث – تفعيل ديوان التأمين

 

نصَّ قانون تنظيم أعمال التأمين في المادة (7) منه على أن يعين رئيس للديوان خلال (30) يوما من تأريخ نفاذ هذا القانون. ومنذ 2005 لحد الآن كان يدير الديوان رئيس بالوكالة وتعاقب على ذلك عدة وكلاء من موظفي وزارة المالية غير المتفرغين. وبما أن مهمات الديوان ورئيسه التي حددها قانون تنظيم أعمال التأمين كبيرة وخطيرة وهي كفيلة ببناء قطاع تأمين كفوء إذا ما تم تنفيذها بكفاءة وهذا لن يتم إلّا عن طريق كادر متخصص يقوده رئيس ديوان متفرغ وكادر متخصص كفوء ممن لهم الخبرة والدراية في تنفيذ مهمات وواجبات الديوان في الرقابة ورفع المستوى الفني للكوادر التأمينية وتنشيط الوعي التأميني لدى الجمهور من أجل بناء سوق تأميني كفوء وشفاف، كل هذه المواضيع نصَّ عليها القانون كواجبات. ولكن يبدو أن جل اهتمام ونشاط الديوان ينصب على جباية بدلات منح إجازات مزاولة المهنة وتجديداتها سنوياً وخزنها دون استخدام الجزء الأكبر منها في تنفيذ المهمات التي حددها القانون كواجبات.

 

إن تفعيل ديوان التأمين بالشكل الصحيح هو الوسيلة الفعّالة لمعالجة هذه التحديات وغيرها التي يواجهها قطاع التأمين في العراق وما يستجد منها مستقبلاً وهذه المهمة تقع على عاتق المسؤولين في الحكومة. ولكن يبدو أن مقومات هذا التفعيل غير متوفرة حالياً بسبب عدم الاهتمام بهذا القطاع الحيوي المهم من قبل المسؤولين في الدولة والحكومة أولاً، وغياب الكادر المؤهل لإدارة هذا المرفق بواجباته المهمة كما رسمها قانون تنظيم أعمال التأمين ثانياً. البديل في رأيي وما يناسب المرحلة، هو استبدال الديوان بمديرية أو قسم في ووزارة المالية بمهمات قابلة للتنفيذ تخدم المرحلة وتحمل مؤهلات تطورها.

 

الخـــــــاتمة

 

قطاع التأمين في العراق على اهميته متراجع بشكل كبير بعد ازدهار، والسبب يعود بشكل عام إلى المحاصصة المقيتة وما أفرزته من فساد اداري ومالي تأثرت به كل القطاعات بما فيها قطاع التأمين الذي أصبح يعاني من تحديات خاصة هي وضعية شركات التأمين وإعادة التأمين وما تعانيه من تردي الناحية الفنية والمالية، وسلبيات قانون تنظيم أعمال التأمين الذي فتح سوق التأمين العراقي على مصراعيه بشكل غريب وغير مسبوق لا محلياً ولا عالمياً. هذه الأمور أفرزت عدم حصول أي تصحيح أو تطوير على نصوص وثائق التأمين لتواكب ما يستجد لتلبية متطلبات وحاجات السوق ووضعية ديوان التامين الذي لم ينهض بالواجبات الموكلة إليه ويكاد أن يقتصر عمله على جباية رسوم إصدار اجازات ممارسة المهنة الباهظة وتجديداتها وخزن هذه المبالغ دون استخدامها لخدمة القطاع كما مفترض.

 

التوصيات

 

1-اهتمام المسؤولين في الدولة والحكومة بقطاع التأمين وتلبية حاجات تطوره باعتباره مرفق اقتصادي واجتماعي حيوي ومهم.

 

2- النأي بهذا القطاع من المحاصصة باعتبار أن إدارة العملية التأمينية تحتاج إلى معرفة وخبرة متخصصة في هذا المجال ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

 

3- عدم منح إجازات التأسيس ورخص مزاولة المهنة، إلّا بعد التأكد من توفر المتطلبات القانونية وظروف العمل الصحيحة (توفر الكادر المؤهل).

