Memory of Arab Insurance-dialogues by Tayseer Treky & Misbah Kamal

التعريف بكتاب تأميني جديد:

ذاكرة التأمين العربي-حوارات-الجزء الثالث

صدر عن دار منتدى المعارف – بيروت كتاب جديد للمجتهدين تيسير التريكي ومصباح كمال بعنوان ذاكرة التأمين العربي- حوارات، الجزء الثالث.

في تقديمه للكتاب يقول الأستاذ خالد الحسن أنه “بأجزائه الثلاثة هو محاولة لتكوين فكرة عن نشوء قطاع التأمين الوطني في البلدان العربية وعن وضع سوق التأمين قبل استقلال تلك البلدان.  وبالتالي، فهو محاولة لإقامة جسر بين تجربة الآباء المؤسسين لشركات التأمين الوطنية وتجربة الجيل الذي يتولى حاليا مقاليد الامور في الاسواق العربية.  واحسب ان الكتاب موجه بشكل أساسي لجيل الشباب الحالي حرصا على تواصل الذاكرة والتجربة وربطا للماضي مع الحاضر الذي سوف يغدو مستقبلا.  فلا مستقبل لمن ليس له حاضر ولا حاضر لمن ليس له ماض.”

يقدم هذا الكتاب حوارات أجراها التريكي وكمال مع مجموعة من رجال التأمين العربي.  من قطر/سوريا، يحاوران أحمد الحريري، ومن المغرب أحمد زينون، ومن الكويت أمير المهنا و خليل الشامي، ومن السودان حسن السيد، ومن البحرين سمير الوزان، ومن العراق عبد الباقي رضا و منعم الخفاجي، ومن اليمن عبد اللطيف القباطي، ومن عُمان مرتضى إبراهيم الجمالاني.

إن مجموعة المحاورين (بفتح الواو) قد لعبوا أدوارهم المشهودة في مجال التأمين وإعادة التأمين في أسواقهم الوطنية وفي بعض الأسواق العربية لعدة عقود خلت ومعظمهم ما يزال ناشطًا بشكل أو آخر.

وكما ذكر الكاتبان عند التعريف بالجزء الأول من ذاكرة التأمين العربي فإن قراءة الحوارات تؤشر إلى اهتمام المحاورين (بكسر الواو) بتاريخ تلك العقود التي بات يفصلنا عنها ما يربو على نصف قرن.  غير أن التريكي وكمال لم يضعا نصب أعينهما توفير منبر لكتابة تاريخ تلك الحقبة التأمينية.  ان التاريخ الذي يحاول الكاتبان ارتياده من خلال الحوارات مع مخضرمي صناعة التأمين العربية ما هو إلا تاريخ الفترة التي ابتدأت فيها شركات ومؤسسات التأمين العربية الوطنية بالظهور في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، مع الإقرار بوجود استثناءات محدودة، لتكوين ما يسميانه لمحة عن تاريخ التأمين في الحقبة آنفة الذكر.  لم يلجأ الكاتبان إلى الغوص في الوثائق والارشيفات العائدة لصناعة التأمين، بل آثرا أن ينقّبا عن المعلومة في ذاكرات نَفَر من رجال التأمين الذين عاصروا مرحلة تأسيس التأمين الوطني.

المحاوران قريبان زمنياً إلى حدٍ ما من المرحلة التأسيسية التي يسعيان إلى الكشف عن النقاط المضيئة فيها.  فهما عملا في قطاع التأمين في سبعينيات القرن الماضي.  ويبدو أن ما يطرحانه من أسئلة تدفع باتجاه إسباغ نوع من التبجيل لتلك الفترة.

أول المستهدفين بالكتاب هم جيل الشباب الذين يتولون مقاليد الأمور راهنا في قطاع التأمين العربي.  ذلك أن هذا الجيل قد لا يعرف كثيراً عن المرحلة التأسيسية لصناعة التأمين العربية وعن الشخصيات التي لعبت أدوارًا كبيرة في تلك المرحلة.  ومرد هذا النقص المعرفي في الأساس هو غياب الدراسات التاريخية عن التأمين.

يمكن أن ينظر إلى الكتاب على أنه محاولة للحفاظ على ذاكرة صناعة التأمين العربية ببناء جسر بين مرحلة التأسيس والتجربة المعاصرة الحية.  وهو فضلاً عن ذلك إشادة بجهود وتضحيات نَفَر من رجالات التأمين العرب الذين أعطوا عطاء وفيراً في ظروف صعبة بل ومريرة أحياناً، كما هو تذكير للمعاصرين بأن لمهنتهم تاريخ فيه ما يستحق العناية والدراسة كما هو تاريخ، في بعض وجوهه، يعتبر مصدرًا للاعتزاز لا بل وللإلهام.

لا يقف التريكي وكمال عند الأحياء من رجالات ذلك الزمن البعيد بل يمضيان إلى استذكار نَفَر من رجالات وسيدات مرحلة التأسيس أو القريبين منها الذين لم يعودوا بيننا.  ويستذكران في هذا الجزء من ذاكرة التأمين العربي-حوارات: الحاج امحمد بن الجيلالي بناني، الحاج محمد الزيزي، الصديق محمد الأمين الضرير، بدر سعيد الفاهوم، زليخة نصري، سليم الوردي، عــــزالدين الســـــــــــــيد محمــــد، هدى الصفواني، مع نبذة عن كل واحد منهم.  ومن باب الوفاء والاحترام لهؤلاء الراحلين فهما يهديان الكتاب لذكراهم العطرة.

هذا هو الجزء الثالث من الكتاب، ويأمل المحاوران استكمال مشروع الحوارات قي كتاب قادم.

أيلول/سبتمبر 2021

يمكن الحصول على كتاب ذاكرة التأمين العربي من الناشر مباشرة على العنوان التالي:

منتدى المعارف

بناية “طبارة” – شارع نجيب العرداتي – المنارة – رأس بيروت

ص. ب. 7494-113 حمرا – بيروت 11032030 – لبنان

بريد إلكتروني info@almaarefforum.com.lb

Compulsory Motor Third Party Liability Insurance-Notes on the Position of the President’s Office and the Iraqi Bar Association

رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين ومشروع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980

مصباح كمال

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال*: رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين ومشروع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/08/Misbah-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-Comment-on-Iraqi-Bar-Association-IEN.pdf

هذه الورقة ليست بحثًا في موضوع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات بل جملة ملاحظات على سلوك رئاسة الجمهورية والدور المناط من قبلها لنقابة المحامين لاقتراح تعديل القانون.  سيلاحظ القارئ/ة كثرة الاقتباسات وتبريري لها هو التعريف بها وتسهيل متابعة المصادر من قبل المهتمين.

يبدو أن الذاكرة التاريخية مفقودة لدى رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين إذ أنهما لم يذكرا أن مشروع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته (فيما يلي قانون 1980) كان معروضًا للمناقشة أمام مجلس النواب سنة 2015.[1]  ومن خلال قراءة المخاطبات بين مكتب رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين، كما نشرتها النقابة في موقعها الإلكتروني، نكتشف بعض ما هو غريب بالنسبة لنا.  ففي تقديمها لهذه المخاطبات بتاريخ 9 تموز 2021 تذكر النقابة أن

رئاسة الجمهورية تخاطب نقابة المحامين لصياغة مشروع [تعديل] قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، والنقابة تكمل المشروع لغرض إرساله لمجلس الدولة ومناقشته تمهيداً لإرساله لمجلس النواب العراقي لأجل تشريعه.[2]

ليس واضحًا لماذا تتولى رئاسة الجمهورية مخاطبة نقابة المحامين لصياغة مشروع لتعديل قانون 1980 خاصة وأن صلاحيات رئيس الجمهورية محددة حصرًا في المادة 73 من الدستور، فقد جاء في الفقرة ثالثًا من هذه المادة أن رئيس الجمهورية “يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها.”[3]

وبهذا الشأن من المفيد أن نقتبس الفقرة التالية من دراسة إسراء صالح داؤد[4]

أولًا ـــ فيما يخص مقترح نقابة المحامين الذي قدمته مؤخرًا إلى مجلس النواب [مكتب رئيس الجمهورية] الذي يؤخذ عليه ما يلي:

1)     كان يفترض أن يقدم إلى ديوان التأمين باعتباره الجهة المختصة قانونًا فيما يخص إعداد القوانين والأنظمة والتعليمات، حيث نصت المادة 8 من قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 المعدل على أن: “يتولى رئيس الديوان: سادساً – إعداد مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بأعمال التأمين ورفعها إلى الجهات المعنية”، وهذا بحد ذاته مخالفة قانونية وكان على مجلس النواب إحالة المشروع للديوان حسب الاختصاص لغرض دراسته.[5]

ترى هل أن رئاسة الجمهورية تتصرف خارج نطاق السلطة المخولة لها في الدستور؟  وهل هناك خلط أو عدم دقة في ممارسة الصلاحيات.[6]

بافتراض أن رئاسة الجمهورية تتمتع بصلاحية صياغة مشاريع للقوانين مباشرة من خلال مستشاريها أو من خلال الاعتماد على هيئات مختصة، ترى هل قامت بدعوة شركة التأمين الوطنية، التي تقوم، وبقوة القانون، بإدارة صندوق التأمين الإلزامي وتسوية مطالبات التعويض الناشئة من حوادث السيارات، أو شركات التأمين الأخرى ممثلة بجمعية التأمين العراقية، أو ديوان التأمين، لتقديم رؤيتها لتعديل قانون 1980؟

عندما تنهض الحاجة إلى تغيير قوانين قائمة يتم اللجوء في العديد من أسواق التأمين المتقدمة إلى إصدار دعوات للاستئناس بأفكار الاطراف المتأثرة بهذه القوانين وكذلك أصحاب الاختصاص.  وقد تلجأ إلى إصدار أوراق استشارية consultation papers لتحفيز النقاش.  لكن شيئًا من هذا لم يحصل بالنسبة لمشروع تعديل القانون.  هذا الوضع، لو كان تقييمنا له صحيحًا، يؤشر على غياب رؤية لدى رئاسة الجمهورية لتعديل القانون، ولذلك فإنها أحالت الموضوع إلى اجتهاد نقابة المحامين.  أما لماذا نقابة المحامين وليس غيرها فهو ما سنناقشه لاحقًا.  جاء في كتاب رئاسة الجمهورية إلى النقابة بتاريخ 16 حزيران 2021[7]

إشارة لكتابكم ذي العدد (2162) في 9/3/2021، تفضلكم بإعداد مشروع قانون لتعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980، متضمناً المبادئ والأسس التي وردت في كتابكم أعلاه وإرساله إلى مجلس الدولة لمناقشته بحضور الوزارات والجهات المعنية تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب للتصويت عليه، للتفضل بالاطلاع واتخاذ ما يلزم.

يلاحظ على هذا الكتاب غياب إيجاز/ملخص لما تريده الرئاسة من تعديل القانون ونطاق عمل النقابة بهذا الشأن، والاكتفاء بالـ “المبادئ والأسس” التي وردت في كتاب النقابة (هذا الكتاب ليس متوفرًا لنا).  يعنى هذا أن المهتمين بالموضوع، خارج الرئاسة والنقابة، ليس لهم دور إلا أثناء مناقشة مجلس الدولة بحضور [ممثلي] “الوزارات والجهات المعنية” [ربما يكون ديوان التأمين أو جمعية التأمين العراقية من بينها وكذلك من يمثل شركة التأمين الوطنية].  ويعني هذا أيضًا أن رئاسة الجمهورية قد تركت للنقابة تقرير التعديل على قانون 1980.

لقد اجتهدت النقابة في تقديم جملة من المقترحات لتعديل القانون[8] ضمت موضوعات سبق وأن كانت موضوعًا للمناقشة في ثمانينيات القرن الماضي،[9] وقد كتب عن بعضها مؤخرًا موفق حسن رضا[10] وإسراء صالح داؤد.[11]  إن ما قدمته النقابة تدوير لأفكار كانت متداولة لدى شركات التأمين الخاصة وبعض الكتاب، لكن النقابة قامت بتجميع هذه الأفكار في ورقة واحدة دون الإشارة إلى من قام بالكتابة عنها سابقًا.

لم يكن مقترح النقابة خاليًا من مصلحة يصبُّ لصالح المحامين.  ففي تقديمها للمخاطبات مع رئاسة الجمهورية عبَّرت عن هذه المصلحة كما يلي:

يذكر أن إقرار هذا القانون سيوسع من موارد عمل المحامين عن طريق إقامة دعاوى التأمين، أمام المحاكم المختصة.

ومنشأ هذه الموارد الجديدة هو إلغاء اللجان القضائية لتقدير التعويض واقتراح “تقدير تعويض الأضرار من قبل محاكم البداءة في محل الحادث” كما جاء في البند الثالث من المبادئ التي جاءت بها النقابة

يتم تقدير تعويض الأضرار من قبل محاكم البداءة في محل الحادث وتلغى اللجان القضائية في شركة التأمين الوطنية التي تتولى تقدير التعويض حاليا ليتم احتساب التعويض من قبل المحاكم اعتمادا على خبراء مختصين تحددهم المحكمة لضمان التعويض المتناسب مع الضرر الحقيقي، إذ في المحاكم الاعتيادية يستطيع المتضررون الاستعانة بالمحامين لإيضاح مدى الضرر وضمان تعادل التعويض المقدر مع الضرر الحقيقي بخلاف الحال في اللجان الاقتصادية التي تكاد تكون تعويضاتها محددة ومتماثلة رغم اختلاف الأشخاص واختلاف إصاباتهم.  ويعود جزء من ذلك إلى غياب دور المحامي (القضاء الواقف) في الوصول لتقدير التعويض الفعلي اذ عل فرض وجود محامي فإن دوره يقتصر في الوقت الحاضر على تقديم استمارة طلب التعويض وجلب الأوراق التحقيقية والتقارير الطبية وتستقل اللجنة في تقدير التعويض الذي يكاد يكون متماثلا إضافة لقلته وعدم تناسبه مع الضرر ذلك الضرر الذي يهدف التأمين تعويضه.

لقد كان بهاء بهيج شكري سباقّا في النقد الصارم للقانون بشكل عام ولهذه اللجان خصوصًا[12]   إذ كتب أن

ضآلة مبالغ التعويضات التي درجت تلك اللجنة المذكورة على تقديرها لم تكن لتغطي 10% من الضرر الفعلي الذي يصيب الشخص المضرور، مما أعاد “النظام العشائري” المعروف بنظام “الفصل والدية” للظهور والذي سبب إعادة تطبيقه إرهاقًا كبيرًا لمالكي المركبات، هذا النظام الذي اختفى نهائيًا بتشريع قانون التأمين الإلزامي القديم وما رافقه من إلغاء نظام دعاوى العشائر.[13]

وكتب أيضًا أن

… تشكيل هذه اللجنة يتعارض مع النظام العام إذ أن المدين (شركة التأمين الوطنية) هو واحد من أعضائها، فلا يجوز قانونًا تنصيب المدين حكمًا للبت في حقوق الدائن (المضرور)، وقد ثبت من مستوى مبالغ التعويض التي كانت هذه اللجنة تقدرها مدى الإجحاف الذي لحق بحقوق المضرور.[14]

جاء تأسيس اللجان القضائية بموجب قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 815 بتاريخ 20 حزيران 1982[15] للحيلولة دون التربح من مطالبات التعويض من قبل المحامين.  كتب موفق حسن رضا الآتي بهذا الشأن:

لقد أستغل البعض عدم معرفة المتضررين بحقوقهم وسهولة الحصول عليها، فبرزت ظاهرة متابعة الحصول على التعويض، على الرغم من سهولتها، لقاء أتعاب مبالغ فيها، قرب البعض منها الى نصف مبلغ التعويض.  لذلك كان لابد من التحرك لحماية هذه الشريحة من المواطنين وقطع الطريق على من يحاول استغلالها، فقد أستقر الرأي على تشكيل لجان تختص بالنظر في تقدير التعويض وفقا لأحكام قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 تتشكل من ثلاثة أعضاء برئاسة قاض وعضوية حقوقي من شركة التأمين، وجامعي من المؤسسة العامة للرعاية الاجتماعية، ويطعن بقرارات هذه اللجان أمام محكمة التمييز.  وحدد القرار المذكور أتعاب المحاماة بنسبة لا تتجاوز 10%، وبحد أقصى مقداره 500 دينار.

لقد كان عمل اللجان ينصب بشكل كلي على تقدير التعويض، آخذين بعين الاعتبار ظروف كل متضرر، ذلك ان مسؤولية شركة التأمين عن تسديد التعويض ثابته، بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ.  وبات من الممكن للمتضررين أن يحصلوا على التعويض خلال فترة قصيرة جدا، بعد أن كان البعض من المتضررين ينتظرون سنين للحصول على التعويض من خلال المحاكم.[16]

وهو ما أكدته مؤخرًا إسراء صالح داؤد:

من خلال عملي كعضو للجنة القضائية عن شركة التأمين الوطنية فإن اللجنة القضائية لها الصلاحية في اتخاذ ما يلزم في حسم التعويض بالاستعانة بالخبراء او كسماع الشهود…الخ متى ما اقتضت الضرورة ذلك، علما أن شركة التأمين تتحمل أجور الخبراء

إن ظاهرة متابعة الحصول على التعويضات في حالات الحوادث الشخصية والمسؤولية المدنية معروفة في العديد من أسواق التأمين ومنها أسواق التأمين في البلدان الغربية.  فقد عرفت الولايات المتحدة ما يعرف بظاهرة مطاردة سيارت الإسعاف ambulance chasing، من قبل محامين أو من يمثلونهم، التي تنقل المصابين إلى المستشفيات بغية الحصول على توكيل لمتابعة مطالباتهم مع شركات التأمين لقاء أتعاب تُستحصل من مبالغ التعويض، وفي المحصلة النهائية يصبح المحامي شريكًا مع الطرف النتضرر للانتفاع من مبلغ التعويض الذي تقدمه شركة التأمين أو تقضي به المحكمة المختصة.[17]

وكان لاستشراء دور المحامين في أول عهد قانون 1980 في المبالغة بالمطالبة بالتعويض أثره على تقييد هذا الدور من خلال تأسيس اللجان القضائية للبت في تقدير التعويض.

