Tag Archives: Insurance Concepts

Covering Fund-investigating the origins of the concept

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

مصباح كمال

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/11/Misbah-Kamal-Funding-Cover-IEN-final.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/11/29/%d8%b1%d8%b5%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%87%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d9%87%d9%8a/

رصيد التغطية Covering Fund

يشير هذا المصطلح إلى المبالغ المخصصة في المحفظة التأمينية لمواجهة طلبات التعويض وتتكون من صافي أقساط التأمين غير المكتسبة وناتج الاستثمار مع الاحتياطي الاختياري المرصود لتلك المحفظة.[1]

بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، 2016

1-     رصيد التغطية في فكر بهاء بهيج شكري

1-1      رصيد التغطية في رسالة لبهاء بهيج شكري

أثار بهاء بهيج شكري في رسالة له إلى مصباح كمال بتاريخ 15 تشرين الثاني 2015 مسألة الأمانة الفكرية ارتباطًا باستخدامه لمصطلح رصيد التغطية لأول مرة في تاريخ الكتابات التأمينية العربية والأجنبية في سياق تقييمه لبديع السيفي كرجل تأمين وكاتب في قضايا التأمين.  فبعد استعراضه لظروف تأليف بديع السيفي لكتابه التأمين علمًا وعملًا (بغداد، الطبعة الأولى 1972) وكيف تمكّن السيفي من تأليف الكتاب وأنه لا يريد التعليق على هذا الأمر، كتب شكري الآتي:

غير أن ذلك لا يمنعني من التطرق إلى واقعة أزعجتني كثيرا، كي ألقي الضوء على طريقة السيد بديع في تأليف كتابه المذكور.  فقد كنت أول من وضع مصطلح (رصيد التغطية) Covering Fund من بين الخبراء الأجانب والعرب.  وشرحت عناصره ووظيفته في تحقيق توازن المحفظة التأمينية.  فنقل السيد بديع ما كتبته حول ذلك بالنص من كتابي “النظرية العامة في التأمين” دون أن يشير إلى المصدر.  وحيث أن كتاب النظرية العامة قد نفذت طبعته الأول بعد شهر من تاريخ صدوره ولم أعيد طبعه، فإن بعض الكتاب العرب نقلوا فكرة رصيد التغطية عن كتاب السيد بديع وأشاروا إلى أن مصدرها كتاب “التأمين علمًا وعملًا“.  كما أن شرح بعض المصطلحات التي وردت في قاموس تيسير التريكي نقلا عن كتاب السيد بديع كان بديع قد نقلها نصا من كتاب النظرية العامة للتأمين دون إشارة إلى المصدر.

يقول شكري في رسالته:

كنت أول من وضع مصطلح (رصيد التغطية) Covering Fund من بين الخبراء الأجانب والعرب.  وشرحت عناصره ووظيفته في تحقيق توازن المحفظة التأمينية.

ليس بإمكاننا التحقق من صحة هذا القول نظرًا لأن كتب التأمين العربية المتوفرة لدينا، وهي قليلة، لا يرد فيها ذكر لرصيد التغطية، لكننا نثق به لأن شكري، ومن خلال معرفتنا بكتاباته، لا يلقي الكلام على عواهنه.  ولمقاربة الموضوع استعنّا بالشبكة العنكبوتية للتعرف على حضور مصطلح “رصيد التغطية” وزرنا عددًا من الصفحات للبحث عنه لكننا لم نعثر عليه باستثناء إشارة تقترب قليلًا من المصطلح في موقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تونس.  وقد وردت كما يلي:

كم يساوي مبلغ التعويض؟

يساوي مبلغ التعويض، مجموع الاشتراكات الأجرية المستحقة، بعد تحيينها حسب معدل نسبة الفوائد الصافية لرصيد التأمين المتعلق بالتعويضات الطويلة الأمد.[2]

في كتاب مترجم ورد ما يقترب قليلًا من مصطلح رصيد التغطية ولكن دون تسميته:

ويتوقف نجاح عملية التأمين على اختيار قدر كاف من الأخطار المتشابهة للتأمين عليها مما يسمح بالحصول على خبرة بشأن متوسط الخسائر، ومن ثم يمكن قياس درجة احتمال وقوع الخطر وتقدير المال المطلوب به في ذلك الصندوق الخاص Common Fund or Pool لمقابلة الخسائر التي تنجم عن وقوع هذا الخطر.[3]

راجعنا بعض الكتب التأمينية باللغة الإنجليزية إلا اننا لم نعثر على مصطلح رصيد التغطية Covering Fund الذي أورده بهاء بهيج شكري وأعلن أنه هو أول من وضع هذا المصطلح.  لكننا لا نعدم أن نجد مفردة الرصيد/الصندوق Fund في معاجم التأمين الإنجليزية.  فعلى سبيل المثل: نقرأ التالي في أحد المعاجم:

صندوق

مخصص أو احتياطي.  إن لكل فئة من أعمال التأمين صندوق يعتمد على رصيد الأقساط ناقصًا المطالبات والمصروفات بعد الأخذ في الاعتبار أي تحويل إلى أو من حساب الربح والخسارة.  في التأمين على الحياة، غالبًا ما يعني ذلك مجمع من الأصول يُدار بشكل منفصل لأغراض إدارة الأصول والخصوم.  قد يتم فصل الصناديق قانونًا أو تعاقديًا مما قد يحدُّ من حرية الشركة في تحويل الأصول بين الصناديق.[4]

ونقرأ في أحد المواقع المتخصصة وتحت عنوان Funding Cover ما يلي:

يمكن استخدام أغطية التمويل funding covers لتوليد دخل استثماري.  فعندما تكتتب شركة التأمين بوثيقة تأمين جديدة، فإنها توافق على تعويض حامل الوثيقة عن الخسائر المغطاة بهذه الوثيقة.  وفي مقابل تحمل الشركة لهذا الخطر، يدفع المؤمن له قسطًا لشركة التأمين.  تستخدم حصيلة الأقساط لدفع المطالبات، وكذلك لتوليد دخل استثماري.  ويتعين على شركات التأمين الموازنة بين الآليات التي تستخدمها لإدارة تمويل المطالبات المستقبلية ورغبتها في توليد الأرباح من خلال استثمار الأقساط.[5]

إذا اعتبرنا رصيد التغطية، تجاوزًا،[6] معادلًا لمصطلح الاحتياطيات Reserves الشائع الاستعمال في الكتابات التأمينية فإن ذلك قد يفسر غياب رصيد التغطية Covering Fund في الكتابات الإنجليزية عن التأمين.  إذا كان هذا التفسير صحيحًا فإن ما قام به شكري هو إضفاء لمسة مكثفة على مفهوم الاحتياطيات، ودور إعادة التأمين في تصحيح الانحراف في التوقعات الإحصائية للأضرار لشركة التأمين، المعروف في أدبيات التأمين العربية والأجنبية.[7]  ولنا أن نضيف إلى ذلك أن ما قام به شكري هو التنظير الأولي، في مرحلة مبكرة، لإشكالية تعامل شركات التأمين مع التزاماتها التعاقدية والأسس الفنية التي تقوم عليها.  وجعل من رصيد التأمين عنوانًا ينتظم العمل التأميني ويضمن مطابقة الأصول مع الخصوم.  وقد استفاد السيفي منه مباشرة، ولكن دون الاعتراف بالدين الفكري لشكري، للتوسع في عرض العناصر الداخلة في إدارة رصيد التغطية.

للفائدة نعرض هنا بسرعة بعض الاحتياطيات فهي من الأدوات التي تستخدمها شركة التأمين في دعم رصيد التغطية.

الاحتياطيات الفنية (Technical Reserves)

تنفرد شركات التأمين وشركات إعادة التأمين باحتجاز مثل هذه الاحتياطيات التي تعتبر في حقيقتها مخصصات تقابلها التزامات ترتبت على شركة التأمين تجاه حملة الوثائق وعلى شركات إعادة التأمين تجاه شركات التأمين المسندة (Ceding Companies) وتعتبر حسابياً من حقوق حملة الوثائق في حسابات شركات التأمين ومن حقوق المُسندين في حسابات إعادة التأمين.  وهي على نوعين:

  1. (Unearned Premiums Reserve تخصص لمواجهة المسؤوليات التي تتحقق خلال فترات وثائق التأمين الممتدة خلال السنة التالية لسنة اصدارها.

2-       احتياطي التعويضات الموقوفة (Outstanding Claims Reserve).  وهذا الاحتياطي هو واحد من الاحتياطيات الفنية التي يجب ان تتضمنها الحسابات الختامية لشركات التأمين وإعادة التأمين وهو مخصص لإيفاء الشركة بالتزاماتها المترتبة على تعويضات تحققت وبُلّغَ عنها ولكنها لم تسدد خلال السنة أو السنوات المالية التي تحققت فيها وتدعى Reported But Not Settled (RBNS) ويتم احتساب هذا الاحتياطي بكامل المبالغ التقديرية للأضرار المتحققة.

وهناك نوع آخر من هذا الاحتياطي عن حوادث وقعت خلال السنة المالية ولكن لم يُبلَّغ عنها وتحتسب وفق التجارب والخبرات السابقة، ويدعى احتياطي حوادث وقعت ولم يبلغ عنها Incurred But Not Reported (IBNR)

مع العرض بأن الاحتياطيات الفنية أعلاه بنوعيها الزامية على شركات التأمين وإعادة التأمين.  ويتعين عليها الالتزام بها وبالتفاصيل المنصوص عليها في القانون المعني وإن لم تُعتمد بشكلها الصحيح في الحسابات الختامية يُعرّض الشركة الى المساءلة القانونية.  وهناك احتياطيات أخرى من بينها احتياطي الكوارث Catastrophe reserve.

1-2     رصيد التغطية في كتاب بهاء بهيج شكري: النظرية العامة في التأمين

لقد كتب بهاء بهيج شكري عن رصيد التغطية في المبحث الثاني (توزيع عبء الأخطار) من الفصل الثالث من كتابه النظرية العامة في التأمين كما يلي:

ويقصد برصيد التغطية مجموع المبالغ التي تحصل عليها هيئات التأمين كأقساط تأمين من المؤمن لهم وتكرسها لتغطية الأخطار التي يتحملها البعض منهم نتيجة لتحقق الخطر المؤمن منه.  ويلعب رصيد التغطية الدور الرئيسي في عملية توزيع أعباء الخطر إذ يتوقف نجاح هذه العملية على كفاءة الرصيد وطريقة تكوينه، فكلما كان رصيد التغطية متوازنا ومتعادلا مع حصيلة الأضرار بحيث يمكن لهيئة التأمين تغطيتها منه دون أن تضطر إلى اللجوء إلى رأس مالها وموجوداتها الخاصة كلما كان ذلك دليلا على نجاح عملية التوزيع.

إن هيئة التأمين باعتبارها وسيطا بين المؤمن لهم المتعاونين، ينبغي عليها أن تبني تقديراتها على أسس دقيقة لتتجنب التورط بتحمل تبعة الأخطار على عاتقها وعليها أن تبذل ما لديها من طاقات فنية لتحقق التوازن المطلوب بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار.  ويتوقف تحقيق هذا التوازن بوجه عام على عوامل ثلاث هي (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.[8]

هذه الفقرة تلخص الآلية التي تقوم عليها مؤسسة التأمين: إن المبالغ التي تحصل عليها هيئات التأمين كأقساط تأمين من المؤمن لهم تكرّسها لتغطية كلفة الأخطار (الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبعض منهم) باستخدام الطاقات الفنية المتوفرة لها (سلامة سياسة تسعير الأخطار والاكتتاب، وحماية إعادة التأمين لموازنة المحفظة التأمينية).

إذا أضفنا إلى ذلك أن مؤسسة التأمين الحديثة والمعايير والأدوات التي تعتمدها، وبعضها اكتوارية، للقبول بتأمين أخطار دون غيرها قابلة للتأمين تقوم على استخدام جملة اعتبارات متداخلة لضمان عدم تعريضها للإعسار أو الانهيار المالي، فإننا بذلك نقترب من رصيد التغطية حسب مفهوم شكري لها.  ومن بين ما تضمه هذه الاعتبارات:

وقد أوردنا هذه المعايير في ترجمة بحث تاريخي حول تأمين الأخطار[9] وقد نقلنا بعضها من كتاب باللغة الإنجليزية.[10]

إن تسعير الخطر التأميني صار يعتمد على استخدام البيانات الضخمة في صنع النماذج/الموديلات models لأغراض الاكتتاب ورسم سيناريوهات المستقبل إضافة إلى التحليل الاكتواري والاعتماد على دليل التسعير الجاهز (التعريفة) بالنسبة للأخطار النمطية، وكل ذلك مقترنًا بخبرة مكتتب التأمين وتوفر حماية إعادة التأمين والموارد المالية لدى شركة التأمين.

تقوم آلية التأمين التجاري على تحصيل أقساط التأمين من المؤمن لهم لقاء سلعة غير منظورة (وَعدٌ مُثبت في وثيقة التأمين) لا تُسلّم آنيًا لهم بل في وقت ما في المستقبل لمن يتعرض منهم لخسارة.  وبسبب هذا الترتيب نشأت الحاجة القانونية إلى إقرار شركات التأمين بتخصيص مبالغ مناسبة مقابل الالتزامات الائتمانية fiduciary لشركات التأمين (كونها مؤتمنة على أموال/أقساط التأمين المحصلة من جمهور المؤمن لهم).  وتسجل هذه الالتزامات كمطلوبات في بياناتها المالية.

نستنتج من هذا أن شركات التأمين لا تستطيع تسجيل الأقساط كدخل متحقق لها إلا مع انقضاء الوقت الذي يتم خلاله توفير حماية التأمين، وعندها تصبح الأقساط مكتسبة earned.  ولهذا يُلزم المُشرّع شركات التأمين تنظيم حساب تحت عنوان احتياطي أقساط التأمين غير المكتسبة unearned premium reserve، وهو الاحتياطي الذي يستفاد منه لتسديد المطالبات في المستقبل.  وهناك احتياطيات أخرى كاحتياطي الأخطار السارية، واحتياطي الخسائر المتحققة غير المُبلّغة لشركة التأمين (التأخر في الإبلاغ)، واحتياطي التعويضات الموقوفة، كما ذكرنا سابقًا.  إن مبدأ الاستحقاق accrual principle الذي تستخدمه شركات التأمين في إعداد الحسابات الختامية، يقضي أن أقساط التأمين المكتتبة خلال السنة لا ينظر إليها باعتبارها إيرادًا مكتسبًا.