 

4- زيادة الحد الأدنى لرؤوس الأموال وإلزام الشركات الحالية بتسوية أوضاعها خلال فترة محددة وتسهيل وتشجيع دمج الشركات مع بعضها لإيجاد كيانات كبيرة لها القدرة على بناء الكوادر وتنشيط العمل وتقليل الاعتماد على إعادة التأمين الخارجي.

 

5- تفعيل ديوان التأمين بتعين رئيس متمكن ومتفرغ لعمل الديوان يأخذ على عاتقه تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين من سلبياته وتنفيذ ما جاء به من إيجابيات، أو استبداله مرحلياً بتشكيل مناسب ضمن تشكيلات وزارة المالية يحمل مقومات تنفيذ المهمات التي ستوكل اليه.

 

 

 

* منعم الخفاجي

مستشار في قضايا التأمين

البريد الالكترونيmunemalkhafaji@yahoo.com

 

**       ورقة قدمت لمؤتمر الكلية التقنية الإدارية، بغداد، 30 تشرين الثاني – 1 كانون الأول 2016 ضمن محور التأمين ولم توافق عليها اللجنة العلمية للمؤتمر على الرغم من ان مختصره من خمس صفحات قد تمت موافقة اللجنة المذكورة عليه وطلبت تكملة كتابته.

 


 

المراجع:

 

بديع احمد السيفي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين علماً وقانوناً وعملاً (بغداد، 2006)

بهاء بهيج شكري، التأمين في القانون والقضاء، الجزء الثاني، صفحة 402.

جبار عبد الخالق الخزرجي، سعدون الربيعي، فؤاد شمقار، محمد الكبيسي، مصباح كمال، منعم الخفاجي، مساهمة في نقد ومراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، تحرير: مصباح كمال، مكتبة التأمين العراقي، 2013).

مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق-نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2012).

مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005- تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

منعم الخفاجي، تأمين خسارة الأرباح: عرض موجز (مكتبة التأمين العراقي، 2014).

منعم الخفاجي، وثيقة الحريق النموذجية ووثيقة الحريق العربية الموحدة: دراسة مقارنة (مكتبة التأمين العراقي، 2014).

 

قانون شركات الضمان(السيكورتاه) العثماني.

القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.

قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005.

 

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر.

http://iraqieconomists.net/ar/

 

[1] مواقع التأمين لهذه الدول في الشبكة العنكبوتية.

[2] في سنة 1988 سُمح للشركتين (الوطنية والعراقية) بمزاولة أنواع التأمين كافة (التأمينات العامة والتأمين على الحياة)

[3] أُلغيت سنة 1987

[4] من كبريات شركات التأمين وإعادة التأمين في العالم.

Interview with Misbah Kamal on Insurance Activity in Iraq 2016

مقابلة حول النشاط التأميني في العراق

 

 

مقدمة

 

كان السيد مصطفى الهاشمي، محرر الصفحة الاقتصادية لجريدة الصباح، قد كتب لي رسالته أدناه طالباً الإجابة على مجموعة من الأسئلة. وقد استجبت، شاكراً له طلبه. وقام من جانبه بتلخيص إجاباتي، حسب ما تقتضيه القواعد التحريرية الفنية للجريدة، ونشر الملخص تحت عنوان “مقترحات لتنشيط قطاع التأمين في العراق”:

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=128936

(الصباح، 28 كانون الأول 2016). وحيث أن المقابلة ضمت مواضيع أخرى لم يغطيها الملخص اتفقت وأياه على نشر نص المقابلة بالكامل مع الإشارة إلى ما نشر منه في الجريدة.