يبدو أن الإشكاليات التي تنطوي عليها تشكيل اللجان القانونية وإجراءاتها حقيقية، كما بينها بهاء بهيج شكري وأشارت إليها نقابة المحامين.  لكن مجرد الإشارة إليها أو إبراز التناقض في تشكيلها الذي “يتعارض مع النظام العام إذ أن المدين (شركة التأمين الوطنية) هو واحد من أعضائها، فلا يجوز قانونًا تنصيب المدين حكمًا للبت في حقوق الدائن (المضرور)” كما يقول بهاء بهيج شكري، ليس كافيًا.  فهناك حاجة ملحة للتقييم التاريخي لعمل هذه اللجان مع دراسة حالات.  إن المقتربات النقدية لمضامين القانون ولتجربة التطبيق ودور شركة التأمين الوطنية لم يلقَ حتى الآن ما يستحقه من اهتمام قانوني واقتصادي وتأميني (خاصة في الجانب الاكتتابي بخطر تأمين المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات، وهو جانب مُغيّب بقوة القانون إذ أن الاكتتاب القائم يقتصر على مجرد تحديد العلاوة على سعر الوقود).  وكما كتبت في مقال سابق “ربما آن الأوان لمناقشة الآثار الاقتصادية لقانون سنة 1980 على شركة التأمين الوطنية المفوضة بتسوية المطالبات بالتعويض وعلى شركات التأمين وتقييم السجل التاريخي لهذا القانون.”[18]  وكذلك إخضاع تجربة تطبيق القانون منذ 1980 لتحليل اكتواري.

إن أطروحة بهاء بهيج شكري بعدم جواز تنصيب المدين (شركة التأمين الوطنية) حكمًا للبت في حقوق الدائن (المضرور) صائبة لكنها ليست سببًا كافيًا لإلغاء اللجان القضائية، إذ أن إعادة تشكيل هذه اللجان، من خلال تعديل القانون الحالي، باستبعاد ممثل شركة التأمين الوطنية من عضويتها واستبداله بممثل آخر يتمتع بالاستقلالية، من خارج الشركة، يضع نهاية لتضارب المصالح.  إن تعديل تركيبة اللجان بحاجة إلى دراسة مستقلة ووضع قواعد وضوابط لعملها وتحصينها من أية مؤثرات تنتقص من استقلاليتها.

وفيما يخص اطروحته حول عودة “النظام العشائري” المعروف بنظام “الفصل والدية” للظهور بسبب ضآلة مبالغ التعويضات التي كانت الجان القضائية تقدرها فإنه بحاجة إلى دراسة سوسيولوجية وإحصائية.  وبهذا الشأن من المفيد، كمؤشر على مثل هذه الدراسة، ما كتبه سليم الوردي:

منذ أواسط الستينات من القرن الماضي، وضحايا حوادث السيارات يتقدمون بمطالبات التعويض إلى شركة التأمين الوطنية، بموجب قانون التأمين الإلزامي على السيارات.  وكان لتطبيقات هذا القانون دور ملحوظ في خلق الشعور لدى المواطنين في الحق المدني والمطالبة به.  وتشير الإحصاءات أن تعويضات مجزية نسبياً كانت تدفع لضحايا حوادث السيارات. كان معدّل التعويض الذي يدفع سنة 1980 زهاء 3500 دينار بما يقابل 11900 دولار أميركي.  بينما أصبح معدل مبلغ التعويض زهاء 5350 دينار في سنة 1995، أي بما يقابل (بسبب التضخم الجامح) في حدود 3 دولارات فقط.  ولم يعد من المعقول أن يقتنع الضحايا بمبلغ تعويض تافه كهذا. وقد طالبت شركة التأمين الوطنية ديوان الرئاسة بتعديل قسط التأمين المحسوب بمعدّل عشرة فلوس على اللتر الواحد من وقود السيارات عندما كان سعر اللتر 90 فلساً.  ولكن ديوان الرئاسة أصر على عدم التعديل وإبقاء السعر من دون زيادة، على الرغم من ارتفاع سعر لتر الوقود إلى عشرات المرات.  بما يعني فعلاً أن ديوان الرئاسة لم يكن يكترث بانفضاض أصحاب الحق المدني من ضحايا حوادث السيارات عن شركة التأمين، وانصرافهم لتسوية حقهم المدني بأسلوب الفصل العشائري، الذي يحقق تعويضات أكبر بمئات الأضعاف.[19]

أما أطروحة نقابة المحامين لإلغاء المجالس القضائية واللجوء إلى المحاكم فإنها لا تقوم على دراسة موثقة منشورة.  من المعروف أن مطالبات التعويض عن الأضرار لا تنتهي دائمًا للبت أمام المحاكم في العراق وغيره من بلدان العالم.  كما أن اللجوء إلى المحاكم ليس حلًا سحريًا وكما كتبت إسراء صالح داؤد فإنه

قد يتسبب في التأخير ويستغرق وقتاً لحسم تسوية التعويض، وإذا ما علمنا أن العديد من الدول سارية في التوجه في فض النزاعات عبر هيئات الوساطة والتحكيم قانونيًا أو اتفاقيًا، إذ أن المطالبة أمام المحاكم تتطلب سلسلة من إجراءات عند التقاضي، فضلًا عن أنها تثقل كاهل طالب التعويض بالرسوم والمصاريف القضائية وأجور المحاماة والخبراء إذا ما قورنت بأعمال اللجنة القضائية.[20]

وفي حين ان الإجراءات القضائية تنطوي على تكلفة مالية، تتحملها شركة التأمين والطرف المتضرر، فإن إجراءات التأمين بما فيها تسوية المطالبات بالتعويض لا يترتب عليها مثل هذه التكلفة، إضافة إلى خلوّها من التعقيدات القضائية.  وهذا بالإضافة إلى التلكؤ في إصدار الأحكام القضائية.  ومن المفيد هنا أن نقتبس ثانية مما كتبه موفق حسن رضا أنه

بات من الممكن للمتضررين أن يحصلوا على التعويض خلال فترة قصيرة جدا، بعد أن كان البعض من المتضررين ينتظرون سنين للحصول على التعويض من خلال المحاكم

بعد نشر مقالي “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات” أثار معي أحد زملاء المهنة في العراق سؤالين:

في محاولة للاقتراب من هذين السؤالين قدمت الملاحظات التالية.

في الفترة التي شرع أثناءها قانون سنة 1980 كان قطاع التأمين العراقي يتكون من شركتين: الشركة العراقية للتأمين على الحياة (شركة التأمين العراقية حاليا) المتخصصة بتأمينات الحياة وشركة التأمين الوطنية المتخصصة بالتأمينات العامة.  لذلك وفي سياق تركيبة سوق التأمين آنذاك فإن تكليف التأمين الوطنية بإدارة صندوق التأمين الإلزامي وبوظيفة التعويض يكون أمرًا مفهومًا.

ليس هناك ضرورة ماسة كي تقوم شركة التأمين الوطنية بإدارة الصندوق والتعويض، فبالإمكان إنشاء صندوق خاص تجمع فيه أقساط التأمين، المستوفاة من سعر الوقود، لتسديد المطالبات منه.  وبهذا ينتفي دور التأمين الوطنية أو أي شركة/شركات تأمين أخرى، إذ يمكن تفويض إدارة الصندوق لهيئة مستقلة لا علاقة لها بأي من شركات التأمين العامة أو الخاصة.  وهذا يتماشى مع توجهات القانون إذ أن القانون ألغى الوظيفة الاكتتابية التي تقوم بها شركات التأمين في تقييم الأخطار ووضع الشروط والأسعار المناسبة للتأمين عليها.  وبهذا المعنى ليس هناك مبرر لأن تقوم شركة التأمين الوطنية بوظيفة التعويض.

فيما يخص الجانب الآخر من سؤالك: مشاركة شركات القطاع الخاص في وظيفة التعويض فإن المشاركة غير ممكنة.  أقول هذا مسترشدًا بما هو معهود في حالات مشاركة شركتين أو أكثر في الاكتتاب بخطر ما (co-insurance) ومن ثم الاتفاق بينها على أن تكون إحداها هي الشركة القائدة (leading company) في وضع الشروط والأسعار وتسوية التعويضات.  مثل هذه المشاركة غير ممكنة في ظل قانون 1980 سواء ما تعلق بالاكتتاب أو التعويض.

بالنسبة للنظام السائد بفضل قانون 1980، كيف يمكن لشركات القطاع الخاص المشاركة في وظيفة التعويض وهي لا تستلم أقساط التأمين الإلزامي للمسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات؟

على أي حال، إن الموضوع يحتمل الكثير من النقاش، وهو بحاجة إلى مشاركة طيف واسع من ممارسي التأمين والقانونيين والاقتصاديين وغيرهم.

إن الإبقاء على القانون وحتى تعديله كما ترغب رئاسة الجمهورية وكما تقترح نقابة المحامين لا يسمح بقيام دور لشركات التأمين الأخرى للتأمين على المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات إذ أن الوظيفة التعويضية تظل محصورة بشركة التأمين الوطنية.

إلغاء القانون يعني التراجع عن مبدأ الحق المفترض بقوة القانون، وليس العقد، للشخص المتضرر (الطرف الثالث) بالحصول على التعويض باعتماد قاعدة تحمل التبعة وإقصاء ركن الخطأ لتحديد قيام المسؤولية على مسبب الضرر.

كما أن إلغاء القانون يعني اللجوء إلى التأمين التجاري لحماية الذمة المالية للمؤمن له تجاه من يتسبب بتضرره في بدنه أو في ممتلكاته؛ أي استعادة نموذج قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964 مع تحديثه، وهو القانون الذي عملت شركة التأمين الوطنية من أجل تحقيقه في ذلك الوقت.

من المؤسف أن مشروع تعديل قانون 1980 لم يخضع لنقاش عام ربما كان سيرشح منه سرداً لتجارب شخصية، وآراء لأطراف مستقلة، وأخرى تأمينية وقانونية واقتصادية، وتحليل لتأثير القيم الاجتماعية على ثقافة التأمين.

25 آب 2021


[1] راجع: مصباح كمال، “وقفة مع مداخلات مجلس النواب العراقي في القراءة الثانية لمشروع قانون تعديل قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980،” مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2015/07/iraqi-parliament-debates-amendment-of.html

لعل رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين قد تباحثا بشأن مشروع التعديل السابق ولهما مخاطبات بشأنه ولكن ما هو متوفر لي لا يشير إلى ذلك.  أرجو ممن يتوفر على معلومات أفضل الكشف عنها لتصحيح الموقف.

[2] موقع نقابة المحامين: https://lawyers.gov.iq/news/1775/

[3] دستور العراق الصادر عام 2005:

https://www.constituteproject.org/constitution/Iraq_2005.pdf?lang=ar

[4] جميع الأسماء ستذكر مع حفظ الألقاب.

[5] اسراء صالح داؤد، “دعوات لمشروع جديد لقانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/08/مشروع-قانون-جديد-للتامين-الالزامي-من-المسؤولية-المدنية-عن-حوادث-السيارات-IEN-Edit-3.pdf

[6] من المفيد هنا قراءة ما كتبه هادي عزيز علي: “رسالة الى السيد رئيس الجمهورية المحترم … عن قانون العقوبات الجديد،” ودفاعه عن دور القضاة، المدى:

https://almadapaper.net/view.php?cat=245433

[7] راجع نص كتاب رئاسة الجمهورية الملحق بهذه الورقة.

[8] راجع ما قدمته نقابة المحامين لرئاسة الجمهورية تحت عنوان “مقترح تشريع قانون جديد للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات” الملحق بهذه الورقة. هذا العنوان يذكر “مقترح تشريع قانون جديد” في حين أن المطلوب هو تعديل القانون القائم.

[9] أشرت إلى بعضها في ورقتي “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

[10] راجع: موفق حسن رضا، “تعقيب على مقال “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Muwafaq-H.-Ridha-Comulsory-Motor-TPL-Law-52-of-1980-critical-comments-final.pdf

[11] راجع: إسراء صالح داؤد، مصدر سابق.

[12] بهاء بهيج شكري، “مبحث خاص: ملاحظات حول قانون التأمين الإلزامي العراقي رقم 52 لسنة 1980،” فصل في كتابه التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمان: دار الثقافة، 2010)، ص 582-598.

[13] شكري، ص 585-586.

[14] شكري، ص 594.

[15] نص القرار منشور في مجموعة قوانين التأمين الإلزامي على السيارات في البلاد العربية، القاهرة: الاتحاد العام العربي للتأمين، 1996، ص 153-154.

[16] موفق حسن رضا، مصدر سابق.

[17] للتعريف بهذه الظاهرة راجع:

https://en.wikipedia.org/wiki/Ambulance_chasing

[18] مصباح كمال، مصدر سابق.

[19] د. سليم الوردي مقتربات إلى المشروع السياسي العراقي، 1921-2003 (بغداد: د.ن، 2005)، ص 107.

[20] إسراء صالح داؤد، مصدر سابق.

Calls for a New Law on Compulsory Liability Insurance

دعوات لمشروع جديد لقانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات

إسراء صالح داؤد

نشرت هذه المقالة أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2021/08/19/%d8%a7%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad-%d8%af%d8%a7%d8%a4%d8%af-%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86/

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/08/مشروع-قانون-جديد-للتامين-الالزامي-من-المسؤولية-المدنية-عن-حوادث-السيارات-IEN-Edit-3.pdf

تقدمت نقابة المحامين إلى مجلس النواب مؤخرًا بمقترح تشريع قانون جديد للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات، وتعقيبًا على ما جاء في الدراسة المعنونة “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات ” للأستاذ الفاضل مصباح كمال في شبكة الاقتصاديين العراقيين وكذلك ما تم التعقيب عليها من اساتذتي الافاضل مؤخرًا من دراسات ومقالات قيمة في ذات الموضوع، أود أن أوضح أن إعادة النظر بالقانون بما ينسجم والغاية المنشودة منه أمر محمود.  وقبل ان نتناول بالبحث ما جاء بمقترح نقابة المحامين العراقية ودعوات شركات التأمين الخاصة لا بأس أن نلقي الضوء ابتداءً وبشكل موجز على أحكام القانون النافذ حاليًا، وكما يلي:

أولًا ـ من حيث الطبيعة القانونية للتشريع

إن قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 المعدل، يُعَدُّ نظامًا قانونيًا وليس عقدًا، غايته توفير الحماية الاجتماعية للجميع وليس السعي لتحقيق الربح.  وهنا يختلف عن التأمين التجاري الذي يستند على تحقيق الربح ويقوم على أساس المنافسة المشروعة.  فبموجبه فإن جميع السيارات مؤمنة تلقائياً دون حاجة لإصدار وثيقة تأمين.   كما رسم المُشرّع آلية استيفاء أقساط التأمين والاشخاص المستفيدين منه والاضرار المشمولة بالتعويض من جراء حوادث المركبات التي تسير بقوة المحرك الذي يعمل بالوقود حصرًا، كما حدد الجهة التي تتولى تنفيذه وأناط ذلك بشركة التأمين الوطنية حصريًا.

ثانيا ـ من حيث الأساس القانوني

استند القانون على نظرية تحمُّل التبعة في المسؤولية كأساس لالتزام شركة التأمين بدفع التعويض بدلاً من اعتماد المسؤولية القائمة على أساس الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس، أي بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ، وهدفه توفير الحماية الاجتماعية للمتضرر من جهة، وتخفيف العبء على مسبب الضرر من جهة أخرى.

ثالثا ــ من حيث النطاق الشخصي

إن القانون النافذ شمل بالتعويض كل شخص متضرر من حادث مروري كالسائق والراكب أو الشخص العابر إلا ما يتعارض مع أحكام القانون كالفعل العمدي.  كما يشمل التعويض ورثة المتوفي ومن كان يعيلهم.  كما أن القانون وسَّع بالتغطية التأمينية المتضرر من السيارات المجهولة وسيارات الجيش وقوى الأمن الداخلي والسيارات الأجنبية عند دخولها إلى العراق، وحسناً فعل المشرع بشمول التغطية التأمينية للسيارات الأجنبية، اذ في الغالب يتعذر على المتضرر الحصول على تعويض من مالكي تلك السيارات بسبب تركهم العراق.  ونشير هنا فيما يخص السيارات الأجنبية أن التغطية التأمينية تشمل أيضًا ما يلحق بأموال المواطن العراقي من ضرر جراء حادث مروري قد تسببها تلك السيارات بالإضافة إلى الحماية التي كفلها عند التضرر بسبب الوفاة أو الإصابة البدنية الناشئة عن استعمال السيارة.

رابعا ـ من حيث استيفاء قسط التأمين

استنادًا لأحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 955 في 31 كانون الأول 1987، فإن استيفاء أقساط التأمين يتمُّ من خلال الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية التابعة لوزارة النفط وفق النسب التي تم تحديدها وفق القانون، وصرف النظر عن إصدار وثيقة التأمين.[1]

وهنا نوضح أن أقساط التأمين تودع في صندوق التأمين الإلزامي بمنأى عن حسابات شركة التأمين الوطنية ويخضع إلى ديوان الرقابة الاتحادية، وان ما تودع من أقساط يتم تدوير الفائض منها للسنة القادمة، علمًا أن حصة صندوق التأمين الإلزامي قد انخفضت لحساب حصة الخزينة في آخر تعديل.  سأكتفي بهذا القدر لكون الموضوع قد نال الاهتمام الكثير من ذوي الاختصاص.

خامسا ـ من حيث آلية تسوية التعويضات

استناداً لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل 815 لسنة في 20/6/1982 النافذ، تم تشكيل اللجان القضائية لتقدير التعويض برئاسة قاضي من الصنف الثاني وعضوية موظف من شركة التأمين الوطنية وعضو من دائرة الرعاية الاجتماعية، تتولى النظر بطلبات التعويضات البدنية وفق الأصول.  ولا يدخل ضمن اختصاص لجنة تقدير التعويض النظر في طلبات التعويض عن أضرار الأموال.  بالإضافة لذلك، حدد الفئات المشمولة بالتعويض.  من خلال عملي كعضو للجنة القضائية عن شركة التأمين الوطنية فإن اللجنة القضائية لها الصلاحية في اتخاذ ما يلزم في حسم التعويض بالاستعانة بالخبراء او كسماع الشهود…الخ متى ما اقتضت الضرورة ذلك، علما أن شركة التأمين تتحمل أجور الخبراء.  فاللجنة القضائية جهة فصل في التعويض ولهذا مُنعت المحاكم من سماع دعاوى المطالبة بالتعويض عن الإصابة أو الوفاة الناشئة عن حوادث السيارات.

