الحلول الوطنية لمشاكل الطاقة الاكتتابية في تأمين أخطار الإرهاب
[1]
د. مصطفى رجب
مقدمة:
حلول تأمينية وطنية وليست إقليمية أو دولية والسبب في ذلك أن هذه الحلول غالباً ما تتطلب ضمانة حكومية (في حدودها العليا كما سنرى فيما بعد) ومن ثم فلا تجد الحكومة (اية حكومة) مبرراً لتحميل دافعي الضرائب الوطنيين الآثار المادية لأعمال إرهابية تقع في بلد آخر حتى وإن كان هذا البلد الآخر عضواً في نفس المجموعة الإقليمية. فلقد جرت محاولة في إطار الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد تنظيم من شأنه معالجة المشاكل التأمينية لخطر الإرهاب إلا إنه يبدو أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح.
والنظرة إلى الإرهاب، في هذا البحث التأميني، نظرة موضوعية وليست شخصية، وبعبارة أخرى فإنه حيث تتوفر العناصر التأمينية الموضوعية في الخطر، فإنه سيوصف بأنه عمل من أعمال الإرهاب بصرف النظر عن المعايير الشخصية.
ثم إننا نعالج الإرهاب كخطر تأميني على اليابسة دون الخوض فيه كخطر تأميني في البحر أو الجو، فأعمال الإرهاب البحرية أو الجوية تعالج (من الناحية التأمينية) مع أخطار الحرب واحياناً بشكل مستقل.
وبالرغم من أن خطر الإرهاب يعالج ضمن حزمة من الأخطار التأمينية ذات الطبيعة الخاصة كالحرب الأهلية والتمرد والعصيان والثورة (War, Civil War, Insurrection and Revolution) أو الاضرابات والشغب والاضطرابات الأهلية SRCC، فإننا سنعالجه، بالرغم من اختلاطه احياناً ببعض تلك الأعمال، كخطر تأميني مستقل.
مقدمة تاريخية:
كلمة Terrorism مأخوذة من كلمة Terror المأخوذة بمعناها السياسي عن كلمة Terreur الفرنسية ذات الخلفية السياسية وبشكل خاص خلال فترة الرعب العظيم الذى ساد الفترة الأولى للثورة الفرنسية وبالذات خلال الفترة من نيسان 1793 حتى تموز 1794 حينما اقتيد روبسبير Robespierre أحد الزعماء الرئيسيين للثورة الفرنسية والعديد من انصاره إلى المقصلة. لقد كان الهدف من فترة الرعب تلك هو القضاء على الخصوم السياسيين (1).
الإرهاب ليس بالظاهرة الجديدة، إنما الجديد في الأمر يتمثل بالوسائل المستخدمة والآثار التدميرية المترتبة عليها. فأعمال الأمس الإرهابية تتمثل بإطلاق النار على هذا الخصم السياسي أو ذاك أو وضع متفجرات في بناية أو دائرة حكومية، أما أعمال اليوم الإرهابية فإنها تستخدم وسائل لم يكن من الممكن تصورها حتى أمس القريب، بل الأخطر من ذلك الوسائل الحديثة التي قد تؤدى إلى تلوث منطقة بأكملها نتيجة استخدام مواد كيماوية أو بيولوجية أو إشعاعية وحتى نووية (CBRN) Chemical, Biological, Radiological or Nuclear فحينما كانت توضع بالأمس متفجرة في بناية فإنه يمكن معرفة ما تضرر وما لم يتضرر، أما الآن فأنه لابد من تشخيص هل أن هذا المكان قد أصابه أو هذه المنطقة قد أصابها التلوث.
وبالرغم من استعمال وسائل التنظيف العلمية المتاحة الآن، فقد يتردد سكان البناية أو المنطقة من العودة إليها خوفاً من أن يكون قد تبقى شئ مما أصابها من تلوث.
