Tag Archives: Iraqi Insurance Personalities

Covering Fund-investigating the origins of the concept

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

رصيد التغطية في التأمين ما بين بهاء بهيج شكري وبديع أحمد السيفي

مصباح كمال

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/11/Misbah-Kamal-Funding-Cover-IEN-final.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/11/29/%d8%b1%d8%b5%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%87%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d9%87%d9%8a/

رصيد التغطية Covering Fund

يشير هذا المصطلح إلى المبالغ المخصصة في المحفظة التأمينية لمواجهة طلبات التعويض وتتكون من صافي أقساط التأمين غير المكتسبة وناتج الاستثمار مع الاحتياطي الاختياري المرصود لتلك المحفظة.[1]

بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، 2016

1-     رصيد التغطية في فكر بهاء بهيج شكري

1-1      رصيد التغطية في رسالة لبهاء بهيج شكري

أثار بهاء بهيج شكري في رسالة له إلى مصباح كمال بتاريخ 15 تشرين الثاني 2015 مسألة الأمانة الفكرية ارتباطًا باستخدامه لمصطلح رصيد التغطية لأول مرة في تاريخ الكتابات التأمينية العربية والأجنبية في سياق تقييمه لبديع السيفي كرجل تأمين وكاتب في قضايا التأمين.  فبعد استعراضه لظروف تأليف بديع السيفي لكتابه التأمين علمًا وعملًا (بغداد، الطبعة الأولى 1972) وكيف تمكّن السيفي من تأليف الكتاب وأنه لا يريد التعليق على هذا الأمر، كتب شكري الآتي:

غير أن ذلك لا يمنعني من التطرق إلى واقعة أزعجتني كثيرا، كي ألقي الضوء على طريقة السيد بديع في تأليف كتابه المذكور.  فقد كنت أول من وضع مصطلح (رصيد التغطية) Covering Fund من بين الخبراء الأجانب والعرب.  وشرحت عناصره ووظيفته في تحقيق توازن المحفظة التأمينية.  فنقل السيد بديع ما كتبته حول ذلك بالنص من كتابي “النظرية العامة في التأمين” دون أن يشير إلى المصدر.  وحيث أن كتاب النظرية العامة قد نفذت طبعته الأول بعد شهر من تاريخ صدوره ولم أعيد طبعه، فإن بعض الكتاب العرب نقلوا فكرة رصيد التغطية عن كتاب السيد بديع وأشاروا إلى أن مصدرها كتاب “التأمين علمًا وعملًا“.  كما أن شرح بعض المصطلحات التي وردت في قاموس تيسير التريكي نقلا عن كتاب السيد بديع كان بديع قد نقلها نصا من كتاب النظرية العامة للتأمين دون إشارة إلى المصدر.

يقول شكري في رسالته:

كنت أول من وضع مصطلح (رصيد التغطية) Covering Fund من بين الخبراء الأجانب والعرب.  وشرحت عناصره ووظيفته في تحقيق توازن المحفظة التأمينية.

ليس بإمكاننا التحقق من صحة هذا القول نظرًا لأن كتب التأمين العربية المتوفرة لدينا، وهي قليلة، لا يرد فيها ذكر لرصيد التغطية، لكننا نثق به لأن شكري، ومن خلال معرفتنا بكتاباته، لا يلقي الكلام على عواهنه.  ولمقاربة الموضوع استعنّا بالشبكة العنكبوتية للتعرف على حضور مصطلح “رصيد التغطية” وزرنا عددًا من الصفحات للبحث عنه لكننا لم نعثر عليه باستثناء إشارة تقترب قليلًا من المصطلح في موقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تونس.  وقد وردت كما يلي:

كم يساوي مبلغ التعويض؟

يساوي مبلغ التعويض، مجموع الاشتراكات الأجرية المستحقة، بعد تحيينها حسب معدل نسبة الفوائد الصافية لرصيد التأمين المتعلق بالتعويضات الطويلة الأمد.[2]

في كتاب مترجم ورد ما يقترب قليلًا من مصطلح رصيد التغطية ولكن دون تسميته:

ويتوقف نجاح عملية التأمين على اختيار قدر كاف من الأخطار المتشابهة للتأمين عليها مما يسمح بالحصول على خبرة بشأن متوسط الخسائر، ومن ثم يمكن قياس درجة احتمال وقوع الخطر وتقدير المال المطلوب به في ذلك الصندوق الخاص Common Fund or Pool لمقابلة الخسائر التي تنجم عن وقوع هذا الخطر.[3]

راجعنا بعض الكتب التأمينية باللغة الإنجليزية إلا اننا لم نعثر على مصطلح رصيد التغطية Covering Fund الذي أورده بهاء بهيج شكري وأعلن أنه هو أول من وضع هذا المصطلح.  لكننا لا نعدم أن نجد مفردة الرصيد/الصندوق Fund في معاجم التأمين الإنجليزية.  فعلى سبيل المثل: نقرأ التالي في أحد المعاجم:

صندوق

مخصص أو احتياطي.  إن لكل فئة من أعمال التأمين صندوق يعتمد على رصيد الأقساط ناقصًا المطالبات والمصروفات بعد الأخذ في الاعتبار أي تحويل إلى أو من حساب الربح والخسارة.  في التأمين على الحياة، غالبًا ما يعني ذلك مجمع من الأصول يُدار بشكل منفصل لأغراض إدارة الأصول والخصوم.  قد يتم فصل الصناديق قانونًا أو تعاقديًا مما قد يحدُّ من حرية الشركة في تحويل الأصول بين الصناديق.[4]

ونقرأ في أحد المواقع المتخصصة وتحت عنوان Funding Cover ما يلي:

يمكن استخدام أغطية التمويل funding covers لتوليد دخل استثماري.  فعندما تكتتب شركة التأمين بوثيقة تأمين جديدة، فإنها توافق على تعويض حامل الوثيقة عن الخسائر المغطاة بهذه الوثيقة.  وفي مقابل تحمل الشركة لهذا الخطر، يدفع المؤمن له قسطًا لشركة التأمين.  تستخدم حصيلة الأقساط لدفع المطالبات، وكذلك لتوليد دخل استثماري.  ويتعين على شركات التأمين الموازنة بين الآليات التي تستخدمها لإدارة تمويل المطالبات المستقبلية ورغبتها في توليد الأرباح من خلال استثمار الأقساط.[5]

إذا اعتبرنا رصيد التغطية، تجاوزًا،[6] معادلًا لمصطلح الاحتياطيات Reserves الشائع الاستعمال في الكتابات التأمينية فإن ذلك قد يفسر غياب رصيد التغطية Covering Fund في الكتابات الإنجليزية عن التأمين.  إذا كان هذا التفسير صحيحًا فإن ما قام به شكري هو إضفاء لمسة مكثفة على مفهوم الاحتياطيات، ودور إعادة التأمين في تصحيح الانحراف في التوقعات الإحصائية للأضرار لشركة التأمين، المعروف في أدبيات التأمين العربية والأجنبية.[7]  ولنا أن نضيف إلى ذلك أن ما قام به شكري هو التنظير الأولي، في مرحلة مبكرة، لإشكالية تعامل شركات التأمين مع التزاماتها التعاقدية والأسس الفنية التي تقوم عليها.  وجعل من رصيد التأمين عنوانًا ينتظم العمل التأميني ويضمن مطابقة الأصول مع الخصوم.  وقد استفاد السيفي منه مباشرة، ولكن دون الاعتراف بالدين الفكري لشكري، للتوسع في عرض العناصر الداخلة في إدارة رصيد التغطية.

للفائدة نعرض هنا بسرعة بعض الاحتياطيات فهي من الأدوات التي تستخدمها شركة التأمين في دعم رصيد التغطية.

الاحتياطيات الفنية (Technical Reserves)

تنفرد شركات التأمين وشركات إعادة التأمين باحتجاز مثل هذه الاحتياطيات التي تعتبر في حقيقتها مخصصات تقابلها التزامات ترتبت على شركة التأمين تجاه حملة الوثائق وعلى شركات إعادة التأمين تجاه شركات التأمين المسندة (Ceding Companies) وتعتبر حسابياً من حقوق حملة الوثائق في حسابات شركات التأمين ومن حقوق المُسندين في حسابات إعادة التأمين.  وهي على نوعين:

  1. (Unearned Premiums Reserve تخصص لمواجهة المسؤوليات التي تتحقق خلال فترات وثائق التأمين الممتدة خلال السنة التالية لسنة اصدارها.

2-       احتياطي التعويضات الموقوفة (Outstanding Claims Reserve).  وهذا الاحتياطي هو واحد من الاحتياطيات الفنية التي يجب ان تتضمنها الحسابات الختامية لشركات التأمين وإعادة التأمين وهو مخصص لإيفاء الشركة بالتزاماتها المترتبة على تعويضات تحققت وبُلّغَ عنها ولكنها لم تسدد خلال السنة أو السنوات المالية التي تحققت فيها وتدعى Reported But Not Settled (RBNS) ويتم احتساب هذا الاحتياطي بكامل المبالغ التقديرية للأضرار المتحققة.

وهناك نوع آخر من هذا الاحتياطي عن حوادث وقعت خلال السنة المالية ولكن لم يُبلَّغ عنها وتحتسب وفق التجارب والخبرات السابقة، ويدعى احتياطي حوادث وقعت ولم يبلغ عنها Incurred But Not Reported (IBNR)

مع العرض بأن الاحتياطيات الفنية أعلاه بنوعيها الزامية على شركات التأمين وإعادة التأمين.  ويتعين عليها الالتزام بها وبالتفاصيل المنصوص عليها في القانون المعني وإن لم تُعتمد بشكلها الصحيح في الحسابات الختامية يُعرّض الشركة الى المساءلة القانونية.  وهناك احتياطيات أخرى من بينها احتياطي الكوارث Catastrophe reserve.

1-2     رصيد التغطية في كتاب بهاء بهيج شكري: النظرية العامة في التأمين

لقد كتب بهاء بهيج شكري عن رصيد التغطية في المبحث الثاني (توزيع عبء الأخطار) من الفصل الثالث من كتابه النظرية العامة في التأمين كما يلي:

ويقصد برصيد التغطية مجموع المبالغ التي تحصل عليها هيئات التأمين كأقساط تأمين من المؤمن لهم وتكرسها لتغطية الأخطار التي يتحملها البعض منهم نتيجة لتحقق الخطر المؤمن منه.  ويلعب رصيد التغطية الدور الرئيسي في عملية توزيع أعباء الخطر إذ يتوقف نجاح هذه العملية على كفاءة الرصيد وطريقة تكوينه، فكلما كان رصيد التغطية متوازنا ومتعادلا مع حصيلة الأضرار بحيث يمكن لهيئة التأمين تغطيتها منه دون أن تضطر إلى اللجوء إلى رأس مالها وموجوداتها الخاصة كلما كان ذلك دليلا على نجاح عملية التوزيع.

إن هيئة التأمين باعتبارها وسيطا بين المؤمن لهم المتعاونين، ينبغي عليها أن تبني تقديراتها على أسس دقيقة لتتجنب التورط بتحمل تبعة الأخطار على عاتقها وعليها أن تبذل ما لديها من طاقات فنية لتحقق التوازن المطلوب بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار.  ويتوقف تحقيق هذا التوازن بوجه عام على عوامل ثلاث هي (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.[8]

هذه الفقرة تلخص الآلية التي تقوم عليها مؤسسة التأمين: إن المبالغ التي تحصل عليها هيئات التأمين كأقساط تأمين من المؤمن لهم تكرّسها لتغطية كلفة الأخطار (الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبعض منهم) باستخدام الطاقات الفنية المتوفرة لها (سلامة سياسة تسعير الأخطار والاكتتاب، وحماية إعادة التأمين لموازنة المحفظة التأمينية).

إذا أضفنا إلى ذلك أن مؤسسة التأمين الحديثة والمعايير والأدوات التي تعتمدها، وبعضها اكتوارية، للقبول بتأمين أخطار دون غيرها قابلة للتأمين تقوم على استخدام جملة اعتبارات متداخلة لضمان عدم تعريضها للإعسار أو الانهيار المالي، فإننا بذلك نقترب من رصيد التغطية حسب مفهوم شكري لها.  ومن بين ما تضمه هذه الاعتبارات:

وقد أوردنا هذه المعايير في ترجمة بحث تاريخي حول تأمين الأخطار[9] وقد نقلنا بعضها من كتاب باللغة الإنجليزية.[10]

إن تسعير الخطر التأميني صار يعتمد على استخدام البيانات الضخمة في صنع النماذج/الموديلات models لأغراض الاكتتاب ورسم سيناريوهات المستقبل إضافة إلى التحليل الاكتواري والاعتماد على دليل التسعير الجاهز (التعريفة) بالنسبة للأخطار النمطية، وكل ذلك مقترنًا بخبرة مكتتب التأمين وتوفر حماية إعادة التأمين والموارد المالية لدى شركة التأمين.

تقوم آلية التأمين التجاري على تحصيل أقساط التأمين من المؤمن لهم لقاء سلعة غير منظورة (وَعدٌ مُثبت في وثيقة التأمين) لا تُسلّم آنيًا لهم بل في وقت ما في المستقبل لمن يتعرض منهم لخسارة.  وبسبب هذا الترتيب نشأت الحاجة القانونية إلى إقرار شركات التأمين بتخصيص مبالغ مناسبة مقابل الالتزامات الائتمانية fiduciary لشركات التأمين (كونها مؤتمنة على أموال/أقساط التأمين المحصلة من جمهور المؤمن لهم).  وتسجل هذه الالتزامات كمطلوبات في بياناتها المالية.

نستنتج من هذا أن شركات التأمين لا تستطيع تسجيل الأقساط كدخل متحقق لها إلا مع انقضاء الوقت الذي يتم خلاله توفير حماية التأمين، وعندها تصبح الأقساط مكتسبة earned.  ولهذا يُلزم المُشرّع شركات التأمين تنظيم حساب تحت عنوان احتياطي أقساط التأمين غير المكتسبة unearned premium reserve، وهو الاحتياطي الذي يستفاد منه لتسديد المطالبات في المستقبل.  وهناك احتياطيات أخرى كاحتياطي الأخطار السارية، واحتياطي الخسائر المتحققة غير المُبلّغة لشركة التأمين (التأخر في الإبلاغ)، واحتياطي التعويضات الموقوفة، كما ذكرنا سابقًا.  إن مبدأ الاستحقاق accrual principle الذي تستخدمه شركات التأمين في إعداد الحسابات الختامية، يقضي أن أقساط التأمين المكتتبة خلال السنة لا ينظر إليها باعتبارها إيرادًا مكتسبًا.

إن معرفتي المحاسبية محدودة لا تسمح لي بالتعليق على استخدام المصطلحات المحاسبية.  ما أستطيع قوله هو أن مصطلحي “الاحتياطي” و “المسؤولية” في محاسبة التأمين والاصطلاح التأميني مترادفتان.  وقل مثل ذلك بالنسبة لـ “المخصصات الفنية” و “الاحتياطيات الفنية” كما يرد في المادة 1 من تعليمات ديوان التأمين رقم (2) لسنة 2006، تعليمات أسس احتساب المخصصات الفنية، أي أن “المخصصات” و “الاحتياطيات” مترادفتان.[11]

مكونات رصيد التغطية

في الصفحات 71-78، توسع شكري في شرح مكونات رصيد التغطية لتحقيق التوازن بين هذا الرصيد وحصيلة الخسائر والأضرار، وهي:

قسط التأمين (الذي يخضع لثلاث اعتبارات هي الخطر ويفرد له مثالين، ومبلغ التأمين، وفترة التأمين)،

انتقاء الأخطار (الذي يقتضي من شركة التأمين انتقاء تلك الأخطار التي تتميز بتجانسها وكثرتها)،

الانحرافات (بمعنى “تجاوز الأخطار المتحققة فعلا الحدود التي أمكن التوصل لها عن طريق العمليات الإحصائية بأن تكون أكثر عددا وحدة مما توقعته هيئة التأميم.”  وهو ما “يؤدي إلى الإخلال بالتوازن بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار.  وتتوقف درجة شدة الانحرافات على عاملين، هما عامل الكثرة وعامل القيمة.  فكلما كانت المخاطر المتجمعة كثيرة وكلما كان التفاوت بين قيمة هذه المخاطر ضئيلا كلما خفت شدة الانحرافات.”[12]

وقد نقل السيفي هذه المكونات دون الإشارة إلى مصدرها.

1-3     موقف بهاء بهيج شكري من معجم مصطلحات التأمين لتيسير تريكي

قائمة مراجع معجم تيسير التريكي تضم كتاب السيفي التأمين علمًا وعملًا إلا أن المعجم لا يضم مدخلًا عن رصيد التغطية Covering Fund أو Funding Cover ولكن يرد مدخل Fund بمعنى “مخصص، رصيد، صندوق: مبلغ من النقود مخصص لغرض معين.”  ويرد أيضًا مدخل Funding بمعنى “تخصيص: تخصيص جزء من أصول الشركة لغرض الإيفاء بالتزامات معينة.”[13]

يعني هذا أن معجم التريكي لم ينقل من كتاب السيفي حرفيًا أو ضمنيًا.