سادسًاـ من حيث الرسوم والمصاريف

نشير إلى أنه لا تستوفى أي رسم قانونية عن المطالبة بالتعويض أمام لجان تقدير التعويض، فلا يتحمل المتضرر “طالب التعويض” أية مصاريف كأجور الخبراء…الخ ويتحملها صندوق التأمين الإلزامي.

سابعا ــالرقابة على أعمال اللجنة القضائية

لقد أعطى القانون الحق للمتضرر “طالب التعويض” وشركة التأمين الوطنية بالطعن تمييزًا في قرارات لجان تقدير التعويض لدى محكمة التمييز خلال 60 يومًا من اليوم التالي للتبليغ، ولمحكمة التمييز تصديق قرار اللجنة كلًا أو نقضه وإعادته إلى اللجنة للنظر به على ضوء ما جاء في قرار المحكمة، لا بل لها سلطة بتقدير التعويض زيادةً أو نقصانًا ويكون قرار محكمة التميز باتًا.

الأصل أن محكمة التمييز لا تفصل بالنزاع لأنها ليست درجة من درجات التقاضي وأن الفصل بالتعويض من اختصاص اللجنة القضائية، حيث أن دور محكمة التمييز يتحدد بتدقيق إضبارة التعويض والتحقق من مدى موافقة قرار اللجنة القضائية للقانون، فمحكمة التمييز إما تصدق القرار أو تنقضه لمخالفته للقانون أو لخطأ في تطبيقه ليعود إلى اللجنة القضائية للفصل به، غير أنه يؤخذ على اللجنة القضائية ما يلي:

  • إن مهام اللجنة القضائية تقدير التعويض لجبر الضرر، وإن كان قرار تشكيلها لم يحدد الحد الاقصى للتعويض وهذا ضروري جدًا.  وتجدر الإشارة إلى أن المتضرر له حرية تحديد مبلغ التأمين في استمارة طلب التعويض، وفي كل الأحوال لا تتجاوز اللجنة القضائية حدوده عند التسوية.  وهنا لابد من حدود لمسؤولية شركة التأمين الوطنية بالتعويض.
  • المشكلة في أداء اللجنة القضائية، إذ أن التعويض المقرر للمستفيد لا يتناسب مع جسامة الأضرار، وغالبًا ما تستأنس بقرارات محكمة التمييز عند ممارسة دورها في الفصل بالتعويض وما استقر عليها قضاؤها، وهذا ما حدا بالمتضرر إلى أن يلجأ المتضرر إلى الفصل العشائري، الأمر الذي أدى إلى أن محكمة التمييز تأخذ بنظر الاعتبار مبلغ الصلح والفصل العشائري في تقدير التعويض لا بل إسقاطه إذا كان مبلغ الفصل العشائري يستغرق مبل ومن غ التعويض.

هنا تظهر بين الفينة والأخرى دعوات تطالب بإلغاء أو تعديل قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 المعدل وإصدار تشريع جديد يستند على وجوب اقتناء وثيقة التأمين الإلزامي من شركات التأمين العاملة في العراق مع توسيع نطاق غطاء التأمين الشخصي (الإصابات البدنية بضمنها الوفاة التي تلحق بالشخص الثالث) والموضوعي (الأضرار المادية التي تلحق بممتلكات الشخص الثالث) ليشمل، إضافة إلى الشخص الثالث المتضرر من حوادث السيارات، الضرر المرتد (وهو ضرر ينشأ عن الضرر الأصلي يصيب أشخاصًا آخرين غير المتضرر الأصلي).  

ونود أن نوضح فيما يخص توسيع النطاق الشخصي للتأمين انه يشمل الأشخاص الذين يتعرضون للضرر المرتد أو المنعكس، وهو كل ضرر ينشأ عن الضرر الأصلي، حيث يرتد على أشخاص آخرين غير المتضرر الأصلي، أي هو كل ضرر في حق أو مصلحة مشروعة ويمس المشاعر والأحاسيس للمتضرر بالارتداد نتيجة إصابة المتضرر الأصلي.  وقد نصت المادة ٢٠٥/٢ من القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ على انه: “ويجوز ان يقضي بالتعويض للأزواج وللأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر ادبي بسبب موت المصاب.”

وإذا أُخذ بهذا التوسع بالنطاق الشخصي للتأمين الإلزامي من المسؤولية لحوادث السيارات ينبغي ان يحدد من هو المشمول صراحة دون الأخذ بالنص المطلق للمادة أعلاه وليس لما هو مقرر بالقانون الحالي.  وكذلك توسيع التغطية التأمينية لتشمل أخطارًا أخرى كالاصطدام والانقلاب … الخ.  وبالتالي وجوب إلغاء اللجنة القضائية وإحالة تقدير التعويضات عن حوادث التأمين الإلزامي إلى المحاكم.  وسنتولى بالرد على هذه الدعوات كالاتي:

أولًا ـــ فيما يخص مقترح نقابة المحامين الذي قدمته مؤخرًا إلى مجلس النواب الذي يؤخذ عليه ما يلي:

  1. كان يفترض أن يقدم إلى ديوان التأمين باعتباره الجهة المختصة قانونًا فيما يخص إعداد القوانين والأنظمة والتعليمات، حيث نصت المادة 8 من قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 المعدل على أن: “يتولى رئيس الديوان: سادساً – إعداد مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بأعمال التأمين ورفعها إلى الجهات المعنية”، وهذا بحد ذاته مخالفة قانونية وكان على مجلس النواب إحالة المشروع للديوان حسب الاختصاص لغرض دراسته.
  • كما أن اللجوء إلى المحاكم قد يتسبب في التأخير ويستغرق وقتاً لحسم تسوية التعويض، وإذا ما علمنا أن العديد من الدول سارية في التوجه في فض النزاعات عبر هيئات الوساطة والتحكيم قانونيًا أو اتفاقيًا، إذ أن المطالبة أمام المحاكم تتطلب سلسلة من إجراءات عند التقاضي، فضلًا عن أنها تثقل كاهل طالب التعويض بالرسوم والمصاريف القضائية وأجور المحاماة والخبراء إذا ما قورنت بأعمال اللجنة القضائية.
  • إن ما جاء بمقترح نقابة المحامين ينصبُّ حقيقة على تفعيل دور المحامي في المطالبة بالتعويض، وإن كان قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 815 في 20 / 6 / 1982 قد حدد أتعاب المحاماة بنسبة 10% من مبلغ التعويض المقرر على أن لا تزيد عن خمسمائة دينار في جميع الأحوال، وأن الحد الأعلى للأتعاب كان مبلغًا جيدًا وقتذاك إلا أنه لم يعد يذكر الآن.  لذلك يتم اللجوء إلى الاتفاق لتحديد أجور المحاماة التي تصل إلى نصف مبلغ التعويض أحياناً.  وعليه يجب إعادة النظر بأتعاب المحاماة بما ينسجم مع مبلغ التعويض والجهد المبذول للمحامي دون إجحاف.

ثانياًــ فيما يخص رغبة شركات التأمين بترويج التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات وتوسيع نطاقه ليكون التأمين على السيارات شاملًا كأن يشمل التأمين حالات الوفاة والإصابة البدنية وكذلك الأضرار المادية التي تلحق بممتلكات الغير، الالتزام بإجراء التأمين على مالك السيارة أو من يقوم مقامه قانونًا وتؤدى شركة التأمين مبلغ التأمين المحدد في الوثيقة عن الحوادث، فهل لهذه الشركات القدرة بتسديد التعويضات؟  وما مصير التعويضات عن الأضرار الناشئة عن السيارات مجهولة الهوية أو المعفاة من التأمين؟

ويبدو على الأرجح أن شركات التأمين غير قادرة إذ ترك الأمر لها بالمطلق، لاسيما وأن قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1982 له خصوصية تندرج تحت باب الرعاية الاجتماعية غايته توفير الحماية وليس الربح والمضاربة.  وهنا تبرز أهمية ودور اللجنة القضائية.  وعليه نؤيد ما ذهب إليه الأستاذ موفق حسن رضا بأهمية وجدوى اللجان القضائية التي راعت ظروف المتضرر.[2]

إن الملاءة المالية لهذه الشركات التي في أغلبها متعثرة ماليًا والخبرات المتوفرة لديها بسيطة، وإن كان لابد فينبغي أن تتولى شركات التأمين تمويل صندوق التأمين الإلزامي بنسبة من الأقساط المستحصلة طبقًا لنشاطها وبياناتها المالية من نشاط التأمين الإلزامي وتحدد هذه النسبة سنويًا بقرار من وزير المالية مع بقاء اللجنة القضائية للبت في تعويضات الأضرار الناشئة عن السيارات المجهولة وكذلك السيارات المعفاة من التأمين وغيرها بنص تشريعي، ليرتب القانون أثره وإن كان هذا ليس بالأمر اليسير.

وعليه نستخلص من الدعوات أعلاه إلى ما يلي:

  • إلغاء اللجنة القضائية وإناطة البت بالتعويض للقضاء مع بقاء صندوق التأمين الإلزامي لصرف التعويضات، وهذا ما تطالب به نقابة المحامين لتفعيل دور المحامي.
  • إناطة التأمين الإلزامي من حوادث السيارات مع توسيع غطاءه لشركات التأمين وإلغاء صندوق التأمين الإلزامي وهنا ستكون شركات التأمين على المحك.

ومما تقدم يبدو من الأفضل على الأقل في الوقت الحاضر أما إعادة النظر في قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 من حيث توسيع نطاقه الموضوعي – أي الاخطار التي يغطيها التأمين، ومن حيث التعرفة من خلال إعادة العمل بوثيقة التأمين الإلزامي وإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 955 لسنة 1987 وإن كان هذا الأمر سيثقل عمل شركة التأمين الوطنية مع تفعيل دور اللجنة القضائية.

18 آب 2021

(*) المستشار القانوني المساعد، شركة التأمين الوطنية


[1] للمزيد حول الموضوع، اقرأ: مصباح كمال، “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الالزامي من حوادث السيارات،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2021/07/05/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82/#comments

[2] للمزيد راجع: موفق حسن رضا، تعقيب على مقال “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2021/07/20/%d9%85%d9%88%d9%81%d9%82-%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%b1%d8%b6%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d9%82%d9%8a%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%b3%d8%b1/

A Note on the National Insurance Company and Production

ملاحظة على شركة التأمين الوطنية وإنتاج أعمال التأمين

مصباح كمال

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbah-Kamal-NIC-Insurance-Production-Comment-of-Israa-Saleh-Daoud-IEN.pdf

http://iraqieconomists.net/ar/2021/07/26/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88/

قرأت مؤخرًا تقريرًا نشرته وكالة الأنباء العراقية بتاريخ 8 تموز 2021 تحت عنوان “التأمين الوطنية توضح إجراءاتها الخاصة بتعويض المتضررين من الحرائق.”  https://www.ina.iq/129852–.html تضمن حديثًا مع الآنسة إسراء صالح داؤد، مدير عام الشركة.  وقد نقل التقرير معلومات مفيدة للمهتمين بالتأمين وللقراء عمومًا.

توقفت عند فقرة نقلها كاتب التقرير عن مدير عام الشركة ذكر فيها أنها تؤكد أن

أي شركة او مخزن او مول يرغب بالتأمين عليه مراجعة شركة التأمين ويملأ استمارة طلب التأمين وهناك لجنة كشف من الشركة تتولى إجراء الكشف لتقييم الخطر وتسعيره وتحديد القسط.

ظاهريًا ليس هناك ما يستدعي التساؤل عن الإجراء الذي تتبعه شركة التأمين الوطنية: مراجعة طالب التأمين للشركة للحصول على التأمين الذي يرغب به.  ولكن عند التأمل والتحليل نرى أن المضمر في هذا التأكيد هو أن الشركة لا تسعى إلى الإنتاج بل تنتظر أن يأتي إليها المؤمن لهم المرتقبون، طالبو التأمين، لتقوم بالتأمين على أموالهم ومسؤولياتهم.  والمضمر أيضًا افتراض وجود وعي بأهمية شراء الحماية التأمينية لدى طالبيها، لكن واقع الحال يشير إلى ضعف هذا الوعي إلا لدى القلة من الأفراد والشركات التي تلجأ إلى شركة التأمين للحصول على وثيقة تأمين من مخاطر معينة.  هذا الواقع، ضعف الوعي بالتأمين، يقضي أن يأتي التعريف بأهمية الحماية التأمينية من شركات التأمين ذاتها ومن وسطاء ووكلاء ومنتجي أعمال التأمين.

ربما جاء هذا التأكيد في غفلة، أو من نظرة متوارثة إلى وظيفة إنتاج وثائق التأمين في شركات التأمين العامة تعززت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.  من معرفتنا البسيطة بالمدير العام للشركة نرى أن ما نقل عنها ليس دقيقًا، وهو ما نرجوه، فهي حريصة على تقدم شركتها وتقدم جميع شركات التأمين في العراق.  فقد عملت مؤخرًا، كما علمت، على ضمان تمثيل شركات التأمين الخاصة في اجتماعات مركز التدريب المالي والمحاسبي الذي يعمل على إقامة مؤتمر تحت شعار “إصلاح قطاع التأمين في العراق.”[1]  كما علمت بأنها تعمل على إعادة النظر بنص وثيقة التأمين على حياة المقترضين لضعف الصياغة وعدم الدقة في بعض المواضع.

من بين الانتقادات التي كانت تُوجّه لشركات التأمين العامة في العراق هو أنها، بفضل احتكارها لأعمال التأمين، لا تسعى إلى الإنتاج بل تنتظر طالبي التأمين ليأتوا إليها، وأن هذا الوضع يفسر عدم شيوع التأمين كما يجب.  وهذا انتقاد غير منصف وكان الهدف منه دائمًا هو الاستهانة بالقطاع العام والتقليل من دوره في النشاط الاقتصادي.  ففي الفترة ما قبل 2003، وخاصة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت شركة التأمين الوطنية، وبفضل إداراتها، تنتهج الخطط الإنتاجية[2] وتعمل على تحقيقها من خلال منتجي الشركة (كان للشركة قسم متخصص يحمل اسم قسم الإنتاج) ومن خلال ما يقرب من عشرين وكالة للتأمين.[3]  في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في تسعينيات القرن الماضي انحسرت أعمال هذه الوكالات وألغيت الاتفاقيات مع التأمين الوطنية.  ربما لم يكن الوضع مختلفًا بالنسبة لشركة التأمين العراقية (كان اسمها حتى أواخر ثمانينيات القرن المنصرم الشركة العراقية للتأمين على الحياة)، وكان معروفً عنها قوة جهازها التسويقي.

ومن أجل إبراز أهمية شركات التأمين الخاصة فإنها تُقارن مع شركات التأمين العامة، فالأطروحة السائدة هي أن الشركات الخاصة لا تنتظر أن يأتيها طالب التأمين بل هي التي تبحث عنه وتعمل على إقناعه بشراء الحماية التأمينية.

لعل التأكيد المنقول عن مدير عام شركة التأمين الوطنية الذي اقتبسناه يعزز هذه المقارنة إذ يبدو أن النهج الاستباقي proactive approach في إنتاج أعمال التأمين لدى شركات التأمين العامة، وخاصة شركة التأمين الوطنية في الفترة ما بعد 2003، صار مفقودًا وفي أحسن الحالات ضعيفًا.

ولعل ما يؤيد هذه الصورة هو قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية رقم 56 لسنة 1950 الذي لا يزال نافذًا.  فالمادة 7 من القانون تقضي بأن

على دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية أن تعهد حصراً إلى الشركة بمعاملات التأمين التي تجريها.

وهذا القانون هو ما يتعكز عليه منتقدو الشركات العامة في الادعاء أن أعمال التأمين تأتي إلى شركة التأمين الوطنية دون جهد من قبلها.

لكن الصفة الحصرية تقتصر على “دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية” أي أن معاملات التأمين الأخرى تبقى مفتوحة للمنافسة بين شركات التأمين العامة والخاصة.  كما أن هذه الدوائر والمؤسسات قلما تلجأ لشراء التأمين.  ويمكن أن نذكر هنا أن معظم المستشفيات لا تشتري حماية تأمينية، مثلما أن العديد من المشاريع الحكومية لا يؤمن عليها.

إن أحكام هذا القانون تتضارب مع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وهو ما حاولنا دراسته.[4]  فالمادة 81 من قانون 2005 تؤسس لإطلاق حرية التأمين:

أولاً- لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ثانياً- لا يجوز اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

التضارب بين أحكام القانونين ما يزال قائمًا رغم التوجه الاقتصادي لحكومات ما بعد 2003 لبناء نظام اقتصادي رأسمالي بإرشادات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتحرير السوق وتعزيز التنافس بين الوحدات الاقتصادية وإعلاء دور القطاع الخاص (وإشاعة النهب والفساد والفقر والتفاوت الطبقي الحاد).  وهو ما يستدعي تنظيم المنافسة بين شركات التأمين العامة والخاصة على أسس اقتصادية وإزالة التنافر بين القوانين.  هذا بافتراض أن مشاريع الخصخصة أو الدمج بين الشركات العامة لم تعد قائمة في جدول أعمال الحكومة.

إن إزالة العوائق القانونية سيوفر الأرضية المناسبة لقيام منافسة حقيقية بين شركات التأمين العامة والخاصة.  وهنا تنهض مسألة كيفية حفاظ شركات التأمين على حصتها من الأعمال وسبل زيادتها، والخروج من رقدة انتظار مجيء طالب التأمين إليها.  لو ظلت شركة التأمين الوطنية على موقف انتظار طالب التأمين ليأتي إليها ستخسر الكثير من الأعمال لمنافسيها.