بل إن الأمر يتطلب إعداد أشخاص مختصين (تأمينياً وفنياً) لدى هيئات تقدير وتسوية الخسائر قادرين على التعامل مع الاضرار الناتجة عن استعمال المواد المذكورة بالإضافة إلى استخدام أجهزة حديثة متطورة قادرة على اكتشاف التلوث (2).
اولاً: محطات أثرت في المفهوم التأميني لخطر الإرهاب:
تشير أدبيات تأمين أخطار الإرهاب إلى وجود محطات تأمينية رئيسية أدت بحكم الوسائل المستخدمة والآثار المترتبة عليها، إما إلى إحداث تغيير في تعريف الإرهاب أو تعديل شروط التغطية أو تقلص الطاقة الاكتتابية أو إلى الثلاثة معاً (3).
المحطة الأولى:
كانت بتاريخ 19 تموز (يوليو) 1946 حينما تم تفجير فندق الملك داود في القدس حيث تحول الفندق إلى انقاض وأدى الأمر إلى قتل وجرح 200 شخص. لقد كان الفندق مقراً للسلطات البريطانية المنتدبة على فلسطين آنذاك. وقد أدى هذا الحادث إلى تغيير في توجهات سوق التأمين في لندن وظهر في أدبيات التأمين تعبير (العمل الإرهابي) الذى يؤدى إلى كارثة (وليس عملاً فردياً محدوداً).
المحطة الثانية:
كانت في 10 نيسان (ابريل) 1992 حينما تم تفجير سيارة محملة بالمتفجرات في قلب مدينة لندن City of London حيث قتل ثلاثة أشخاص وجرح 91 شخصاً وقدرت الخسائر التأمينية بـ 800 مليون جنيه إسترليني. وقد أدت هذه الكارثة إلى توقف معيدي التأمين عن الاكتتاب بأخطار الإرهاب في سوق لندن مما حدى بالحكومة البريطانية إلى القيام بدور رئيسي في تكوين ما يسمى Pool Re.
المحطة الثالثة:
كانت في 11 ايلول (سبتمبر) 2001 حيث أدى الأمر إلى تدمير مركز التجارة العالمي WTC في نيويورك ومقتل ما يقارب 3000 شخص. وتعتبر الحادثة المذكورة نقطة تحول رئيسية بالنسبة للنظرة التأمينية إلى خطر الإرهاب بسبب الموقف الذى اتخذته شركات إعادة التأمين ومن ثم شركات التأمين تجاه هذا الخطر وتدخل الدولة من أجل توفير الطاقة الاكتتابية التي تحتاجها الاقتصادات الوطنية.
ومن الناحية التأمينية الصرفة، فقد أدت الحادثة المذكورة إلى تفعيل أغطية تأمينية متعددة لم يكن من المتصور أن تتأثر جميعها في حادثة واحدة. فبالإضافة إلى أغطية الممتلكات استدعيت للدفع الاغطية التي تغطى الخسائر الناتجة عن التوقف عن العمل وتأمين الطيران وتأمين المسؤوليات والتأمين على الحياة (الذى قدرت خسائره بمليار دولار) والتأمين الصحي وتأمين الحوادث الشخصية (اللذين قدرت خسائرهما بمليار دولار) وحتى تعويضات العمال.
وأثارت تلك الحادثة، كما سنرى فيما بعد، جدلاً أمام القضاء عما إذا كان ما حصل يعتبر حادثة واحدة أم حادثتين بسبب تدمير برجين بطائرتين تفصل بين كل طائرة وأخرى فترة زمنية وإن كانت قصيرة جداً والجدل المذكور، كان يعنى من الناحية التأمينية مليارات الدولارات يستحقها في حالة اعتبارهما حادثة واحدة بسبب نوعية الاغطية التأمينية التي كانت تغطى البرجين.
وقد شهدت الفترة التي اعقبت 11 ايلول 2001 اهتماما غير مسبوق من قبل الدول في مشاكل تأمين أخطار الإرهاب بعد أن تقلصت الطاقة الاكتتابية المتاحة في أسواق التأمين وإعادة التأمين الدولية.