2-     رصيد التغطية عند بديع أحمد السيفي

2-1     مقاربة لرصيد التغطية من منطلق القانون المدني العراقي في كتاب بديع أحمد السيفي التأمين علمًا وعملًا

بعد عرضه للمادتين 988 و 989 من القانون المدني (وجوب تسديد التعويض بمقتضى عقد التأمين)، والمادة 986 (التزام المؤمن له بدفع قسط التأمين)، يستنتج بديع السيفي في كتابه التأمين علمًا وعملًا:

ان أساس رصيد التعويض اذن هو أقساط التأمين أولًا وأخيرًا، ولولا رصيد التغطية وفي الحقيقة لولا أقساط التأمين لما استطاع المؤمنون تأدية التعويضات إلى مستحقيها من المتعرضين للأضرار بسبب وقوع الأخطار المؤمن ضدها …

وإن لرصيد التغطية دوره الهام في عملية توزيع أعباء الخطر وحيث يتوقف نجاح هذه العملية على وجود التوازن بين هذا الرصيد وحصيلة الأضرار بحيث لا تلجأ الى مد يدها الى رأسمالها أو موجوداتها الخاصة …

إن وجود التوازن وتحقيقه بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار يتوقف على ثلاثة أركان (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.[14]

في الصفحات 35-37 من الكتاب يقدم السيفي شرحًا للعناصر الثلاثة جريًا وراء العرض المُكثف والمُتقن الذي قدمه شكري.

2-2     رصيد التغطية في كتاب بديع أحمد السيفي: الوسيع في التأمين وإعادة التأمين

كرس بديع السيفي فصلًا لموضوع رصيد التغطية في كتابه الوسيع في التأمين وإعادة التأمين (ص 263-298).  في الفقرة الأولى من هذا الفصل كتب ما يلي:

ويقصد برصيد التغطية حصيلة أقساط التأمين التي تستوفيها شركة التأمين من المؤمن لهم قيمًا لسلعة التأمين لتؤدي منها مبالغ التعويض أو مبالغ التأمين المستحقة عليها بوقوع الخطر المؤمن منه.[15]

وتحت العنوان الثانوي “رصيد التغطية وكيفية تحديد أسعار واقساط التأمين ووضع تعريفات التأمين” في هذا الفصل كتب التالي:

ان تحديد واعتماد أسعار واقساط التأمين ووضع تعريفاته والسياسة السعرية بشكل شامل تشكل اهم جانب في العملية التأمينية والعملية التسويقية ورواج التأمين.

والحق ان شركات التأمين انما هي مؤسسات تجارية خدمية، ينهض عملها أساسا على دور جوهره الوساطة بين المؤمن لهم المستهدفين للخطر والمساهمين جميعًا في تحمل تكلفته بما يدفعون لها من أقساط تأمين يعوض منها من تصيبه الاضرار منهم او يدفع منها لمن يقع له الحادث المشمول بالتغطية عند حصوله او حلول اجل العقد (أي في نهاية مدة التأمين).  فمعروف أن حوادث الحريق مثلًا وخسائرها وكذلك سائر الخسائر الأخرى ومهما كبرت ومهما خطرت فإنها تصيب البعض فقط وبالتأمين يشترك كثيرون من المعرضين لنفس الخطر ويساهمون بتعويض من أصابتهم الخسائر عن خسائرهم، وتلك المساهمة التي يشترك فيها أولئك جميعًا ومن ضمنهم الذين اصابتهم الخسائر تتم بطريقة دفع أقساط التأمين وبوساطة شركات التأمين التي تدير عمليات التأمين.[16]

وكتب تحت العنوان الثانوي “توازن رصيد التغطية مع حصيلة الأضرار والمبالغ المستحقة” الآتي:

ان توازن رصيد التغطية مع حصيلة الأضرار والمبالغ المستحقة يتحقق إذا ما اعتمدت الشركة الأسعار المناسبة وجمعت الأقساط اللازمة الكافية لدفع التعويضات عن الخسائر التي تصيب المؤمن لهم ولدفع مبالغ التأمين المشمولة بالتغطية ولتغطية النفقات الخاصة بعمليات التأمين من عمولات انتاج ومصاريف إدارية عامة وغيرها ولتكوين الاحتياطيات الحسابية Mathematical Reserves والاحتياطيات الفنية Technical Reserves وكذلك الاحتياطيات الكوارثية Catastrophic Reserves …[17]

2-3     بديع أحمد السيفي وفقر الأمانة الفكرية

من قراءتنا لما كتبه السيفي عن رصيد التغطية نستطيع القول إنه استوعب المفهوم المرتبط برصيد التغطية بعد تعرّفه عليه في كتاب النظرية العامة للتأمين لبهاء بهيج شكري الصادر سنة 1960، وعبَّر عنه بطريقته متوسعًا في عرض جوانب مختلفة له.  فهو لم يستخدم لغة شكري:

ويتوقف تحقيق هذا التوازن بوجه عام على عوامل ثلاث هي (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.

إلا مرة واحدة:

إن وجود التوازن وتحقيقه بين رصيد التغطية وحصيلة الأضرار يتوقف على ثلاثة أركان (1) قسط التأمين و (2) انتقاء الأخطار و (3) الانحرافات.

2-4     هل يبرر شيوع الأفكار سلوك السيفي؟

قد نجد تفسيرًا لعدم ذكر السيفي لمصدر المفهوم كونه معروفًا في الأدبيات التأمينية بشكل أو آخر فيما كتبه الاقتصادي الأمريكي ألن إﭺ وُلِيتْ في كتابه النظرية الاقتصادية للخطر والتأمين (1901):

من الضروري أن أشرح هنا قصوري في تقديم الاعتراف في جميع الحالات بفضل الآخرين للأفكار التي سبق نشرها من قبل.  ويعود السبب في هذا القصور في بعض الأحيان إلى حقيقة أن هذه الأفكار قد أصبحت ملكاً مشتركاً أصبح معها من المستحيل إرجاعها لكاتب معين.  وفي حالات أخرى فإن إغفال ذكر الأسماء يجد تفسيره في واقع أنه خلال القراءات الكثيرة عن موضوع التأمين غض النظر عن أهمية العديد من الأفكار في وقت القراءة.  وبعد التعرف على أهميتها وتصبح موضع تقدير لم يعد من الممكن دائما تتبع مصادر هذه الأفكار.[18]

لكن مصطلح رصيد التأمين لم يكن شائعًا عندما كتب السيفي كتابه الأول سنة 1972 وكتابه الثاني سنة 2006، كما حاولنا تبيانه سابقًا.

إن ما يُعيب منهج السيفي في كتابيه التأمين علمًا وعملًا والوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا هو عدم ذكره لمصدر مفهوم رصيد التغطية الذي لم يكن “ملكًا مشتركًا” أي أنه لم يكن في التداول العام، فمراجع الكتابين لا تضم كتاب شكري النظرية العامة للتأمين، وهو ما أشرنا إليه في مكان آخر.[19]  لم يأتِ عدم ذكر كتاب شكري سهوًا إذا أخذنا بعين الاعتبار المراجع الكثيرة التي ضمها كتاب الوسيع، وهو ما يؤكد على اطلاعه الواسع على أدبيات التأمين.  إن إهمال ذكر كتاب شكري يؤشر على فقر في الأمانة الفكرية.  ما الذي يخسره أي كاتب لو كشف عن مصادر أفكاره؟

7 تشرين الثاني 2021


[1] بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين: إنجليزي-عربي (عمان: دار الثقافة، 2016)، الجزء الأول، ص 388.

[2] https://www.cnss.ma/ar/content/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%A9

[3] و. أ. دنسديل، مبادئ التأمين، ترجمة: دكتور أحمد عبد العزيز الانصاري، مراجعة: دكتور يحيى عويس (القاهرة: مؤسسة سجل العرب، 1965)، ص 15

[4] C. Bennet, Dictionary of Insurance (London: FT Prentice Hall, 2nd Ed 2004, first published in 1992), p 138.

[5] https://www.investopedia.com/terms/f/funding-cover.asp

February 07, 2021

[6] ما نحاوله هنا، وربما نكون على خطأ، هو الاقتراب من تفسير لأطروحة بهاء بهيج شكري لريادته في ابتكار مصطلح رصيد التغطية وسبب غياب هذا المصطلح في الأدبيات التأمينية العربية والأجنبية.  نأمل من الزملاء المختصين البحث في الموضوع للوصول إلى رأي صحيح وأكثر صلابة.

[7] راجع على سبيل المثل:

John H. Magee, General Insurance (Chicago: Richard D Irwin, 3rd revised printing 1945.  First published in 1936), p 60-61.

G. W. de Wit, “Sources of Funds and Estimation of Reserves,” Ch 15 in Stephen Diacon, editor, A Guide to Insurance Management, (London: Macmillan, 1990), pp 245-265

[8] بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين (بغداد: مطبعة المعارف، 1960)، ص 70.

[9] جيفري كلارك، “وجهة نظر تاريخية عن التأمينية، “ترجمة: مصباح كمال، مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2010/06/historical-viewpoint-on-insurability.html

[10] Baruch Berliner, Limits of Insurability of Risks (Englewood Cliffs, N.J: Prentice-Hall, 1982).

[11] للمزيد من الشرح راجع: منعم الخفاجي، “الاحتياطيات في حسابات التأمين،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/11/منعم-الخفاجي-الاحتياطيات-في-حسابات-التأمين.pdf

[12] شكري، مصدر سابق، ص 78.

[13] Tayseer H. Treky, A Dictionary of Insurance Terms, English-Arabic: A Dictionary of Insurance Terms, English-Arabic معجم مصطلحات التأمين (London: Witherby & Co, 1985), p 130.

[14] بديع أحمد السيفي، التأمين علمًا وعملًا (بغداد: د. ن.، 1972)، ص 34-35.

[15] بديع أحمد السيفي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا، الجزء الأول، (بغداد: د. ن.، 2006)، ص 263.

[16] السيفي، الوسيع، ص 268.

[17] السيفي، الوسيع، ص 271.

[18] Allan H. Willett, The Economic Theory of Risk and Insurance (Homewood, Illinois: Richard D Irwin, 1951), first published in 1901 by The Columbia University Press, page xi.

[19] في استذكار بديع أحمد السيفي (1926-2018)، إعداد وتحرير مصباح كمال، (مكتبة التأمين العراقي، 2019)، فصل “تمهيد ودعوة لبحث وتقييم نقدي،” ص 39.  فقد كتبنا الآتي: “من باب التقييم الأولي، يكفي أن نشير هنا إلى أن مراجع الوسيع، العربية والأجنبية غير مكتملة، فهي لا تذكر أول كتاب منهجي في مكتبة التأمين العراقية لبهاء بهيج شكري النظرية العامة للتأمين (بغداد: 1960) أو كتاب كاظم الشربتي التأمين: نظرية وتطبيق (بغداد: الطبعة الخامسة 1974)، أو كتاب جمال الحكيم التأمين البحري (القاهرة: 1955) وغيرها من المراجع.”

Baha Baheej Shukri: Insurance of Persons – review

بهاء بهيج شكري: التأمين على الأشخاص

 

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2019/02/بهاء-يهيج-شكري-التأمين-على-الأشخاص.pdf

 

مصباح كمال

 

 

صدر مؤخراً للأستاذ بهاء بهيج شكري كتاب جديد بعنوان التأمين على الأشخاص (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2019).

 

يأتي نشر هذا الكتاب تتويجاً لمجموعة من مؤلفات أساسية للأستاذ المحامي بهاء بهيج شكري، صاحب المعرفة الموسوعية بالفروع المختلفة للتأمين.  فقد صدرت له سابقاً: النظرية العامة للتأمين (1960)، التأمين في التطبيق والقانون (2007)، إعادة التأمين بين النظرية والتطبيق (2008)، التأمين البحري في التشريع والتطبيق (2009)، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (2010)، بحوث في التأمين (2012)، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، 2ج (2016)، غطاء الحماية والتعويض في نظام التأمين (2017).[1]

 

يشكل صدور هذا الكتابة إضافة مهمة لمكتبة التأمين العربي التي قلما تشهد وفراً بنشر الكتب.  ولهذا فهو موضع ترحيب عالٍ.  والأهم من ذلك هو أن الكتاب دراسة شاملة لموضوع التأمين على الأشخاص، كأفراد وجماعات.  هو من نمط الكتب المنهجية المرجعية الذي يجد فيه القارئ والطالب ضالته ليرسم له منهج متابعة الموضوع بعد أن استوعب المفاهيم الأساسية للكتاب.

 

ليس سهلاً تلخيص محتوى هذا الكتاب الضخم (515 صفحة من القطع الكبير) ولعله من المفيد أن نذكر لإشباع فضول القارئ بأنه يتوزع على مقدمة، وثلاثة أجزاء:

 

الجزء الأول: التأمين على الحياة، ص 21-330، وهو الجزء الأكبر من الكتاب، يضم خمسة أقسام هي: التأمين الفردي على الحياة، التأمين المشترك على الحياة، التأمين الجماعي على الحياة، التأمين الصناعي على الحياة، التأمين التكافلي (الإسلامي) على الحياة.

 

الجزء الثاني: التأمين الصحي، ص 325-404، يضم أربعة أقسام هي: عقد التأمين الصحي، التأمين الصحي الفردي، التأمين الصحي الجماعي، إعادة التأمين الصحي.

 

الجزء الثالث: أنواع أخرى من التأمين على الأشخاص، ص 407-492، يضم ثلاثة أقسام هي: التأمين الاجتماعي، الأنظمة التقاعدية، التأمين من الحوادث الشخصية، إعادة تأمين الحوادث الشخصية.

 

ويضم الكتاب أيضاً ملحقاً بمصطلحات مختارة باللغة الإنجليزية مع تعريف لكل مصطلح، ص 493-515.  وهو يعين القارئ الذي يرغب بدراسة الموضوع باللغة الإنجليزية.

 

يعود مشروع تأليف هذا الكتاب إلى أكثر من نصف قرن، إذ يقول المؤلف إنه نظراً لعدم وجود “مؤلفات عربية في التأمين على الأشخاص فقد انصرفت نيتي إلى إعداد مؤلف جامع يضم جميع فروع التأمين على الأشخاص ليكون الكتاب الثاني بعد كتابي “النظرية العامة للتأمين” الذي صدر سنة 1960، إلا أن بعض الظروف الشخصية حالت دون تحقيق ذلك.” (ص 16).

 

ينصبُّ اهتمام المؤلف في هذا السفر التأميني المهم على الجوانب القانونية والفنية للتأمين على الأشخاص التي يعالجها بمبضع الخبير المقتدر، وكما يقول: “لقد حاولت جهدي في هذا المؤلف، أن أوضح الضوابط القانونية والفنية لكل من التأمين على الحياة والتأمين الصحي والأنظمة التقاعدية المختلفة، بطريقة يسهل على المتلقي العربي استيعابها.” (ص 16-17).  ومع هذا فقد أفرد بضع صفحات لعرض جوانب من تأريخ التأمين على الأشخاص، وخاصة التأمين على الحياة، وفائدته الاقتصادية. (ص 21-23).  يعني هذا أن مكتبة التأمين العربية ما زالت تنتظر مؤلفاً مكرّساً لاقتصاديات التأمين على الحياة في العالم العربي، وكذلك تأريخ هذا التأمين.

 

من مزايا الكتاب لغته الخالية من التعقيد، والاقتصاد والوضوح في العرض مما يقرّب المفاهيم الصعبة من ذهن القارئ.

 

ومن مزاياه أيضاً هو أنه لم يتوقف عند المفاهيم السائدة لتأمين الأشخاص، وهي المفاهيم التي اقتبسناها من الغرب، بل أخذ بالحسبان ما ظهر خلال العقود الأربعة الأخيرة من شكل “جديد” لهذا التأمين أطلق عليه اسم التأمين التكافلي أو التأمين الإسلامي على الممتلكات وعلى الحياة، يعرضه ويعلق عليه بموضوعية.  وقد استوقفني بهذا الشأن محاجته لأطروحة تحدّي القدر الإلهي (ص 44-48) مستفيداً من كتابات من نادوا بمشروعية التأمين في ردهم على شبهة التحدي وشبهة التعارض مع قواعد الميراث والوصية.  مثلما استوقفني عرضه للاستثناء المطلق للانتحار[2] من غطاء التأمين على الحياة في وثيقة تأمين إحدى شركات التأمين الإسلامي (ص 322)، إذ أن التأمين التجاري يكتفي في حال الانتحار أن يردَّ للمستفيد من وثيقة التأمين ما ترتب عليها من الاحتياطي الحسابي.

 

أعرف بأن الأستاذ بهاء بهيج شكري له متاعبه الصحية لكن ذهنه ما زال متوقداً قوياً، مهتماً بالتفاصيل وبتاريخ الأشخاص والأحداث.  ولذلك آمل منه أن يرفد المكتبة العربية بما خطط له من مشاريع دراسية لفروع أخرى للتأمين.