 

مصباح كمال

28 كانون الأول 2016

 

رسالة السيد مصطفى الهاشمي

 

قرأت مقالتكم المنشورة في موقع مرصد التأمين واعجبني طرحكم.. وراودتني فكرة ان توجه دعوة للقائمين على قطاع التأمين في العراق “من خلال جريدة الصباح” على مراجعة ورصد النشاط التأميني وما يتعلق به من قرارات وتعليمات وقوانين، لما لشركات التأمين من دور بارز في الاقتصاد.

 

وارجو في الوقت ذاته ان تجيبني على بعض الاسئلة في أدناه.

 

ارجو تفضلكم بالإجابة مشكوراً.. مع تقديري.

 

مصطفى الهاشمي

 

6 كانون الأول 2016

 

 

 

النص الكامل للمقابلة

 

 

  1. 1. هل تعتقد ان شركات التأمين الخاصة قادرة على الصمود أكثر في ظل الظروف الاقتصادية العامة للعراق؟

 

لست مطلعاً تماماً على أوضاع شركات التأمين الخاصة، ولهذا فإن حكمي على استمرار وجودها ليس مُحكماً. كما أن ديوان التأمين، حسب علمي، لم ينبّه أي من هذه الشركات لتعديل أوضاعها المالية.

 

رغم ما يوجّه لهذه الشركات من انتقادات سلبية وأخرى نقدية بناءة، فإنها، اعتماداً على تجربة البعض منها (تلك التي تأسست قبل الاحتلال الأمريكي للعراق)، تستطيع الاستمرار بالعمل رغم سلبية الظروف الاقتصادية العامة القائمة، وخاصة منذ الهبوط الحاد في أسعار النفط في 2014. وعلى أقل تقدير، فإن البعض منها ربما سيحقق قليلاً من التقدم على مستوى الإنتاج إلا أن معظمها ستظل تراوح في مكانها. وهنا تنهض الفرصة لأصحابها للتفكير بمستقبلها: الاستمرار كالبطة العرجاء أم الشروع بالتفاوض مع غيرها بغرض الدمج، أو التفكير بتحالفات فيما بينها لتحقق درجة من الندية مع شركتي التأمين العامتين.

 

تتبدل هذه الصورة المتفائلة إلى حدٍ ما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الضرائب الجديدة التي فرضتها الحكومة على دخول المواطنين، وكذلك استقطاع نسبة من دخول الموظفين، وتعثر وتوقف العديد من المشاريع الاستثمارية. وأرى أن هذه التطورات ستقلص من الإنفاق على شراء الحماية التأمينية، وبالتالي على حجم الأعمال التي تكتتب بها الشركات الخاصة، وبالتالي إلى تعريض وجودها لهذه الضغوط.

 

عند الحصول على الحسابات الختامية لمجموعة من الشركات، أو الإحصائيات التي تصدرها جمعية التأمين العراقية، يمكن تقييم المتانة المالية للشركات الخاصة والخروج برأي قائم على بيانات منشورة.

 

  1. 2. ما هو المطلوب اتخاذه من القائمين على قطاع التأمين (ديوان التأمين، جمعية التأمين، شركات التأمين العامة) لزيادة ونشر الوعي بين الجمهور وتعريفهم بأهمية التأمين في الحياة العامة؟

 

يرُجِع البعض تدني الوعي التأميني إلى الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والغزو العراقي للكويت (1990) وما تبعه من تحرير الكويت، والغزو الأمريكي للعراق (2003). ويمكن أن نضيف إليها سنوات العقوبات الدولية (2003-1990) التي ساهمت بشكل مباشر في تآكل دخل المواطنين وإفقارهم بحيث صار شراء الحماية التأمينية ترفاً لا يقدر عليه إلا قلة منهم. لكن هذه الإحالة لم تقترن بدراسة موثقة تجمع بين السبب والنتيجة إذ أنها وردت في سياق مقابلات صحفية سريعة، وغالباً ما يتركز التعليل على مقارنة بين الوضع القائم وما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي. لا تتوفر لدينا الإحصائيات لقياس مستوى الوعي التأميني في تطوره التاريخي فهذه مهمة بحثية تقع خارج إمكانياتنا الحالية.