ففي الدول التي كان يوجد فيها تنظيم معين، تمت إعادة النظر في هذا التنظيم في ضوء الاحداث الاخيرة، كما حدث في اسبانيا والمملكة المتحدة وجنوب افريقيا، وفى دول أخرى تم استحداث تنظيمات جديدة من اجل معالجة المشاكل المستجدة كما حصل في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وهولندا وسويسره والنمسا والهند.
ثانياً: تدخل الدولة وحماية مصالح الاطراف ذات العلاقة:
الكوارث الطبيعية (الزلازل والفيضانات والأعاصير والتسونامي .. الخ) والكوارث التي هي من صنع البشر (الحرب والحرب الاهلية والإرهاب .. الخ) اصبحت بحكم الآثار المدمرة والشاملة التي تخلفها، تتجاوز قدره شركات التأمين وإعادة التأمين المحلية والعالمية، فاذا اضيف إلى ذلك صعوبة استخدام المعايير الفنية السليمة في تقويم الخطر وحساب التكلفة التأمينية من اجل التسعير، وهى صعوبة ناشئة من عدم الانتظام في الوتيرة وعدم التناسق في حجم الاضرار كل ذلك جعل تدخل الحكومات في الدول المختلفة أمراً ضرورياً من أجل توفير الاغطية التأمينية الملائمة بكلفة مناسبة بعد أن اصبحت السوق المحلية والدولية عاجزة عن توفير مثل هذه الاغطية الأمر الذى يؤثر على مختلف القطاعات والنشاطات الاقتصادية.
وتدخل الدولة يأخذ، كما سنرى فيما بعد، أشكالاً مختلفة سواء على شكل تجميع للطاقات المتاحة في القطاع الخاص إلى قيام الحكومات بدور معيد التأمين أو معيد إعادة التأمين Retrocession أو بدور المقرض بقروض واجبة الاسترداد خلال فترات طويلة.
هذا التدخل من قبل الدول، يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة: المؤمن لهم، المؤمنين، معيدي التأمين، الحكومة.
فمصلحة المؤمن لهم هي في تمكينهم من الحصول على الغطاء الملائم بكلفة مناسبة. كما أن مصلحتهم تقتضى استمرارية التغطية حتى وإن تغيرت الظروف ومصلحة شركات التأمين تقتضى عدم تحميلهم مسئوليات تفوق طاقاتهم الاحتفاظية مما يعرضهم لمشاكل مالية خطيرة، ومصلحة معيدي التأمين هي في الحصول على المقابل المناسب لما يقدمونه من ضمانات. أما الحكومة فإن من أول واجباتها يتمثل في تمكين سوق التأمين من توفير الاغطية الضرورية لممارسة النشاط الاقتصادي. كما أن مصلحتها تتجسد في أن مشاركتها مبرره حينما تكون هناك أسباب قاهرة تستدعى تحميل دافعي الضرائب بعض الأعباء. ومن ناحية أخرى، فإن مشاركة الحكومة يجب أن لا تؤدى إلى تراخى سوق التأمين عن القيام بدورها حسب الإمكانيات المتاحه.
وهكذا يتبين أن التدخل الحكومي يجب أن يحقق التوازن بين مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة أي:
– أن يقوم التدخل على أساس تحميل المؤمن لهم كلفة تتناسب إلى حد ما مع درجة التعرض.
– عدم تحميل شركات التأمين بأكثر من طاقتها.
– عدم تحميل خزينة الدولة وحدها الخسائر في حين تحقق الجهات الأخرى المنافع.
– إن التدخل يخضع لإعادة النظر خلال فترات معينة تبعاً للتطورات سواء على مستوى السوق أو على مستوى الأخطار (4).