من المتوقع أن لا يظل حال قطاع التأمين العراقي على ما هو فيه الآن من ترهل وضعف في الموارد والقدرات الفنية إن تطورت شركات التأمين الخاصة نحو الأحسن، أو تم السماح بدخول شركات التأمين الأجنبية[5] عندها ستتراجع مكانة شركة التأمين الوطنية مالم تستلهم شيئًا من تراثها السابق، وتستفيد من الأدوات الحديثة لتسويق المنتج التأميني، وترفع مستوى خدماتها.

لنتذكر هنا أن د. سليم الوردي، الذي ترأس قسم التخطيط والمتابعة، ساهم على المستوى الفكري في إشاعة مفاهيم وتطبيقات تخطيط الإنتاج في شركة التأمين الوطنية وتسويق المنتجات والخدمات التأمينية في عقد السبعينيات وما بعدها.  فقد قام بترجمة وإعداد كتاب تسويق التأمين، وقبلها تعاون مع زملاء آخرين في تأليف كتاب تسويق خدمات التأمين.[6]

وقبل ذلك، لنتذكر حكاية أوردها الأستاذ عبدالباقي رضا في رسالة للكاتب اقتبس مقاطع مطولة منها لقيمتها التاريخية وما تنطوي عليه من مغزى.  ففي رسالة له جوابًا على سؤال عن ادارته للشركة كمؤسسة حكومية أو شركة تجارية، كتب الآتي:

سؤالك عن ادارتي الشركة كمؤسسة حكومية أو شركة تجارية يستحق وقفة خاصة.  تعلم انني عملت في القطاع الخاص مع مجموعة نشطة وطموحة ولم أحلم اني سأتحول للعمل في القطاع الحكومي وفجأة جاء التأميم وأصبحت مديراً عاماً لشركة حكومية.  بعد سنة وأكثر وأنا في شركة بغداد للتأمين حصل حريق كبير في سوق دانيال للأقمشة والتهم الكثير من المحلات التي كان مؤمناً عليها لدى شركتنا.  بعد أن أخمد الحريق وبانت أضراره الكبيرة بادرت إلى استحداث مكتب لتسوية التعويضات داخل السوق وأظن أن رفعت الفارسي كُلّف بإدارته وباشرنا بتسوية التعويضات موقعياً وعاجلاً مما كان له أثر طيب في نفوس أبناء السوق وكذلك المسؤولين.  من جهة أخرى وجهنا الجهاز الانتاجي في الشركة لحصد نتائج عملنا بإجراء التأمين على المحلات غير المؤمن عليها فكانت حملة انتاجية فريدة وناجحة.  هذا الأسلوب لم يكن بالإمكان الاستمرار عليه خاصة بعد ان تخصصت الوطنية، ذات الإرث الروتيني الحكومي، في أعمال التأمين العام.  لا أدري إذا كنتَ عاصرت الزوبعة التي أثارها ضدي بعض البعثيين وأدت الى احتجازي والزملاء موريس منصور وبصري محمد صالح ورفعت الفارسي[7] في الأمن العامة لمدة أسبوع بأمر محكمة الثورة التي وقفنا أمامها متهمين، قبل ان تقرر رئاسة الجمهورية غلق القضية بنصيحة بعض العقلاء من القيادات الاقتصادية التي كان يستشيرها رئيس الجمهورية في اجتماع أسبوعي معها.

في التحقيق الذي اجرته معي لجنة خاصة برئاسة وحيد إبراهيم، الذي أصبح فيما بعد وكيلاً لوزارة المالية لفترة ما، أنهيت افادتي الطويلة على سؤالها الأول بعبارة “إذا كنتم تريدون أن تُدار شركة التأمين كدائرة ضريبة الدخل فأنا لا أصلح لإدارتها وابحثوا عن غيري لها.” (التأكيد مني، م. ك.)

لقد أنجزت الكثير في هذا الاتجاه، مع ذلك ينبغي أن لا يغيب على البال إن إدارة مؤسسة حكومية لا بد أن تخضع الى ضوابط ملزمة وهي تخضع لرقابة أعلى سلطة رقابية في البلد هي ديوان الرقابة المالية ولا يمكن بأي حال من الأحوال مجاراة مرونة وحرية مؤسسة القطاع الخاص التي تخضع في أحسن الأحوال لمراقبة مراقب حسابات أهلي.  اعتقد انني بذلت ما أملك من ثقة لأدير الشركة بمرونة متميزة.[8]

ولي أن أضيف إلى ذلك ما كتبه الزميل العزيز محمد الكبيسي، الخبير في تسويق منتجات التأمين على الحياة، اقتبس فقرات قصيرة منه.  في ورقته بيَّن الفرق بين بيع وثائق التأمين والتسويق الذي أشار إليه بأنه ذلك “المزيج التسويقي المكون من عمليات:

1)    مسح السوق وتحديد الطلب.

2)    تهيئة وتأهيل رجال البيع (Sale Force).

3)    وضع الخطة الإعلامية السنوية ومتابعة تنفيذها.

4)    وضع الخطة الإنتاجية (القريبة والبعيدة) ومتابعة تنفيذها.

5)    تطوير المُنتج (Product) بمواكبة رغبات السوق.

6)    وأية جوانب أخرى حسب طبيعة السوق ومتطلباته.”

وتأكيده على أن زبائن الشركة في الفروع الاخرى زبائن مرتقبين في تأمينات الحياة، والعكس صحيح.  ويستدلُّ على ما جاء في عرضه الشيّق لتخطيط الإنتاج وإعداد المنتجين ومسائل أخرى بأنها ليست تنظيرًا إذ

يكفي إننا [في الشركة العراقية للتأمين على الحياة] كنا نحقق في زمن الحرب العراقية الإيرانية (عندما كان الأستاذ عبد الخالق رؤوف مديرها العام) نسبة نمو وصلت إلى 17% سنويا.  وكانت لدينا خمسة وأربعين ألف وثيقة حياة مختلط سارية المفعول مع عشرات المشاريع الجماعية وآلاف وثائق الحوادث الشخصية الملحقة بوثائق الحياة.  وكان لدينا 24 فرع جغرافي، واحد في كل محافظة وسبعة فروع في العاصمة بغداد.  وكان عدد المنتجين (المندوبين) المتعاقدين يصل إلى (180) عنصرا.[9]

من المؤسف أن تاريخ التأمين العراقي لم يبحث، وما هو منشور عنه يتوزع على كتابات متناثرة ولم تكتب أصلًا لتوثيق وتحليل هذا التاريخ.[10]  نبحث في التاريخ ليس لإعادته بل استنباط الدروس منه، وتعريف الجيل الحالي من العاملات والعاملين في النشاط التأميني به.  وقد قرأت في مكان ما علق بذاكرتي أنه لا مفر من استخدام المقارنات كوسيلة للمساعدة في التوضيح.

21 تموز 2021


[1] للتعريف بهذا المؤتمر راجع: مصباح كمال، “مركز التدريب المالي والمحاسبي ومؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/05/Misbah-Kamal-Conference-Financial-Acounting-Training-Centre-IEN.pdf

[2] سليم الوردي، “معايشتي لتجربة التخطيط في شركة التأمين الوطنية،” فصل في كتاب كتابات اقتصادية في التأمين، إعداد وتحرير مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2017)

كتب د. سليم الوردي هذه الدراسة لتكون فصلاً في مشروعي لكتاب يكتب على شرف الأستاذ عبد الباقي رضا festschrift.  إلا أن هذا المشروع لم يتحقق حتى الآن لأن من توسمت فيهم المساهمة فيه خذلوني باستثناء المرحوم الوردي والسيدة إيمان عبد الله شياع.

وقد قمت بضم هذه المقالة لكتاب في استذكار أ. د. سليم الوردي، 1942-2016، إعداد وتحرير مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2016)، ص 44-55.

[3] مصباح كمال ومشاركة منذر الأسود وفؤاد شمقار، “وكالات التأمين في العراق: محاولة أولية لاستثارة البحث،” مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2010/01/1.html

[4] مصباح كمال، “قراءة أولية لمشروع حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2018/02/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%ad%d8%b5%d8%b1-%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a/

[5] المادة 29 من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 لا تجيز الاستثمار في قطاع التأمين إذ تنص على ما يلي:

“تخضع جميع مجالات الاستثمار لأحكام هذا القانون باستثناء ما يأتي:

اولا: الاستثمار في مجالي استخراج وانتاج النفط والغاز.

ثانيا: الاستثمار في قطاعي المصارف وشركات التأمين.”

[6] جارلس دوفت، تسويق التأمين، ترجمة وإعداد د. سليم الوردي (بغداد: مكتبة البلورة، 2002).

سليم الوردي، علاء عبد الكريم البلداوي وجبار صبري محمد العنبكي، تسويق خدمات التأمين (بغداد: هيئة المعاهد الفنية، 1993).

أشكر نجل المرحوم سليم الوردي، زيد، على إرسال هذين الكتابين ضمن كتب أخرى من مكتبة والده بعد رحيله عن دنيانا سنة 2016.

[7] كان الثلاثة، مع آخرين، من أركان شركة التأمين الوطنية عندما كانت تحت إدارة الأستاذ عبدالباقي رضا (1966-1978) ويحتلون مواقع فنية في الشركة.

[8] عبدالباقي رضا، رسائل في السيرة الذاتية والتأمين، 2013، ص 66-67. يضم الكتاب مجموعة من الرسائل لي أعدتها كتاب للنشر لكن الأستاذ عبدالباقي آثَر وقتها على عدم النشر.

[9] مقتطفات من ورقة عن جوانب من تسويق تأمينات الحياة كتبها سنة 2005، غير منشورة، محفوظة لديَّ بانتظار قيام الفرصة لنشرها.

[10] كتب الزميل فؤاد عبدالله عزيز ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية فصَّل فيه تجربته الممتدة من 1966 إلى 1996 عندما نقل إلى ديوان وزارة المالية، وبعدها الى إدارة مركز التدريب المالي والمحاسبي، وفي عام 1998 الى إدارة شركة إعادة التأمين العراقية.  اضطر إلى مغادرة العراق إلى البحرين بسبب الاقتتال الطائفي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.  حتى الآن لم ينشر كتابه.

Compulsory Motor Insurance Law 1980: a critical comment

تعقيب على مقال

“ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات”

موفق حسن رضا

نشر هذا المقال أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

موفق حسن رضا*: تعقيب على مقال “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات” – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Muwafaq-H.-Ridha-Comulsory-Motor-TPL-Law-52-of-1980-critical-comments-final.pdf

الأخ الفاضل مصباح كمال.

بعد التحية.

أطلعت على الدراسة التي قمتم بإعدادها بشأن:

“ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات”[1]

وأسمحوا لي ابتداءً ان اكرر ما سبق وان ذكرته في إحدى مراسلاتي معكم، بأن توثيقكم لمسيرة قطاع التأمين العراقي، بما له وما عليه، إنما يشكل مبادرة تقدرون عليها، إذ ان ذلك يلقي الضوء على ما تم وما يمكن ان يتم مستقبلا، مستفيدين من تجارب الماضي وما افرزته من نجاحات وإخفاقات، وذلك بتعزيز الأول وتجنب الثاني.

كما أطلعت على ما تفضل به الأستاذ عبد الباقي رضا في مداخلته الأخيرة، وما بينه الدكتور مصطفى رجب خلال حواركم معه،[2] وما تضمنه كتاب الأخ الفاضل فؤاد عبد الله عزيز “التأمين في العراق – الواقع وآفاق المستقبل”، ومخطوطة كتابه “ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية”، بشأن الموضوع، وأسمحوا لي ان أدلي بدلوي، بحكم عملي في شركة التأمين الوطنية للفترة 1978-1992.

الأدوات التشريعية الثلاث التي تناولت التأمين الإلزامي من حوادث السيارات هي:

قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وأصبح نافذ المفعول بتأريخ 1.1.1981

قرار رقم 815 الصادر بتأريخ 20.6.1982 بشأن تشكيل لجان تختص بالنظر في تقدير التعويض وفقا لأحكام قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 والذي أصبح نافذ المفعول من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية يوم 5.7.1982.

قرار رقم 955 الصادر بتأريخ 23.12.1987 بشأن استيفاء قسط التأمين الإلزامي على السيارات والرسم السنوي عن تجديد إجازة المركبة بطريقة توزيعها على مقدار ما تستهلكه المركبة من وقود.

كما تلاحظون فإن قرار تشكيل لجان تقدير التعويض قد تم بعد مرور حوالي سنة ونصف من تأريخ نفاذ قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، كما أن تغيير طريقة استيفاء قسط التأمين عن طريق ما تستهلكه المركبة من وقود قد تم بعد مرور سبع سنوات من تأريخ نفاذ قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات.  لقد كان للفترات الزمنية المذكورة أعلاه أسبابها والتي ابينها أدناه بالتفصيل.

بالنسبة لقانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، فقد تم تناول حداثته وريادته من قبل العديد من الأخوة الأفاضل ولا أريد ان اكرر ما تفضلوا به، إلا أني أود أن أشير الى أمرين مهمين، الأول يتعلق باعتبار جميع السيارات في أراضي الجمهورية العراقية مشمولة تلقائيا بالتأمين، والثاني باستحقاق التعويض عن الأضرار البدنية التي تلحق أي شخص جراء استعمال السيارة في الأراضي العراقية، بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ.

تلقائية التأمين واستحقاق التعويض بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ ترتب عليه ما يلي:

1-أصبح دور المحاكم في تقرير مدى استحقاق التعويض ينصب على التأكد من أن الوفاة أو الإصابة البدنية كانت جراء استعمال السيارة في الأراضي العراقية، وهو ما توثقه الشرطة وقضاة التحقيق، فلا دور للمحكمة في الـتأكد من مسؤولية أي شخص عن تلك الوفاة او الإصابة البدنية، إذ ان المسؤولية ثابته بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ.  كما تتولى المحكمة تقدير التعويض، والذي يتم عادة من قبل خبراء تستعين بهم المحكمة.

2- أصبحت شركة التأمين مسؤولة عن التعويض عن الوفاة والإصابة البدنية جراء استعمال السيارة في أراضي الجهورية العراقية سواء استوفت قسط التأمين أو لم تستوفيه.

3- بالنسبة لحالات الرجوع على مسبب الضرر بما سدد من تعويض، فإن العديد من الحالات الواردة في المادة 8 من قانون الـتأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 كانت واردة في المادة 9 من قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964، وأضيفت لها حالات رجوع أخرى أهمها:

-الخطأ الجسيم، و

-عدم تسديد قسط التأمين.

وكما هو معلوم فإن حالات الرجوع فيها جانب ردع وبعد اجتماعي وتربوي، فلا يحق لمن يخرق القانون وقواعد السير ويسبب ضررا ان يستفيد من الحماية التأمينية، بل عليه ان يتحمل تبعات ما قام به من خرق للقانون وقواعد السير الآمن.

أما حالة الرجوع بسبب الخطأ الجسيم الذي وردت بشأنه بعض الملاحظات، فقد جاء تعزيزا لمبدأ الردع، وهو مطبق في حالات تقرب من العمد.  التشريعات المقارنة في بعض الدول العربية أوردت صورا لبعض من حالات الرجوع بسبب الخطأ الجسيم، ومنها:

-تجاوز الإشارة الحمراء عمدا.

– السير بالمركبة عكس اتجاه السير عمدا.

– في حالة مخالفة القوانين إذا انطوت المخالفة على جناية أو جنحة عمدية.

أما بالنسبة للرجوع بسبب عدم تسديد قسط التأمين، وبما سدد من تعويض أو بمبلغ ألفي دينار، أيهما أقل، فقد جاء استنادا الى أحكام القانون رقم 4 لسنة 1986، بعد أن أصبح التهرب من تسديد قسط التأمين والاستفادة من الحماية التأمينية التلقائية واسعا وكان لابد من التحرك لحماية جمهور المؤمن لهم الذين يلتزمون بتطبيق القانون ويسددوا قسط التأمين وقت استحقاقه، أذ كان سيترتب على ذلك التهرب، زيادة قسط التأمين بسبب عدم كفاية ما يسدد من إقساط لتسوية التعويضات.

لقد كان لتلقائية التأمين واستحقاق التعويض، بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ، وبصرف النظر عن تسديد مالك المركبة لقسط التأمين، نتائج إيجابية عديدة استفاد منها العديد ممن تضرروا بسبب حوادث السيارات، إلا أن هذه التلقائية وتوسيع قاعدة المستفيدين من التأمين والحصول على التعويض بيسر وسهولة، أفرز بعض السلبيات.

لقد أستغل البعض عدم معرفة المتضررين بحقوقهم وسهولة الحصول عليها، فبرزت ظاهرة متابعة الحصول على التعويض، على الرغم من سهولتها، لقاء أتعاب مبالغ فيها، قرب البعض منها الى نصف مبلغ التعويض.  لذلك كان لابد من التحرك لحماية هذه الشريحة من المواطنين وقطع الطريق على من يحاول استغلالها، فقد أستقر الرأي على تشكيل لجان تختص بالنظر في تقدير التعويض وفقا لأحكام قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 تتشكل من ثلاثة أعضاء برئاسة قاض وعضوية حقوقي من شركة التأمين، وجامعي من المؤسسة العامة للرعاية الاجتماعية، ويطعن بقرارات هذه اللجان أمام محكمة التمييز.  وحدد القرار المذكور أتعاب المحاماة بنسبة لا تتجاوز 10%، وبحد أقصى مقداره 500 دينار.

لقد كان عمل اللجان ينصب بشكل كلي على تقدير التعويض، آخذين بعين الاعتبار ظروف كل متضرر، ذلك ان مسؤولية شركة التأمين عن تسديد التعويض ثابته، بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ.  وبات من الممكن للمتضررين أن يحصلوا على التعويض خلال فترة قصيرة جدا، بعد كان البعض من المتضررين ينتظرون سنين للحصول على التعويض من خلال المحاكم.