 

يتعين علينا أن نتذكر بأن التأمين سلعة غير منظورة، هو وعدٌ بتعويض المؤمن له في المستقبل إن تعرَّض هو أو أسرته أو أمواله إلى ضرر. معظم الناس لا يستشعرون الحاجة لمثل هذا الوعد دونكم توفر القدرة المالية لديهم على شراء هذا الوعد. هم أكثر قناعة، بفعل الموروث الديني، وبقراءة سلبية له، بالقبول بالقضاء والقدر: “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.” (سورة التوبة، الآية 51)

 

ديوان التأمين مُلزم بقوة القانون للقيام بدوره في مجال زيادة الوعي التأميني. فقد جاء في المادة 6-البند 4 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 أن الديوان يهدف إلى:

 

تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:

 

زيادة الوعي التأميني وإجراء الدراسات والبحوث التأمينية وطباعتها.

 

المعلومات المتوفرة لا تدل على أن الديوان قد قام بتنفيذ مهمة زيادة الوعي، أو إجراء الدراسات والبحوث التأمينية، وهذه من شأنها أن توسع دائرة الاهتمام بالتأمين خارج نطاق شركات التأمين.

 

ومن رأي أن ديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية، التي تمثل شركات التأمين، ليس لديها برنامج خاص بنشر ثقافة التأمين. صحيح أن بعض الشركات تلجأ إلى الإعلان التجاري أو الاتصال ببعض الشركات والمنظمات بهدف بيع وثائق التأمين لها أو التعاون معها بهذا الشأن فيما يخص أعضاء هذه التنظيمات، إلا أن هذا الجهد ينصبُّ على التعريف بشركة التأمين وبمنتجاتها من وثائق التأمين. وهذا الجهد يقابله ما تقوم به جمعية التأمين من خلال الندوات والمحاضرات التي تنحصر فائدتها بمنظميها وبعض المشاركين فيها.

 

فقر ثقافة التأمين يعكس نفسه في ضعف وربما أحياناً غياب الحملات الإعلانية المركزة، والمتخصصين الاستشاريين في شؤون التأمين، أو المحامين المتخصصين في تفسير عقود التأمين، ومقيّمي الأصول لأغراض التأمين، والكاشفين على الأخطار المعروضة للتأمين (ومعظم هؤلاء لا يرقون في مهاراتهم الفنية إلى ما هو متوقع منهم مهنياً وبالمقارنة مع ما هو متوفر عالمياً)، والصحفيين الذين يتمتعون بمعرفة تأمينية رفيعة.

 

ويجد هذا الفقر انعكاساً له في غياب مجلة تأمينية إلكترونية أو ورقية بعد توقف مجلة (رسالة التأمين) أواخر ثمانينيات القرن الماضي. مثلما ينعكس في غياب حملات أسبوعية أو شهرية، حسب الحاجة، لترويج منتجات تأمينية محددة. (لم تقم أية شركة لتأمين بنشر المعرفة عن تأمينات الحياة من خلال حملات خاصة للتوعية. مثال ذلك شريط فيديو للتوعية بتأمينات الحياة). وكذلك إجراء مسح ميداني حول الموقف من الخطر (الخطر الطبيعي، الخطر في المسكن وفي موقع العمل)، والوسائل التي يلجأ لها الناس للتدبر ضد آثار الخطر، ومكانة التأمين ضمن هذه الوسائل … الخ.

 

ونجده أيضاً بالحضور الضعيف أو الغائب عند وقوع حوادث كبيرة، قد تكون لها تداعيات تأمينية، كاحتلال داعش للموصل، وحادث التفجير الإرهابي في الكرادة، أو حوادث تفجير/انفجار عدد من آبار النفط. كما نجده في الصمت المطبق من قطاع التأمين عند وضع مشاريع لقوانين لها آثار تأمينية على سبيل المثل، مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي. كما أن قطاع التأمين غائب عند إعداد موازنة الحكومة. ثم أن علاقة شركات الـتأمين والجمعية والديوان بوكالات الأنباء والصحف ضعيفة ويباشرها الصحفيون. وأكاد أن أجزم أن شركات التأمين والجمعية والديوان ليس له موظف مختص لإصدار البيانات الصحفية عن شؤون عامة ذات علاقة بالتأمين، أو إطلاق منتج تأميني، أو تنظيم فعالية معينة. بعبارة أخرى، فإنها تفتقر إلى التواصل مع الجمهور، ومع الشركات الصناعية والتجارية، والدوائر الحكومية وغير الحكومية.