 

مصباح كمال

30 كانون الثاني 2019

[1] شبكة الاقتصاديين العراقيين: http://iraqieconomists.net/ar/2017/06/17/%d9%85%d9%86-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a8%d9%87%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d9%87%d9%8a%d8%ac-%d8%b4%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-3/

 

[2] اعتقد أن شركة التأمين الإسلامي تستثني دفع منفعة وثيقة التأمين على الحياة في هذه الحالة عملاً بالنص القرآني: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.” (سورة النساء، الآية 29)، وما يقرب منه من أحاديث منسوبة للنبي.  هذا بالرغم من أن المعنى قد ينصبُّ على قتل الإنسان (المسلم) لنفسه أو قتل هذا الإنسان لغيره.  ومفاد هذا الاستثناء هو حرمان المستفيد من وثيقة التأمين، المسمى في وثيقة التأمين، مما هو مستحق للمستفيد من الاحتياطي الحسابي لدى شركة التأمين – على عكس ما تعمل به شركات التأمين غير الإسلامية بدفع منفعة الوثيقة للمستفيد.

 

ومن الغريب، وكما يورد المؤلف، فإن وثيقة التأمين لهذه الشركة لا تضم استثناءً لحالة قتل المُشترك (المؤمن عليه) عمداً من قبل المُستفيد المسمى في وثيقة التأمين (ص 322).  في حين أن وثيقة التأمين على الحياة، غير الإسلامية، تنصُّ على إعفاء شركة التأمين من دفع مبلغ التأمين في هذه الحالة.  وذلك باعتبار أن التأمين لا يكافئ الجريمة.

محمد حسين جعفر، شهيد النزاهة

محمد حسين جعفر … شهيد النزاهة

 

 

قرأت بتأثر كبير ما كتبه كل من السيدة سحر الحمداني والسيد أسعد سعد برهان الدين[1] الذين ربطتني بهما زمالة عمل وود واحترام خلال عملنا في شركة التأمين الوطنية.

 

لقد حرَّكت الكتابة عن واحد من أعز أصدقاء عمري المرحوم محمد حسين جعفر في داخلي مشاعر دفينة أختزنها باعتزاز وحزن عن رجل تفتخر الرجولة أن ينتمي لها هذا الرجل.

 

لغرض توثيق بعض ما عايشته معه سأحاول أن استرجع بعضاً من الذكريات على مدى ما يقارب الثلاثين سنة ما بين تعرفي عليه واغتياله بأيدي غادرة وآثمة.

 

تعرفت على محمد حسين بعد فترة قصيرة من انضمامي لشركة التامين الوطنية في نهاية عام 1975. أعترفُ نادماً أن الود لم ينبت بيننا سريعاً على الرغم من أنه كان في مكتبٍ يجاور المكتب الذي كنت أعمل فيه في الطابق الخامس من البناية القديمة للشركة قرب ساحة النافورة رغم اننا من عمر مقارب ومن نفس الطائفة (للذين يحلو لهم هذا الكلام) لأن ذلك لم يكن يلعب دوراً في الصداقات حينئذ.

 

لم تكن تعجني نبرة صوته العالية ونظراته الجانبية الحادة وضخامة جسمه. لهذا بقت صداقتنا على مستوى منخفض لعدة سنوات.

 

الانعطاف في مسار صداقتنا حصل في بداية عام 1987. ففي 25 كانون الأول/ديسمبر 1986 تم اختطاف إحدى طائرات الخطوط الجوية العراقية عندما كانت في رحلة من بغداد إلى عمان من قبل خاطفين لبنانيين اثنين متعاطفين مع إيران.

 

فجَّر أحد الخاطفين قنبلة كان يخفيها بين ساقيه في قمرة القيادة. أدى الانفجار إلى كسر يد الكابتن وتضرر نظام الهيدروليك في الطائرة.

 

رغم محاولات الكابتن الشجاع لإنزال الطائرة يدوياً في مطار عرعر في السعودية إلا أن المحاولات باءت بالفشل. وأخيراً هبطت الطائرة في أرض زراعية مجاورة لمدرج المطار مما أدى الى تحطم الطائرة إلى ثلاثة أجزاء.

 

حسبما أذكر فإن عدد الضحايا كان 123 شخصاً غالبيتهم من العمال السودانيين والمصريين العاملين في العراق. عددٌ قليلٌ جداً من الركاب خرجوا سالمين ومنهم كابتن الطائرة وراكب أردني في الدرجة الأولى يعمل كمحامي (ولذلك قصة) في حين تحوَّل الكثير من الركاب إلى أشلاء متناثرة.

 

الأستاذ موفق حسن رضا، مدير عام شركة التأمين الوطنية في حينها، أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، أمر بتشكيل لجنة للنظر في تسوية مطالبات الضحايا بدلاً من تركها لخبراء تسوية الخسائر في لندن كما هو معتاد لأن طائرات الخطوط الجوية العراقية كانت معادة تأمينيا مع سوق لويدز في لندن. الهدف من ذلك هو لضمان العدالة والحرفية في التسويات إضافة إلى تقليل كلفة تسوية المطالبات.

 

تسميتي كرئيس للجنة كانت بحكم وظيفتي كمدير فرع تأمين السفن والطيران وإعادة التأمين، وأيضاً تسمية السيدة المرحومة هدى الصفواني بصفتها مديرة قسم تأمين الطيران.

 

أما الثقل القانوني لعمل اللجنة فقد أُسند إلى السيد محمد حسين جعفر من بين العديد من القانونيين في الشركة لما يتمتع به من خبرة قانونية وحرفية عالية وحيادية ونزاهة يشهد لها الجميع. كما تمَّ ضم المرحوم السيد زهير العاني، مدير التأمين في الخطوط الجوية العراقية، إلى اللجنة كممثل للمؤمن لها.

 

بدأت اللجنة عملها بوتيرة متسارعة لإنهاء المطالبات بأسرع ما يمكن. أول عمل قامت به اللجنة تحت إشراف الأستاذ موفق حسن رضا، ذو الخلفية القانونية من بريطانيا، أن قمنا بإلغاء حد المسؤولية المثبت على تذكرة السفر والبالغ 20,000 دولار (حوالي 6,000 دينار بالسعر الرسمي) على أساس أن الخطوط الجوية العراقية كانت مُهملة بدرجة كبيرة في تفتيش وكشف الخاطفين قبل صعودهما للطائرة، وبالتالي تمَّ فتح حدود المسؤولية ليتم تسوية بعض المطالبات بمبالغ تجاوزت عشرات الآلاف من الدنانير.

 

نعود لقصة المسافر الأردني، المحامي الذي حاول استمالة المرحوم محمد حسين جعفر على أساس أنهما من نفس الخلفية المهنية، حيث طالب بتعويض بمئات الآلاف من الدولارات. وكان أساس مطالبته هو أنه نتيجة حادث الاختطاف حصل له عجز جنسي وهو في عز رجولته!

 

كما هو متوقع من أبو اسيل، لما يتمتع به من نزاهة وإنصاف وحزم، رفض المطالبة وبشدّة وهدده باختبار عملي (أتركه لخيالكم). وبالتالي حكمت اللجنة بتعويض المسافر الأردني المحامي بمبلغ منصف لأنه لم يصب نتيجة الحادث بأذى جسدي.

 

أما إنسانية محمد حسين جعفر فقد تجسَّدت في تسوية العشرات من مطالبات الضحايا من المصريين والسودانيين بنزاهة وعدالة رغم عدم وجود من يدافع عن حقوقهم.

 

إن عملي في اللجنة مع أبو أسيل واكتشافي لجوهره السامي سارع في أن تنتقل صداقتنا إلى مرتبة عالية، وبدأنا مرحلة صداقة حميمية ربما للتعويض عن سنوات الصداقة الباهتة. لذلك فإن صداقتنا المتجددة أصبحت مضرب مثل في الشركة.

خلال تسنمه لمنصب المدير العام لشركة التأمين الوطنية في منتصف التسعينيات كنت أعمل حينها في اليمن. وكان يستثمر زياراتي إلى بغداد للتداول معي في الأمور المعقدة والاستشارة ولاسيما في إعادة التأمين.

 

كان المرحوم قليل الالمام باللغة الإنكليزية لكنه كان يتغلب على هذه المعضلة من خلال الاستعانة بمن يجيدها من المقربين له مثل الزميل العزيز مكي رزوقي مصطفى وآخرين. وبالتالي تغلَّب على هذا النقص في المهارة. يُضاف إلى ذلك خبرته الإدارية الطويلة التي مكنته من استثمار الطاقات المتوفرة في الشركة وبالتالي إدارة الشركة على أحسن ما يرام في ظل الظروف الصعبة.

 

إن اختيار المرحوم أبو أسيل كمدير عام لعقارات الدولة كان بسبب نزاهته أولاً وحسن إدارته ثانياً في ظل الفوضى التي سادت العراق بعد عام 2003.

 

لقد أسرني المرحوم أبو أسيل لأكثر من مرة من أنه لم يكن سعيداً بنقله من التأمين الوطنية إلى عقارات الدولة ولكن ليس باليد حيلة.

 

إن قناعتي بخصوص اغتيال المرحوم محمد حسين جعفر كان لإسكاته عن فضح السياسيين المتنفذين الذين كانوا يمارسون ضغوطاً كبيرةً عليه لتمليكهم عقارات الدولة مجاناً أو بسعر بخس ولاسيما المصادرة منها والتي كان يرفضها بشدة.

 

تلقيت خبر فاجعة اغتياله من صديقنا المشترك سعد البيروتي وأنا احتفل مع عائلتي بذكرى ميلاد ابنتي نسمة في صنعاء. وعندما أبلغتها بخبر استشهاده بكت نسمة بحرقة لأنها كانت تحبه بشكل خاص لأنه كان يداعبها كثيراً عندما كانت طفلة.

 

رحمك الله يا أبو أسيل يا شهيد النزاهة والطيبة، واللعنة على كلِ يدٍ ساهمت في اغتيالك، واسكنك الرحمن في جنات الخلد والنعم.

 

باقر المنشئ

18 نيسان 2017

الولايات المتحدة الامريكية

[1] سحر الحمداني والسيد أسعد سعد برهان الدين “في ذكر المرحوم محمد حسين جعفر: مدير عام شركة التأمين الوطنية (20 تشرين الثاني 1946 – 30 كانون الثاني 2001،” مرصد التأمين العراقي

Remembering Muhammad Hussain Jafar (1946-2001)

 

Remembering Muhammad Hussain Jafar (1946-2001)

في ذكر المرحوم محمد حسين جعفر

مدير عام شركة التأمين الوطنية (20 تشرين الثاني 1946 – 30 كانون الثاني 2001)

 

 

أسعد سعد برهان الدين وسحر الحمداني

 

 

عرفت المرحوم الأستاذ محمد حسين جعفر الجشعمي (2006-1946)، خريج كلية الحقوق، جامعة بغداد، عندما عُينت في شركة التأمين الوطنية/قسم الشؤون القانونية في أيلول 1977 حيث كان مدير القسم آنذاك المرحوم السيد عبد المنعم النهر (توفي سنة 2011؟) ومعاونته المرحومة سهير حسين جميل (بغداد 8 أيار 1938 – عمّان 21 تشرين الأول 2012) ثم المرحوم محمد حسين جعفر. كنا عدداً كبيراً من الموظفين والموظفات نعمل بتوجيه هؤلاء الأساتذة حيث كانوا خبراء في مجال القانون وإخوة كبار لنا في مساعدتنا وتصحيح أخطاءنا ونحن نخطو أولى خطواتنا في التأمين.

 

وعندما أتكلم عن المرحوم محمد، وكما كنا نناديه (أبو أسيل)، أتذكر جديته وحزمه وتمكنه من أداء متطلبات عمله، إضافة الى روح النكتة والدعابة التي يمتلكها، وحسن الأخلاق، ولطف المعاشرة.

 

في اليوم التالي لمباشرتي العمل ذهبنا مع المرحوم محمد وزملاء آخرين لتناول وجبة غداء في مطعم شعبي قرب الشركة حيث كنا نشوي الكباب بأنفسنا. ومن ضمن أصدقاء المرحوم محمد كان المرحوم عماد تكليف الفرعون، ابن الفرات الأصيل وصاحب الاخلاق العالية، والسيد عبد الرحمن الكيلاني، موسوعة الأطباء كما كنا نسميه إضافة لطيبته الفائقة. وكانت الشركة آنذاك بقيادة حازمة ومتميزة من قبل الأستاذ عبد الباقي رضا (شباط 1966- آذار 1978) أطال الله عمره بالصحة والعافية.

 

لا أنسى دور المرحومين محمد وعماد الفرعون في تدريبي على المرافعات أمام المحاكم.

 

انتقلت من الشركة إلى مجلس البحث العلمي سنة 1980 ولكن علاقتي استمرت مع اصدقائي في الشركة ومنهم أبو أسيل إلى أن اغتيل في فترة الحرب الطائفية في منطقة سكنه في حي الخضراء ذات الغالبية السنية على ايدي آثمة. ربما كان اغتياله لسبب طائفي أو ربما كان تصفية حسابات حيث انه خلال فترة عمله القصيرة في دائرة عقارات الدولة تعرض إلى ضغوطات قوية من بعض أصحاب النفوذ بشأن عقارات الدولة وهو لا يقبل غير الحق والصحيح في أداء واجبات عمله. ولهذا أحال نفسه على التقاعد، وكان ذلك قبل اغتياله بفترة قصيرة. ربما أرادوا إسكاته كي لا يتكلم عمّا تعرض له. ومن المفارقات أن القتلة المأجورين لم يكتفوا باغتياله بل سرقوا سيارته. لقد اختلطت الأمور والأسباب في تلك الفترة ولم يعد من السهل الكشف عن الدوافع وفاعلي الجريمة. لقد قتل أناس أبرياء كثر كانوا بعيدين عن السياسة والحكومة. وهنا اتذكر أحد الذين كان يسكن في منطقتنا منذ سنوات عديدة. كان موظفاً في بنك وجلّ اهتمامه هو أناقته. وضعوا عبوّة ناسفة في سيارته، انفجرت وقتلته. لماذا؟ هو السؤال عينه وراء ما نراه اغتيالاً لأبو أسيل.[1]

 

كان المرحوم أبو أسيل في حياته الشخصية محباً لعائلته وأولاده، حريصاً على تقديم الأكثر لهم حيث كانوا ما زالوا أطفالاً. كنا لا ننقطع عن تبادل الزيارات.

 

لا يمكن للمرء ان ينسى المرحوم محمد حسين جعفر والمرحوم عماد الفرعون الذي اغتالته هو الآخر يد اثيمة في هذا الزمن الذي يغادره الشرفاء بصمت. ومن المؤسف أننا لا نملك معلومات عن اغتيال المرحوم عماد الفرعون، وهو من عشيرة معروفة. لقد عشنا زمناً طائفياً في تلك الفترة لا نعرف فيها لماذا يقتل إنسان.

 

أسعد سعد برهان الدين

 

أتمنى أن نكون قد وفينا جزءً من حق من عاشرناهم في شركة التامين الوطنية وكانوا خير الناس سواء على صعيد العمل وكرمهم في تقديم المعلومة والنصيحة لنا نحن كموظفين جدد آنذاك أو على صعيد العلاقة الشخصية التي استمرت حتى بعد مغادرتنا الشركة.

 

بالطبع فرحنا جداً عندما اختير المرحوم أبو أسيل مديراً عاماً لشركة التامين الوطنية سنة 1996 وهو الذي نشأ فيها، مهنياً، وعمل بجد وإخلاص، فكان هذا الاختيار تتويجاً لسنوات من المثابرة، إضافة الى رفعة خلقه وانسانيته.

 

فاتحني أبو اسيل بعد صدور الأمر الإداري بتعيينه مديراً عاماً للشركة للعودة إلى الشركة وفعلاً عدت إلى عائلة التأمين بعد غياب سبع سنوات. وكنت في فرع التأمين البحري/التعويضات، وكان نشاط الفرع قليلاً ليس كالسابق، بسبب الظروف التي كان يمر بها العراق، ولكن المرحوم حاول ضمي إلى اللجان المتنوعة بالشركة حيث كان يرغب بتطوير الشركة وخاصة من ناحية إدخال الحاسوب في كل نشاطاتها وحتى حثّ الموظفين على تعلم الحاسوب وتوفير الفرصة لهم لأجل ذلك. الانتقاد الوحيد الذي سمعته عنه في حينه هو تردده في اتخاذ القرار. وأنا اعتقد أن هذا ليس مثلبةً بقدر ما هو تعبير عن حرصه المفرط والدقيق لاتخاذ القرار الصحيح سيما، وهو جديدٌ في إدارة الشركة، وتجنب العواقب السلبية. لقد عمل بجد وإخلاص في الشركة سنوات طويلة وساهم بشكل كبير في الارتقاء بها استكمالاً لما قام به أسلافه من المدراء العامين.