إن معرفتي المحاسبية محدودة لا تسمح لي بالتعليق على استخدام المصطلحات المحاسبية.  ما أستطيع قوله هو أن مصطلحي “الاحتياطي” و “المسؤولية” في محاسبة التأمين والاصطلاح التأميني مترادفتان.  وقل مثل ذلك بالنسبة لـ “المخصصات الفنية” و “الاحتياطيات الفنية” كما يرد في المادة 1 من تعليمات ديوان التأمين رقم (2) لسنة 2006، تعليمات أسس احتساب المخصصات الفنية، أي أن “المخصصات” و “الاحتياطيات” مترادفتان.[11]

مكونات رصيد التغطية

في الصفحات 71-78، توسع شكري في شرح مكونات رصيد التغطية لتحقيق التوازن بين هذا الرصيد وحصيلة الخسائر والأضرار، وهي:

قسط التأمين (الذي يخضع لثلاث اعتبارات هي الخطر ويفرد له مثالين، ومبلغ التأمين، وفترة التأمين)،

انتقاء الأخطار (الذي يقتضي من شركة التأمين انتقاء تلك الأخطار التي تتميز بتجانسها وكثرتها)،

الانحرافات (بمعنى “تجاوز الأخطار المتحققة فعلا الحدود التي أمكن التوصل لها عن طريق العمليات الإحصائية بأن تكون أكثر عددا وحدة مما توقعته هيئة التأميم.”  وهو ما “يؤدي إلى الإخلال بالتوازن بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار.  وتتوقف درجة شدة الانحرافات على عاملين، هما عامل الكثرة وعامل القيمة.  فكلما كانت المخاطر المتجمعة كثيرة وكلما كان التفاوت بين قيمة هذه المخاطر ضئيلا كلما خفت شدة الانحرافات.”[12]

وقد نقل السيفي هذه المكونات دون الإشارة إلى مصدرها.

1-3     موقف بهاء بهيج شكري من معجم مصطلحات التأمين لتيسير تريكي

قائمة مراجع معجم تيسير التريكي تضم كتاب السيفي التأمين علمًا وعملًا إلا أن المعجم لا يضم مدخلًا عن رصيد التغطية Covering Fund أو Funding Cover ولكن يرد مدخل Fund بمعنى “مخصص، رصيد، صندوق: مبلغ من النقود مخصص لغرض معين.”  ويرد أيضًا مدخل Funding بمعنى “تخصيص: تخصيص جزء من أصول الشركة لغرض الإيفاء بالتزامات معينة.”[13]

يعني هذا أن معجم التريكي لم ينقل من كتاب السيفي حرفيًا أو ضمنيًا.

2-     رصيد التغطية عند بديع أحمد السيفي

2-1     مقاربة لرصيد التغطية من منطلق القانون المدني العراقي في كتاب بديع أحمد السيفي التأمين علمًا وعملًا

بعد عرضه للمادتين 988 و 989 من القانون المدني (وجوب تسديد التعويض بمقتضى عقد التأمين)، والمادة 986 (التزام المؤمن له بدفع قسط التأمين)، يستنتج بديع السيفي في كتابه التأمين علمًا وعملًا:

ان أساس رصيد التعويض اذن هو أقساط التأمين أولًا وأخيرًا، ولولا رصيد التغطية وفي الحقيقة لولا أقساط التأمين لما استطاع المؤمنون تأدية التعويضات إلى مستحقيها من المتعرضين للأضرار بسبب وقوع الأخطار المؤمن ضدها …

وإن لرصيد التغطية دوره الهام في عملية توزيع أعباء الخطر وحيث يتوقف نجاح هذه العملية على وجود التوازن بين هذا الرصيد وحصيلة الأضرار بحيث لا تلجأ الى مد يدها الى رأسمالها أو موجوداتها الخاصة …

إن وجود التوازن وتحقيقه بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار يتوقف على ثلاثة أركان (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.[14]

في الصفحات 35-37 من الكتاب يقدم السيفي شرحًا للعناصر الثلاثة جريًا وراء العرض المُكثف والمُتقن الذي قدمه شكري.

2-2     رصيد التغطية في كتاب بديع أحمد السيفي: الوسيع في التأمين وإعادة التأمين

كرس بديع السيفي فصلًا لموضوع رصيد التغطية في كتابه الوسيع في التأمين وإعادة التأمين (ص 263-298).  في الفقرة الأولى من هذا الفصل كتب ما يلي:

ويقصد برصيد التغطية حصيلة أقساط التأمين التي تستوفيها شركة التأمين من المؤمن لهم قيمًا لسلعة التأمين لتؤدي منها مبالغ التعويض أو مبالغ التأمين المستحقة عليها بوقوع الخطر المؤمن منه.[15]

وتحت العنوان الثانوي “رصيد التغطية وكيفية تحديد أسعار واقساط التأمين ووضع تعريفات التأمين” في هذا الفصل كتب التالي:

ان تحديد واعتماد أسعار واقساط التأمين ووضع تعريفاته والسياسة السعرية بشكل شامل تشكل اهم جانب في العملية التأمينية والعملية التسويقية ورواج التأمين.

والحق ان شركات التأمين انما هي مؤسسات تجارية خدمية، ينهض عملها أساسا على دور جوهره الوساطة بين المؤمن لهم المستهدفين للخطر والمساهمين جميعًا في تحمل تكلفته بما يدفعون لها من أقساط تأمين يعوض منها من تصيبه الاضرار منهم او يدفع منها لمن يقع له الحادث المشمول بالتغطية عند حصوله او حلول اجل العقد (أي في نهاية مدة التأمين).  فمعروف أن حوادث الحريق مثلًا وخسائرها وكذلك سائر الخسائر الأخرى ومهما كبرت ومهما خطرت فإنها تصيب البعض فقط وبالتأمين يشترك كثيرون من المعرضين لنفس الخطر ويساهمون بتعويض من أصابتهم الخسائر عن خسائرهم، وتلك المساهمة التي يشترك فيها أولئك جميعًا ومن ضمنهم الذين اصابتهم الخسائر تتم بطريقة دفع أقساط التأمين وبوساطة شركات التأمين التي تدير عمليات التأمين.[16]

وكتب تحت العنوان الثانوي “توازن رصيد التغطية مع حصيلة الأضرار والمبالغ المستحقة” الآتي:

ان توازن رصيد التغطية مع حصيلة الأضرار والمبالغ المستحقة يتحقق إذا ما اعتمدت الشركة الأسعار المناسبة وجمعت الأقساط اللازمة الكافية لدفع التعويضات عن الخسائر التي تصيب المؤمن لهم ولدفع مبالغ التأمين المشمولة بالتغطية ولتغطية النفقات الخاصة بعمليات التأمين من عمولات انتاج ومصاريف إدارية عامة وغيرها ولتكوين الاحتياطيات الحسابية Mathematical Reserves والاحتياطيات الفنية Technical Reserves وكذلك الاحتياطيات الكوارثية Catastrophic Reserves …[17]

2-3     بديع أحمد السيفي وفقر الأمانة الفكرية

من قراءتنا لما كتبه السيفي عن رصيد التغطية نستطيع القول إنه استوعب المفهوم المرتبط برصيد التغطية بعد تعرّفه عليه في كتاب النظرية العامة للتأمين لبهاء بهيج شكري الصادر سنة 1960، وعبَّر عنه بطريقته متوسعًا في عرض جوانب مختلفة له.  فهو لم يستخدم لغة شكري:

ويتوقف تحقيق هذا التوازن بوجه عام على عوامل ثلاث هي (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.

إلا مرة واحدة:

إن وجود التوازن وتحقيقه بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار يتوقف على ثلاثة أركان (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.

2-4     هل يبرر شيوع الأفكار سلوك السيفي؟

قد نجد تفسيرًا لعدم ذكر السيفي لمصدر المفهوم كونه معروفًا في الأدبيات التأمينية بشكل أو آخر فيما كتبه الاقتصادي الأمريكي ألن إﭺ وُلِيتْ في كتابه النظرية الاقتصادية للخطر والتأمين (1901):

من الضروري أن أشرح هنا قصوري في تقديم الاعتراف في جميع الحالات بفضل الآخرين للأفكار التي سبق نشرها من قبل.  ويعود السبب في هذا القصور في بعض الأحيان إلى حقيقة أن هذه الأفكار قد أصبحت ملكاً مشتركاً أصبح معها من المستحيل إرجاعها لكاتب معين.  وفي حالات أخرى فإن إغفال ذكر الأسماء يجد تفسيره في واقع أنه خلال القراءات الكثيرة عن موضوع التأمين غض النظر عن أهمية العديد من الأفكار في وقت القراءة.  وبعد التعرف على أهميتها وتصبح موضع تقدير لم يعد من الممكن دائما تتبع مصادر هذه الأفكار.[18]

لكن مصطلح رصيد التأمين لم يكن شائعًا عندما كتب السيفي كتابه الأول سنة 1972 وكتابه الثاني سنة 2006، كما حاولنا تبيانه سابقًا.

إن ما يُعيب منهج السيفي في كتابيه التأمين علمًا وعملًا والوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا هو عدم ذكره لمصدر مفهوم رصيد التغطية الذي لم يكن “ملكًا مشتركًا” أي أنه لم يكن في التداول العام، فمراجع الكتابين لا تضم كتاب شكري النظرية العامة للتأمين، وهو ما أشرنا إليه في مكان آخر.[19]  لم يأتِ عدم ذكر كتاب شكري سهوًا إذا أخذنا بعين الاعتبار المراجع الكثيرة التي ضمها كتاب الوسيع، وهو ما يؤكد على اطلاعه الواسع على أدبيات التأمين.  إن إهمال ذكر كتاب شكري يؤشر على فقر في الأمانة الفكرية.  ما الذي يخسره أي كاتب لو كشف عن مصادر أفكاره؟

7 تشرين الثاني 2021


[1] بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين: إنجليزي-عربي (عمان: دار الثقافة، 2016)، الجزء الأول، ص 388.

[2] https://www.cnss.ma/ar/content/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%A9

[3] و. أ. دنسديل، مبادئ التأمين، ترجمة: دكتور أحمد عبد العزيز الانصاري، مراجعة: دكتور يحيى عويس (القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1965)، ص 15

[4] C. Bennet, Dictionary of Insurance (London: FT Prentice Hall, 2nd Ed 2004, first published in 1992), p 138.

[5] https://www.investopedia.com/terms/f/funding-cover.asp

February 07, 2021

[6] ما نحاوله هنا، وربما نكون على خطأ، هو الاقتراب من تفسير لأطروحة بهاء بهيج شكري لريادته في ابتكار مصطلح رصيد التغطية وسبب غياب هذا المصطلح في الأدبيات التأمينية العربية والأجنبية.  نأمل من الزملاء المختصين البحث في الموضوع للوصول إلى رأي صحيح وأكثر صلابة.

[7] راجع على سبيل المثل:

John H. Magee, General Insurance (Chicago: Richard D Irwin, 3rd revised printing 1945.  First published in 1936), p 60-61.

G. W. de Wit, “Sources of Funds and Estimation of Reserves,” Ch 15 in Stephen Diacon, editor, A Guide to Insurance Management, (London: Macmillan, 1990), pp 245-265

[8] بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين (بغداد: مطبعة المعارف، 1960)، ص 70.

[9] جيفري كلارك، “وجهة نظر تاريخية عن التأمينية، “ترجمة: مصباح كمال، مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2010/06/historical-viewpoint-on-insurability.html

[10] Baruch Berliner, Limits of Insurability of Risks (Englewood Cliffs, N.J: Prentice-Hall, 1982).

[11] للمزيد من الشرح راجع: منعم الخفاجي، “الاحتياطيات في حسابات التأمين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/11/منعم-الخفاجي-الاحتياطيات-في-حسابات-التأمين.pdf

[12] شكري، مصدر سابق، ص 78.

[13] Tayseer H. Treky, A Dictionary of Insurance Terms, English-Arabic: A Dictionary of Insurance Terms, English-Arabic معجم مصطلحات التأمين (London: Witherby & Co, 1985), p 130.

[14] بديع أحمد السيفي، التأمين علمًا وعملًا (بغداد: د. ن.، 1972)، ص 34-35.

[15] بديع أحمد السيفي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا، الجزء الأول، (بغداد: د. ن.، 2006)، ص 263.

[16] السيفي، الوسيع، ص 268.

[17] السيفي، الوسيع، ص 271.

[18] Allan H. Willett, The Economic Theory of Risk and Insurance (Homewood, Illinois: Richard D Irwin, 1951), first published in 1901 by The Columbia University Press, page xi.

[19] في استذكار بديع أحمد السيفي (1926-2018)، إعداد وتحرير مصباح كمال، (مكتبة التأمين العراقي، 2019)، فصل “تمهيد ودعوة لبحث وتقييم نقدي،” ص 39.  فقد كتبنا الآتي: “من باب التقييم الأولي، يكفي أن نشير هنا إلى أن مراجع الوسيع، العربية والأجنبية غير مكتملة، فهي لا تذكر أول كتاب منهجي في مكتبة التأمين العراقية لبهاء بهيج شكري النظرية العامة للتأمين (بغداد: 1960) أو كتاب كاظم الشربتي التأمين: نظرية وتطبيق (بغداد: الطبعة الخامسة 1974)، أو كتاب جمال الحكيم التأمين البحري (القاهرة: 1955) وغيرها من المراجع.”

Reserves in Insurance Accounts

الاحتياطيات في حسابات التأمين

منعم الخفاجي

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

النقر للوصول إلى منعم-الخفاجي-الاحتياطيات-في-حسابات-التأمين.pdf

الاحتياطيات في حسابات التأمين نوعين:

أولاً- الاحتياطيات الرأسمالية

من المعروف إن هذه الاحتياطيات تُعتمد من قبل الشركات على أنواعها ومنها شركات التأمين وشركات إعادة التأمين وتستقطع من الأرباح الصافية للشركة. وهي على نوعين: الزامية، تحدد بنسبة من الأرباح الصافية مقدارها ووظيفتها وإطلاقها ينص عليها بموجب القانون. واختيارية، تحتجزها الشركات لأغراض توسعية ومواجهة ما يحدث من خسائر غير متوقعة او انخفاض في الأرباح احتجازها وإطلاقها يتم بقرار من إدارة الشركة.