 

وباختصار، فإن التأمين يكاد أن يكون غائباً في الحياة العامة إلا من خلال شراء نسبة صغيرة من السكان لوثائق التأمين، وهو موضوع يستحق من يبحث فيه. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الوعي بمؤسسات أخرى للدولة الحديثة لا تقتصر على التأمين بل تشمل أيضاً، على سبيل المثل، ما يمكن تسميته بضعف/غياب الوعي الضريبي.

 

  1. 3. منذ تسعينات القرن الماضي والتأمين في العراق لم يشهد أي تطور، بل على العكس فان بعض محافظ التأمين قد تراجعت على ما يبدو، باعتقادكم ما هي أفضل الحلول لإعادة إنعاش قطاع التأمين؟

 

حقاً لم يشهد العراق تطوراً يذكر في مجال التأمين أو غيره. نعرف أن العقوبات الدولية (1990-2003) والسياسات الخرقاء وسوء تصرف النظام الديكتاتوري كان وراء تدهور العراق. لكن العراق منذ الاحتلال الأمريكي لم يشهد تطوراً جوهرياً في بناء الدولة ومؤسساتها سوى المحاصصة الطائفية والاثنية والفساد الذي ترجم نفسه في سرقة ثروات الوطن. مقارنة بسيطة بين عقد تأسيس الدولة العراقية (1933-1921) والدولة التي أرسى دعائمها بول بريمر (2003-2004) تبين “الإنجاز” الكبير للملك فيصل الأول وفشل حكومات ما بعد 2003.

 

تراجع وركود قطاع التأمين هو حالة مصغرة للوضع العام، وما خلا قطاع النفط فإن القطاعات الأخرى تشترك مع التأمين في مجمل أوضاعها. ليست هناك إحصائيات تاريخية لتحديد مستوى التراجع في محافظ التأمين، ولكن يمكن الزعم بأن محافظ معينة لم تشهد تطوراً حقيقياً، كمحفظتي التأمين الفردي على الحياة والتأمين على المساكن، وكلتاهما تعتمدان على توفر دخل كافٍ يُمكّن أصحابه من الانفاق على التأمين بعد إشباع حاجات مادية ملموسة.

 

قطاع التأمين لا يوجد في فراغ ومجرد تقديم بضعة اقتراحات لإنعاشه هو نوع من أضغاث الأحلام. يمكن تطوير الكوادر المهنية؛ يمكن التخلص من العمالة الزائدة القائمة ربما على أساس طائفي؛ يمكن تحسين المستوى المعرفي لدى العاملين، لكن ذلك وغيره لا يؤدي مباشرة إلى إنعاش قطاع التأمين. ما لم يكن هناك طلب حقيقي فعّال (مدعم بالقدرة النقدية على الشراء) لا يمكن إنعاش القطاع من خلال جرعة من الحلول.

 

جعل بعض فروع التأمين إلزامياً على الشركات يخلق طلباً تلقائياً على التأمين. مثال ذلك، التأمين على الحريق والانفجار الذي يصيب المباني. (الموضوع يستدعي دراسة ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في العالم العربي والغربي). وقل مثل ذلك بالنسبة للتأمين على حياة العاملين مع إشاعة مفهوم المسؤولية الاجتماعية لأرباب العمل. والبعض يدعو إلى جعل التأمين الصحي إجبارياً لفئات معينة (مع تقليص الخدمات الصحية التي توفرها الدولة كجزء من إقحام السياسات الليبرالية الجديدة في العراق). ولنا أن نضيف إلى ذلك التأمين من المسؤولية الطبية، وتأمين مسؤولية المستشفيات، وتأمين المسؤولية المهنية للصيادلة، والمهندسين وأصحاب المهن الأخرى. مثل هذه الحلول تؤدي إلى زيادة حجم أعمال التأمين التي تكتتب بها شركات التأمين.