 

انتقلت للعمل في قسم الرقابة الداخلية في الشركة مع الأخ المرحوم ضرغام الغظنفري الذي كان مديراً الرقابة للداخلية (استشهد في 10 كانون الثاني 2008 في حادثة تفجير في منطقة زيّونه في بغداد وهو يقدم العزاء لأحدى العوائل. أعجز عن وصف دماثة خلقه وبرّه بأمه الذي تفرغ للعناية بها حتى أنه لم يتزوج). وكذلك كان أبو أسيل باراً جداً بوالدته والتي توفَّت قبله ببضعة أشهر، وهذا لطف من الله أن لا تشهد فقدانه. ولكني، بعد المباشرة، اضطررت لترك العمل لمرض ابني. ولا يمكن ان أنسى وقفة أبو أسيل وزوجته الكريمة معي في محنتي، نعم الاخوة التي أشعروني بها.

 

التواضع هي الصفة المحببة التي تمتع بها أبو أسيل حيث وهو مدير عام للشركة زارنا بنفسه لتقديم بطاقة الدعوة لعرس ابنته.

 

أود أن اكتب أكثر وأكثر عن أبي أسيل ولكن الذاكرة تعجز عن تذكر التفاصيل التي عشناها معا حيث كنا نتناقش في أمورنا الحياتية، ونتبادل الأفكار دائماً مع اختلافنا في التقييم إذ انه كان يحب النظام الملكي ويتفق مع زوجي في ذلك. ولا أنسى مدى السعادة التي شعرنا بها نحن أصدقاء المرحوم ومن ضمنهم الدكتور سليم الوردي عندما دخل ابنه جامعة صدام، كلية الطب، وكأنه ابننا جميعاً. وكان الاثنان تربطهما صداقة قوية.

 

كانت فترة إدارته للشركة قصيرة قد لا تتعدى الأربع سنوات امتدت من 20 تشرين الثاني 1996 لغاية 30 كانون الثاني 2001. إلا أنه نُقل إلى دائرة عقارات الدولة، حسبما اتذكر، والتي عانى فيها واضطر الى التقاعد وهو في قمة عطاءه. واعتقد أن إصراره على الحق والانصاف في التعامل كانت سببا في اغتياله.

 

لم يكتب المرحوم مقالات تأمينية وحقوقية متخصصة للنشر وكل ما قدمه من دراسات ومطالعات كانت في سياق العمل. من انجازاته تفعيل المكاتب الحدودية وزيادة إيراداتها بتأمين الترانزيت الذي كان مهملاً. كما أنه أوجد وثيقة تأمين على الحياة جماعية وتم تسويقها لدوائر الدولة ومنها وزارة النفط. واهتم بحوافز الموظفين وكان يتابعها ويسعى إلى زيادتها.[2]

 

أنا أسأل نفسي كل يوم، بعد الذي حصل لنا نحن العراقيين، أين ذهب ذلك الحب الذي كان يجمعنا على الخير ونتمناه لأصدقائنا وفرحنا لفرحهم وحزننا لحزنهم دون النظر إلى الطائفة وغيرها من الانتماءات الضيقة. هل سنعود يوما كما كنا؟ مع الأسف، أشك في ذلك لأننا ببساطة جيل منقرض ومشتت في منافي الأرض.

 

رحم الله أبو أسيل وأبقى ذكراه الطيبة في نفوسنا دائماً.

 

سحر الحمداني

 

كندا 22 نيسان 2013 – 27 آذار 2017

[1] لاستحضار أجواء الاقتتال الطائفي الجديد في العراق وبعض أشكاله وضحاياه، ذلك الذي بدأ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 واستمر لغاية 2008 وما يزال بدرجات متفاوتة، يمكن قراءة روايات برهان شاوي ومنها مشرحة بغداد (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012) ورواية متاهة قابيل (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013). (المحرر)

[2] أشكر صديقتي السيدة عفيفة دارا على تزويدي بهذه المعلومات وغيرها.

Dr Mustafa Rajab on Abolition of Insurance Agencies and other Issues – a comment on the views of Mr Ata Abdul Wahab

د. مصطفى رجب: حيثيات إلغاء نظام وكالات التأمين وقضايا أخرى – تعليق على ما كتبه الأستاذ عطا عبد الوهاب في كتابه (سلالة الطين) عن فترة عمله في ميدان التأمين

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

د. مصطفى رجب*: حيثيات إلغاء نظام وكالات التأمين وقضايا أخرى – تعليق على ما كتبه الأستاذ عطا عبد الوهاب في كتابه (سلالة الطين) عن فترة عمله في ميدان التأمين

 

مقدمة: قبل عدة سنوات قرأت كتاب الأستاذ عطا[1] وتوقفت عند الفصل المتعلق بفترة عمله في حقل التأمين. وقررت، في حينه، عدم التعليق على ما كتبه بشأن إلغاء وكالات التأمين وإعادة عملها الذي اتخذه مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمين في بغداد وذلك للأسباب الآتية:-

 

  1. تربطني بالأستاذ عطا علاقة شخصية نشأت عن علاقة العمل خلال الفترة التي أمضاها في حقل التأمين. وحيث أنه تعرض لما تعرض له من مأساة تفوق ما يستطيع تحمله البشر، فقد قررت في حينه أنه من غير المناسب أن أضيف جرحاً للجروح العميقة التي تعرض لها.
  2. أكن احتراماً لعائلته الكريمة التي تحملت ما تحملت من أهوال ومآسي فكانت بحق (السيدة الصابرة المتصبرة).
  3. وأخيراً احتراماً لذكرى شخص زكي النفس عفيف اليد واللسان صاحب الذكرى العطرة هو المرحوم الأستاذ/زكي عبد الوهاب، طيب الله ثراه.خلال شهر شباط (فبراير) من هذه السنة (2017) كتب إلىَّ أحد الإخوان الذين أحترم رأيهم رسالة يشير فيها أنه اطلع (ويبدو مؤخراً) على ما كتبه الأستاذ عطا ويطلب مني، للتاريخ، إبداء الرأي فيما كتب. وحيث قد مضت مدة تزيد على (12) سنة على صدور الكتاب فاعتقد أن النفوس قد بلغت درجة من الهدوء تسمح بالاستماع إلى رأي آخر.التعليق: ينقسم ما سأقوله إلى جانبين: جانب موضوعي وآخر شخصي.الجانب الموضوعي: في إدارة المؤسسات الحكومية والشركات التابعة لها هناك نوعان من القرارات: قرارات نابعة من السياسة الاقتصادية للنظام الحاكم (أياً كان النظام الحاكم) وقرارات فنية صرفة. هذه القرارات الأخيرة تختص بها الإدارات العليا للمؤسسات والشركات والكادر الفني التابع لها.أما الأولى: فإنه يفترض بأي نظام يأتي إلى الحكم سواء عن طريق الانتخاب أم الانقلاب كما حصل في العراق أن تكون له سياسة اقتصادية يسعى إلى تطبيقها وأهدافاً يسعى لتحقيقها. وحينما يتخذ النظام الجديد قرارات تتعلق بالسياسة الاقتصادية العليا للدولة فعلى إدارات المؤسسات والشركات التابعة لها (أي للقطاع العام) أن تنفذ أو أن تترك موقعها أو أن تجبر على ترك موقعها.في الدول الديمقراطية حينما يتم تغيير الفئة الحاكمة عن طريق الانتخاب فإن الفئة الجديدة تأتي بوزراء جدد ويتم تغيير رؤساء بعض المؤسسات الحساسة (وأؤكد على كلمة الحساسة). أما بقية الكوادر الحكومية فإنه لا يطالها التغيير أما في العراق وبسبب تغيير الأنظمة عن طريق العنف فإن التغيير شمل المؤسسات الحساسة وغير الحساسة بل وصل الأمر أحياناً إلى إنهاء خدمات فراشين على أساس أنهم من أتباع النظام السابق! وبالرغم من أن شركات التأمين ليست من قبيل المؤسسات الحساسة إلا أن الطريقة العراقية في التغيير لا تهمها درجة الحساسية في المؤسسات وبالتالي فإن التغيير يطال الجميع. شخص واحد لم تشمله الطريقة العراقية بالرغم من التغييرات المتعددة التي طالت أنظمة الحكم في العراق سآتي على ذكره فيما بعد.قرارات مثل قرار التأميم وقرار إلزام شركات التأمين بإسناد حصة إلزامية إلى شركة إعادة التأمين العراقية وقرار إلغاء وكالات التأمين وقرار إعادة وكالات التأمين للعمل في السوق قرارات نابعة من السياسة الاقتصادية للنظام الحاكم (أياً كان النظام الحاكم). بعض هذه القرارات نتيجة طبيعية لقرارات أخرى. وكالات التأمين ألغيت بتوجيه من المؤسسة الاقتصادية التي كانت قائمة آنذاك، وهو قرار ينسجم مع السياسة الاقتصادية التي تبناها نظام الحكم آنذاك وهي سياسة قائمة على تأميم العديد من المنشآت الاقتصادية ومن بينها شركات التأمين. فلما تغير نظام الحكم وجاءت فئة أخرى لا تؤمن بالتأميم ولا بالإجراءات التي اتخذها النظام السابق، كان من الطبيعي أن تكون إعادة وكالات التأمين ثم الانتقال بها إلى نظام الوساطة في التأمين من بين أولويات النظام الجديد.مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمين كان، في حينه، يضم أعضاء لم يأت بهم أي نظام من الأنظمة التي توالت على الحكم في العراق وآخرين يبدو أنهم جاءوا بسبب علاقاتهم بهذه المجموعة أو تلك. الفئة الأخيرة هي التي كان عليها أن تختار وبالتالي فإنه حين تقرر إعادة الوكالات بحكم السياسة الاقتصادية للنظام الجديد كان على كل فئة أن تختار: الفئة الأولى ليست من المتخاذلين والفئة الثانية ليست من الأبطال، بل كل عضو اتخذ الموقف الذي ينسجم مع تاريخه ومبادئه وأسلوب عمله ومفهومه للعمل في القطاع العام.وليت الأعضاء من الفئة الثانية استمعوا إلى صوت الحكمة الصادر عن الفئة الأولى لما جرت الأمور بالشكل الذي جرت به لاحقاً.لقد علق الأستاذ عطا موضوع استمراره في إدارة شركة التأمين الوطنية على موضوع وكالات التأمين وجوداً أو تغييراً في حين أن الأمر، باعتقادي، ليس بالأمر الخطير الذي يستدعي اتخاذ موقف حدّي كهذا. وقد يكون للأمر جانب شخصي ولا علاقة له بالجانب الموضوعي.لم يستمع الأستاذ عطا لوجهة نظرنا أنا والدكتور خالد الشاوي وآثر الاستقالة. وبالتالي لا أجد أي مبرر لإلقاء اللوم على الآخرين. وليته ألقى اللوم فقط.الجانب الشخصي:-
  4. يكيل السيد عطا الانتقادات (وبعضها يخرج عما هو لائق) لأشخاص مثل ممتاز العمري وخالد الشاوي ومصطفى رجب ولا يجد مكانه بينهم في حين أنهم من خيار القوم، هم من الصفوة الإدارية التي لا يرقى الشك إلى سيرتها، يصفها بأقذع الأوصاف… يترك أناساً يضعون أفضل ما عندهم في خدمة بلدهم وخدمة المؤسسات والشركات التي يديرونها بكل تجرد.
  1. وأعود إلى الذي لم تشمله الطريقة العراقية في التغيير بالرغم من التغييرات العديدة التي طرأت على أنظمة الحكم في العراق فأقول: لقد بقيت أدير شركة إعادة التأمين العراقية لمدة عشرين عاماً (بعد أن قمت بتأسيسها) بالرغم من التغييرات التي طرأت على أنظمة الحكم في العراق. فما هو السبب؟لتسهيل مهمة القارئ حسن النية، أعرض بعضاً من المبادئ التي اعتنقها وأطبقها (وقد طبقتها فعلياً) في حياتي الشخصية والوظيفية: -تكويني الذهني ينفر من التبعية الفكرية لأية مجموعة أو فئة أو حزب سواء كان حاكماً أو غير حاكم. وكنت، ولا زلت، أعتقد أنني بانتمائي لأية فئة أو جماعة إنما أفقد استقلاليتي في الرأي وحياديتي في الحكم على الأمور والأشخاص وحريتي في اتخاذ القرار، لذلك أستطيع أن أقول، بكل فخر، أنني لست مديناً في جميع المواقع الحكومية وغير الحكومية التي أشغلتها لأية فئة أو جماعة، سواء المواقع التي أشغلتها في بلدي العراق أو في بعض البلدان العربية الشقيقة. هدفي الوحيد هو خدمة بلدي وخدمة البلد الشقيق الذي يستضيفني. أضع كل إمكانياتي العلمية والعملية في خدمة المؤسسة التي أديرها أو التي أعمل فيها.
  • لا أحاسب الناس على أفكارهم بل أحكم عليهم (في قرارة نفسي فقط) حسب تصرفاتهم.
  • لا أطلب من الآخرين أن يتضامنوا معي في أي قرار أتخذه فانا وحدي المسؤول عن نتائجه دون إلقاء اللوم على الآخرين.
  • أُؤمن بالحوار الهادئ ولا أستسيغ العنف بكل أشكاله: العنف المادي والمعنوي بل وحتى العنف اللفظي (من المؤسف أن يحتوي الفصل الخاص بالتأمين من كتاب الأستاذ عطا على قدر كبير من العنف اللفظي!)هذه ليست فردية في التفكير بل قواعد تعني احترام النفس واحترام الآخرين. وفي هذا السياق أقول:-لقد طبقت هذه المبادئ حينما كنت اتخذ قرارات تعيين العاملين معي في جميع الشركات التي كلفت بإدارتها. فأنا لا أسألهم عن رأيهم السياسي أو الفئة التي ينتمون إليها. المعايير الوحيدة التي آخذها بنظر الاعتبار هي الكفاءة والنزاهة ثم أصبحت النزاهة والكفاءة.المتقدمون للعمل يخضعون لامتحان تحريري وآخر خلال المقابلة ثم يتم تعيين الأفضل.وفي إحدى المرات التي تغير فيها نظام الحكم في العراق أعلمني الوزير الجديد المسؤول عن التأمين انه تبين لهم انه لا يوجد في الشركة التي أديرها من هو من الجماعة التي أتت مع النظام الجديد فأجبته أن هذه معلومة لا علم لي بها لأنني لا اسأل الموظفين لأية جهة أو جماعة ينتمون؟كما طبقت هذه المبادئ على علاقتي بالعاملين معي في الشركات التي كنت أديرها فكنت أغرس في فكرهم أنهم غير مدينين لي في مواقعهم في الشركة، وأنهم إنما يحتلون مواقعهم بحكم كفاءتهم وإخلاصهم. لذلك ليس عليهم من حرج أن يكون لهم رأي يختلف عن رأيي بل أن بإمكان أي منهم أن يكتب رأيه المخالف تحريرياً على أن يبقى رأيه داخل الشركة فقط.
  1. يقول السيد عطا في كتابه أنه (أي مصطفى رجب) أمكر من أن يسعى إلى الحيلولة دون انسحاب عنصر (يقصد نفسه) يبدو انه وجد فيه نداً، رغم صداقتي له ودعمي الدائم لشركة الإعادة منذ تأسيسها. ولعله لم يكن وحده من المتربصين والطامعين بإزاحتي)؟هذا كلام غريب فمن المعروف عني أنني لم أفكر يوماً أن أزاحم أحداً على موقعه بل لم أشعر يوماً أن أحداً يزاحمني على موقعي. ثم أنني أعمل في إعادة التأمين وهو يعمل في التأمين المباشر فأين مني من الطامعين بإزاحته ولماذا التربص به؟ فقد كنت ولا زلت أكن له كل مودة وتقدير واحترام لا لشيء إلا لكفاءته وإخلاصه في عمله. وأعتقد أن هذا الكلام هو من قبيل التخيلات.وفي هذا السياق أقول:للتدليل على أنني لا أفكر في مزاحمة أحد على موقعه، أقدم ما طبقته في الشركات التي كنت أديرها:-لقد اتبعت سياسة قلما تتبناها الإدارات العربية في الشركات التي تعهد إليها إدارتها وهي تحضير الخلف المناسب. وقد طبقت هذه السياسة في بغداد وبيروت وأبو ظبي فكان انتقال الإدارة حينما يحين موعد رحيلي عن الشركة انتقالاً هادئاً. وقد اثبتوا جميعاً حسن ظني بهم. هذه السياسة منطلقة من قاعدة أؤمن بها أن المدير الناجح ليس هو الذي يحقق الأهداف فقط بل الذي يُعدُ من يخلفه عند رحيله كذلك.
  2. ولتوضيح وجهة نظري متى وأين يجب اتخاذ قرارات حدية أسرد الواقعة الآتية: – تغيّر نظام الحكم ذات مرة في بغداد وحينما أتيت إلى مكتبي في الشركة التي كنت أديرها علمت أن ثلاثة من المدراء الفنيين في الشركة قد ألقي القبض عليهم في الليلة السابقة.كان هذا الإجراء بالنسبة لي إجراءً مؤلماً يتطلب أن أفهم أسبابه كما أنه يؤثر على السمعة الدولية للشركة تلك السمعة التي كانت تشكل جزءاً كبيراً من رأسمال الشركة.اتصلت بوكيل وزارة الداخلية الجديد وكنت على معرفة به ورجوته إعلامي عن أسباب اعتقالهم حيث أنني لم ألمس أي نشاط سياسي لهم طيلة فترة عملهم في الشركة. وعدني بالاستفسار والعودة إلىّ. مضت ساعتان وإذا به يتصل بي ويبلغني أنه لا توجد أشياء خطيرة وأنه سيطلق سراحهم بعد بضعة أيام. أجبته أنه حيث لا يوجد ما يبرر اعتقالهم فإنني سأذهب إلى بيتي وأعود للعمل حينما يطلق سراحهم. أجابني أن الأمر لا يستدعى اتخاذ هذا الموقف. أبلغته أنني أشعر أنني مسؤول عنهم وحيث أنك تقول إنه لا توجد أمور خطيرة فلا أستطيع تحمل بقائهم قيد الاعتقال دون جريمة أو شبهة جدية وذهبت إلى بيتي. في اليوم التالي اتصل بي وكيل الوزارة وأبلغني أنه سيتم إطلاق سراح أثنين وقد أطلق سراحهما فعلاً وسينظر في أمر الثالث في اليوم اللاحق. أبلغته أنني سأعود للعمل اليوم وآمل أن يطلق سراح الثالث يوم غد وبالفعل تم إطلاق سراحه في اليوم اللاحق. حينما قصصت ما جرى على أحد الأصدقاء عاتبني على موقفي وقال إنك تعرض نفسك لمشاكل أنت في غنى عنها! أسوق هذه الحادثة لأدلل على أن المسؤول يفترض به أن يتخذ موقفاً حدياً حينما تقتضي دواعي الواجب والضمير أن يتخذه، وليس عليه أن يتخذ موقفاً حدياً في أمر يعود القرار النهائي فيه إلى جهة رسمية أخرى وضمن اختصاصها وإلا كان مندفعاً حيث لا يجدي تسمية الاندفاع بطولة.وأخيراً وبصرف النظر عما أكتبه أنا أو ما يكتبه غيري فإن التاريخ وحده هو الذي يحكم على الأشخاص ومواقفهم وليس ما يكتبون هم عن أنفسهم.20/3/2017* مؤسس ومدير عام شركة إعادة التأمين العراقية (1980-1960)