ثانياً- الاحتياطيات الفنية (Technical Reserves)

تنفرد شركات التأمين وشركات إعادة التأمين باحتجاز مثل هذه الاحتياطيات التي تعتبر في حقيقتها مخصصات تقابلها التزامات ترتبت على شركة التأمين تجاه حملة الوثائق وعلى شركات إعادة التأمين تجاه شركات التأمين المسندة (Ceding Companies) وتعتبر حسابياً من حقوق حملة الوثائق في حسابات شركات التأمين ومن حقوق المسندين في حسابات إعادة التأمين. وهي على نوعين:

1- احتياطي أقساط التأمين غير المكتسبة ((Unearned Premiums Reserve تخصص لمواجهة المسؤوليات التي تتحقق خلال فترات وثائق التأمين الممتدة خلال السنة التالية لسنة اصدارها.
إن الاحتساب الدقيق لهذا الاحتياطي يتم على اساس الاقساط النسبية المقابلة للفترة المتبقية الممتدة بعد السنة المالية لكل وثيقة من الوثائق الصادرة خلال السنة المالية. وهذا طبعاً يحتاج الى عمل اداري ومصاريف كبيرة غير مبررة، كان هذا قبل فترة التقدم التقني وتوظيف برامج الحواسيب المتطورة حيث يمكن برمجة هذه الطريقة في احتساب هذا الاحتياطي بسهولة. ولكن تبقى هذه الطريقة في الاحتساب غير عملية ولا تخدم عمليات التدقيق اللاحقة للحسابات المختلفة لهذه الشركات، لذا فقد تم التوافق على احتساب هذا الاحتياطي كما يلي:

أ‌- ابتدءاً كان الاحتساب يعتمد طريقة (1/24) حيث يتم استقطاع جزء واحد من (24) من الاقساط المكتسبة المتحققة خلال الشهر الأول من السنة المالية (نفترض كانون الثاني/يناير) و 3/24 من الاقساط المكتسبة المتحققة خلال الشهر الثاني (شباط/فبراير) وصولاً الى الشهر الثاني عشر (كانون الأول) حيث يستقطع 23/24 من صافي الأقساط المكتسبة المتحققة خلال هذا الشهر. ومبلغ الاحتياطي هذا هو مجموع هذه الأقساط المستقطعة. ولأن هذه الطريقة لا تخلو من تعقيدات فقد نصَّت اغلب قوانين التأمين على اعتماد الطريقة التالية.
ب‌- استقطاع نسب محددة من صافي الاقساط المكتسبة خلال السنة المالية وتم الاتفاق على ان تكون هذه النسب 40% من أقساط التأمينات العامة و25% من اقساط التأمين البحري/بضائع. اما بالنسبة للتأمين على الحياة فحساب احتياطياتها يختلف.

مع ملاحظة ان الاقساط المكتسبة اعلاه تتضمن احتفاظ الشركة من اقساط وثائق التأمين المكتتبة مباشرة من قبل الشركة او تلك التي تقبل اختيارياً.

2- احتياطي التعويضات الموقوفة ((Outstanding Claims Reserve
هذا الاحتياطي واحد من الاحتياطيات الفنية التي يجب ان تتضمنها الحسابات الختامية لشركات التأمين وإعادة التأمين وهو مخصص لإيفاء الشركة بالتزاماتها المترتبة على تعويضات تحققت وبُلّغَ عنها ولكنها لم تسدد خلال السنة أو السنوات المالية التي تحققت فيها وتدعى (RBNS) Reported But Not Settled) ويتم احتساب هذا الاحتياطي بكامل المبالغ التقديرية للأضرار المتحققة.
وهناك نوع آخر من هذا الاحتياطي عن حوادث وقعت خلال السنة المالية ولكن لم يبلغ عنها وتحتسب وفق التجارب والخبرات السابقة، ويدعى احتياطي حوادث وقعت ولم يبلغ عنها Incurred But Not Reported (IBNR)

مع العرض بأن الاحتياطيات الفنية أعلاه بنوعيها الزامية على شركات التأمين وإعادة التأمين. ويتعين عليها الالتزام بها وبالتفاصيل المنصوص عليها في القانون المعني وإن لم تُعتمد بشكلها الصحيح في الحسابات الختامية يُعرّض الشركة الى المساءلة القانونية.

ولكن وللأسف وبالرغم من النصوص الخاصة بهذا الاحتياطي الواردة في قانون تنظيم أعمال التأمين العراقي رقم (10) لسنة 2005 حيث نصت المادة (32- أولاً، ثانياً، وثالثاً)

“على كل مؤمِن مجاز في العراق ان يحتفظ وحسب نوع التأمين بمخصصات فنية أو احتياطيات بالمبالغ الآتية:

اولاً- (40%) من صافي اقساط التأمين المسجلة للسنة المالية، وتكون النسبة (25%) من صافي الاقساط المذكورة في التأمين البحري .
ثانياً- (100%) من مجموع التعويضات الموقوفة المسجلة للسنة المالية.
ثالثاً- ما يتناسب مع مقدار التعويضات الواقعة غير المسجلة يحتسب …الخ.”

إلاّ ان أغلب شركات التأمين العاملة في العراق لا تلتزم بتطبيق هذه المادة وإن طبقت من بعض الشركات فلم تكن بالطريقة الصحيحة التي تؤدي الغرض أو الوظيفة المطلوبة. فعلى سبيل المثال، وبقدر تعلق الأمر باحتياطي اقساط التأمين غير المكتسبة لا يتضمن هذا الاحتياطي الأقساط الواردة عن طريق الاكتتاب غير المباشر (اقساط إعادة التأمين الواردة) وهي كثيرة جدا، حيث تبلغ في بعض الحالات أكبر من تلك المكتتب بها مباشرة من قبل الشركة، ومصدرها القبول الفردي أو تلك الواردة عن طريق المجمعات الداخلية وهي كثيرة. أما احتياطي التعويضات الموقوفة فإن العديد من شركات التأمين الأهلية لا تُضَمن حساباتها الختامية هذا الاحتياطي نهائياً، كما ان بعض الشركات، عندما تحتجز أي من هذين الاحتياطيين، لا تقوم بإطلاقه في السنة التالية كما يقضي به الواقع المحاسبي السليم.

وثمة خطأ آخر ترتكبه بعض الشركات حيث تعتبر الاحتياطيات الفنية جزءاً من حقوق المساهمين عكس حقيقتها التي تعتبر من حقوق حملة الوثائق. وفي هذا الخصوص وعندما كنت ادير احدى شركات التأمين الأهلية ناقشت هذا الموضوع مع مدقق الحسابات القانوني للشركة وبعد شرح لطبيعة الاحتياطيات الفنية هذه تم الاقتناع بأنها مخصصات تقابلها التزامات على الشركة الإيفاء بها ولكن أصرّ المدقق على إظهار هذا الحساب ضمن مدرجات حقوق المساهمين معللاً ذلك بأن النظام المحاسبي الموحد للمصارف وشركات التأمين ينص على ان الحساب (215) هو احتياطيات فنية وليس مخصصات وبالتالي وجوب إظهاره ضمن حساب حقوق المساهمين. لا شك إن هذه الحالة تعتبر خللاً في معايير الإفصاح الدولية وتلك التي يجب ان تكون معتمدة من قبل سوق العراق للأوراق المالية والمديرية العامة للضريبة وإلّا سيكون هناك نوع من التضليل وخطأ في احتساب ضريبة الدخل. عليه أدعو لتقويم هذا الخطأ.

ان هذه الأخطاء في مثل هذه الامور لا تعتبر بسيطة انما يمكن اعتبارها أخطاء جسيمة وتقصير في الواجب لسببين. الأول، ان ميزانية الشركة العامة لن تعكس حقيقة الوضع المالي للشركة وهذا يترتب عليه تعقيدات. والثانيً، تعتبر مخالفات قانونية ترتب على الشركة مساءلة قانونية وربما عقوبات مختلفة.

ان سبب هذه الاخطاء في رأي يعود أولاً، وهو الاكثر ترجيحاً، إلى عدم توفر الخبرة الكافية وعدم معرفة معالجتها محاسبياً من قبل إدارة ومسؤولي الحسابات في تلك الشركات ومدققيها القانونيين. والأهم من ذلك غياب الرقابة الواعية من قبل ديوان التأمين وبقية الجهات المختصة. وثانياً، ربما تعمداً لغرض التلاعب بالنتائج الحسابية تقليلاً لحجم لأرباح وبالتالي تأجيل دفع جزء من الضريبة أو تضخيماً مؤقتاً للأرباح تبجحاً. ولكن لا أعتقد ان يكون هذا هو السبب في هذه الخطأ. (راجع الملحق أدناه).

وعلى أي حال فإن البنك المركزي العراقي قرر، استجابة لتسهيل منح القرض من البنك الدولي، الانتقال من النظام المحاسبي الموحد للمصارف وشركات التأمين الى معايير الافصاح الدولية وألزم شركات التأمين والمصارف اعتماد معايير الإفصاح الدولية واعداد حساباتها لسنة 2016 على هذا الاساس.

3 تشرين الثاني 2017

ملحق: مسودة تعميم حول الاحتياطيات الفنية

خلال فترة عملي القصيرة جداً في ديوان التأمين العراقي بصفة خبير عملت جهدي على تصحيح هذه المفاهيم ووجهت مسؤولي اعداد الحسابات في بعض هذه الشركات شفاهةً وتحريرياً لاعتماد الأسس الصحيحة. وقد تمَّ توجيه كتب لهذه الشركات توضيحاً لهذه الأخطاء مع الطلب بوجوب اعتماد هذه الاحتياطيات عند اعداد الحسابات القادمة حتى أنى اعددت تعميماً بهذا الخصوص على امل تعميمه على كافة الشركات ولكن لإنهاء عملي في الديوان (لأسباب ظاهرها معروف وحقيقتها غير معلنة) لم يتم تعميمه. أنشر هنا نصه عسى ان يكون ذا فائدة.

الى / شركات التأمين كافة

الموضوع: تعميم حول الاحتياطيات الفنية

تحية طيبة

بعد الاطلاع على الحسابات الختامية لشركات التأمين وجدنا أن اغلب هذه الحسابات لم تتضمن تخصيص لحساب الاحتياطيات الفنية وان وجدت فلم يتم احتسابها بالطريقة واجبة الاتباع. لذا نورد فيما يلي كيفية معالجة هذا الحساب.

– الاحتياطيات الفنية

هي مخصصات لالتزاماتٍ على شركات التأمين تجاه حملة الوثائق. وهذه الاحتياطيات هي:

أولا: احتياطي الأخطار الممتدة (الأقساط غير المكتسبة).

تحتسب وفقاً للآتي:
– مجموع الأقساط المكتتبة خلال السنة المالية.
يطرح منها
– أقساط أعادة التأمين الصادرة.
يضاف اليها
أقساط إعادة التأمين الواردة.

من هذا المجموع الذي يمثل صافي احتفاظ الشركة يحتجز ما نسبته 40% من رصيد الاقساط للتأمينات العامة و25% من رصيد اقساط التأمين البحري/بضائع.

ثانياً: احتياطي او (تخصيص) التعويضات الموقوفة

يحتجز تخصيص لهذا الحساب بواقع 100% من مجموع التعويضات الموقوفة المسجلة خلال السنة المالية وما قبلها ولم يتم تسديدها. وذلك استناداً الى نص المادة (32) من قانون تنظيم اعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005، مع ملاحظة ما يلي:

1- الارصدة اعلاه في أولا- الخاصة باحتياطي الأخطار الممتدة وفي ثانيا-احتياطي التعويضات الموقوفة تعتبر من مصاريف عمليات التأمين.
2- تطلق الارصدة المحتجزة لهذين الحسابين وتعتبر إيراداً للسنة المالية التالية).
3- نتيجة الفرق بين (1 و2) أعلاه سيؤثر بمثابة مصروف أو إيراد، حسب الحالة، على حسابات السنة المالية التالية.

كما لاحظنا إن الحسابات الختامية لعدد من الشركات قد اعتبرت الحسابات الفنية هذه ضمن حقوق المساهمين وهذا غير صحيح لأن هذين الحسابين (احتياطي الأخطار الممتدة والتعويضات الموقوفة) لا يعتبران من حقوق المساهمين بل هما التزام على شركة التأمين أي انهما من حقوق حملة الوثائق.

نأمل أتباع ما جاء أعلاه في حساباتكم القادمة.

نرحب بأي استفسار أو تعليق عن ما جاء اعلاه.

مع التقدير

Insuring Cyber Risks

التأمين على الأخطار السِيبرانية

 

 

مصباح كمال

 

 

من باب التقديم: القرصنة الإلكترونية في العراق؟

 

كنت قد أرسلت قبل فترة بعض الأوراق الخاصة بتأمين الأخطار الإلكترونية (السيبرانية) إلى أحد زملائي من ممارسي التأمين في بغداد للتعريف بهذه الأخطار والتنبيه إلى قيام شركات التأمين العراقية الاهتمام بها والتمهيد لتغطيتها. وكان رأي زميلي أن مثل هذه الأخطار قليلة أو معدومة في العراق لكنني اختلفت معه بهذا الشأن، فأرسلت له خبراً نشرته شفق نيوز بتاريخ 30 أيار 2017 تحت عنوان “قراصنة يخترقون الامن الوطني ويتركون رسالة بعنوان “الاستهتار””[1] للتأكيد على وجود أشكال من الأخطار السيبرانية في العراق.

 

وقد نقلتُ له رأياً يقول إنه حتى لو كان الكمبيوتر المحمول أو الهاتف النقّال غير متصل بالإنترنت، وهما في الغالب يحملان معلومات شخصية وحساسة، فإن احتمال ضياعه أو سرقته يظلُّ قائماً، وبالتالي خسارة المعلومات أو التلاعب بها من قبل من سرقها. إن أي جهاز إلكتروني – سواء كان ذلك جهاز كمبيوتر، خادم إلكتروني، نظام تحكم، نظام أمن إلكتروني، أو هاتف نقّال – إذا كان مثل هذا الجهاز متصلاً بالإنترنت أو بشبكة من أجهزة الكومبيوتر والبرمجيات، فإن التجربة تدلّ على إمكانية الوصول إليه من الخارج، أي من غير صاحبه، أو اختراقه. والمعروف أن جميع الشركات، وكذلك الحكومات، تقريباً لديها معلومات حسّاسة أو تستخدم أدوات تتصل من خلالها بشبكة داخلية أو خارجية أو الإنترنت. مع أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار، فإن جميع الشركات هي تحت رحمة المعلومات والتكنولوجيا التي يستخدمونها. إزاء هذا الوضع فإن وظيفة التأمين السيبراني cyber insurance هي حماية الأعمال التجارية والحكومية وغيرها، عند فقدان المعلومات أو سرقتها أو تلفها أو تعرّضها للقرصنة والابتزاز بالتعويض المالي عنها.