 

  1. 4. هل هناك قصورا في الترويج لمنتجات شركات التأمين (الوثائق التأمينية)؟

 

لا أرى أن هناك قصوراً في ترويج المنتجات التأمينية، فالشركات تنتج أعمالها من قبل منتجين تابعين لها متخصصين في مجال بيع وثائق التأمين وكذلك من قبل موظفين آخرين. وقد يصل الأمر في حالات معينة إلى قيام كبار موظفي الشركة وحتى المدير المفوض ولوج ميدان إنتاج الوثائق لطالبي التأمين المهمين والكبار حجماً ورأسمالاً.

 

قد يأخذ القصور شكل ضعف المعرفة الفنية والقانونية المناسبة المرتبطة بآلية التأمين بشكل عام وبوثائق تأمين معينة لدى المنتجين. هذا وضع يستدعي التنبه له ومعالجته خاصة إذا اتجهت الشركات إلى بيع وثائق تأمين جديدة لم يعرفها سوق التأمين العراقي ومنها وثائق تأمين المسؤولية المهنية بأنواعها المختلفة، وتأمين مسؤولية المدراء والموظفين، وتأمين التحكم بالآبار النفطية. وحتى بالنسبة لبعض وثائق التأمين، المعروفة على نطاق ضيق، كالوثيقة المصرفية الشاملة، فإن المعرفة الدقيقة بتفاصيلها ليست متوفرة بالكامل لدى المنتجين. وقل مثل ذلك بالنسبة لوثائق التأمين التي تلجأ إليها شركات النفط العالمية، فنصوص بعض هذه الوثائق معقدة، وهي ليست متوفرة باللغة العربية، بحيث أنها تكاد أن تكون مغلقة أمام منتج التأمين العادي وحتى مديره العام.

 

هناك قصور، ربما يعكس غياب رؤية تسويقية مدروسة، في عدم إقدام الشركات على تمييز نفسها عن غيرها كشركات متخصصة بنوع أو أنواع معينة من أغطية التأمين بهدف تحقيق أعلى حصة في السوق من الأعمال المكتتبة فيها. شركات التأمين العامة والخاصة تشترك في هذا القصور باستثناء شركة التأمين العراقية العامة التي استطاعت، بفضل تاريخها التخصصي في الماضي، من تحقيق أعلى الأقساط في تأمينات الحياة.

 

ويتخذ القصور لدى بعض شركات التأمين شكل رثاثة إخراج (طبع) وثائق التأمين، مما يعكس عدم الاستفادة الكافية من أنظمة الكومبيوتر ووسائل الطبع، وكذلك الضعف في التعبير اللغوي.

 

5 كيف تقيّمون علاقة شركتي التأمين “الوطنية ” و”العراقية” و”إعادة التأمين” بالشركات العالمية – من حيث قبول اعادة التأمين وتوزيع الاخطار؟

 

ليست هناك في الوقت الحاضر علاقة مباشرة بين الشركات الثلاث وشركات إعادة التأمين العالمية فيما يخص إعادة التأمين الاتفاقي، وحتى في إعادة التأمين الاختياري، فالعلاقة تمر من خلال مستشار معتمد من قبل هذه الشركات مقيم في لندن ومجموعة من ثلاث شركات وساطة متخصصة في إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري.