[1] عطا عبد الوهاب، سلالة الطين (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004)، ص 375 وما بعدها لها علاقة بموضوع هذه الورقة. يمكن الاطلاع عليه باستخدام هذا الرابط:

https://books.google.co.uk/books?id=dKRdXZ5QVzQC&pg=PT252&lpg=PT252&dq=%D8%B9%D8%B7%D8%A7+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8+%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89+%D8%B1%D8%AC%D8%A8&source=bl&ots=KEPe6bVopK&sig=pV964UFP73kcD0GrIXvuWNi3PfE&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjXzub11L3SAhVLL8AKHaODDlQQ6AEIOTAH#v=onepage&q=%D8%B9%D8%B7%D8%A7%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8%20%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89%20%D8%B1%D8%AC%D8%A8&f=false

(المحرر)

 

Bahaa Baheej Shukri on Atta Abdul Wahab

من رسائل بهاء بهيج شكري:

رسالة عن الأستاذ عطا عبد الوهاب

 

 

عمان في ٢١ شباط ٢٠١٧

 

الأخ العزيز مصباح المحترم

 

بعد التحية

 

كما وعدتك اثبت أدناه ترجمة حياة عطا عبد الوهاب.

 

يعتبر عطا عبد الوهاب واحداً من أعمدة سوق التأمين العراقي في بداية تطوره، وهو ينتمي إلى عائلة بغدادية عريقة، ولد سنة ١٩٢٣. وهو الشقيق الأصغر للسياسي البارز في العهد الملكي المرحوم جميل عبد الوهاب وللاقتصادي المرحوم زكي عبد الوهاب المدير العام لمصرف الرافدين ورئيس مجلس إدارة شركة التأمين الوطنية من بداية العهد الجمهوري ولحين انقلاب ٨ شباط (١٤ رمضان) ١٩٦٣.

 

تخرج عطا من كلية الحقوق سنة ١٩٤٤ وعين في السلك القضائي وكان آخر منصب شغله هو القاضي الأول في محكمة بداية بغداد، نقل على أثره إلى السلك الدبلوماسي. وكان آخر منصب شغله في هذا السلك هو عضو في الوفد العراقي في الأمم المتحدة، وعند زيارة الأمير عبد الاله إلى الولايات المتحدة بدعوة من الحكومة الأمريكية، عين عطا مرافقاً للأمير، فأعجب الأمير بقوة شخصيته وسعة معلوماته، فنقله إلى البلاط الملكي وعين سكرتيراً للأمير وللملك فيصل الثاني، وبقي في هذا المنصب طيلة فترة العهد الملكي، حيث اعتقل في بداية العهد الجمهوري وفرضت عليه الإقامة الجبرية. وعند رفع الإقامة الجبرية عنه كان نوري الخضيري قد أسس أول شركة تأمين عراقية في القطاع الخاص هي شركة بغداد للتأمين وعين مديراً عاماً إنجليزياً لها هو مستر [جون] نودي [John Naudi]،[1] واختار عطا عبد الوهاب ليكون معاوناً للمدير العام. وكي يتمكن عطا من إنجاح الشركة عمد إلى سحب بعض الكفاءات من شركة التأمين الوطنية وبعض وكالات التأمين الأجنبية بعرض رواتب مغرية عليهم. وكان من أبرز الأشخاص الذين سحبهم من شركة التأمين الوطنية هو السيد بيرسي سكويرا فعينه مديراً للتأمين البحري.[2]

 

لقد كان عطا يتميز بدرجة عالية من الذكاء وسعة الاطلاع فضلاً عما اكتسبه من خبرة من عمله في السلكين القضائي والدبلوماسي، وقد ساعده ذلك بمعاونة كل من مستر نودي وبيرسي سكويرا ان يلم الماما عاما بالضوابط الفنية لنظام التأمين، كما أدت علاقاته الاجتماعية الواسعة وثقة الوسط التجاري به إلى ان تحقق الشركة نجاحاً في التسويق، كما كان قوة شخصيته وطلاقته في التحدث باللغة الإنجليزية عاملاً مهماً في احترام العاملين في شركات الإعادة له وتقديرهم لكفاءته. وبعد انتهاء عقد عمل مستر نودي عين عطا مديراً عاماً للشركة وبقي في منصبه هذا لحين تأميم شركات التأمين في ١٤ تموز ١٩٦٤ حيث عين مديراً عاماً لشركة التأمين الوطنية ثم استقال منها وافتتح مكتبا للمحاماة.

 

وعند عودة حزب البعث إلى السلطة بانقلاب ١٧-٣٠ تموز ١٩٦٨ اتهم هو وشقيقه المرحوم زكي عبد الوهاب بالتجسس لصالح دولة كبرى ظلما وعدوانا، فألقي القبض على زكي وحوكم وأعدم واستطاع عطا ان يفرَّ إلى الكويت، غير ان المخابرات العراقية تمكنت من اختطافه من هناك والعودة به إلى العراق حيث تمت محاكمته والحكم عليه بالإعدام شنقاً. وقد قضى خمسة عشر عاما في سجن ابي غريب منها خمس أعوام في زنزانة الإعدام، ثم عفا عنه صدام حسين فأطلق سراحه وغادر إلى بيروت، وبقي مقيماً هناك إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، فعاد بصحبة السياسي العراقي المخضرم عدنان الباججي على أمل ان يؤلفوا حكومة تكنوا قراط مدنية بعيدة عن المحاصصة ولكن الرفيق بول بريمر أفشل مشروعهم. وقد التقيت به في دار عدنان الباججي وكانت الانسة ميسون الدملوجي بصحبتهم فوجدته ما يزال محتفظاً بشخصيته القوية وثقته العالية بنفسه. وبعد فشل مشروع حكومة التكنوقراط غادر الباججي إلى مقر أقامته في ابي ظبي، والتحقت ميسون الدملوجي بكتلة أياد علاوي، وعين عطا سفيراً للعراق في المملكة الأردنية الهاشمية. وبعد فترة طلب إحالته على التقاعد، وما زال حتى هذا اليوم مقيماً في الأردن.

 

وبالرغم من انه يبلغ الآن الرابعة والتسعين من العمر، الا انه ما زال محتفظاً بقدراته العقلية، وانه ما زال يعقد في داره كل يوم ثلاثاء ندوة فكرية يحضرها العديد من الكفاءات العراقية المقيمة في الأردن ويتم فيها بحث مختلف المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

لقد كان عطا عبد الوهاب منفتحا على شركة التأمين الوطنية وعلى المرحوم عبد الوهاب الدباغ،[3] وقد نشأت بيني وبينه علاقة صداقة وثيقة جدا، وكان من نتائج هذا الانفتاح، وباقتراح من الآنسة سعاد برنوطي،[4] ان أنشأتُ بين التأمين الوطنية وشركة بغداد للتأمين محفظة إعادة تأمين متبادل.

 

والعجيب في الامر ان عطا كان أيضاَ شاعرا وأديبا وهو في مرحلة الدراسة الثانوية واستمر كذلك حتى بعد الحكم عليه بالإعدام، فنظم وهو في زنزانة الإعدام قصائد يصف حالته في ذلك الوضع.

 

هؤلاء هم رجال التأمين في النصف الثاني من القرن الماضي، فما هو حال المحسوبين على نظام التأمين في القرن الحادي والعشرين؟

[1] بعض العاملين في قطاع التأمين العراقي يعرفون ابنه بوب نودي Bob Naudi الذي عمل لسنوات عديدة في شركة مينيت Minet لوساطة التأمين البريطانية (تم الاستحواذ عليها من قبل شركة أيون Aon سنة 1997)، وبعد تقاعده من الأخيرة، بعد أربعين سنة من العمل، عمل مستشاراً في شركة وساطة التأمين RFIB وتقاعد منها ليؤسس شركة استشارية مستقلة في جبل طارق لتقديم الخدمات التأمينية. احتفل بعيد ميلاده الثمانين سنة 2016. (المحرر)

 

[2] عمل بيرسي سكويرا بعد ذلك كمعاون للمدير العام لشركة إعادة التأمين العراقية، وساهم كجزء من وظيفته في وضع أسس وعمل الشركة الصومالية للتأمين. أكمل أطروحة ماجستير في جامعة تركية حول العلاقة بين التأمين والدين. عمل لعدة سنوات، وفي مواقع رئيسية، في شركة اتحاد الخليج للتأمين التعاوني في فترة ما من حياته العملية كان يملك ويدير وكالة بيرسي سكويرا للتأمين، وكان موقعها في عمارة ميناس، الباب الشرقي، بغداد. (المحرر)

 

[3] عبد الوهاب الدباغ، مدير عام شركة التأمين الوطنية (8 أيلول 1958-10 آب 1963). (المحرر)

 

[4] كانت مديرة قسم إعادة التأمين في شركة التأمين الوطنية في أوائل ستينيات القرن الماضي. تركت العمل في الشركة لإكمال دراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة. لها عدة مؤلفات في العلوم الإدارية: إدارة الموارد البشرية – إدارة الأفراد، الإدارة: أساسيات إدارة الأعمال، الأعمال (الخصائص والوظائف الإدارية). كتب عنها الأستاذ بهاء بهيج شكري في هامش كتابه بحوث في التأمين (دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)، ص 37 ما يلي:

 

“الدكتورة الآنسة سعاد نايف برنوطي:

 

كانت إحدى الموظفات الثلاث في مكتب السكرتارية [في شركة التأمين الوطنية]، وهي خريجة كلية الآداب في جامعة بغداد فرع الأدب الإنجليزي. تجيد اللغة الإنجليزية إجادة تامة، وتتمتع بأخلاق عالية وشخصية قوية نافذة تفرض احترامها على كل من يتعامل معها. وبعد انقلاب 8 شباط 1963 استقالت من الشركة وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية فحصلت على شهادة الدكتوراه. وهي الآن أستاذة في قسم الدراسات العليا في إحدى الجامعات الأردنية في عمان. وقد كانت الدكتورة برنوطي ساعدي الأيمن، إذ أصبحت مديرة القسم الفني والقائمة بأعمال قسم إعادة التأمين بعد أن تم تجزئة مكتب السكرتارية إلى قسمين. وقد كنت أتشاور معها في كل أمر أريد القيام به قبل أن أقدم مذكرة به إلى المدير العام.” (المحرر)

 

Bahaa Baheej Shukri: Letter to Abdulbaki Redha

من رسائل بهاء بهيج شكري:

رسالة إلى الأستاذ عبد الباقي رضا

 

 

تقديم

 

كتب الأستاذ بهاء بهيج شكري هذه الرسالة إلى الأستاذ عبد الباقي رضا بتاريخ 7 كانون الثاني 2017 على خلفية قراءته لمقالة الانسة هيفاء شمعون عيسى “عبد الباقي رضا: الشخصية الموسوعية” المنشورة في مرصد التأمين العراقي.[1] وكان من رأي أن هذه الرسالة تنطوي على قيمة شخصية وتاريخية، وقد يكون نشرها، ربما، مدعاة للتأمل من قبل بعض العاملين في قطاع التأمين العراقي في تاريخ صناعتهم وأركانها وما آلت إليه في العقود الأخيرة. لذلك اقترحت على الأستاذ بهيج نشرها في مرصد التأمين العراقي بعد موافقته وموافقة الأستاذ عبد الباقي والآنسة هيفاء. وقد وافقا على النشر.

 

كانت الرسالة موجهة بالاسم للأستاذ عبد الباقي رضا ونسخة منها للسيد محمد جواد المظفر[2] ومصباح كمال.

 

كتب لي الأستاذ بهيج رسائل أخرى تتناول أحداثاً في قطاع التأمين العراقي وشخصيات عملت فيه، وهي بمثابة إضافات لما كتبه سابقا[3]. ربما يحين الوقت المناسب لنشرها بمعرفته.

 

مصباح كمال

21 شباط 2017

 

 

نص رسالة الأستاذ بهاء بهيج شكري

 

عمّان في ٧ يناير ٢٠١٧

 

الأخ العريق عبد الباقي المحترم

 

تحية طيبة

 

قرأت ما كتبته السيدة هيفاء شمعون عيسى حول فترة عملها معكم في شركة التأمين الوطنية وفي مجلس إدارتها، وفي تعليقي على ذلك أبدأ بأن أعلن شديد أسفي لأَنِّني لم تتح لي فرصة لقاء هذه السيدة الفاضلة التي حباها الله بصفة الوفاء الفطري لمن ترتبط بهم بزمالة عمل، فهي بالرغم من تعيينها مديرة عامة لشركة التأمين العراقية في نفس فترة إعفاءكم من آخر ارتباط لكم بالتأمين الرسمي، لم تغفل عن التصدي لما كان يتمتع به رئيسها السابق عبد الباقي رضا من كفاءة عالية ومعرفة واسعة في الشؤون الحسابية والمالية والتفاصيل الفنية للتأمين، فضلا عن قدراته الإدارية.

 

إن ما لفت نظري قولها إنك كنت تصحح ما تقع به هي وبقية الموظفين من أخطاء نحوية، إذ يبدو أنها كانت تجهل أن رئيسها السابق عبد الباقي رضا كان شاعراً وأديباً قبل أن يصبح رجل تأمين وأن الشاعر والأديب ينبغي أن يكون ملماً بجميع مفاصل اللغة، من نحوٍ وصرفٍ وإعرابٍ وبلاغةٍ وبيان، وأن عبد الباقي كان ينبغي أن يُلام لو لاحظ خطأً نحوياً في بيانٍ مقدم له ولم يبادر إلى تصحيحه وإلفات نظر الموظف الذي ارتكبه.

 

إني أشبّه السيدة هيفاء بالآنسة سعاد نايف برنوطي (الدكتورة سعاد برنوطي[4] حالياً الأستاذ في قسم الدراسات العليا في إحدى الجامعات الاردنية) والتي كانت مساعدتي ويدي اليمنى عندما كنت نائباً للمدير العام لشركة التأمين الوطنية ١٩٦٠- ١٩٦٣ مع فارق بسيط، فهي وإن كانت كالسيدة هيفاء ذات وفاء فطري إلا انها كانت هي التي تناقشني وتصحح أخطائي وليس العكس.

 

وإذا سمح لي أخي العزيز عبد الباقي، فإني أودّ ان أضيف إلى ما ذكرته السيدة الفاضلة هيفاء، ما لمسته أنا شخصياً من سلوكية عبد الباقي رضا مديراً عاماً لشركة التأمين الوطنية، فقد كانت إدارته للشركة تتميز بالحكمة في معالجة الأمور، وعدم الانجرار وراء الانفعالات العاطفية، ودون النظر إلى طبيعة العلاقة التي تربطه بالشخص الذي يتعامل معه. ومن الأمثلة على ذلك، انني كنت في زمن إدارته للشركة، من أشد الأشخاص في خصومته القضائية لشركة التأمين الوطنية سواء في الدعاوى المقامة عليها من قبل المؤمن لهم أم في دعاوى الرجوع على شركات النقل المقامة من قبلها. وقد أدت خصومتي القضائية هذه ببعض المسؤولين في الشركة من أصدقائي، وممن لي فضل عليهم، إلى إثارة حملة ضدي بأني أتعمد في كسر قواعد التأمين، أما عبد الباقي، المدير العام، فقد كان موقفه مغايراً تماماً، إذ كان يمتدحني ويثني على كفاءتي، بشهادة الأخ مصباح كمال الذي كان موظفاً في شركة التأمين الوطنية حينذاك.