وأود أن أشير هنا وأن أوكد على أمر مهم بشأن اللجان المذكورة، وفي ضوء ما ورد من ملاحظات للأخ الفاضل فؤاد عبد الله عزيز في كتابه الموسوم “التأمين في العراق -الواقع وآفاق المستقبل”، فإن المحددات على ما كانت تحكم به اللجان وتصادق عليه محكمة التمييز لم تكن قانونية البتة.  فالتعويض ينبغي أن يكون جابرا للضرر، استنادا الى ظروف كل متضرر والوضع الاقتصادي السائد.  فإذا ما أصبح ما تحكم به اللجان وتصادق عليه محكمة التمييز مبالغ زهيدة غير جابرة للضرر، فقد كان ذلك بسبب تقصير اللجان، وكان ينبغي على محكمة التمييز ان لا تصادق على مبالغ غير جابرة للضرر، حيث ان قرار تشكيل اللجان لم يشر الى حد أعلى للتعويض.

لقد اسهبت في موضوع اللجان لقناعتي التامة بجدواها وما توفره من حماية للمتضررين بيسر وسهولة، وأرى المحافظة عليها وتعديل مسارها وفقا لأحكام القوانين النافذة.

بعد مرور فترة على تطبيق قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980، وما افرزه من إيجابيات عديدة و سلبيات بسيطة، في مقدمتها ضمان قيام مالكي السيارات بتسديد قسط التأمين، والاضطرار في عام 1986 لإضافة حالة رجوع على مالك المركبة والسائق بالتضامن بما سدد من تعويض أو بمبلغ ألفي دينار، أيهما أقل، إذا تبين ان قسط التأمين لم يكن مسددا وقت وقوع الحادث، وما سببته هذه الحالة من متاعب، تم التفكير بطريقة جديدة لتحصيل أقساط التأمين تتسم بالعدالة واليسر والسهولة، فاستقر الرأي على تحصيل أقساط التأمين والرسم السنوي عن إجازة تسجيل المركبة بإضافتها الى سعر وقود المركبة.

فكما هو معلوم فإن أقساط التامين الإلزامي على المركبات احتسبت، في قانون عام 1964 وقانون عام 1980، على ساس سعة أسطوانة محرك المركبة، فكلما زادت هذه السعة زاد القسط، ذلك ان سعة أسطوانة المركبة تؤثر على مدى ما يمكن ان تسببه من أضرار.  فإذا ما استوفي قسط التأمين من وقود المركبة، فإن المركبة ذات أسطوانة محرك بسعة كبيرة، تستخدم وقود أكثر وهذا يعني تحملها قسط تأمين أكبر، كما هو الحال عند استيفاء قسط التأمين من مالك المركبة.  هذا فضلا عن أن هذه الطريقة باستيفاء قسط التأمين فيها عدالة، فمالك المركبة الذي يستخدم المركبة بشكل مكثف، ويكون معرضا للحوادث بشكل أكبر، يدفع قسط تأمين أعلى.

لقد تمت دراسة ما كانت الشركة تريد الحصول عليه من أقساط عن طريق وقود المركبات، وذلك بالنظر الى التعويضات المتوقعة لعدد من السنوات القادمة، في ضوء تعويضات السنوات السابقة وزيادة عدد السيارات مستقبلا وأثر ذلك على حجم التعويضات.  وكان أساس هذه الدراسة هو التأكد من كفاية الأقساط لمواجهة التعويضات لعدد من السنوات، تجنبا للحاجة الى زيادة ما يضاف على سعر الوقود كأقساط تأمين.  كما كان التوجه بأن يستوفى من أقساط التأمين النفقات الإدارية لخدمة محفظة التأمين الإلزامي فقط، وتدوير أي فائض في نهاية كل سنة لمواجهة تعويضات السنوات التالية.

وأود هنا أن أشير الى ما ذكره الدكتور مصطفى رجب والأستاذ عبد الباقي رضا بشأن طرح مقترح استيفاء أقساط التأمين الإلزامي عن طريق زيادة سعر وقود المركبات وربطه بالأضراب الذي حصل عندما زيد سعر وقود المركبات في الماضي، فعند حضوري الاجتماع الذي تم خلاله الموافقة على مقترح إضافة قسط التأمين على سعر وقود المركبات، تم توجيه سؤال لي عما إذا كنا قد أخذنا بعين الاعتبار ما يمكن ان يسببه هذا القرار من نتائج خطيرة، كما حصل في الماضي، فأجبت بأن زيادة سعر وقود المركبات هذه المرة ليست بدون مقابل، كما حصل في الماضي، فالمقابل هذه المرة هو إعفاء مالكي المركبات من تسديد قسط التأمين ورسوم تجديد إجازة تسجيل المركبة، مع كل ما كان يعنيه هذا من مراجعات ومتاعب، فضلا عن ان الطريقة الجديدة في استيفاء قسط التأمين فيها عدالة، إذ أنها تتناسب طرديا مع استخدام المركبة.

أتمنى ان اكون قد وفقت في القاء الضوء على تشريع مهم ورائد، آملا الاستفادة من العديد من جوانبه الإيجابية وتعزيزها.

موفق حسن رضا

18 تموز 2021


[1] نشرت الدراسة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

[2] تيسير التريكي ومصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب (بيروت: منتدى المعارف، 2020)

A Glimpse of the History of TPL Motor Insurance in Iraq

شيء من تاريخ التأمين الإلزامي من حوادث السيارات

عبدالباقي رضا*

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

عبدالباقي رضا* شيء من تاريخ التأمين الإلزامي من حوادث السيارات – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

(1)

قرأت باهتمام في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين مقال “ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات” للزميل مصباح كمال

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

أقدر وأكبر وأعتز باهتمام الكاتب ومتابعته لشؤون التأمين في العراق كما لم تحظ بمثله من قبل جميع من عمل في التأمين في العراق على الاطلاق.  قد ينطوي هذا التقييم على مبالغة لكن مجموعة أعماله المنشورة في موقع الشبكة تشهد على ما قدمه لقطاع التأمين العراقي من كتابات.

(2)

في المقال موضوع البحث جوانب عديدة بالغة الاهمية وجديرة بالدراسة للتوصل الى حلول مناسبة ولا أريد أن أبين رأيا فيها ولكنه ذكرني بشيء من تاريخ التأمين الإلزامي للمسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات.

حين بدأنا عام 1965 بتنفيذ قانون التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964 لم يسبق لي علم به، ولم يكن لي أي دور في اعداده.  وحين توليت ادارة شركة التأمين الوطنية في 1-2-1966 وجدت مئات استمارات طلب التأمين الطويلة تنتظر طبع الوثائق كوثائق التأمين الاخرى دون أي مراعاة لخصوصية هذا النوع من التأمين.  أتذكر ان قسط التأمين كان أربعة دنانير.[1]  خلال فترة قصيرة استحدثت نموذجا جديدا صغير الحجم يكتب باليد وعلى ظهره شروط التأمين ويكون بمثابة وصل قبض القسط والوثيقة واصداره لا يستغرق أكثر من دقائق مما نال رضى المراجعين.

من الامور المهمة التي طُبقت طريقة استيفاء رسم الطابع على وثائق التأمين.  كانت الطريقة المتبعة هي لصق الطابع المالي على كل وثيقة بنسبة معينة لا اتذكرها.  الطريقة التي اقترحتها واستحسنها مدير عام المحاسبات العامة المرحوم حنا رزوقي[2] وعُدّل القانون بموجبها هي استيفاء رسم الطابع على المجموع الشهري لأقساط التأمين وفق سجلات الشركة يُسدد بصك الى وزارة المالية.  علمت الآن انه يدفع سنويا باستثناء ما يرد للشركة لقاء التأمين الالزامي حيث لا يخضع لهذا الرسم.  ذكرت هذا لان وثائق الالزامي قبل قانون 52 لسنة 1980 كانت تخضع للرسم.

(3)

لعدم اهتمام الجمهور بأهمية والزامية هذا النوع من التأمين وضعف الاقبال عليه خطرت لي فكرة، عندما كنت أدير شركة التأمين الوطنية، اعتبار التأمين ساريا على جميع السيارات لقاء زيادة (surcharge) في أسعار الوقود.  تقدمت بهذا الاقتراح رغم ما سمعت من كثيرين باحتمال تعرضي لعقوبة لحساسية موضوع زيادة أسعار الوقود في تلك الايام وكان عزت ابراهيم وزيرا للداخلية حينذاك ولكن نجوت من العقوبة برفض الاقتراح!  لا أتذكر الآن كيف مُررت الفكرة فيما بعد بصدور القانون رقم 52 لسنة 1980.

لا أريد الدخول في تفاصيل ما أورده الكاتب في المقال، ووجود مشروع قانون مقدم من نقابة المحامين لجعل تحديد مبلغ التعويض من اختصاص المحاكم إلى جانب قضايا أخرى لم يذكرها الكاتب ولكني أقول إن أي تعديل لقانون 1980 أو استبداله بقانون تأمين إلزامي جديد يجب أن يلتفت إلى كيفية استيفاء قسط التأمين.  فإذا ترك أمره لأصحاب السيارات وما يميز الناس بعدم الاهتمام بإلزامية التأمين وأمامنا تجربة عدم الالتزام بإجراءات الوقاية من الكورونا مع خطورة الحالة فلا الحظر يراعى ولا لبس الكمامة!  المهم أن تؤخذ طبيعة وسلوك المواطن العراقي وعدم جديته في مثل هذه الامور بنظر الاعتبار خاصة في ظروفنا الراهنة.

مازلت أعتقد بأن استيفاء قسط التأمين عن طريق اضافة مناسبة الى أسعار الوقود هو الأعدل والأضمن، ذلك لان ارتفاع استهلاك الوقود يدل على ارتفاع ساعات استعمال السيارة وبالتالي ارتفاع احتمالات التسبب بالحوادث.  ان وجود سيارات الاجرة على الشوارع لوقت أطول من وجود السيارات الخاصة مثلا يحمل احتمالا أعلى لتسببها أو تعرضها للحوادث.

أرجو أن يستمر الكاتب على نشاطه واهتمامه بقطاع التأمين في العراق الذي يمر في ظروف لا تسر!

بغداد 11 تموز 2021

* المدير العام الأسبق لشركة التأمين الوطنية (1966-1978).  شغل مواقع قيادية مختلفة في قطاع التأمين العراقي وعمل وما يزال مستشاراً مالياً ومصرفياً.


[1] كانت للشركة مكاتب لإصدار وثائق التأمين الإلزامي في معظم المحافظات وكان لها أكثر من مكتب في بغداد، أكبرها كان يحمل اسم مكتب بغداد الذي كان يحتل مكانًا له في مقر مديرية المرور العامة.

[2] للتعريف بالمرحوم حنا رزوقي، راجع: إبراهيم خليل العلاف “حنا رزوقي الصائغ 1929-2013 ومذكراته،” جريدة الزمان:

Insurance against non-payment of credit

التأمين ضد خطر عدم السداد

إسراء صالح داؤد

المستشار القانوني المساعد

شركة التأمين الوطنية/فرع نينوى

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

اسراء صالح داؤد* التأمين ضد خطر عدم سداد القروض – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

إن منح الائتمان يعتبر من اهم المهام التي تقوم بها المصارف غير ان ضعف الملاءة المالية للعميل جعل عملية منح الائتمان عرضة لأخطار عالية.  إن خطر عدم سداد الديون يعتبر من الاخطار الائتمانية المصرفية البحتة، كما يعتبر من اهم المشاكل التي تعاني منها المصارف خلال عملية منح الائتمان، فهو ليس خطراً بالمفهوم التأميني.  وفي السنوات القليلة الماضية لجأت المصارف في العراق الى تأمين هذا الخطر لدى شركات التأمين كخطر اضافي لوثائق تأمين القروض الشخصية والاستهلاكية والاستثمارية دون الأخذ بنظر الاعتبار مفهوم الخطر التأميني.

لقد عرّفت المادة 983 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 التأمين كالآتي: “التأمين عقد به يلتزم المؤمن ان يؤدي الى المؤمن له او الى المستفيد مبلغا من المال او ايرادا مرتبا او اي عوض مالي اخر، في حالة وقوع الحادث المؤمن ضده، وذلك في مقابل اقساط او اية دفعة مالية اخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.”

وجاء في المادة 984/1 من القانون اعلاه “يجوز ان يكون محل التأمين كل شيء مشروع يعود على الشخص بنفع من عدم وقوع خطر معين …” 

فالخطر هو كل حادثة محتملة الوقوع لا يتوقف تحققها على محض ارادة أحد المتعاقدين وحدها وعلى الخصوص ارادة المؤمن له.  إذ يعد واقعة مستقبلية غير محققة الوقوع يترتب على وقوعها التزام المؤمِن “شركة التأمين” بالتسديد المتفق عليه في العقد للمؤمن له او للمستفيد من التأمين بشرط الا يكون لإرادة المؤمن له او المستفيد دور في وقوعها.  وعليه يجب ان تتوفر في الخطر الشروط التالية:

اولا: ان تكون حادثة احتمالية، اي غير مؤكدة الوقوع.  وعليه فإن الحادث المؤمن ضد وقوعه يجب ألا يكون مؤكدًا بل محتمل الوقوع مستقبلا.

ثانيا: الا يتوقف وقوع الخطر على محض ارادة أحد الطرفين.  ان العنصر الأساسي في الخطر هو عنصر الاحتمال او عدم التأكد او الشك فإذا انتفى هذا العنصر انتفى الخطر، وبانتفاء الخطر تنتفي الحاجة الى وجود التأمين لانعدام محله.

ثالثا: ان يكون الخطر مشروعا اي غير مخالف للقانون والنظام العام وحسن الآداب.  اي ان الخطر كي يكون قابلا للتأمين عليه فإنه يُشترط أن يكون الخطر مشروعا اي غير مخالف للقانون وللنظام العام او الآداب، وهو وضع طبيعي باعتبار ان الخطر يمثل ركن المحل في عقد التأمين، وعقد التأمين يخضع لأحكام القانون المدني.

لوحظ مؤخرا ان عددًا من شركات التأمين العراقية قد ضمنت وثائقها تغطية “خطر عدم السداد” لا بل “خطر عدم السداد لأي سبب كان” في تأمين القروض الاستهلاكية والاستثمارية الممنوحة من المصارف.  ومما تقدم يثار التساؤل التالي:

ما المقصود بالتأمين من خطر عدم السداد؟  هل يعد عدم السداد خطرا بالمفهوم التأميني؟  وهل نجحت شركات التأمين في تغطيته؟

من خلال اطلاعي على عدد من وثائق التأمين لاحظت انها لم تُعرّف هذا الخطر ضمن وثيقة التأمين بل جاء باعتباره خطراً اضافيًا غير محدد تُلزم شركة التأمين بدفع قيمة القرض او ما تبقى منه عند عدم قيام المقترض بتسديد اقساط القرض خلال مدة سريان وثيقة التأمين.  وهذا ما جعل المصارف تعتبر كل حالة تلكؤ في تسديد أقساط القرض بمثابة خطر عدم سداد متحقق، فضلا عن اعتبار شركات التأمين الكفيلة بالتسديد.  وهذا تفسير غير صائب.  إن احكام الكفالة تختلف اختلافا جوهريا عن احكام عقد التامين.  وهنا لابد من التمييز بين حالة التلكؤ وحالة خطر عدم السداد.

إن التلكؤ الذي يتعذر به المؤمن له عن الايفاء بالتزاماته لا يدخل ضمن مفهوم خطر عدم السداد، ولا يمكن اعتباره خطرًا بالمفهوم التأميني الذي بموجبه تنهض مسؤولية شركة التأمين بتسديد التعويض.  فالتلكؤ لا يعني عدم السداد والأخير لا يعد خطرا تأمينيا “اصلا” بل ان حالة التلكؤ تعد تقاعس او تباطؤ او تكاسل او عدم رغبة بتنفيذ المؤمن له التزاماته بمحض ارادته او بسبب قيام ظروف وقتية قد تدفع الى تأخير تنفيذ الالتزام، وبالتالي يسقط اي شرط او بند ينص شمول التلكؤ بالخطر التأميني ويعد باطلا.

وبالرجوع الى خطر عدم السداد الوارد في وثائق تأمين القروض الذي ورد مستقلا عن حالة تحقق الوفاة الطبيعية او بحادث التي تعد سببًا في تحقق عدم السداد، فلا يعد خطرا بالمفهوم الفني والقانوني للخطر في عقد التأمين للأسباب التالية:

  1. جاء مطلقا، والمطلق يجري على اطلاقه مالم يقيده شرط او نص الا إذا اقترن بعذر مشروع مثل خطر عدم السداد عند تحقق الوفاة او العطل الدائمي او الافلاس…. الخ.
  2. ان اعتبار خطر “عدم السداد او عدم السداد لاي سبب كان” يفقد مشروعيته والمشروعية امر جوهري بالخطر.
  3. ان اعتبار “عدم السداد” خطرا تأمينيًا يفقد صفة الاحتمالية لعقد التأمين وبالتالي يصبح العقد محقق الوقوع ومؤكدا.

تجدر الإشارة الى ان وثائق القروض الذي تضمنت تغطية خطر عدم السداد لم يتم اعادتها لدى شركة إعادة التأمين العراقية أو اي معيد آخر.  ان عدم تحقق مطالبات بالتعويض لا يعني انه خطر” جيد” لأنه ليس بخطر اصلا، بالإضافة الى انه سيجعل المركز المالي لشركات التأمين تحت الانذار عند تحققه إذا ما استمر ترويجه.[1]

8 تموز 2021


[1] تجدر الاشارة الى ان شركة التأمين الوطنية قد اوقفت ترويج هذا الخطر، وتقوم الآن بإعادة النظر ودراسة وثيقة تأمين القروض بالاستعانة بأساتذة الشركة من كبار موظفيها الافاضل ممن احيلوا للتقاعد.

Compulsory Motor Third Party Insurance in Iraq-invitation for discussion

ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات

مصباح كمال

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2021/07/05/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82/

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

(1)

يعتبر التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات موردًا مهمًا لشركات التأمين، وأضيف له في العقود الثلاثة الماضية التأمين الصحي.  نجد ذلك في العديد من أسواق التأمين العربية بعد أن صار التأمين في هذين الفرعين إلزاميًا، كما هو الحال في معظم أسواق الخليج.