 

بعد قليل من النقاش اقتنع صاحبي بصحة رأي.

 

وها نحن نقرأ المزيد عن القرصنة الإلكترونية في العراق، فقد نشرت السومرية نيوز/بغداد الخبر التالي:

 

“تعرض موقعان إلكترونيان رسميان لوزارة الشباب والرياضة ووزارة البلديات، الجمعة، لاختراق أدى الى توقفه وظهور عبارات كتبها المخترق. … وتوعد “الهاكر” بتنفيذ عمليات اختراق لمواقع رسمية أخرى، حيث كتب على موقع إحدى الوزارتين عبارة “سوف تكون هذه البداية”.

 

وكان الموقع الإلكتروني الرسمي لجهاز الأمن الوطني العراقي قد تعرض، الثلاثاء الماضي، لاختراق أدى الى توقفه وظهور عبارات كتبها المخترق انتقد فيها “المحاصصة والفساد” و”التعيينات التي لا تمت بصلة للجهاز.”

 

وأعلن جهاز الامن الوطني، أمس الخميس، عن اعتقال الشخص الذي اخترق موقعه الالكتروني بعد اقل من 24 ساعة من قيامه بعملية الاختراق.”[2]

 

مثل هذه العمليات تبدو الآن غير خطيرة، بسبب طبيعتها غير المالية وغير الابتزازية، لكنها تنبئ بوجود قدرات كامنة يمكن أن يستغلها ذوي النوايا الإجرامية للابتزاز المالي للشركات والدوائر الرسمية وغيرها. وأرى لذلك أن تقوم جمعية التأمين العراقية برصد مثل هذه العمليات لتكوين قاعدة بيانات أولية عن عددها وطبيعتها وآثارها المادية وغير المادية (التأثير على الإنتاج، وعلى تقديم الخدمات، والانتقاص من السمعة وغيرها)، والاستفادة من تجارب أسواق التأمين الأخرى، والإعداد لتأمين الأخطار السيبرانية.

 

تعرض هذه الورقة موقف التأمين من بعض جوانب الأخطار السيبرانية والتعريف بها، وقد كتبت معظمها قبل شهرين أو أكثر.

 

الوثيقة التقليدية لتأمين الأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية

 

لو تفحَّصنا أي كتاب منهجي في التأمين صدر قبل بضع سنوات لما عثرنا فيه على ذكر للأخطار الإلكترونية (الأخطار السيبرانية) والتأمين من آثارها.

 

لكن التأمين على المعدات الإلكترونية كان معروفاً وتميل الشركات الغربية إلى شرائه، وكانت النماذج التقليدية لوثيقة التأمين تغطى الخسائر والأضرار المادية العرضية والمفاجئة التي تلحق بالأجهزة والمعدات الإلكترونية أو الكهربائية كالحاسبات الآلية وأجهزة معالجة البيانات الإلكترونية والأجهزة الطبية ومعدات الاتصالات والمعدات الملاحية والميكروفيلم ووسائل حفظ وتخزين المعلومات للبيانات الرقمية والمعلومات المُخزَّنة، شاملةً تكلفة إعادة المعالجة واستعادة المعلومات المفقودة وإعادة تخزين أو نقل المعلومات التي كانت موجودة على وسائل الحفظ والتخزين والتي تُفقد من جراء الحادث والناتجة عن الحريق والانفجار والقصور في الدورة الكهربائية.

 

وكانت الوثيقة التقليدية تُوسع لتشمل، إضافة للبيانات الرقمية المخزَّنة، زيادة تكلفة التشغيل، أي النفقات الإضافية المترتبة على تكلفة استئجار أو استخدام أجهزة إلكترونية بديلة لمعالجة البيانات، ورسوم النقل للموظفين خارج الموقع المعتاد للعمل بسبب حادث، بالإضافة إلى نفقات الإقامة بعيداً عن قاعدتهم، والعمل الليلي أو العمل في أيام العطل.

 

نشوء الأخطار الجديدة والاستجابة التأمينية لها

 

ومع التقدم التكنولوجي الهائل والسريع ظهرت أخطار جديدة تكاد أن تكون غير منظورة تخلق في مجموعها بيئة تتصف بغياب الأمان. على سبيل المثل، الانتهاكات breaches التي تحصل بسبب المخاطر السيبرانية ومنها إهمال الموظفين وضعف تقنية السيطرة على المعلومات، اختراقات القراصنة (hackers هاكرز) للمنظومة الإلكترونية، البرمجيات الخبيثة malware، أجهزة الكمبيوتر المسروقة أو المفقودة لمستخدمي الشركة، ورسائل البريد الإلكتروني المرسلة بالخطأ. ويمكن إضافة التالي:

 

1- سرقة المعلومات الشخصية للأفراد، والمعلومات السرّية للشركات، كأرقام بطاقات الدفع الإلكتروني، وأرقام حسابات العملاء في البنوك وفي الشركات وغيرها.

 

2- انتهاك حرمة الحياة الخاصة، أو ارتكاب جرائم السبّ والقذف والسرقة والنصب، أو الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، أو استخدام المعلومات المسروقة لأغراض المنافسة غير المشروعة، أو تقليد العلامات والأسماء التجارية.

 

3- الاستيلاء على المواقع الالكترونية بالكامل مما يؤدى إلى تعطيل العمل أو تباطئه، واقتران ذلك بالابتزاز (طلب الفدية) من الشركات صاحبة هذه المواقع. وهذه تعرف باسم القرصنة للحصول على الفدية ransomware attacks حيث يلجأ القراصنة إلى تشفير البيانات بحيث لا يمكن الوصول إليها إلا بعد تسديد فدية.

 

هناك نمط آخر من الأخطار المرتبطة بانتشار ما يعرف بأجهزة إنترنت الأشياء the internet of things والخدمات المرتبطة بها التي يمكن أن تتعرض لتحكم القراصنة في أنظمة القيادة ذاتية التحكم في السيارات والأجهزة الطبية والمصانع وغيرها، وهذه النظم تزداد انتشاراً.

 

يمكن التغلب على هذه الانتهاكات أو التقليل من آثارها باعتماد وسائل معينة كتشفير البيانات أو التغيير المستمر للأرقام السرية أو اسم الدخول للموقع.

 

إلا أن اتباع وتطبيق وسائل إدارة الخطر ربما لن تكون كافية وفعّالة في القضاء نهائياً على هذه الانتهاكات وما يترتب عليها من آثار. هناك إذاً فجوة في الحماية الأمر الذي استدعى اللجوء إلى الحماية التأمينية ضد هذه المخاطر.

 

وقد اتخذت الحماية شكل إضافة ملحق لتوسيع غطاء وثائق التأمين التقليدية أو الاكتتاب بوثائق تأمين متخصصة بالأخطار الإلكترونية: وثيقة التأمين ضد أخطار القرصنة الإلكترونية للتعويض عن آثار التسلل إلى انظمة الكمبيوتر بهدف استنساخها أو تخريبها. فالتسلل يؤدي إلى أضرار مادية بالغة للشركة المغطاة بالتأمين، مع قيام فرصة للقراصنة لاستخدام النظام الالكتروني للشركة لإلحاق الاذى بالغير مما يُرتب مسؤولية مدنية للشركة تجاه الغير. الغطاء التأميني الشائع يحمي المؤمن له من مخاطر القرصنة بكل أنواعها بما فيها الفيروسات أو سرقة المعلومات أو تدمير قاعدة البيانات لأغراض إجرامية أو تخريبية. وتحاول شركات التأمين الاستجابة لتحدي أكبر وهو سرقة حقوق الملكية الفكرية والابتكارات، وسرقة المخترعات قيد الإنجاز. وهذا ما يُذكّر بالتجسس الصناعي التقليدي.

 

تحديات

 

وتواجه شركات التأمين تحدياً لما يُعرف بالمخاطر السيبرانية “الصامتة” “silent” cyber risk، أو الالتزامات التأمينية التي يمكن أن تنشأ عن وثائق تأمين (للممتلكات أو المسؤولية المهنية أو المسؤولية المدنية وغيرها) تنطوي على تغطيات واسعة صُممت لغرض مختلفٍ تماماً لا علاقة لها أصلاً بمثل هذه المخاطر. ولذلك يتعيّن على شركات التأمين التعرّف على وتقييم مثل هذه المسؤوليات الدفينة.

 

من التحديات الأخرى المرتبطة بتطور التأمين على المخاطر السيبرانية هو غياب نموذج قياسي لوثيقة التأمين يمكن أن تكون بمثابة الوثيقة المرجعية الأساسية ومن ثم تخضع للتعديل والتوسيع في نطاق التغطية التي توفرها. إن غياب مثل هذا النموذج يحمل معه أفخاخاً للمؤمن له المرتقب فهو لا يعرف إن كان قسط التأمين الذي يدفعه عادلاً أو أن غطاء التأمين كافياً أو أن لغة وثيقة التأمين ذات طابع يقيني لما هو مشمول أو مستثنى من غطاء التأمين.

 

وهناك التطور والتعقيد المستمر في وسائل القرصنة.

 

الحاجة للغطاء التأميني[3]

 

إن الشركات التجارية والصناعية وغيرها، وبغض النظر عن حجمها، صارت تعتمد على بنية تحتية تتمثل بتكنولوجيا المعلومات information technology وبدرجات متفاوتة بين تنظيم وآخر. إزاء هذا الوضع فإنها قد تتعرض لمخاطر عديدة من بينها توقف الأعمال، وخسارة الدخل، وإدارة الضرر وما يتطلبه من إصلاح، وربما التعرّض أيضاً إلى تضرر سمعتها reputational damage في حالة فشل أو توقف معدات أو أنظمة تكنولوجيا المعلومات لأسباب فنية أو أسباب خارجية.

 

وفي حين أن وثائق التأمين على الممتلكات، أو توقف الأعمال أو المسؤولية المهنية قد توفر تغطية محدودة ضد المخاطر السيبرانية، فإن الشركات بدأت وعلى نحو متزايد تُقْدِمُ على شراء وثائق التأمين السيبراني المتخصصة لاستكمال ترتيبات التأمين القائمة، وخاصة في الحالات التالية على سبيل المثل:

 

  • إذا كانت الشركة تحتفظ بمعلومات حسّاسة خاصة بالعملاء: الأسماء والعناوين أو المعلومات المصرفية الخاصة بهم.
  • تعتمد بشكل كبير على أنظمة تكنولوجيا المعلومات ومواقع في الإنترنت لتسيير أعمالها.
  • تتعامل مع معلومات بطاقة الدفع الإلكتروني للعملاء كجزء من نظام البيع أو تقديم الخدمة.الغطاء الأساسي لوثيقة تأمين المخاطر السيبرانيةيغطي التأمين السيبراني الخسائر المتعلقة بتضرر أو فقدان المعلومات من أنظمة وشبكات تكنولوجيا المعلومات. وتشمل أيضاً تقديم مساعدة للمؤمن له وإدارة آثار الحادث المُسبب للضرر أو الفقدان، وهذه المساعدة، التي يمكن أن تُقدم من خلال فنيين محترفين، تكون ضرورية عندما يواجه المؤمن له خطر تضرر السمعة أو الامتثال للوائح التنظيمية الرقابية.وتندرج المخاطر السيبرانية عموماً في فئتين: مخاطر الطرف الأول (المؤمن له) ومخاطر الطرف الثالث (المسؤولية المدنية). وهناك وثائق لتأمين أي من هاتين الفئتين أو كليهما معاً.يغطي تأمين الطرف الأول موجودات الشركة، وقد تشمل:
  • خسارة أو تضرر الموجودات الرقمية ومنها البيانات الرقمية والبرمجيات.
  • توقف الأعمال بسبب تعّطل الشبكة network downtime.
  • الابتزاز السِيبراني عندما يقوم طرف ثالث بتهديد المؤمن له بإتلاف أو إشهار البيانات الرقمية في حالة عدم دفع فدية.
  • تكاليف إخطار العملاء عندما يكون هناك شرط قانوني أو تنظيمي لإخطارهم بانتهاك الأمان أو الخصوصية.
  • تضرر السمعة الناشئة من انتهاك البيانات التي تؤدي إلى خسارة الملكية الفكرية أو خسارة العملاء.
  • سرقة النقود أو الموجودات الرقمية من خلال سرقة المعدات أو السرقة الإلكترونية.يغطي تأمين الطرف الثالث موجودات الغير وعلى وجه التحديد موجودات العملاء، وقد تشمل الآتي:
  • انتهاكات الأمان والخصوصية، والتحقيق/التحرّي، وتكاليف الدفاع والتعويض عن الأضرار المدنية المرتبطة بها.
  • مسؤولية وسائط الإعلام المتعددة، لتغطية تكاليف التحقيق والدفاع وتعويض الأضرار المدنية الناشئة عن التشهير أو انتهاك الخصوصية أو الإهمال في النشر في وسائل الإعلام الإلكترونية أو المطبوعة.
  • فقدان بيانات الطرف الثالث، بما في ذلك دفع تعويضات للعملاء بسبب حرمانهم من الوصول إلى أماكن عملهم، وفشل البرمجيات أو الأنظمة الإلكترونية التابعة لهم.

 

توسّع متوقع في الطلب على الحماية التأمينية

 

من المتوقع أن ينتشر التأمين على المسؤولية المدنية المترتبة على أعمال القرصنة الإلكترونية في الغرب خاصة بعد أن تمكَّن قراصنة من التسلل الى الانظمة الإلكترونية للوزارات والمؤسسات وحتى المستشفيات في دول عديدة من بينها بعض الولايات الأميركية وإسرائيل وإيران وبريطانيا حيث استولى القراصنة على برامج الانتاج والخدمات وغيرها من المعلومات السرية، وقاموا في بعض الحالات بتخريب الانظمة الالكترونية وتعطيل الإنتاج أو تقديم الخدمات.

 

ويظل موضوع التأمين على أجهزة إنترنيت الأشياء تحدياً لشركات التأمين في بحث كيفية توفير الحماية التأمينية اللازمة، وتحديد سعر مناسب لها، ووضع شروط معقولة. وتكمن الصعوبة الأساس في غياب البيانات التاريخية وإحصاءات الخسائر حول أخطار الهجمات الإلكترونية غير التقليدية على هذه الأجهزة وقلّة المعرفة المتوفرة حول الخسائر الاقتصادية والإصابات الشخصية التي قد تنجم عنها.