 

وفي نفس هذه الفترة كنت قد سافرت أنا وعائلتي إلى أوروبا بسيارتي المرسيدس الجديدة، بعد أن مددت وثيقة التأمين لتغطية توسيع النطاق الجغرافي، ويشاء سوء الطالع أن تنقلب بِنَا السيارة في طريق العودة في المنطقة بين مدينتي كولون وفرانكفورت، ولم نُصَبْ لا أنا ولا زوجتي ولا بناتي الثلاث بأي أذى، ولكن السيارة تحطمت تماما. وبعد أن تم نقلنا ونقل حطام السيارة إلى أقرب فندق في المنطقة أرسلت برقية إلى عبد الباقي المدير العام للشركة أخبره بالحادث وانه لم تبقَ لدي نقود لأدفعها من أجل تصليح السيارة، وفي الوقت نفسه اتصلت هاتفياً بشركة ميونخ ري بوصفها من معيدي التأمين لشركة التأمين الوطنية، لأخبرهم بالحادث، وهم يعرفونني جيداً لأَنِّي أنا الذي أنشأت العلاقة بينهم وبين شركة التأمين الوطنية في بداية النصف الأول من القرن الماضي. ويبدو أن تنسيقاً قد حصل بشكل فوري بين شركة التأمين الوطنية والشركة الألمانية حول الموضوع، فقد زارني في صباح اليوم التالي في الفندق ممثلٌ عن الشركة الألمانية مع مهندس متخصص بتصليح سيارات المرسيدس وبعد إجراء الكشف على السيارة أكد المهندس سلامة الماكنة والشاصي وأن جسم السيارة ينبغي أن يستبدل بالكامل، فطلب مني ممثل الشركة الألمانية ترك السيارة بعهدتهم وسوف تشحن لي إلى بغداد بعد إكمال تصليحها. وهذا ما حدث. هكذا كان عبد الباقي يتصرف في إدارته للشركة، دون النظر لطبيعة العلاقة بين الشركة والطرف الثالث.

 

والغريب في الأمر أن تتشابه فواصل حياتنا مُنذ الولادة وحتى التقاعد، فكلانا ولد في شهر تموز مع فارق بسيط في السن، وكلانا ولد في منطقة الفرات الأوسط، هو في كربلاء وأنا في الحلة، وكلانا بدأ بنظم الشعر ونحن في الصف الثاني متوسط فأصبحنا أديبين وشاعرين ونحن لا زلنا في مرحلة الدراسة الثانوية، وكلانا حصد جوائز المباريات الشعرية، وكلانا مارس العمل الصحفي هو في الملصقة الجدارية لمدرسته وأنا في مجلة الوعي التي كانت تصدرها ثانوية الحلة، وكلانا يعشق القراءة والمتابعة، وكلانا درس التأمين خارج العراق: هو في الولايات المتحدة وأنا في المملكة المتحدة، وكلانا ساهم في إدارة شركة التأمين الوطنية أنا في بداية الستينات من القرن الماضي بوصفي نائباً للمدير العام، وهو خلال السبعينات ممن القرن المذكور، وكلانا ترك أثراً معيناً في الوسط التأميني سنة ٢٠١٦. ولم يقتصر الأمر على هذا الترابط، بل أن كلينا نشترك في صداقة شخص واحد مخلص لكلينا هو الأخ العزيز محمد جواد المظفر.

 

هذا هو عبد الباقي كما عرفته خلال علاقتي الطويلة به التي بدأت في بداية الستينات من القرن الماضي، وإذا كان هناك من أبعده عن ممارسة التأمين الرسمي، فسوف لن يُخلق الشخص الذي يفكر مجرد تفكير بمحاولة محو البصمات التي تركها في سوق التأمين.

 

هذا كل ما لدي من تعليق وتقبل من أخيك ورفيق مسيرتك أسمى آيات الحب والتقدير.

 

بهاء بهيج شكري

 

كان بودّي أن أرسل صورة هذا التعليق للسيدة الفاضلة هيفاء عيسى ولكني مع الأسف لا أعرف عنوان بريدها الإلكتروني.[5]

[1] مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2016/12/27/abdulbaki-redha-a-towering-insurance-man/

نشرت أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/12/27/%d9%87%d9%8a%d9%81%d8%a7%d8%a1-%d8%b4%d9%85%d8%b9%d9%88%d9%86-%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ae%d8%b5%d9%8a/

 

[2] عمل مديراً لفرع السعدون في شركة التأمين الوطنية، وكان عضواً في لجنة التعيينات في الشركة. أشرف على تأسيس شركة العراق الدولية للتأمين، شركة خاصة (2007)، وهو أحد المساهمين فيها. (وردتني هذه المعلومات من الزميل منعم الخفاجي بتاريخ 6 شباط 2017. ووثق الأستاذ عبد الباقي رضا إدارته لفرع السعدون في رسالة مؤرخة في 13 شباط 2017. المحرر)

 

[3] راجع بهذا الشأن الفصل التمهيدي بعنوان “تجربتي مع التأمين” في كتابه بحوث في التأمين (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2012)، ص 15-82. (المحرر)

[4] كانت مديرة قسم إعادة التأمين في شركة التأمين الوطنية في أوائل ستينيات القرن الماضي. تركت العمل في الشركة لإكمال دراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة. لها عدة مؤلفات في العلوم الإدارية: إدارة الموارد البشرية – إدارة الأفراد، الإدارة: أساسيات إدارة الأعمال، الأعمال (الخصائص والوظائف الإدارية). كتب عنها الأستاذ بهاء بهيج شكري في هامش كتابه بحوث في التأمين (دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)، ص 37 ما يلي:

 

“الدكتورة الآنسة سعاد نايف برنوطي:

كانت إحدى الموظفات الثلاث في مكتب السكرتارية [في شركة التأمين الوطنية]، وهي خريجة كلية الآداب في جامعة بغداد فرع الأدب الإنجليزي. تجيد اللغة الإنجليزية إجادة تامة، وتتمتع بأخلاق عالية وشخصية قوية نافذة تفرض احترامها على كل من يتعامل معها. وبعد انقلاب 8 شباط 1963 استقالت من الشركة وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية فحصلت على شهادة الدكتوراه. وهي الآن أستاذة في قسم الدراسات العليا في إحدى الجامعات الأردنية في عمان. وقد كانت الدكتورة برنوطي ساعدي الأيمن، إذ أصبحت مديرة القسم الفني والقائمة بأعمال قسم إعادة التأمين بعد أن تم تجزئة مكتب السكرتارية إلى قسمين. وقد كنت أتشاور معها في كل أمر أريد القيام به قبل أن أقدم مذكرة به إلى المدير العام.”

 

وقد أفادني الزميل أسامة الغرباوي بالمعلومات التالية بتاريخ 6 شباط 2017:

 

“عندما التحقت بالتأمين الوطنية في ديسمبر/٦٣ كان المدير العام هو الدكتور هاشم الدباغ، وكنت أعمل في قسم إعادة التأمين ومديرته سعاد برنوطي ولا أعرف بالضبط متى عُيّنت، وكان أنطوان سليم معاون ملاحظ في القسم نفسه. وبعد عدة أشهر، أي في منتصف عام ١٩٦٤، نقلها الدكتور الدباغ الى قسم الحياة وكلف أنطوان سليم بأعمال معاون مدير قسم إعادة التأمين. (وحسب معلوماتي فإن أنطوان التحق بالشركة عام ١٩٦٢). لم تستمر سعاد برنوطي بالعمل في قسم الحياة سوى عدة أشهر ومن ثم استقالت من الشركة، وأعتقد بأنها رتَّبت أمورها لتكملة الدراسات العليا. وبالمناسبة، خلال عام ٦٣ تم استبعاد كل من بهاء بهيج، سعاد برنوطي، فاروق جورج، إليزابيث بدروس من التأمين الوطنية، في اعتقادي لأسباب سياسية بحتة، وهم من خيرة كفاءات الوطنية.” “(المحرر)

[5] تم إرسال التعليق إلى الآنسة هيفاء شمعون. (المحرر).

Abdulbaki Redha: a towering Iraqi insurance figure

عبد الباقي رضا: الشخصية الموسوعية

هيفاء شمعون عيسى

لا تكفي الكلمات والأسطر للإيفاء بحق شخصية مرموقة كشخصية الأستاذ عبد الباقي رضا. فهو شخصية، يحمل صفات رائعة ونموذجية من جميع النواحي العلمية والاجتماعية والثقافية والعملية، سواء في مجال اختصاصه أو في المجالات الاقتصادية الأخرى كالقطاع المصرفي. فقد عرفنا فيه، وتعلمنا منه، الدقة المتناهية في عرض البيانات والمعلومات مثلما حاولنا تقليده بالاهتمام بسلامة التعبير اللغوي ومراجعة ما نكتب لضمان الوضوح في توصيل الأفكار. ربما جاء انشغاله بالتعبير اللغوي بفضل اهتمامه المبكر بالأدب وباللغة العربية. ورغم معرفته الواسعة في أكثر من مجال إلا أنه لم يكن دعيّاً أو متبجحاً بشهادته الأكاديمية وبمساهماته، وإن نهضت الفرصة فهو يعرض جوانب من معرفته على أنها جزء من عمله اليومي. كان يذهلنا بذاكرته القوية.

وتتحلى شخصيته بأخلاق ومبادئ راقية لا تصلح للجيل الذي تعلَّم على يد هذه الشخصية الموسوعة فقط لكنها تصلح – على وجه التخصيص – للجيل الجديد الشاب وهذا الزمن الذي هو أحوج ما يكون للنموذج الذي يقدمه الأستاذ عبد الباقي. أكتب هذا وفي بالي كلامه ومواقفه وتشجيعه المستمر لي أنا شخصياً رغم أن معرفتي به لم تكن من وقت تعييني في شركة التأمين الوطنية، ذلك لأنني تعيّنتُ في العام اللاحق لمغادرته الشركة كمدير عام لها ورئيس لمجلس إدارتها.[1]

لكنني عرفته (أولاً) من خلال تواجده في مجلس إدارة الشركة كنائب لرئيس المجلس منذ تسعينيات القرن الماضي ولحد الآن [12 حزيران 2016]، عندما كنت ضمن الكادر المحاسبي الذي يقوم بإعداد الحسابات الختامية للشركة في نهاية السنة المالية، والطريقة العلمية التي يعتمدها في مناقشة الميزانية العامة مع الكادر المحاسبي المعني، وتقديره ومعرفته للجهود التي تبذل في تنظيم وإعداد الميزانية والحسابات الختامية. وعرفته (ثانياً) عندما جرى تعييني كعضو في مجلس إدارة الشركة في العام 2005 والتي كان حينها مفتخراً بي كأول امرأة تمثل في مجلس إدارة شركة التأمين الوطنية.

كان داعماً لعملي في الشؤون المالية في الشركة، ومشجعاً لتوجهاتي لتقديم الأفضل لهذه الشركة العملاقة التي كان هو من شارك في وضع الأسس والدعائم الصحيحة لها وطورها طيلة فترة خدمته فيها لمدة 12 سنة كمدير عام. من أمثلة هذا الدعم كان عند قيامي بشراء عقار للشركة في محافظة البصرة عندما كنت حينها في لجنة الاستثمار، وإرشاده لي بالاعتماد على الإجراءات القانونية والفنية في عملية الشراء. فقد كان من ضمن المؤيدين لي في هذا الموضوع باعتبار ذلك خطوة استثمارية جريئة لم تقم بها الشركة منذ أكثر من (20) عام، حيث تم إشغال فرع البصرة العائد للشركة في هذه البناية مع تأجير المحلات في الطابق الأرضي كاستثمار لعوائدها المالية للشركة.

وهناك أمثلة أخرى على الدعم والتأييد للأعمال والقرارات التي يمكنني الرجوع بها على حسن توجيهه وإرشاده من خلال مجلس الإدارة، وتواصله معي في مناقشة الحسابات الختامية في نهاية كل سنة مالية، وإبداء إعجابه وامتنانه الشديدين بالجهود التي نبذلها بمعية القسم المالي في إعداد وتنظيم الميزانية والحسابات الختامية بوقت قياسي رغم الظروف الراهنة للبلد.

وفي النهاية، وكما ذكرت في البداية، فإن الكلمات لا تفي الغرض لإعطاء هذه الشخصية الموسوعة حقها كمرجع للقطاع المالي بشكل عام والتأمين بشكل خاص من خلال تجربتي معه في العمل.

بغداد 12 حزيران 2016

[1] شغل عبد الباقي رضا موقع مدير عام شركة التأمين الوطنية للفترة من 1 شباط 1966 لغاية 4 آذار 1978. وكان نائباً لرئيس مجلس إدارة التأمين الوطنية للفترة من 1994 لغاية تموز 2016.

Mouayyad Al-Saffar: manager and underwriter in a state owned insurance company

مؤيد الصفار

مكتتب ومدير في شركة تأمين عامة

 

 

مصباح كمال

 

 

نشرت هذه الورقة أصلاً في الثقافة الجديدة، العدد 380، كانون الثاني 2016، ص 57-66

 

تمهيد

 

طالما أن الذكريات الشخصية قد بهُتت، وما تبقى منها صار صعباً على الاسترجاع، بسبب تقدم العمر وعدم توفر الوثائق التي يمكن أن تغني الاسترجاع، فإنني سأحاول في هذه الورقة الكتابة عن جانب من عمل مؤيد الصفار كمدير لقسم التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية وكمكتتب لأخطار التأمين الهندسي. ربما ألِجُ من خلال هذه المحاولة مجالاً لم يلقَ عناية زملائي في الكتابة عن الشخصيات التأمينية العراقية. آمل أن تلقى هذه المحاولة ما تستحقه من نقد وتقويم.

 

حسب المعلومات التي أرسلها لي الزميل عبد الكريم حسن شافي فإن مؤيد جواد الصفار (1 تموز 1939 – 9 نيسان 1992) أكمل دراسته في الاقتصاد، كلية الآداب، جامعة بغداد عام 1963. بدأ حياته الوظيفية في شركة التأمين الوطنية قسم الدراسات والأبحاث (1964)، وأعيرت خدماته إلى المؤسسة العامة للتأمين لفترة وجيزة (1964-1965)، وعمل لبعض الوقت في قسم الحريق والحوادث (1965) ونقل في نفس العام إلى قسم السيارات. ثم نقل إلى قسم التأمين الهندسي في 26 أيلول 1965.[1] وبقي يعمل فيها لفترة طويلة. عند وفاته كان مديراً لفرع التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية.

 

ذكر الزميلان عبد الكريم الشافي وباقر المنشئ[2] ملامح من حياة وعمل مؤيد الصفار. وآمل أن يساهم الغير في إغناء الصورة من جوانبها المختلفة. قد يعرف البعض بأن الصفار قد تحزّب في أول شبابه، وأدخله الحزب القومي الذي كان منتظماً فيه إلى السجن لبعض الوقت وعرّضه لصنوف من التعذيب[3] لأن خطه الفكري لم يكن متوافقاً مع الخط السائد في الحزب. لكنه ترك التنظيم الحزبي وصار مستقلاً في تفكيره السياسي.

 

التقيته آخر مرة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي في لندن عندما جاء برفقة زميليه سعد البيروتي، المهندس في شعبة الهندسة، وضياء مصطفى، مسؤول شعبة إعادة التأمين في قسم التأمين الهندسي، للحصول والتفاوض على أسعار وشروط تأمين بعض المشاريع الإنشائية الكبيرة، ومنها مشاريع الطرق الدولية السريعة ومحطة كهرباء حرارية.

 

كانت شركة التأمين الوطنية آنذاك هي الوحيدة التي تكتتب بأعمال التأمين الهندسي إذ أن شركة التأمين العراقية كانت تكتتب فقط بأعمال التأمين على الحياة (لحين إلغاء تخصص الشركتين عام 1988). وكان قسم التأمين الهندسي يتكون، في أوائل سبعينيات القرن الماضي، من شعبة الإصدار، شعبة الهندسي، شعبة التعويضات، شعبة إعادة التأمين (الخاص بالتأمين الهندسي حصراً). إن لم تخنّي الذاكرة كان عدد العاملين في القسم ثلاثة عشر، بضمنهم أربعة مهندسين وأربعة سيدات، تحت إدارة مؤيد الصفار.

 

طبيعة الطلب على التأمين الهندسي

 

وصلت محفظة التأمين الهندسي في الشركة أوجها بفضل المشاريع التي ارتبطت بما سمي “الخطة الانفجارية” أوائل سبعينيات القرن الماضي، وربما كانت هي الثانية من حيث الحجم بعد محفظة التأمين البحري-بضائع (من المؤسف أن الإحصائيات ليست متوفرة لعقد مقارنات مجدية).