بالنسبة للعراق فإن هذا المورد قد توقف مع صدور قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 (أصبح نافذًا اعتبارًا من 1 كانون الثاني 1981) إذ صار التأمين تلقائيًا دون الحاجة لتقديم طلب للتأمين أو إصدار وثيقة للتأمين.  لقد كان هذا القانون تشريعًا متقدمًا في فلسفته إذ اعتمد على مبدأ تحمل التبعة كأساس لالتزام شركة التأمين بدفع التعويض للطرف المتضرر بدلًا من اعتماد المسؤولية القائمة على أساس الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس.  وثبتّ القانون أطروحة قيام علاقة قانونية بين شركة التأمين والمؤمن له بدلًا من العلاقة العقدية إضافة إلى جوانب أخرى.

ويغطي هذا القانون المسؤولية الناشئة من حوادث السيارات تجاه الإصابات البدنية، بضمنها الوفاة، التي تلحق بالشخص الثالث.  أي أن نطاق القانون لا يشمل الأضرار المادية التي تلحق بممتلكات الشخص الثالث ومنها هيكل السيارة.

بفضل التعديلات التي أدخلت على هذا القانون فقد تم الاستغناء عن إصدار وثيقة تأمين، وفي سنة 1987 أنيطت جبابة “أقساط” التأمين الإلزامي للشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية، إحدى شركات وزارة النفط.  وتأخذ هذه الأقساط شكل إضافة زيادة بواقع 15 فلسا على كلفة شراء البنزين و 20 فلساً على زيت الغاز.  كانت الشركة تقوم “بتجميع مبالغ الزيادة على أسعار الوقود وتسديدها بعد استقطاع حصتها البالغة نصف بالمائة من هذه الزيادة بأقساط ربع سنوية بواقع 68% إلى شركة التأمين الوطنية وتبلغ 10,2 فلس من مبلغ الزيادة و 32% إلى الموازنة العامة (رسوم إجازة التسجيل) وتبلغ 4,8 فلس من مبلغ الزيادة.”[1]

أنيطت وظيفة تسوية المطالبات بالتعويض لشركة التأمين الوطنية، وكانت حتى أواخر ثمانينيات القرن المنصرم الشركة الوحيدة التي تمارس أعمال التأمينات العامة، ثم أجيزت الشركة العراقية للتأمين على الحياة، بعد تعديل اسمها إلى شركة التأمين العراقية، للاكتتاب بأعمال التأمينات العامة والحياة، كما أجيزت شركة التأمين الوطنية للاكتتاب بأعمال التأمين على الحياة.  وبفضل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 تأسست شركات تأمين خاصة (تأسست أول شركة خاصة سنة 2000).  لكن جميع الشركات، العامة والخاصة، لم يكن يحق لها، بسبب القانون رقم 52 لسنة 1980، الاكتتاب بأعمال التأمين على المسؤولية المدنية من إصابات الأشخاص الناشئة من حوادث السيارات.  وبذلك لم يعد تأمين هذه المسؤولية موضوعًا للتأمين التجاري.

لقد جاء تحميل قسط التأمين على وقود السيارات للتغلب على أعباء الجباية على شركة التأمين وعلى مالكي السيارات وما قد يترتب عليها من إجراءات إدارية وقانونية.[2]  وترافق ذلك مع وقف إصدار وثيقة للتأمين إذ انتفت الحاجة إليها بعد أن صارت المسؤولية مؤمنة بقوة القانون.

(2)

لكن تطبيق القانون، وكما كتبنا في مكان آخر، كشف عن بعض العيوب.  ومنها ضآلة التعويضات المدفوعة للمضرورين، فالتعويضات كانت بشكل عام دون القيمة الحقيقية لآثار الإصابة الفعلية.  وبهذا الشأن كتب المحامي بهاء بهيج شكري أن هناك عيباً أساسياً في قانون 1980 مقارنة بالقانون القديم (قانون التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964) فقد كتب أن

“ضآلة مبالغ التعويضات التي درجت اللجنة المذكورة [لجنة تقدير التعويض المكونة من قاضٍ من الدرجة الثانية وعضوين يمثلان شركة التأمين الوطنية ودائرة الرعاية الاجتماعية] على تقديرها لم تكن لتغطي 10% من الضرر الفعلي الذي يصيب الشخص المضرور، مما أعاد “النظام العشائري” المعروف بنظام “الفصل والدية” للظهور والذي سبب إعادة تطبيقه إرهاقاً كبيراً لمالكي المركبات.  هذا النظام الذي اختفى نهائياً بتشريع قانون التأمين الإلزامي القديم وما رافقه من إلغاء نظام دعاوى العشائر.”[3]

وهناك جوانب أخرى في قانون 1980 رصدها الأستاذ شكري في دراسته: إشكالية تحديد الخطأ الجسيم، الحوادث المسببة بسيارات مجهولة، اختزال تحديد قسط التأمين بعلاوة على سعر البنزين المستهلك مما يخلق إشكالية تتمثل بعدم وجود تناسب حقيقي بين حدة الخطر وكلفة التعويض حسب نوع المركبات واستعمالاتها وغيرها من العناصر الاكتتابية التي تؤخذ اعتيادياً بنظر الاعتبار لتحديد سعر التأمين   الخ.

(3)

يظل هناك سؤال حول كفاية حصيلة أقساط التأمين المُحوّلة إلى شركة التأمين الوطنية لتمويل مطالبات التعويض قائمًا.  ففي سنة 2018 كان حجم أقساط التأمين الإلزامي 8,560,070,000 دينار في حين بلغت التعويضات المسددة 9,530,558,000 دينار، أي بعجز مقداره 970,488,000 دينار، كما في الجدول أدناه.

اقساط تأمين الزامي سيارات (2018-2019) [4]

ألف دينار

20192018اسم الشركة / السنة
9,157,3678,560,070شركة التامين الوطنية

تعويضات تامين الزامي سيارات (2018-2019)

ألف دينار:

20192018اسم الشركة / السنة
6,620,7419,530,558شركة التامين الوطنية

وشهدت سنة 2017 أيضًا عجزًا بمقدار 2,032,976,000 دينار كما في الجدول أدناه.  في حين شهدت السنوات من 2013-2015 فائضًا نظرًا لهبوط عدد المطالبات بالتعويض.

اقساط تأمين الزامي سيارات (2016-2017)

ألف دينار:

20172016اسم الشركة / السنة
7,565,5878,190,273شركة التامين الوطنية

تعويضات تامين الزامي سيارات (2016-2017)

ألف دينار:

20172016اسم الشركة / السنة
9,598,5637,955,606شركة التامين الوطنية

إن التقلب في نتائج الاكتتاب بأعمال التأمين ظاهرة معروفة، وتلجأ شركات التأمين إلى التحوط منها وتصحيحها من خلال إعادة النظر بالسياسة الاكتتابية وتعديل الأسعار اعتمادًا على التجربة السابقة.  هذا هو الوضع في أسواق التأمين المفتوحة، ولكن عندما تقوم الحكومة بوضع الأسعار في تأمين المسؤولية من حوادث السيارات فليس أمام شركات التأمين غير الضغط على الحكومة لتعديل الأسعار لتتناسب مع خبرة الخسارة وعدم تعريض بعض شركات التأمين للعسر المالي.

ليس لشركة التأمين الوطنية سلطة تقديرية لإعادة النظر بسعر تأمين المسؤولية المدنية للإصابات من حوادث السيارات إذ أن سلطتها مقيدة بقوة القانون.  ما تستطيع أن تقوم به هو الضغط على الحكومة لتعديل السعر أو زيادة النسبة المخصصة لها (68%) أو تقليص حصة الموازنة العامة (32%) لتوفير رصيد كافٍ لتسوية التعويضات.

(4)

ليس معروفًا إن كان تحميل أقساط التأمين على وقود السيارات قد خضع أصلًا لدراسات اكتوارية لخبرة الخسارة، وما يتعلق بها من تكاليف، في فرع التأمين من المسؤولية المدنية (الإصابات البدنية) الناشئة من حوادث السيارات، وإسقاط نتائج هذه الدراسات على كفاية أقساط التأمين، التي تجمعها الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية، لتقوم شركة التأمين الوطنية باستخدامها لتمويل التعويضات.  لقد اعتمدت اللجان التي درست الموضوع في الماضي على معادلة بسيطة، قد يعتبرها البعض ساذجة، تعتمد على “تقسيم أقساط التأمين السنوية على مجموع الاستهلاك السنوي من الوقود.”[5]

في مرحلة متأخرة قام اثنان من ممارسي التأمين العريقين، فؤاد شمقار ومنذر عباس الأسود، بتفكيك معيار مبلغ مبيعات الوقود كأساس لاستيفاء القسط في دراستهما لمشروع قانون تعديل بعض احكام قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 المعروض على مجلس النواب لإقراره والذي تم قراءته الاولى بتاريخ 2-5-2015.  ومما جاء في المادة ـ 4 ـ اولاً في مشروع التعديل الآتي:

يستوفى قسط التأمين الالزامي على المركبات بنسبة (0.003) ثلاثة بالألف من مجموع مبالغ المبيعات الفعلية لشركة توزيع المنتجات النفطية من البنزين وزيت الغاز عدا المجهز الى وزارة الكهرباء وتودع المبالغ لدى الشركة لحين توزيعها.

ومما جاء في ورقتهما النقدية:

ان المبلغ الواجب استيفاءه كقسط للتامين لقاء التلقائية في التأمين يكون بنسبة الفية من قيمة مبيعات المنتجات النفطية من البنزين وزيت الغاز ولا نجد من الصواب اعتماد اية نسبة سواءً أكانت مئوية او الفية على مبلغ المبيعات واعتماد ذلك كأساس لاستيفاء القسط ذلك للأسباب التالية:

1- ان اعتماد مبلغ قيمة المبيعات تجعل من مبلغ القسط متأرجحا غير ثابت مع رفع سعر اللتر الواحد من مادة البنزين وزيت الغاز او القيام بخفض السعر في حين ان القسط الواجب استيفاءه يجب ان يكون ثابتا غير متأرجح.

2- ان عدم ثبات القسط وتأرجحه بين الصعود والنزول طبقا لبيع اللتر الواحد من البنزين وزيت الغاز يؤدي الى عدم تحقق ثبات الرصيد المتحقق لدى شركة التامين الوطنية في المحفظة الخاصة بالتامين الالزامي لدى الشركة وينعكس ذلك سلبا على نتائج هذه المحفظة.

3- لقد جاء النص بالإعفاء المطلق لصالح وزارة الكهرباء من استيفاء النسبة المحددة على الكميات من البنزين وزيت الغاز التي يتم تجهيز الوزارة بها. ان الاعفاء المطلق غير المقيد غير صحيح، ويجب قيد هذا الاعفاء فقط بالكميات التي تجهز بها الوزارة والتي تستخدم فقط في تشغيل محطات توليد الطاقة اذ لا يستبعد استخدام جزء من المنتجات في سيارات الوزارة وبالتالي الاستفادة من تلقائية التامين دون تسديد القسط المستحق عن التلقائية والتغطيات التي يوفرها القانون عند ذلك نكون قد أفشلنا السبب الموجب للإعفاء الذي هو التخفيف من على كاهل الوزارة لجزء من الكلف والنفقات التي تصرف على توفير الطاقة.

4- ان الطريقة الواجب اتباعها في استثناء القسط المستحق على مالك السيارة يجب ان يكون بفرض مبلغ زيادة على سعر اللتر الواحد من البنزين وزيت الغاز بدلا من اعتماد نسبة من حصيلة البيع اذ ان زيادة حدة الخطر وحصول الحوادث لا علاقة لها بمبلغ سعر البيع بقدر ما لها من علاقة بالكميات التي تستخدم من البنزين وزيت الغاز، عليه لا بد من فرض القسط على اللتر الواحد من البنزين بمبلغ 1250 دينار عن كل لتر من البنزين ومبلغ 1500 دينار عن كل لتر من زيت الغاز. ولم يكن هذا الامر امرا غائبا على مشروع القرار (رقم 955)، تأريخ القرار 23-2-1987 الصادر عن مجلس قيادة الثورة (المنحل) وذلك بتوزيع مبلغ قسط التامين والرسم السنوي عن تجديد اجازة تسجيل السيارة بطريقة توزيعها على مقدار ما تستهلكه السيارة من الوقود.[6]

لقد أشارا في الفقرة 4 من ورقتهما إلى مبدأ مهم في الاكتتاب وهو:

ان زيادة حدة الخطر وحصول الحوادث لا علاقة لها بمبلغ سعر البيع بقدر ما لها من علاقة بالكميات التي تستخدم من البنزين وزيت الغاز.

إلا أنهما لم يتوسعا في الشرح والتعليل، على سبيل المثل، قولهما إن حدة الخطر تتأثر بكميات الوقود المستخدمة، فشراء المزيد من الوقود يعني اشتداد استخدام السيارة وبالتالي زيادة احتمال تعرضها للحوادث.  إن معايير الاكتتاب بتأمين المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات عديدة، وتشترك شركات التأمين بأخذ معايير معينة بعين الاعتبار ومنها: عمر السائق، مواصفات السيارة وقوة محركها، النطاق الجغرافي لاستعمال السيارة، أغراض الاستخدام: التنقل الشخصي أو لأغراض تجارية، وخبرة خسارة طالب التأمين― وكل ذلك مفقود في نظام فرض علاوة على سعر البنزين وزيت الغاز كمعادل لقسط التأمين.

إن الاعتماد على معيار واحد لتحديد قسط التأمين (كمية الوقود المستخدم) يساوي بين مالكي/سائقي السيارات كافة.  مثل هذا المقترب يلغي فرصة التقييم الاكتتابي لطلب التأمين وتطبيق أسعار وشروط مختلفة تعكس عدم التناظر في البيانات الاكتتابية الخاصة بالسيارة ومن يستخدمها.

بقوة القانون فإن تسعير خطر التأمين على المسؤولية المدنية ليس مهمة فنية اكتتابية لتقييم حدة الخطر المؤمن عليه وإنما أمراً خارجياً صادرًا من المُشرّع يفترض أن كل من يسوق سيارة متساوياً مع أقرانه.  هذه المساواة قسرية، متعسفة، بفضل تسعير أوامري لا ينهض به واقع الحال في المجال التأميني.

قد يكون تبرير/تعليل هذا الأمر الخارجي للتسعير قائمًا على مبدأ حماية المستهلك من سوء استخدام شركات التأمين لحقها في تطبيق ما تراه سعراً مناسباً ربما ينطوي على إجحاف بحق المؤمن له خاصة عندما يفتقر سوق التأمين إلى منافسة بين شركات التأمين فيما يخص الأسعار والشروط ومستوى الخدمات (في ظل المنافسة غير التامة أو الاحتكار).

ربما يقوم التبرير/التعليل على أن وظيفة مؤسسة التأمين هو تمويل الضرر الذي يصيب البعض من مساهمات مجموع المؤمن لهم― أي من أقساط التأمين التي تجمعها الشركة― وأن جباية أقساط مقطوعة ثابتة هي من باب الدعم المتبادل cross-subsidization بين أصحاب السيارات لخدمة هدف أعلى: تعويض ضحايا حوادث السيارات.  ولهذا يتعين على كل مالكي السيارات، بغض النظر عن مواردهم المالية ومدى مسؤوليتهم عن الضرر، المشاركة بالتساوي في تحمل عبء تعويض ضحايا حوادث السيارات.

في غياب التأمين فإن مسبب الضرر يكون مسؤولاً عن تعويض المضرور، ومن المرجح أن يتحمل كل من مسبب الضرر والطرف المتضرر العبء المالي للضرر الحاصل خاصة عندما يكون الوضع المالي لمُسبب الضرر ضعيفًا وعندها فإن تقليص حجم تعويض الضرر يصبح واردًا ليتناسب مع قدرته على الدفع.  ويأتي التأمين الإلزامي لتحقيق العدالة في تعويض المضرورين من حوادث السيارات.

بما أن السيارة مصدر لمخاطر متزايدة فإن تشريعات العديد من البلدان تقضي بتطبيق قواعد المسؤولية الصارمة strict liability حيث تنشأ المسؤولية بغض النظر عن خطأ مرتكب الضرر؛ وهكذا فإن مالك السيارة يصبح مسؤولًا عن الأضرار دون إخضاع المدعى (الطرف المتضرر) لاختبار الإهمال test of negligence.  وقد جاء قانون 1980 ليتماشى مع هذه القواعد ربما لقناعة أن السيارة تمثل خطرًا كامنًا ومصدرًا للحوادث.[7]

(5)

لقد مهّد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 لتأسيس الشركات الخاصة، وبفضله تأسست أول شركة تأمين خاصة سنة 2000 ثم تأسست شركات تأمين أخرى (أزيد من ثلاثين شركة خاصة في الوقت الحاضر، معظمها هزيلة فنيًا وماليًا).  لكن هذه الشركات وبسبب قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 لا يحق لها الاكتتاب بأعمال تأمين المسؤولية المدنية (الإصابات البدنية بما فيها الوفاة) الناشئة من حوادث السيارات.  لكنها تستطيع الاكتتاب بتأمين المسؤولية المدنية (الأضرار المادية لأموال الشخص الثالث) وكذلك تأمين السيارات التكميلي (الشامل).

لو كانت “الأقساط” التي تضاف إلى سعر الوقود تجبى من قبل شركات التأمين، كما كان عليه الوضع قبل صدور القانون 52 لسنة 1980 الذي ألغى قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964، لكانت شركات التأمين قد راكمت هذه الأقساط وربما ساهمت بالتنمية الاقتصادية بافتراض عدم تعرض محفظة التأمين على السيارات للخسارة.  ولكان هذا الوضع قد خلق تنافسًا بين شركات التأمين على الأسعار والخدمات التأمينية.  بالطبع، فإن اشتراك العديد من شركات التأمين بمزاولة تأمين المسؤولية المدنية من حوادث السيارات يخلق معه مشاكله الخاصة التي تحتاج إلى ضوابط صارمة من قبل المشرع ومن هيئة الرقابة للحيلولة دون الإجحاف بحقوق المؤمن لهم إضافة إلى إجراءات أخرى.