 

مثل هذا النوع من التأمين قد يلقى رواجاً في العالم العربي الذي يفتقر الى أنظمة متطورة تحمي الشركات والمؤسسات التجارية والحكومية ضد اختراق القراصنة لبرامجها الالكترونية، خاصة وأن الاتجاه العام هو السير في الاعتماد أكثر فأكثر على المعطيات الالكترونية بواسطة الهواتف النقالة أو الألواح والحواسيب والإنترنت من قبل الأفراد والشركات والدفع المستمر نحو ما صار يُعرف بالحكومة الإلكترونية.

 

الأخطار الإلكترونية تُصنّف على أنها من الأخطار الناشئة التي تُعقد من أجلها اللقاءات والندوات في الغرب وفي بعض البلدان العربية. وتُقدر التكلفة الإجمالية للأخطار الإلكترونية بحوالي ثمانية مليار دولار (2015) وهي في ازدياد. ويرد في البال هنا جريمة سرقة هويات ومعلومات بطاقات ائتمانية لعملاء شركة “سوني”، وهو ما كبَّدها خسائر معنوية وماديه كبيرة، بعضها صار موضوعاً للتقاضي أمام المحاكم من قبل عملاء سوني بسبب هذه الحادثة.

 

إن الطلب على تأمين الأخطار الإلكترونية يأتي في الوقت الحاضر من البنوك والمؤسسات المالية لأنها مُؤتمنة على الحسابات الشخصية للعملاء وتخشى من فقدان البيانات الخاصة بهم من هجمات القراصنة. والملاحظ أن هذا الطلب يرد ضمن وثائق التأمين من الجرائم المصرفية.

 

ملاحظة حول الوضع في أسواق التأمين العربية

 

هذا النوع من التأمين ليس منتشراً في العالم العربي إلا بحدود معينة في بعض البلدان ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة. ولا يجد له طلباً في سوق التأمين العراقي.

 

وتجابه شركات التأمين العربية صعوبة بتغطية كل المخاطر المالية التي تترتب على مخاطر الاختراق الالكتروني، لأن هذه المخاطر غير محددة النتائج، فيما يتعلق بالتبعات المالية التي تترتب على فقد البيانات أو استغلالها من قبل القراصنة، وليس هناك خبرة تعويضية كافية عنها. ولذلك فإن التأمين لا يغطي في الوقت الحاضر خسارة الملكية الفكرية والإصابات الشخصية التي تنتج عن تحكم القراصنة في نظام التحكّم الذاتي في سيّارة إلكترونية. في حين أن جميع وثائق التأمين المتاحة حالياً تغطي تكاليف خسارة المستهلكين لمعلوماتهم الشخصية بسبب القرصنة.

 

ولأجل بناء الخبرة يمكن البدء بعرض تأمين يغطي كلفة إعادة تشغيل الموقع الإلكتروني، وتكاليف استرداد البيانات التي قد تترتب على إساءة استخدام هذه البيانات من قبل المخترق، أو ما يترتب من تعويضات على المطالبات القانونية المرفوعة من المتضررين ضد صاحب الموقع نتيجة حصول الاختراق.

 

ويتعيّن على قطاع التأمين القيام بحملات توعية لتعريف الشركات الخاصة والعامة والمؤسسات الحكومية بأهمية التأمين من الجرائم الإلكترونية. وما يساعدها بهذا الشأن هو الأخبار حول تصاعد عدد الجرائم الإلكترونية في أنحاء مختلفة من العالم.

 

على شركات التأمين أن لا تقصر عملها التوّعوي على المصارف والشركات النفطية والغازية وشركات الطيران بل التوجه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أيضاً، فجميعها تعتمد، وبدرجات متفاوتة، على بنية تحتية من تكنولوجيا المعلومات، مختلفة في تعقيدها.

 

تنظيم الرقابة على حوادث الاختراق وتسريب المعلومات

 

واحدة من القضايا التي تستوجب الاهتمام من الأجهزة الرقابية، كما هو الحال في قوانين بعض الدول ومنها الولايات الأمريكية، الكشف عن جميع حوادث الاختراق وتسريب البيانات. إن تقديم مثل هذه المعلومات ستساعد الشركات، ومنها شركات التأمين، على التعرّف على مدى تكرر الحوادث وتكلفة إصلاحها، مثلما تساعد أجهزة الدولة المعنية بالكشف عن مقترفي الجرائم السيبرانية.

 

إن الحماية التأمينية لن توقف أو تنهي هذه الجرائم لكنها تساهم في الكشف عن مكامن الخلل في إدارة الأخطار السيبرانية التي تتعرض لها الشركات ومختلف المؤسسات العامة والخاصة، وسبل التحوط منها أو من بعضها، وبالطبع التعويض عن الخسائر المترتبة على هذه الأخطار. آمل أن تحفز هذه الورقة ممارسي التأمين في العراق على التفكير في موضوع الأخطار السيبرانية واستباق الحلول التأمينية لها.

 

4 حزيران 2017

[1] http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/0523eb1d-aa10-424b-8f3b-9fc0e9fd9559

[2] http://www.alsumaria.tv/news/205781/%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D9%86/ar#

[3] اعتمدنا في كتابة هذا القسم على المعلومات المنشورة في موقع جمعية شركات التأمين البريطانية:

https://www.abi.org.uk/Insurance-and-savings/Products/Business-insurance/Cyber-risk-insurance

Notes on Insurance in the Monetary & Fiscal Context

ملاحظات أولية لعرض التأمين في السياق النقدي والمالي

 

على هامش كتاب لهب عطا عبد الوهاب:

سرعة تداول النقود بين النظرية الاقتصادية والتطبيق العملي[1]

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال : ملاحظات أولية لعرض التأمين في السياق النقدي والمالي

 

 

[1]    مقدمة

 

هذا كتاب مهم في موضوعه، سرعة تداول النقود، قدمه المؤلف بأستاذية ونأمل، أن ينتبه إليه المختصون. هو ليس كتاباً في التأمين لكنه يضم إشارات سريعة عابرة للتأمين في بعض المواضع سنقوم بإبرازها في هذه الورقة بقدر ما تسمح به إمكانياتنا في فهم الظواهر الاقتصادية المالية والنقدية منها بشكل خاص. هذه الورقة ليست معنية بسرعة تداول النقود ولذلك فهو لا يشكل موضوعاً للتعليق لكننا سنستفيد من بعض نصوص الكتاب والمفاهيم الواردة فيها لعرض بعض جوانب التأمين مع الإشارة، قدر الإمكان، إلى واقع النشاط التأميني في العراق.

 

لولا هذا الكتاب الذي أهداه المؤلف لي لما بادرت إلى كتابة هذه الورقة لوضع التأمين ارتباطاً بالنظام النقدي والمالي. فله أجزل الشكر على هديته الكريمة وعلى توفير فرصة الكتابة عن جوانب من النشاط التأميني.

 

لتوفير السياق المناسب لتعليقاتنا سنقتبس نصوصاً طويلة من الكتاب، لإظهار ورود إشارة للتأمين فيها، وفي هذا فائدة أيضاً لمن لا يتوفر على نسخة من الكتاب.

 

تضم محاولتنا عرض الموضوعات التالية:

 

  • هل هناك علاقة بين كلفة الاحتفاظ بالنقد وشراء التأمين؟
  • تخفيض الضرائب والطلب على التأمين
  • التأمين كمؤسسة مالية وسيطة غير مصرفية
  • ضيق نطاق الأسواق النقدية والمالية واستثمار شركات التأمين
  • السوق النقدية المنظمة، الوعي المصرفي/الوعي التأميني، النضج المالي/النضج التأميني

 

[2]   هل هناك علاقة بين كلفة الاحتفاظ بالنقد وشراء التأمين؟

 

التغيرات في معدلات الفائدة وأثرها على التأمين

تحت عنوان العوامل التي تؤثر على كلفة الاحتفاظ بالنقد تناول المؤلف (1) التغيرات التي تطرأ على معدلات الفائدة و (2) التغيرات التي تطرأ على المستوى العام للأسعار.

 

(1) التغيرات التي تطرأ على معدلات الفائدة

إن ارتفاع معدلات الفائدة على الموجودات البديلة للنقود (كالودائع الزمنية والسندات الحكومية) ستدفع بالأفراد نحو الاقتصاد في أرصدتهم النقدية لتكلفة الفرصة opportunity cost المرتفعة للاحتفاظ بالنقود (والتي لا تدر عائداً مقارنة بعوائد الموجودات غير النقدية). ومن هنا ميل الأفراد إلى تخفيض أرصدتهم النقدية بدلاً من تفضيل السيولة، الأمر الي سيفضي إلى ارتفاع في سرعة تداول النقود. (ص 28)

 

لا يرد في هذا النص أي ذكر للتأمين لكننا اقتبسناه لإبراز مدى تأثير معدلات الفائدة على بعض جوانب التأمين. لا نظن أن ارتفاع معدلات الفائدة سيخلق ميلاً لدى الأفراد لتخفيض أرصدتهم النقدية وإنفاقها، أو بعض منها، على شراء وثائق التأمين كموجودات بديلة للنقود، باستثناء بعض أشكال التأمين على الحياة. فشركات التأمين المتخصصة بأعمال التأمين على الحياة تطرح للبيع وثائق تأمين ادخارية (وهي غير الشهادات الادخارية، أوعية استثمارية تطرحها البنوك، إذ أن وثائق التأمين الادخارية تغطي خطر وفاة صاحب وثيقة التأمين) لجذب عملاء جدد. فمن آثار ارتفاع معدلات الفائدة الضغط على شركات التأمين على الحياة لطرح منتجات جديدة بعوائد استثمارية أعلى تتناسب مع هذا الارتفاع في محاولة لجذب الأفراد لشراء وثائق التأمين كبديل أو مكمل للاستثمار في الشهادات الادخارية. وكذلك العمل على تخفيض أقساط التأمين بفضل ارتفاع العوائد الاستثمارية، ويأتي هذا مقترناً بحالة التنافس بين الشركات للإبقاء على عملائهم وجذب الجدد منهم.

والمعروف أن ارتفاع معدلات الفائدة يُحسّن من العوائد الاستثمارية على وثائق التأمين على الحياة، ومن هنا ربما الميل لاقتناء وثائق التأمين على الحياة إذ أن معدل الفائدة على هذه الوثائق تراكمي ويحتسب على أساس مبلغ التأمين وليس القسط المسدد. فعند حلول أجل الوثيقة أو وفاة صاحبها فإن شركة التأمين تسدد له أو لورثته مبلغ التأمين إضافة إلى الفائدة على هذا المبلغ.

 

ويساهم ارتفاع معدلات الفائدة إيجابياً في تحسين ربحية شركات التأمين على الحياة وغير الحياة (ما يعرف بالتأمينات العامة) من خلال العوائد على الأرصدة المستثمرة.

 

مقابل ذلك فإن انخفاض معدلات الفائدة، كما هو حاصل في الاقتصادات الغربية منذ عدة سنوات، يؤثر سلباً على العوائد الاستثمارية وربحية شركات التأمين وصناديق التقاعد. وتتفق الدراسات المختصة على استمرار النظرة المستقبلية السلبية لغالبية أسواق التأمين على الحياة على الصعيد العالمي.[2]

 

التغيرات في المستوى العام للأسعار وأثرها على التأمين

 

(2) التغيرات التي تطرأ على المستوى العام للأسعار

إن الارتفاع في المستوى العام للأسعار وتوقع الجمهور استمراراً في ارتفاعه مستقبلاً بحيث أن الأخير يمكن أن ينظر إليه باعتباره نذيراً لتضخم متوقع – هو عامل مهم يمكن أن يؤثر على سرعة تداول النقود على المدى القصير والطويل معاً – من خلال تأثيره على “كلفة الاحتفاظ بالنقود”، إذ أن ارتفاع الأسعار سيعني انخفاضاً في القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للنقود الأمر الذي سيدفع الأفراد نحو شراء السلع الآن (بدلاً من تفضيل السيولة). (ص 28-29)

 

الملاحظ أن الانخفاض في القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للنقود تدفع الأفراد نحو شراء السلع بدلاً من الاحتفاظ بالنقود. المنتج التأميني هو سلعة بمعنى ما ينطوي عليه من منافع (التعويض عند حصول ضرر أو خسارة) يحصل عليها حامله لإشباع حاجاته (التحوط من الأخطار المحيطة به والتخفيف من عدم التأكد بما يخبئه المستقبل). ليس لدينا دراسة تفيد في شرح العلاقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود (التضخم) والإقبال على شراء المنتجات التأمينية. إن هذا الإقبال، لو كان قائماً حقاً، فإنه يساهم، إلى حدٍ ما، في الحدِّ من الضغوط التضخمية الناشئة من وفرة (زيادة) كمية النقود في التداول العام، وذلك لأن الإقبال على شراء الحماية التأمينية يعمل على حجز أرصدة نقدية ربما كانت ستنفق على شراء سلع مادية وخدمات أخرى.

 

إن الانخفاض في القوة الشرائية للنقود، من المنظور التأميني، يترجم نفسه في زيادة كلفة شراء حماية إعادة التأمين من الخارج (بسبب تدني سعر صرف العملة الوطنية)، وإلى خسارة أو هبوط في قيمة موجودات شركات التأمين، وكذلك هبوط قيمة وثائق التأمين على الحياة (مدخرات المؤمن لهم) وتآكل قيمة الأموال المادية المؤمن عليها وما ينشأ عنها من اختلاف في تسوية مطالبات تعويض الأضرار المادية بسبب التباين في مبالغ التأمين عند ابتداء التأمين وعند تسوية المطالبة.

