Remembering Suhair Hussein Jameel


في ذكرى السيدة سهير حسين جميل

رحمها الله

 

 

سحر الحمداني

 

 

عرفت السيدة سهير كمديرة للقسم القانوني في شركة التامين الوطنية في نفس الطابق الذي كنت اداوم فيه في قسم الانتاج والعلاقات مع المرحوم امين الزهاوي.  كنا موظفين صغار بدأنا توا حياتنا الوظيفية ننظر لمثلها نظرة مهابة واعجاب.  لم يكن لي اي تماس معها في البداية.  في احد الايام استدعيت للمساعدة في حفلة صغيرة لمجلس الادارة، للمساهمة في التقديم، وكنت مرتبكة.  وضعت ورق المائدة في وسط الصحن، اقتربت مني بهدوء وطلبت ان اعدل وضعية الورقة في الصحن الى الجانب.

 

جمعتني مرة اخرى معها في مكتب السيد المدير العام بديع السيفي حيث كانت الشركة تزمع تصنيع مواد دعائية للشركة عبارة عن غطاء طاولة بالوان مختلفة، وكنا مجموعة من الموظفات حيث اخترنا ما يناسب ذوقنا الا ام بشار، بنظرتها الشاملة، قالت: هناك فئات من الشعب ستفضل غير اللون الذي اخترناه ولا بد من مراعاة  الاخرين.  وهكذا كان رأيها اعمق منا جميعا.

 

اشرتُ في اول ايميل بعد وفاتها إلى صفة اساسية وهي انها تلتزم موظفيها لأبعد الحدود.  وامس حدثني زوجي، الذي كان موظفا جديدا تحت ادارتها في القسم القانوني، انه سها عن تقديم تمييز لأحدى الدعاوي مما يُضر بالشركة ويضره شخصيا، وعندما علمت السيدة سهير بذلك ذهبت معه الى قاضي التمييز وحكت له الموضوع ورجته ان يقبل التمييز.  وفعلا تم ذلك.  برأيي هذه صفة عظيمة في المدير وتساعد في بناء كادر قوي وكفوء ولا نجدها في يومنا هذا.

 

اعود لأتكلم عن فترة عملي تحت ادارتها بالقسم الفني.  وبالمناسبة فُرض عليها اداء مهام القسم الفني حيث كانت تقول انا قانونية وليس لي علاقة بالعمل الفني الا ان الأستاذ موفق حسن رضا، امد الله في عمره، كان يعرف كفاءة موظفيه وقدراتهم، اصرَّ عليها لإدارة القسم الفني.  وفعلا كان من الاقسام المتميزة.  لا يخفى بأنها كانت شديدة معنا، والشدة مطلوبة من المدير، لكنها كانت انسانية ايضا من ناحية العمل.  عندما كنا نقدم مطالعة لا تعجبها او مقترحاً غير صحيح تناقشنا بها وتطلب اعادة كتابتها ومن ثم تهمشها بتوقيعها البسيط.  انها ليست من المدراء الذين يبرزون كفاءتهم على موظفيهم ويكتبون الهوامش الطويلة على المطالعة.  وهذه صفة جميلة اخرى تساعد الموظف لتطوير نفسه وكفاءته.  كانت المرحومة لا تبخس جهود موظفيها، بالعكس كانت ترفع من قدر موظفيها وتفرح لمكافئتهم وتمتدح اداءهم.  لا نجد الان هذه الصفة وسط جهلة وافاقين من حملة الشهادات المزورة الذين يحكمون بلداً عريقاً كالعراق.

 

اعتدنا قبل نهاية الدوام الرسمي بربع ساعة ان تخرج السيدة سهير من غرفتها لتجلس بجانب احد الموظفين وتتجاذب الحديث معهم سواء عن تعويض معين او عن اي موضوع عام حيث انها كانت مثقفة وغالبا ما تتأبط كتاباً تقرأه.  كما كانت لها ذائقة فنية حيث ترتاد المعارض الفنية وتقتني اللوحات، اضافة الى انها درست اللغة الفرنسية.

 

بعد احداث غزو الكويت تأثر عمل شركة التامين الوطنية بشكل كبير وبدأ الموظفون الاكفاء يغادروها.  أحالت نفسها على التقاعد عام 1992 وانصب اهتمامها على اقتناء الانتيكات، وافتتحت محلا لها لكن الظروف الاقتصادية في العراق لم تكن تساعد على ازدهار هذه الاعمال، خصوصا مع هجرة الكفاءات والعوائل التي تقدر هذه المقتنيات، فأغلقته.  لكنها بقيت تقتني القطع الجميلة وتزودنا بها لنزين بيوتنا بها بأسعار مناسبة.  هنا اود ان اشير إلى ان بيتها من اجمل البيوت التي دخلتها في حياتي، كل قطعة فيه تشير الى الذوق الرفيع والعريق عراقة عائلتها.  واخيرا اشير بأنها انسانة بمعنى الكلمة.  كانت تتمشى من بيتها الى شركة التامين وفي طريقها تقتني بعض النباتات والزهور.

 

لي موقف انساني مع السيدة سهير لن انساه ما حييت.  غادرتُ الشركة سنة 1993 وكان اتصالي بها قليلا، يقتصر على حضور الفاتحة على روح والدتها وزيارتها لمرة او مرتين لكنني في العام 2001 وانا في مستشفى الراهبات في حالة يائسة، لان ولدي الذي عمره 15 سنة فقط قد ازيل منه ورم سرطاني، وكان باب الغرفة مغلقا لأنني لم اكن استطيع استقبال احد، سمعتُ طرقا خفيفا على الباب فتحته فاذا بالسيدة سهير حسين جميل واقفة امامي وبيدها علبة شوكولاته مع صديقتنا العزيزة احلام البحراني.  وبقيتْ تتابع اخبار ابني الذي شفاه الله، واصبحنا نتزاور.  وعندما انتقلنا للأردن استمرينا باللقاء نحن الثلاثة، سهير حسين جميل واحلام البحراني وانا، الى ان غادرتُ الى كندا.  وكنتُ اتابع اخبار سهير عن بُعد.  وكان علىَّ الاتصال بها الا انني علمت ان ابنها بشّار كان في زيارة لها ففضلت الانتظار.  لم اكن اعلم انني لن اتكلم معها ثانية.

 

رحمها الله وابقى ذكرها الطيب في نفوسنا.

 

كندا 30 تشرين الأول 2012

Post a comment or leave a trackback: Trackback URL.

أضف تعليق