ثالثاً: الشكل القانوني للتنظيم:
المقارنة بين الأسس والقواعد التي تم بموجبها إيجاد بعض التكوينات المحلية، تشير إلى وجود جوانب مشتركة وأخرى متباينة. وبالنظر لاختلاف المسميات (هيئة، شركة، مجمع، صندوق، .. الخ)، فإننا سنطلق عليها جميعاً تسمية (التنظيم) تفادياً لتكرار الأسماء (وهى أحياناً طويلة) وبالتالي فإن التسميات ستكون (التنظيم الفرنسي….التنظيم الألماني….وهكذا).
التنظيمات الوطنية التي تتعامل بتأمين أخطار الإرهاب في الدول المختلفة تتخذ الأشكال القانونية الآتية:
– هيئة مملوكة بالكامل من قبل الدولة كما هو الحال في إسبانيا.
– مجمع خاص مع ضمانة حكومية كما هو الحال في فرنسا وأستراليا.
– مجمع خاص يقوم بالتأمين المباشر كما هو الحال في ألمانيا.
– تكوين تعاوني Mutual كما هو الحال في بريطانيا.
جميع هذه التنظيمات تقوم على أساس اقتسام الخطر بين الجهات ذات العلاقة، فالتنظيم يقوم عادة على أساس وجود طبقات حماية (Layers) حيث تساهم شركات التأمين في الطبقات الدنيا وأحياناً في بعض الطبقات العليا، ففي التنظيمين الفرنسي والألماني، تشترك شركات التأمين في الطبقات الأولى مع وجود طبقات أخرى مغطاة في السوق الدولية لإعادة التأمين، ثم تأتى ضمانة الحكومة فوق تلك الطبقات، أما في بريطانيا فإن التنظيم لا يشير إلى طاقة إعادة التأمين العالمية وإن أي دفع يتم من قبل الحكومة قابل للاسترداد في المستقبل.
وتطبيقاً لمفهوم أساسي من مفاهيم التأمين، فإن سلامة مسيرة التنظيم تعتمد من بين ما تعتمد عليه، على اتساع قاعدة الاخطار التي يتعامل بها التنظيم، فبعض التنظيمات تجعل تغطية خطر الإرهاب الزامية أو تلقائية ضمن الغطاء الاعتيادي كما هو الحال في التنظيم الإسباني.
كما أن بعض القوانين تلزم شركات التأمين بالاشتراك في التنظيم كما هو الحال بالنسبة للتنظيم الفرنسي الذى يجعل مشاركة شركات التأمين في التنظيم إلزامية بالنسبة للأخطار الكبيرة وغير إلزامية بالنسبة للأخطار الجماهيرية، أما التنظيم البريطاني والألماني فإنهما يعتمدان مبدأ حرية مشاركة الشركات في التنظيم. وكما أشرنا سابقاً، فإنه من الصعوبة بمكان تطبيق قواعد التسعير المعتمدة في تسعير أغطية الاخطار الأخرى. هذه الحقيقة يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار حينما يتم وضع الهيكل الخاص بالتنظيم، وينفرد التنظيم البريطاني بصفات معينة منها أن الغطاء الذى توفره الحكومة البريطانية يستدعى للدفع حينما تستنفد الأموال المتاحه لدى التنظيم بسبب تراكم الخسائر، وأن أي مبلغ يدفع من قبل الحكومة بسبب الخسائر، يتم استرجاعه من فائض العمليات المستقبلية. هكذا كان التنظيم حينما بدأ أعماله.
رابعاً: تعريف الإرهاب:
أحد الاركان الأساسية لأى تنظيم لمعالجة مشاكل الطاقة الاكتتابية في تغطية أخطار الإرهاب هو تعريف العمل الذى يمكن أن يوصف بأنه عمل من أعمال الإرهاب؛ لكى يكون بالإمكان تفعيل التغطية التي يمنحها التنظيم. هذا التعريف قد يرد في التشريع الخاص بالتنظيم أو بموجب القانون الجنائي للدولة.