 

الادخار الفردي لأغراض التقاعد، وخاصة في الاقتصادات الغربية، هو الآخر يتأثر سلبياً من انخفاض القوة الشرائية للنقود إذ يظل هاجس انخفاض معدلات الفائدة في المستقبل وقت بلوغ مرحلة التقاعد عاملاً مؤرقاً للعاملين والعاملات، خاصة مع التحول من نظام التقاعد على أساس المنفعة المحددة defined benefit إلى نظام الاشتراكات defined contribution والاعتماد على الأسواق المالية (أي الاعتماد على أداء استثمارات صناديق التقاعد) في توفير المعاشات التقاعدية.[3]

 

وقد لوحظ في سنوات الحصار الاقتصادي على العراق (2003-1990) هبوط قيمة موجودات شركات التأمين، وخشيةً من استمرار هذا الهبوط بادرت شركات التأمين إلى تحويل جزء[4] من الأرصدة النقدية المتراكمة لديها لشراء الأصول العينية كالعقارات. وقد كتبنا التالي بشأن هذا الموضوع في دراسة سابقة[5] نقتبس منه ما يلي:

 

أدت العمليات العسكرية والعقوبات الاقتصادية وتوسع النظام في طبع النقود الورقية إلى إضعاف قيمة الدينار العراقي. وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن التضخم المفرط أدى إلى تدهور قيمة رأسمال شركات القطاع واحتياطياتها بحيث جعلها مكشوفة للإفلاس إن هي تعرضت لخسائر كبيرة لا تقوى على التعويض عنها اعتماداً على مواردها الذاتية وتلك التي توفرها شركة إعادة التأمين العراقية.[6] لذلك لجأ القطاع مبكراً إلى استبدال الأصول النقدية الآيلة إلى الهبوط الحاد في قيمتها إلى أصول مادية من خلال الاستثمار في العقارات لميل أقيامها إلى الزيادة. ليست هناك معلومات دقيقة موثقة منشورة عن هذا الأمر، ولا على القيود القانونية على الأرصدة النقدية التي يجب على شركات التأمين الاحتفاظ بها في جميع الحالات للوفاء بالالتزامات تجاه حملة وثائق التأمين، ونسبة الاستثمارات العينية وما يمكن استثماره في أسهم الشركات التجارية وغيرها.

 

حسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن المحفظة الاستثمارية للشركات الحكومية الثلاث (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية) تضم الفقرات التالية وبنسب متباينة: عقارات، أوراق مالية حكومية وغير حكومية، إيداعات في البنوك، قروض مضمونة (وأخرى غير مضمونة)، أسهم وودائع داخل وخارج العراق. والمعروف عن الشركات الثلاث أنها تمتلك مباني عديدة بعضها مستخدمة كمقرات لها والبعض الآخر مؤجر للغير.

[3]   تخفيض الضرائب والطلب على التأمين

 

يتناول المؤلف في المبحث الثاني من المحور الرابع في الكتاب (ص 108-114) وسائل السلطات النقدية في التأثير على سرعة تداول النقود، ويحصر هذه الوسائل بالآتي: زيادة الانفاق الحكومي، تخفيض الضرائب، إعادة تسديد الدين العام، تخفيض معدلات الفائدة، الاقناع الأدبي والدعاية، إزالة القيود على الشراء بالأقساط، توفر “السلع المغرية، والزيادة في تكرار المدفوعات.

 

تناولنا تأثير معدلات الفائدة في الفقرات الأولى من هذه الورقة، وسنحصر التعليق هنا بتخفيض الضرائب. وبهذا الشأن، ودائماً ضمن موضوع سرعة تداول النقود، يقول المؤلف:

 

إن أي تخفيض في الضرائب المباشرة – دون أن يرافقها تخفيض مماثل في الانفاق العام – ستعمل على رفع القوة الشرائية لأفراد المجتمع… كما أن تخفيضاً في الضرائب غير المباشرة، حيث سيغري الانخفاض في الأسعار الأفراد إلى الشراء والانفاق. على سبيل المثال، قيام الدولة بتخفيض ضريبة المشتريات (على السيارات مثلاً) الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها. (ص 111)

 

لا توجد ضرائب على إصدار وثائق التأمين في العراق، كما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبية.[7] هناك فقط، في الوقت الحاضر، جباية لرسم الطابع، بنسب مختلفة، على وثائق التأمين على الحياة والحوادث الشخصية، والتأمين البحري، والتأمين غير البحري.

فرض الضريبة أو زيادتها على وثائق التأمين قد تدفع باتجاه التقليل من الطلب على شراء الحماية التأمينية، مثلما قد يؤدي إلغاء الضريبة أو التقليل من نسبتها إلى زيادة الإقبال على الانفاق على الحماية التأمينية. ما لم يكن شراء التأمين إلزامياً فإن زيادة الضريبة على وثائق التأمين تؤثر سلبياً على شراء التأمين وقد يدفع باتجاه التهرب والتغاضي عن التأمين. بالطبع، هناك عوامل عديدة تؤثر على شراء الحماية التأمينية والضريبة المفروضة عليها هي واحدة منها إلى جانب حجم الدخل النقدي المتوفر لدى الأفراد، وتأصل أعراف التدبر تجاه ما يخبئه المستقبل، وترجيحات تكلفة الفرصة opportunity cost وغيرها.

وتتمتع وثائق التأمين على الحياة بمعاملة تفضيلية من قبل دوائر الضريبة، فالمبالغ التي تدفع للمستفيدين من وثيقة التأمين، مثلاً، لا تخضع غالباً للضريبة.

 

وبالنسبة لشركات التأمين فإن أقساط التأمين المكتسبة تخضع للضريبة (صافي الأرباح الاكتتابية)، وكذلك عوائد الاستثمار، ونتائج الأعمال السنوية. وهناك رسوم أخرى تدفع لديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية وغيرها، وهي مصدر شكوى البعض.[8]

 

[4]   التأمين كمؤسسة مالية وسيطة غير مصرفية

 

يكتب المؤلف تحت عنوان ثانوي، التطورات المؤسسية في الأسواق النقدية، ما يلي:

 

ويُشار بهذا الصدد إلى النمو الواسع والمضطرد في “المؤسسات المالية الوسيطة غير المصرفية* Nonbank Financial Intermediaries في الاقتصادات الصناعية من منتصف الخمسينات كأحد العوامل التي أضعفت من فاعلية السلطات المركزية في السيطرة على المعروض النقدي لما تتمتع به من مطلوبات هذه المؤسسات من سيولة عالية بحيث “أتاحت للجمهور” منفذاً جديداً وفعالاً للاقتصاد بأرصدته النقدية إذ بدلاً من الاحتفاظ بأرصدتهم النقدية عاطلة يمكن للجمهور من تحويلها إلى الالتزامات التي تصدرها هذه المؤسسات (ودائع الادخار، حصة في مؤسسات الادخار والإقراض، بوالص التأمين … الخ) والتي تدر عائداً كبيراً من ناحية كما يمكن قلبها إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة أو خسارة ممكنة من ناحية أخرى. (ص 121)

 

* ويذكر في هامش بأن أهم المؤسسات الوسيطة غير المصرفية “مؤسسات الادخار thrift institutions مثال ذلك بنوك الادخار، مؤسسات الادخار والإقراض بالإضافة إلى اتحادات الائتمان وشركات التأمين، والتي تعمل “كوسيط” في نقل الأرصدة النقدية من المقرضين النهائيين (الدائنين النهائيين) إلى المقترضين النهائيين.

 

تُصنف شركات التأمين والصناديق التقاعدية والتبادلية وغيرها كمؤسسات مالية وسيطة غير مصرفية. سنحصر تعليقنا فيما يلي بشركات التأمين. لقد شهدت العقود الأخيرة قبل الألفية الثانية قيام شركات إعادة التأمين الكبرى ووسطاء التأمين في المراكز العالمية للتأمين، كسوق لندن وبرمودا، ابتكار وتطوير أدوات بديلة لتحويل الأخطار alternative risk transfer (ART) خارج الأنماط التقليدية لآليات التأمين. وقد أنصبَّتْ هذه الأدوات على التعامل مع الأخطار الكبيرة ذات الطبيعة الكارثية، كالزلازل والفيضانات والمسؤوليات القانونية كتلك المرتبطة بالأسبستوس التي تعود أصولها إلى ما قبل النصف الثاني من القن العشرين، التي ولَّدت خسائر لشركات التأمين تقدر بعدة مليارات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. لم يكن ابتداع الوسائل لتمويل الخطر risk financing ضمن الآليات التقليدية كافية، كخيارات تجزئة مبالغ الأخطار الكبيرة المؤمنة إلى شرائح layered options وغيرها لتسهيل تغطيتها بأسعار اقتصادية معقولة. وهكذا نشأ التحول نحو الاستفادة من سوق رأس المال (استخدام السندات bonds لتغطية الخسائر المترتبة على الكوارث، وخيارات البيع المستقبلية futures/put options) والتوريق الذي بدأ في سبعينيات القرن الماضي[9] securitization وغيرها.[10]

 

وعلى مستوى الأفراد كانت جمعيات بناء المساكن تمارس دورها في تقديم القروض لشراء دور السكن ثم بدأت في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، في بريطانيا، بتقديم خدمات مصرفية للأفراد. واستمر التداخل بين العمل المصرفي والتأميني حتى أن المصارف أخذت تمارس نشاطاً تأمينياً bancasssurance (بدأ في فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي وانتشر في أوروبا وخارجها). وبذلك أصبحت البنوك قنوات توزيعية مهمة للمنتجات التأمينية، مثلما أخذ بعض البنوك بممارسة التأمين المباشر والبعض الآخر أسس كيانات لوساطة التأمين خاصة بها. وقد شهدت بعض البلدان العربية تبني نموذج التأمين عبر المصارف.

 

ويذكر المؤلف، فيما يخدم أطروحته في سرعة تداول النقود، الميل المتزايد لدى “الجمهور” لتحويل الأرصدة النقدية إلى المؤسسات غير المصرفية لقاء الالتزامات التي تقدمها (ودائع الادخار، حصة في مؤسسات الادخار والإقراض، بوالص التأمين … الخ). (ص 121). ما يعنينا هنا هو الإشارة إلى وضع بوالص التأمين بين هذه الالتزامات التي “تدر عائداً كبيراً من ناحية كما يمكن قلبها إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة أو خسارة ممكنة من ناحية أخرى.” إقحام بوالص التأمين هنا ربما أنصبَّ على بعض وثائق التأمين على الحياة التي تتضمن عنصراً ادخارياً مرتبطاً أيضاً بالأرباح التي تحققها شركة التأمين على استثماراتها لصندوق أقساط التأمين، وكذلك صندوق التقاعد الفردي المربوط بأرباح الشركة. وخلاف ذلك فإن وثائق التأمين لا تدر العوائد لحَمَلتها

 

أما موضوع قلب بوالص التأمين إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة ممكنة، فهو يحتاج إلى تكييف بسبب وجود ضوابط على هذا القلب، أي إلغاء بوالص التأمين، إذ أن ما يحصل عليه حامل البوليصة من قسط التأمين الذي سدده ابتداءً أو على دفعات لا يعادل هذا القسط بالكامل ذلك لأن شركة التأمين تتكبد مصاريف إدارية في الاكتتاب وفي إصدار بوليصة التأمين، كما أنها تكون مسؤولة عن تعويض حامل البوليصة عن الضرر أو الخسارة المُبلَّغ عنها قبل تاريخ قيامه بإشعار شركة التأمين بالإلغاء. ومن المعروف أن معظم بوالص التأمين تُطبق ما يُعرف بجدول المدة القصيرة Short Rate Cancellation Table.

 

[5]      ضيق نطاق الأسواق النقدية والمالية واستثمارات شركات التأمين

 

تحت هذا العنوان الثانوي يذكر المؤلف أن هذه الأسواق في البلدان النامية تتميز “بالضيق والذي يرجع إلى قلّة التعامل بالأوراق التجارية، وقلة ما يصدر من أذونات الخزينة، واقتصار الأسواق المنظمة فيها أساساً على البنوك التجارية …” ويلاحظ بالنسبة لسوق رأس المال “محدودية البائعين والمشترين – مما يفيد انخفاض حجم المبادلات – غياب المتعاملين الذين يتحملون مخاطر تقلبات القيمة الرأسمالية للسندات.” ويلاحظ المؤلف أيضاً “أن أكثر من 80% من السندات [الحكومية] القابلة للتداول في الأسواق يحوزها البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين …”[11] [التأكيد من عندي]

 

ما الذي يدفع شركات التأمين لحيازة السندات الحكومية؟ أولاً، عنصر الضمانة العالي لهذه السندات. وثانياً، سهولة بيعها في أسواق المال للحصول على السيولة النقدية المطلوبة لتعويض المطالبات الكبيرة عندما تكون الموارد النقدية داخل الشركة غير كافية. ويمكن وضع الموضوع في إطار القيود المفروضة على السياسة الاستثمارية لشركات التأمين. وقد كتبنا في دراسة سابقة عن:

 

“التقلبات في نتائج الأعمال نتيجة لخبرة الخسارة المتغيرة. وهذا يتطلب من شركة التأمين الإبقاء على احتياطات كبيرة زيادة عن احتياطاتها الفنية، إذ أن الأموال المتجمعة لديها يمكن أن تكون عرضة للنضوب خلال فترة زمنية قصيرة بسبب المطالبات بالتعويض (بعد كارثة مثلا). يقتضي مثل هذا الواقع من شركة التأمين الإبقاء على أموالها في حالة سيولة معقولة: كأن تكون بهيئة ودائع مصرفية قابلة للسحب الفوري أو سندات قصيرة الآجل يمكن تسييلها دون التعرض لخسارة كبيرة.

 

هناك بالطبع اعتبارات عديدة حول المفاضلة بين الأصول المالية القابلة للتسويق. فالمعروف أن الإبقاء على الأصول بهيئة نقد لا يوفر عائداً لشركة التأمين. كما أن الاستثمار في السندات الحكومية يكون مردوده محدوداً. مقابل ذلك فإن الاستثمار في الأسهم يمكن أن يوفر مكاسب رأسمالية capital gains لا تخضع للضريبة إلا عند تحقق هذه المكاسب. مثل هذا الاستثمار ينطوي على المخاطر التي تطرأ على سوق الأسهم، وهي ضمن قابلية التسويق الفوري تعتبر غير مناسبة لشركة التأمين. ولهذا فإن بعض شركات التأمين تميل إلى تنويع محافظها الاستثمارية كي تستطيع مواجهة التعويضات والحصول على عوائد معقولة.

 

ومن القيود التي تفرض نفسها على الاستثمار إمكانية انخفاض دخل أقساط التأمين. إن تقلص حجم الأعمال المكتتبة، لأي سبب كان، يعني أن التدفق النقدي لشركة التأمين لن يكون كافياً لبناء الاحتياطيات والاستثمار.

 

هناك القواعد الرقابية الانضباطية التي تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية.[12] وهذا يعني إخضاع أصول الشركة لقواعد التقييم الرقابية كوضع حد أو سقف للأصول المالية التي يمكن للشركة أن تحتفظ بها والتي تتعرض لتقلبات كبيرة كالأسهم والسندات الطويلة الأجل والأصول العينية دون الإضرار بالسيولة النقدية للشركة كي تستطيع تسديد التعويضات في أوانها.