(6)

حسب علمي لم يخضع قانون سنة 1980 لمراجعة اقتصادية وقانونية نقدية من قبل شركات التأمين.[8]  ربما بالإمكان الجمع بين بعض أحكام قانون 1980 مع قانون جديد لتأمين المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات لإشراك جميع شركات التأمين في الاكتتاب بتأمين الإصابات من حوادث السيارات.  ربما آن الأوان لمناقشة الآثار الاقتصادية لقانون سنة 1980 على شركة التأمين الوطنية المفوضة بتسوية المطالبات بالتعويض وعلى شركات التأمين وتقييم السجل التاريخي لهذا القانون.

أرجو ألّا يفهم من هذا أنني ضد قانون 1980 بالمطلق، لكنني أتمنى من المهتمين بإصلاح قطاع التأمين العراقي الاستفادة من تجربة أسواق التأمين الأخرى والمفاهيم والممارسات التي تنتظم إدارة مطالبات التعويض فيها، والتركيز على النتائج الأولية ومآلات القانون التي كانت متوقعة وقت صاغتها وتلك التي كانت خارج التوقع.  لقد صدر قانون 52 لسنة 1980 عندما كانت التأمينات العامة، ومنها التأمين على السيارات والمسؤوليات المدنية الناشئة من حوادثها، محصورة بشركة واحدة هي شركة التأمين الوطنية إلى جانب شركة التأمين العراقية على الحياة التي اختصت بتأمينات الحياة.  مع تغيير بنية السوق بفضل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وتأسيس شركات تأمين خاصة حصل ما يشبه الاختلال في التوازن بين شركات التأمين من حيث حرمان شركات التأمين الأخرى من لعب أي دور في تأمين المسؤوليات.

ربما ليس المطلوب الآن إيجاد حل آني سريع لهذا الخلل لأننا لا نملك معرفة يقينية بمجرى التطور، بل العمل على بدء النقاش المفتوح في الموضوع ورفع مستواه، وخلق قناعة بضرورة مراجعة قانون 1980 وتشخيص المشاكل المهمة.

تموز 2021

ملحق

“خطر السيارة وخطر الذهنية خلف مقودها”

مستل من دراسة قديمة تناولنا فيها ما تمثله السيارة من خطر كامن تحت عنوان ثانوي “خطر السيارة وخطر الذهنية خلف مقودها،” تضمنت الدراسة أيضًا استطرادات حول حوادث السيارات.[9]  وهو يضم ملاحظات يمكن أن تنطبق على السيارات.  اقتبس من هذه الدراسة الفقرات التالية:

الإعلانات البراقة والجذابة في زماننا ترسم لنا صورة جميلة عن السيارة ننسى معها أن السيارة ماكنة تنطوي على مخاطر عديدة، وتحمل مع جمالها وفائدتها الوظيفية قدْراً كبيراً من التهديدات لسائقها وركابها والناس عموماً والبيئة وكذلك الأموال الخاصة والعامة.  ولعله من المناسب أن نتذكر بجانب الأسماء الناعمة والرقيقة التي تطلقها الشركات المصنعة على سياراتها الأسماء الموازية لها والتي توحي بالقوة والمنعة، وحتى العدوانية، لصاحبها ومستعملها.  كانت بعض السيارات، على سبيل المثال، تحمل أسماء البرّكودة barracuda أو اليَغْوَر jaguar أو المستنغ mustang وغيرها.  ولنا أن نتخيل ما تحمله هذه الأسماء، التي تبدو في ظاهرها بريئة، من مظاهر للسلوك قد لا نشارك فيها.

ربما يقال بأن هذه الأسماء لا تعني الكثير بالنسبة للإنسان العربي السائق للسيارة.  والأمر هو كذلك، ولكن هذا لا يعني إلغاء صفة الخطر والتهديد الذي ينتظم استعمال السيارة من خلال ماكنتها.  لنتخيل سائق السيارة خلف المقود.  تـرى أية رؤى تطرأ على مخيلته: القوة، الرغبة في تجاوز الزمن، الخروج من أسر الآخرين … الخ.  لعل رؤى متضاربة متداخلة تمتزج مع بعضها، صافية أحياناً ومُلَوثَةً أحياناً أخرى.  ولكنني أود التأكيد على صفات القوة والعدوانية، وكلاهما ينبعان من تركيبة السيارة ذاتها.  فبمجرد الضغط البسيط على دوّاسة البنزين يستطيع السائق تعجيل السرعة خلال بضع ثواني.  ترى أية قوة أخرى تعادل إنتاج مثل هذه القوة التي يمكن تحقيقها بحركة بسيطة من القدم!  هذه القوة حقيقية في ذاتها ولكن السيطرة عليها وهمية في ظل الاستعمال اليومي للسيارة.  ولذلك لا نشهد السرعة الهائلة للسيارات في التطبيق[10]، على العموم، إلا في السباقات وفي أماكن مخصصة لها.

إذا سلمنا بمقولة أن السيارة جهاز ينطوي استعماله على خطر وتهديد يقومان على القوة الكامنة في تصميم السيارة ذاتها، علينا أن نرسم ملامح الآثار السلبية لهذه القوة.  أول ملمح هو أن السيطرة على هذا الجهاز قد تكون خدّاعة وخاصة بالنسبة للسائق العادي الذي لا يمتلك غير بعض المهارات الأساسية لقيادة السيارة.  ثاني ملمح يرتبط بالأول هو أن استعمال هذا الجهاز الخطر لا يتم في فراغ أو خلاء وإنما ضمن محددات تتمثل أساساً بالناس، وهم على فئتين: المارة وسائقي السيارات الأخرى الذين يستعملون نفس الطرقات ويتزاحمون مع بعضهم لأتفه الأسباب.  وتتمثل كذلك بأنظمة المرور ― من تخطيط الشوارع، مروراً بسلامة هذه الشوارع وما عليها، إلى الأنظمة الآلية الضوئية لضبط حركة المرور.  والمحددات الأخيرة هذه ما وضعت إلا للحد من الآثار الضارة للسيارة وخاصة ما يسببه السائقون من أذى ووفاة لأنفسهم ولركابهم وللمارة، وكذلك الإضرار بالممتلكات.

مما يفاقم من خطورة السيارة هو كيفية تعاملنا معها كإحدى وسائل المدنية الحديثة.  أرجو ألّا أكون متجنياً إن قلت بأن تعاملنا مع السيارة لا يرقى إلى درجة الخطورة التي تنطوي عليها.  لربما أبدو متعسفاً إن قلت بأن قيادتنا للسيارة فيها بعض من آثار البداوة في تكويننا الثقافي.[11]  ولعل خير ما يشهد على الذهنية البدوية، كما تترجم نفسها في سياقة السيارة، هي عدد الحوادث في الطرقات الخارجية.  وتعليلي لذلك هو توهم الانبساط والخلاء الصحراوي في مثل هذه الطرقات، وفراغها من الآخرين.  فالسيارة هنا بمثابة الجمل أو الحصان الذي يمكن ركوبه والمطاردة به دون أية عوائق غير الكثبان التي يمكن تجنبها بيسر.  هنا لا نشهد أرصفة ولا سابلة ولا مباني على جانبي الطريق.  هذه الذهنية المترسبة في أعماق الوعي الباطن تطفو على السطح في أحيان كثيرة وعند العديد من الناس في تجاوز أنظمة السير، ومحاولة تجاهل وجود الآخرين، كسابلة[12] وكسائقين، في الطريق للتغلب على قيود السير بالاعتماد على قوة السيارة بنية الانطلاق من سجن الطريق ـ والتي تقود في غالب الأحيان إلى وقوع الحوادث المأساوية لتنتهي عند أبواب شركة التأمين كمطالبات للتعويض.  ولعل بعضاً من عنصر التغالب البدوي ينعكس في طريقة استخدام منبه السيارة: فهو يستعمل كدعوة للآخرين لإخلاء السبيل أمام السائق كي ينطلق بسيارته كما ينطلق الفارس في الصحراء دون أي عائق.

وضع الثقافة المرورية في المملكة العربية السعودية وآثارها تلقي بعض الضوء على النفور المترسخ في ذهن السائق عندما يجلس خلف المقود.  تحت عنوان مثير “الشوارع ساحات مفتوحة للسائقين المبتدئين والسيارات تحصد الأبرياء” نشرت جريدة الحياة مقالاً حول ضحايا حوادث السير في المملكة العربية السعودية.  يقول الكاتب جاسر الجاسر:

“التركيبة الاجتماعية العجيبة والمتناقضة في السعودية هي أحد أبرز الأسباب الظاهرية للحوادث لأنها تفتقد الثبات والاستقرار اللازمين لتبلور أي صيغة ثقافية إذ أن توالي دخول الجاليات وخروجها في فترات زمنية قصيرة وبأعداد كثيفة ساهما في تعميق الشتات الثقافي، وخلخلة بناء المنطلقات الأولية.”

وبعد استعراضه لمسببات أخرى للحوادث، يؤكد أن الأنظمة لن تنفع “ولن تثمر الاحتياطات لأنها تفترض شكلاً يغاير الواقع، وتتبنى حلولاً مباشرة لمشكلة ذات جذر ثقافي عميق الأثر …” 

أريد من هذا الاستعراض السريع التأكيد على أن الحد والتخفيف من حوادث السيارات وبالتالي حجم المطالبات بالتعويض لا يقع فقط ضمن الوضع القانوني لتسعير التأمين الإلزامي على السيارات، وأنظمة المرور، وترخيص استعمال السيارة والمهارات الفنية المتعلقة بقيادة السيارة، بل تتجاوز كل ذلك إلى إعادة تكييف الذهنية المسيطرة علينا عندما نجلس خلف مقود السيارة.  وبعبارة أخرى، يجب العمل من أجل إيجاد لغة مرورية مشتركة محورها الخطر الكامن في السيارة.

وإذا كان هناك ما يستوجب الإضافة هنا، فيما يخص الثقافة المرورية، فهو الاستهانة بحياة الإنسان.  وهنا علينا أن نسأل: ماذا يعني أن يموت إنسان ليبي من جراء الحوادث السخيفة للسيارات؟  هل فكرنا بالكلفة الاقتصادية للموت المجاني هذا؟  نحن نفكر بالتعويض المادي لورثة المضرورين ـ وهي الوظيفة التي تقوم بها شركة التأمين أو أي صندوق آخر معد لهذا الغرض بفعالية وفي معظم الأحيان بعدالة.  كم هو عمر تربية الإنسان؟  كم سنة نحتاج لكي نُخرّج طبيباً أو مهندساً أو غيرهم من أصحاب المؤهلات؟  هنا أحد مكامن الهدر الذي يجب أن لا يكون التأمين الوسيلة الوحيدة للتحوط منه.  أي أن المطلوب منا كجماعة التفكير بسبل التخلص من عقلية الاستهانة بالغير والكلفة الاقتصادية غير المنظورة والتي تختفي وراء الأرقام الخاصة بعدد الحوادث والتعويضات المسددة.

إن الاقتصار على الأرقام المباشرة تحجب التكاليف غير المنظورة، خارج التكاليف النفسية والعائلية، كضياع الوقت، والتأثير على الإنتاج، وتراكم المعرفة والمهارات في المجتمع عندما يموت بعض مالكيها في حوادث السيارات.  ما لم نضع ذلك نصب أعيننا نكون كمن يبحث في تخفيف الآثار بدل التبصر دراسة وبحثاً في جذور المشكلة وإيجاد الحل المناسب لها.


[1] فؤاد عبدالله عزيز، التأمين في العراق: الواقع وآفاق المستقبل (بغداد: موسوعة القوانين العراقية، [2005])، ص 89.

[2] عزيز، مصدر سابق، ص 88.

[3] المحامي بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2010)، ص 585-586.

[4] جمعية التأمين العراقية، إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام (2018 – 2019)، جدول خاص بشركة التأمين الوطنية.

[5] فؤاد عبدالله عزيز، التأمين في العراق: الواقع وآفاق المستقبل، ص 88.

[6] منذر الأسود ومحمد فؤاد شمقار، “ملاحظات حول مشروع قانون تعديل قانون التامين الالزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980،” مرصد التأمين العراقي:

وقد كانت لي وقتها تعليقات على آراء بعض أعضاء مجلس النواب في مناقشتهم لتعديل قانون 52 لسنة 1980.  راجع: مصباح كمال، “وقفة مع مداخلات مجلس النواب العراقي في القراءة الثانية لمشروع قانون تعديل قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980،” مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2015/07/iraqi-parliament-debates-amendment-of.html

[7] يضم الملحق ملاحظات حول خطورة السيارة وسائقها والحوادث الناشئة عنها اقتبستها من دراسة سابقة.

[8] بعض الدراسات المتوفرة عندي تضم الآتي:

هاني النقشلي، “أضواء على القانون الجديد للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980،” رسالة التأمين، العدد 42، تشرين الثاني 1980، ص 4-19.

بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمان: دار الثقافة، 2010)، فصل “مبحث خاص: ملاحظات حول قانون التأمين الإلزامي العراقي رقم (52) لسنة 1980،” ص 582-599.

تيسير التريكي ومصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب (بيروت منتدى المعارف، 2020)، ص 79-86، وكذلك ملحق “التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات (مسؤولية دون خطأ)،” ص 103-131.

[9] مصباح كمال، “مقتربات لدراسة آثار السيارة وتأمين المسؤولية المدنية،” مجلة التأمين العربي، العدد 63، 1999، ص 30-39.

كتبت هذه الدراسة للمشاركة في ندوة لشركة ليبيا للتأمين “ندوة التأمين الإجباري للسيارات: مشاكل الحاضر وآفاق المستقبل – بنغازي 23-24/10/1999.”

[10] يؤيد ذلك قوانين السير التي تحدد سرعة استعمال السيارة داخل المدن وفي الطرقات الخارجية، دون أن يعني ذلك أن الجميع يلتزم بالقانون لأن السيارة في تصميمها توفر الفرصة الآنية للتسابق مع الغير واختصار الزمن، إضافة لمنح السائق وَهْمْ القوة المرضية.

[11] استوحيت هذه الفكرة، أو بالأحرى الافتراض، من أطروحة عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي حول صراع البداوة والحضارة في كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي (ب.ن، طبعة 1996).  ليس هذا بالمجال الذي ينهض باستعراض هذه الأطروحة ويكفي القول بأن البداوة هنا تقوم على النفور من الدولة، ومحاولة عدم الخضوع لها ومؤسساتها إذ أن العصبية القبلية هي البديل.  والمركب الأساسي في الثقافة البدوية هو ما يسميه الوردي “التغالب” ـ فالبدوي يريد أن يغلب بقوة قبيلته، ويغزو بقوته الشخصية ويتفاخر بمروءته، أي بتفضله على الغير. ص 38.

[12] لاحظت اعتماداً على تجربتي الشخصية في المشي في مدينة طرابلس أن سائقي السيارات لا يتوقفون وهم يشاهدون أحد السابلة يحاول عبور الشارع في المنطقة المخصصة للعبور (zebra crossing).

Financial and Accounting Training Centre and the Conference on Reforming Iraq’s Insurance Sector

مركز التدريب المالي والمحاسبي ومؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق

نشر أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/05/Misbah-Kamal-Conference-Financial-Acounting-Training-Centre-IEN.pdf

مصباح كمال

وصلني من الزميل سعد جادر قبل أيام خبر منشور في موقع مركز التدريب المالي والمحاسبي (فيما يلي المركز) في الفيسبوك بتاريخ 29 نيسان 2021 بعنوان “مركز التدريب المالي والمحاسبي يعقد الاجتماع التنسيقي الأول استعدادا لإقامة مؤتمره العلمي الأول تحت شعار إصلاح قطاع التأمين في العراق” بتوقيع “شعبة العلاقات والإعلام & [كما في الأصل] لجنة النشر.”[1]

من المُسرّ أن يجري العمل على عقد مؤتمر لإصلاح قطاع التأمين في العراق لأن القطاع بحاجة إليه، لكن لي بعض الملاحظات والتساؤلات حول الموضوع أدرجها أدناه فربما ينهض بعض القراء، وخاصة من قطاع التأمين، لتخطئتها أو الإضافة إليها.

1      يفهم من تسمية هذا الاجتماع بأنه “الاجتماع التأسيسي الأول” أن هناك اجتماعات تنسيقية أخرى ستعقد لإقامة المؤتمر العلمي الأول.  ويبدو أن هذا المؤتمر سيكون حدثًا عظيمًا في تاريخ التأمين العراقي، ولذلك فإن الإعداد له يحتاج إلى عدد من الاجتماعات التنسيقية.  ويفهم من الخبر أيضًا أن المركز لم يسبق له أن عقد مؤتمرًا علميًا وهذا هو “مؤتمره العلمي الأول” واختار موضوع “إصلاح قطاع التأمين في العراق” عنوانًا له.  هل أن الإعداد للمؤتمر، مهما كانت أهميته، يحتاج إلى اجتماعات تنسيقية أخرى؟  أليس كافيًا تفويض لجنة نابعة من الاجتماع التنسيقي لتقوم بالإعداد للمؤتمر؟

2      نقرأ في الخبر أن المؤتمر العلمي الأول الذي سيقيمه المركز سيكون برعاية وزير المالية وبالتعاون مع ديوان التأمين وشركات التأمين الوطنية والعراقية وإعادة التأمين في وزارة المالية فضلا عن كلية الإدارة والاقتصاد/الجامعة المستنصرية، وكلية اقتصاديات الأعمال/جامعة النهرين، والمعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية/جامعة بغداد.  يرد هنا ذكر ثلاث شركات حكومية ولا يرد ذكر لجمعية التأمين العراقية (التي تضم في عضويتها شركات التأمين العامة والخاصة) التي يمكن أن يكون حضورها مفيدًا لتمثيل شركات التأمين الخاصة.

إن الجمع بين كيانات أكاديمية وشركات التأمين إجراء من شأنه توليد أفكار إصلاحية جديدة لعموم قطاع التأمين العراقي بافتراض أن الجمع بين ما تراكم من دراسات تأمينية لدى المؤسسات الأكاديمية مع الخبرة المتراكمة لدى شركات التأمين، العامة والخاصة، سيستفاد منها في رسم سياسة الإصلاح وتقديم إصلاحات ملموسة قابلة للتطبيق في سياق واقع قطاع التأمين الحالي.  وهو واقع يتميز بضعف الكوادر الفنية وتدني المستوى اللغوي والتدريب والأداء الضعيف، وفي بيئة غير مرحبة بمؤسسة التأمين التي تتعرض للنقد والاتهام بالفساد.