 

كان الطلب على التأمين الهندسي قائماً بقوة تعليمات الدولة، ولم يكن الطلب الفردي، خارج العقود الإنشائية للدولة، يُشكّل عنصراً مهماً في محفظة التأمين الهندسي. يعني هذا أنه لم تكن هناك حاجة حقيقية لإنتاج أعمال التأمين الهندسي، كما كان عليه الحال بالنسبة لبعض فروع التأمين الأخرى كالحريق أو التأمين على الحياة (بالنسبة لشركة التأمين العراقية) التي كانت تعتمد على طاقم من المنتجين في الشركة وعدد من وكالات التأمين الخاصة النشطة. كانت الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط توفر التعليمات الضرورية لإجراء التأمين الهندسي للمشاريع الحكومية بالشكل الصحيح. “فقد أصدرت الهيئة التوجيهية قرارها المرقم 4 في بتاريخ 23/11/1971 وأوصت بما يلي:[4]

 

1- اعتماد النص الموحد لشروط التأمين في كافة عقود المقاولات الهندسية المدنية التي تنفذ لصالح القطاع العام.

 

2- عدم توقيع العقد مع المقاول (خاص أو عام) بعد الإحالة ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز.

 

3- عدم صرف أية سلف أو مستحقات مالية إلى المقاول ما لم يقدم وثيقة التأمين المطلوبة. ويكون المدير المالي أو المحاسب مسؤولاً خلاف ذلك.

 

وصدرت بعدها تعليمات أخرى لا أتوفر على نصوصها ومنها توحيد شروط عقود المقاولات الكيمياوية وغيرها.

 

العملية الاكتتابية

 

لم يكن تطبيق الأسعار والشروط على تأمين المشاريع آلياً إلا في حدود ضيقة تنحصر بالمشاريع الصغيرة غير المعقدة في التصميم والإنشاء، بعد تصنيف المشروع، من حيث حجمه وخطورته وتعقيداته، بموجب دليل التسعير (دليل اكتتابي مُعَدّ من قبل معيد التأمين القائد آنذاك، شركة ميونخ لإعادة التأمين) وتطبيق سعر التأمين المقابل له.

 

لنتذكر أن العملية الاكتتابية كانت تتم من قبل مهندسين لا يكتفون بتطبيق الأسعار والشروط الجاهزة في الدليل، بل كانوا يستفيدون من معرفتهم الهندسية لتشخيص مصادر مسببات الضرر، ورسم صورة لمشهد أكبر خسارة محتملة maximum probable loss (MPL) بسبب عوامل الطبيعة (فيضان، أمطار) أو بسبب حادث حريق أو انفجار خاصة مع قرب إكمال أعمال المشروع أو عند بدء الاختبار والتشغيل التجريبي. هذا إضافة إلى معرفتهم بطوبوغرافية العراق، والمهندسين والمقاولين العراقيين الكبار والأوضاع المحلية بوجه عام.

 

كانت تسعيرات المهندسين تخضع لموافقة مدير القسم، أو يُستعان في تحديدها ، بالنسبة للمشاريع الكبيرة، بمعيد التأمين الاتفاقي أو معيد التأمين الاختياري في أسواق التأمين العالمية، أو المزاوجة بين التسعيرات المختلفة بهدف التوصل إلى سعر “عادل.”

 

العملية الاكتتابية وعدم القدرة على رفض طلب التأمين

 

تتمثل العملية الاكتتابية بتقييم المكتتب لمواصفات الخطر (محل التأمين) ومواصفات صاحبه (لتقييم ما يعرف بالخطر المعنوي) والقبول بالتأمين على الخطر وتحديد السعر والشروط المناسبة له، وذلك ضمن “فلسفة” الاكتتاب التي تتبعها شركة التأمين.

 

ترى ما هي الوسائل المتوفرة للمكتتب عندما يكون موضوع التأمين وصفات طالب التأمين دون المستوى المطلوب substandard أو لنقل، من باب الاختصار، رديئاً ضمن المعايير المستخدمة لمواصفات الخطر الجيد وطالب التأمين صاحب الخبرة الجيدة.

 

كما ذكرنا فإن مصادر الطلب الأساسية على التأمين الهندسي هي عقود مقاولات الدولة، ولا يشكل الطلب الخاص إلا نسبة ضئيلة جداً في محفظة التأمين الهندسي. لم يكن بوسع مؤيد رفض طلبات التأمين على عقود التأمين لأن شركة التأمين الوطنية كانت هي الشركة الوحيدة التي تمارس التأمينات العامة، أي بلغة الاقتصاد احتكار العرض.

 

المساحة المفتوحة أمامه، في مثل هذه الحالات، لم تتعدَ في تقديري وضع شروط إضافية، أو فقرة تحمُّل (خسارة مهدرة) أعلى، أو فرض سعر تأمين أعلى قليلاً مما يرد في دليل التسعير كتعويض عن رداءة الخطر التأميني.

 

لقد كان اكتتاب أعمال التأمين الهندسي يسير على النمط الأوروبي، تمييزاً له عن عملية الاكتتاب في سوق لندن، وتحديداً النمط الذي كان متبعاً في شركة ميونيخ لإعادة التأمين والشركة السويسرية لإعادة التأمين، وكانت كلتا الشركتين من معيدي التأمين القادة لاتفاقيات شركة التأمين الوطنية. وهذا النمط هو الذي كان سائداً. فقد كان دور المهندس أساسياً في هذا النمط في تسعير وثائق التأمين. وكان دور الآخرين من غير المهندسين، كمدير شعبة الإصدار أو مدير القسم، يفرض نفسه لأغراض تجارية (أخذ واقع المنافسة بنظر الاعتبار) عندما تتطلب المنافسة التدخل لتخفيف الشروط أو منح خصم لأسعار التأمين.

 

لذلك كان يُنظر إلى العملية الاكتتابية في ألمانيا وسويسرا بصرامة علمية بفضل الدور المباشر للمهندسين المختصين كمكتتبين في هذه العملية.

 

ونعرف بأن مؤيداً أمضى فترة أسبوعين متدرباً في شركة ميونيخ لإعادة التأمين وغيرها من شركات إعادة التأمين، تعرّف خلالها على هذا النمط من الاكتتاب واستوعب مضامينه وتطبيقه.

 

لم يكن مبتدعاً لهذا الأسلوب في الاكتتاب لأنه كان موجوداً قبل أن يعمل في قسم التأمين الهندسي عندما كان أصلان باليان رئيساً للقسم ويعمل معه المهندس المدني د. نائل بني، الذي كان يجمع بين العمل في الشركة والتدريس في جامعة الحكمة.[5]

 

هو نمط مستورد للاكتتاب يختلف عن نظيره في سوق لندن للتأمين حيث كان المهندس يحتل موقعاً استشارياً ولا يشارك في التسعير ووضع الشروط، وإنما يساعد المكتتب في فهمٍ أفضلَ للعناصر الكامنة في موضوع التأمين.

 

كان الاكتتاب في قسم التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية يعتمد على دليل التسعير الذي كان موضوعاً من قبل المعيد القائد، وهو كما مرَّ بنا دليل يضم الحدود الدنيا للأسعار والشروط الأساسية الواجب تطبيقها على جلّ أخطار التأمين الهندسي باستثناء الأخطار المرتبطة بالمشاريع الكبيرة التي كان تسعيرها يتم في خارج العراق إما من قبل المعيد القائد (الشركة التي تقود اتفاقية التأمين الهندسي) أو من خلال وسطاء إعادة التأمين الدوليين في سوق لندن. أي أن إطار التسعير كان موضوعاً مسبقاً. وكانت عملية التسعير تبدأ من المهندسين وتنتهي بقرار نهائي لمدير القسم.

 

فيما يخص التسعير خارج العراق، بالنسبة لعقود إعادة التأمين الاختياري، كانت السياسة التي يطبقها مؤيد الصفار تقوم على الاستعانة في معظم الحالات بوسيطين عالميين لإعادة التأمين مع تعليمات لاستدراج الأسعار والشروط على أساس تنافسي من معيدي التأمين الاختياري. كان مؤيد يضع سوق لندن من خلال وسطاء إعادة التأمين (حيث يتواجد معيدو التأمين الاختياري) في مواجهة معيد التأمين الاتفاقي في ميونيخ الذي كان يُستدرج أيضاً لتقديم أسعاره وشروطه للعقود الاختيارية.

 

تسوية المطالبات بالتعويض كانت أيضاً تبدأ من المهندسين، بعد الكشف الموقعي على الأضرار، واقتراح مبلغ التسوية في تقرير يقدم لمدير القسم الذي يكون القرار النهائي محصوراً به ولحدود معينة. كانت بعض التسويات ضمن صلاحية المدير العام للشركة، وغيرها من التسويات الكبيرة كانت تعرض على مجلس إدارة الشركة للبت بها. وهذه التعويضات الكبيرة كانت أيضاً موضوعاً لموافقة المعيد القائد.

 

وهكذا كانت عملية الاكتتاب وتسوية المطالبات تخضع لصلاحيات ذات طابع هرمي، يحتل فيها الصفار موقعاً مهماً كمكتتب وكمدير.

 

العملية الاكتتابية في شركة تأمين عامة تتمتع باحتكار العرض

 

لم يكن بمقدور طالب التأمين طلب اسعار من شركة تأمين أخرى على أساس تنافسي لحين إلغاء تخصص شركة التأمين الوطنية في التأمينات العامة وبروز بدايات “منافسة” مع شركة التأمين العراقية. ولن تتطور هذه المنافسة إلا مع تأسيس شركات التأمين الخاصة بعد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 (تأسست أول شركة تأمين خاصة سنة 2000).

 

مع ذلك يمكن المحاجّة بأن التسعير لم يكن قائماً على “ابتزاز” طالب التأمين. وهذا الرأي يقوم، من جانب، على وجود دليل التسعير الموضوع من قبل شركة عالمية لإعادة التأمين، شركة ميونخ لإعادة التأمين، تتمتع بسمعة احترافية عالية. جدول الأسعار في الدليل هو استخلاص لخبرة طويلة وواسعة، وهو، أي الجدول، يضم أسعاراً توصف بأنها فنية — بمعنى أنها تستجيب لمواصفات محل التأمين ومكامن الخطر فيه وتضم هامشاً للربح.

 

ومن جانب آخر، كان التسعير يقوم على التشارك في تطبيق الدليل من قبل شعبة الإصدار وشعبة الهندسة ومدير القسم. وقد ينشأ الخلاف بينهما بسبب اختلاف في تقييم مخاطر المشروع المعروض للتأمين. وقد كان هذا أمراً واقعاً في قسم التأمين الهندسي، ولم يكن هناك تواطؤ بين مدير القسم والمهندسين على تطبيق سعر معين.

 

قائد فريق العمل

 

يجرّنا موضوع العملية الاكتتابية إلى ما أراه صفة مهنية وإدارية مهمة لدى مؤيد، وهي عدم احتكار العمل، وإيمانه بتفويض المهام وكأن همه هو تشكيل فريق لإنجاز مهام القسم الفنية.

 

لم يكن مؤيد يعمل لوحده. صحيح أن كل القرارات تنتهي عنده، كونه مديراً للقسم، وكون التركيب الإداري هرمياً، إلا أن تصرفه كان ينطوي على عدم احتكار العمل. كان يعمل وكأنه عضو في فريق وبألفة مع العاملين معه، ويفوض زملاءه العديد من المهام في الاكتتاب وتسوية التعويضات وإدارة ملف إعادة التأمين الخاص بقسم التأمين الهندسي. خير شاهد على ذلك هو سفره إلى مراكز التأمين العالمية لأغراض العمل فقد كان زملاء آخرون يرافقونه: مهندس للاهتمام بالجوانب الهندسية والمسؤول عن إعادة التأمين للاهتمام بتفاصيل ومتطلبات إعادة التأمين.

 

ومن المفيد أن أذكر هنا أن مؤيد الصفار عندما كان يجابه مسألة تأمينية ذات بعد قانوني خارج علمه يستشير الزملاء والزميلات العاملات في قسم الشؤون القانونية. كان هذا دأبه حتى في التعامل مع أسس وتطبيقات مفاهيم تأمينية معينة. ولي تجربة معه في دراسة مفهوم “استعادة الوضع السابق” بعد وقوع خسارة من بين أمور أخرى.

 

وكانت علاقته مع المدير العام، الأستاذ عبد الباقي رضا،[6] تتميز بالود والانسجام، فكلاهما كانا يلتقيان على مبدأ وطنية النشاط التأميني العراقي والذود عنه في الداخل والخارج، وخدمة الاقتصاد العراقي، وعلى الالتزام بحرفية العمل.[7]

 

مهارات تفاوضية ومعرفة بالتقنيات العملية في الأسواق العالمية للتأمين

 

كان الصفار مثقفاً وقارئاً جيداً وله معرفة جيدة باللغة الإنجليزية أعانته على إدارة التفاوض على أسعار وشروط التأمين مع طالبي التأمين من المقاولين الأجانب، مثلما أعانته في التفاوض مع معيدي التأمين والوسطاء الدوليين لتحقيق أفضل الصفقات للشركة دون الحاجة إلى من يترجم له.

يذكر باقر المنشئ في مقالته “ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار” أن

 

“المرحوم مؤيد أدخل أسلوباً جديداً في التعامل مع معيدي التأمين من ناحية والمقاولين من ناحية أخرى، إذ كان يتفق مع المعيدين على أن تكون إعادة التأمين الاختيارية وفق السعر الصافي، في حين انه يقوم بتحميل السعر بعمولة مرتفعة في اتفاقه مع المقاولين وبذلك كان يحقق عائداً كبيراً للشركة.”[8]

 

لم يكن الدافع وراء هذه الممارسة grossing up الانتفاع الشخصي بل تعظيم دخل الشركة. هذه الممارسة كانت معروفة في معظم أسواق التأمين الغربية وتتم، بالطبع، دون علم المؤمن له من الأفراد والشركات؛ أي أنها تتم سراً. وقد توقف العمل بها بفضل اتساع الرقابة والتأكيد المتعاظم على الشفافية في إجراءات التأمين من قبل الوسطاء وشركات التأمين، وفرض السلطات الرقابية للغرامات والعقوبات على ممارسيها.

 

في العادة، يضمُّ سعر التأمين الإجمالي gross rate العمولة التي يمنحها مكتتب عقد إعادة التأمين الاختياري (عمولة الشركة المسندة وعمولة وسيط التأمين) ما لم يحدد المكتتب نسبة توزيع العمولة بين الشركة المسندة ووسيط التأمين. في الماضي، عندما كانت القواعد الرقابية ومستوى الشفافية في العلاقات ضعيفة، كانت فرص “التلاعب” بالعمولة سارية. كتب أحد المحامين أن

 

العمولة التي يستحقها الوسيط هي العمولة التي يجيزها المكتتب [ويكتبها بخط اليد في قسيمة الوسيط]. ولذلك لا يحق للوسيط تحميل قسط التأمين بالزيادة ليوفر لنفسه مكافأة إضافية ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له والمكتتبين.

 

وجود شرط المعادل الصافي (ما يعادل المبلغ الصافي) net equivalent clause في القسيمة يسمح للوسيط أن يعدل القسط الإجمالي وفي ذات الوقت يعطي المكتتب نفس القسط الصافي الذي يريده المكتتب. لو اُستخدم هذا الشرط بشكل يسمح للوسيط أن يزيد من حجم القسط الإجمالي فإن الشرط يتحول ببساطة الى وسيلة بديلة لزيادة السعر بالتحميل …. استعمال مثل هذا الشروط لزيادة العمولة لا يستقيم مع واجب الوسيط تجاه المؤمن له ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له informed consent. ولذلك فقد تم إعلام مكتب توقيع الوثائق في لويدز (LPSO) برفض القسائم slips حيثما يُعّبر عن العمولة على أنه المعادل الصافي ما لم يُوَضّح أن المعادل الصافي هو للتخفيض net equivalent downwards أي أن المراد من المعادل الصافي هو تخفيض القسط الإجمالي فقط.[9]

 

كان مؤيد مُلماً بممارسات وسطاء التأمين هذه وغيرها وكذلك ممارسات المقاولين الدوليين، وكان يعتبر البعض منها، بفضل ثقافته السياسية، تعبيراً عن مواقف كولونيالية تستصغر كل ما هو غير غربي. وكان هذا الأسلوب الذي ذكره باقر المنشئ هو وسيلة الصفار “للنيل” من بعض المقاولين الأجانب، ففي نهاية الأمر كان مصدر قسط التأمين لتأمين المشروع الإنشائي هو رب العمل العراقي (إحدى الوزارات العراقية). وكأنه بذلك أراد أن يحمي مصالح العراق.

 

تميز مؤيد بقدرات تفاوضية عالية مع عملاء الشركة من الشركات الأجنبية المنفذة لعقود الدولة، ومع وسطاء إعادة التأمين في الأسواق الدولية، وكذلك مع معيدي التأمين الاتفاقي وبخاصة معيدي التأمين الاختياري للأعمال الهندسية.