 

إضافة إلى ذلك يتوجب على شركة التأمين أن تأخذ بنظر الاعتبار النمو المتوقع في حجم الأعمال. فالتباطؤ في معدل النمو قد يؤدي إلى نتائج سلبية على التدفق النقدي. مقابل ذلك فإن المعدلات العالية في نمو حجم الأعمال لها مشاكلها الخاصة فقد تؤدي إلى مشاكل في تمويل الاحتياطيات الفنية (التي يجب تأسيسها) وكذلك زيادة هامش الملاءة المالية.

 

كما أن شركة التأمين قد تواجه عدم توفر حماية إعادة التأمين لأسباب عديدة: عدم توفر الطاقة الاستيعابية للمحافظ الاكتتابية للشركة، انسحاب شركات إعادة التأمين من الاكتتاب في بلد معين بسبب عدم الاستقرار …إلخ.

 

إن المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين ليست متجانسة بسبب طبيعة الأعمال التي تكتتب بها. فالعقود التي تكتتبها شركات التأمينات العامة ذات آجال قصيرة، وعادة تمتد لسنة واحدة، في حين أن عقود شركات التأمين على الحياة قد تمتد لعدة عقود. وبفضل القدرات الاكتوارية المتوفرة لها تستطيع التنبؤ بحجم المسؤوليات التعاقدية التي تترتب على أعمالها بدقة أكبر من شركات التأمينات العامة، وبالتالي تستطيع توظيف احتياطياتها في أدوات مالية ذات أجل أطول.”[13]

 

[6]   السوق النقدية المنظمة، الوعي المصرفي/الوعي التأميني، النضج المالي/النضج التأميني

 

السوق النقدية المنظمة وغير المنظمة وموقع التأمين فيها

يُميّز المؤلف بين السوق النقدية المنظمة والسوق النقدية غير المنظمة. فالسوق النقدية المنظمة تشتمل “عادة على البنك المركزي والمصارف التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مثل شركات التأمين.” وهذه تخضع لقوانين تحكم نشاطها من حيث التأسيس، وحجم رأس المال المطلوب، ورخصة مزاولة العمل ومؤهلات العاملين وغيرها. في حين أن السوق النقدية غير المنظمة “غير متجانسة، حيث تضم المرابين والتجار وأصحاب المتاجر، الأصدقاء والأقرباء، ملاك الأراضي، والذين يخرجون عن نطاق التحكم والرقابة المباشرة للبنك المركزي.” (ص 127-128).

 

ويلاحظ أن السوق غير المنظمة، على العموم وعلى شاكلة اقتصاد الظل أو السوق السوداء، تكاد أن تكون غير موجودة في قطاع التأمين[14] نظراً لطبيعة “السلعة” التأمينية غير المنظورة (وعد مستقبلي بالتعويض عن خسارة أو ضرر مادي قد يحصل أو لا يحصل في المستقبل)، وطبيعة الإنتاج التأميني الذي يوصف بأنه قلب أو عكس دورة الإنتاج inversion of the production cycle، فشركات التأمين تبيع منتجاتها وتستلم قسط التأمين عنها مقدماً قبل فترة من إنتاج السلعة المتمثل بتسوية وتسديد المطالبة بالتعويض. وبهذه الصفة فإن السلعة التأمينية ليست ذات جاذبية في السوق غير المنظمة، إذ أن الأنشطة غير المشروعة تقوم على البيع والربح والاستهلاك الاني وليس الانتظار للانتفاع من موضوعها في المستقبل.

 

الوعي المصرفي/الوعي التأميني

يقدم المؤلف عرضاً عن الوعي المصرفي ينطبق برأينا على قطاع التأمين فهو يقول:

 

إن النظام المصرفي في اقتصاد ما ينمو عندما تتأصل العادة المصرفية أو الوعي المصرفي في نفوس الأفراد وعندما تنتشر المؤسسات المصرفية في شتى ربوع البلاد في الاقتصادات التي يوجد فيها قطاع خاص “وأن ما يراد بالوعي المصرفي” هو زيادة ميل الأفراد الى التعامل مع البنوك بفتح حسابات إيداع مختلفة …” (ص 129-130)

 

وبتطبيق معطيات هذا العرض يمكن القول إن نظام التأمين يأخذ بالنمو عندما تتأصل العادة التأمينية أو الوعي التأميني، بعيداً عن القيم العشائرية (كالتسوية العشائرية لحوادث السيارات الذي بدأ في عهد الدكتاتورية وما يزال مستمراً)؛ وعندما تنتشر شركات التأمين وفروعها والوكالات والمنتجين في ربوع البلاد؛ وأن ما يراد بالوعي التأميني هو زيادة ميل الأفراد إلى التعامل مع شركات التأمين بشراء وثائق التأمين منها. والصورة الأخرى لهذا الوعي التأميني هي عادة التدبر للمستقبل.

 

هذا التطابق بين الوعي المصرفي والتأميني لا يستنفد مكونات الوعي التأميني، وبالأحرى الثقافة التأمينية. وقد كتبت في مكان آخر[15] ملاحظات بهذا الشأن يمكن أن تكون نواة لدراسة موسعة:

 

“يرُجِع البعض تدني الوعي التأميني إلى الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والغزو العراقي للكويت (1990) وما تبعه من تحرير الكويت، والغزو الأمريكي للعراق (2003). ويمكن أن نضيف إليها سنوات العقوبات الدولية (2003-1990) التي ساهمت بشكل مباشر في تآكل دخل المواطنين وإفقارهم بحيث صار شراء الحماية التأمينية ترفاً لا يقدر عليه إلا قلة منهم. لكن هذه الإحالة لم تقترن بدراسة موثقة تجمع بين السبب والنتيجة إذ أنها وردت في سياق مقابلات صحفية سريعة، وغالباً ما يتركز التعليل على مقارنة بين الوضع القائم وما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي. لا تتوفر لدينا الإحصائيات لقياس مستوى الوعي التأميني في تطوره التاريخي فهذه مهمة بحثية تقع خارج إمكانياتنا الحالية.

 

يتعين علينا أن نتذكر بأن التأمين سلعة غير منظورة، هو وعدٌ بتعويض المؤمن له في المستقبل إن تعرَّض هو أو أسرته أو أمواله إلى ضرر. معظم الناس لا يستشعرون الحاجة لمثل هذا الوعد دونكم توفر القدرة المالية لديهم على شراء هذا الوعد. هم أكثر قناعة، بفعل الموروث الديني، وبقراءة سلبية له، بالقبول بالقضاء والقدر: “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.” (سورة التوبة، الآية 51)

 

ديوان التأمين مُلزم بقوة القانون للقيام بدوره في مجال زيادة الوعي التأميني. فقد جاء في المادة 6-البند 4 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 أن الديوان يهدف إلى:

 

تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:

 

زيادة الوعي التأميني وإجراء الدراسات والبحوث التأمينية وطباعتها.

 

المعلومات المتوفرة لا تدل على أن الديوان قد قام بتنفيذ مهمة زيادة الوعي، أو إجراء الدراسات والبحوث التأمينية، وهذه من شأنها أن توسع دائرة الاهتمام بالتأمين خارج نطاق شركات التأمين.

 

ومن رأي أن ديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية، التي تمثل شركات التأمين، ليس لديها برنامج خاص بنشر ثقافة التأمين. صحيح أن بعض الشركات تلجأ إلى الإعلان التجاري أو الاتصال ببعض الشركات والمنظمات بهدف بيع وثائق التأمين لها أو التعاون معها بهذا الشأن فيما يخص أعضاء هذه التنظيمات، إلا أن هذا الجهد ينصبُّ على التعريف بشركة التأمين وبمنتجاتها من وثائق التأمين. وهذا الجهد يقابله ما تقوم به جمعية التأمين من خلال الندوات والمحاضرات التي تنحصر فائدتها بمنظميها وبعض المشاركين فيها.

 

فقر ثقافة التأمين يعكس نفسه في ضعف وربما أحياناً غياب الحملات الإعلانية المركزة، والمتخصصين الاستشاريين في شؤون التأمين، أو المحامين المتخصصين في تفسير عقود التأمين، ومقيّمي الأصول لأغراض التأمين، والكاشفين على الأخطار المعروضة للتأمين (ومعظم هؤلاء لا يرقون في مهاراتهم الفنية إلى ما هو متوقع منهم مهنياً وبالمقارنة مع ما هو متوفر عالمياً)، والصحفيين الذين يتمتعون بمعرفة تأمينية رفيعة.

 

ويجد هذا الفقر انعكاساً له في غياب مجلة تأمينية إلكترونية أو ورقية بعد توقف مجلة (رسالة التأمين) أواخر ثمانينيات القرن الماضي. مثلما ينعكس في غياب حملات أسبوعية أو شهرية، حسب الحاجة، لترويج منتجات تأمينية محددة. (لم تقم أية شركة لتأمين بنشر المعرفة عن تأمينات الحياة من خلال حملات خاصة للتوعية. مثال ذلك شريط فيديو للتوعية بتأمينات الحياة). وكذلك إجراء مسح ميداني حول الموقف من الخطر (الخطر الطبيعي، الخطر في المسكن وفي موقع العمل)، والوسائل التي يلجأ لها الناس للتدبر ضد آثار الخطر، ومكانة التأمين ضمن هذه الوسائل … الخ.

 

ونجده أيضاً بالحضور الضعيف أو الغائب عند وقوع حوادث كبيرة، قد تكون لها تداعيات تأمينية، كاحتلال داعش للموصل، وحادث التفجير الإرهابي في الكرادة، أو حوادث تفجير/انفجار عدد من آبار النفط. كما نجده في الصمت المطبق من قطاع التأمين عند وضع مشاريع لقوانين لها آثار تأمينية على سبيل المثل، مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي. كما أن قطاع التأمين غائب عند إعداد موازنة الحكومة. ثم أن علاقة شركات الـتأمين والجمعية والديوان بوكالات الأنباء والصحف ضعيفة ويباشرها الصحفيون. وأكاد أن أجزم أن شركات التأمين والجمعية والديوان ليس له موظف مختص لإصدار البيانات الصحفية عن شؤون عامة ذات علاقة بالتأمين، أو إطلاق منتج تأميني، أو تنظيم فعالية معينة. بعبارة أخرى، فإنها تفتقر إلى التواصل مع الجمهور، ومع الشركات الصناعية والتجارية، والدوائر الحكومية وغير الحكومية.

 

وباختصار، فإن التأمين يكاد أن يكون غائباً في الحياة العامة إلا من خلال شراء نسبة صغيرة من السكان لوثائق التأمين، وهو موضوع يستحق من يبحث فيه. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الوعي بمؤسسات أخرى للدولة الحديثة لا تقتصر على التأمين بل تشمل أيضاً، على سبيل المثل، ما يمكن تسميته بضعف/غياب الوعي الضريبي.”

 

النضج المالي/النضج التأميني

يرتبط الوعي المصرفي/الوعي التأميني بأطروحة أخرى للكاتب ربط فيها “سرعة التداول الداخلية للنقود في البلدان العربية” بما اسماه “درجة النضج المالي Financial Deepening لهذه الأقطار.” يقول المؤلف في ص 141 نقلاً عن د. عبد المنعم السيد علي (دور الجهاز المصرفي والبنك المركزي في تنمية الأسواق المالية في البلدان العربية، دراسات استراتيجية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 16، أبو ظبي، 1988، ص 29-30)، “إن النضج المالي لاقتصاد ما يكمن [يمكن] قياسه من خلال المؤشرات التالية:

 

  1. أن يتوافر جهاز مصرفي واسع ذو موجودات لا تقل عن عشر الثروة القومية.
  2. أن ينجز قسم كبير من الأعمال عن طريقة مشروعات أو شركات مساهمة، مع فوائد عالية على السندات من الصنف الممتاز.
  3. ألا يقل متوسط الادخار غير الموزعة مصدراً أساسياً لتمويل التوسع في المشروعات.
  4. أن تشكل الأرباح غير الموزعة مصدراً أساسياً لتمويل التوسع في المشروعات.”

 

يمكن الاستفادة من هذه المؤشرات تأمينياً لتقييم النضج المالي للاقتصاد الوطني من خلال دراسة: توفر نظام تأميني واسع بأشكال مختلفة (عامة، خاصة، تعاونية، تبادلية/تكافلية)، يقوم بالتأمين على الأصول القائمة بأنواعها والمشاريع المختلفة تحت الإنشاء والمسؤوليات القانونية والتعاقدية، ويساهم في الاستثمارات، ضمن القواعد الرقابية المكيفة لعمل شركات التأمين، ويخلق المنتجات التي تساهم في تعظيم الادخار الفردي.

 

إضافة لمثل هذا الدراسة يمكن تقييم النضج المالي، وتحديداً مساهمة التأمين فيه، من خلال مؤشرين أساسين هما التغلغل التأميني والكثافة التأمينية بالاستفادة من البيانات الخاصة بعدد السكان والناتج المحلي الإجمالي وأقساط التأمين المكتتبة. لقياس التغلغل التأميني يُنسب دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر يكشف مكانة التأمين في الاقتصاد الوطني فإذا ارتفعت هذه النسبة كان ذلك دليلاً على تزايد سرعة نمو قطاع التأمين مقارنة مع سرعة نمو الاقتصاد الوطني. أما الكثافة التأمينية فهي تؤشر على ما ينفقه الفرد على شراء الحماية التأمينية ويُمثّل ذلك بنسبة إجمالي أقساط التأمين المتحققة إلى عدد السكان.

 

 

 

 

[7]   من باب الختام – دراسة التأمين ضمن عناصر النظام المالي في العراق

 

من المعروف أن النظام المالي، وخاصة في الاقتصادات المتطورة، يضم عناصر عديدة: مؤسسات مالية (مصارف ومؤسسات مالية غير مصرفية)، أسواق المال (الأسواق التي يتم فيها تداول الأوراق المالية والسلع والأصناف القابلة للاستهلاك)، الأدوات المالية (موجودات مالية قابلة للتداول بما فيها المشتقات)، الخدمات المالية (الاتحادات الائتمانية، والبنوك، وشركات بطاقات الائتمان، وشركات التأمين، وساطة الأوراق المالية، وصناديق الاستثمار)، والهياكل المالية التحتية (الأنظمة التي تسهل حركة تسديد الالتزامات الآلي أو عبر المصارف والتحويل والمقاصة). والمعروف أيضاً أن شركات التأمين تحتل مكاناً ضمن المؤسسات المالية الوسيطة غير المصرفية، مثلما تصنف ضمن الشركات التي تتعاطى بالنقود وإدارتها. وقد تعرضنا إلى موضوع التداخل بين العمل المصرفي والتأميني.