وفى حال ما إذا كان التنظيم عبارة عن مجمع لإعادة التأمين (وليس مجمع تأمين مباشر)، فإن بإمكان شركات التأمين تسويق أغطية لأعمال تقع خارج نطاق التعريف الذى يعتمده التنظيم حيث قد تكون لدى الشركات تسهيلات أخرى تسمح لها بذلك أو أن تلك التغطية مما تحتفظ بها لحسابها الخاص.
وللتدليل على الأهمية القصوى لتحديد مفهوم العمل الإرهابي، نشير الى أن الوثيقتين اللتين كانتا تغطيان برجي المركز التجاري الدولي WTC كانتا مختلفتين من حيث الاشارة إلى خطر الإرهاب. فإحدى التغطيتين كانت تشير إلى الحادثة الواحدة Per Occurrence بشكل محدد ودقيق وبالتالي فإن شركات التأمين ربحت الدعوى أمام القضاء من حيث اعتبار ما جرى، بالنسبة إليهم حادثتين، فالتنظيم البريطاني الذى يحيل إلى قانون إعادة التأمين أخطار الإرهاب لسنة 1993، يعرف الأعمال الإرهابية (وليس الإرهاب) بأنها أفعال أشخاص يقومون بذلك لحساب أو بالتنسيق مع أي منظمة هدفها قلب حكومة المملكة المتحدة (أو أي حكومة شرعية أو بالفعل de Jure or de facto) أو التأثير عليها بالقوة أو العنف، ويلاحظ على هذا التعريف أنه لا يشير إلى بث الخوف أو الرعب في نفوس الناس ولا توجد أية قيود بالنسبة للأهداف سواء كانت سياسية أو دينية أو ايديولوجية، ويلاحظ أن قرار الحكومة بوصف عمل من الأعمال بأنه من قبيل الأعمال الإرهابية وإعطاء شهادة بذلك يؤدى إلى تفعيل التغطية ضمن التنظيم، أما إذا رفضت الحكومة اعتبار عمل من الأعمال بأنه من قبيل الأعمال الإرهابية، فإن الأمر يصبح من اختصاص القضاء.
وفى قانون الإرهاب لسنة 2000 الصادر في المملكة المتحدة والذى يشير إلى التعريف الوارد في القانون الجنائي، تمت إضافة حالة أخرى غير حالة التأثير على الحكومة وهى حالة إدخال الرعب في نفوس الناس أو أية فئة منهم، كما تم إيضاح الأهداف كأن تكون سياسية أو دينية أو ايديولوجية، وقد اعتبر إيجاد خطر جدى للصحة والسلامة العامة للجمهور من أعمال الإرهاب وكذلك الهجوم بالفايروسات على الأنظمة الالكترونية من قبيل تلك الأعمال.
وقد صدرت بعد 2001/9/11 ملاحق عديدة عن جمعية شركات التأمين (غير البحري) في سوق لندن حيث ورد التعريف في T3[2] كالآتي:
عمل يرتكب، بما في ذلك وليس على سبيل الحصر، باستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما في مواجهة أي شخص أو مجموعة أشخاص سواء كان مرتكب العمل يقوم بذلك منفرداً أو بعلاقة مع أي منظمة أو حكومة بهدف سيأسى أو ديني أو إيديولوجي أو اية فئة منهم في حالة خوف أو ذعر. من ذلك، يظهر أن استعمال وسائل لا تتصف بالعنف، كالهجوم بالفايروسات على الأنظمة الالكترونية أو تسميم الغذاء، يعتبر كذلك من قبيل أعمال الإرهاب. ومن جهة أخرى، يلاحظ وجود إشارة إلى العمل الذى يتم لحساب حكومة وهو تجديد لمواجهة الأعمال الإرهابية المرتكبة من قبل بعض الحكومات، ولا حاجة بالعمل أن يكون قد نفذ بل يكفى التهديد أو الشروع به، والتهديد لا يشمل ذلك الموجه للحكومة فقط بل للجمهور كذلك.