 

وقد أشار باقر المنشئ إلى ذلك، في سياق تعامله مع مؤيد، بالقول:

 

“المرحلة الثانية كانت بعد نقلي إلى قسم إعادة التأمين لأكون مساعداً للمرحوم أنطوان سليم إيليا، ومن بعدها ترقيتي لأشغل إدارة فرع تأمين السفن والطيران وإعادة التأمين. بذلك أصبحت في مستوى إداري واحد مع المرحوم مؤيد الصفار. إلا أنه حافظ على مكانته المميزة في الشركة، وأحتفظ بمسؤولية ترتيب إعادة التأمين الاختيارية للمشاريع العملاقة على الرغم من مركزية إعادة التأمين في الفرع المتخصص.

 

شخصياً لم أجد غضاضة في ذلك لثقتي بأن المرحوم مؤيد بقدراته الخارقة في التعامل مع المقاولين الأجانب ومعيدي التأمين العالميين كان قادراً على تحقيق أفضل الشروط لإعادة تأمين المشاريع العملاقة.”[10]

 

وكتب عنه المرحوم جاد قبّان:

 

كان مؤيد الصفار يحمل شهادة جامعية وكان يتمتع بخبرة كبيرة في مجال التأمين الهندسي. لم يكن محترماً من قبل زملائه ورؤساء الأقسام الأخرى بل أيضاً من قبل العملاء [المقاولين الأجانب] الذين كانوا يخشونه إلى حد كبير بفضل معرفته الواسعة في صناعة [التأمين على المشاريع الإنشائية] والتكتيكات المستخدمة من قبل المقاولين الدوليين. إذ أن هؤلاء كانوا غالباً ما يقومون بإجراء غطاء تأمين الاختلاف في الشروط/الضمان الآمن Difference in Conditions/Security خارج العراق بأقساط للتأمين كان من رأي مؤيد أنها يجب أن تقرر ويحتفظ بها في سوق التأمين العراقي، وبالتالي تساهم في نمو قطاع التأمين في العراق واقتصاد البلاد بشكل عام.[11]

 

ما يذكره المرحوم جاد قبّان يؤكد الحس الوطني الكامن في السلوك الفني لمؤيد في التعامل مع الأجنبي.

 

كان المقاول الأجنبي يأتي إلى شركة التأمين الوطنية ومعه وسيط التأمين من موطنه في أوروبا أو من سوق لندن، مُحملاً بأسعار وشروط جاهزة لإعادة التأمين الاختياري، في محاولة لإقناع مؤيد الصفار بها. لكنه لم يكن يقبل بها. لماذا؟ لأن هذه الأسعار كانت متدنية بشكل مفرط، مع فقرة تحمل (خسارة مهدرة) عالية جداً، وشروط ضيقة للتأمين. كل ذلك مرتب من أجل تسديد أقل الأقساط لشراء وثيقة التأمين في العراق، وإجراء التأمين الحقيقي في الخارج على أساس الاختلاف في الشروط/الضمان الآمن الذي ذكره جاد قبان.

 

تعليلي لموقف مؤيد هو أن هذه الترتيبات فيها تجاوز على شرط التأمين مع شركة التأمين الوطنية، وفيها إضرار للمصالح العراقية من حيث أن القسط الحقيقي للتأمين يسدد لشركة تأمين أجنبية بدلاً من أن تسدد للتأمين الوطنية. وعدا ذلك فإن مصدر القسط هو رب العمل العراقي. فمن المعروف، خاصة لدى الشركات الإنشائية الأجنبية، أن كلفة التأمين تدخل في سعر المقاول[12] التي يجري الاتفاق عليه مع رب العمل. لذلك كان يعمل على ضمان بقاء اكتتاب وثائق تأمين عقود الإنشاء تحت إدارة شركة التأمين الوطنية.

 

عندما كانت تنشأ الحاجة لإعادة التأمين الاختياري، وهو الحال بالنسبة لمعظم المشاريع الهندسية الكبيرة، كانت السياسة هو خلق حالة من التنافس: فمن جهة تطلب الشركة مباشرة من معيد التأمين الاتفاقي، أو معيد آخر في أوروبا، تقديم عروض الأسعار والشروط لتأمين المشروع، ومن جهة أخرى تطلب من وسطاء إعادة التأمين في سوق لندن تقديم العروض. كان تنظيم هذه المنافسة بين سوقين لإعادة التأمين مثار إعجاب لأنه كان قائماً على انتقاء دقيق لوسطاء التأمين في سوق لندن وقصر عددهم إلى اثنين في معظم الحالات بحيث لا تنشأ حالة من الفوضى التنافسية بين الوسطاء وبين معيدي التأمين أنفسهم؛ وهو ما يمكن تسميته بالمنافسة المقيدة، غير المفتوحة لمن هبَّ ودبًّ. وبالطبع، كان الفائز هو من يقدم أفضل العروض. وبموجب هذه العروض كان يجري تسعير تأمين المشاريع الكبيرة بانتقاء الأفضل منها.

 

كان موقفه من المقاول العراقي، المتخلف عن شراء وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين أو وثيقة كافة أخطار النصب التي يتطلبها عقد الإنشاء منه، لا يحيد عن تطبيق سعر التأمين الذي كان سيطبق أصلاً لو تقدم المقاول بطلب التأمين قبل البدء بأعمال الإنشاء. كانت آلية تحديد السعر في هذه الحالة تعرف باسم أجور المِثلْ،[13] تصدر بصيغة رسالة إلى جهة حكومية أو إلى من يهمه الأمر. كانت الرسالة الصادرة من قسم التأمين الهندسي أشبه ما يكون بمذكرة تغطية مختصرة (دون منح غطاء حقيقي نافذ) يذكر فيها اسم المقاول، واسم رب العمل، واسم المشروع ومبلغ التأمين، ونوع وثيقة التأمين، وأجر المثل (قسط التأمين التي كانت الشركة ستطلبه لو أن المقاول قدم طلباً للتأمين قبل بدء أعمال المشروع). ولم تكن شركة التأمين تتقاضى قسطاً للتأمين أو رسماً لقاء إصدار رسالة أجر المثل. كانت وظيفة الرسالة تسهيل التحاسب بين المقاول ورب العمل بعد إكمال المشروع وإبراء ذمة الطرفين، إذ كان رب العمل يستقطع أجر المثل (قسط التأمين) من استحقاقات المقاول. وهذا الاستقطاع يقوم على مبدأ تضمن سعر المقاولة لكلفة إجراء التأمين على المشروع من قبل المقاول.[14]

 

بوفاته فقدت شركة التأمين الوطنية مكتتباً متميزاً في مجال التأمين الهندسي ربما لم يبزّه قبله سوى أصلان باليان[15] الذي شهد تأسيس قسم التأمين الهندسي (آب 1966) في الشركة وكان أول مدير للقسم. وقد أخذ بسام يوسف البناء مهمة إدارة التأمين الهندسي فيما بعد.[16]

 

 

2 تشرين الثاني 2015

[1] رسالة إلكترونية للكاتب من عبد الكريم حسن شافي، مدير فرع التأمين على الحياة، شركة التأمين الوطنية، مؤرخة في 4 آب 2015.

[2] راجع: عبد الكريم حسن شافي، “في استذكار المرحوم مؤيد جواد الصفار،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/09/01/remebering-mouayyad-jawad-al-saffar/

وكذلك: باقر المنشئ، “ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/08/31/memories-of-my-years-with-the-late-mouayyad-al-saffar/

 

[3] أكتشف معذبوه نقطة ضعف عنده: عدم تحمله الدغدغة. كانوا يمارسونها عليه لحد اختناقه. كان مصاباً بالربو مما فاقم من تعذيبه. لم يتحدث عن تجربته القاسية هذه وحسب علمي لم يُشّهر بأحد ممن وشوا به أو تسببوا في سجنه.

[4] كما أوردها بسام يوسف البناء في تقديم كتاب وثيقة تأمين كافة أخطار المقاولين، ترجمة محمد الكبيسي، (أربيل: طبعة إلكترونية، توزيع خاص ومحدود من قبل المترجم، 2007)، ص 6-7.

[5] فيما بعد، وبعد مغادرته للعراق، سيصبح د. بنّي حجة في عقود الإنشاء وتصبح كتبه عنها مرجعاً عملياً وأكاديمياً إضافة لعمله كأستاذ في جامعة دبلن.

 

[6] شغل الأستاذ عبد الباقي رضا موقع رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة التأمين الوطنية في الفترة من 1 شباط 1966 لغاية 4 آذار 1978.

[7] في رسالة للكاتب بتاريخ 23 أيلول 2011 كتب الأستاذ عبد الباقي رضا:

 

“اختم هذه الرسالة وقد تذكرت من الراحلين الذين عملت أنت معهم مؤيد الصفار. في لقاء التوديع في مكتبي صبيحة 4/3/1978 والترحيب بالمدير العام الجديد بديع السيفي ضم عدداً من المدراء قال لي الصفار: كلمة قصيرة أقولها وهي اني لم اندم لحظة واحدة من العمل معك مديراً عاماً لنا. انني شديد الاعتزاز بهذه الجملة البليغة الصادرة من شخص تعرفه أنت خير المعرفة.” من المؤمل إصدار رسائل الأستاذ عبد الباقي للكاتب بصيغة كتاب، بعد موافقته، بعنوان مقترح رسائل في السيرة الذاتية والتأمين (أعدت المسودة سنة 2013).

 

[8] باقر المنشئ، “ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار،” مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/08/31/memories-of-my-years-with-the-late-mouayyad-al-saffar/

[9] محاضرة ألقاها كلايف براون Clive Brown، واحد من كبير المشاركين في شركة التضامن الحقوقية كاميرون مَكّينه، لندن، في مؤتمر رابطة وسطاء التأمين والاستثمار البريطانية في نيسان/أبريل 1998. وكان المحاضر قد نشر مقالة في نفس مضمون محاضرته تحت عنوان “Broker remuneration: the regulatory issues” في جريدة

Lloyd’s List Insurance Day, Tuesday April 1998

[10] باقر المنشئ، مصدر سابق.

 

[11] Jad G. Kabban, Memoirs of a Pioneer Arab Insurance Broker (Beirut: n.p., 2004), p 114. هذه الفقرة من ترجمة مصباح كمال.

[12] إن معظم المقاولين يلجؤون إلى تقدير كلفة شراء الحماية التأمينية للمشروع، وإدخال هذه الكلفة في مناقصاتهم. وبذلك تكون كلفة التأمين داخلة بشكل آلي في سعر المقاول.

 

[13] أنظر: مصباح كمال، “وصل القبض بديلاً عن التأمين،” مجلة التأمين العراقي، 2 شباط 2013.

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/02/receipt-voucher-or-insurance-policy.html

 

[14] هذه القاعدة تنطبق على الحالات التي تناط فيها وظيفة التأمين على أعمال المشروع، بموجب عقد المقاولة، إلى المقاول. وبالطبع، فإن قيام رب العمل بالتأمين (وله حضور واسع في العديد من بلدان العالم) يعني إعفاء المقاول من القيام بالتأمين، وبالتالي فإن مسألة أجر المثل تصبح غير قائمة.

 

[15] ليست لدي معلومات عن أصلان باليان. أتمنى على من له معرفة به أن يكتب عنه.

 

[16] تقييم دور بسام يوسف البناء، الذي خدم شركة التأمين الوطنية 47 سنة، يحتاج إلى معالجة مستقلة، ويكفي القول هنا أنه شهد العصر الذهبي للشركة، عهد إدارة الأستاذ عبد الباقي رضا (1966-1978)، وعمل في ظروف الحصار الدولي على العراق (1990-2003) ومن ثم الاحتلال الأمريكي، أي في فترات شهدت تراجع وتدهور قطاع التأمين العراقي. ظل يعمل في إدارة فرع التأمين الهندسي، إضافة إلى مسؤولياته الأخرى في الإشراف على فروع أخرى، لحين انتهاء عقده مع الشركة في أيار 2015.

In Memory of Dr Saleem Al-Wardi

كلمات

في أربعينية المرحوم سليم الوردي

 

 

عبدالكريم حسن شافي

مديـر أقـدم، مدير فرع التأمين على الحياة

شركة التأمين الوطنية / بغداد

 

توفي الأستاذ الدكتور سليم علي أمين الوردي يوم 27/12/2015 أثر أزمة قلبية مفاجئة عن عمر يناهز (73) عاماً. وستقيم كلية التراث الجامعة التي كان المرحوم أحد أساتذتها حفلاً تأبينياً بمناسبة أربعينيته يوم السبت الموافق 6/2/2016 في مكتبة الكلية. وقد سبق لي وأن وعدت الأخ مصباح كمال أن أكتب ورقة عن المرحوم استذكاراً بهذه المناسبة وها أنا أوفي بوعدي له.

من خلال اطلاعي على السيرة الذاتية للمرحوم الوردي الذي ولد في بغداد/مدينة الكاظمية المقدسة بتاريخ 26/5/1942 وكما ذكر الزميل العزيز فقد أكمل المرحوم دراسته الإعدادية عام 1959 وألتحق ببعثة دراسية إلى جمهورية بلغاريا وأنهى دراسته الجامعية في اختصاص الاقتصاد السياسي وعاد إلى العراق في عام 1965. وأتذكر من خلال مقابلة جرت مع المرحوم قبل أكثر من عام، أجراها معه الأستاذ توفيق التميمي،[1] ذكر الأستاذ الوردي بأنه في الفترة التي تلت عودته من بلغاريا كان متوجساً من أن يكون مراقباً من جهات أمنيه خصوصاً وأنه عائد من بلد يحكمه الحزب الشيوعي.

عين المرحوم في شركة التأمين الوطنية بتاريخ 23/7/1968 وقد منح إجازة دراسية لتكملة دراسة الدكتوراه إلى جمهورية بلغاريا عام 1971 وأنهى دراسته وحصل على شهادة الدكتوراه بدرجة شرف عام 1974. وعاد إلى شركة التأمين الوطنية وتقلد عدة مناصب، وحاضر في الكثير من الجامعات والمعاهد، ووجهت له الكثير من كتب الشكر والتقدير خلال عمله في الشركة وأستمر بها إلى أن قدم طلباً لإحالته على التقاعد بتاريخ 22/3/1994 وانصرف إلى التدريس في الجامعات العراقية.

أتذكر في موقف له عندما كان أحد أعضاء لجنة تعديل العناوين الوظيفية، وكنت أنا مقرراً لها، تم طرح أسم إحدى الموظفات بتوجيه من مديرها المباشر ولم يكن الطرح مقنعاً للمرحوم فأبدى اعتراضه على ذلك وأيد أعضاء اللجنة جميعهم وجهة نظره الموضوعية حيث كان رحمه الله لا يجامل على حساب الكفاءة والمقدرة والخبرة في العمل.

عندما تقاعد، وقبل أن ينفك من الوظيفة، مرَّ على جميع أقسام الشركة وسلَّم على جميع الموظفين الصغار قبل الكبار وفي جميع الطوابق والأقسام، وذلك ما يدل على تواضعه الجم ورفعته وأخلاقه الكريمة.

لم يوفد المرحوم خلال خدمته في الشركة بإيفاد رسمي خارج العراق كما كان أغلب موظفي الشركة، خصوصاً مدراء الأقسام والفروع الفنية والاختصاصية، يوفدون. وقد علق على ذلك خلال المقابلة الصحفية معه قبل سنوات بأنه نسى حتى الإجراءات التي تتخذ في حالات السفر ومتطلباته خلال تلك الفترة.

تمت استضافته من قبل الحزب الشيوعي العراقي قبل أكثر من عام في مقر الحزب وسط بغداد وبحضور شخصيات معروفة، وكان عنوان الندوة أو المحاضرة (الأكاديمي بين اصطفافين: السياسي والثقافي).[2] ورغم أن الموضوع (يثير القلق ويتحمل بعض الانزلاقات غير المقصودة دعا إلى ترك النوافذ مفتوحة لإعادة ترتيب الأشياء المألوفة بهدف تحريك المياه الراكدة).

هذا ما قاله المرحوم من ضمن ما قاله في المحاضرة، وقد كان جريئاً في طرحه رغم الظروف المحيطة.

هذا بعض ما دار في مخيلتي هذا الصباح وأنا أتذكر المرحوم الأستاذ الدكتور سليم الوردي رحمة الله عليه. وعزائي لجميع محبيه وطلبته وزملاءه وعائلته الكريمة بأنه حاضر في قلوب محبيه. أسكنه الله فسيح جناته.

1 / 2 /2016

[1] حوار من عدة حلقات نشرت في جريدة الصباح. أجرى الحوار والتحرير توفيق التميمي. حملت الحلقة الأولى عنوان “شهادة عراقية للباحث الاقتصادي والأكاديمي د. سليم علي الوردي: أصبح أخي الأكبر حسين من زوار السجون في العهد الملكي” نشر بتاريخ 26/1/2014. رابط الحوار:

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=62863

(المحرر)

[2] نشر تقرير قصير عنه بقلم رشيد غويلب في الموقع الإلكتروني للحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 2/5/2015 تحت عنوان “د. سليم الوردي في ضيافة الشيوعيين: الأكاديمي بين اصطفافين: السياسي والثقافي.” الرابط:

http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/27963-2015-05-02-20-53-19

(المحرر)