 

كانت علاقة الشركات قبل غزو الكويت تتم مباشرة ومن خلال وسطاء إعادة تأمين بالنسبة لبعض عقود إعادة التأمين. وقد توقفت حماية إعادة التأمين الاتفاقي للشركتين العامتين، التأمين الوطنية والتأمين العراقية، وكذلك شركة إعادة التأمين العراقية، مع غزو العراق للكويت وإخضاع العراق للعقوبات الدولية، إذ لم يمكن بمقدور شركات إعادة التأمين العالمية، بفضل هذه العقوبات الملزمة، الاستمرار في توفير الحماية للشركات الثلاث. استطاع قطاع التأمين الاستمرار بالعمل ضمن الإمكانيات الداخلية المحدودة التي كانت توفرها الإعادة العراقية وضمن ترتيبات خاصة بين الشركات الثلاث بالنسبة للأخطار الكبيرة (النفطية أساساً).

 

تم إحياء الحماية الإعادية العالمية سنة 2005 وبحدود صغيرة تناسب حجم الأعمال التي تكتتب بها شركات التأمين وخاصة التأمين الوطنية والتأمين العراقية، وهما الأكبر من حيث حجم أقساط التأمين. وعلى ضوء هذه الأقساط تم الاتفاق على حدود المسؤولية بموجب اتفاقيات إعادة التأمين. وكان معيد التأمين القائد هي شركة ميونيخ لإعادة التأمين الألمانية. ثم تحولت القيادة إلى شركة سكور الفرنسية، وهي ما زالت المعيد القائد.

 

تحدد اتفاقيات إعادة التأمين الأخطار التي يمكن إسنادها لهذه الاتفاقيات وشروط الإسناد، وما يتجاوز هذه الحدود يخضع لقبول خاص من قبل معيد التأمين القائد، بعد دراسة معطيات الخطر المعروض للإسناد إلى الاتفاقية المعنية. وحسب علمي فإن هذا الترتيب يسير بشكل مقبول بين طرفي الاتفاقية: الإعادة العراقية ومعيدي التأمين. قد تنشأ بعض الصعوبات لسوء فهم أو لعدم وضوح المعطيات، ولكن التفاوض هو الكفيل بحل الصعوبات.

 

إعادة التأمين في الأساس هي عملية توزيع وتفتيت للأخطار التي تكتتب بها شركة التأمين المباشر قبل التامين عليها وذلك بإعادة تأمين كل أو جزء كبير من تلك الأخطار لدى معيدي التأمين، أي أن شركة التأمين تحتفظ بنسبة من الخطر وتعيد تأمين الباقي بموجب اتفاقية إعادة التأمين. هناك إشكالية تتمثل بالاختلاف على حجم احتفاظ شركة التأمين، التي تحاول الشركة أن تزيده لأنه يعني احتفاظها بحجم أكبر من أقساط التأمين، وحجم ما يسند للاتفاقية، الذي يحاول معيد التأمين تحديده بما يتلاءم مع الكلفة الاقتصادية لتحمل المسؤوليات، وهي الكلفة التي يفترض أن تُمول من الأقساط المسندة. في الحالة العراقية نشاهد أن الحجم الإجمالي لدخل أقساط التأمين المكتتبة من قبل شركات التأمين المنضوية تحت اتفاقيات الإعادة العراقية ليست كبيرة وبالنسبة لبعض معيدي التأمين العالميين يعتبر إعادته غير اقتصادي- وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى تخلي شركة ميونيخ لإعادة التأمين عن قيادة اتفاقيات الإعادة العراقية. ولذلك فإن الدعوة إلى زيادة احتفاظ الجانب العراقي لا تلقى ترحيباً آنياً إذ تدخل حسابات الكلفة الاقتصادية كمحدد عائق أمام طلب الزيادة. ويظل موضوع زيادة الاحتفاظ قائماً ويجب العمل على تحقيقيه.