أما التنظيم الأمريكي، فإنه يشترط صدور شهادة من وزير الخزانة بالتعاون مع وزارة الخارجية والنائب العام بأن عملاً ما هو إرهابي، كما أن العمل الإرهابي بمفهوم التنظيم الأمريكي الأولى هو ذلك العمل الذى يرتكب من قبل أجانب أو لمصلحة أجانب وهذا يعنى أن الإرهاب المحلى غير مشمول بالتنظيم كما حدث في اوكلاهوما. كما يلاحظ أن الهدف الأولى في التنظيم هو حماية المدنيين الامريكيين أو المصالح الامريكية وحيث أن التنظيم يمول من قبل دافعي الضرائب، فإنه لا يشمل المصالح الاجنبية في الوقت الذى يمكن أن تستهدف مصالح غير أمريكية في أمريكا.
ويبدو أن التمييز بين الفاعلين أو الجهات والمصالح المستهدفة سواء كانوا من الوطنيين أو الاجانب قد تم الغاؤه في 2007.
أما التنظيم الألماني فإنه يعرّف الأعمال الإرهابية بأنها الأعمال المرتكبة لأهداف سياسية أو دينية أو اثنية أو ايديولوجية والتي من شأنها أن تبعث الخوف في نفوس الناس ومن ثم التأثير على الحكومة أو الهيئات العامة.
أما التنظيم الفرنسي، فإنه يأخذ بالمفهوم الوارد في القانون الجنائي للعمل الإرهابي بأنه عمل ذو علاقة بشخص أو مجموعة أشخاص الهدف منه زعزعة النظام العام عن طريق نشر الرعب والخوف بين الناس.
نخلص مما تقدم، إن مفهوم الإرهاب قد يختلف من تنظيم لآخر:
– فالبعض يوضح الباعث الدافع على القيام بالعمل ببواعث سياسية أو دينية أو أثنية أو ايديولوجية.
– والبعض يشير إلى أن العمل يستهدف التأثير على الحكومة أو أي هيئة عامة.
– والبعض الآخر يضيف إشاعة الرعب والخوف في نفوس الناس أو أية فئة منهم.
– والبعض يشترط أن يعمل مرتكبي الحادث لحساب أو بالتنسيق مع منظمة.
– البعض الآخر يقرر شمول بعض الأعمال المرتكبة لحساب حكومة.
– والبعض يجعل الأعمال التي لا تتصف بالعنف أو القوة ولكن تتوفر فيها الشروط الأخرى مشمولة بتعريف الإرهاب.
خامساً: المجال الجغرافي:
غالبية التنظيمات تقصر التنظيم على الأعمال المرتكبة داخل الحدود الجغرافية للدولة، ومع ذلك فإن التنظيم الأمريكي يشمل المصالح الأمريكية ضمن حدود الولايات المتحدة أو خارجها كخطوط الطيران أو الخطوط الملاحية ومقرات البعثات الأمريكية في الخارج.
سادساً: أنواع التأمين المشمولة والأخطار المغطاة:
يختلف الأمر بالنسبة لأنواع التأمين المشمولة من تنظيم لآخر، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتعامل التنظيم بمجموعة كبيرة من تأمين الممتلكات وتأمين الحوادث (أي تأمينات غير الحياة فيما عدا تأمين الحريق والبحري والضمانات)، في حين يركز التنظيم الفرنسي والألماني والبريطاني على الممتلكات والخسائر الناشئة عن توقف العمل. أما الأسترالي والنمساوي، فإنهما يتعاملان مع أنواع أخرى من التأمين كتأمين المسؤولية والحياة.
أما بالنسبة للأخطار المغطاة، فالتنظيم الفرنسي يضمن الخسائر عن استعمال مواد كيماوية أو بايولوجية أو نووية، في حين يستثنى التنظيم الألماني الأخطار الناتجة عن استعمال مواد نووية ما لم تكن مخزنة قبل الحادث في مكان موقع الحادث.