3      إن غياب شركات التأمين الخاصة أو من يمثلها يعني أن المؤتمر العلمي الأول خاص بشركات التأمين العامة وليس قطاع التأمين العراقي برمته.  وإذا كان المؤتمر سيعقد تحت شعار “إصلاح قطاع التأمين في العراق” فأين موقع شركات التأمين الخاصة في المؤتمر أو في قطاع التأمين؟  وإذا لم تكن شركات التأمين الخاصة ممثلة في هذا المؤتمر العتيد فالأولى بمنظمي المؤتمر تعديل شعاره لأنه يجتزئ قطاع التأمين بالشركات العامة الثلاث: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية.

لعل ورود كلمة “إصلاح” في عنوان المؤتمر المرتقب تكشف ما يريده المركز وراعيته، وزارة المالية، لاستكمال ما تمَّ عرضه في الورقة البيضاء.[2]

4      نقرأ في الخبر أيضًا أن الاجتماع التنسيقي الأول حضره “مدير عام مركز التدريب المالي والمحاسبي د. أحمد جواد مدير ورئيس ديوان التأمين ومدير عام شركة التأمين الوطنية اسراء صالح[3] ومدير عام شركة التأمين العراقية وسام محمد ومدير عام شركة إعادة التأمين [العراقية] ايمان برهان الدين[4] وعميد كلية الإدارة والاقتصاد/الجامعة المستنصرية د. بثينة راشد.”  وهنا نلاحظ غياب من يمثل شركات التأمين الخاصة ولو بصفة مراقب.  أقول هذا لأن إصلاح قطاع التأمين يمكن أن يكون له تأثيرًا وتبعات على شركات التأمين الخاصة.

5      ونقرأ أخيرًا في خبر المركز أنه “تم خلال الاجتماع تحديد محاور المؤتمر وأهدافه فضلا عن تسمية اللجان العلمية والتحضيرية والإعلامية وموعد ومكان إقامة المؤتمر.”  أما ما هي محاور المؤتمر، وما هو أهدافه فإن اللجنة التي قامت بصياغة الخبر سكتت عنهما.  أليس مُعيبًا أن يضم هذا الخبر أربع فقرات وفقرته الرابعة والأخيرة والمهمة تكتفي بالقول إن الاجتماع، التنسيقي الأول، حدد محاور المؤتمر وأهدافه دون ذكر التفاصيل.  تذكّرني هذه الصياغة بالبؤس الذي يسمُ الأخبار والتعليقات في الصحافة العراقية حول التأمين، وقد كتبت عنها غير مرة.[5]

6      هناك هوس لاقتناص موقع الأولوية في عقد مؤتمرات التأمين، فقد سبق لوزارة المالية عندما كانت تحت ولاية بيان جبر الزبيدي تنظيم ما أسمتها أول مؤتمر للتأمين بتاريخ 28 حزيران 2009 وقد وصفته بأنه مؤتمر إعلامي عابر لن يترك أثرًا ملموسًا على قطاع التأمين.[6]  وفي 3 آذار 2018 عقد مؤتمر التأمين العراقي بدعوة من مركز الإبداع لتنمية الشباب والمجتمع، وقد عرَّفه منظموه بأنه مؤتمر التأمين العراقي الأول.[7]  ترى هل أن القائمين على تنظيم مؤتمر “إصلاح قطاع التأمين في العراق” سيستفيدون من تجربة المؤتمرين السابقين أم يهنئون أنفسهم بعقد أول مؤتمر للتأمين؟

7      جوقة المعلقين على هذا الخبر لا يقدمون مادة مفيدة ويكتفون بتقديم التبريكات والتهنئة والمديح الفارغ.  ويبدو أن بعض التعليقات موجهة خصيصًا لبعض المشاركين في الاجتماع التنسيقي وكأن أصحابها يبغون رضا الممدوح أو منفعة ما من وراء التعليق.  وهنا نتعرف على ضحالة وبالأحرى غياب التفكير بالشأن التأميني.

8      قطاع التأمين العراقي قطاع معلول، بدأت مشاكله بالظهور مع فترة الحصار الاقتصادي للعراق (1990-2003)، وتفاقمت بعد الاحتلال الأمريكي الذي ساهمت سلطته المدنية بتدبيج الأمر رقم 10 قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 المعيوب.  وقد انتبه بعض ممارسو التأمين إلى هذه العيوب وكتبوا عنها،[8] وتقدمت بعض إدارات التأمين بأفكار لتعديل الأحكام الضارة لهذا الأمر إلا أنها لم تجد استجابة من وزارة المالية أو مجلس النواب.

10 أيار 2021


[1] رابط الخبر والتعليقات:

[2] مصباح كمال، “ملاحظات نقدية حول إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين والخدمات التأمينية في الورقة البيضاء،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/02/Misbah-Kamal-Insurance-in-White-Paper-Part-2-IEN.pdf

[3] تكليف إسراء صالح لإدارة (أو تمشية أعمال) شركة التأمين الوطنية وديوان التأمين قرار سيء لوزارة المالية يكشف عن غياب معرفي بالقواعد الرقابية على النشاط التأميني.  لا يوجد في أنظمة التأمين في أسواق التأمين من يجمع بين إدارة الهيئة الرقابية على النشاط التأميني وإدارة شركة تأمين في ذات الوقت.  مثل هذا الوضع يخلق تضاربًا في المصالح مهما حاول الشخص المكلف أن يخلق جدارًا صينيًا بين إدارة الرقابة وإدارة شركة تأمين خاضعة لرقابتها.  سبق لوزارة المالية أن أقدمت على قرار مماثل في وقت سابق.

[4] تسمية عناوين المدراء العامون للشركات الثلاث وديوان التأمين تستدعي التدقيق لأن شاغلي موقع المسؤولية الأولى ليسوا جميعًا يتمتعون بعنوان مدير عام، فهم ما بين مدير عام بالوكالة أو مدير لتمشية الأعمال.

[5] أنظر: مصباح كمال:

أخبار العراق التأمينية في الصحافةمجلة التأمينالعراقي (14/7/2008) http://misbahkamal.blogspot.com/2008/07/1-5-2008.html

“جريدة العراق اليوم وشركة الحمراء للتأمين: مثال آخر على الكتابة الصحفية عن التأمين” مجلة التأمينالعراقي، تشرين الثاني 2009.

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/11/blog-post_04.html

“قطاع التامين: صحفي يكتب ومدير مفوض شركة تأمين يعقب” مجلة التأمين العراقي، 7/12/2009.

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/12/1829-22-2009.html

[6] راجع تقييمنا ونقدنا لهذا المؤتمر في مقالتنا المنشورة تحت عنوان “نقد “مؤتمر التأمين” وتصريحات وزير المالية” في موقع مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/07/28-2009.html

[7] مصباح كمال، “هوامش نقدية على مؤتمر التأمين العراقي وتوصياته،” في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2018/03/19/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%87%d9%88%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85/

[8] مساهمة في نقد ومراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، جبار الخزرجي، سعدون الربيعي، فؤاد شمقار، محمد الكبيسي، مصباح كمال، منعم الخفاجي، تحرير: مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2013)

مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)

وغيرها من المقالات التي يصعب عليَّ الوصول إليها.

Risk and Insurance Business in History

المخاطر وأعمال التأمين في التاريخ

المخاطر وأعمال التأمين في التاريخ – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

عنوان الكتاب: المخاطر وأعمال التأمين في التاريخ

تحرير: جيرونيا بونس وروبن بيرسون *

المراجع: كريس كينغستون **

الترجمة: مصباح كمال***

جيرونيا بونس وروبن بيرسون، محرران، المخاطر وأعمال التأمين في التاريخ، مدريد: مؤسسة ماپفري، 2020، 290 صفحة.

لقد كان موضوع تاريخ التأمين، كما لاحظ العديد من المؤلفين، عرضة إلى الإهمال من قبل المؤرخين، بما في ذلك المؤرخون الاقتصاديون.  ولكن في السنوات الأخيرة، مع نمو مطّرد في الاهتمام من قبل الباحثين عبر مجموعة من التخصصات، أخذ مجال الاهتمام بالتوسع في النطاق الجغرافي والتاريخي والمنهجي.

في تموز/يونيو 2019، نظم اثنان من أفضل الرواد في هذا المجال، جيرونيا بونس Jerònia Pons (جامعة إشبيلية) وروبن بيرسون Robin Pearson (جامعة هال)، مؤتمرًا دوليًا حول “المخاطر وأعمال التأمين في التاريخ” في جامعة إشبيلية.  جمع المؤتمر مجموعة من الباحثين في التأمين والمخاطر يحملون وجهات نظر أكاديمية ومهنية متباينة، بهدف واضح وهو إنشاء منتدى لتشجيع الحوار متعدد التخصصات.  بالنسبة للباحثين في التأمين، كما يشهد هذا المُراجع، فإن هذا المؤتمر كان فرصة نادرة وقيّمة للتواصل، وتجمعًا خصبًا ومحفزًا وممتعًا بشكل ملحوظ.  فلهم الشكر والتقدير جميعًا.

تمَّ نشر هذه المجموعة المكونة من تسعة أوراق مقدمة في المؤتمر، والتي تم تحريرها من قبل بونس وبيرسون، بدعم من مؤسسة Mapfre،[1] التي دعمت أيضًا المؤتمر نفسه.

في مقدمة قيّمة وواسعة النطاق، نسج المحرران معًا بعض الخيوط المتباينة في الأدبيات المجزأة حول المخاطر والتأمين.  ويأخذ مسحهم، للأدبيات المنشورة، دراسات المُنظرين في مجال الثقافة لكيفية اختلاف تصورات المخاطر والمسؤولية والتأمين عبر الثقافات؛ دراسات الاقتصاديين السلوكيين للفوارق النفسية التي تنشأ في اتخاذ القرار في ظل عدم اليقين؛ ومقاربة علماء الاجتماع وعلماء القانون لصناعة التأمين كمصدر لنوع من الحوكمة تجاه سلوك المخاطرة بين المؤمن لهم.  كما يؤكدان أيضًا على دور “الدولة” في أدوارها المتعددة: كمزوّد لأنواع مختلفة من التأمين، وكمصدر للمخاطر من خلال الحرب، وكمصدر للتنظيم regulation الذي لديه القدرة على تقييد أو تشجيع تطوير التأمين، والأسواق والمنظمات والممارسات.  النقطة الأساسية هي التأكيد على الدافع لدى المحررين لتنظيم مؤتمر إشبيلية: إظهار تنوع مناهج دراسة المخاطر والتأمين في التاريخ، وإيمانهما بإمكانية التعاون المفيد والتلاقح الفكري المتبادل.

في حين أن جودة المساهمات تختلف من باحث إلى أخر، فإن البعض منها كان سيستفيد من التحرير المكثف لها، إلا أن هناك العديد من الأوراق القيّمة للغاية في هذه المجموعة التي تُوسّع من نطاق هذا الحقل المعرفي وتستحق أن تُقرأ على نطاق واسع من قبل المهتمين بتاريخ التأمين والمجالات ذات الصلة.

يروي تيموثي ألبورن Timothy Alborn الحكاية الرائعة لكيفية تصارع شركات التأمين على الحياة البريطانية في القرن التاسع عشر مع مسألة كيفية تأمين حياة المبشرين والجنود والمغامرين الفيكتوريين وهم يغامرون بالانتقال إلى مناطق نائية ومليئة بالوباء في كثير من الأحيان في العالم وفي الإمبراطورية البريطانية– وهي المناطق التي لم يكن لدى الشركات سوى معلومات مبعثرة للغاية وغير كاملة عنها.  كما أن هذه الشركات قامت بالتوغل المتردد والمتحيز عنصريًا في كثير من الأحيان في مجال التأمين على رعايا الإمبراطورية غير البيض المُستعمرين، حتى عندما أصبح من الواضح تدريجيًا أن السكان المحليين “المتحضرين” غالبًا ما كانوا يتمتعون بصحة أفضل ومعدل وفيات أقل في بيئاتهم المحلية من الأسياد المغتربين الأوروبيين.  في المقابل، بالنسبة لشركات التأمين الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، والتي وصفت شارون آن مورفي Sharon Ann Murphy ببراعة جهودها في التوسع في أمريكا اللاتينية، كان الهدف الأساس لهذه الشركات هو التأمين على السكان المحليين.  ومع ذلك، أعاقت مشاكل الوكالة agency problems جهودها، وانهارت هذه الجهود في نهاية المطاف عندما تخلت عن المجال أمام الشركات المحلية الناشئة في مواجهة التشريعات التقييدية، وعدم اليقين السياسي، والفضائح.

قام ليوناردو كاروانا دي لاس كاجيجاس Leonardo Caruana de las Cagigas وأندريه شتراوس André Straus بمسح التطور القانوني والدور المتزايد لتنظيم الدولة لصناعة التأمين في فرنسا وإسبانيا من أواخر القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين، حيث ظهرت أشكال جديدة من التأمين والابتكارات التنظيمية organizational innovations.  لقد تخلفت التنمية في إسبانيا عمومًا عن فرنسا، مما مكّن الشركات والهيئات التنظيمية regulators الإسبانية من التعلّم من الدروس المستفادة في أماكن أخرى، لكن التواريخ السياسية المتباينة للبلدين ضمنت بقاء مسارات التنمية متميزة.

وقام كريستوفر ستادلين Christofer Stadlin بعقد مقارنة لتطور تأمين رب العمل من المسؤولية وحوادث العمل كما تشكّل من خلال البيئات التنظيمية في ألمانيا وفرنسا في أواخر القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى، وكما يبدو من وجهة نظر شركة زيورخ للتأمين التي كانت نشطة في كلا السوقين.

يقدم هوزيه غارثيا-رويز José García-Ruiz تاريخًا لشركة تأمين يستعرض فيه “التأمين عبر المصارف” “bancassurance” بين بنك Banesto الإسباني وشركة Luyefe، شركة التأمين الرائدة في إسبانيا في معظم سنوات القرن العشرين، حيث اجتازت الشركتان المرتبطتان مع بعضهما ارتباطًا وثيقًا الأوضاع السياسية المضطربة ودشنتا العمل مجالات جديدة من الأعمال.  ويصف ميكائيل لونبورغ Mikael Lönnborg وبيتر هيدبيرج Peter Hedberg ولارس كارلسون Lars Karlsson كيف أن قانون التأمين السويدي لعام 1948 فضَّل عن عمد شركات التأمين الكبيرة على أساس الاعتقاد بأن صناعة التأمين ستصبح أكثر كفاءة من خلال وفورات الحجم.  ومع ذلك، فإن الزيادة الناتجة في التركيز في صناعة التأمين السويدية فشلت في تحقيق التحسينات المأمولة لصالح المستهلك.

تتناول الفصول الأخرى للكتاب الاستجابة التنظيمية regulatory response لجنوب إفريقيا للأزمة المالية العالمية لعام 2008 (وهو ما تناوله فيرهوف Greitjie Verhoef بالدراسة)؛ تطور الإطار القانوني والتنظيمي الذي دعم تطوير التأمين ضد الحريق في كندا في القرن التاسع عشر، متأثرًا بالسوابق الفرنسية والبريطانية والأمريكية (وهو ما تناوله ديفيد جيل وسيباستيان لانكتوت David Gilles and Sébastien Lanctôt بالدراسة)؛ وكيف تم التلاعب بتقييم أصول شركات التأمين الأمريكية، بموافقة السلطات، لتمكينها من تلبية متطلبات الملاءة المالية خلال الأزمة المالية في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين (في دراسة لوكا فروليتشر Luca Froelicher).

مع مثل هذا الاتساع في الرؤية ونطاق الدراسة والمنهجية، يصبح موضوع اعتبار هذه المجموعة من الدراسات بأنها أكثر من مجموع أجزائها أمرًا قابلًا للنقاش.  إن بيرسون وبونس في سعيهما للوصول إلى فكرة موحدة في مقالهما التمهيدي، يلفتان الانتباه إلى التطابق في الفترات الزمنية (تتناول معظم الدراسات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) وإلى تأثير التنظيم regulation من قبل الدولة على صنع القرار من قبل شركات التأمين؛ وبالتأكيد فإن “الدولة”، بشكل أو بآخر، تلوح في الأفق بشكل كبير في كل هذه الدراسات، كما يجب أن يكون عليه الحال في أي دراسة للتأمين الحديث.  إن الأهمية الحقيقية لهذا الكتاب يكمن في كونه علامة فارقة في مجال للدراسة يتقدم بقوة، والذي يحمل وعدًا بأسئلة بحثية متعددة التخصصات مهمة ومثمرة والتي بالكاد بدأ استكشافها.  في هذا الصدد على الأقل، فإن رؤية منظمي المؤتمر، ومحرري هذا الكتاب، مبررة تمامًا.

* جيرونيا بونس، أستاذة التاريخ الاقتصادي، جامعة مدريد، إسبانيا

روبن بيرسون، أستاذ التاريخ الاقتصادي، جامعة هال، بريطانيا

** كريس كينغستون، أستاذ الاقتصاد في أمهيرست كوليدج، الولايات المتحدة الأمريكية

*** مصباح كمال، كاتب في قضايا التأمين

Jerònia Pons and Robin Pearson, editors, Risk and the Insurance Business in History. Madrid: Fundación Mapfre, 2020. 290 pp. ISBN: 978-84-9844-753-8.

Reviewed for EH.Net by Chris Kingston, Department of Economics, Amherst College.

Copyright (c) 2021 by EH.Net. All rights reserved. This work may be copied for non-profit educational uses if proper credit is given to the author and the list.


[1] مؤسسة ماپفري (1975) أسستها شركة ماپفري الإسبانية، مقرها في مدريد وهي واحدة من كبريات شركات التأمين في اسبانيا وأمريكا اللاتينية وأقطار أخرى.  للمزيد من المعلومات راجع:

https://www.mapfre.com/statics/corporativo/grupomapfre/en/cinformativo/mapfre-foundation.shtml

وكذلك:

https://en.wikipedia.org/wiki/Mapfre