 

6 باعتقادكم ماهي أفضل السبل لزيادة الاستثمارات الخاصة بشركات التأمين؟ وهل ان وجود بعضها كمساهم في رؤوس اموال شركات صناعية يكفي لزيادة ايرادات تلك الاستثمارات؟

 

التركيز على زيادة إيرادات الاستثمار مطلب اقتصادي لكنه ليس كافياً لتقرير السياسة الاستثمارية لشركات التأمين. إن استثمارات شركات التأمين مقيدة بفعل عوامل عديدة منها التقلبات في نتائج الأعمال نتيجة لخبرة الخسارة المتغيرة. هذا الوضع يفرض على شركة التأمين الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة زيادة عن احتياطاتها الفنية، إذ أن الأموال المتجمعة لديها (أقساط التأمين وإيرادات الاستثمارات) يمكن أن تتعرض للنضوب خلال فترة زمنية قصيرة بسبب ازدياد عدد وحجم المطالبات بالتعويض (بعد كارثة مثلا). ولذلك فإن شركة التأمين الرصينة مجبرة على الإبقاء على أموالها في حالة سيولة معقولة: كأن تكون بهيئة ودائع مصرفية قابلة للسحب الفوري أو سندات قصيرة الآجل يمكن تسييلها دون التعرض لخسارة كبيرة.

 

وقد كتبتُ في دراسة لي ما يفيد موضوع هذا السؤال فيما يخص المساهمة في رؤوس أموال الشركات الصناعية. هناك بالطبع اعتبارات عديدة حول المفاضلة بين الأصول المالية القابلة للتسويق. فالمعروف أن الإبقاء على الأصول بهيئة نقد لا يوفر عائداً لشركة التأمين. كما أن الاستثمار في السندات الحكومية يكون مردوده محدوداً. مقابل ذلك فإن الاستثمار في الأسهم يمكن أن يوفر مكاسب رأسمالية لا تخضع للضريبة إلا عند تحقق هذه المكاسب. مثل هذا الاستثمار ينطوي على المخاطر التي تطرأ على سوق الأسهم، وهي ضمن قابلية التسويق الفوري تعتبر غير مناسبة لشركة التأمين. ولهذا فإن بعض شركات التأمين تميل إلى تنويع محافظها الاستثمارية كي تستطيع مواجهة التعويضات والحصول على عوائد معقولة.

 

إن الصندوق المالي لشركات التأمين العراقية القابل للاستثمار يتكون من الاحتياطيات الفنية، والاحتياطيات الحرة ورأسمال الشركة. حرية التصرف بهذا الصندوق يتأثر بإمكانية انخفاض دخل أقساط التأمين (مصدر الاحتياطيات بعد استقطاع المصاريف المختلفة كتسديد التعويضات وغيرها). إن تقلص حجم الأعمال المكتتبة، لأي سبب كان، يعني أن التدفق النقدي (أقساط التأمين) لشركة التأمين لن يكون كافيا لبناء الاحتياطيات وتمويل الاستثمار. ثم هناك القواعد الرقابية الانضباطية التي تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية. وهذا يعني إخضاع أصول الشركة لقواعد التقييم الرقابية كوضع حد أو سقف (للأصول المالية) التي يمكن للشركة أن تحتفظ بها والتي تتعرض لتقلبات كبيرة كالأسهم والسندات الطويلة الأجل و(الأصول العينية) دون الإضرار بالسيولة النقدية للشركة كي تستطيع تسديد التعويضات في أوانها.

 

الفرص المتاحة أمام شركات التأمين للاستثمار تنحصر بالمساهمة في رؤوس أموال الشركات الصناعية وغيرها والأصول العينية (المباني بأنواعها)، وربما يميل البعض منها إلى المقامرة في سوق الأوراق المالية لكن المعلومات بشأنها ليست متوفرة لي. وقد لجأت شركات التأمين العامة، في الماضي، إلى تنويع محافظها الاستثمارية لتضم المساهمة في رؤوس أموال الشركات، وشراء وتشييد المباني، وأوراق مالية حكومية وغير حكومية، وإيداعات في البنوك، وقروض مضمونة، واسهم (في شركات تأمين عربية) وودائع خارج العراق (لتسديد بعض التزاماتها تجاه معيدي التأمين وغيرهم).

 

مصباح كمال