وغالباً ما تكون الممتلكات التي تتجاوز قيمتها مبلغاً معيناً هي الخاضعة لتنظيم، أما الممتلكات التي لا تتجاوز قيمتها ذلك المبلغ، فإنها تبقى من مسئولية شركات التأمين.
أما تسعير الأخطار، فإنه يتحدد عادة في علاقة التنظيم بشركات التأمين وليس بالنسبة لعلاقة شركة التأمين بالمؤمن لهم حيث أن التسعير ضمن هذه العلاقة متروك للطرفين.
سابعاً: حدود التغطية المتاحه للسوق من قبل التنظيم:
تختلف التنظيمات من ناحية الطاقة الاكتتابية التي توفرها للسوق، فاغلب التنظيمات تسعى إلى تقديم غطاء كامل بالقيمة الكاملة لمحل التأمين، إلا أن بعضها يحدد المبالغ التي يلتزم التنظيم بدفعها في حالة وجود ظروف معينة خصوصاً إذا كانت ضمانة الدولة محددة بسقف معين.
ففي التنظيم الأسترالي والهولندي حيث توجد حدود لمسئولية الدولة، فإن قاعدة التقسيم النسبي تطبق في حالة عدم كفاية أموال. التنظيم الأمريكي يعالج الأمر بشكل قريب مما جاء أعلاه.
أما التنظيم الفرنسي والإسباني والبريطاني، فحيث لا يوجد سقف لمسئولية الدولة، فإنه لا توجد حدود للتغطية التي يتعامل بها التنظيم.
ثامناً: تغطية أعمال التنظيم:
في أغلب التنظيمات الوطنية، تساهم الحكومات في دعم التنظيم عن طريق المشاركة في عملية تغطية أعمال التنظيم، وتتم تغطية هذه الأعمال على شكل طبقات Layers تشترك الشركات في بعضها وبنسب مختلفة.
تتم أولاً عملية تحديد احتفاظ كل شركة حسب حصتها من السوق، كما أنه توجد حدود لمجموع ما تتحمله شركة التأمين من خسائر نتيجة حوادث متعددة خلال السنة (aggregate)، وفى ذلك ضمانه لعدم تعرض كل شركة لمسئوليات تزيد عن طاقتها.
ثم تتم أعمال التنظيم بأغطية إعادة التأمين في الأسواق الدولية ثم تأتى بعد ذلك ضمانة الحكومة في الطبقة العليا على أساس فائض الخسارة (XL) أي معيد تأمين كمرجع وملجأ أخير reinsurer of the last resort.
وفيما يلى أمثلة على حدود التغطية التي تتمتع بها بعض التنظيمات:
التنظيم الفرنسي: الغطاء الحكومي يعمل في حالة زيادة الخسائر عن 2 مليار يورو وبدون حدود لضمانة الحكومة.
التنظيم الأمريكي: الغطاء الحكومي محدود بـ 100 مليار دولار.
التنظيم الألماني: الغطاء الحكومي يعمل في حالة زيادة الخسائر عن 2 مليار يورو لكل حادث وبالإجمالي، وتوفر الحكومة الالمانية غطاء بحدود 8 مليارات.
التنظيم الإسباني: ضمانة حكومية غير محدودة تستدعى للدفع في حالة تجاوز الخسائر ما هو متوفر لدى الهيئة الحكومية من أموال.
تاسعاً: الطاقة المتوفرة لدى الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب AWRIS:
استطاع الصندوق العربي أن يوفر طاقة اكتتابية بحدود 40 مليون دولار لدول الخليج العربية و 20 مليون دولار للدول العربية الأخرى وذلك بالنسبة لأخطار الإرهاب والتخريب Sabotage and Terrorism ويتعامل الصندوق بالأخطار التي قد تتعرض لها المباني والمنشآت التجارية وتشمل التغطية الحريق والانفجار الناشئين عن أعمال إرهابية ويستعمل الصندوق نموذج (T3) لتغطية أخطار الإرهاب للممتلكات ونموذج (T3a) بالنسبة للخسائر الناشئة عن التوقف عن العمل.