 

النظام المالي في العراق ليس متطوراً ولا يتميز بالتعقيد في الوقت الحاضر، ونتمنى أن يقوم أحد الباحثين بدراسة مكانة التأمين ضمن هذا النظام ليكشف طبيعة ما هو قائم والدور المتوقع للتأمين ضمن هذا النظام وبخاصة في مجال التداخل والتقارب بين المصارف وشركات التأمين.

 

ومن المفيد التذكير هنا بأن القطاع المصرفي بحاجة إلى الحماية التأمينية من خلال الوثيقة المصرفية الشاملة Bankers Blanket Bond وتأمين الأخطار السِيبرانية Cyber Risks الآخذة بالنفاذ في التعاملات المالية تاركة وراءها خسائر مختلفة مادية ومعنوية على المصارف وعلى مصالح العملاء. وهذا موضوع يستحق هو الآخر بحثاً مناسباً.

 

9 أيار 2017

[1] لهب عطا عبد الوهاب، سرعة تداول النفود بين النظرية الاقتصادية والتطبيق العملي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999).

[2] فيما يخص النظرة المستقبلية السلبية أنظر:

https://www.moodys.com/research/Moodys-Low-interest-rates-market-volatility-change-global-life-insurance–PR_359018

حيث يرد في توقعات وكالة التصنيف “موديز” فيما يخص مخاطر الائتمان الرئيسية لشركات التأمين على الحياة ما يلي:

“historically low interest rates will remain the primary credit risk for global life insurance companies in 2017, continuing to depress the sector’s investment returns and profitability, and being the main driver for the outlook change to negative …”

أنظر أيضاً:

https://www.theguardian.com/business/2016/oct/05/low-interest-rates-pose-solvency-risk-to-insurers-and-pension-funds

 

[3] باتريك م. ليدتكي، كي-أووي شانز، التخطيط للتقاعد: التحديات والحلول التأمينية (بيروت: منتدى المعارف، 2015). ترجمة: تيسير التريكي ومصباح كمال.

 

[4] القيود الرقابية المفروضة على شركات التأمين تستوجب احتفاظها بسيولة نقدية مناسبة لمواجهة طلبات التعويض إذ أن تسييل الأصول العينية يستغرق وقتاً في حين أن المطالبات بالتعويض تستدعي التسوية الآنية والسريعة.

 

[5] مصباح كمال، “التأمين وعقوبات الأمم المتحدة”، فصل في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 82.

 

[6] في موازاة ذلك فإن عقود تأمين الحياة هي الأخرى تعرضت لهبوط حاد في أقيامها، وبالتالي فإن المؤمن عليهم هم الخاسرون الحقيقيون. ولا تتوفر لدينا معلومات عن قيام شركات التأمين بإعادة تقييم مبالغ التأمين، وعدد الوفيات وما ترتب عليها من تعويضات للورثة المستحقين أو المستفيدين من عقود التأمين على الحياة.

 

[7] بدأ تطبيق نظام جباية ضريبة على وثائق التأمين في المملكة المتحدة عام 1994 بواقع 2.5% واعتباراً من 1 حزيران/يونيو 2017 ستكون الضريبة 12% وتضاف إلى قسط التأمين.

[8] سعدون مشكل الربيعي، شركات التأمين الخاصة وقطاع التأمين العراقي (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 46. نشر ككتاب إلكتروني وهو متوفر بصيغة بي دي إف لدى كاتب الورقة لمن يرغب الحصول على نسخة منه.

[9] Securitization – new opportunities for insurers and investors, Swiss Re: sigma, No. 7/2006.

[10] Alternative Risk Financing: Changing the Face of Insurance (London: Jim Bannister Development Limited in association with Aon Group and Zurich International, 1998),

[11] لهب عطا عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 126.

[12] بسبب طبيعة العمل الذي تقوم به شركة التأمين ـ الالتزام بالوفاء بما تعاقدت عليه مع المؤمن له لتوفير الأمان المالي له أو لورثته في المستقبل عند وقوع حادث معين تصبح الملاءة المالية للشركة مسألة في غاية الأهمية. ولذلك يلجأ المُشرّع إلى تعريفها بصرامة قد لا تنطبق على الشركات التجارية الأخرى. ولهذا لن يكتفي التشريع أن تكون أصول الشركة كافية لتغطية المسؤوليات المتعاقد عليها بل يجب أن تزيد بهامش معين، وحسب معادلات معينة عن الأقساط والتعويضات، وخلافاً لذلك فإن شركة التأمين تُجبر على تصفية أعمالها وتتوقف عن الاكتتاب بأعمال جديدة. أنظر:

Jim Bannister, Insurance Solvency Analysis (London: LLP Ltd, 1997)

 

[13] مصباح كمال، التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 26-28.

 

[14] نجد أشكال أولية لنشاطات اجتماعية ذات طابع تعاوني تضم بعض عناصر التأمين، كالبر بالوالدين، و”العونه” وقت الأضرار التي تحدثها عوامل الطبيعة، وما يعرف ب”ﮔعقدة العرب”.

 

اقتصاد الظل هو اقتصاد خفي غير رسمي وغير معلن يضم الأنشطة غير المدرجة في الحسابات القومية أو غير الخاضعة للرقابة والمتهربة من الضرائب، وهي بهذه الصفة أنشطة غير مشروعة.

[15] مصباح كمال، “مقابلة حول النشاط التأميني في العراق،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/01/Interview-Al-Sabah-with-Misbah-Kamal-final.pdf

Presumed Risk & Insurance

الخطر الظني والتأمين

 

موفق رضا

 

نشرت هذه الدراسة في مجلة البيان الاقتصادية، بيروت، 2012، تحت عنوان “الخطر الظني – التأمين على شرط الأنباء السارة أو السيئة”

 

الظنُ لغةً هو ” الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض “[1] ، وتأسيساً على ذلك فإن ” ألخطر الظني ” في التأمين هو الخطر الذي ” يُعتقد بشكل راجح ” بأنه لازال قائماً وغير متحقق عند إجراء التأمين، إلا أن هنالك احتمال بأن يكون الخطر قد زال أو تحقق عند إجراء التأمين.

 

وكما هو معلوم فإن الشروط الواجب توفرها في الخطر لكي يكون محلاً لعقد تأمين نافذ هي:

 

1-  أن يكون غير محقق الوقوع

2-  أن يكون غير متعلق بمحض إرادة أحد طرفي العقد

3-  أن يكون مشروعاً، أي غير مخالف للنظام العام والآداب

فإذا تخلف أي من الشروط الواردة أعلاه فأن عقد التأمين يكون باطلاً.

 

وعليه فإن ” احتمالية “ تحقق الخطر ركناً مهماً من أركان عقد التأمين تؤثر على العقد وجوداً وعدماً.  فالخطر ينبغي أن يكون غير محقق الوقوع، وهذا يعني أن الخطر المؤمن منه قد يقع أو لا يقع، وإذا كان وقوعه حتمياً، كالوفاة في التأمين على الحياة، فإن وقت وقوعه غير معروف، فالخطر محقق إلا أنه مضاف الى أجل غير محقق.

 

تعالج الأحكام المتعلقة بعقد التأمين عادة في القوانين المدنية، ولغرض معرفة كيفية معالجة تلك القوانين للخطر الظني نورد أدناه نصين، الأول ورد في القانون المدني العراقي والثاني ورد في القانون المدني البحريني.

 

الفقرة (2) من المادة (984) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 تنص على الآتي:

 

“ويقع عقد التأمين باطلاً، إذا تبين أن الخطر المؤمن ضده كان قد زال، أو كان قد تحقق في الوقت الذي تم فيه العقد، وكان أحد الطرفين على الأقل عالماً بذلك.”

 

أما المادة (691) من القانون المدني البحريني رقم (19) لسنة 2001 فتنص على الآتي:

 

“يقع التأمين باطلاً إذا تبين أن الخطر المؤمن منه كان قد زال أو كان قد تحقق قبل إتمام العقد.”

 

ويظهر جلياً أن النصين أعلاه يختلفان من حيث أن القانون المدني البحريني قد جعل عقد التأمين باطلاً وبشكل مطلق إذا ما زال أو تحقق الخطر قبل إتمام العقد، حتى لو كان أحد الطرفين أو كلاهما ” يظن “ بأن الخطر لازال قائماً وغير متحقق.  وهذا هو منحى الغالبية العظمى للقوانين المدنية العربية، ومنها القانون المدني المصري والكويتي وتقنين الموجبات والعقود اللبناني.  في حين أخذ القانون المدني العراقي بجواز التأمين من “الخطر الظني ” إذ أعتبر عقد التأمين نافذاً حتى في حالة زوال الخطر أو تحققه قبل إبرام عقد التأمين، ولكن بشرط عدم معرفة أحد طرفي العقد بذلك الزوال أو التحقق، فما هو سبب هذا التباين؟

 

في الواقع ان القوانين المنظمة لعقد التأمين في الدول العربية تجمعها قواسم مشتركة عديدة، وعلى الأخص في أمر مهم كالتأمين من “الخطر الظني “.  فالدول التي اعتبرت قوانينها المدنية عقد التأمين باطلاً إذا كان الخطر قد زال أو تحقق قبل إبرام العقد، عادت وسمحت في قوانينها المنظمة للتجارة البحرية بالتأمين من ” الخطر الظني “.  فالفقرة الأولى من المادة (254) من القانون البحري في البحرين أجازت هذا التأمين في التجارة البحرية بنصها على أنه يقع باطلاً عقد التأمين الذي يبرم بعد هلاك الأشياء المؤمن عليها أو بعد وصولها إذا ثبت أن نبأ الهلاك أو الوصول قد بلغ المكان الذي يوجد فيه المؤمن له قبل إصداره أمره بإجراء التأمين أو الى مكان توقيع العقد قبل أن يوقعه المؤمن.  كما تنص الفقرة الثانية من المادة (254) على أنه ” إذا كان التأمين معقوداً على شرط الأنباء السارة أو السيئة فلا يبطل إلا إذا ثبت أن المؤمن له كان يعلم علماً شخصياً بهلاك الشيء المؤمن عليه أو كان المؤمن يعلم بوصول الشيء “.  ونَحى هذا المنحى تقنين التأمين البحري المصري في المادة (207) منه والقانون البحري الكويتي.

 

والسبب في جواز التأمين من ” الخطر الظني ” في التجارة البحرية فقط يعود الى طبيعة التجارة البحرية، فمالك السفينة الناقلة ومجهز البضاعة ومشتريها والمصارف الممولة، بموجب عقد من عقود البيع الدولية، يتعذر عليهم المعرفة التامة، عند إبرام عقد التأمين، بوضع السفينة والبضاعة المنقولة عليها، وهي تتحرك في مياه دولية واقليمية لعدد من الدول ولفترات طويلة لحين وصولها الى وجهتها النهائية، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي حصل في تقنية الاتصالات.  فمن الجائز، عند إجراء التأمين، أن يكون طرفا العلاقة أو أحدهما أحدهما غير عالم بوصول السفينة والبضاعة سالمة، أو بتضرر البضاعة، قبل إبرام عقد التأمين.  فإذا أجري التأمين لحماية مصالح أطراف العلاقة التجارية، دون العلم بأن الخطر قد زال أو قد تحقق، فإن المنطق والعدالة تقتضيان جواز هذا التأمين ونفاذه.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما حكم النقل البري بعد التطور الكبير الذي شهده، إذ تغير من نقل داخلي، أو بين دول مجاورة، الى نقل دولي عابر للقارات يستغرق وقت طويلاً ويخضع للاختصاص القانوني لدول مختلفة ضمن عملية النقل الواحدة، وبذلك اقترب من خصوصيات النقل البحري، فهل يمكن إجراء التأمين ضد ” الخطر الظني ” في النقل البري؟

 

أننا نرى أن هذا التساؤل وارد جداً، فعلى الرغم من التطور الهائل في نظم الاتصالات الحديثة والتي تمكن أصحاب العلاقة من معرفة وضع واسطة النقل البري والبضاعة المنقولة عليها في أي وقت وبشكل يسير، إلا أن طبيعة التجارة الدولية وسرعة إبرام عقود البيع الدولية واشتراك العديد من الجهات، كالمجهزين والمستوردين والمصارف والناقلين ووكلاء النقل والشحن والتفريغ، قد يجعل عدم المعرفة القاطعة بزوال الخطر أو تحققه قبل ابرام عقد التأمين أمراً راجحاً مع احتمال النقيض.  إلا أن الدول التي جعلت قوانينها المدنية التأمين من ” الخطر الظني ” باطلاً وأجازته في قوانينها المنظمة للتجارة البحرية فقط، لا يمكن فيها التأمين من ” الخطر الظني ” في النقل البري.  لذلك نرى أنه لابد من حماية حقوق أصحاب العلاقة في التجارة البرية الدولية ودراسة السبل، وفي كل بلد ووفقاً لقوانينه النافذة المفعول، لإجازة التأمين ضد ” الخطر الظني ” في النقل البري، سواء كان ذلك بإيراد نصوص في عقود التأمين، إذا كانت الأحكام القانونية النافذة تجيز الاتفاق على ما يخالفها، أو بتعديل تلك النصوص إن لم تُجزْ الاتفاق على ما يخالفها.

 

وبقدر تعلق الأمر بالقانون المدني العراقي المشار اليه آنفاً، فأن النقل البحري والبري مشمولان بجواز التأمين من ” الخطر الظني ” ‘ أذ أن النص جاء مطلقاً، وورد في القانون المدني وليس في القانون البحري.  إلا أن الذي يُعاب عليه النص الوارد في القانون المدني العراقي هو عموميته المطلقة التي جعلت منه شاملاً لكافة أنواع التأمين، كالتأمين من الحريق والحوادث، وهو توسيعٌ غير مبرر، كما نعتقد، ويفسح المجال لسوء الاستعمال والحصول على تعويضات بدون وجه حق.

 

موفق رضا

الرئيس التنفيذي

شركة المدى للاستشارات التأمينية

المنامه – البحرين

 


[1] عندما سألت الأستاذ موفق رضا عن الترجمة الإنجليزية للخطر الظني أفاد بأن القوانين المدنية العربية تعتمد على القانون المدني الفرنسي [Napoleonic Code] ويعرف هذا الخطر بالفرنسية باسم risque putatiff ويقابلها بالإنجليزية presumed risk. [مصباح كمال].