خاتمة:
هذه الجولة في الحلول الوطنية لمشاكل الطاقة الاكتتابية في تأمين أخطار الإرهاب هدفها إعطاء صورة لما قامت به الدول المختلفة في ميدان تبدو فيه أسواق التأمين المحلية وأحياناً الدولية غير قادرة على مواجهة المسئوليات المستجدة المترتبة على آثار الأعمال الإرهابية، وتدخّل الدول يصبح أمراً ضرورياً من أجل توفير الأغطية التأمينية بكلفة مناسبة، ومما لاشك فيه إن ما يهم الحكومات هو توفير المناخ الملائم للنشاطات الاقتصادية لممارسة أعمالها.
وبالرغم من أن لكل سوق تأمينية محلية ظروفها وقواعدها ولكل حكومة سياستها واستعداداتها، فإن عوامل مشتركة برزت من خلال المقارنات التي عقدناها بين التنظيمات المختلفة، ويأتي في مقدمة تلك العوامل السعي إلى خلق حالة من التوازن بين مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة بالموضوع: مؤمن لهم وشركات تأمين وشركات إعادة التأمين والحكومات، وحيث أن هذه التنظيمات هي كيانات متطورة، فإنه لابد للمتتبع من الاطلاع على آخر التطورات المستجدة.
وقد ترى بعض الدول العربية التي تعتقد حكوماتها إن من واجبها التدخل لتوفير الحماية اللازمة تكوين تنظيمات خاصة بها حيث ستجد في هذه الورقة تجارب يمكن الاستفادة منها.
الهوامش:
1- Prof. Shama cite par Michael D. Miller, Marine War Risks (London: Lloyd’s of London Press, 1990. 3rd revised edition 2005).
2- Insurance Institute of London, War Risks and Terrorism: Report of Research Study Group 258, IIL, 2007).
3- The IIL: War Risks and Terrorism.
4- Ibid.
States Having Certain Arrangements for Risks of Terrorism
The state Name
UK: POOL RE-Reinsurance (Reinsurance (Acts of Terrorism) Act 1993)
Pool Reinsurance Company Ltd
Germany: Etremus Versicherungs 2002
USA: TRIA-Terrorism Risk Insurance Act 2002
France: Gareat gestion de L assurance et de la Reassurances de Risques attentats et actes de Terrorism 2002
Spain: Consorcio de compensacion de seguros 1941-1954
Australia: ARPC-The Australian Reinsurance Pool Corporation 2003
Holland: Dutch Terrorism Risk Reinsurance Company 2003
Switzerland: Terror-Versicherung 2003
India: Terrorism Pool 2002
South Africa: 1979
[1] نشرت هذه الدراسة في مجلة التأمين العربي، العدد 99، 2008، وقد حصلنا على موافقة الاتحاد العام العربي للتأمين لنشرها في مرصد التأمين العراقي. وما يدفعنا لنشرها هو توسيع عدد قرائها في العراق نظراً للاهتمام الذي يحظى به موضوع تأمين خطر الإرهاب وغياب برنامج وطني لتغطيته. وبهذا الشأن يمكن الرجوع إلى بعض المقالات المنشورة عن الموضوع في مرصد التأمين العراقي التي تؤكد هذا الاهتمام:
المحامي منذر عباس الأسود: دعوة لتشكيل مجمع لتأمين خطر الإرهاب
Pool for Terrorism
عبدالكريم حسن شافي: “التـأمين وخطر الأعـمال الإرهابية: تجربة شركة التأمين الوطنية انموذجاً”
Insurance & Terrorist Acts in Iraq
عبد القادر عبدالرزاق فاضل: “مقترح توفير غطاء تأميني ضد خطر الارهاب”
https://iraqinsurance.wordpress.com/2013/03/
مصباح كمال
[2] وثيقة تأمين نموذجية لتأمين خطر الإرهاب مستخدمة في سوق لندن وتوسع استخدامها خارج لندن (م. كمال).